مشروع برنامج مؤتمر البجا

مؤتمر البجا تنظيم سياسي عسكري ترجع الريادة والسبق في تكوينه لطلائع ورجال وشباب البجا بسبب احساسهم العميق بمأساة القبائل البجاوية بشرق السودان ولكن هذا الدور الريادي لم يَغيب من اذهان الطلائع البجاوية ان تهميش وظلامات قبائلهم لا يمكن ان تحل بمعزل عن حل كافة قضايا اقليم شرق السودان الذي يضم قبائل اخري نحصي منها الشكرية والرشايدة مثل ما انه يضم جماعات وفئات واسر وافراد من كل سكان السودان الذين استوطنوا الاقليم وصاروا بموجب المواطنة اصحاب حق اصيل ومتساوي مع كل قبائل البجا في اقليم الشرق ولهذا فإن المؤتمر لا يغفل مطلقا في وضع كل الحلول الممكنة لمشاكل كل مواطني الشرق.



ان مؤتمر البجا ليؤمن ايمانا راسخا بان حل معضلات الاقليم الشرقي لا يمكن ان تنجز بمعزل عن حل كل قضايا السودان سواء في بواديه او وسطه فالاطراف لا يمكن ان تصح ويستقيم امرها اذا كان القلب مريضا ومعتلا، ولهذا كان لابد للمؤتمر من وضع الحلول التي يراها كفيلة بحل معضلات السودان عامة ثم ينطلق منها لوضع الحلول المتعلقة بخصوصية مشاكل الشرق، وفي ذات الوقت يتطلع الي كل ابناء اقاليم السودان ووسطه ان تحذو حذوه في هذا الصدد.



وان المؤتمر ليسعي للتلاحم مع كل ابناء جهويات ووسط السودان ممن يؤمنون بالرؤية المثبتة في هذا البرنامج بغرض التكاتف والتآزر والتلاحم في النضال لتحقيق هذا البرنامج، ولهذا فان المؤتمر يفتح ذراعيه لابناء السودان عامة وبشكل اخص لكل مواطني اقليم شرق السودان سواء لتحقيق البرنامج العام الذي يتعلق بكل السودان او لانجاز البرنامج الاقليمي لشرق السودان.



انها لحقيقة لايمكن انكارها ان سودان المليون ميل مربع لم ينشأ في القرن الماضي برضاء قبائله وشعوبه وجماعاته وانما حشر الجميع في حوش السودان بقوة القهر الاستعماري سواء التركي او الانجليزي،   وصحيح ان الحياة المشتركة داخل هذا الحوش وطوال ما يزيد علي قرن من الزمان افرزت ايجابيات كثيرة وانتجت سمات مشتركة وتبلورت لغة واحدة للتواصل بين اهل السودان وتشابكت وتداخلت والتحمت المصالح داخل هذا الكيان العملاق الغني بالامكانات والثروات والبيئات المتنوعة. ولكن هذا وجه واحد من الحقيقة اذ ان الوجه الاخر هو ان التنوع الهائل مايزال موجودا بين شعوب السودان سواء في الاعراق او الالون او الثقافات او العقائد او اللغات الي اخر سمات التنوع السوداني الفريد. فضلا عن ان هذا التنوع لم تتح له فرصة حتي الان لبلورة شروط التعايش الرضائي المشترك داخل المليون ميل.



كان من المفترض انه ساعة رحيل الاستعمار في فجر عام 1956 ان يجلس السودانيون لبلورة دستور للبلاد يعبر عن الشروط التي يرتضونها لمواصلة حياتهم المشتركة ولكن المأساة الفادحة ان هذا العجز استمر طوال الاربعين سنة الماضية ولا نستثني دستور مايو الدائم لانه لم يات عبر نظام ديمقراطي عبرت فيه كل شعوب السودان بحرية واختيار عن شروطها للتعايش الرضائي.



لقد جا،ت الهجمة الاستعمارية البريطانية للسودان لتحقيق مشروع اقتصادي نتج عن طبيعة التطور الراسمالي والحضارة الصناعية الحديثة التي نشأت في الغرب، فلم يعد يحتاجون الي ارقاء يستعبدونهم فقد اجبرتهم مصانعهم علي السعي للحصول علي المواد اللازمة لتشغيلها، مثلما دفعتهم للبحث عن مشترين لسلعهم، ولهذا اعلن الغاء الرق في اوربا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وجاؤوا الي السودان بذات التوجه ولهذا أعلنوا عن الغاء الرق في السودان في مطلع القرن العشرين وسعوا الى البحث عن الاراضي التي تصلح لانتاج المواد الخام وفي ذات الوقت تمكين العاملين بها من الحصول علي دخول نقدية تمكنهم من شراء سلعهم وبضائعهم المصنعة، ووجدوا ضالتهم المثالية فيما عرف بالوسط اصطلاحا ومن ثم ركزوا كل جهودهم في تطوير منطقته حتي تكون ذات جدوي اقتصادية لمشروعهم. ويجدر هنا ان نشير الي مصادفة لعبت دورا خطيرا في تاريخ السودان في هذا القرن وهي انه صدف ان كان جل سكان هذا الوسط من القبائل المنحدرة من اصول عربية، وتتحدث العربية كلغة وتدين بالاسلام مما اوهم البعض ان التقدم النسبي والهيمنة التي نتجت انما هي امور ناتجة من خصائص تنفرد بها هذه القبائل وحدها بينما الحقيقة ان هذه المصادفة تكررت كثيرا في افريقيا بشكل خاص وادت الي ذات النتائج حتي بين القبائل المنحدرة من اصول واحدة وتتحدث لغة واحدة، وكان الامتياز احيانا لمعتنقي المسيحية في مواجهة المسلمين، واحيانا يكون لمسيحين في مواجهة مسيحين او لمسلمين في مواجهة مسلمين، واحيانا اخري كانت حظوة المصادفة للاقلية في مواجهة الأغلبية، هكذا حدث في نيجريا وفي رواندا وبوروندي وفي الصومال وفي غيرهم حيث يسفر المشروع الإستعماري عن انهاض مجموعة معينة، غير مقصودة لذاتها، دون سائر السكان مماينتج عنه شبه احتكار للتعليم والثروة والتدريب وقيادة السلاح لهذه المجموعة، ويشكل هذا مصادر حرائق هائلة في البلد الواحد ويسفر عن تهميش واضطهاد ومظالم مأسوية للمجموعات الأقل نموا وحظا من الثروة والتعليم وقيادة السلاح. وكثيرا مارأينا كما حدث في السودان ان تكون القوات المسلحة قومية التكوين بالنسبة للجنود، وجهوية القيادة بالنسبة للضباط، ولا يجب الالتفات هنا الي بعض الاستثناءات التي لا وزن لها، فقد كانت ولم تزل الأغلبية الساحقة من الضباط من اهل الوسط او المنتمين اليهم او الذين تبنوا هويتهم العربية الاسلامية. ولهذا جاءت كل الانقلابات الناجحة بقيادة هؤلاء وان حدث تحرك بقيادة ضابط أو ضباط من غير هؤلاء فانه يوصم بالعنصرية استكبارا واستعلاء بان من لاينتمون الي هوية الوسط لاحق لهم في ان يحاولوا الانقلاب علي السلطة فهي حكر لهوية الوسط مدنية كانت ام عسكرية.



لقد اقتضي المشروع الاستعماري في السودان وجوب تغيير نمط انتاج سكان الوسط الي النمط الحديث وكان هذا هو الدافع الاساسي للاستعمار في الغاء الرق للدرجة التي لم يفطن فيها زعماء الوسط لهذا الامر فقدموا احتجاجتهم الشهير في الربع الاول من هذا القرن علي وجوب وقف او تأجيل اصدار صكوك الحرية للعبيد لان ذلك ادي كما قالوا الي نهيار زراعتهم والي خلو مساكنهم من الخدم، بينما كان الاستعمار يهدف الي تحويل كل السكان الاسياد والعبيد الي عبيد من نوع جديد، الي عمال اجراء وبشكل خاص الى عمال زراعيين، ومزارعين متخصصين والى حرفيين وصغار موظفين وصغار اداريين وفنيين وميكانيكيين ومحسابين وسائقين الي اخر هذه المهن المطلوب كوادرها للانتاج الحديث؛ ولهذا  فتحت المدارس وبنيت السكة الحديدية وانشئت المستشفيات ثم كلية غردون، ومعاهد التعليم الزراعي والصناعي والتربوي، وخططت المشاريع الزراعية العملاقة علي اسس الانتاج الحديث.



كل هذا وغيره ادي الي نتائج اسفرت عن مفارقات شكلت العديد من مشكلات السودان الحالية ومن نماذجها:

اولا- مكنت سكان الوسط من الحصول علي دخول نقدية تمكنهم من شراء منتجات وسلع وبضائع المستعمر والتي صيرها ضرورات اساسية للناس بينما ظل الريف السوداني يعمل بنمط الانتاج التقليدي الذي لم ينشأ اصلا للحصول علي دخول نقدية كتوجه اساسي، وفي ذات الوقت صارت بضائع المستعمر ضرورات لأهل الريف- الملابس، السكر، الكبريت، الدقيق ....الخ؛ الامر الذي ادي الى افقار اهل الريف السوداني والبادية ولاضطرارهم لبيع جزء اساسي من منتجاتهم الحيوانية والزراعية التي كانت في الاصل وبالكاد تكفي استهلاكهم، وذلك بغرض الحصول علي بضائع وسلع المستعمر.



ثانيا- انحصر التعليم في ابناء الوسط وقلة من ابناء زعماء ونظار وشيوخ القبائل واغنياء الريف مما خلق فجوة هائلة في درجات الوعي والقدرة علي كسب العيش، والمقدرة علي مشاركة المستعمر في ادارة شئون كل السودان.



ثالثا- اقتضي تنفيذ المشروع الاقتصادي الاستعماري حصر كافة البنيات الاساسية والخدمات في الوسط خدمة لمشروعهم وليس استجابة لنضال احد، وان مكن هذا ابناء الوسط من مجاراة المستعمر خاصة في التعليم الاهلي.



رابعا- كان طبيعيا علي ضوء الواقع الذي اشرنا اليه اعلاه انه عندما نهضت الحركة الوطنية للتحرر الوطني ضد الاستعمار ان تاتي معظم طلائعها من ابناء الوسط، وكان طبيعيا ان تأتي جل الزعامات السياسية والوطنية منهم ولم يكن هذا يشكل مصدر احتجاج لو قام هؤلاء الزعماء ببلورة رؤية وطنية سودانية نابعة من حقيقة التنوع السوداني وهادفة الي تخليص المجتمع السوداني من آثار ممارسات الرق الذي كان قد الغي حديثا؛ وكان يجب ان يتبع الغاءه تخطيط اجتماعي واقتصادي وتربوي وثقافي يهدف الي كنس أثار الرق وممارساته. ولكن الذي حدث هو ان هؤلا الزعماء وجلهم ينحدر او ينحاز او ينتمي باختياره الي الهوية العربية الاسلامية، ان رفعوا راية هذه الهوية واعلوا من عناصرها عرقا ودينا وثقافة باعتبارها هي هوية السودانين اجمعين، وظهرت خطورة هذه الهوية فور خروج الاستعمار حيث أديرت الدولة وكافة اجهزتها وخاصة الاعلامية والتربوية والتعليمية علي أساس أن السودان ينتمي الي هذه الهوية وحدها، ومن ثم همشت كل ثقافات وهويات ولغات السودانين غير المنحدرين من اصول عربية او غير المنتمين بالتبني والاختيار للهوية العربية الاسلامية.



خامسا- وكان طبيعيا أيضا علي ضوء افرازات المشروع الاستعماري الاقتصادي أن تملأ معظم وظائف السودنة من أتباع هذه الهوية، ولم يكن ذلك ليشكل مره اخري مصدر احتجاج لو تمت مراعاة اعطاء اكبرفرص ممكنة لابناء الجهويات المختلفة ليتدربوا علي حكم انفسهم بانفسهم، او قام من حلوا محل الانجليز بادارة المناطق المختلفة ادارة تنطلق من انهم يحكمون اهلهم الذين تربطهم بهم هوية المواطنة، او راعوا ونهضوا بمهمة الادارة باعتبارها اداه لإنهاض وازالة التخلف في الجهويات.



سادسا- لقد فشلت القيادات السياسية عقب الاستقلال في التحول من معركة التحرير الي معركة التعمير حيث انصرف كل جهدها في صراعات السلطة التي تضمنت كما هائلا من العبث والمكايدات بل والفساد السياسي في شراء النواب وفي ابرام وفض التحالفات الطائفية والقبلية والعسكرية، وبذلك فجروا كل جمرات التخلف الكائنة في المجتمع السوداني وتكوينه، وراحوا في فترات الديمقراطية يتزايدون في رفع راية الدولة الدينية في مواجهة الدولة المدنية، ولم ينتبه القوم الي مخاطر هذه الصراعات الجوفاء الا عندما شج حكم الجبهة رؤوسهم؛ فاستيقظوا لاول مرة في التجمع الوطني الديمقراطي حيث ولأول مره ناقشوا بل وبلوروا حلولا عادلة وحقيقة لقضايا الهوية وعلاقة الدين بالدولة والتقسيم العادل للسلطة والثروة الي اخر ما بحث في مؤتمري نيروبي واسمراء حول القضايا المصيرية.



لقد اسفر هذا الواقع عن مأساة مروعة في الجهويات المختلفة وخاصة في شرق وغرب وجنوب السودان، فقد ظلت هذه الجهويات تطحن بالتهميش والظلم والتخلف، احتقرت هوياتها الخاصة وامتهنت ثقافاتها؛ بل وتعرض وجودها للهلاك حيث دمرت اراضيها وغاباتها ومراعيها وماشيتها. ضربت عليها الأمية والجهل، وظل الجوع وسوء التغذية والامراض المستوطنة تنهش في عظامها، واقصيت طلائعها من كل مواقع القرار الذي يتحكم في مصائرها، ولم يلتفت الي تنمية مواردها، ولم تنل من مقدراتها غير الفتات.



وفي الوسط أيضا تم اقصاء القوي الديمقراطية ولحقها التهميش والازدراء والتجاهل، وسحق فقراء المدن وسكان ضواحيها واطرافها وهوامشها.



ومنذ اغسطس 1955 وحتي الآن دارت حرب أهلية ظالمة في جنوب السودان كان مصدرها ومايزال إزدراء المطالب العادلة لأهل الجنوب وكان ابسطها الفيدرالية والنصيب العادل في السلطة عند السودنه واقامة دولة مدنية ديمقراطية تقوم علي هوية المواطنة، وظلت هذه الحرب تستنزف موارد البلاد وتسحق شبابها وتدمر حياة اجيال عديدة مما اقعد كل السودان عن النهوض؛ وانعكس ذلك علي كل الجهويات فضلا عن الوسط نفسه.



لهذا كله فأن مؤتمر البجا يصدر عن وجوب اقامة نظام سليم للحكم في السودان بغرض بناء سودان جديد، في مواصفاته العامة انه:ـ



سودان واحد، فيدرالي، ديمقراطي، تعددي تكفل في ظله كل حقوق وحريات الانسان كما جسدت في كل المواثيق الدولية. سودان يؤسس علي التنوع، ويجسد مقتضياته؛ سودان يعمل علي بناء دولة مدنية تفصل فيها السياسة عن الدين وتقسم فيها السلطة والثروة تقسيما منصفا عادلا؛ سودان يتبني اللغة العربية كلغة تواصل بين السودانيين، وبذات القدر يتيح لكل الهويات الخاصة وثقافتها ولغاتها ان تعبر عن نفسها في المركز تعبيرا متساويا ونديا مع ثقافات الهوية العربية الاسلامية .. وهو ايضا يطلق كل مبادرات شعوب السودان في ولاياتها ان تنمي ثقافاتها وتطور لغاتها وتحافظ علي تراثها المتفرد في كافة اشكاله وصوره وابداعاته، فضلا عن انه يتبني اللغة الانجليزية كلغة اساسية ثانية في كل مراحل التعليم الاساسي، ويسمح باستخدامها في كل مؤسسات الدولة الاتحادية او في مؤسسات الولايات متي كان ذلك مطلوبا ومناسبا.



ان ايماننا بضرورة حماية الهويات الخاصة وتنميتها سواء كانت مبنية علي العرق او اللغة او الدين او المعتقد او الثقافة او خلاف ذلك من الخصائص الانسانية للجماعات البشرية الكائنة في السودان، ان هذا الايمان يدفعنا لتأسيس الهوية المشتركة للسودانيين بكافة شعوبهم وجماعتهم الساعية لبلورة تكوين قومي ونهضة ووحدة وطنية وسودان جديد علي هوية المواطنة وحدها، وبذلك تكون المواطنة هي مصدر كافة الحقوق والواجبات لكل السودانيين بالتساوي بينهم متي ما تحققت فيهم مواطنة السودان بغض النظر عن هوياتهم الخاصة.



سودان ينطلق اساسا في توجهه الاقتصادي والتنموي من الرؤى الليبرالية المتطورة والمنفتحة التي استوعبت وتفهمت رؤي مدارس العدالة الاجتماعية. ولهذا وادراكنا منا لواقع التخلف في مجتمعنا ولحقيقة المظالم والتهميش لشعوب الريف السوداني وكياناته المحيطة بالوسط، ومعرفة منا بأنعدام البنيات الاساسية الضرورية للمحافظة علي حياة الانسان وانعتاقه من التخلف والجهل والمرض وبناء تنميته وتقدمه، فإن الرؤي الليبرالية يجب ان تفهم وتجسد في اطار حماية المستضعفين حتي يقووا عن طريق فرض حد ادني للاجور، واجراء تمييز مؤقت لصالح المهمشين والمظلومين حتي يتساووا مع غيرهم وتحميل الدولة عبء النهوض ببناء البنيات الاساسية وكفالة بعضها مجانا للكافة كالتعليم والصحة ومياه الشرب في الارياف القاحلة مثل مايجب كفالة بعضها بتكلفة مقدور عليها من المستضعفين كالإسكان الشعبي والخبز.



ولما كنا ننطلق من وعي عميق بماسأة المراة السودانية وظلمها واستغلالها وتجهيلها وتهميشها، فإننا نري ان الرؤي الليبرالية لابد ان تعدل لتستوعب تجسيد تمييز مؤقت لصالح المرأة يكون محوره تطبيق كافة النصوص والمواثيق الدولية حول المرأة، وذات الامر يجب ان يطبق بكفالة حقوق الطفل ورعاية الشباب والنهوض بهم.



نحن نسعي لبناء نظام فيدرالي يعطي الولايات اكبر قدر من السلطات والصلاحيات، فنحن نثق في كفاءة وقدرة ابناء الولايات في حكم انفسهم بأنفسهم.. نظام يتبني ارقي الرؤي المتطورة في نظام الفصل بين السلطات سواء في الحكومة الاتحادية او حكومات الولايات، نظام يعمل بالشرعية الدستورية والقانونية ويجسد سيادة حكم الدستور والقانون، نظام يعمل علي بناء وتأمين استقلالية القضاء. نظام يعيد بناء القوات المسلحة ويعيد صياغة افرادها ضباطا وصف وجنود بغرض تأمين حيدتهم في القيام بدورهم في ظل النظام الديمقراطي وهو حماية الدستور وحماية حدود الوطن وسلامة اراضيه وانجاز مهام النجدة عند الكوارث

ومواصلة السعي للتأهيل الذاتي والتطوير النوعي لقدراتها باستيعاب وتطوير ارقي النظم والمعدات والاسلحة

واساليب التدريب والادارة التي تقوم علي احدث التكنولوجيات المتطورة.



نظام يرسخ استقلالية الجامعات في ظل سيادة حرية البحث العلمي والعلماء، نظام يؤمن حرية كاملة للصحافة في ظل سيادة حكم القانون،  نظام يرسخ الحق في التعددية بكافة صورها ويؤمن ممارستها في الواقع بحرية ومساواة سواء كانت في التنظيم، حزبيا كان ام اهليا، او في الفكر والثقافة او الفنون او كافة اشكال وصور الابداع الانساني، او في ممارسة وحماية كافة الجماعات التي لها هويات خاصة في حقها في ممارسة كل مقتضيات هوياتها مهما كان حجمها او قلة عدد افرادها.



وبالرغم من أن المواصفات العامة التي أثبتناها تغطي بشكل عام مواصفات السودان الجديد الذي نسعي لاقامته الا انها لا تغني عن تفصيلات ضرورية وهامة.



فمؤتمر البجا يسعي للتعبير والاعتماد علي كافة القوى الديمقراطية السودانية سواء قوي الريف والبادية وجهويات السودان المهمشة او القوى الديمقراطية والحديثة في كل انحاء السودان وبخاصة في وسطه وكذالك فأن قلب المؤتمر مع فقراء المدن وسكان هوامشها وهو يفتح اذرعه لكل القوي التي تؤمن بهذا البرنامج وتسعي الي تحقيقه بغض النظر عن انتمائها الطبقي او الاجتماعي او الثقافي او الجهوي.



والمؤتمر يتوحد فكريا حول منهج يقوم علي وجوب معالجة كافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية بمناهج البحث العلمي الرحب الواسع المنفتح على كل التجربة الانسانية بغض النظر عن مصادرها، مناهج تأبى الانغلاق في ايدلوجيات خانقة، او مدارس علمية متعصبة او فلسفة بعينها؛ وفي هذا الاطار يثمن عاليا الاضافات الايجابية التي ساهمت بها الحضارة العربية الاسلامية مثل ما انه يثمن كل اضافات التجربة السودانية وتاريخ السودان وما افرزته علاقات شعوبه من قواعد منطقية، فضلا عن اعتزازه بالتجربة الافريقية وماقدمته من اسهامات حية ومتنوعة في مجالات مناهج البحث العلمي خاصة في العلوم الاجتماعية والسياسية والقانونية وعبر الصراع الاجتماعي الاقتصادي والتاريخي الذي دار في ارض افريقيا.



ومؤتمر البجا يتبني رؤي مفصلة ومحددة حول امهات قضايا السودان نذكرها كالاتي:



اولا: علاقة الدين بالدولة:



ان توجهنا لاقامة دولة مدنية يعني بالضرورة اقامة دولة تفصل فيها السياسة عن الدين ولهذا نقترح تبني معايير ومنظور المواثيق الدولية المتعلقة بهذا الامر وهي كثيرة ومسهبة وتضع ضوابط دقيقة جميعها مؤسس علي الحق في حرية الدين والعقيدة ووجوب كفالة ذلك الحق وحمايته لكافة المتدينين واصحاب العقائد الخاصة، او الهويات الثقافية التي تتبني رؤي معينة حول الدين.



ثانيا: النظام الفيدرالي:



النظام الفيدرالي الذي ننادي به لا يمكن ان ينهض الا على ركائز دستور ديموقراطي تعددي يكفل كل حقوق الانسان وحرياته الاساسية؛ ذلك لأننا نسعي الي تمكين ابناء الولايات بأن يختاروا حكامهم من افضل واخلص وانزه ابناء الولاية ممن لهم برامج مدروسة للنهوض بالولاية، وهذا لن يتحقق الا في اطار ديمقراطي تعددي.



ومؤتمر البجا يختار النظام الفيدرالي بأعتباره افضل واعدل صيغة لتقسيم السلطة، ونحن نري وجوب ان يقسم السودان الي ثمانية ولايات هي الجنوب، دارفور، كردفان، منطقة جبال النوبه، الخرطوم، الوسطي، الشمالية، الشرقية.



واضافتنا لولاية منطقة جبال النوبة نابعه من ادراكنا بحق سكان هذه المنطقة من فرص خاصة يتمكنون بها من ازالة المأساة الدامية التي لحقت بابناء الجبال طوال القرون الماضية والتي تفاقمت في ظل حكم الجبهة، فمأساتهم تحتاج الي معالجات خاصة تمكنهم من علاج كل التشوهات الانسانية والاقتصادية والبيئية التي لحقت بالاقاليم.



اننا نري وجوب ان يتم اقامة مجلس تشريعي لكل ولاية يكون هو وحده، ودون تدخل من اي نوع من الحكومة الاتحادية، مسئولا عن اختيار حكومة الولاية ومحاسبتها وعزلها سواء حاكم الولاية او وزرائه، وله وحده سلطة التشريع فيما منح من سلطات وصلاحيات للولاية؛ وحتي في الفترة الانتقالية فإنه يجب وضع ترتيبات تضمن تحقيق هذا التصور.



اما بالنسبة لسلطات وصلاحيات المجلس التشريعي للولاية فأننا نري وجوب ان تمنح السلطات والصلاحيات والاختصاصات الاتية لكل ولاية:



اولا: تكون كل ولاية مختصة ولها سلطة التشريع في المسائل الاتية:



حفظ الأمن والطمأنينة والادارة الحسنة.

ادارة قوات البوليس وحرس الصيد والسجون والمطافئ.

الزراعة والغابات والأسماك والمراعي.

الثروة الحيوانية ورعاية الحيوان.

الصناعة.

الحياة البرية والسياحة.

لجنة الانتخابات داخل الكيان.

استغلال المياه مع مراعاة السياسات القومية والاتفاقات الدولية.

ادارة القضاء بما في ذلك تأسيس وتنسيق المحاكم والنيابة العامة.

الراديو والتلفزيون والصحافة.

الفن والثقافة.

التعليم الي المرحلة الثانوية.

فرض وجباية الضرائب داخل الولاية.

التجارة والتموين.

النقل النهري والبري والجوي داخل الولاية.

الاتصالات السلكية واللاسلكية داخل المقاطعة.

تجارة الحدود وجباية الضرائب عليها.

قانون تأسيس وتسجيل وترخيص الشركات.

الخدمات الصحية.



20. استقطاب العون المالي والمادي من المجتمع الدولي أو الاقليمي والمؤسسات والحكومات الخارجية وعقد أية اتفاقات ثقافية او اقتصادية مع هذه الدول والحكومات لتحقيق هذا الغرض فيما عدا ماله صلة بسيادة الدولة أو تأثير ضار علي سياستها وخططها الاقتصادية العامة.



ثانيا: السلطات المشتركة بين الولايات والسلطة الأتحادية:



تمارس السلطة الأتحادية والولايات سلطات مشتركةفي المسائل الاتية:



حماية البيئة.

التجارة بين الولايات.

التخطيط في المناطق المتأثرة بالحرب ومعالجة معوقي الحرب وتعويض اسر الشهداء والترتيبات المتعلقة بمستقبل المقاتلين سواء في استيعابهم في القوات المسلحة وتوفير حياة مستقرة وكريمة لهم.

التعليم العالي.

الاحصاء القومي.

تصديق وترخيص المهن الخاصة والأستثمار.

تكلفة ترجمة القوانين وتكلفة وثائق المكاتبات الرسمية.

تحديد أماكن انشاء المحاكم الاتحادية في الولاية.

التعداد القومي.

ثالثا: صلاحيات واختصاصات السلطة الاتحادية:



تختص السلطة الاتحادية بكل ما لم يذكر من صلاحيات في سلطات الولايات او في السطات المشتركة.



رابعا: الحكم المحلي:



في ظل النظام الفيدرالي يجب نشر شبكة واسعة من الحكم المحلي داخل كل ولاية سواء إقامة محافظات او بداخلها مجالس للمدن او الريف والقري، او الاستعانة بالادارة الاهلية حيثما كان ضروريا الاستعانة بها مع وجوب حظر اي نشاط سياسي لهذه الادارة عن طريق تطبيق معايير وضوابط دقيقة لضمان حيدتها ونزاهتها.



خامسا: تقسيم ثروة باطن الارض:



بالنسبة لتقسيم ثروة باطن الارض وقاع البحار، وهي التي تعرف بالثروات غير المتجددة، فأننا نري تبني المعايير المتعارف عليها في كل الدول الاتحادية التي انصفت الولايات حيث في المتوسط تمنح الولاية التي ظهرت فيها الثروة 30% من عائد هذه الثروة بالأولوية. في مؤتمر أسمرا اعطيت كل ثروة الكيان الجنوبي لحكومة الكيان، الولاية، واضيف مع مراعاة ان يكون للحكومة الاتحادية نصيب من هذه الثروة دون تحديده وهو امر خطير وضد مصلحة الكيان الجنوبي نفسه حيث ستتأرجح نتائجه حسب قوة الحكومة الاتحادية تجاه حكومة الولاية الجنوبية، وهو ايضا مصدر حريق هائل يمكن ان يعيد البندقية في اي لحظة يحدث فيها خلاف. والكارثة تكررت بالنسبة لولايات الشمال حيث قرر ان هذه الثروة تكون تحت سلطة وصلاحية الحكومة الاتحادية وحدها ولا شئ للولايات الشمالية كحق. ولهذا فنحن نقترح:



ان تكون هذه الثروة من اختصاص السلطة الاتحادية علي ان تكون لكل ولاية كحق وبالاولوية نسبة30% من هذه الثروة.

2.   بالنسبة لاستغلال ثروة باطن الارض وقاع البحار نحن نري وجوب اقامة كافة المؤسسات الرئيسية والفرعية التي تقام لاستغلال تلك الثروة ان تقام داخل حدود الولاية التي ظهرت فيها الثروة حتي المعاهد التكنولوجية اللازمة لاستغلال الثروة يجب انشاؤها في الولاية.



مايتبقي بعد نصيب الولاية يكون تحت تصرف السلطة الاتحادية التي تكون ملزمة باعادة تقسيمه علي كافة الولايات علي الاسس التالية:

أ-  يراعي بالأولوية منح الولايات الاكثر تخلفا بمعيار الناتج القومي نصيبا اكبر لازالة التهميش والمظالم وحتي تتساوي مع بقية الولايات الاكثر تقدما.



ب-  ان تراعي في المرتبة الثانية اعداد السكان في كل ولاية.



ج-  ان تصدر الحكومة الاتحادية في اقامتها للبنيات الاساسية المكلفة والمختصة بها، ان هدفها هو توزيعها توزيعا عادلا ومنصفا برؤية قومية لا تفرقة فيها او أنحياز.



د-  لما كانت موانئ البحر الاحمر هي من اهم ثروات الولاية الشرقية فأن من حق الولاية الحصول بالاولوية علي نسبة من عائدها يمكن ان يتفق عليها وفق الدراسات العلمية والتجارب المثيلة المتعلقة بهذا الموضوع.



ثالثا: حول التنمية:



في عصر المعلومات وتقدم التكنولوجيا في كل المجالات وصيرورة رأس المال والتكنولجيا وتحركها شأن كوني، مع ظهور استحالة اعتبار اي تنمية جادة شأن داخلي، مع ثبوت صراع وتنافس دولي محموم لاجتذاب الاستثمارات وراس المال والتكنولوجية التي لا تتجه الا حيث الربحية اكثر، وحيث البنيات الاساسية متوفرة والمشروعات مجزية والامن مستتب.



ومع انكشاف استحالة تكرار التجارب الاشتراكية وخاصة في في الاتحاد السوفيتي السابق فقد انتقل الناس الي عصر الديمقراطيات وسيادة حقوق الانسان وحرياته الاساسية وتصاعد وعي الجماهير. لم يعد ممكنا اليوم التضحية باجيال كاملة لحساب اجيال لم تولد بعد، ولم يعد ممكنا قسر الناس وقمعهم في قوالب وتحويلهم الي الات انتاجية وتجميع عائد انتاجهم وتوجيهه حيث يشاء الحكام والحزب والطبقة.



في ظل هذه المعطيات وغيرها مما لم نذكره، فإن التوجه الي أقامة تنمية حقيقية وسريعة في السودان لابد ان ينبني علي خطط قومية تقوم علي الأسس التالية:



أ. حكومة كل ولاية تكون مسئولة في مدي قصير لا يزيد عن شهور معدودة عن عمل خريطة تنمية للولاية تكون شاملة كل البنيات الاسأسية المطلوبة في الولاية، وتحديد كل ثروات الولاية والمشاريع الاستثمارية المطلوبة لاستغلال هذه الثروات علي ان يتم كل ذلك بأسس وقواعد دراسة الجدوي الاقتصادية.



ب. تقوم الحكومة الاتحادية بتجميع خرائط تنمية الولايات بعد ان تكون هي بدورها قد وضعت خريطة تنمية للبنيات الأساسية القومية، كالكهرباء، السكك الحديدية، الطرق، الاتصالات، التعليم وخاصة الفني منه.. الخ ومنها جميعا وبمشاركة ممثلي الولايات توضع خطة تنمية قابلة للتسويق محليا واقليميا وعالميا مع الشروع فورا في بناء كل البنيات الاساسية المشار اليها في الخطة من الموارد المتاحة ومما يمكن الحصول عليه من دعم خارجي من هبات ومساعدات وقروض بحيث يكون واضحا امام المستثمر ان هناك جدية مؤكدة في توفير كل البنيات الأساسية التي يحتاجها في انشاء المشروع. وذات التوجه يجب ان يسود لدي حكومات الولايات فيما يدخل في اختصاصها من بنيات اساسية. نحن ننطلق من ماهو ثابت ومشاهد ان الدول الغنية تكون سخية جدا في هباتها ومساعدتها وقروضها ان كانت موجهة للبنيات الاساسية.



حول التنمية الزراعية والتصرف في الارض:



أمام السودان مشروعات زراعية حيوانية صناعية عملاقة سبق أن عملت لها دراسات جدوي اقتصادية كشفت امكانية ماكان يسمي بمشروع "سلة غذاء العالم" او أسترالية افريقيا. وقبل ان نتعرض لهذه المشاريع العملاقة لابد من تحديد رؤية واضحة حول من هم أصحاب الحق في وضع أسس توزيع أراضي هذه المشاريع، ذلك انه لا خلاف حول ان المياه شأن قومي لانه يرتبط باتفاقات دولية كما أن المنشآت العملاقة للري وانتاج الكهرباء شأن قومي، أما توزيع الارض وتحديد انواع وطرق استغلالها، وكذلك التصديق لأحجام وشروط اقامة المشاريع، زراعية كانت أم حيوانية أو صناعية، فانه يجب أن يكون من اختصاص الولاية التي تقام فيها هذه المشاريع لانهم الأقدر علي معرفة مايصون مصالح أهل الولاية ولا يضرهم في غاباتهم أو مراعيهم أو بيئتهم.



نحن نعتقد أنه يجب الشروع فورا في اقامة المشاريع الكبري التي سبق أن درست ويأتي علي رأسها مشروع "سلة غذاء العالم" والذي يمكن أن يسمي بحق سلة غذاء الشرق الاوسط وأفريقيا. المشروع يضع تصورا يقوم علي تحويل أراضي تبلغ مساحتها 150 مليون فدان هي من أخصب أراضي العالم وتجري فيها انهار عديدة وتحتها احواض جبارة من المياه الجوفية ومعدلات أمطار سنوية تكفي لوحدها لانبات أجود المحاصيل وتخضير أوسع المراعي، تحويل كل ذلك الي مشروع عملاق زراعي حيواني صناعي من نوعية المشاريع الأسترالية، رغم انه ومن حيث الحجم وطبيعة وخصوبة الأرض ووفرة المياه لا مثيل له في العالم. لقد سبق أن فشلت مايو في اقامة المشروع بسبب السياسات الخارجية غير المتوازنة، مثلما انها هي التي أفسدت المشروع الثاني بسياساتها الداخلية المتضاربة ونعني به مشروع قناة جونقلي الذي سيكشف عن أرض زراعية بكر لم يمسها الانسان منذ الاف السنين وتبلغ مساحتها مساحة "انجلترا" والمفترض أن ذات التصور في مشروع سلة غذاء العالم أن يطبق علي مشروع قناة جونقلي، والمشروع الثالث هو مشروع خزان الحماداب حيث سيروي مساحات كبيرة من أراضي لم تزرع حتي الأن. وان يطبق عليه ذات التصور بقيام استثمارات ضخمة زراعية حيوانية صناعية تدار كلها وباساليب الانتاج المتقدمة.



د. حول الكهرباء:



أنه امر يقيني ان عصب التنمية في كل مجالاتها ووجوهها هو توفير الكهرباء بأسعار زهيدة. بل ان عصب التحضر والتقدم وازدهار التعليم والصناعات الصغيرة هو دخول الكهرباء بعد المياه في كل قرية سودانية من نمولي وحتي  بورتسودان، ومن الكرمك وحتي كتم والجنينة.



لقد اجريت التجارب في البحر الاحمر وثبت منها ان هناك احتياطي هائل من الغاز الطبيعي، وقد ثبت الان ان أرخص مورد للكهرباء بعد المياه هو بناء محطات التوليد التي تدار بالغاز الطبيعي، ومن ثم يجب الشروع فورا في بناء هذه المحطات علي البحر الاحمر وهو امر لن يستغرق سوي شهور معدودة اذا ترك للشركات العالمية المتعددة الجنسيات والعابرة للدول ان تتولي امره عن طريق تسويق جيد للمشروع.



رابعا: القوانين في الفترة الانتقالية:



وبالنسبة للقوانين فاننا نري وجوب الغاء كافة القوانين التي صدرت منذ سبتمبر 83 وحتي سقوط نظام الجبهة، علي ان يعاد فورا للعمل بالقوانين التي كانت سارية عام 1974 دون تعديلاتها ذلك ان هذه القوانين في اصلها لم يضعها النظام المايوي وكل ما فعله في عام 74 انه قام بترجمتها ترجمة جيدة ودفع في ذلك مبالغ باهظة من الخزينة العامة، بها صارت قوانين مكتوبة باللغتين الانجليزية والعربية، ومراجعها متوفرة في كل مكان وحولها كتبت الاف السوابق القضائية التي شكلت تراثا سودانيا حول تطبيق هذه القوانين علي الواقع السوداني؛ نحن نشترط سريانها دون تعديلاتها لأن النظام المايوي ادخل علي بعضها تعديلات حولتها الي قوانين قمعية مثل تعديلاته علي قانون العقوبات الذي دمج فيه قانون امن الدولة. كما نري وجوب اخضاع هذه القوانين لمراجعة متأنية ودقيقة بغرض تطويرها وجعلها صالحة للتعبير عن تصورات السودان الجديد.



خامسا: حول السياسة الخارجية:



ان المستجدات التي تبلورة في السنوات القليلة الماضية تؤكد انه لاسبيل لتصعيد التنمية الاقتصادية الا بالانضمام الي تكتلات اقتصادية عملاقة، ومن ثم فقد سقطت مسوغات الحساسيات الوطنية الشوفينية التي تتمرس خلف الاستقلال الوطني بمفهومه القديم البالي، ومن ثم فان علي السودان أن ينفتح دون حرج علي كافة القوي الاقليمية والعالمية التي يمكن أن تسهم في انعتاقه من التخلف وتصون المصالح المشتركة والمتبادلة، وفي هذا الصدد نري ضرورة بلورة رؤية خاصة للعلاقة بين دول حوض النيل وهي السودان ومصر وارتريا واثيوبيا وكينيا وأوغندا وزائير ودول البحيرات وننطلق في هذه الرؤية من ان العالم قد صار قرية صغيرة في عصر المعلومات، وتحول الي سوق متداخلة متشابكة، تصاعدت فيه المنافسة الاقتصادية لدرجة أن من يفشل في سباقها فان مصيره التخلف والاختفاء من التاريخ فقد اصبح عالما تحكمه منظمات التجارة الدولية، تقوده مؤسسات وشركات عملاقة عابرة للقارات تمتلك امكانيات خرافية من الاستثمارات والتكنولوجيا، عالم صار فيه امتلاك التكنولجيا ضرورة قاهرة مثل ما صار قدرا وجوب اتقان ادارتها والمساهمة في ابتداعها عن طريق استيعاب اقصي ما انتجه العقل الانساني من علوم، ومواكبة وتطوير مناهج البحث العلمي في كافة المجالات، وتفجير ثورة تعليمية شاملة. عالم ستصبح فيه معضلات المياه هي هاجس القرن القادم، عالم صار فيه اجتذاب الاستثمارات والتمويل علما شديد التعقيد، عالم صارت ركيزة الانطلاق فيه هي بناء البنيات الاساسية ومواصلة توسيع رقعتها وصيانتها واستمرار تطويرها وتجويدها، عالم نهضت فيه انماط هائله من الوحدات الاقتصادية سواء كانت اتحادات كالاتحاد الاوربي، او اسواقا مشتركة في امريكا، وفي شرق افريقيا، واسيا، وكومنولث في روسيا، والسعي يجري لاقامة ما يشبهها في عالمنا العربي وبينما في حوض نيلنا مئات المليارات من المياه تبدد بسوء الاستخدام وانعدام المشاريع التي توفر المياه وتوصونها من التبديد العشوائي والبدائي، مشاريع عملاقة لإنتاج الكهرباء لا تجد من يخطط لها وينجزها، مئات الملاين من الافدنة السهولية الخصبة التي لا تجد من يمشي عليها واحواض خرافية من المياه الجوفية لم يمسسها بشر.



من كل هذا وغيره فأننا نري انه لا مناص من الشروع في بناء الحاضر بأقامة اتحاد حوض النيل علي نمط وقوانين واجراءات الاتحاد الاوربي الذي اقيم دون اعتبارات لانظمة الحكم في دوله، فمنها الملكية الدستورية، ومنها جمهوريات رئاسية واخري برلمانية، ومنها دول مركزية واخري فيدرالية ومنها كونفدراليات الي اخر نظم الحكم السائدة هناك؛ وتتحدث شعوبه عشرات اللغات ويسود بينهم تنوع وتباين ثقافي، ودارت بين شعوبه اعنف واقسي الحروب وابشع انواع الانتهاكات لحقوق الانسان. ان كل هذا لم يعوق او يعرقل اقامة الاتحاد الاوربي. وبشكل عام نحن نتطلع الي الاستفادة من كل التجربة الاوربية ونبدأ من حيث انتهت سواء في التنظيم او القوانين او المؤسسات، والهدف هو جعل دول حوض النيل مشروعا اقتصاديا تنمويا تكنولوجيا واحدا ينهض كعملاق جبار في هذه المنطقة. وبالنسبة لعضوية الاتحاد فأننا يجب ان ننطلق من فهم واسع بعيد عن الشوفينية الضيقة او الهواجس القومية المتخلفة. وفي مجري حركة الاتحاد فأنه يستطيع بأقتدار أن يدخل في السوق او الاسواق العربية التي ستقام ويتعامل معها كاتحاد هذا اذا لم ترغب في الانضمام اليه، مثل ما انه يستطيع المساهمة في كل المشاريع التي يجري تخطيطها في العالم العربي. واذا رفضت بعض دول الحوض الدخول في الاتحاد فأنه يجب ان يقود عملا متواصلا نري انه سيرحب به بأن يقيم سوقا مشتركة لدول حوض النيل وذلك لما لهذا السوق من خصوصية فريدة تختلف عن خصوصية سوق شرق افريقيا؛ ولعل اهم سماته الخاصة هي المشاريع الهائلة التي يجب اقامتها لتنمية موارد المياه وصيانتها واستغلالها الاستغلال الامثل لصالح كل شعوب دول الحوض، وفيه امكانات هائلة لأنتاج كميات مهولة من الكهرباء بالطاقة المائية وهي الوحيدة الطاقة المتجددة والدائمة والارخص في التكلفة. وهناك العديد من المشاريع العملاقة التي يمكن ان تشارك فيها دول الحوض بتنسيق الانتاج علي اساس الميزات النسبية الموجودة في دوله. مع مواصلة السعي لاقناع دول الحوض في الدخول في الاتحاد، ذلك ان نموذج الاتحاد يقوم اساسا علي ازالة كافة العوائق والحواجز، قانوية كانت ام اقتصادية، لانسياب البشر في الاتحاد وانسياب الاستثمارات والسلع والبضائع والتكنولوجيا دون خشية من تغول احد علي الاخر، اذ ستكون الميزات واحدة والحقوق متساوية والجمارك والضرائب وامتيازات الاستثمار موحدة. ولعل اهم من هذا هو وجوب ربط الوادي بشبكة هائلة من وسائل المواصلات والاتصالات بحيث يصبح وكأنه مشروع اقتصادي واحد تديره جهة واحدة هي مؤسسات الاتحاد. والمقصود بالمشروع تحويل هذه المنطقة الي استرالية افريقيا حيث لن يغطي المشروع احتياجات شعوب الاتحاد من الحبوب واللحوم والخضروات والفاكهة والالبان ومنتجاتها فحسب، بل انه سيكفي ويغطي كل احتياجات العالم العربي ودول حوض النيل من هذه المنتجات. هذا فضلا عن الصناعات العملاقة التي ستقام فيه وبذلك سيؤمن لشعوب الاتحاد وشعوب المنطقة مخاطر نقص الغذاء التي تهدد العالم في القرن القادم.



وخارج الاطار المشار اليه اعلاه فأننا يجب ان نسلك سياسة خارجيه تستهدف التصالح والتعاون وتوثيق المصالح المشتركة مع كل دول العالم ومؤسساته الدولية والاقليمية سواء المؤسسات الاقتصادية والتجارية او المؤسسات السياسية فضلا عن وجوب توظيف كل هذه العلائق الحسنة لصالح البناء الداخلي في السودان بحيث تتوفر للسودان كافة الموارد ويحصل علي كل المنح والهبات والمساعدات والقروض التي يحتاجها، وكذلك تمكين السودان من الحصول علي التكنولوجيا الحديثة من كافة مصادرها.



سادسا: حول تقرير المصير:



ان التجربة المريرة التي خاضها السودانيون منذ فجر الاستقلال وحتي الان تؤكد ان الوضع في البلاد يحتاج الي معالجات خاصة. صحيح اننا لا نسقط تاريخ السودان في هذا القرن ولا نتجاهل التجربة السودانية وممارسة السودانيين لحق تقرير المصير واختيارهم سودانا واحدا؛ الا اننا ايضا نعي حقائق التاريخ واثاره وتراكماته، وندرك معاناة كل الجهويات مما لحقهم من تهميش ومظالم وازدراء لحقوقهم بل ولإنسانيتهم ووجودهم.



فضلا عن ذلك فاننا نعي بأن كل ذلك قد نتج من فشل القوي السياسية، مدنية او عسكرية، التي حكمت السودان في بلورة مشروع لسودان جديد يؤسس علي التراضي والاتفاق علي شروط التعايش المشترك. ونحن اذ نثمن عاليا ما تم الاتفاق عليه اخيرا في مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا نعتبر انه بارقة امل لبناء سودان جديد بالمواصفات التي وردت في هذا البرنامج، ولهذا فأننا نتطلع الي اخواننا في الجنوب بأن يقفوا معنا علي وجوب اعطاء فرصة لم يسبق ان اتيحت في السودان لتجربة التعايش المشترك في ظل سيادة مواصفات السودان الجديد، فان فشل هذا التعايش يكون لكل الجهويات الحق كل الحق في تقرير مصيرها. لهذا فأننا نقترح ان نبدأ اولا بالسودان الفيدرالي بمواصفاته الجديدة علي ان تستمر التجربة طوال الفترة الانتقالية وفترتين برلمانيتين في ظل الديمقراطية وبعدها يحق لمجلس تشريعي كل ولاية ان يصدر قرارا بأغلبية ثلثي اعضائه بالمطالبة بتقرير المصير اذا رأي ان تجربة التعايش المشترك قد فشلت، وعندئذن يجري استفتاء في الولاية تحت اشراف اقليمي دولي لتقرير المصير، ولا يجاز اي خيار غير وحدوي الا اذا صوت له ثلثا من لهم حق التصويت بالولاية. ونحن في افتراضنا هذه الاغلبية الخاصة نصدر عن مسئولية وطنية تجاه الوطن كله اذ ندرك ان بكل ولاية قبائل متعددة ومتنوعة ولا يجوز تحكيم رؤية قبيلة واحدة علي أرادة بقية القبائل اذ هذا هو عين مايشتكي منه اهل الجنوب في وضعهم داخل كل السودان، ولهذا يجب الا يكرر داخل اي ولاية؛ فاذا اجيز خيار الانفصال او الكونفيدرشن بالاغلبية المذكورة يشرع فورا في ترتيبات اقرار الوضع الجديد في مدة اقصاها سنتين ويضمن هذا في دستور البلاد سواء الانتقالي او الدائم



سابعا: حول اصلاح النظام الديمقراطي القادم:



لقد تضافرت عوامل كثيرة في الماضي في ان تنفلت الممارسة الديمقراطية سواء بسبب عيوب جوهرية في تنظيمات احزابنا السياسية او خلل ظاهر في تكوين تنظيمات المجتمع المدني او بسبب اقحام الدين او القبلية او الطائفية في الممارسة السياسية. ولهذا فأن مؤتمر البجا يري وجوب معالجة كل هذه الاخطاء برؤي يتفق عليها وتضمن في الدستور.



1. المؤتمر الدستوري وقراراته:



بالرغم من اننا نوافق علي عقد مؤتمر دستوري لكل فاعليات المجتمع السوداني الا اننا نري وجوب ان يتفق الجميع علي الأتي:



أ. انه لا مكان للجبهة الاسلامية القومية في هذا المؤتمر، والامر لا يحتاج الي تسبيب.



ب. ان تلتزم كل الفاعليات السياسية والعسكرية بتبني الرؤي والاتفاقات المبرمة في طرحها امام المؤتمر لانه لا يجوز لأي فعالية ان تعيدنا الي المربع الاول بأعتبار ان المؤتمر ساحة تطرح فيها كل ماتراه، ذلك ان مثل هذا الموقف سيكون اهدارا لكل جهد السنوات الماضية ولن يقدم القضية السودانية شبرا واحدا. نحن نتصور ان جميع من وافقوا ووقعوا علي قرارات التجمع الوطني في لندن ونيروبي واسمرا ملزمون بذات الاتفاقات في المؤتمر الدستوري.



ج. صحيح انه يجوز تقديم مقترحات لتجديد واحكام وتطوير المقررات وصياغاتها وتسمياتها الا ان الجوهر لا يجوز المساس به.



2. حول الاحزاب السياسية:



ان اصلاح العمل الحزبي وضبط الممارسة تقتضي في رأينا الاتي:



أ. التقرير بأنه لا يجوز إقامة احزاب من منطلقات تتعارض مع هوية المواطنة التي يتساوي فيها الجميع بغض النظر عن عقائدهم او ثقافاتهم او الوأنهم او منبتهم الاجتماعي الي اخر ماهو منصوص عليه في المواثيق الدولية.



ب. يجب التقرير بوجوب تسجيل الاحزاب دون مساس بحق وبحرية التنظيم كحق انساني، وانما من منطلق تنظيم هذه الحرية وذلك الحق؛ وهذا يقتضي ان يمنح من يتقيد بهذا التنظيم حمايه وامتيازات خاصة ان اراد ان يحصل عليها. وفي هذا الصدد يجب ان يناط بهيئة مستقلة مهمة الاشراف علي تسجيل الاحزاب، ونقترح في هذا اقامة مكتب لمسجل الاحزاب يرأسه شخص لديه مؤهلات قاضي من المحكمة العليا واخصها العلم والحيدة والنزاهة، ويتم تعينه بواسطة رئيس القضاء بالتشاور مع مجلس القضاء العالي.

ج. كل حزب لا يسجل لا يكون له الحق في ان يدخل اي انتخابات ولا يجوز لاي شخص ان يدخل في اي انتخابات بأسم حزب غير مسجل.



د. شروط تسجيل الحزب:



1. ان يقدم الي مسجل الاحزاب برنامجه ولائحته التنظيمية.



2. ان يتضمن البرنامج الالتزام بالديمقراطية التعددية وحقوق الانسان كما نصت عليها المواثيق الدولية التي أجازها او يجيزها السودان.



3. قائمة بالحد الادني من العضوية التي يتفق عليها ولنقل انها الف شخص مبينة اسمائهم واعمارهم وعناوينهم وتوقيعاتهم.



4. بيان بأن الحزب عقد مؤتمرا عاما حسب لوائحه وان المؤتمر او من خوله قد انتخب قيادة الحزب التي يجب ذكر اسمائها واعمارهم وعناوينهم.



5. لا يجوز لاي شخص ان يسجل نفسه كعضو في اكثر من حزب واحد.



6. يراجع مسجل الاحزاب توفر هذه الشروط، وعند استيفائها يصدر قرارا بتسجيل الحزب.



هـ. حقوق وامتيازات والتزامات الحزب المسجل:



1. بمجرد التسجيل يصبح مؤسسة اعتبارية لها الشخصية القانونية بكل حقوقها.



2. يكون ملزما بفتح حساب بنكي تودع فيه كل اموال الحزب السائلة ويجب ان يكون التوقيع لاكثر من شخص علي الحساب.



3. يكون ملزما بحفظ سجلات تدون فيها كل ممتلكات الحزب.



4. اموال وممتلكات الحزب اموال عامة خاضعة لمراجعة المراجع العام واذا تقرر لأي سبب حل الحزب فإن امواله تؤول الي الدولة.



5. يحق للحزب اصدار كافة انواع المطبوعات دون أن يدفع الالتزامات التي يلتزم بها في حالة العمل التجاري الخاص.



6. يحق للحزب تحصيل اشتراكات او الحصول علي تبرعات من السودانين وحدهم شركات وافراد ومؤسسات ويجب بيانها وبيان مصادرها في مستندات الحزب الخاضعة للمراجعة.



7. يحق للحزب ان يسمي مرشحيه في اية انتخابات لأي عمل عام، ولا يجوز لأي شخص ان يدعي انه مرشح حزب ما مالم يصدر الحزب قرارا بذالك.



8. يجب ان يعقد الحزب مؤتمرا عاما علي الأقل في كل دورة برلمانية، وعند انعقاد المؤتمر يعتبر كل الاشخاص الذين يمثلون مواقعا قيادية انهم قد اخلوا مواقعهم، ويجوز بطبيعة الحال اعادة انتخابهم.



9. على الحزب تسجيل كافة ممتلكاته، التي تكون من النوع الواجب تسجيلها، ان يسجلها بأسمه سواء كانت ممتلكات عقارية او منقولة؛ ويمنح الحزب امتيازا لإعفاءه من رسوم التسجيل وما يشبهها من الالتزامات التي تفرض علي غير المال العام.



10. يعفى نشاط الحزب من الضرائب والعوائد وما يشبهها من التزامات وكذالك يعفى من الجمارك عن اية مواد مستوردة بغرض ان يستخدمها الحزب مع وجوب تسجيلها جميعا باسم الحزب.



مراقبة اداء الاحزاب والاشخاص الغير الحزبيين:



1. يحق لأي حزب مسجل او تنظيم من تنظيمات المجتمع المدني مسجلة ان تطعن في صحة تسجيل الحزب لفقدانه احد الشروط المطلوبة للتسجيل. ويقدم الطلب الي مسجل الاحزاب الذي عليه عقد محكمة لسماع الاطراف واصدار مايراه من قرارات واحكام وهي بدورها خاضعة لاستئناف امام المحكمة العليا، علي ان تتضمن القرارات والاحكام عقوبات تتناسب مع جسامة المخالفه تبدأ من حل الحزب ومصادرة امواله الى غرامات مناسبة الي ايقاف نشاطه مؤقتا.



2. اي شخص لا ينتمي الي حزب مسجل له الحق في الدخول في اية انتخابات تدخلها الاحزاب شريطة ان يقدم كشفا بحد ادني من الاسماء ممن يؤيدونه في ذات دائرة الانتخابات ويحدد العدد حسب طبيعة الانتخابات وموقعها والغرض منها، ويجب ان لا يكون من بينهم من هو مسجل كعضو في حزب مسجل.



3. لا يتمتع اي تنظيم سياسي غير مسجل بأي من امتيازات الاحزاب المسجله.



تنظيمات المجتمع المدني:



لكي لا تنشأ تنظيمات يمكن ان تكيد للمجتمع المدني الديمقراطي، فإنه يلزم اصدار قانون عام بوجوب تسجيل كافة تنظيمات المجتمع المدني سواء النقابات او الاتحادات او الجمعيات او غيرها سواء كانت اغراضها مطلبية او اجتماعية او انسانية او تعاونية او خيرية او دينية، ويجب ان يكون من شروط تسجيلها ان ترفق كتابة بيان عضويتها واهدافها ومصادر تمويلها؛ وعلي الدولة ان تسعي لبلورة قوانين متخصصة لكل نوع من هذه التنظيمات تؤخذ حولها اراء المنتمين لها.



ثامنا: حول التنظيم السياسي والعسكري:



الاصل في تنظيم مؤتمر البجا انه تنظيم سياسي يتوسل بالوسائل السلمية الديمقراطية لتحقيق اهدافه، ولهذا فإن التنظيم السياسي هو الكيان الاصيل في ظل مناداتنا بأقامة نظام ديمقراطي تعددي، والكل يعلم الظروف القاهرة التي دفعت السودانين لحمل السلاح في وجه حكم الجبهة، وهي ظروف كانت افرازتها اشد وطأه علي ابناء البجا، ومن هنا جاءت ريادتهم لتبني العمل المسلح لاستنهاض الجماهير لتهب في وجه الجبهة الاسلامية وتقتلعها من جزورها.



لقد اسفرت سياسات الجبهة عن تهديد حقيقي لوجود البجا وبقائهم علي قيد الحياة، فقد بلغت المجاعات منتهاها وعادت الأمراض المتوطنة وبدأت تحصد البجا لانهم افقر الجماعات في اقليم الشرق ولا مناعة لهم في ظل سوء التغذية وتفشي المجاعة.



لقد صعدت الجبهة التجاهل والتهميش وتفاقمت المظالم في الاقليم، وكان لزاما علي طلائع البجا ان تتصدي لهذا الواقع المأساوي وان يسعوا جاهدين لانهاء حكم الجبهة لاستعادة الحاضر منها املا في انقاذ اهلهم من الانقراض. ولما كان البجا قوم رعاة لا يملكون مؤسسات للمجتمع المدني يمكن ان تناضل بوسائلها لاسقاط نظام الجبهة، فكان البديل الوحيد المتاح هو حمل السلاح في مواجهة الجبهة، ولهذا نهضت طلائع شباب البجا بجسارة واقتدار علي تحمل هذه المسئولية. وفي هذا الاطار فانهم لم ينغلقوا علي انفسهم او يتقوقعوا في كهوف مغلقة دون بقية اهل السودان، فهم يدركون ان الداء قد استشرى في كل السودان، ولهذا فأنهم يمدون الايادي لكل اهل السودان، ويناضلون معهم كالبنيان المرصوص لتحقيق الاهداف المشتركة الساعية لبناء سودان جديد. ولهذا فإن التنظيم العسكري هو تنظيم مؤقت ونضاله موقوت بأسقاط الجبهة والشروع في بناء هذا السودان الجديد.



اذن فالتنظيم العسكري هو اداة مؤقتة لتحقيق اهداف التنظيم السياسي، ولهذا فإن التنظيم السياسي سيسعي فور سقوط نظام الجبهة وقيام البديل الديمقراطي الي حل التنظيم العسكري والحاق كوادره بالقوات النظامية لمنيرغب، والتنظيم السياسي سيسعي الي توفير سبل حياه كريمة لهم، فضلا عن انه سيسعي الي تعويض كل اسر الشهداء عن فقد ابنائهم وكذلك تعويض كل المعوقين عما لحق بهم من أذى او اصابات.



مشروع برنامج إقليم شرق السودان





مقدمة:



إن أي برنامج لشرق السودان، أو لأي إقليم آخر، إذا لم ينبن علي معلومات دقيقة وشاملة لكل بيئة وظروف الإقليم فانه يفقد العمق العلمي ولا يسلم من أعراض التوهم والتصنع؛ كما يجب أن يتضمن العرض  توصيفا لموقع وموارد الإقليم.



جغرافية الإقليم وحدوده:



يأخذ الإقليم الشرقي اسمه من وقوعه في شرق السودان ويحده من الشرق البحر الأحمر ومن الشمال مصر  ومن الجنوب الشرقي إريتريا ومن الجنوب إثيوبيا ومن الغرب الإقليم الشمالي والعاصمة القومية والإقليم الأوسط، وتبلغ مساحته 110000 كم مربع.



وتتمثل جغرافية الإقليم في ساحل يمتد إلى مسافة 500 كيلو متر تقريبا  يجاوره سهل ساحلي ضيق يمتاز بمناخ هو اقرب لمناخ البحر الأبيض المتوسط تنبت فيه المراعي في مجاري الكثير من الخيران المنسابة نحو البحر الأحمر شرقا، يلي الشريط الساحلي سلسلة من الجبال تمتد عموما من الشمال للجنوب وترتفع في بعض المناطق إلى آلاف الأقدام فوق سطح البحر حيث تمتاز تلك المناطق بجو معتدل صيفا؛ وتفصل هذه السلسلة بين الشريط الساحلي وسهل داخلي يمتد غربا حتى حدود الإقليم حيث تتنوع المراعي من سافنا  فقيرة إلى النباتات الصحراوية وتجري في هذا السهل وديان هامة منها وادي أمور والقاش ونهر سيتيت ونهر عطبره.



التركيبة السكانية في الإقليم:



سكان الإقليم يندرجون في عدة قبائل تشكل قبائل البجا أقدمها وأكثرها عددا. ويطلق اسم البجا علي مجموعات سكانية قطنت الإقليم منذ آلاف السنين، وقد عرفوا باسم (البلامي) في بعض فترات التاريخ وعرفوا عند العرب ب(البجا او البُجاة)، وقد كانوا حلقة وصل للطرق التجارية علي البحر الأحمر بين مصر وشبه جزيرة  العرب والهند وبين موانئ باضع، عيذاب وسواكن وداخل البلاد. وقد ظلت منطقتهم بمنجاة عن نفوذ الدويلات التي قامت في المنطقة حتى جاء الغزو التركي للسودان الذي سيطر علي كل أجزائه رغم مقاومتهم له وهي مقاومة اتخذت شكلا ثوريا منظما لدي بعض أبناء البجا الذين تجمعوا حول عثمان دقنه؛ كان ذلك مصاحبا لقيام الثورة المهدية في السودان حيث تلاحمت الثورتان بانضمام عثمان دقنه إلى الثورة المهدية ومن ثم صار أمير الشرق فشدد الخناق علي الحكم  التركي وقام بإفشال مخططات الإنجليز الرامية إلى الوصول إلى الوسط عن طريق البحر الأحمر.



والبجا يتكونون من عدة قبائل تتوزع في الإقليم، ففي الشمال نجد قبائل البشاريين وبعض بطون العبابده وهم قبائل حدودية لها امتدادات داخل جمهورية مصر، ويتركز البني عامر والحباب علي الحدود الجنوبية وهم جماعات لها امتدادات في إريتريا وأثيوبيا، ونجد قبائل الأتمن والأمارأر في  الجزء الشمالي الأوسط من الإقليم، والهدندو في الجزء الجنوبي الأوسط، ونجد الأرتيقه والشئياياب والكميلاب والأشراف يتوزعون في منطقة تبدأ من سواكن، حيث نجد



السواكنيه، وجنوبا حتى خور بركه، ونجد الحلنقه والملهيتكناب في كسلا وما حولها.



ومن قبائل الإقليم قبائل الشكرية التي تستقر في المنطقة الجنوبية الغربية من الإقليم.



وقد نتج عن بعض الهجرات الخارجية استقرار بعض القبائل في الإقليم وعلي رأسهم جاءت قبيلة الرشايده الذين قدموا من الجزيرة العربية في أربعينيات القرن التاسع عشر وقد استقروا في جنوب وشرق الإقليم.



كما نتج عن تلك الهجرات استقرار بعض القبائل الإفريقية في الإقليم أظهرها قبائل الفلاته التي قدمت من نيجيريا وتركزت في المناطق التي أقام فيها الحكم الثنائي مشاريعه الزراعية.



كما نتج عن إعادة توطين سكان منطقة حلفا في منطقة خشم القربه في ستينيات هذا القرن ان استقرت مجموعات سكانية جديدة في الإقليم كلهم من النوبيين.



هذا إلى جانب مجموعات أخرى نزحت للمنطقة من مختلف مناطق السودان واستقرت في مدن الإقليم.



وبطبيعة الحال فان سياسة الجبهة الإسلامية في سنوات حكمها قد أحدثت تغييرات عديدة في التركيبة السكانية يلزم رصدها وتحليلها حتى تكون الرؤية دقيقة وحديثة.







موارد الإقليم:



الإقليم الشرقي غني بموارده الطبيعية فهو زاخر بالثروة الحيوانية من ماشية وابل وماعز وضان الا أنها تعاني ضعفا يرجع أساسا إلى تنقلها بحثا عن الكلأ والماء عبر سهول مترامية وهضاب عالية، فضلا عن انعدام الرعاية البيطرية الحديثة مما يمكن الأمراض من هذه الثروة؛ بالإضافة إلى أن الرعاة في هذا الإقليم، شانهم شان الرعاة في الأقاليم السودانية الأخرى،  يجهلون تماما الأساليب العلمية الحديثة في الرعي أو في استخلاص والاستفادة من المنتجات الحيوانية.



والإقليم غني بالمناطق الزراعية ذات التربة الخصبة والمياه الموسمية المطرية التي لم يتخذ بصددها أي إجراء للاحتفاظ بها طوال العام حتى اليوم، ونلاحظ ذلك في خيران هييت واربعات وامور وخور عرب والدئيب وخور بركه بدلتا طوكر وخور القاش وغيرها كمناطق تجمع المياه بسهل البطانة. في بعض هذه المناطق تزرع زراعات موسمية لعل أهمها القطن الذي يزرع بخوري بركه والقاش وتزرع الذرة بكميات قليلة وللاستخدام الذاتي الضيق في بقية الخيران كما يزرع القمح وقصب السكر بمنطقة حلفا الجديدة وتزرع الذرة بكميات هائلة في جنوب أواسط وغرب الإقليم في منطقة القضارف وما حولها وكذلك يزرع السمسم والفول السوداني في ذات المنطقة كما تنتج منطقة كسلا الكثير من الفواكه.



وبالاقليم بعض الصناعات التحويلية كتكرير البترول في بورتسودان وصناعة السكر والغزل والنسيج بخشم القربه وحلفا الجديده وتنتشر بالاقليم معاصر الزيوت النباتيه وقليل من صناعات تعليب الفاكهة وتجفيف البصل.



والاقليم غني بمختلف المعادن كالذهب والجبص والرخام والحديد والكروم والمنجنيز والنحاس والمايكا وغيرها ولكنها جميعا لم تستغل حتي الان ولم تقم صناعة حولها.



ويتميز الاقليم الشرقي بميزه لا توجد في أي اقليم آخر وهي انه يطل علي كل الساحل السوداني علي البحر الاحمر، ومنطقة البحر التي يطل عليها الاقليم منطقة غنيه بشكل مميز بثروه سمكية هائله فضلا عن وجود الصدف والكوكيان والحدائق المرجانيه وهي ثروات يمكن ان تنشا فيها صناعات ضخمه، ومهن عديده كما ان هنالك الملاحات التي تنتج الملح الذي يشكل ماده خام تدخل في الكثير من الصناعات فضلا عن ملح الطعام.



الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاقليم:



نلاحظ بصفه عامه، وبالرغم من ثروات الاقليم الهائلة التي اشرنا اليها، ان الاقليم شديد التخلف اقتصاديا واجتماعيا



وثقافيا. ويرجع ذلك لجملة اسباب بعضها يتعلق بطبيعة غالبية السكان ونشاطاتها وعاداتهم وبعضها يرجع لظروف تارخية وبعضها لظروف موضوعيه وبعضها يرجع الي اسباب سياسية. والامر يختلف بدرجات متفاوته بين قبائل الاقليم. فالبجا باعتبارهم يشكلون اكبر جموعه من السكان في الاقليم، كانوا قبل مجئ الاستعمار الانجليزي للسودان يعيشون رعاة للابل والضان، وهم شديدو الاعتزاز بمواشيهم شديدو الاعتزاز برعيهم شديدو التمسك به ولايقبلون، بل ويحتقرون، أي مهنه اخري. وقد كانت متطلبات حياتهم بسيطه قبل دخول الاستعمار وكان الرعي الذي يمتهنونه يسد جل متطلباتهم كما انهم استعملوا جمالهم في نقل البضائع من ساحلهم الي داخل البلاد والعكس مما وفر لهم دخلا اضافيا. وبسبب ماقلناه عن اعتزاز البجا برعيهم فانهم قد عزفوا عن المشاركه في النشاطات الاقتصادية التي اقامها المستعمر في منطقتهم وتمسكوا برعيهم وبالتالي عزفوا عن الاندماج في الحياة الاجتماعيه الجديده في المدن الزراعيه التجاريه التي نشات مع المشاريع  الزراعيه.



لقد لعبت اهداف الاستعمار دورا خطير في تخلف البجا ذلك ان الاستعمار قد جاء بغرض الحصول علي المواد الخام لمصانعه ولخلق اسواق جديده لبضائعه. والبجا لم يكونوا يعرفون تلك البضائع، الا ان الاستعمار قد عمل علي خلق الحاجه والرغبه عندهم، كغيرهم، لشراء منتجاته وكان هذا اول البلاء؛ فشراء هذه المنتجات كان يحتاج الي اموال اما سائله او مقايضه وقد ركز الاستعمار علي زراعه القطن في دلتا القاش وطوكر لاسعاف مصانعه في (لانكشير) بهذه الماده الخام الهامة وفيما  يخص البجا فان كل مافعله الاستعمار هو ان دبر امر اعطائهم  اجره عن استخدام اراضيهم الزراعية وعن استغلال جمالهم في النقل باجور اسميه لا تسمن ولا تغني من جوع.



ونتيجة لعزوف البجا عن العمل في المشاريع كان طبيعيا ان يسعي المستعمر لجلب الافراد من قبائل عديده من وسط وغرب السودان وقله من جنوبه لمواجهة النقص في اليد العامله في مشاريعه، كما شجع بعض القبائل الحدودية لتدخل موسميا الي هذه المشاريع لتشارك في الجني والزراعه.



وذات ظاهرة جلب الافراد من مواقع خارج المنطقه قد تكررت في ميناء بورتسودان التي انشأها المستعمر بغرض تصدير ما استنزفه من موارد البلاد.



في البدايه كانت بعض قبائل البجا سعيدة بهذه الظواهر ذلك ان انشاء مشاريع القطن وفي ظل انعدام العربات التي لم تكن قد دخلت السودان ادي الي الاستعانه وبشكل واسع بإبل البجا في ترحيل القطن الي الموانئ، وشكل هذا مصدر دخل غطي مؤقتا ماقلناه من غياب مصدر دخل نقدي يغطي ثمن بضائع الاستعمار التي شاع استعمالها كالدقيق والسكر والكبريت والملابس والاحذية… الخ.



ولكن لم تمر سنوات الا وجلب الاستعمار (اللواري) واستخدمها في نقل القطن كما انشأ بعض السكك الحديدية لتكملة عملية النقل من داخل البلاد للميناء ومن هنا بدا الانحدار في حياة البجا والذي بدا في الاستغناء عن ابلهم في النقل والترحيل ومن ثم فقدان هذه القبائل لمصدر دخلهم النقدي، وفي ذات الوقت بقيت لديهم الحاجه لاستخدام بضائع المستعمر.



ادي هذا الوضع بالبجا الي ان يضطروا الي بيع اجزاء من ثرواتهم الحيوانيه لتغطية تلك الاحتياجات وكذلك باعوا بعضا من اراضيهم الزراعيه وهو امر ظل يتكرر عاما بعد عام وكانه خطه مدبره لافقارهم، وبذلك ظلت الثروة تتناقض ولم تعد قادره علي تغطية متطلبات كل افراد الاسرة وبخاصه الاجيال الجديده والتي زادت احتياجاتها الاستهلاكيه وبطبيعة الحال لم يكن من هموم المستعمر وقف او منع افقار البجا والا كان الواجب ان يبتدع لهم مصادر ووسائل انتاج جديده يمكنهم عن طريقها من انتاج الدخل الضروري لشراء البضائع الجديده وهو مالم يحدث بالرغم من علم الانجليز بوجود امكانيات وموارد اقتصادية يمكن استغلالها بسهوله في حالات الاضطرار من ثروة سمكية وامكانيات زراعيه في الخيران، وقد ظهر ذلك في كتابات المفتشين الانجليز عن المنطقه، ولكنهم لم يقيموا اية مشاريع ولم يوصوا باقامتها مما شكل اهمالا متعمدا للمنطقه وانسانها.



ولم يكن امام البجا لمواجهة هذا الوضع خاصة بعد ان ساءت احوالهم خاصة الشباب الا اللجوء الي المدن التي ازدهرت بسكانها القادمين من خارج المنطقة بغرض القيام بالاعمال القليلة التي كانوا يقدرون عليها وهي اعمال الشحن والتفريغ (العتاله). وقد لوحظ في اوائل ايام ازدهار مدن المشاريع ان اشتغل بعض البجا ببعض الصناعات اليدويه الي جانب النقل بالجمال فانتعشت صناعات الجلود والحداده للاسلحة البيضاء وصناعات السعف والصوف وتجارة البان الابل والماعز والسمن التي كانت تجلب بكميات كبيره للمدن والقري الزراعيه. ولكن ونتيجة لتدفق صناعات وسلع المستعمر المصنعه من احذيه واسلحه ناريه ومنتجات الصوف واللبن المعلب بجانب تناقص واضعاف الثروة الحيوانية بارت كل الصناعات اليدويه ولحقت بمهنة النقل بالجمال ومن ثم فقد البجا الدخل الذي كان يعود عليهم من هذه المهن ولهذا ازداد لجوء شبابهم للاعمال اليدويه الهامشية، بل والطفيلية احيانا وغير القانونيه في احيانا اخري، كأعمال عمال المقاهي وبيع الطعام في القطارات او التسول او اعمال التهريب عن طريق البحر وجميعها لم تكن لتدر حتي حد الكفاف؛ ولم تتحسن إلا احوال بعض عمالهم في الميناء نتيجة لقيام نقابات الشحن والتفريغ.



وظل الحال يزداد سوءا علي سوء في ظل الحكومات الوطنيه المتعاقبه سواء كانت عسكريه او مدنية نتيجة لاستمرار الاهمال وغياب التخطيط لأي مشاريع تنقذ البجا من تدهورهم او حتي التخطيط لخدمات ذات تاثير في تغيير هذا الحال. وكان الغياب كاملا حول قضية التقسيم العادل للثروة والذي كان يمكن ان يثمر عن رصد ميزانيات ذات قيمة لتنمية الإقليم واخراجه من هوة قاع الفقر والمرض والجهل. واستحكمت الماساة بان ما كان قائما من مشاريع قد تدهور وبصورة مريعه ولم يفكر احد في اعادة تأهيله وابلغ مثال علي ذلك هو دلتا طوكر فالانجليز كانوا يحرصون سنويا علي صيانة مجاري خور بركه وقفلها بسدود بسيطه لتوسيع رقعة الفيضان فضلا عن صيانة الدلتا نفسها من بقايا كل موسم، وبعد الاستقلال اهملت تلك العمليات مما ادي الي تدهور المشروع كله ان لم يكن قد انهار تماما.



كما يرجع تخلف البجا الي مسالة تتعلق بعقائدهم التي كانت في الاصل معتقدات محلية تحولت الي الاسلام عن طريق الطرق الصوفيه في الغالب الاعم، ذلك اذا تجاهلنا جهود بعض الاسر العربيه المسلمه التي انصهرت في قبائل البجا واصبحوا بجاويين بالثقافة واللغة والاختلاط والتزاوج احيانا، وكذلك جهود بعض التجار الذين كانوا يترددون علي ميناء سواكن او يجوبون المنطقه ذهابا وايابا الي داخل السودان.



ان الصوفيه، ولأسباب كثيرة لا يطيقها هذا المجال، اكثر اقناعا واقرب الي وجدان كل الناس الذين لم يكونوا قد آمنوا من قبل بدين سماوي. ولعل اهم ظاهره تهمنا في الصوفيه في هذا المجال هي توجهها بان الشخص لا يستطيع ان يلج للاسلام بايمان صحيح دون ان يقوده شيخ لهذا الغرض، ومن ثم تنشأ رابطه خطيره بين المريد وشيخ الطريقه. وقد صاحب تصاعد هذا النفوذ الطائفي على الافراد والجماعات نشوء الاحزاب السياسية. وقد قامت الطائفية باحتضان هذه الاحزاب او رعايتها، كما ان قادة الاحزاب ممن كانوا لا يؤمنون بالطائفية قد سعوا الى جذبها لرعاية العمل الحزبي املا في الاستفادة من نفوذها الديني- الطائفي مما مكن لهيمنة الطائفية على العمل السياسي. فصار من واجبات الولاء لشيخ الطريقة تنفيذ ما يشير به في الصراع السياسي. وقد وقع البجا ضحية هذا فكانوا ينتظرون اشارة الشيخ لتحديد اين تذهب اصواتهم.



ولما كان من معتقدات اهل المنطقه، وهو امر يرتبط بالنظام القبلي وطبيعته، ان العمده او شيخ القبيله هو كبيرها وان مصالحها من مصلحته والعكس صحيح، الا ان بعض هؤلا العمد والمشايخ قد ارتبطوا بالطائفيه لتحقيق مصالح خاصه بهم تختلف بل وتتعارض مع مصالح ابناء القبيله، وكان العربون الذي يقدمه شيخ القبيلة او العمدة هو تأمين اصوات ابناء قبيلته وايصال اوامره اليهم وافهامهم انها واجبة الطاعة، وبذلك نشأ حلف جديد بين الطائفيه وهولا العمد والشيوخ، ومن ثم احكمت القبضه علي اصوات البجا.



وكل هذا كان من الممكن الا يشكل مأساة لو كان الذين ينتخبون كممثلين للبجا علي قدر من الوعي والقدرة علي التعرف علي اسباب تخلف المنطقه وطرق علاج هذا التخلف ومن ثم توظيف عملهم السياسي لمصلحة المنطقه وسكانها، بينما الذي كان يحدث هو نقيض ذلك تماما. وقد تضافر هذا العجز مع غياب الاهتمام في رئاسات الاحزاب او رعاتها من الطائفيه بمشاكل المنطقه لانهم لم يكونوا قد شعروا بضرورة هذا الاهتمام لأن الاصوات مضمونه والولاء دائم والنفوذ مستقر.



ويأتي بعد البجا من السكان الاساسيين للاقليم قبيلة الشكريه التي تمتد فروعها حتي الإقليم الاوسط والعاصمه القوميه، ويرجع وجودها في المنطقه الي ايام الهجرات الاولي للقبائل العربيه المسلمة الي السودان وهم مجموعات من الرعاه الرحل ولا يقلون عن البجا تمسكا برعيهم واعتزازهم بماشيتهم وهم بالمثل قد عزفوا وبوجه عام عن المشاركه في نشاطات المستعمر التي انشاها وقد ساعدهم في ذلك بعد مناطقهم التي يعيشون فيها عن مشاريعه والميناء ولم يهتم  المستعمر بهم كشانه ببقية اهل الإقليم، الا ان الشكريه قد ساعدتهم عوامل عديده ليكونوا احسن حالا من البجا، فالشكريه قبيله عربيه جاءت الي السودان تحمل لغتها ودينها الاسلامي وثقافتها العربيه مما جعلهم اكثر استعدادا لمتابعة حركة التغيير الاجتماعي بينما البجا يتحدثون لغتهم الام ال(بداويت) وهي لغه غير مكتوبه وغير مرتبطه بثقافات وحضارات متقدمه مما اقعد البجا عن ملاحقة التغيرات الثقافية الاجتماعيه التي اجتاحت السودان بينما تمكنت نخبه من ابناء الشكريه من ملاحقه حركة التغيير والانفتاح علي الثقافات الحديثه.



ومن قبائل الإقليم قبيلة الرشايده الذين قدموا من الجزيره العربيه العربيه في ثمانينات القرن التاسع عشر، ولاتزال لهم امتدادات فيها. وهم قبيله عربيه عرقا ولغه وثقافة وهم مجموعات من الرعاه لايقل تمسكهم برعيهم وابلهم عن تمسك البجا والشكريه؛ فضلا عن انهم يتمسكون بتقاليد خاصه دفعتهم للانغلاق علي انفسهم وعدم الاختلاط بالقبائل الاخري مما قعد بهم عند حالهم الذي جاءوا به رغم انهم يستعملون، واكثر من غيرهم، بعض ادوات النحضاره الحديثه (كالعربات والتليفزيون …الخ).



اما بقية المجموعات السكانيه التي نزحت للاقليم من بقية اقاليم السودان وقطنت مدن الإقليم فانها نزحت في الغالب بعد نشوء المدن نفسها وهي مجموعات تتحدث العربيه غالبا او هي عربيه الاصول، بالاضافة الي انهم مجموعات تمتهن اساسا الزراعه وتجيد التجاره وتعمل ببعض الصناعات مما سهل عليها الكسب والاندماج في تلك المشاريع وفي المجتمعات المدنيه التي نشأت في الإقليم؛ واهم فئاتهم جاءت من قبائل شمال السودان الدناقله والشايقيه والجعلين وهم بطبيعة احترافهم للمهن الاكثر ادرارا للدخل كانوا ومايزالون احسن حالا من القبائل الاساسيه بالاقليم ويرجع ذلك الي تمركزهم في المدن المستقرة وامتهانهم مهن الزراعه والتجاره والبناء كما ساعدهم وعيهم المتقدم وحالتهم الاقتصاديه الاحسن لأن يتمكنوا من الاستفاده من الخدمات القليله التي قدمها المستعمر للسودان عامه والمنطقه خاصه وبشكل خاص خدمات التعليم التي مكنت ابناءهم من تزويد الإقليم بالاداريين والكتبه والحرفيين والعمال المهره والمهنيين فظهر للبعض من ذوي الوعي المنخفض من ابناء القبائل الاساسيه في الإقليم وكأنهم فئات طفيليه مستغله؛ وهو امر، كما واضح، ليس صحيحا على اطلاقه ومثلهم في هذا مثل نظرة بعض الاخوة من الجنوب للجلابة. وهذه مساله في غاية الاهميه والخطوره في الإقليم الشرقي لأنه وبدون النظره الصحيحة لهؤلا فان العداء والحقد المحلي غير المؤسس وغير المنطقي يؤدي الي زرع فتنه قوميه وصراعات قبليه شديدة الضرر بكل الإقليم.



الواقع ان هذه الفئات سودانيه لحما ودما ولاذنب لها في ان وعيها متقدم او انها استفادات من خدمات التعليم مما مكن ابناءها من تقديم خدمات ضروريه واساسيه لابناء الإقليم كله والمساله كلها ان النظر الي حالهم المتيسر عن حال ابناء  القبائل الاساسيه لا يعالج بالحقد عليهم او النظر اليهم بعدم  الانتماء للاقليم بل يعالج بتحقيق تحسين احوال ابناء القبائل الاكثر تخلفا لكي يتمكنوا من اللحاق برفاقهم ويتمكنوا من المساهمه في بناء اقليمهم مستفيدين بكل جهد وعلم وطاقات ابناء القبائل الشماليه المتقدمه نسبيا الذين لا نظن انهم سيبخلون بهذا الجهد او العلم او المال لهذا الغرض.



وذات النظرة يجب ان تعالج بها طرق التعامل مع ابناء النوبه الذين هجروا الإقليم من حلفاء القديمه. ولابد ايضا من الاشارة الي المجموعات التي جاءت واستوطنت الإقليم من ابناء القبائل الافريقيه فهولاء ايضا قد صاروا من ابناء الإقليم وهم يقدمون خدمات جليله في المشاريع الزراعيه ولابد من الاستفاده بنشاطهم وكدحهم في بناء مشاريع استقرار الرحل التي سنشير اليها فيما بعد.



البرنامج المقترح لانقاذ المنطقه:



يتبين مما تقدم ان بالاقليم الشرقي امكانيات ضخمه من منتجات البحر والاراضي الزراعيه والثروة الحيوانيه والامكانيات التعدينيه وحوالي اربعه ملايين انسان يتطلعون للاستفاده من قدرات ارضهم ليلحقوا بركب التقدم الذي تخلفوا عنه كثيرا بل هم اليوم محصورون في مصيدة الجهل والمرض والفاقه.



واذا كان الفكر السياسي السوداني قد استقر اليوم علي حتمية التوزيع العادل للثروه بين المركز والاقاليم، فاننا نري ان من مقتضي العداله في ذلك التوزيع هو افراد مخصصات اكبر للاقاليم الاكثر تخلفا لتوفر لها الفرصه للحاق ببقية الاقاليم.



وعلي ذات الاساس نري انه من الضروري في نطاق الإقليم ان تولي المجموعات الاكثر تخلفا عنايه خاصه، ومن ثم فاننا نري ضرورة ان تعطي قبائل البجا الاولويه في التنميه والاهتمام باعتبارها اكثر القبائل تخلفا في الإقليم.



و ان يعطي ذات الاهتمام لقبائل الشكريه والرشايده دون اهمال بطبيعة الحال لبقية سكان الإقليم وبشكل عام نري ان هناك حلولا ومشاريع اقتصاديه واجبة التنفيذ ومثلها مثل تنفيذ حلول سياسيه لا تقل اعنها اهميه لازالة تخلف الإقليم وتهميشه وتجاهله وفي هذا الصدد يمكن ايراد الحلول الاتيه:



اولا: لقد لاحظنا ان المشكله الاساسيه في تخلف البجا ترجع الي طبيعة حياتهم الرعويه المترحله وينطبق هذا بذات القدر علي جزء كبير من قبيلة الشكريه وكذلك الرشايده، اذن فالامر الذي يمكن ان يحدث ثورة في حياة هؤلا هو اجراء تغيير جزري حول الرعي المترحل وما يصاحبه من ادواء خطيره دون الغاء المهنه ذاتها، ذلك ان مهنة تربية الابل والماشيه والاغنام ليست مهنة ضعيفة العائد اذا عولجت علي اسس علميه مبنيه علي استقرار الرعاه طوال العام بل وكل الاعوام في مكان واحد يجدون فيه كل خدمات الرعي ويصاحبه كفالة مهن حرفيه جانبيه تدر دخولا اضافيه.



وفي ذات الوقت يمكن توفير وتقديم كل الخدمات التي تغير من حياة هؤلاء من كهرباء وتعليم وصحه وبيطره. ان الإقليم غني بالمناطق التي تصلح لان تكون مشاريع رعويه ثابته تقوم حولها قري مستقره ومكفول فيها كل الخدمات، ذلك ان كل ماهو مطلوب هو اراضي خصبه لإنبات الكلأ وبعض المحاصيل الغذائيه كالذره سواء للانعام او الانسان توفر فيها مصادر مياه دائمة سواء بالآبار او بسدود تقام علي الخيران او علي مياه النهيرات الموجوده في الإقليم والتي يمكن معالجة مساراتها لتمتد الي ارض المشاريع المقصوده. فالإقليم كما راينا غني بالاراضي الخصبه التي لم تستثمر حتي الان والمهم هو اغراء واقناع الرحل على اسس حقيقيه وموضوعيه انهم في المكان المعين سيجدون الكلأ والماء والطعام طوال العام، وسيؤدي هذا بالضروره الي تغيير شكل مساكنهم ومرافقهم وطرق التعامل مع الوسائل الحضاريه الثابته كالمجاري وخدمات المياه والكهرباء ووسائل الاتصال والمواصلات والاقتراب من تعلم التعامل مع ادوات ووسائل الحضاره الحديثه. ولعل ابلغ دليل علي صحة هذه الرؤية هو المحاولات المحدوده لقبيلة الشكريه التي استقر جزء منها علي مشارف المشاريع التي نشأت في الإقليم الشرقي في منطقة القضارف والقربه حيث اتيح لهم الحصول علي الماء من ترعه خاصه اقيمت تحت ضغوط الشكريه مما مكن من اقامة الكثير من القرى وحلال الشكريه التي حصلت علي كثير من الحدمات وخاصة التعليم ولكن ولأن المحاوله التي اقيمت لم تكن تستوعب الاقرار بالرعي والاعتراف بالمهنه وتطويرها وتصميم المشاريع علي هذا الاساس، ظل جزء كبير من شكريه الشرق يجوبون مراعي البطانه بمواشيهم وابلهم واسرهم وابنائهم، وظل ينطبق علي هؤلاء ماينطبق علي البجا والرشايده. ويظل الحل ليس هو الغاء مهنة الرعي وانما تحديثها بالتصور الذي اشرنا اليه.



ثانيا: بتوفر تلك المعالجه فانه سيكون من الممكن دعم حرف البجا المحليه وازدهارها كصناعات الجلود والسعف والصوف وتصنيع الالبان ومنتجاتها مما سيوفر دخلا اضافيا للاسر وسيمكن في ذات  الوقت من ادخال حرف جديده مما سيؤدي الي تنوع مصادر الدخل.



ثالثا: ان توفر مصادر مياه ثابته طوال العام سواء كان ذلك عن طريق المعالجات التي ذكرناها لمياه الخيران في المنطقه او اذا كان عن طريق استحداث استعمال الطواحين الهوائيه او الطاقه الشمسيه او غيرها، فان ذلك سيمكن المجموعات التي تستقر حولها من ممارسه النشاط الزراعي ونري تشجيعيهم ودعمهم في هذا الاتجاه مما سيؤدي الي توفير مصدر دخل اضافي وفي نفس الوقت سيؤدي الي توفير المنتجات الزراعيه لتلك المجموعات، والأهم من ذلك تعود التعامل مع الزراعه الحديثه وآلياتها وادواتها وطرقها العلميه عن طريق الارشاد الزراعي.



رابعا: ان دعم المشاريع الزراعيه القائمه كمشروع دلتا القاش ودلتا طوكر ومشروع القربه /حلفا الجديده والمشاريع في جنوب القضارف وحولها واقامة السدود علي سيتيت والقاش واقامة مشاريع جديدة عليها يمكن ان تشكل مشاريع اساسيه لاستقرار الرحل وبناء الحياه الجديده للرعاه، بالاضافة الي الخيران الكثيرة الزاخره بالمياه والاراضي حولها اذا عولجت بطرق علميه حديثه.



خامسا: دعم الاعمال المرتبطه بمنتجات البحر بتحديث مصائد الاسماك الحاليه وانشاء اعمال جديده في هذا المجال ودعم الملاحات وانشاء الجديد منها واقامة صناعات الصدف والكوكيان، وكل هذا لن يؤتي اكله ما لم تبني قرى حديثه بجوار البحر لتكون مراكز لهذه الصناعات والصيد المهني بغرض تقديم الخدمات الضروريه لسكانها مما سيمكنهم من دخول حياة العصر الحديث.



سادسا:



1- ان السودان كله، وليس الإقليم الشرقي، محناج لاقامة صناعات تعدينيه حقيقيه في الإقليم فضلا عن دعم الانتاج التعديني الموجود حاليا وابتداع اللازم من السياسات لفتح مجالات تعدينيه جديده واقامة صناعات عليها مما سيؤدي الي استقرار مجموعات اخري من سكان الإقليم وسيقدم مهارات جديده اكثر تقدما واكثر تنشيطا لعقلية الرعاة ليتمكنوا من دخول حياة القرن الحادي والعشرين.



2- وبالنسبة لمشروعات التعدين في الإقليم فان الامر الغالب هو ان معظم العمال سيكونون من ابناء البجا، ولما كانت الاحوال الصحيه لهؤلا قد تاثرت، وبالضروره، بامرأض سوء التغذيه وغيرها فانه لابد من تأهيل هؤلاء الشباب صحيا للقيام بتلك الاعمال، وعليه فاننا نرى:-



أ- تقديم رعاية غذائيه وصحيه خاصة للعاملين في مجال التعدين.



ب- يجب ان يشترط هذا في كافة عقود التعدين سواء كان ذلك علي نفقة المستثمرين او كان بدعم خاص من حكومة الإقليم لذلك الغرض.



سابعا: من الملاحظ الآن ان ميناء بورتسودان لم تعد تفي او تقوم بالخدمات اللازمه مما استدعي انشاء ميناء سواكن واوسيف اللتان لم تستغلا الاستغلال الامثل، وعند ازدهار السودان وتجارته ومحاصيله فلابد من اعادة تاهيل الموانئ القائمه والعمل علي انشاء موانئ جديده علي البحر وهناك اكثر من موقع يصلح لهذه الموانئ حيث سيشكل انشاء هذه الموانئ رواجا عاما لكل السودان فضلا عما سيقدمه لابناء الإقليم من فرص عمل ومن خدمات حضاريه هائله ومن مصادر دخل جديده، خاصة اذا تذكرنا بان أي ميناء جديد يستلزم صناعات وخدمات تابعه من طرق وسكك حديديه وكهرباء ومياه ..الخ.



ثامنا:



(أ) من الملاحظ ان الموانئ الحاليه قد ظلت تعاني من مشكلة شح المياه وخاصة ميناء بورتسودان وذلك للتوسع



الضخم في الميناء والذي صاحبه توسع سكاني كبير في المدينه الأمر الذي يوجب توفير مياه الشرب للمدينه ولخدمة الميناء حيث يواجهان معاناة شديده للحصول عليها موسميا وكل عام. وفي هذا الصدد فمعلوم ان هنالك العديد من الدراسات والبحوث لحل هذه المشكله نزكر منها على مشروع مياه (دولابياي) ومشروع هباني ودراسات لتوصيل المياه من النيل … وغيرها؛ ونري من الضروري حل هذه المشكله جذريا بتبني افضل هذه المشاريع ولو كان ذلك باعتماد تحلية مياه البحر رغم تكلفتها العاليه سيما وان بعض المنشآت في المنطقه قد اكتفت من المياه العذبه بذلك.



(ب) بما ان مدن الموانئ هي التي تخدم مرافق تلك الموانئ، فالواقع هو ان حصتها من الماء والكهرباء والتموين وغيرها مقتطعة من حصة هذه المدن؛ ولذلك، ورغما عن ان الموانئ شان قومي، الا انه من الضروري تخصيص نسبه يتفق عليها لاحقا من دخل الموانئ لتلك المدن اذ لا خلاف في انها شان اقليمي وذلك بغرض انشاء وتكملة وصيانة البنيات الاساسيه في تلك المدن لتمكينها من اداء دورها.



تاسعا: من المعروف ان عصب التنميه في كل مجالاتها هو توفير الكهرباء بل انه عصب التحضر والتمدين، ولذلك فاننا نري انه لابد من تغطية كل المنطقه مدنها وقراها واريافها بشبكه من الكهرباء سواء كان ذلك بتوصيلها بالشبكه القوميه للكهرباء او كان باقامة محطات لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي. ولا يتم عقد البنيات الاساسيه في المنطقه الا بربط مدن الولايه وقراها بشبكه من طرق المواصلات من مناطق الانتاج الزراعي والرعوي والتعديني فيه الي موانئه، ومن الضروري ربط مناطق الولايه بشبكه من الاتصلات وربط ذلك بالشبكه القوميه للاتصالات.



عاشرا: كما نري انه يجب اتخاذ الاجراءات اللازمه لاقامة مناطق تجاريه حره علي الحدود مع دول الجوار –  مصر وارتريا واثيوبيا – وكذلك منطقه حره في ميناء سواكن.



حادي عشر: وبالاقليم امكانيات لاقامة نشاطات سياحيه في مصايف كسلا وسنكات واركويت وعروس علي البحر الاحمر وفي المناطق التاريخيه كسواكن وعقيق وغيرها مما سيؤدي الي توفير فرص عمل للكثيرين من ابناء المنطقه وما يصاحب ذلك من تغيير في حياتهم الاجتماعيه والثقافيه.



ثاني عشر: الإقليم الشرقي منطقه موبوءة بامراض متوطنه ورغم انها جميعا امراض اكتشف لها علاج، الا ان احد لم يضع أي خطه لاستئصال هذه الامراض المتمثله في السل والملاريا وبعض الحميات الاخري؛ ولهذا فلابد من وضع خطه



مدروسه وفي اقصر وقت لاستئصال هذه الامراض وكفالة خدمات علاجيه ودوائيه في متناول الفقراء في الإقليم.



ثالث عشر: لقد عولجت قضية التعليم لابناء القبائل الاكثر تخلفا حتي الان علي شكل تقليدي الامر الذي قصر الاستفادة منها علي ابناء المدن وحرم الرعاة من هذه الخدمات، ولهذا فلابد من ابتداع اساليب جديده ومتنوعه لاقناع الرعاه لتعليم ابنائهم وبناتهم؛ وبطبيعة الحال فان مشاريع الاستقرار تشكل اهمها ولكنها ليست كل الحل، ولعل البعض يذكر اساليب بعض الانجليز في تحفيز تعليم ابناء العمد والنظار والتي نجحت لحد ما في هذا الحيز الضيق ولكن المطلوب ان تعمم مثل هذه الاساليب لتشمل كل الفقراء من ابناء الإقليم.



رابع عشر: التركيز المبكر والجاد والشامل علي محو الاميه وبجهود مختلطه حكوميه وشعبيه تتبع خطه محدده لتحقيق ذلك الهدف.



خامس عشر: اعتبار اولويه خاصه لابناء الإقليم في مجال التوظيف في المؤسسات والشركات والدواوين القائمه



في الإقليم حسب مؤهلات الفرد منهم للوظيفه المعنيه.



سادس عشر: اننا نري انه من الواجب والضروري اعطاء عنايه خاصه للمرأة البجاويه وكذلك الشكريه والرشيدية، هولاء يرزحن تحت تصورات شديدة التخلف وعادات وتقاليد تقعدهن حتي عن الوعي بانسانيتهن، ولهذا فلابد من ابتداع اجراءات وشن حملات مكثفه لتحريك عقول هؤلاء النساء نحو الاهتمام بآدميتهن وحقوقهن فضلا عن دفعهن في الانخراط في نشاطات اقتصاديه قريبه من عقلياتهن يمكن عن طريقها ان يصلوا الي قناعات جديده في التعامل مع الرجل وفي السلوك وفي الحياة وفي النشاط الاجتماعي.



في المجال السياسي:



لقد راينا ان من اخطر مصادر تخلف الإقليم هو وقوعه في قبضة وهيمنة الطائفية والقبلية السياسيتين، ولهذا فان اول مايجب عمله هو التمسك بالجديد الذي نقول به والذي يمكن اجماله في التصورات الآتيه:



1- يجب ان تكون فروع الحزب في الأقاليم هي صاحبة القرار النهائي في شئون الأقاليم- كل فرع في اقليمه- سواء في وضع السياسات والخطط في الاقليم اوفي وضع اولويات وطرق واساليب تنفيذ تلك السياسات؛ ونري الالتزام بهذا التصور الذي يمكن ان يساعد في تخليص الإقاليم من هيمنة القيادات المركزية بالخرطوم ومن ثم سيؤدي الي ان يتولي ابناء كل اقليم شئون اقليمهم وتحديد مستقبل ذويهم والتحرك بحرية واقتدار لوضع السياسات الملائمة لأقاليمهم.



2- فرع الحزب في الإقليم هو المنوط به ترشيح قيادته للإقليم، وعبر هذا الإنتخاب يتم اختيار قيادة الفرع في الإقليم لكل دورة انتخابية.



3- التنظيم الفائز بالاغلبيه في الإقليم هو صاحب القرار النهائي في اختيار وزراء الحزب في حكومة الولاية.



4- التنظيم في الإقليم هو صاحب الكلمة النهائية في تسمية النواب الذين يرشحون للبرلمان القومي. والالتزام بهذا، وفيما نرى، سيمكن القوي التي تجمعت على برنامج، على مستوى المركز، من دعم بعضها لتحقيق رؤاهم في سودان جديد.



5- يجب حظر الجمع بين أي منصب طائفي ديني وبين الاشتغال بالسياسه في الحزب، فمن يريد من ابناء قيادات الطوائف الدينية في الاشتغال بالعمل السياسي فان عليه ان يعلن تخليه عن كافة اوضاعه الدينية في الطائفة وعن قداسته وهالاته الدينية ويخضع لما ويخضع له السياسيون من نقد ولوم ومحاسبة وعقاب سياسي ويجب ان يكون هذا الاعلان جماهيريا وامام الكافة.



6- يجب الفصل التام بين القيادة القبلية، سواء كانت ذات مهام ادارية او اجتماعية، وبين العمل السياسي ومن ثم يجب حظر الجمع بين المنصب القبلي والاشتغال السياسي سواء كان هذا الاشتغال يتمثل في الترشيح او مساندة المرشحين او القيام بالدعاية لهم؛ فالمنصب القبلي هو رمز لكل ابناء القبيلة وهم بالضرورة لا ينتمون لحزب واحد ومقتضي العدالة في منصبه القبلي هو ان لا يرجح مجموعة من ابناء قبيلته بدعمها في اتجاه حزبي معين ومن باب اولي ان لا يرجح حزبه هو يفرضه علي مجموع القبيلة؛ فاذا اراد أي من ممن يحتلون منصبا قبليا الانخراط في عمل سياسي فعليه ان يتخلي اولا من كافة مناصبه القبلية او يجب عزله منها والاعلان عن ذلك بل وتحديد بديله قبل ان يشرع في عمله السياسي، ذلك لان قبائل الإقليم الشرقي وخاصة البجا ظلوا يعانون من ظلم بعض قادة القبائل الذين كانوا قبل دخول الاستعمار ولعله بعد دخوله بمدة طويلة، كانوا يقتسمون الحلوة والمرة مع ابناء قبائلهم ولكن وباستمرار افقار هذه القبائل بالعوامل التي اشرنا اليها ظهر لقادة القبائل مصدر رزق وفوائد ومكاسب ودخول جديدة عن طريق الارتباط بالقيادة الاستعمارية وتنفيذ اوامرها، ثم بعد خروج الاستعمار بالارتباط بالطائفية السياسية واقتسام الغنائم والسلطة والثروة والمواقع معها فانفصلت مصالحهم الذاتية عن مصالح مجموع القبيلة، بل وشكلت عقبة في سبيل تنفيذ البرامج التي كانوا ومايزالون يعرفون ان تنفيذها سيؤدي الي تحرر ابناء قبائلهم من قبضتهم ومن ثم ضياع نفوذهم ومصادر دخولهم الاضافية خاصة وهم يعلمون ان الجهل المطبق علي ابناء القبائل وقوة تماسك النظام القبلي وهيمنته علي عقولهم لا يسمح لهم بالانفكاك من هيمنة هؤلاء القاده القبليين الا اذا تحررت عقولهم وارزاقهم.



7- يجب ان يراقب ان تنظيم الحزب بالاقليم يدار على اسس ديمقراطية حقيقية، كما يجب ان تترك محاسبة الاخطاء الاقليمية لتنظيم الحزب في الاقليم.



8- في حالة بروز خلاف بين القيادة في المركز والقيادة في الاقليم (وكما ورد في البرنامج العام) فإنه من حق قيادة المركز اخذ رأي قواعد الإقليم، فإذا كان قرار تلك القواعد مساندا لرأي قيادتها الإقليمية، فان القيادة في المركز ملزمة بأخذ رأي القيادة في الاقليم.



9- من تنطبق عليه شروط الترشيح يحق له ان يرشح لأي منصب، ومن يفوز لدورتين متتاليتين لا يجوز ترشيحه للدورة التالية؛ ويحق له ان اراد ان يرشح نفسة للدورة الرابعة.



في المجال الثقافي:



ان اقرارنا بالتنوع السائد في السودان يجب ان تتبع بصدده اجراءات عمليه تؤكد جدية ايماننا بهذا الاقرار. والذي نراه حتي الآن ماهو الا مجرد طلاء اضطرت النخب القائده في الاحزاب الحاليه للاقرار به كما ظل يلوكه العديد من المثقفين من باب الترف الثقافي، بينما الامر السائد في الساحة السودانيه هو ان ثقافات وفنون واداب الوسط هي التي تعتبر بانها الثقافة السودانيه خاصة اذا امعنا التامل فيما ظلت تقدمه اجهزة الاعلام ومراكز الثقافه ودور التعليم.



صحيح ان اهل الوسط لم يقصدوا ان يسوقوا هذا الوهم لاهل السودان او حتي لذويهم ذلك انه قد فشا كانعكاس لتضافر ظروف موضوعيه وذاتيه احاطت بطلائع اهل الوسط، فقد كانت طلائع المتعلمين منهم ولأسباب ليس هذا مجال الخوض فيها كانت اول من احس بمهانة الاستعمار وهيمنته فبدأوا في البحث عن هويه يتمترسون بها في مواجهة ثقافة وحضارة الاستعمار الانجليزي فلم تسعفهم قامة وعيهم الا بنبش التاريخ الذي عثروا فيه علي الحضارة العربيه الاسلاميه فاعلوها وتخندقوا فيها وبداوا يتدارسون الادب العربي والثقافة العربيه الاسلاميه وتاريخها وبطولاتها وامجادها باعتبارها تؤسس لهم وتنسبهم الي اقوام كرام سادوا العالم في يوم من الايام؛ ومن ثم صارت غناويهم واشعارهم وحكاياتهم هي روح الهويه التي واجهوا بها الاستعمار فصار غناء الحقيبه هو غناء السودان وصارت المدائح النبوية هي روح ونغمة



التدين السوداني.



وبطبيعة الحال فان الصوفيه التي كانت مصدر دخول الكثير من السودانين الي الاسلام وكذلك نجاحها في ان تصبغ تدين من جاءوا من الجزيرة مسلمين بصبغتها ومذهبها قد زكت هذا الاتجاه، وقد ادي كل ذلك الي سيادة قناعات وتوجهات المتعلمين من الوسط وعامة الناس بان لا يحتفلوا بشئ قدر احتفائهم بالنسب العربي وبالتاريخ وبالثقافة العربيه الاسلاميه اللهم الا النذر اليسير من ابداعات بعض الادباء السودانين وهو قدر لا يحسب في هذا الاطار.



ان سيادة وشيوع هذا الفهم ان لم نقل الوهم قد اعمي اعين المتعلمين من الوسط عن النظر حولهم ورؤية هذه



البحار المتلاطمة من الثقافات غير العربيه الاسلاميه، فقد كان الشمال صاحب ثقافة ولغة وتاريخ يضرب في عمق الزمان ويتميز بل ولا علاقه له بالثقافات والتراث العربي الاسلامي (ونحن نتحدث هنا عن الثقافة وليس عن العقيدة) وجنوب الشمال من قبائل الشايقيه والجعليين لو نظروا الي ما الت اليه ثقافتهم وفنونهم واغانيهم ورقصهم وبل وحتي لهجتهم العربيه ولون سحناتهم وعاداتهم وتقاليدهم لتبينوا انهم قد تشكلوا تشكيلا مختلفا عن الصوره المجرده التي تخيلها بعض ابنائهم ودمغوهم بها.



وفي الشرق كانت قبائل البجا التي لم تكن تعرف الغالبيه الساحقة من ابنائها اللغة العربيه ومن ثم تجهل تماما ما تعنيه الثقافة العربيه الاسلامية.



وفي الغرب كان الفور الذين لا تشكل العربيه لهجة امهاتهم، وفي كردفان اختلطت قبائل البقارة بالعنصر الافريقي لدرجة انهم تخلوا حتي عن رعي ابلهم الي رعي الابقار التي لا يعرفها اجدادهم من العرب مثلما تغيرت الوان بشرتهم وابتدعوا لهجة عربية يصعب علي أي عربي اخر ان يفهمها.



واذا امعن البقارة النظر في الافق المحيط بهم، بل اذا نظروا في انفسهم فسيجدون ان اعرق قبائل السودان هي قبائل النوبه بكل لهجاتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها وفنونها المتميزة بشكل فريد ولا مثيل له في باقي اصقاع السودان؛ ففي هذه المنطقة اختلط اللون الافريقي وسري غزيرا دافقا في العروق العربيه فانبت عرقا جديدا وتكوينا بشريا متميزا بل وقبل ذلك تكوينا اجتماعيا وثقافيا ومزاجيا له خصائص فريده وفنون بديعه.



