محمد عبدالحي : النشيد الثانى : المدينة



النشيد الثانى







المدينة







سأعود اليوم يا سنَّار ، حيث الحلم ينمو تحت ماء الليل أشجاراً



تعرّى فى خريفى وشتائي



ثم تهتزّ بنار الأرض، ترفَضُّ لهيباً أخضر الرّيش لكى



تنضج فى ليل دمائي



ثمراً أحمر فى صيفى ، مرايا جسدٍ أحلامه تصعد فى



الصّمتِ نجوماً فى سمائى



سأعودُ اليوم ، ياسنّارُ ، حيث الرمزُ خيط’’،



من بريقٍ أسودٍ ، بين الذرى والسّفح ،



والغابةِ والصحراء ، والثمر النّاضج والجذر القديمْ.







لغتى أنتِ. وينبوعى الذى يأوى نجومى ،



وعرق الذَّهب المبرق فى صخرتىَ الزرقاءِ ،



والنّار التى فيها تجاسرت على الحبِّ العظيمْ



فافتحوا ، حرَّاسَ سنّارَ ، افتحوا للعائد الليلة أبواب المدينة



افتحوا للعائد الليلة أبوابَ المدينة



افتحوا الليلة أبواب المدينة.











- "بدوىُّ أنتَ ؟"



"لا –"



- " من بلاد الزَّنج ؟"



" لا –"







أنا منكم. تائه’’ عاد يغنِّى بلسانٍ



ويصلَّى بلسانٍ



من بحارٍ نائياتٍ



لم تنرْ فى صمتها الأخضرِ أحلامُ المواني.



كافراً تهتُ سنيناً وسنينا



مستعيراً لى لساناً وعيونا











باحثاً بين قصور الماء عن ساحرةِ الماء الغريبه



مذعناً للرِّيح فى تجويف جمجمة البحر الرهيبه











حالماً فيها بأرض جعلت للغرباء



-تتلاشى تحت ضوء الشمس كى تولد من نار المساءْ _



ببناتِ البحر ضاجعنَ إله البحر فى الرغو...



(إلى آخِرِهِ ممّا يغنِّى الشعراءْ!)



ثمَّ لّما كوكب الرعب أضاءْ



إرتميت.



ورأيتُ ما رأيتُ :



مطراً أسود ينثوه سماء’’ من نحاسٍ وغمام’’ أحمر’. شجراً أبيض – تفاحاً وتوتاً – يثمرُ



حيث لا أرض ولا سقيا سوى ما رقرق الحامض من رغو الغمام.











وسمعتُ ما سمعتُ :



ضحكات الهيكل العظمىِّ ، واللحم المذابْ



فوق فُسفورِ العبابْ



يتلوى وهو يهتزّ بغصّات الكلامْ.



وشهدتُ ما شهدتُ :







كيف تنقضّ الأفاعى المرعده



حينما تقذف أمواج الدخان المزبده



جثةً خضراء فى رملٍ تلظىَّ فى الظلامْ.







صاحبى قلْ ! ما ترى بين شعاب الأرخبيلْ



أرض "ديك الجن" أم "قيس" القتيل ؟



أرض "أوديب" و"ليرٍ" أم متاهات " عطيل" ؟



أرض "سنغور" عليها من نحاس البحر صهدُُ لا يسيلْ؟



أم بخار البحر قد هيّأ فى البحر لنا



مدناً طيفيّةً ؟ رؤيا جمالٍ مستحيل؟



حينما حرّك وحش البحر فخذيه : أيصحو



من نعاسٍ صدفى ؟ أم يمجُّ النار والماء الحميما؟







وبكيتُ ما بكيت :







من ترى يمنحنى



طائراً يحملنى



لمغاني وطنى



عبر شمس الملح والريح العقيمْ



لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ.



ثم لّما امتلأ البحرُ بأسماكِ السماءِ



واستفاقَ الجرسُ النائم فى إشراقةِ الماء







سألتُ ما سألت’ :



هل ترى أرجع يوما



لا بساً صحوىِ حلما



حاملاً حلمىَ همّا



فى دجى الذاكرة الأولى وأحلام القبيلة



بين موتاى وأشكال أساطير الطفوله.







أنا منكم .جرحكم جرحى



وقوسى قوسكم.



وثنى مجَّد الأرضَ وصوفىِّ ضريرُُ



مجَّد الرؤيا ونيران الإلهْ.







فافتحوا















حرَّاس سنّارّ ،







افتحوا بابَ الدَّم الأوّلِ



كى تستقبل اللغةَ الأولى دماهْ



حيث بَلُّور الحضورْ



لهبُُ أزرقُ



فى عينِ



المياهْ



حيثُ آلافُ الطيورْ



نبعتْ من جسدِ النّارِ.



وغنّتْ



فى سماوات الجباهْ.







فافتحوا ، حرّاسَ سنّار ،







افتحوا للعائد الليلة أبواب المدينة



افتحوا الليلة أبواب المدينة



افتحوا.....















" إنّنا نفتح يا طارقُ أبواب المدينة



"إن تكن منّا عرفناك ، عرفنا



" وجهنا فيك : فأهلاً بالرجوعْ



" للربوعْ.



" وإذا كنتَ غريباً بيننا



" إنّنا نسعد بالضِّيف ، نفدِّيهِ



" بأرواحٍ ، وأبناءٍ ، مالْ



" فتعالْ.



" قد فتحنا لك يا طارقُ أبواب المدينة



" قد فتحنا لك يا طارقُ...



" قد فتحنا...."







ودخـــلتُ











حافيا منكفئا



عارياً ، مستخفياً فى جبة مهترئة



وعبرتُ



فى الظلامْ



وانزويت



فى دياجير الكلام











ونمــــتُ







مثلما ينامُ فى الحصى المبلول طفل الماءْ



والطّير فى أعشاشهِ



والسمك الصغير فى أَنهارِهِ



وفى غصونها الثِّمارُ



والنجوم فى مشيمةِ



السماءْ.


View sudan's Full Portfolio
tags: