مريّه









يامريّه:



ليت لي ازْميل((فدياس)) وروحاً عبقرية



وأمامى تل ُ مرمر



لنحت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك



تمثالاً مُكبر



وجعلت الشعر كالشلال : بعضُُ يلزم الكتف



وبعض يتبعثر



وعلى الأهداب ليلاً لا يُفسر



وعلى الخدين نوراً يتكسر



وعلى الأسنان سُكر



وفماً كالأسد الجوعان زمجر



يرسل الهمس به لحنا معطر



وينادى شفة عطشى وأخرى تتحسر



وعلى الصدر نوافير جحيم تتفجر



وحزاماً في مضيقٍ ، كلما قلتُ قصيرُُ هو،



كان الخصر أصغر



يا مريه



ليت لي إزميل ((فدياس)) وروحاً عبقرية



كنت أبدعتك يا ربة حسنى بيديَّ



يا مريه



ليتني في قمَّةِ ((الأولمب)) جالس



وحواليَّ العرائيس



وأنا في ذُروة الإلهام بين المُلهماتْ



أحتسي خمرةَ ((باخُوس)) النقيَّة



فإذا ما سرتْ النّشْوةُ فيَّ



أتداعى ، وأُنادى : يا بنات



نقٍّّروا القيثار في رفقٍ وهاتوا الأغنياتْ



لمريه



يا مريه



ما لعشرينين باتت في سعير تتقلب



ترتدى ثوب عزوف وهي في الخفية ترغب



وبصدرينا ((بروميثيوس)) في الصخرة مشدوداً يعذب



فبجسم الف نار وبجسم الف عقرب



أنتِ يا هيلينُ



يا من عبرت تلقاءها بحر عروقي ألفُ مركبْ



يا عيوناً كالينابيعِ صفاءْ...ونداوة



وشفاهاً كالعناقيدِ امتلاءْ...وحلاوة



وخُدوداً مثل أحلامي ضِياءْ ....وجمالا



وقواماً يتثنّى كبرياءْ...واخْتيِالا



ودَماً ضجَّتْ به كلُّ الشرايينِ اشتهاءْ..يا صبيَّة



تَصْطلي منهُ صباحاً ومساءْ....غجريَّة



يا مريّه



أنا من إفريقيا صحرائها الكبرى وخطِّ الإستواءْ



شحنتْني بالحراراتِ الشُموسْ



وشوتني كالقرابينِ على نارِ المجُوسْ



لفحتني فأنا منها كعودِ الأبنوسْ



و أنا منْجمُ كبْريت سريعِ الإشتعالْ



يتلظَّى كلًّما اشتمّ على بُعدٍ :((تعالى))



يا مريه:



أنا من إفريقيا جوْعانُ كالطِّفلِ الصَّغيرْ



و أنا أهْفو إلى تُفاحة حمراء من يقربها يصبح مذنب



فهلُمي ودعي الآلهةَ الحمقاءَ تغضبْ



وانْبئيها أنها لم تحترم رغبة نفسٍ بشرية



أيُّ فردوسٍ بغيرِ الحبِّ كالصَّحراءِ مُجدبْ



يا مريه



وغداً تنفخُ في أشرِعتي أنفاسُ فُرْقة



و أنا أزدادُ نأياً مثْل ((يوليس)) وفي الأعماق حرقة



رُبما لا نلتقي ثانيةً



يا ....مريه



فتعالى وقّعي أسمك بالنار هُنا في شفتي



ووداعاً يا مريه

Author's Notes/Comments: 

قال بلال الحسن(مجلة اليوم السابع):-

هنالك اشخاص نعرفهم كثيراً ثم نكتشف فجأة اننا لا نستطسع ان تنحدث عنهم كثيراً، فهم النسمة وهم الطيبة ،وهم التواضع ، وماذا يستطيع الانسان ان يقول عن النسمة والطيبة والتواضع والصداقة؟

لقد تعرفت على صلاح احمد ابراهيم عام 1984م وسعيت وراءه من اجل ان يكتب فى (( اليوم السابع)) وكنت قد قرأت له مقالات سياسية كثيرة ، ولكننى ألححت عليه ان لا يكتب فى السياسة. ولا ادري ان تخبئه هذه الجملة. وكنت احرص بدافع الفضول ان اقرأ مقالة صلاح فور وصولها ، لاكتشف ان كان لا يزال هنالك ((جديرون بالأحترام) يستطيع ان يكتب عنهم.

