شرح عوالم ماجدولين الرفاعي ـ الحلقة السادسة

الحلقة السادسة من شرح عوالم ماجدولين الرفاعي

عبر النظر والتدقيق في تحليل رائعتها القصصية :

تبا لك ايها الموت !



............................................................



تقول ماجدولين



تراه رجع الصدى؟!

أم أنهم لم يتعبوا من ترديد الخبر مرات ومرات؟!



تسائله

كما لو كانت تتحدث الى شخص مغيب فعلا

عنهم فقط

وهي تراه

كما لو كانت في غرفتها

وليس فوق سرير نومها او حتى موتها

تخبئ حبيبها في غرفتها

تحاكيه وتساره ويحاكيها بصمت نظراته

خوف ان يكتشف احد وجوده

حتى لو كان حقيقة

فان عودة الميت امر يصعب تصديقه

كما ان رجعته تمثل دهشة راعبة

مخيف الامر الى ما لا نهاية

فكانت تحدثه بهدوء

وهم ينادون عليها

وهي تظل الى جانبه

ويلحون عليها

وهي في غرفتها

تتستر عليه

وما كانت غرفتها الا قلبها

الا داخلها

ومن ثم

تستهتر بصيحاتهم

بل تسخر منها

سخرية استنكارية

تهز خلالها عرش الحبيب

كي توقظه

ولكنه يظل يراقبها صامتا

لم تستطع ان تحرك فيه ولا حتى عضلة لسانه

لذا

تعود

تستنكر حضوره

عبر ادعاء الحقيقة

ذلك انها غالبتها عنوة

وكانت من قبل قد سحقت كل كبريائها

تراه رجع الصدى

انها تستهتر به

بنفس حبيبها

كما لو كانت تقول له

اتستمع

اما تصغي الى اصواتهم

اما يكون بوسعك ان تسكتها

وتثبت انك حي

لانك ما زلت يا هذا

حيا ترزق في داخلي

لانك تسكن ماضيا سحيقا في نفسي

لانك تعرش بين جنبات قلبي

لانك ما زلت تسحق اضلعي

ذلك اني احتضنك منذ البدء

وانك ما برحت تعتاش انت الاخر على حبي

حبي الذي القمك اياه

تراه رجع الصدى؟!

أم أنهم لم يتعبوا من ترديد الخبر مرات ومرات؟!

يعني ام انك ما عدت حقا حيا

حتى دفعتهم هذه الحقيقة الى الغليان

فيظلوا يرددوا موتك

كي تموت اساسا في داخلي

فهل ترديدهم هذا يعمل على موتك في داخلي

كي اكسب اليقين بحصوله

انهم لم يتعبوا

لكنك تعبت منذ اللحظة الاولى

بوسعهم ان يرددوا

لكن ليس بوسعك ان تردد ولا حتى كلمة حب واحدة

تنهي بها وجعي

صوتهم يمثل ذاكرتها

اكثر مما يمثل عمق الواقع الذي تقتات عليه من حولها

لانها تقاوم الاستذكار

هي تحاول التخلص من الذكرى

كي تهدأ مناماتها وتنتهي ازماتها

..............

فهم لم يتعبوا من ترديد الخبر مرات ومرات

كمن بات يصر على الاعتراف بحقيقة الموت

والتي طالت حبيبا ، ما كان الا عزيزا عند من يحبون

مثل بطلة الحكاية

كي يدفع طائلة الموت عن شخص اعز عندهم

وهو نفس البطلة

هذا التكرار

لغة زمانية تتحدث وفق درجات من الوعي المرموز

فالانسان بوسعه ان يتقبل خسارة تلحق بعزيز له

لكن ليس بميسوره ان يتقبل خسارة تفقده نفس العزيز

والتكرار في الخبر هنا غريبة

اذ ان الاعراب عن خبر الموت ولمرات

يثني الانسان عن عزمه الاكيد في التواصل مع العواطف

فكيف كان لعواطفهم ان تتشبث بصاحبة السرير

والغائبة عن الوعي

هنا تعرب الكاتبة عن تناقض في الكائن البشري

والنفس الانسانية

فالانسان يبدي قسوة ولو ضمنية تجاه مصائب الاخرين

لكنه لا يبديها تجاه مصائبه

وهي ربما اصبحت حقيقة مفروغ منها

متأصلة في وجود نفس الانسان

بل ربما غامر بها

كي تكون درعا تقيه جل الصدمات

واصغى الى حكايا الاخرين الاليمة باذعان

لكن تراه يعود الى وضعه الطبيعي

حالما ينفصل عنهم

ليستغرق مع موارد سعادته

كأن لم يقع اي حادث او رحيل

هنا الكاتبة

تحاول ان تعكس انطباعها عن الحياة الانسانية اليومية

وعن مشاعر الانسان المتبدلة

والمرهونة بمختلف الاحداث

والتي لها ان تتبدل وفقا للمصالح الحياتية

والمنافع المشروطة ..

لكننا سنرى ان البطلة

ستحاول ان تخلص الى مداهنة ومراوغة

تحتال ومن خلالهما على كل وعيها الداخلي والخارجي

وعيها الداخلي ظل يسكنه حبيبها

وما كان وعيها الخارجي الا صوت الذاكرة من الخارج

اي من الغد

لان ثمة نقلة تحرك بنفسيتها

ما بين الماضي والمستقبل

عبر اصوات حاضرة

كي تعود فتتنفس الصعداء

وتنسل من شرنقتها

هكذا كان يتغلب الضغط الخارجي

على الضغط الداخلي فيزيائيا

....................................................................



تقول ماجدولين



كلما سمعت الصوت أحاول الاستيقاظ من غيبوبتي فأتلاشى من جديد!



يزداد الضغط عليها من الخارج

من كل مكان حولها

فتستجيب بفعل الالحاح

وبفعل قانون الضرورة

لكنها تحتال ثانية

فتعود تستقل سفينتها الغيبية

لتسكن حالة من الشتات

في ظل التلاشي

تقول :

احاول الاستيقاظ

يعني انها تريد الاستيقاظ

بغض النظر عن الاسباب

لانها تحاول

لكنها تتلاشى من جديد

مع انها واحدة

وصوت واحد

وهم اصوات كثر

وليس صوت واحد

تعود لتغالب اصواتهم

هذا صعب للغاية

ان ينسف صوت واحد اصوات كثير من المرشحين

هذا يحدث هنا فقط

بوسعها ان تهدر امكاناتهم

ولا تصغي اليهم

لان صوتها كان اقوى

ذلك انها ما كانت تستجيب لهم الا عنوة

وما كانت اصواتهم الا ادلاء برأيهم لها

ولصالحها

لذا كانت مطمئنة الى فوزها

والى احتفاظها بكل هذه الاصوات

لكنها كانت تحاول استثمار الوقت

والتشبع باكثر عدد من هذه الاصوات

والتي ظلت تتكرر

رغم ان التكرار يرهق الذاكرة والسمع معا

هنا العجالة في الاستيحاء

تحاول ان تهرب من كل مؤيديها

الى حيز مؤيد واحد ليس بوسعه التصويت لها

لا لشيء

الا لانها هي التي جعلت تهديه صوتها

ذلك الصوت الذي ما كان له الا ان يتشبع باصوات المتحلقين من حولها

كانت تضم صوتها الى اصواتهم مجتمعة

ومن ثم تقدمها عربون حب الى الحبيب

تهديه اياها جميعا

صوتها واصواتهم

لذا

كان عليها ان تستيقظ قليلا

ثم تعود الى غيبوبتها

بعد ان تكون ابتلعت اصواتهم

ومن دون ان يشعروا

كي تحرز بها تقدما

لصالح ترشيح حبيبها

ثم تهدأ

بعد ان تفهم حقيقة المكر

وانه لا يمكن ان يحيق باهله

طالما كان هذا الاخير واعيا لمزاياه

لذا

هي تعود ثانية

فتسترحم حالها

وترثي لوضعها المأزوم

فتقول

بعد ان تسترسل في حالة توقف

غير معلن عنها

لتصلح امرا

كان لازما لا يقهر

وفاعلا غير منتهك وللحين

....................................................................



تقول ماجدولين



ما جربتُ بعد شكل الحياة دونك..



هنا التلاشي الحقيقي

وهذه كانت غيبوبتها

ودوافعها الحقيقية

انها ما كانت جربت كيف تكون الحياة من دونك

لذا

كانت تهرب من مجابهة عنائها

فكان لها ان تسترسل في غيبوبتها

وتنتهي من يقظتها

وتفارق من تحلق حولها

لتلازم خلاء ليس فيه سوى مطر

من وقع الذاكرة

وما كان للحبيب من اثر

ولقد ظلت تحدثه

وما كانت تحدث سوى اخيلة نفسها

وتتقوى بها

ريثما

يتقضى وقت اكثر

تستعدي به على واقعها الذي ينتظرها

خارج اطار الحلم

كما لو كان احد الابطال

ينادي على احدهم في الدار

ان يخرج لمنازلته

وهذا الاحدهم يظل مترددا

خوف الفشل والصراع

لانه كان متأكدا من ضعفه تجاهه

فلا يخرج

ويتذرع باي ذريعة

كي يطول بقاؤه داخل البيت

فلا ينازل هذا الصنديد

ولا يعلن بعدها عن خسارته وضعفه

فوعيها اللا شعوري

لا يريد الاستيقاظ

وهو الذي كسر شوكة الاستسلام لعالم اليقظة

لانها ما كانت تريد ان ترى ضعفها

يتلاوح في تلك الآماق اللامعة

وهي تتطلع اليها

مشفقة

من وقع الخبر الاليم

وان حبيبها قد مات

كما المصاب بمصيبة

لا يطيق احتمال نظرات المعزين له

فلا يعد بوسعه ان يرفع طرفا اليهم

هي كذلك

لا تريد ان تجابه نظراتهم

على فكرة

في مرحلة الاعدادية

كنت اغرمت بفتاة من بغداد

سكنت الموصل مع اهلها

جاورتنا في الحي

احببتها بطلاقة وعي

وكنت اغامر بمضايقتها

لم افعل الا حينما امنت فيها كل الود

حتى ان حبها

كان هو السبب في ضعف درجاتي الدراسية

وتراجع معدل تفوقي  

في ذلك العام

بسبب من انشغالي بها

وانتظاري لها كل صباح

على قارعة الطريق

لكن

يوما ما

كنت عدت من المدرسة

نظرت الي اختي نظرة مريبة

اعقبها اخي الاكبر بمثلها

لكنها كانت منزهة عن اللؤم

كان فيها شيء من الشفقة

والامتنان للقدر الذي انهى هذه المسرحية

من دون خسائر تذكر

لانهم كانوا في البيت يعلمون بسر اللعبة

التي كنت امارس تقنياتها ولمدة عام كامل

فقال لي اخي

واكدت ذلك لي

اختي من بعده

انهم رحلوا

عائلة البغدادية رحلوا عن الحي

باعوا بيتهم وانتقلوا للسكنى في حي اخر

اين

فقط الله يعلم

وانا الوحيد الذي كنت لا ادري

ولم يخبرني القدر بفعلته

ولا حتى هي !

وقتها شعرت ان مملكتي تساقطت

واصبحت قزما لا يقوى على مقاومة ابسط ريح

لحظتها تمنيت لو ان الارض كانت ابتلعتني

كان موقفا متأزما

حبست ادمعي خلف قرارتي

ولذت بالصمت

ثم تمالكت نفسي

وخرجت من الصمت

بعد ان اعددت للحديث كلمة واحدة

ليس اكثر

فليكن

قلتها وعبرتي تهمي في داخلي

ووجعي يتفجر في الفراغ

واصوات النحيب تلازمني

انا الوحيد الذي كنت اصغي اليها

صرت لا اسمع سوى رشقها

كهطيل المطر المتقاذف بلا رحمة

لانها كانت تصرخ في اعماقي

انا وحدي

فما عدت وقتها اطيق النظر الى احداقهم

كيف كانت ترقب صمتي

وتهت عن واقعي

وكنت ارصد طريقا للهرب

علني افوت على لحاظهم

فرصة التقاط  مشهد محظور لي

فكنت لا اعي ما اقول

وكنت لا اطيق ان يتحدث الي احدهم

لاني وقتها

كنت متيقنا

من اني كنت شخصا

لا يمكن ان يُحسَد على ما عنده

بل انا الذي كنت احسد كل من حولي

انه لا يعيش ما اعيشه الان

واتمنى لو كنت مكانه

لاني ما كنت اقاسي الا

انهيارا في علاقة حب

وبالتالي

ضياعا وفقدانا لكل اسبابها

....

او مثل حالة من يستلم بطاقة نتائجه

ويرى انه راسب

او مكمل

فلا يستطيع العودة الى المنزل

خوف ان يرى التوبيخ في عيون الجميع

ممن كانوا على شوق لسماع خبر نجاحه

....

او اي فرصة عمل

ويعود الرجل الى بيته خائبا

فلا يملك طاقة النظر الى احد

او ان يطالعه نظر احد

لانه يعيش في نفس الازمة

وليس في خارجها

حتى اصبح في دائرة الضوء

الذي لطالما كان يتحرك في خارجه !

.....

او اي قضية اخرى

تشابه ما نستعرض له

او نقرنه بها !

....

اذن هنا

السخط النفسي

يحرك في داخل المرء

تركيبة من الاحاسيس

تحاول الثأر لكرامتها

محاولة انسانية مجردة

لان في موت الحبيب

او في رحيل صديقتي

ما كان ينبعث قصور منا

تجاه القضية

ولا حتى على اي من المستويات

فيما لو كان استعجال الفرصة

وامتحان اغتنامها

جزءا من التنازلات والاسباب

التي دخلت في قصور متآخي مع نتائج الحدث

يعني انها كانت سببا الى ذلك

من حيث برودة وعينا

وترددنا في التحرك

او ثقل امكانية تنقلنا

صوب اختتام برامجه

..............

ولا من اي منا

لا انا ولا البطلة

فرحل حبيب البطلة

ورحلت حبيبتي

من دون ان نتدخل في رحيلهما

لذا الحس الغالب في القصة

هو تأنيب الضمير لسبب صار يخلقه بنفسه

وذلك بعد انعدام الاسباب

فيعود يختلق اوهنها

كي يتعلق بها ويتذرع بشأنها

ليطيق مغالبة الوجع

والانشغال بها عن نفس الوجع

والاحسم يكون عبر تداخل خارجي

يكون من دون علم مسبق

من نفس الاطراف

الداخلة في نطاق المعادلة

..............

كوجع الضرس حينما ألم بي

حتى اثارني احدهم بخبر مريع

أذهلني عن نفسي وعن وجع ضرسي

ثم بعد ان غاب وجع السن

عاد يبتسم ويقول لي

انه ما حدثني الا كذبا

كي ينتزعني من وهدة الوجع

وينتشلني من ازمته

عبر اختلاقه لازمة اخرى مصطنعة

تفك حديد الاولى

فكان له ما اراد

وبالفعل نسيت وجع ضرسي

بل غاب عني ابدا

الى اليوم الذي تذكرته

وقررت حشوه لدى طبيب الاسنان

.................................................

هكذا يعيش وحي ماجدولين فينا

طيبا بسيطا متواضعا وعظيما في نفس الوقت

يتحرك بيننا

يتناول ادواته من ظلال عيشنا الاكيد

مستخدما كل لوازمه البسيطة

كي يزخر بكل الاماني العظيمة

والاحلام الواسعة

بكل خيلائها المليح وافقها الفسيح



................................................



شكرا لماجدولين كثيرا

شكرا لاحساسها المغرق بالعاطفة

وبكل امل مأثور

وحس منظور

وغيب يأبى العيش الا بين اللحاظ

شكرا لها  

لانها اغنت ذاكرتي

وتركتني اجتر في الساعات

واكرر في الايام نفسها

وليس كل الايام

لكن ما يعود منها الينا بالذكريات جميعا

فكيف اذا علمنا انها جميلة جدا

حتى المتعب منها والمرهق

لانها مضت

وانتهت

وما كان العود اليها

الا استعادة لسنين كانت قد رحلت

عن الحضور بين احلامنا الحاضرة

واستقدام لايام كانت قد تغيبت لحظاتها

واستحضار لاناس

كانوا غابوا عنا بكل نظراتهم واحاكيهم

والبعض منهم كان قد رحل

وليس له ان يعود ثانية

هكذا الذكرى تستعطر فينا كل وحي سبق

حتى لو كان لها ان تثقلنا بلحظاتها السئمة

لاننا سنكون حلمنا وبالعكس

بالماضي

تحديق بالذي مضى

ومن دون عتاب

مع كثير من الشجن والاستعتاب

............

فبدل ان نحلم بالمستقبل

نصير نحلم بالماضي !

وهذا هو بحد ذاته امر مدهش وللغاية !



........................................



انتهت الحلقة السادسة وتليها الحلقة السابعة

من شرح عوالم ماجدولين الرفاعي

عبر تفحص نصها المكنون : تبا لك ايها الموت



................................................



...........

مودتي

جمال السائح

Almawed2003@yahoo.com

www.postpoems.com/members/jamalalsaieh

2006-01-30










View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: