الهيروغليفية تفسر القرآن الكريم



بقلم: مرسي سعد الدين

بجريدة الأهرام 1999



هذا هو عنوان الكتاب الذي وصلني والذي جعلني أؤجل المقال الذي وعدت به القراء في مقالي السابق عن ويليام بتلرياتس ، أدهشني عنوان الكتاب فأمسكت به وفتحت صفحاته ولم أقفلها إلا بعد أن  انتهيت تماماً من قراءته ، ولا أدعي أني متبحر في الدراسات الإسلامية أو في علم المصريات ولكن هذا الكتاب استطاع أن يجعلني أفكر ، وجعلني أرجع إلى شروح وتفسيرات للقرآن الكريم لكي أستطيع أن أفهم ما أثبته مؤلف الكتاب .

مؤلف الكتاب هو سعد عبد المطلب العدل الذي يعطي لنفسه الصفة المتواضعة "باحث إسلامي" وقد كان لي حظ مقابلته فوجدته فعلاً متواضعاً إلى أقصى حدود التواضع وكان يتحدث عن نظريته بطريقة بسيطة وكأنه لا يعرف أنه بدأ نوعاً من الثورة على الجمود الذي حاق بالبحوث الإسلامية والذي وضع حداً للاجتهاد الذي هو من أسس ديننا الحنيف .



وصلني الكتاب وسط المعركة التي كانت تدور حول كتاب حيدر حيدر فكان كالنسيم العليل الذي يخفف من الجو المختنق الذي أثاره بعض العلماء خاصة أنه كان يحمل خطاباً من الإمام الأكبر شيخ الأزهر يثني على الكتاب ويصفه بأنه اجتهاد من جانب المؤلف يعكس مجهوداً يحمد عليه ، وأكثر من ذلك أن بالكتاب مقدمة بقلم العالم الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي الكتاب بأنه "قيم" ويقول أن مؤلفه الباحث المجتهد يريد أن يأتي برأي جديد في تفسير الحروف المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية ، وقد انتهى إلى أنها تدل على معان في اللغة الهيروغليفية وله أدلته التي عانى كثيراً في جمعها .



ولكن لعل من الأوفق أن أبدأ من البداية وأشرح ما الذي يسعى المؤلف إلى إثباته ، فالمؤلف يرى أن اللغة المصرية القديمة "الهيروغليفية" ظلت لسان العصر لكل من أراد أن يعبر أو يتكلم حتى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أكد أن أنبياء الله إبراهيم ويوسف وموسى وعيسى قد ألموا باللغة الهيروغليفية ثم بدأ بعد ذلك في شرح الحروف التي تتصدر بعض السور القرآنية وعددها 29 سورة وعدد الحروف 15 .



ويبدأ المؤلف بذكر التفسيرات المختلفة لهذه الحروف وكيف اختلف المفسرون حول معانيها فقال بعضهم أنها أسماء السور وقال آخرون ـ حسب قول المؤلف ـ أن ذكرها لبيان إعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله وبعد أن يناقش المؤلف هذه التفسيرات ويفندها ولا أريد هنا أن أخوض في هذا فأنه يصل إلى نتيجة مهمة وهي أن هذه الرموز هي كلمات وجمل ولما وجدنا أن هذه الكلمات لا تؤدي إلى معنى من المعاني في اللغة العربية كان لزاماً علينا أن نبحث في لغة أخرى من اللغات القديمة والمعاصرة لنزول القرآن .



وكانت تلك اللغة هي الهيروغليفية ، وهنا يثبت الباحث أولاً أن الله قد اختص منطقتنا وهي قلب العالم بكل الرسالات السماوية ، ويتساءل هل كل لغات المنطقة معنية بالأمر؟ وهل كل لغات المنطقة مقدسة؟ ونجيب بالطبع لا فاللغة المقدسة هي تلك التي تنزلت بها رسالة على رسول ، أو نبوة على نبي وهو يرى أن تلك اللغة كانت المصرية القديمة ويثبت الباحث أن نبي الله يوسف وهو من أبناء يعقوب قد تربى وعاش معظم حياته في مصر ولابد أن يكون قد أتقن اللغة المصرية القديمة وهكذا كانت سلسلة الأنبياء لداود وسليمان حتى زمن عيسى مع العلم أن داود مثلاً قد تأثر في مزاميره بأناشيد أخناتون التي ترجمها مما يدل على علمه باللغة المصرية ، كما أن النبي سليمان كانت حكمه المأثورة تكاد تكون ترجمة حرفية لحكم الحكيم المصري أمنوبي ثم يسأل "هل أتقن هؤلاء الأنبياء اللسان المصري آنذاك أم كان هؤلاء المصريون ـ أخناتون وأمنوبي ـ من الأنبياء الذين قال فيهم رب العزة لرسوله "ومنهم من لم نقصص عليك" أم نقلوا عن أنبياء لا نعرفهم .



ويستمر المؤلف ليقول أن نبي الله عيسى كما يذكر التاريخ المسيحي كان قد قضى طفولته في مصر ، وهذا ثابت في الرحلة المقدسة فلا مندوحة من التسليم أنه كان يعرف اللسان المصري آنذاك والمعروف لنا الآن باللغة القبطية: حتى أن أحد حوارييه ـ مرقص ـ الذي كلف بنشر الدعوة في مصر وأسس الكنيسة المرقصية بها والتي ما زالت هي مذهب القبط حتى الآن ـ لابد أنه كان قد عرف اللسان المصري وإلا كانت دعوته للمسيحية في مصر كقبض الريح وغير ذات مضمون كبير وغير مفهومة بدون وسيط اللغة.



بعد أمثلة عديدة يقدمها المؤلف يصل بنا إلى استنتاج مهم وحقيقة تاريخية وهي أن اللغة المصرية القديمة والمعروفة الآن تحت مسمى اللغة الهيروغليفية كانت لغة عالمية وكانت لسان العصر لكل من أراد أن يعبر أو يكتب أو يتكلم "ربما لا نبالغ إن قلنا حتى بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ويبدأ المؤلف بعد ذلك في شرح الحروف التي تبدأ بها 29 سورة وطبعاً لن أستطيع أن أقدمها هنا  ولكني سأختار قليلاً منها لكي أشرح نظرية الباحث سعد عبد المطلب العدل. أولاً طريقة البحث وهي طريقة علمية خالصة تعلمها الباحث أثناء دراسته في ألمانيا لمدة 12 عاماً لكل من اللغة الألمانية وعلم المصريات وما يفعله الباحث هو أن يرجع إلى اللغة الهيروغليفية لمعرفة أولاً وجود الحرف وثانياً معناه .



وقبل أن يبدأ المؤلف في شرح الحروف فإنه يعطي معاني إلى بعض أسماء المدن والأماكن وعددها كبير ولكن سأعطي هنا مثالاً أو اثنين فمثلاً مدن مثل الحجاز وخيبر وحين رجع إلى اللغة الهيروغليفية وجد أن الحجاز تعني النور وأن خيبر تعني الشرقية وأن حراء تعني أطلالاً أو خرائب ، ويستمر المؤلف ليشرح أسماء النبات مثل أوس وفهر وقريش ويرجعها إلى أصلها الهيروغليفي فالأوس مثلاً تعني الإدارة .

ويعرض الكاتب بعد ذلك علاقة اللغة المصرية القديمة بالقرآن الكريم ويعطي نماذج مثل كلمة "علق" ويجد معناها الهيروغليفي: العقل والفهم والإدراك ، ثم "الصافة والحاقة والحطمة وفردوس وبرزخ وغيرها ، كلها كلمات من أصل مصري قديم.



ويحدد المؤلف الفائدة والهدف المرجو من هذا البحث ومنهجه كالتالي: تحديد الرموز القرآنية المعجمة التي في أول السور الـ29 ، وإعادة كتابتها باللغة الأصلية ثم البحث عن معانيها في قاموس اللغة المصرية القديمة ثم التأكد من صحة معناها في السياق ، وقد ذلك يأتي هدف الكتاب وهو تعيين اللغات المقدسة وهي اللغة المصرية القديمة واللغة البابلية واللغة العبرية ثم اللغة العربية .



ويبدأ المؤلف بعد ذلك في شرح  الحروف بدءاً بسورة مريم التي تبدأ بعدد من الحروف وهي "كهيعص" ويبدأ في شرح حرك "ك" ويرسمه باللغة الهيروغليفية ويبين أن معناه ، بعد الرجوع إلى قاموس جاردنر الشهير "يكشف النقاب عن سر" أما "هـ" فمعناها "انتبه" و"ي" معناها "لهذا وإليك" أما "ع" فهي تعني "عبداً صالحاً جميلاً صادقاً حسناً" و"ص" تعني "يقول ، يتكلم ، يحكي ، حكاية قصة".

ومن ثم فإن المعنى العام لهذه الجملة هو: "سنكشف لك النقاب عن سر من أسرارنا منزل إليك من السماء فانتبه! إليك القصة الحقيقية" (نحن نقص عليك القصص الحق) ويستمر المؤلف بعد ذلك ليسأل ماذا تضيف هذه المعلومة إلى تفسير الآيات في سورة مريم ، هو يرى أن المعنى المقصود هنا هو القصة الحقيقية لميلاد السيد المسيح وهو في الحقيقة المستحق لميراث النبوة الموعودة لسيدنا إبراهيم في نسله ، ثم يستمر فيعطي تفصيلات ليس هنا مجال ذكرها .



وتأتي بعد ذلك سورة القلم التي تبدأ بـ"ن والقلم  وما يسطرون" ويحاول المؤلف تفسير "ن" ويقول أنها ليست حرفاً هجائياً بل أنها كلمة مكونة من ثلاثة حروف هي حرف النون والواو والنون ، كلمة "ن" في المصرية القديمة تعني "هبطوا وانحطوا وغفلوا وتبلدوا" ومن ثم فإن المعنى للآيات الأولى لسورة القلم هو "تباً لهم وتباً للقلم الذي يسطرون به ، واللسان الذي يتلفظون به ، وتباً وسخفاً لما يسطرون وما يكتبون من جهالة ..الخ



وبعد أن يحلل سعد عبد المطلب العدل جميع الحروف ويرجعها إلى أصلها الهيروغليفي يقول أنه استطاع أن يصل إلى المعنى الحقيقي لكل تلك الرموز فوضح أن كل سورة من ناحية الشكل والقلب هي إعجاز أدبي وفيق المقام والمنزلة وأن هذا يعكس إعجازاً لغوياً يتمثل في ذوبان اللغة المعجمية "المصرية القديمة" فيما حولها من تعبيرات عربية حتى لا تكاد تحس بغرابتها فإن هذه الكلمات رغم عجميتها تلاءمت وتناغمت مع باقي الجمل العربية بعدها تناغماً نحوياً منقطع النظير .

ويذكر المؤلف خاتمة كتابه أن الرمز في بعض السور كان يمثل لغزاً مستعصياً حار فيه كل الباحثين ولكنه استطاع بعد بحث متعمق دام سنوات عديدة أن يصل إلى المعنى الحقيقي لتلك الرموز ويقول المؤلف في النهاية أنه على وعد بلقاء علمي ذاخر بالمفاجآت تذهل الألباب ، في كتابنا القادم نقدم القصة الحقيقية لأبي الأنبياء وخليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

ثم يضيف: "وبعد أيها القارئ الكريم! لقد انتهت جولتنا بحمد الله وتوفيقه ، فإن أكن فيه وبه أصبت فهو توفيق من الله تعالى فبقدرته كتبت وبتوفيقه وصلت .



وإن تكن الأخرى: فحسبي أنني ابتغيت بهذا العمل وجه الحق ، وأعرف أن من ابتغى الحق خالصاً لوجه الله فأخطأ فله على ما بذل أجر ، وفي مقدمة الكتاب يقول د.محمد رجب البيومي وبمراجعة فصول الكتاب تعرف أنه قرأ كثيراً في كتب التفسير وكتب التاريخ ، واختار منها ما قد ينفعه في تثبيت دعواه ، فهو قد عانى ما عانى ، ولسنا نقف أمام معاناته ، ولكننا نحمد له أن اجتهد وأن أوضح رأيه تمام الإيضاح وعلى المتخصصين أن يصدروا رأيهم في ما اهتدى إليه من نتيجة .. وبعد أرجو من القارئ أن يفسح صدره لكل رأي خالفه أو وافقه لأن الاجتهاد العلمي أمر مشروع ولابد أن تمتد حلقاته ، ووراء المؤلف ناقد ، والنقد المخلص يضع الميزان الصحيح.

تحية إلى المؤلف وإلى د. البيومي الذي يعكس لنا الوجه الصحيح والصبوح للإسلام .


View wnature's Full Portfolio