واعترف..ان صلاح فتح امامى باباً واسعاً يطل على عالم الجديرين بالاحترام هذا. كانوا كثيرين اكثر مما تصورت ، وكانوا يخرجون من تحت معطفه بشراً احياء .كان من خلالهم يدافع عن الخير فى معركته الأبدية مع الشر، وبدأت اسمع ملاحظات الاعجاب بمقالة صلاح فى كل مكان اذهب اليه. وفوجئت حين كنت التقى بالشباب المغتربين وفيهم من لا يتقن العربية الا قليلاً ، وقد قرأوا مقالة صلاح وطربوا للغتها. وبدأت اشعر ان صلاح يستطيع ان يكتب لنا عن هؤلاء الجديرون بالاحترام دون توقف ، وحتى النهاية ، وقد كان هذا للاسف ، هو ما فعله تماماً ، باستثناء مقالة واحدة بقيت غائبة لم تكتب بعد عن صلاح احمد ابراهيم نفسه ، لتكون خاتمة السفر.

لقد كانت حياة صلاح ، بقدر ما استطعت ان اعرف منه ، سلسلة من التحديات ، تحديات مع الأحزاب ، ومع السياسة ومع الحكام.

انتمى للحزبية فى مطلع السيتينات ، فترة لا تتجاوز السنه الواحدة ، وغادر الحزبية بسبب ((شيبون)) وشيبون هذا شاعر سودانى ، وكان صلاح مليئاً بالاعتقاد انهم حاصروه وعزلوه حتى انتحر.

ولم يكن مستعداً ان يغفر للحزبية ذلك ، وكان قاسياً فى نقده ، ومن اجله كتب قصيدته ((انانسي)) وبالكاد استطعت ان اعرف منه ان انانسى هذا عنكبوت من شرق افريقيا.

لقد كانت هذه الرموز الافريقية تملأ شعر صلاح ، فغابة الأبنوس هى ديوانه الأول ، وهو الخشب الاسود الصلب الذى لا يكسر . وغضبة الهباباي هى ديوانه الثانى والهباباي هى الريح العاتية التى تهب في شرق السودان ، تماما مثلما كان الشعب السودانى يهب فى كل مره جارفاً كل ما هو امامه.

وكان لصلاح تحد آخر مع السياسة ، رشح نفسه للانتخابات مرتين ، وخسر فى المرتين. خسر مرة بسبب الشيوعيين حين اكتسحوا دوائر الخريجيين عام 1965 . وخسر مرة ثانية بسبب الاسلاميين حين اكتسحوا الدوائر نفسها عام 1986م

الانتخابات حزبية ، ولا مجال فيها لصلاح ولا للشعر. وكان لصلاح تحد آخر مع الحاكم . لقد ايد النميرى فى بداية عهده ، ثم ناصبه العداء. وكان أميناً مع نفسه حين استقال من منصبه كسفير للسودان فى الجزائر عام 1976م ، وبدأ حياة الاغتراب فى باريس ، وعاش حياة المنفيين ، رافضاً باصرار ان يطلب اللجوء السياسى.

وظن نميرى أنه استراح من صلاح باستقالته. ولكن صلاح ملأ عليه الخرطوم بنهاراتها ولياليها، حاربه بالشعر بالشيء الوحيد الذى يملكه.

مات صلاح ولم يمتلك اى شبر من الأرض فى السودان وان كان بامكانه امتلاك القصور..ولكنها عزة النفس السودانية متمثله فى هذا الشاعر الفذ

View sudan's Full Portfolio