لا تؤذوا الفتيات

لا تؤذوا الفتيات







جمال السائح



رواية

( للكبار والناشئة )









( 1 )



احس عزام بخطورة الوضع ، إن هو اقدم على تسليم المبلغ الذي ائتمنه عليه ابوه السيد بدران الناصح ، حينما استقل الطائرة التي كانت اقلعت باتجاه العاصمة ، لغرض عيادة قريب عزيز عليه جدا !! ترى من يكون هذا المقرب المعزز ؟!

كما ان هذا المبلغ لا يعد ادخارا للعائلة ، حيث لا يمكن انفاقه الا في حالة الضرورة القصوى. لكنه مبلغ عادي ، يمكن تجاوز الاهتمام به في اي ظرف ، او زمان آخر . .

غير أن المشكلة التي تعترض الآن أسرة صديقه الحميم  حامد العزاوي ، وتكاد تعصف بها هي الاخرى ، لربما كانت تعد خلاف ذلك ! فهي اكبر من حجم المبلغ الذي اصبح الان في عهدة عزام!

فلو كان ابوه اليوم حاضرا ، لما كان يعدو تصرفه في التعامل مع هذا المبلغ من المال تصرف ابنه . . ولربما تريث بعض الشيء ريثما يجد مبلغا اكبر ، لدفعه كمساعدة او قرض!

ولكن لماذا هو الذي يأتمنه ابوه ولا يأتمن والدته وهي التي يجب ان يقدمها على ولده ، حتى لو كان يمثل عنده الابن الاكبر في الاسرة..

اما انه الولد الاكبر في العائلة ، فهذا امر لا غبار عليه في ضمن اسرة ، تشتمل على اب وام، وثلاث ابناء ، وبنت واحدة .

واما ان ابوه كان قد تجاوز الامر ، وسلم المبلغ اليه دونها ، فهذا مما لا يحتمله العقل ، الا لاسباب قاسية !

فما هي هذه الاسباب ؟



( 2 )



اما هذه ، فهي تكاد تلخص في ان والدته هيفاء السعيد، هي الاخرى كانت غائبة عن المنزل ، ذلك ان حالة مرضية مفاجئة ، كانت المّت بأبيها الحاج ماجد السعيد ، وتركته طريح الفراش ، قبل ان يهبوا لنقله الى مركز انعاش في مستشفى كبير في العاصمة . . لغرض وضعه تحت العناية المركزة ، كي يشرف على استشفائه اطباء مختصين ثمة ، ولاجل معالجته والعناية به بشكل أفضل . واذن فالقريب العزيز ما كان سوى عمه وابا عقيلته ، وجدّ الاولاد !

ولم يكن يتسنى الوقت اللازم لجدة عزام ، يعني ام هيفاء ان تخبر ابنتها البكر بالازمة القلبية ، التي فاجأت اباها على حين غرة ، الا بعد ان انتهى عزم طبيبه على ارساله على متن طائرة الى العاصمة ، وتحت عناية مركزة . . بعد ان ابرق هاتفيا الى أقرانه من الاطباء كي يعنو به هناك ، وذلك بعد ان اعتقدت ام هيفاء ، بأن الامر لا يعدو نفس الوضعية في المرات السابقة ، وهي ما كانت الا كسائر الحالات التي كان يمر بها ، أو ما زالت تعترض الاب بين الفَينة والاخرى .

فما ارادت ازعاجها ، واثارة القلق في نفسها ، ولكنها لما رأت الحال في هذه المرة ، يختلف عن سابقاته ، ووجدت طبيبه يقف من علاجه موقفا حاسما ، يكاد لا يحسد عليه ، تراءى لها ان تتصل بابنتها ، لتخبرها بما انتوى الطبيب ازاء ابيها ، وانهم سيتجهون به نحو العاصمة على متن اول طائرة تقلع باتجاهها ، وما عليها ان هي ارادت اللحاق بهم ، الا ان تستقل الطائرة التي تعقبها.

فما كان من والدة عزام . . الا ان توجهت مسرعة الى لقاء ابيها وتفقد حاله ـــ وان كان هو يمر بأزمة حادة ـــ ولكنها اعتقدت بضرورة تواجدها الى جانبه ، والوقوف على حاله عن كثب . . وهي التي غالبا ما كانت ترى في مثل هذه الحالات ان تكون على مقربة منه ، وتظل الى جواره ، امراً يندرج في سلسلة المسلمات البديهية ، بل واجبا يدعو الى الالحاح دائما .

