جيلي عبد الرحمن : أحِـنُّ إليـكِ يا عَبري







أحِـنُّ إليـكِ يا عَبري

حَنيناً مـاجَ فى صَدْري

وأَذكرُ عهدَك البسَّـامَ

عهدَ الظلِّ فى عُمْـري!

تطوفُ بخاطري الذِّكرى

من الأعْماقِ..من غَوْري

وتبـدو لي ملامحُـهـا

كطيـفٍ خالـدٍ يَسْري

عليهِ غُلالـةُ سـوداء

ذابتْ فى رُؤى الفجـرِ

طيوفٌ لسْتُ أنساهـا

مدى الأحْقابِ والدهرِ

***************

أنـا ظمـآنُ يا عبري

إلى الأمْـواهِ والطـيرِ

إلى كثبانِـكِ الغرْقـى

هُناكَ... بحافَّـةِ النهـرِ

يذهِّبـُها سـنا الشَّمْسِ

بأكْسِـيـةٍ من التـبرِ!

ونخـلٍ سامِقِ القامـاتِ

مِلءَ السفحِ.. والجِسـرِ

يُطـلُّ على رُبى النيـلِ

ويحمِـلُ أطيَبَ التَّمْـرِ

غِـذاءٌ.. دائـمٌ.. حلوٌ

لَنا فى البَـردِ..والحـرِّ

وأطبـاقٌ مبعْـثَـرةٌ

على أكْواخِكِ السُّمْـرِ

تَلألأُ مِـثـلَ آمـالٍ

نَمَتْ فى جَدْبَـةِ القَفْـرِ

***************

وخَلْفَ جِبالِكِ الثَّكْلى

عُتـاةُ الجِـنِّ والشـرِّ

وألغـازٌ وأشْـبـاحٌ ...

تحيِّرُ عالَـمَ الفِكــرِ

تخـوِّفُـني بهـا أمِّـي

تَقولُ طويلـةُ الشَّعْـرِ

وأُرْجُلُها من الـطِّـينِ

وأُعْيـُنـُها من الجَمْرِ !

***************

وساقِـيَـةٌ مرنَّحَــةٌ

تُجَرجِرُها قُوَى الثَّـوْرِ

تدلَّتْ أُذنـُه تَعَـبـاً

مِن الإنهـاكِ والسَّـيْرِ

ويمشي خَلفَـهُ الفَلاحُ

وهْوَ مُقـوَّسُ الظَّهْـرِ

تَغِـيمُ بعينـهِ الدُّنيـا

ويَلعَـنُ ذِلَّـةَ الفَقْـرِ!

وتَجْـثُمُ خلفَها الأُخْرى

وتشْكو قَسْـوةَ الهَجْـرِ

أَجَلْ قد ماتَتِ الأبقَـارُ

والمحصُـولُ لا يُغْـري

***************

ونَجْـري نحن أغْـراراً

ونُلْقي الطـوبَ فى البِئرِ

ونَبنى كوخَـنا المخْـتارَ

بالطـينِ ... وبالصَّخـرِ

فمَـأدُبـةٌ بلا خُـبـزٍ..

وزيجـاتٌ بـلا مَهْـرِ !

ويومَ غرِقـتُ فى النهـرِ

وأختى ولْوَلَـتْ تجـري

وصَـاحَ الناسُ من هَوْلٍ

وماجَ الجَمـعُ فى ذُعْـرِ

وأنقذَني من الـمَـوتِ

فتىً قد هـالَـهُ أمْـري!

***************

أكلْـنا لَحْـمَ تمسـاحٍ

وذُقـنـا أرنَـبَ البَـرِّ

وعيشـاً قـد عَرَفنـاهُ

حُثـالاتٍ مـن الـبُـرِّ

نجهِّـزُ ذبحَـةَ الضَّـأنِ

لعيدِ الفِطـرِ والنَّحْـرِ!

ونشْـبَعُ فيهِمـا لحمَـاً

ونُعْـطي البَعْـضَ للغيرِ

***************

أنـا ظـمْـآنُ يا قلـبي

إلى صَـايٍ ... إلى عَبري

إلى عَنزاتِـيَ الصُّغـرى

إلى ليـلاتِيَ الـغُــرِّ

أُقضِّـيـها بلا قـيْـدٍ

مـع الأطـفـالِ والبدرِ!

سَـذاجـاتٌ وأخْيِلَـةٌ

تُظـلِّلهـا يـدُ الطُّهـرِ

نَشـاوَى مِثـلَ أسْـماكٍ

تَعـومُ برائِـقِ النَّهــرِ

حنيـنى جـارِفٌ عـاتٍ

برغمِ المَسْـلَكِ الوَعْـرِ

تُراثي !! كيْـفَ أنْسَـاهُ ؟

وقَد أوْدَعْـتُـهُ عَـبري !

__________________

View sudan's Full Portfolio