فن الاعتذار

Folder: 
قصة قصيرة





بدأت المشكلة ذات صباح حين تلقت نوال  تعليمات جديده من مديرها بالعمل . وقيل انه ينوي تعجيزها  خلال الأسابيع  القليلة التالية . وانه لمستبد ظالم لا هم له سوى العمل  . كيف يكون المرء قاسيا إلى هذه الدرجة؟

وطبعت رسالة على الكمبيوتر وجهتها إلى زميلة متفهمة  شكت لها فيها قسوة هذا الرجل " الرجل الآلي"وأرسلتها عبر شبكة كمبيوتر المكتب إلى زميلتها , أو هي تظن أنها فعلت ذلك . أدركت نوال خطأها قبل لحظات من رؤية وجه مديرهاعبر زجاج الغرفة وقد ارتسمت عليه آثار صدمة عميقه ولونته حمرة الخجل . فهي بعثت بالرسالة إليه بدل أن ترسلها إلى زميلتها .

كل منا يرتكب هفوة فاضحة من وقت لآخر . فتشعر بادئ الأمر بالذهول , ونكاد لا نصدق ما حصل .



لا تبخلوا بالكلام



يلجأ المخطئون غالبا إلى الاعتذار والانسحاب بسرعة . لكن قد يحتاج في بعض الأوقات إلى اكثر من عبارة " أنا آسف " لاعادة المياه إلى مجاريها وهو في حال نوال  اقتضى  شرحا   .  اخذت نوال بضعة أنفاس عميقة ثم

بعثت رسالة لمديرها تطلب مقابلته , فوافق , والتقى الاثنان في غرفة مؤتمرات خاليه . قالت نوال لم اقصد  إرسال الرسالة إليك طبعا . إني اسفه حقا , وشرحت له أن تعبير الرجل الآلي  لم يكن سوى وسيلة كاريكاتيرية لوصف تعاليه ومعاملته الخالية من أي شعور .

شعر المدير بالامتنان عندما سمع نوال تعتذر بكلمات معقولة  , ووعدها بان يكون اكثر تفهما قال : لننس  كل ما حصل فور خروجنا من هنا وقد حافظ على وعده ووجدت نوال منذ ذلك اللقاء سهوله اكثر في التعامل معه

وبفضل إفصاحها عما اختلج في نفسها تمكنت نوال من مساعدة مديرها على استعادة هدوءه ومعالجة الموضوع بروية  . يقول العالم النفساني مايكل مرسر مؤلف كتاب ( كيف ينجح الفائزون ) إن على الفريق المتهجم أن يشرح موقفه , ويضيف ركزوا على طريقه تعالجون بها الوضع بتعقل بدلا من ردود الفعل العاطفية  .



اظهروا مشاعركم الحقيقية



يميل معظم الناس غالبا إلى التحفظ عن الاعتذار إذا ما اخطئوا علنا . يقول مرسر: ترغب الضحية في رؤية علامة أسف على محيا المسيء أليها .وهي تكون اكثر استـــــعداد للهــــــــدوء إذا بدا  آســــــفا على ما حصل . اكتشفت   صحافية مرموقة سحر التذلل  ,   عندما تسببت في حادث سير, إذ لم تقف عند التقاطع, وصدمت سياره لها أفضليه وفيها رجل وزوجته وطفلهما . وبعدما علمت أن أحدا لم يصب بأذى راحت تردد غريزيـــــا : " أنا اسفه جدا"   ,  " أنا اسفه جدا"   .  وواصلت الاعتذار امام شرطة المرور . مما حدا بسائق السيارة الأخرى أن يقول لزوجها : إن زوجتك رائعة . أظهرت اعتذارات الصحافية المتكررة ما للندم من قوة وهي تقول : معظم الناس قادرون على التفهم , وهم كرماء حينما تعترف لهم انك مخطئ.



انتبهوا لمضمون اعتذاركم



كتبت مرة مقالا عن تمثيله قدمها أطفال , وخصصت مقطعا للتحدث عن طفل في الرابعة من عمرة نام طوال فترة العرض . وفي صباح اليوم التالي آتاني صوت والده محتجا على الهاتف " ابننا لم ينم"  " الصبي النائم ليس ابننا " قلت لكن المعلمة أخبرتني انه ابنكما , فثار واشتكى إلى مديري  . إن إلقاء التبعة على الغير هو عادة أسلوب فاشل  للاعتذار , وهذا الذي دعى والد الصبي يقفل الخط بوجهي , ثم الشكوى إلى مديري , والمشكلة لم تكن في الاعتذار بل في تقديمي اعتذارا فظا . فالمرء بطبيعته نزاع إلى تقديم مبررات . يقول العالم النفساني س. ستايدر  : يخفف الاعتذار من التوتر ويساعد الطرفين على الإدراك أن الخطأ لم يكن إلا هفوة لن تتكرر , ويضيف الاعتذار يكون اكثر فاعليه إذا آتى في شكل شروح . كان علي أن اعتذر إلى الأب المستاء واعد بإدراج اعتذاري بالصحيفة , كان في وسعي أن اشرح له كيف تلقيت معلومات خاطئة , ولو فعلت لربما كان الرجل تقبل سماع قصتي كاملة لرضاه عن تقبلي اللوم .



عوضوا الضرر الحاصل .



بعد الاعتذار وتقديم المبررات عليكم التصرف على نحو يلغي الأذى الذي حصل وغالبا ما يكون ذلك أمرا بسيطا كشراء صحن أو دفع فاتورة تنظيف  , فإعادة الوضع إلى ما كان عليه هو مستحيل في معظم الأحيان .

وليس بالضرورة أن يكون التعويض ماديا ,  فالورد مثلا , أو أي شيء يعطي انطباعا معنويا إيجابيا في نفس الذي  وقع الخطأ علية ...كنت وصديقا لي نلعب بالثلج في شوراع عمان(1) المسدودة تقريبا ,, نقذف أناسا لا نعرفهم بالكرات الثلجية , كذلك كنا نتلقى الكرات منهم  . وإذا مرت سياره نرشقها بالثلج مما يضطر راكبيها إقفال النوافذ بسرعة  , ألقى صديقي كرة ثلجية على نافذة سياره غير مقفلة , حيث تجلس بالمقعد الخلفي فتاتان ..فأصاب الهدف مباشرة  وتبعثر الثلج على شعرهما وثيابهما , بالإضافة إلى المقاعد,, . توقف سائق السيارة و وضع  غيار الرجوع خلفا  , ورجع ...كان  والفتيات في حالة  غضب شديدة . و قبل أن يسألوا من الذي ألقى الكرة الثلجية ؟

تقدم صديقي وناول السائق كرة ثلجية  ,   وانحنى ليضربه بها على رأسه... فما كان إلا أن ضحك الجميع ..وانطلقت السيارة , وهم يلوحون لنا بأيديهم   .



احترموا القضاء والقدر

عدم جلد الذات والاستمرار في جلدها , عندما نرتكب خطا ,  لان سيطرتنا على الأحداث ضئيلة جدا وعلينا أن ننظر إلى أخطائنا على إنها قضاء وقدر .

تعلموا من أخطائكم .



ارتكبت لتيتا  ب . وهي مؤلفة كتب في آداب السلوك خطأ لا يغتفر  غير عاداتها اليومية إلى الأبد . فقد دعتها صديقتها الموظفة في الأمم المتحده إلى مأدبة عشاء تكريما لها ولزوجها رو برت . ودعت بعض السفراء . تقول لتيتا  : "كان يشرفني ان ألبي دعوتها , لكني أخطأت في تسجيل الموعد في مفكرتي . وحين أقيمت المادبه  , كنت وزوجي رو برت بالسينما"  . وهي لم تعي الخطأ الذي ارتكبت إلا في صباح اليوم التالي  حين طالعها صوت صديقتها المتأذية عبر الهاتف تقول:" تمنيت في تلك اللحظة أن أموت" .

اعتذرت لتيتا" على الهاتف , ثم قصدت مكتب صديقتها لطلب المغفرة شخصيا , وبعد ذلك كنبت رسالة اعتذار من أربع صفحات أرسلتها إليها مع در زينه ورد . وبعد ستته اشهر أرسلت ورودا أخرى  في ذكرى مرور تصف سنه على خطاها ومع أن صديقتها كانت عذرتها فإنها اتصلت بها هاتفيا لتقول : " تيتي لقد سامحتك "  .

لربما كان صحيحا لكن الجرح لم يندمل , وتحرص لتيتا هذه الأيام على التأكد من تاريخ كل موعد لدى الاتفاق عليه .كتب وليم شكسبير في مسرحيته " مقياس بمقياس" . أن خيرة الرجال مجبولون بالأخطاء . وانهم يصبحون افضل حين يسيئون التصرف قليلا"  لذلك فان الأمل بتحولكم إلى  أناس افضل يزداد مع كبر  الهفوة التي ترتكبون...إذا أحسنتم إصلاح الوضع .

ــــــــــــــــــــ

Mary  Moray

Readers digest

June  1992



(1)هذا حدث معي أنا ( خالد الأسمر)

View khalidasmar's Full Portfolio
tags: