مجرد محاولة

هل أبدأ في سرد القصة التي من أجلها لجأت لصفحات بيضاء؟؟ هي قصة طالما حاولت عرضها على الآخرين بكلمات ليست مكتوبة ولكن أبداً لم يصل المقصود منها.. أبداً لم يصل إحساسي، أثق أكثر في كلماتي المكتوبة ولكن ثقة ليست مطلقة ...لا شئ مطلق في الحياة !

في حديثي مع الآخرين يهرب المنطق وتبقى الأحاسيس فيستعصي على الآخرين الاستيعاب، بل اكتشفت أنه يصيبني الشك  في إحساسي حين أبتعد عن مصدره فلا يبق لي شيء أقدمه! فكيف أطالب الآخرين بفهم يصعب عليّ فهمه؟؟!

ها أنا ذا أتخذ خطواتي الأولى للتعرف على قصتي المجهولة!

هل صادفت مرة موقفاً أنت على يقين فيه من أن الطرف الآخر على خطأ وأن لك كل الحق في إدانته وأن هناك عشرات من الأدلة تثبت ذلك إلا إنه مع الأسف ليس واحداً منها مادياً؟! ليس واحداً منها كافياً لإقناع طرف ثالث؟؟  وإذا حاولت .. تصبح أنت المدان!

الخطأ كالزئبق له أكثر من عذر وجميعها منطقية ولكن جميعها ليست حقيقية! وأنت وحدك تعلم ذلك! دعوني أتخذ على ذلك مثالاً: شخص ما أو شخصة تقول لك "أحبك"، ذلك النوع من الـ "أحبك" القاتلة التي لا ذرة صدق فيها، تتهم ذلك الشخص بالكذب فيدافع عن نفسه: "أترد الحسنة بالسيئة؟!" تتألم لانقلاب الحال: الأبيض أصبح أسوداً والأسود أبيضاً وما السبيل إلى إثبات الحقيقة؟ بل ولماذا إثباتها؟ الموضوع ليس سوى مشاعر وأحاسيس ملاوعة مراوغة تؤذي مشاعر غاية في الحساسية تلتمس الصدق ولو دفن داخل أعمق بئر أو خفي خلف أمتار من حائط صلب، ولا يستطيع إدراك الحقيقة سوى ذوي هذه الدرجة من الحساسية، والبعض يؤمنون بها إيمانهم بأصحابها… إيمان دون منطق، أما الآخرون فيرون الحقيقة وهماً..

سأستعين بمثال آخر ربما يزيد الأمر وضوحاً: "هيا امرح في المكان كما تريد .. ولكن احذر! فستؤذي نفسك إذا اتجهت يميناً، وحذاري تلك المعوقات على الجانب الأيسر، أما اتجاهك للخلف فهو غباءً وهل من أحد يتقدم للخلف ؟؟ ...... وأرجوك لا تسعى للأمام فهذا لي أنا!! وإياك والقفز ستصاب بالصداع ألا ترى عدم وجود ارتفاع كافي لذلك؟؟" وأخيراً: "يا له من مسكين، أعطيناه فرصة عمره ولا يزال ساكناً مكانه دون حراك!".

جريمة كاملة ترتكب في حق الجمال .. في حق الحق، في حق الحياة.. جريمة ترتكبها الطبيعة الإنسانية مثلما يدمر الزلزال أحد أجمل مدن العالم أو يدفن بركان مدينة بأكملها، فلا تستطيع أن تدين الزلزال ولا أن تتهم البركان .

كيف تلوم الأناني على أنانيته؟ في منطقه أن معه كل الحق! وما فائدة مواجهة الغيور بحقيقته التي لا يستطيع إنكارها ولا التعامل معها؟ المواجهة لا تزيد سوى الأمر سوءاً… تزيد الغيرة غيرة من قدرتك على المواجهة !

كيف بعد مضي أكثر من منتصف الطريق تجرؤ على مواجهتهم بزيف حياتهم؟ كيف تجرؤ على تحويل الأرض الصلبة التي أمضوا عليها حياتهم إلى رمال متحركة؟ كيف تتسبب في تدميرهم حين يدركون أن عليهم أن يعودوا إلى الصفر حتى يقفوا على أقدامهم من جديد؟ ذلك إذا تحملوا الصدمة المفجعة في حد ذاتها... هنا تكون أنت المجرم، أنت مرتكب الجريمة.. فالنوايا الحسنة أحياناً تضر بل وقد تقتل!

لن أنسى عبارة قابلتها عبر قراءاتي تقول: "إن كان ما تنوي تفعله خيراً له نتائج سلبية أكثر منها إيجابية فالتراجع فيه خير أكبر."

ما علينا سوى الرضاء بالزيف والتعامل معه كأحد مكونات الحياة الطبيعية، وعلينا أيضاً الحذر من عدواه، وإن أمكن  تجنبه إذا كان في التعامل معه خسارة.

أحياناً في أوقات ضعف وهي الغالبة أستسلم للتأثير السلبي ويرضي ذلك غرور الطبيعة  … فقد انتصرت! وأحياناً أكون بالقوة التي بها أحيط نفسي بحصن لا يقوى إنسان على تخطيه، وأكون بالقدر من الأنانية الذي يسمح لي بمشاهدة الهزيمة وعذري هو محاولة الدفاع عن نفسي، وأحياناً أخرى أكون بالقوة التي لا أحتاج فيها للحصن! فأتنازل لهم عن انتصار صغير يفرحهم في مقابل انتصاراتي العديدة الأكثر عمقاً .

هل يا ترى نجحت في إيضاح الأمر؟ أم استمر في محاولاتي؟؟ بصراحة لم يعد لي قدرة على الاستمرار، ونجاح المحاولة من فشلها ليس لي تحديده فالأمر لم يخفى عني منذ البداية، والإجابة على سؤالي متروكة لكم: هل استطاعت كلماتي المكتوبة أن تؤدي المهمة التي كلفتها بها؟

View wnature's Full Portfolio
tags:
Ozjan Yeshar's picture

هناك وقفة محيرة جدا بين الإبتلاء .. فهى موروث تارخى و دينى .. القتل فى حادثة قابيل و هابيل كانت ابتلاء .. رحلة نوح فى الطوفان كانت ابتلاء .. مرض أيوب كان ابتلاء ..رحلة يونس فى بطن الحوت 3 ايام كانت ابتلاء .. وقفة محددة جعلتنى أفكر بان الحياة فى ذاتها ابتلاء .. الم تكن الحياة على الارض هى عقاب لهذا الإنسان على فضولة و حريتة فى التمرد حتى على النعيم الفردوسى .. الرحلة لا تتوقف عند حدث او تاريخ و لكن الحياة نفسها أبتلاء .. لا اريد ان أطرح هذا الطراح المتشائم و لكن فكرة الابتلاء قائمة منذ قضم ادم التفاحة فأصبح الإنسان فى الأرض .. طرحك فلسفى جميل مستفز للعقل .. تحياتى

wnature's picture

شكرًا لتعليقك

شكرًا جزيلًا بعد مرور كل هذه السنوات أدركت المغزى العميق للابتلاءات التي نمر بها .. وربما وجدت في سنواتك قدر بعض الإيضاح ..

تحياتي