وفي الجنوب الشرقي كانت قبيلة الانقسنا بكل خصائصها الافريقية المحلية قد اسهمت بدور بارز في مجتمع دولة الفونج.



اما الجنوب فامره معروف ولا يحتاج الي بيان.



ان الامر الذي يثير الحيره هو كيف عمي مثقفوا الوسط عن رؤية هذا الطيف القوي. ولعل الاخطر من الحيره هو ان توجهات ابناء الوسط الثقافيه وتعمدهم او اغفالهم رؤية هذا المحيط الذي يعيشون فيه قد كلف السودانيين كثيرا فقد بددت سنوات طويله لاثبات الواقع ولبرهنة البديهيات ولرؤية الشمس في منتصف النهار، واخيرا جدا جاء الاقرار بان هناك تنوعا ثقافيا وعرقيا ولونيا ولغويا في السودان.



لقد قلنا بان وهم الرؤيه الآحاديه لثقافة السودان جاء وليد ظروف موضوعيه وذاتيه ابان النضال ضد الاستعمار، ولكن المشكله ان هذا الوهم تملك طلائع الوسط لدرجة انهم حسبوه حقيقه او كانوا يرغبون في استمراره لدرجة انهم لم يروا من كانوا يجلسون بجوارهم في مقاعد اول برلمان سوداني وهو برلمان عكس كل هذا الطيف المتنوع ذلك انه قد نشأت مصالح جديده جرت كالمياه السوداء علي عيون من انتشوا بالسلطة الجديدة والنفوذ والحكم. فالاقرار بالتنوع كان



سيشكل تقليصا لما وجدوه في ايديهم من احتكار للسلطه والثروة ولم يتكرموا الا بالقول للجنوبيين بانهم سياخذون



بعين الاعتبار الخصائص المتميزه للجنوبيين عند وضع الدستور الدائم للبلاد وكأن الاقرار بهذه الحصائص منحه من الساده الجدد. وبطبيعة الحال لم تسمح الطائفيه السياسيه المتحالفة مع القبليه بان يخرج مثل هذا القول بالنسبة لبقية اهل السودان الذين كانوا جميعا يحملون خصائص متفرده ومختلفة بعضها عن بعض فضاعت الفرصة والمناسبة الحقيقية التي كان يجب ان يتم عندها الاقرار بالتميز، واهدرت سنوات غاليه من عمر السودان وشعبه ومقدراته فافرزت القتال والبؤس والشقاء والمعاناة. واخيرا افسحت المجال للجبهة الاسلاميه بان تزعم بان كل ثقافة السودان قد تجسدت في فهمها للشريعه الاسلاميه وضرورة تطبيقها لدرجة انهم وبجرأة متناهيه صاغوا هذه الرؤية في قانون عقوباتهم لسنة 1991 وهو ذات النظر الذي كانوا قد مرروه علي نميري في قانون العقوبات السبتمبري حيث جعلوا معيار قانونية السلوك البشري بما يتضمنه من عادات وتقاليد وفنون وازياء وخطاب وحركة المراة، جعلوا معيار كل ذلك هو دين الشخص وهم بطبيعة الحال بالنسبة للمسلمين يقصدون الدين الاسلامي كما يفهمونه هم وبما استنبطوه من بطون كتب الاولين؛ فصار كل سلوك الشعب السوداني، علي الاقل من حيث القانون الواجب التطبيق، سلوكا محرما وخارجا عن الدين ويستوجب العقاب. فزي المراة السودانيه حرام وفنون كل الناس رجس من عمل الشيطان وخروج المراة وحركة اختلاطها بالرجل في الحقل والمصنع والمدرسة فسق وفجور، وطقوس الاحتفلات السودانيه في الزواج والختان وايام الحصاد والصيد بل وكل لحظات الفرح الانساني موبقات يجب اقتلاعها من جذورها.



لقد ان الاوان لأن ينشغل السودانيون بالاهتمام بكل مكونات هويتهم المتمثله في تراث وثقافات كل اهل السودان وان يترجموا هذا الاهتمام في خطط وممارسات عمليه وتنفيذية حتي يشعر كل مواطن سوداني انه في بلده وفي ارضه وان وجدانه هنا وان قلبه علي هذا البلد.



والواقع اننا لسنا ضد الثقافة العربيه الاسلاميه، بل وعلي النقيض من ذلك فنحن نؤمن بان الثقافة العربيه الاسلامية تشكل الثقل المهيب في ثقافات اهل السودان خاصة وان كل اهل السودان من اقصي شماله (الرطاني) الي اقصي جنوبه (الرطاني) يتفقون ويوافقون بان اللغة العربيه هي لغة التواصل بين اهل السودان رغم تنوعهم واختلاف لغاتهم وتباين لهجاتهم، ولكن الامر الخطير هو ضرورة تحديد  المقصود بالثقافة العربيه الاسلاميه بالنسبه لمن ينحدرون من اصول عربيه هل هي الثقافة الموجوده في بطون كتب ادباء وفقهاء السلف الصالح من اهل العروبة ام انها الثقافة العربيه الاسلامية التي نبتت في ارض الواقع السوداني، ذلك ان ماهو مؤكد ويقيني ان الثقافة العربيه بكل مكوناتها القديمة قد جاءت الي السودان حيث اختلطت في تربة المليون ميل وتم استيعابها وتمثلها واعيد اخراجها بعد اجترار استمر مئات السنين فاذا بنا امام ثقافة فريده في تعبيرها وخطابها وفي معاييرها الخلقية والسلوكية وهي تختلف تماما بل وتناقض في معظم الحالات تلك القوالب النظرية التي صاغها ادباء وفقهاء السلف في بطون كتبهم. ان مايجب الاقرار به هو هذه الثقافة العربيه الاسلاميه السودانيه وليست ثقافة اهل الكهف التي جاءت بها الجبهة الاسلامية.



والاقرار بهذه الثقافة لا يغني ولا يشكل بديلا علي الاطلاق عن الاقرار بأن من لديهم ثقافات خاصه يكون من حقهم ان تشكل ثقافاتهم  مكونا اصيلا وشرعيا في ثقافة السودان خاصة وان ثقافاتهم تشكل بذات القدر ثقلا مهيبا في ثقافة السودانيين ويجب ان يشعروا ومن حقهم ان يروا ويسمعوا صوت وصورة ثقافاتهم في كل شكل تعبيري عن الثقافة



وهو الامر الذي افتقده اهل هذه الثقافات عبر حوالي نصف قرن من سيادة ثقافة الوسط في كل اجهزة الاعلام



ووسائل وآليات وادوات التعبير عن الثقافة، اللهم الا في فترات قليله وحيز ضيق ابان حكم نميري رغم مفارقة هذا الامر لما ينبغي ان يكون وهو ان التعبير عن هذه الثقافات لن يجد منفذا الا في ظل سيادة الحريات العامة سواء حرية التعبير او النشر او العقيده او الحريه الشخصيه ولكن ضغوط اتفاقية اديس ابابا للحكم الذاتي لجنوب السودان لعام 1972 قد افلحت في فتح منافذ تسربت منها مؤقتا وجزئيا نسائم التعبير عن الذات السودانيه ثم كتم انفاسها



لهيب الدكتاتوريه فذبلت وماتت بقوانين سبتمبر وجاءت الجبهة الاسلاميه ووارات جثتها في قبر التعصب والتطرف والجهل.



ان ما قلناه هو مواجع قوميه لكل السودانيين بما فيهم ابناء شرق السودان. اما علاج هذه المواجع فأمره يختلف من اقليم الي اخر؛ ففي الإقليم الشرقي نجد ان المشكله مستفحلة بالنسبه لقبائل البجا التي تتميز بان لها لغتها الخاصة وتاريخها الضارب في القدم في هذه المنطقه مما اسفر عن نشوء فنون واداب وتقاليد واعراف وسلوكيات تكونت عبر الاف السنين وجاء الاسلام واعطاها نكهه خاصه ولمسات جديدة ولهذا فان امر ثقافتهم يحتاج الي معالجات خاصه تختلف عما يمكن ان يقال عن بقية قبائل الإقليم . فالشكريه، وهم المجموعه الثانيه في الإقليم، قد عُبر عن معظم ثقافاتهم في ثقافة هذا الوسط بسبب ان لغتهم وثقافتهم تنحدر من اللغة العربيه ومن الرؤي الاسلاميه. اما قبيلة الرشايده فالامر بالنسبة لها يمكن ايجازه في ضرورة التعرف علي ثقافة وفنون هذه القبيله فهي بحكم انهم عرب ومسلمون فان مزج ثقافتهم في ثقافة الوسط امر لا تقف امامه عوائق ذات بال ولكن الخطير في شانهم ان السودانيين حتي الان لا يعرفون شيئا عن هذه القبيله ولا عن عاداتها او تقاليدها وثقافتها وفنونها، فهي حتي بالنسبه لاهل شرق السودان لغز مغلق ولهذا فان الامر يحتاج الي خطه محكمه تتبني اساليب فريده تدفع الرشايده الي الانفتاح علي الاخرين وعرض ما لديهم من ثقافه وفنون حتي يمكن تسجيلها بالصورة والصوت والتمثيل واعادة اخراج هذا التراث حتي يتعرف عليه بقية السودانيين. ولابد من التنبيه بان الامر ليس بهذه البساطة في المعالجة العملية فهم ينفرون بشده من كشف حقيقة ذواتهم الا لذويهم، ويزداد الامر تعقيدا ان الثقافة والفنون تدور في العاده وتجعل محورها الاساسي المراة وحياتها الاجتماعيه ولقد سبق ان اشرنا الي ان المراة الرشيديه مضروب عليها سياج خطير من عادات وتقاليد وسلوكيات يستحيل اختراقها لغير ابناء الرشايده وعليهم هم التفكير بعمق في هذا الامر وابتداع ما يمكن ان يحرك الساكن والمغلق في كيانات الرشايده.



اما مجموعة النوبيين الذين هجروا الي حلفا الجديدة فنعتقد انهم لا يعانون مشكلة خطيره فقد كان ومايزال النوبيون من انشط الجماعات السودانيه التي عملت علي تسجيل تراثها واحيائه اذا قورنت ببقية قبائل السودان، ولهذا فان ماينطبق علي المعالجات التي تمت بشمال السودان في موطنهم الاصلي ينطبق علي المجموعه االموجوده الان بشرق السودان.



بقية سكان الإقليم ينتمون الي ثقافة الوسط وكل مايمكن قوله، ونحن نعالج امر الثقافه في الإقليم الشرقي، ان نترك امر اصلاح الوضع بالنسبة لثقافة الوسط الي المعبرين عن هذه الثقافة في الوسط فيما عدا الملاحظة التي تهم كل اهل السودان وهي انه يجب اعادة تقييم المعالجات المغلوطه عن ثقافة الوسط والتي هدفت الي تشويه هذه الثقافات بدمغها برؤي خارجيه وقمعها في نمازج وقوالب لا علاقة لها بما هو ممارس في ارض الواقع السوداني، وفي هذا الصدد لابد من ان نشيد بمجهودات العديد من ادباء وفناني الوسط الذين جهدوا في ابراز الكثير من جوانب الاصاله والابداع في تراث الوسط وكما انبتته التربه السودانيه.



اما قبائل البجا وحيث نعتقد ان ثقافتهم وفنونهم وتراثهم بل وحتي تاريخهم قد اهمل وهمش ولهذا فان امر ثقافتهم يحتاج الي معالجات خاصه ويمكن ان نقترح بصددها الاتي:



1. نعتقد ان البدايه يجب ان تكون جمع وحفظ اللغه وقبل ان تندثر لانه وفي حقيقة الامر فان ال (بداويت) كانت ومازالت وعاءا حمل ثقافة البجا واستخدموها وعبروا بها عن انفسهم لعشرات الاف من السنين، وحوت كل ما جادت به قرائحهم من فنون وحكم وقصص شعبي وشعر وامثال وبطولات واحاسيس ومشاعر افراح والام وآمال وبالرعم من ذلك فاننا نلاحظ ان ال(بداويت) بدات تتراجع امام اللغة العربيه اذ بدات مفردات العربيه تغزوها بشده كما بدا واضحا ان المتعلمين من ابناء البجا لم يعودوا يفهمون الكثير من مفرداتها التي تتداول في اعالي الجبال، بل ان بعضهم لم يعد يعيرها كثير اهتمام ان لم نقل انه لم يعد يعرفها، ولهذا فانه لابد من جمعها توطئة لترجمة ماتحمله من رؤي وثقافة وحكم وامثال وقصص.. الخ الي اللغة العربيه حتي يمكن ادماج رؤاها في الثقافة والتراث السوداني.



2. تكوين فرق بجاويه مستنيره تقوم بجمع وتسجيل كل التراث البجاوي.



3. وذات الفرق عليها ان تقوم وعن طريق الصوت والصوره بجمع كافة اشكال وانماط الفنون البجاويه سواء كانت غناءا او رقصا او عروض للفروسيه او احتفالات المناسبات او كانت شعرا او قصصا او حكما وان تقوم ايضا بترجمة التعبيرات البجاويه الي اللغه العربيه والانجليزيه وغيرها.



4. اقامة مؤسسات اقليمية لحفظ هذا التراث يكون علي راسها متحف للتراث والفنون البجاويه.



5. انشاء معهد للفنون بالاقليم الشرقي يكون علي رأس اختصصاته الاشتغال بدراسة التراث والفنون البجاويه والعمل علي تطويرها ودمجها في التراث والفنون السودانيه.



6. العمل علي وضع خطة ثقافية قوميه بغرض الاستيعاب والتعبير عن كل الثقافات والفنون الاقليميه في الاعلام ووسائل التعبير القوميه، وياتي علي راس هذه الوسائل اعادة تأهيل ان لم نقل اعادة انشاء معهد الموسيقي والمسرح كصرح حقيقي يشتغل بفنون المسرح والموسيقي والتراث والفنون الشعبيه وتزويده ليس فقط بالتراث والفنون البجاويه بل ايضا بكل تراث وثقافات وفنون كافة جماعات السودان حتي  ينمكن من الاشتغال بتطويرها ومزجها لانتاج ثقافات وفنون تعبر عن وجدان كل الناس في السودان .



7. وبشكل خاص نري الاهتمام بدراسة شخصية المراة البجاويه التي تحيط بها رؤي مغلقه وتراكمات تاريخ طويل من اعراف وتقاليد وعادات لم يستطيع حتي الاسلام القضاء عليها فهي ليست كأي امراة في أي مجموعه من مجموعات السودان المختلفه وهي لهذا تحتاج لدراسة خاصة لفك مغاليق شخصيتها ومن ثم وضع خطة لاخراجها من هذا القوقع الذي تسكن فيه.



8. هناك جانب هام لم يهتم به احد سواء من ابناء البجا او من السودان عامة وهو دراسة عقائد وعادات وتقاليد واعراف البجا سواء التي كانت سائدة قبل دخول الاسلام او حسب أي تعديلات جرت عليها بعد اعتناق البجا الاسلام الصوفي ونعتقد ان هذا امر خطير وهام لانه يتعلق بمعرفة الشخصيه البجاويه وطبيعة تركيبها ونفسيتها والدوافع التي تحركها وتلك التي تثبطها باعتبار ان هذا  الامر ذو صلة وثيقة بخطط تنمية البجا وتحريك الانسان البجاوي نحو التفاعل مع طبيعة الاجتماع البشري الحديث.
















حلم العالم ناس تتسالم .. والبني آدم صافي النية



Author's Notes/Comments: 

    

View sudan's Full Portfolio