( داء القط )

Folder: 
تحقيقات

                                               نوزت شمدين

     داء القط أو ما يصطلح عليه طبياً بداء ( المقوسات ) من أخطر الأمراض وأكثرها أنتشاراً ليس على نطاق العراق فحسب وأنما على الصعيد العالمي ايضاً ، اذ يعتقد ان ما بين   ( 30-60% ) من سكان العالم مصابون به ، وبوسع المتتبع في بلادنا أكتشاف هذا الأمر بسهولة تامة عند مراجعة مختبرات الفحص أو العيادات النسائية المختصة أو حتى الصيدليات. أما من الناحية الأحصائية فأن آخر دراسة أجريت في مدينة الموصل على سبيل المثال اظهرت ان نسبة الاصابة بلغت 79% مما يعني أن هنالك وباء يستشري دون أن يلقى الأهتمام والعناية اللتان تحظيان بها أمراض أخرى لم يثبت انتقالها بين البشر لغاية الآن كانفلونزا الطيور ؟ . الشيء الخطير في أمر هذا المرض أن المصابة به المفتقدة للمناعة الطبيعية وخصوصاً المرأة الحامل التي لاتجري الفحوصات اللازمة في فترة مبكرة من حملها لا تشعر بمساوء وجود الداء بداخلها إذ أن أعراضه تشبه إلى حد ما الأنفلونزا العادية وتطور المرض قد يفاجئها بالأسقاط أو يؤدي فيما بعد الى إصابة مولودها بتشوهات خلقية ، يظهر البعض منها مبكراً وواضح المعالم والأخرى قد تظهر في وقت لأحق من حياته ، وهو في أرحم حالاته المتقدمة يؤدي إلى سقوط الجنين ( الأجهاض ) .

     يقول التاريخ الطبي أن داء المقوسات أكتشفه باحث يدعى ( لا فران ) عام 1900 ثم استمرت الأبحاث والدراسات بشأنه حتى جاء ( فرانكلي ) عام 1970 ليدق ناقوس الخطر ويفضح القطط على أنها المضيف النهائي للمرض وهكذا عرف بداء القط . بعد ذلك بعشرة سنوات أكد الباحث ( ليفن ) ومجموعة من زملائه على ضرورة أخذ العلاج بالنسبة للنساء الحوامل المصابات بداء القط وذلك لمنع انتقال الاصابة الى الجنين بأخذ مضادات حيوية ، ومع ذلك والى هذه اللحظة لم يثبت أن العلاجات المتاحة بوسعها القضاء على طفيلي المقوسات بشكل تام إذ أن الأشكال المتكيسة للطفيلي تصبح مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية ، وحتى لو قل تأثيرها في الجسم فلا شيء يمنع من عودتهامجدداً .







( الكائن المقوس وتأثيره في الجسم )

تقول الدكتورة ( باسمة احمد عبد الله ) وهي أستاذة في جامعة الموصل قسم علوم الحياة :أن المرض يسببه طفيلي وحيد الخلية يدعى ( توكسوبلاسما كوندي ) أو ما يطلق عليه بالكائن المقوس الذي يؤثر على اعضاء الجسم المختلفة مسبباً العديد من الامراض واكثرها شيوعاً اصابة الجهاز التنفسي وقد يؤدي الى حدوث ذات الرئة  وعلى الاغلب يكون طفيفاً شبيهاً بمرض الانفلونزا وقد يستمر لأيام قليلة ويشفى معظم الناس ذوي المناعة الطبيعية تلقائياً بدون تشخيص مالم يجرِ اختبار الدم الخاص به ، وتعد القطط اكثر المصادر نشراً لهذا المرض اذ تعرف بأنها الناقل الرئيسي للاصابة فضلاً عن الطيور والقوارض أو تناول اللحوم غير المطهية جيداً. وتكمن خطورة المرض عند تعرض النساء الحوامل للأصابة به، اذ قد تنتقل الاصابة الى الجنين عن طريق المشيمة مؤدياً الى اجهاضه او موته داخل الرحم او التسبب في إصابته بالتشوهات الخلقية . وتكون معظم الاصابات المكتسبة بداء المقوسات بدون اعراض سريرية واضحة ومع هذا فإن بعض حالات الاصابة الحادة تكون مصحوبة بأعراض خفيفة متمثلة بارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم والصداع والم في العضلات والمفاصل والتهاب في العقد اللمفاوية وخاصة العنقية  وهي تزول تلقائياً بعد ايام قليلة عند الاشخاص الكفوئين مناعياً  ، وتعتمد شدة هذه الاعراض مع الجرعة المخمجة وعلى سلالة المقوسات فضلاً عن  دور الطفيلي عند الاصابة . وقد يكون الطفيلي موجودا داخل جسم المرأة قبل الحمل ، لكن الخطورة تتضخم في  فترة الحمل وذلك باحتمال تعرضها للأجهاض بسببه او يؤدي الى موت الجنين داخل رحمها او تعريضها الى حوادث اجهاض متكررة  وقد يتسبب أحياناً بحدوث ولادات مبكرة ، وينتقل هذا الطفيلي من الام الى الجنين عبر المشيمة مسبباً داء المقوسات الولادي ، اذ يولد الطفل المصاب وهو يعاني من تشوهات خلقية مثل صغر الرأس او موه الرأس او تكلسات داخل المخ او تضخم الكبد والطحال او إلتهاب شبكية العين المشيمي او قد لاتظهر أي علامات على الطفل المصاب حتى مرحلة متأخرة من عمره.أما بالنسبة إلى المرضى المثبطين مناعيا  بسبب إستخدام الادوية المثبطة للمناعة في حالات زرع الأعضاء،كذلك عند استخدام الادوية والاشعاعات المضادة للاورام السرطانية  تؤدي الإصابة بداء القط الى حدوث امراض للجهاز العصبي المركزي والتهاب القلب فضلاً عن الامراض الرئوية . ومعظم حالات الاصابة بداء المقوسات  لمرضى الايدز يمكن أن تتطور نتيجة لاعادة تنشيط الخمج السابق للحالات المزمنة للاصابة إذ أن نسبة 10-30 % منهم يتعرضون للخمج واهم الاعراض السريرية الناتجة هي التهاب الدماغ الشديد الناتج عن حدوث النخر او حدوث خراجات متعددة في الدماغ  وتكون هذه الالتهابات مصحوباً بصداع شديد وخمول ويمكن ان يحدث خلل في المراكز العصبية مصحوباً بتشنجات



( القطط والمياه واللحوم الملوثة من أهم مصادر المرض )

في مختبر المدينة للتحليلات المرضية التي تديره الدكتورة باسمة وجدنا حالات عديدة لنساء حوامل مصابات بداء القط أثبتتها الفحوصات التقليدية وكذلك الفحص المتطور بطريقة ( اليزا ) ، حدثتنا ( أسماء حسين ) عن تجربتها الشخصية مع داء القط : ( قبل أن اكتشف وجود المرض مررت بتجربة صعبة للغاية إذ لم يكن قد سبق لأحد أن حذرني منه ا ولم اكن اعاني أصلاً من شيء لذلك تعرضت لحادثتي إجهاض متتالية دون أن اعرف السبب حتى اكتشفته أخيراً ولكن بعد فوات الأوان ، وأنا هنا الآن للتأكد من نسبة وجود الداء لكي اتعالج منه مبكراً في حال تتطلب الأمر ) . أما ( لمياء جميل ) وهي أم لأربعة أولاد : ( حملي في شهره السابع وانا خائفة وقلقة جداً من نتيجة الفحص هذه المرة خصوصاً وأن الفحص السابق أثبت وجوده واستلزم الأمر علاجا لأربعين يوماً عشرون منها لتناول العلاج وعشرون آخرى بانتظار مدى فاعليته وتأثيره ، يقولون بأن المرض يتسبب بتشوهات للطفل ، لا اعرف من أين جائني داء القط وانصح جميع النساء الحوامل بأجراء الفحوصات ألدورية ومنذ بداية الحمل ، لأن المرض خبيث ونتائجه تظهر فجأة دون إنذارات كافية ) .

ثم قالت الدكتور باسمة وهي تشير الى مجموعة كبيرة من أوراق الفحص             :( معدل انتقال الطفيلي يزداد بأزدياد اوتقدم مراحل اشهر الحمل معتمداً على الانسياب الدموي المشيمي اذ وجد أنه يحدث بمعدل 15% في الاشهر الثلاثة الاولى من الحمل والتي غالباً مايكون فيها المرض على اشده وبمعدل 30% في الاشهر الثلاثة الوسطى و 60% في الاشهر الثلاثة الأخيرة ) .

واصلت الدكتورة مستعينة بخبرتها الأكاديمية وتجربتها المختبرية : ( هناك العديد من المصادر للاصابة بداء المقوسات ويعد المصدر الاكثر شيوعاً هو إستهلاك اللحوم النيئة او غير المطبوخة جيداً التي تحتوي على الأكياس النسيجية لطفيلي المقوسات وبضمنها تذوق اللحوم أثناء طبخها ومن المصادر المهمة الاخرى للاصابة عن طريق أكياس البيض التي تطرح من قبل القطط المصابة إذ يؤدي تلوث الايدي او الاطعمة ببراز القطط          او التلامس معها الى الاصابة كما ان تلوث الفواكه والخضروات بأكياس البيض للطفيلي واستهلاكها دون غسلها وتعقيمها يعد عاملاً مهماً كما ان تلوث المياه والتربة بأكياس البيض المفرزة مع براز القطط المصابة من أهم عوامل التلوث أيضاً فضلاً عن  استعمال المياه دون تعقيمها . كما أن هناك مصادر اخرى للاصابة كالانتقال الخلقي لداء المقوسات من الأم المصابة الى الجنين عبر المشيمة . حيث ان الاصابة الخلقية لداء المقوسات تحدث بشكل واسع في الانسان إذ ان مايقرب من 1.3-1.5 من الاصابات الخلقية للمواليد الحديثة هي لامهات اكتسبن الاصابة خلال مدة  الحمل . وهناك دورتان في حياة طفيلي التوكسوبلازما الأولى دورة جنسية تحدث عند القطط وجميع الأنواع التابعة للعائلة السنورية إذ أنها تعد المضيف النهائي الوحيد للطفيلي ، وتطرح القطط هذه الأكياس الحاوية على السبورات مع خروجها إلى البيئة وتصبح معديةً خلال 24 ساعة بعد طرحها من أمعاء القطط إلى الخارج إذ تطرح القطط المصابة الملايين من أكياس البيض مع خروجها ولمدة  تتراوح بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع من إصابتها وتكون أكياس البيض ذات المقاومة العالية للظروف البيئية كما أنها تبقى معدية لأكثر من سنة بعد طرحها ، إذا ما توفرت لها الظروف الملائمة . أما الدورة الثانية فهي اللاجنسية وتحدث في الانسان والحيوانات الاخرى التي تعد مضائف وسيطة له ، ويكثر انتشار المرض في المناطق الدافئة والرطبة وتعود وبائية المرض الى طبيعة التغذية للسكان كما ان كثافة السكان ودرجة التعرض لمصادر الاصابة ودرجة التثقيف الصحي لها دور كبير في انتشار المرض اذ لوحظ ان اعلى نسبة لانتشار المرض تكون في البلدان التي اعتادت تناول اللحوم غير المطبوخة جيداً كما في فرنسا .  أما في العراق فأن نسبة الأصابة تفاوتت بين محافظة واخرى حسب النتائج التي توصل اليها الباحثون ، ففي عام 1998 أظهرت النتائج في بغداد إصابة 34.7% لمئة وثمانية وعشرون حالة موجبة من مجموع 369 أنموذجا مصلياً لنساء مجهضات ، وفي البصرة عام  1996 ومن خلال دراسة مسحية وبائية للتحري عن داء المقوسات بين الحوامل والنساء المجهضات بلغت نسبة الإصابة 18.5% في النساء المجهضات و 5.9% في الحوامل. أما في نينوى فبلغت نسبة الأصابة من خلال آخر دراسة وقعت بين أيدينا بلغت 79% نسبة الحالات الموجبة الفعالة منها 46 % ونسبة الحالات الموجبة الكامنة 33% وبلغت نسبة الاصابة باستخدام  اختبار ( أليزا ) 37% .

( العلاج وطرق الوقاية )

عدد من الطبيبات المتخصصات أكدن على أن هناك عقارات فعالة جداً في التصدي لداء المقوسات لكنها مع ذلك تحمل سمية عالية بالنسبة للأم والجنين على حد سواء إذا ما تم تعاطيها قبل الأسبوع العشرين من الحمل ، ولهذا يتم وصف أل ( سبراميسين ) كعلاج ضامن أو في ألأقل الأكثر أمنا وفعاليةً بالرغم من أن استراتيجية العلاج التقليدي في علاج هذا المرض غير تامة إضافة إلى ما تسببه الأدوية من أضرار جانبية أو محتملة نتيجة الإفراط الدوائي ، ويذكر بحث بهذا الخصوص أشرفت عليه الدكتورة باسمة أحمد عبد الله : أنه وبالرغم من عدم وجود لقاح يفيد منع الإصابة بالمقوس في الإنسان والقطط والحيوانات الأخرى لغاية الآن لكن البحوث والدراسات متواصلة على صعيد استخدام المعدلات المناعية التي تفي بالكثير من الوعود في سبيل تعديل الاستجابة المناعية ضد المقوسات عن طريق التحفيز أو التثبيط لخلايا معينة في الجهاز المناعي الخلوي بوصفها إحدى الوسائل العلاجية أو لغرض إنتاج الكلوبيولينات المناعية المعروفة ، وقد استخدمت لهذا الغرض مواد معزولة من مصادر مختلفة مثل البكتريا والفطريات والنباتات ، فضلاً عن بعض أشكال العلاج المناعي المنشط للخلايا القاتلة  ) .



( عشرون يوما لتناول العلاج وعشرون أخرى بانتظار النتائج )

في الصيدليات العامة يظهر وبشكل جلي مدى انتشار داء القط في مجتمعنا وذلك من خلال وصفات العلاج التي ترد إليها وخصوصاً في الصيدليات التي تكثر بقربها عيادات نسائية . الصيدلي ( محمد جاسم ) قال :( علاج داء القط المتوفر حالياً يستلزم من المرأة المصابة تناوله لمدة عشرين يوماً بواقع ثمانين حبة    ( أربعة في كل يوم بعد الأكل ( حبتان صباحاً وأخرى مساءً ) ، بعد ذلك تنتظر تأثر العلاج لمدة عشرين يوماً أخرى قبل أن تجري الفحوصات المختبرية اللازمة  للتأكد من مدى فعالية العلاج وإن كان يستوجب استمرارها بالعلاج من عدمه وال ( سبراميسين ) هو الدواء الأكثر شيوعاً الذي يوصف عادة من قبل الأطباء حالياً ، وهذا النوع تحتوي علبته الواحدة على ( 16 ) حبة وبهذا يجب أن تعطى خمسة منها ، وأنا أبيع كل يوم خمسون علبة كمعدل أي أن هناك عشرة إصابات مكتشفة كل يوم فقط من العيادات القريبة من صيدليتي ولا اعرف كيف هو الحال عند باقي الصيدليات ، مع هذا والى وقت قريب لم يكن علاج داء القط متوفراً في العراق وكان يستورد بالتوصية من أمكنة بعيدة ، أما الأن ونظراً للحاجة الماسة إليه فهو موجود ومتوفر في كل مكان .    

              

               ( الوقاية خير من العلاج )



لتحاشي الإصابة بمرض داء القط خصوصاً في فترة الحمل أجمع الكثير من الأطباء على أن هناك نصائح لابد من التقيد بها لتجنب المرض منها :

الابتعاد عن ملامسة القطط أو الأتربة في الحدائق والتي غالبا ما تحتوي على براز القطط حيث مصدر الإصابة الأكثر شيوعا لأنها تحتوي على بيوض الطفيلي ، الاحتفاظ باللحوم مجمدة ( لحوم الخراف والأبقار ) ثم طبخها بشكل جيد لأن التجربة أثبتت بأن الطفيلي يقتل بالدرجات الحرارية المنخفضة والمرتفعة جداً ، والتقيد بشرب المياه المعدنية أو المغلية بشكل جيد ، وكذلك غسل الخضراوات والفواكه باستمرار وعدم شرب الحليب غير المبستر أو البيض النيئ وعموماً لابد من ارتداء القفازات عند التعامل مع كل هذه الأمور أو غسل اليدين جيداً خصوصاً بعد التعامل مع اللحوم .

وأخيراً ومع الازدياد الخطير في حالات الإصابة بداء القط الذي تنهش أنيابه كل يوم العشرات من الأجنة وتشوه طفيلياته الخبيثة معالم الكثير من أطفال اليوم . كنتيجة طبيعية لغياب التوعية الصحية وللتلوث غير الطبيعي في كل شيء من حولنا ابتداء من مناطق الطمر الصحي المكشوفة والقريبة من التجمعات السكانية وانتهاءً بمياه الإسالة التي تنطلق ربما نظيفةً من محطات التنقية لكنها تمر عبر شبكة متهرئة وبائسة لتصل إلى البيوت مشبعة بالأمراض ، وكل هذا يستوجب من وزارة الصحة اعترافاً صريحاً بانتشار أنواع معينة من الأمراض الخطرة ، قبل أن تبدأ حملات كبرى توازي حملتها الأخيرة مع نضيراتها بشأن أنفلونزا الطيور محدود الأثر ، ومن ثم فعلى أجهزة الدولة الأخرى وخصوصاً الخدمية منها أن تمارس دورها الذي وجدت من أجله لا أن تبقى مكتوفة الأيدي بانتظار مصير الحكومة  المقبلة !؟ .

      




View nawzat's Full Portfolio
tags: