سيناريو: عياش والوطن



عياش والوطن
نص وأشعار: مريم العموري
إنشاد: فرقة الروابي
1996



**
هل تعلم أن الوطن ينطق كلما أهديتَ إليه شيئاً من جسد العمر، ويفرح حين يكون في روض قلبك حباً عظيماً، تصبّ له من روحك قهوته العربية الأصيلة!..
أنت والوطن، شجنٌ من عبق الليمون المتوحّد مع أصول الأغنيات النقيّة..
آهٍ كم من عيون تحملق فيكما، وكأنكما من عالم غير هذا..
فخذانا..
خذانا إلى بعض حبكما، فبعضه يملؤنا بنشوة الحياة..
خذانا وضمّانا في أجنحتكما إلى حيث تسافران بعيداً... هناك..
إلى حيث ترحلان في شكل الشهاب المتوقّد نوراً ... ومضاءً... ودفئا..
خذانا..
فلعلنا نقدر أن نقصّ للدنيا قصة حبكما أيها الكائنان العظيمان..
أنتما يا توليفتي العمر والمكان...
أنتما وحسب
عيّاش... والوطن

**
يا جراح القلب فيضي
وابذلي ماء الوريدِ
     
لستِ مني إن رضيت ال
عيشَ في ذلّ العبيدِ
     
***
     
إنني الشادي جهاراً
أبتغي لحن الخلودِ
     
إن أمُتْ تحيا بلادي
أو أجُدْ يحلو نشيدي
     
***
     
قد نظمتُ الموت لحناً
مُرهِفاً سمعَ الوجودِ
     
هذه بعضُ لحوني
هل لشدوي من مزيدِ
***

***


ظلّ البطل مُسجّىً على الأرض، وكل قطعةٍ من وجهه ويده تنبئُ بأن القصة لم تنتهِ.. ولكنها للتوّ بدأت.
التفاصيل في حياة هذا البطل جِدُّ كثيرة، جِدُّ عظيمة في كل شيئ.
عيّاش.. صانع القنابل والمتفجرات، ومخترع المرحلة الأمل، يدركُ أنه هدف عدوه الأول، ويؤمن أن لله حكمته في تدابير أمره.
لقد قالها مراراً: "أعرف أنه سيأتي يومي، ولكني آمَلُ أن أتركَ بعد موتي ألف مهندس، وألف عياش.

**
مشيني يا أمّ إليكِ
فأنا حرٌّ بين يديكِ
     
أمتلك الدنيا
     
مشّيني فالطفل كبير
هذا الوقتُ عليهِ قصيرْ
     
كي يصل العليا
     
مشّيني أشتاقُ لأكبر
فوق الورد وفوق المرمر
     
تنتفض الرؤيا
     
مشّيني أشتاقُ لقُرْبِكْ
وخذي ورد العمر لعمركْ
     
كي تحلو اللقيا
  
من هذا الصغير الذي يضحك في ضحكته نوّار اللوز، تناغمهُ أوراق زيتونة مقدسيّة..
من هذا الصغير المستغرق في النظر إلى السماء.. وعيناهُ تبعثان شيئاً من بريقهما إلى مجهول ما..
ما أجمل هذا الصغير
وما أوسع السماءَ في عينيه..

***
مشـّيني يا أمُّ على مهْلٍ
كي أدرسَ شكلَ الأرضْ
كي أفهمَ جغرافيَّتها المتّسقة
فأنا المولود المتدثِّرُ في عينيها
في شفتيها
في رمْلِ شواطيها الممتدّةِ حتى الشمسْ
ما أروعها إذ ترسمني
طفلاَ يكبُرُ كلَّ دقيقة
في غفوتهِ سمَرُ الليل
في صحوتهِ عَبَقُ الدنيا
في صرختهِ كلُّ الغضب
***
**
لم يكن يوم ميلاده في السابع من آذار عام 1966 يوماً عادياً. ربما كان كذلك في ذلك الوقت..ربما!!!.
ولكنه أصبح الآن منقوشاً في ذاكرة كل واحد فينا، كما أصبحت رافات مَعْلَماً قدسياً تحجّ إليه قلوبنا وعيوننا، فنهديها سلاماً خاصاً حين نذكر وليدها العزيز.
ها هو يحيى، يطلع من بين السنابل سنبلة أخرى، تتعهّده الشمس بنورها، فتلفح أشعتها جبينه الوضيء، ليمسي في اتساقه مزيجاً من ذهب، لفّهُ بعض شفق.

مشيني يا أمّ على مهْلٍ
كي أفهم خارطة الأشياء
كي أدرك معنى أن أعشقكِ
أن أحملكِِ
في قلبي
في عيني
في غمرةِ روحي
يا روحي مشّيني ..
أشتاق إليكِ كما لم يشتق إنسان قبلي
فاقتربي
أفلا يا كلّي تقتربين!.
***
مشيني يا أمُّ على مهْلٍ
كي أحفظ رائحة الليمون
كي أرشُفَ طلّكِ من أكواب الفجر الطالعِ
في ربوَتنا
كي أملأ قلبي من كرْمتنا
كي تفرشَ لي الطرقاتُ بساطاً من حنّون
أتعثّرُ فوقَ عباءتها
أتقلّبُ تحتَ خمائلها
ينتابكِ بعض الخوف عليّ
لكني في صوتِ بكايَ أوشوشها
أملؤها في حبّة عينيَّ وأضحك
ها أنّي أشعر في رقّتها
تملؤني
تهمسُ لي
تحضنني
وأطيرُ بعيداً في الضحكات
آهٍ كم أعشقُ أن أتعثّرَ فيها ثانيةً يا أمُّ..
ونضحك
مَن فينا عرفه ولم يحبه..
من فينا من لم يتمنَّ أن يتوشح بلون عينيهِ الغاضبتين..
ها هو ذا يحفظ القرآن حينما يردد الأولاد في الطرقات أنشودة بلا معنى..
وينام على صدره الكتاب إذا غفا، في حين، يتأبّطُ الصِبيَة ألعاباً وأحلاما للعبةٍ جديدة.
يأبى أن يكون إلا الأول في كل شيء..
في مسجده.. في مدرسته.. في جامعته.. في قريته.. في قائمة المنتفضين..
في عمق جنديّته في صفوف الكتائب...
وفي براعة أستاذيّته حين حوّل كتب الهندسة إلى ملاحم تحدٍّ وقوالب موت.
هذا العبقري الذي وقف خبراء التفجير الصهاينة عاجزين عن تفكيك قنبلته الأعجوبة، حين اكتُشِفَ أمر السيارة التي فخخها عند مستوطنة رامات أفعال في تل أبيب. لم يكن أمام هؤلاء إلا أن يتركوها تنفجر في مكانها..
ومنذ ذلك الحين.. منذ تشرين ثاني عام 1992، وعياش يكيل لهم الموت كيلاً، ليغدو المطلوب رقم واحد لسلطات الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية.

**
من القلب عبّئ صدور البنادق
     
وسِرْ رافعَ الرأس في الخطوِ واثقْ
     
عيونك نارٌ.. فؤادُك حارق
     
وصوتك فوق الروابي مشانقْ
" الصلاةُ خير من النوم"
كان رمضان يحتفي بأهل الخليل ويخصّهم برحمته ومغفرته..
يزخرُ بالشيب والشباب والصبية وهم يملؤون جنبات الحرم الإبراهيمي خشوعاً..
حتى لكأنّ نسيم الفجر يسكُن وينام على هدْأةِ إطراقهم وخشوعهم..

هَـجعَ النسيمُ على سكونِ الراحلينْ
لفّتهُ أسمالُ السكينة والخشوعْ
وحوتْهُ ألطافُ الدموعْ
أوَما درى أنّ اللقا قد كان في طول السُّجودْ
والفجرُ محنـيُّ الضلوعْ؟..

الله أكبر..
يسجد المصلون
وإذا بنيران الغدر تطلق عليهم من كل صوب..

 
واغرورقت أشواقُ إبراهيمَ يلفحُها سَمومُ الغادرينْ
والشهرُ مهمومٌ حزينْ
لا يا خليلُ...فكفكف الدّرَّ الثمين
يفديك يا أوّاهُ منا ألفُ إسماعيلَ غـُرّاً ساجدين
وكان الردّ حاسما..
في العفولة.. الخضيرة.. نتساريم.. سلاح الطيران.. بيت ليد.. وغيرها وغيرها..

فجّر أضرب لا ترحم من فيها
     
دمّر خلّي عاليها واطيها
     
ولّعها لا تهتم.. عالغاصب المحتلّ
     
ما يجبها غير الدم.. ما يجِبْها غير الدمْ
رائد زكارنة، عمّار عمارنة، صالح صوّي، هشام حمد، صلاح شاكر، أنور سكر، خالد الخطيب، عماد أبو أمّونة، معاوية روكة، أيمن راضي..
هؤلاء ومن سبقهم:
ساهر التمّام، أيمن عطا الله، راتب زيدان، وغيرهم من منفذي العمليات الاستشهادية، كلهم أحباؤه ورفقاؤه.. أهدى إليهم الموت الذي يشتاقون.. وعلّمهم كيف يواعدونه وأين..
ليكون عليهم برداً وسلاماً.. وعلى أعدائهم ناراً وغِسلينا...
يحقُّ للأرض إذن أن تكفكف دمعها المسكوب. فهذه الثارات ردّت إليها شبابَها بشبابِها.
تطرّزهم بالحرير والقصب على ثوبها الفلسطيني الجميل، لتمشي مختالة مزهوّة بين العصور وهي تردد بملء اعتدادها..
هؤلاء مني وأنا منهم..

من الأشواقِ والرؤيا
من الدحنون قد عبروا
     
كأحلى من شذى اللقيا
هواهم فوقها قَمرُ
     
شغافَ القلب قد نذروا
     
***
     
هي القلب الذي عشقوا
هي الأجداد والعُمُرُ
     
هي الأم الشفوق بهم
هي التاريخ والصورُ
     
عليها روحَهم سكبوا
فروّى شوقَها مطرُ
     
ومن دحنونها عبروا
المُطارَد رقم واحد..
أو لعلهم قصدوا، المُطارِد رقم واحد..
أجل.. هو كذلك..

أخرجْ لهم
في كل ليل يرتدون عيونَهُ
في كل صبحٍ يشتهون أمانهُ
أخرج لهم
فلأنتَ رعبهم المدجّجُ بالدمارْ
ولأنت يومهم المكفّنُ بالدوارْ
أخرج لهم
في حلمهم
في كل لقْماتٍ غُمسنَ بظلمهمْ
من تحتهم
من فوقهم
من دمع أيتام وعدتَ بثأرهمْ
أخرج لهم
هذي البلادُ حبيبتُك
هي كل قلبك تعرفكْ
هي كل شعبك يحضنكْ
يا أيها الحرّ العظيم بحبها وبسحقهم
أخرج لهم
بكل هدوء، ردّ الجنود الصهاينة عند نقطة التفتيش في حاجز أيريز على تحية الحاخام الإسرائيلي الذي اعتمر قلنسوته الضيقة:..شلوم..
وهم يلوحون لسياراته السوبارو بالعبور إلى مناطق الحكم الذاتي، وقد وضع عليها ملصقات كالتي يضعها أنصار اليمين في الكيان الصهيوني مثل "الشعب مع الجولان"، "الخليل منذ الأبد"، "واستعدوا لقيامة المسيح".
ولم يعلموا أن اليهودي المبتسم، وصاحب العيون اللامعة الغائرة هو يحيى عيّاش، المهندس، والعقل المدبّر لسلسلة من العلميات الاستشهادية، أسفرت عن مصرع أكثر من مائة يهودي، وجرح المئات.

يا زريف الطول يا حامل رشاش
مْهندس قد القول ومن إسمو عيّاش
دوّخ اليهود ونارو ما بتهــداش
ومن أجل التحرير تهـون رواحنا
**
يا زريف الطول ساهر ما بتمـلْ
ثاير على طول نارك عالمحتــل
علّمت الشباب بأنو المصحف حل
وبرجال القسام تعـــود ديارنا
مدرسة عيّاش، مدرسة الذين يعشقون الشهادة.
هاهم يتخرجون منها:
لبيب أنور بطل عملية رامات غان في تل أبيب، وسفيان جبّارين بطل عملية رامات أفعال في القدس، وغيرهم ممن دربهم ليكونوا في ركب العيّاشيين الجدد تلامذة المهندس.
غزة مدرسة الإفحام الأولى..
فيها نتعلم معنى النخوة
فيها نتذوّق نظمَ الموت بقافية الثوّار
والمصحف تطبيقٌ إجباري
غزةُ كان لها شرف التخريج لفوج النخبة
نجحوا
وبمرتبة الشرف العليا
***
غزة ما حلمت يوما ما
ما نعست في ظل الوهم الشارد من مدريد إلى واشنطن
غزة ليست هدنة
غزة ليست صكّا
غزةُ نارٌ تتلظّى
غزة وما أدراك ما غزة.. قرة عين المهندس وحنينه..
غزة وما زال الحزن فيها مخيّما، وما زال السجان يكبلها، يحاصر نورها، يسرق منها بصيص أمل مطلٍّ من بندقية قسامي مجاهد..
ها هم يعدون عليه أنفاسه.. ويلاحقونه في كل مكان
يا حيف علّي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا
صاروا عساكر للعدو وإيد العدو باسو
قالوا الحقوق اترجّعت وع رقابنا داسوا
يا حيف شو جور الأهل قاسي إذا ناب*1
إيه يا رفقاء دربه ومحنته.
لم يكن قد غادركم عياش إلا قبل دقائق من غدر أعدائكم بكم، حين تعانقتم حميماً وعميقاً وكأنكم تتودّعون..
لم يكن أحد ليعرف من سيسبق الآخر..
ولم يكن عيّاش ليعلم أن أحباء آخرون سيبادرون بالرحيل..
منهم من صعدت روحه حيثما تمنى، ومنهم من أنار بنوره سجنه فأحاله ثكنة بطولة وإباء..
زاهر جبّارين، سلامة مرعي، عدنان مرعي، علي عاصي، بشار العامودي، كمال كحيل.. وآخرون..
عيناه لم تمسكا حزنه على من رحلوا وغادروه..

لا تحزن
إن غادر قلبُكَ قلبَك
إن أغمض صُبحُك صحبَك
فهنا .. في طيف عيون لم تذبلْ
تتضوّع آيات الحب المنسوجة في شكل الزنبق
لا تحزن
فعليٌّ مثلك يعشق بطن الأرض وخافقة الجوزاء
وكمالٌ ذا يتوحّدُ في كل تباشير العودة
ومعاً..
عدنانٌ يتذكر كل ملامح سهرتكم في حوش الدارِ
وجبّارينْ
يتذكّر أيضاً
فتذكّر أنت بأن لا تحزن
لا تحزن
إن غادر قلبَكَ قلبُك
إن عزَّ عليهم قربُكْ
فهناك تعود لتقرئهم عن كل المنتظرينَ سلاماً
فسلاماً
"يحيى.. هل ترحل إلى خارج الوطن؟.."
أرادوا له السلامة والأمان.. وأرادوها للعدو هزيمة أمنية جديدة..
فهل يرحل؟؟!!
" لن أخرج.. فليخرجوا هم من أرضنا... ها هنا يحلو المقام"
والزوجة الحنون، تعظُمُ في ركب الخالدات حين ترغّبه بالشهادة قائلة:
"هل تخرج!.. وأنت الذي كنت تتمنى الشهادة مع كل استشهادي تجهزه بيديك...
هذه فلسطين كل فلسطين بحاجة لأمثالك"

مرمر زماني يا زمـــاني مرمر
لو خيّروني فيكي مـــا بتخيّرْ
إنتِ ابتدايَ وفيكـــي منتهايَ
حبّك هُدايا في الحشــا بيتبختر
يا سُكّر روحي يا دوا لجروحـي
ما ارحل عن روحي لو دمي بيتعفّر
شعبك يا بلادي عالجـهاد ينادي
وقلب الأعـادي بنارنا يتمرمر
مرمـر زماني يا زمــاني مرمر
لو خيّــروني فيكي ما بتخيـّرْ
شوق
أيدركُني فـــؤادي بالتـَلاقـــــي
إذا يــوماً تعنّـــاهُ اشتياقـــــي
فيرسِــل في ســلام ِ الريــح روحـاً
تـُقبِّل بالرضــا ثغــرَ السواقــــي
يـدور حنينُهــا في نهــر عمـــري
فأسْكُبـُـني على بُسُـــط الرفـــاقِ
هكذا كان يشتاق إليهم كل يوم..
هكذا كانوا ينبضون في كل خلية من دمه..
فهل يا ترى سيدرك شوقَ فؤاده بلقائهم!!

إنتو الغوالي يالأهل
إنتو دمي الغالي
     
أفديكم بروحي وابد
ما بدّل احوالي
     
لكن في قلبي سكن
بدّيتو عا عمري
     
لمّن يكون الوطن
أغلى على بالي
  
**
نغمة حزينة تمتزج ببكاء وليد صغير.. أطل على الدنيا ولم يرَ أباه..
***
وحين أقبل يحيى.. رحل يحيى..
ما أسرع الذي حدث، لم يكن بوسع البطل أن يسمع أصواتهم.. أن يحدثهم.. أن يقول لهم:
"بخاطركم.. بخاطرك يابا.. بخاطرك يمة.. بخاطركم يا زغاري..."
لكنك كنت على يقين بالشهادة في كل لحظة، فآثرت الرحيل بصمت وهدوء.. كمثل ذلك الذي عُرفت به في حياتك.. في أشواقك.. في ثورتك..
آه يا يحيى لو أنك تنظر إلى كل فلسطين تحمل نعشك وتهتف باسمك..
ما أكثر الذين يحبونك.. أتسمعهم؟!.

رافات هاهي للبطل بالشوقْ
وعلّي جبينك في العلالي فوقْ
     
واتزنّري يا أمّنَا بالنار
تاتتركي قلب العدو محروقْ
     
مهما العدو فينا عمِلْ
نبقى شبابك والأملْ
     
ثايرين علّلي من الأزَلْ
شيمة شيمهم بوقْ
     
***
     
رافات حِنّا كُلِنا عيّاشْ
غير الفدا بأرواحنا بدناشْ
     
لحتى يرجع حقنا ويصير
بوجه العدو مدفع غضب رشّاش
     
كل شهم فينا قنبلة
ترميهم بنار وبلا
     
نحسم مصير المسألة
بغيرو أبد نرضاش
  
"الله أكبر.. بالروح بالدم نفديك يا شهيد"
من بين الجموع الحاشدة، ترتفع أمه بقامتها العظيمة، فيشقّ صوتها المتهدّج هدير الهاتفين:
"كلكم يحيى، الله يحميكم ويحمي جميع الشباب.. يحيى قهر اليهود في حياته، وما في أجمل من الشهادة.."
ثم رفعت يديها إلى السماء:
"الله يرضى عليك يا يحيى.. الله يرضى عليك يا يحيى.. الله يرضى عليك يا يحيى"
وانهارت مغشيّاً عليها..
تبحثُ عنهُ
بين سطور دفاترهِ المنثورةِ فوق المكتب
في حضرة صورة والدهِ المرسومةِ في ذاكرة الدارْ
تبحث عنهُ
في الحاكورةْ
في خبز الطابون الزاكي
في داليةٍ لم تتذوَّق أحلى من ضحكته العذْبة
في شمسٍ
قطفت من زنبق عينيه الرائعتين صداها
ومداها
و هديرَ الثورة اذ تتلوّن من هدأةِ قامته السمرا
تبحث عنه
في مشيتهِ
في بسمتهِ
في قبضتهِ
في كل زمان يصنعهُ
في كل مكان يرسمهُ
في أغنية... بَذَرتْها
عشقَتْها
و سقتْها قافيةَ العينين

يُمّة امويلي الهوا
يمة امويليّة
     
ضمي وليدي ي ابلادي
لترابك هديّة
     
يمة اتمنيت القاك
لو يا غالي اشويّة
     
وشفتك يا بعد عيني
في أحلى منيَّة
     
قَلّي يوم اتودعنا
احفظي الوصيّة
     
وما في أغلى من حُبِّك
غير ابلادي عليّة
     
وتحرم عَ عيني الدمعة
وعا روحي الأسيّة
     
وفرحِة قلبي ابحبيبي
عندي ألف وميّة
البراء، يمعن النظر في الأفق، وعيناه الصافيتان تحشدان حزناً على غضب..
هل سينتظر الردّ طويلاً؟!..
في النفس في العيون..
في الهاجس الظَّنونْ
يرتدّ صوت طفله براءْ
كأنما يسائل انتفاضة المطر
عن غضْبَة السماء
عن برقها عن رعدها عن كل هؤلاءْ..
هل تثأرون
هل تثأرون!!
ويبتسم البراء، ويقرّ بثأرهم عينا، فتلامذة أبيه لم ينسوا أستاذهم، فكانوا على الغادرين لعنة تمحقهم..
يا قدس هلّي ويا قدس شوفي
في عسقلان الرد وفي ديزنكوفِ
يا أبو البراء يا حنّة على كفوفي
اسمك للمجد والمجد لإسمك يوفي*2
أربع عمليات استشهادية خلال عشرة أيام، حصدتهم قتلى وجرحى..
هو ذا الرد جاء حاسماً كما ينبغي له..

البراء
وينك يا يابا شايل أسرارك
طوّلت الغيبة وما حدا شافك
مين هو يا ترى أغلى عا بالك
ترحل عشانو وعليك يمونا
يحيى:
وينك يا بنييّ وينك يا روحي
خذ عني سري وللدنيا بوحي
أنا المجاهد مَاْ اسأل عن روحي
كرمال الوطن روحي بتهونا
البراء:
يابا سلّموا الوطن للنذل
باعونا وقالوا سلامٍ عادل
عشنا وما شفنا غير المهازل
وظلم القرابا أصعب ما يكونا
يحيى:
حيِّ النشامى ردّولي ثاري
برزمة قنابل طفّولي ناري
والحبل يابا على الجرّارِ
والله ما انخلّي ولا صهيونا
البراء:
شَدّوا الرحال عا شرم الشيخِ
وقالوا ما انخلي في الدنيا شيخِ
وفي قانا تشهد يا جبل الشيخِ
كيف اتجبروا تيرعبـــونا
يحيى:
مهما اتجبّروا وقتّلوا منّــا
رجال القسام وما نلين حنّا
ولو كل العالم موتتنا استنّى
شعبك فدائية وما بيردونا
البراء:
يابا العزيمة فينا جبــارة
ودرب البطولة نمشي بجسارة
شعبك هالأبي طلعوا ثوّارا
من ابن الخمسة حتى التسعينا
يحيى
يابا يالبرا وصاتك إمّك
واهلك والربع والغالي خيّك
خلّي هالوطن في قلبك همّك
وأرضك الحرة انشالله بتصونا
البراء:
اطمّن يا يابا ولا تحمـل همّي
إنتا فؤادي والشعــب دمّي
ومع خيّي يحيى ومع دعوة إمّي
نكمّـل مشوارك حتى المنونا
عيّاش والوطن..
هذه التوليفة المثلى بين الأرض وعاشقها.. ملحمةٌ في إثْر ملحمة.. شرّشتْ في جسد التاريخ وأعطته الدافع كي يبقى حيّا في ذاكرتنا وعمرنا..
نعم..
لن يتوقف دفق العشاق في عروق الأرض، ولن تتنفّس رئتاها أنقى من هذا الذي ينفثه الجسد المُسجّى مسكاً وحنّاءً..
نعم..
هم دمها وهواؤها، هم حياتها وديمومتها، هم وحدهم يعرفون كيف يكون البذل بلا انتهاء..
ليس عيّاش آخرهم.. ولكن.. كثرٌ كانوا قبله، وكثر من سيكملون بعده..
فقرّ عيناً أيها التاريخ، ستكتبهم في سطورك بحروف من ذهب، وستمسح غبار السنين الراقدات عن ماضيك الذي نفخر..
وعلى أيدي الغرّ المحجّلين ستشهد اندحار الباطل ودولته قريباً بإذن الله..
"إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب"
انتهى
__________________
*1،*2 ، هذان الموالان إضافة من الأخ الأستاذ عماد الداوود

View nasheed's Full Portfolio
Afzal Shauq's picture

wish i could understand

Afzal Shauq's picture

wish i could undersyand