ان أباها ـــ يعني جد عزام من جانب امه ـــ لم يكن لديه من الذكور ، ذرية تقف الى جانبه في وقت الشدة والضرورة . فكانت هي البنت البكر ، تمثل لديه كل أماله ، التي كان يعلقها على الولد الذكر والابناء من الاولاد ، فيما لو كان الله منحه بغيته . ولكنه تأكد لديه فيما بعد ، ان ابنته هذه كانت تعدل لديه عشرات الذكور ، لانها درست وجاهدت حتى اصبحت صيدلانية ، يقصدها كل من يطلب الدواء والعلاج ، هذا الى جانب بناته الاخريات يعني اخوات ام عزام . . اللائي سعين هن الاخريات الى شق طريقهن بجد ومثابرة ، اثبتن في خلالها انهن قادرات على ملء الفراغ ، الذي احدثه فقدان الولد الذكر في مثل هذه الاسرة . .

ولقد ظل جد عزام يشكر الله على مثل هذا الفضل ، الذي أولاه اياه ، ومنحه من الذرية التي تعدل في وجودها العديد من الابناء . . والكثير من كنوز الدنيا والمال الوفير .

اما القريب العزيز الذي كان توجه ابوه لعيادته ، وتفقد حاله ، فما كان اذن سوى عمه يعني ابو زوجته هيفاء ، والتي كانت اتصلت به ، تعرب لها عن قلقها بصدد الازمة القلبية الحادة ، التي تعصف بوالدها ، وانها هذه المرة قد تجاوزت الحد المعتاد لها في كل مرة . فوجد ان من الضروري عليه هو الاخر، ان يتوجه الى المستشفى في العاصمة ، كي يطلع على آخر التقارير الطبية بشأن عمه ابي زوجته ، ويتفقد وضعه بالتالي ، وليكون في نفس الوقت الى جانب زوجته وعمته التي ربما احتاجت ان يكون احد الاقارب الى جانبها اكثر من ذي قبل..

فما الضير ان يكون هو الى جانب عمته كذلك ام زوجته ، وما هو الا صهرها ! فليكن ، وليؤد واجبه ازاءها وازاء عمه الذي يمكث بلا حراك ، طريح الفراش في مستشفى تكاد تبعد عن مسقط رأسه ـــ يعني عمه وأبو زوجته ـــ مئات الكيلومترات. .



( 3 )



ولكن ان يلعب المبلغ الذي تركه ابوه في حوزته ، ريثما يعود مثل هذا الحجم من التأثير ، فهذا ما يمكن ان يثير الدهشة، او بعض الشك..

ولو ان ابوه ما ترك لديه اي مبلغ ، فانه هو الاخر كان في حوزته ما يكفيه ، ريثما يعود والداه من السفر بأخبار طيبة.. فلماذا يحتمل  لمثل هذا المبلغ ، ان يعظم دوره ، ويتسع نطاقه ، ليبلغ بعزام كل هذا التردد والحيرة ؟

وما سرّ المعضلة التي تمر بها اسرة حامد العزاوي  ، والتي تزامنت مع نفس الوقت الذي تمر به اسرة جده الحاج ماجد السعيد ؟ ! وكيف سيكون بوسع مثل هذا المبلغ الزهيد ، أن يعالج مشكلة اسرة حامد ؟ وهل ان عزام ينتظر عودة والده ، كي يستشيره في طلب مبلغ اكبر ، لضمه الى هذا المبلغ ، ودفعه بالتالي الى صديقه المخلص حامد ؟

اما المبلغ ، فيعد زهيدا ! لانه لا يمكن قبضه الان ! ذلك ان والده حينما حرّره لولده ، وهو في غمرة من الفوضى، التي كانت اعترته جراء التحضير لسفره المفاجئ ، كان قد اخطأ في تسجيل تاريخ الصك ، حينما دون صدوره في الشهر القادم. . لذا ، فان ولده الان ، لا يمكنه الاستفادة من هذا المبلغ ، ولذا فهو يعد زهيدا ، لو اعطاه لحامد الذي سيضطر الى بيعه ، باقل من قيمته لمن يقبل بسحبه في تاريخه المتعين له..

كما ان عليه ان يستميح والده في تسليم صك صادر من قبله لشخص آخر . . مع ضآلة المبلغ الذي ليس بميسوره حل المشكلة بشكل كامل وأكيد ، ولكن مع ذلك فهو افضل من لا شيء ، وربما عاد ابواه بسرعة ، وانتفت مشكلة المال والحاجة الى مصاريف المنزل التي اودعها الاب بعهدة ابنه .

كما ان هذه الاخرى كيف سيتكفل بامرها ، وهو لا يملك الا مبلغا قليلا في جيبه ، ولكن يمكنه ان يستلف من اقارب أبيه أو أمه ، وهذا ايضا سيتطلب رخصة منهما . .

واذن ! فعليه ان يتصل بهما على الهاتف الجوّال ، وهذا ايضا سيثير نوعا من الضيق والاضطراب لديهما ، لانهما في شغل شاغل عن غير المشكلة التي تعترض جدّ عزام الحاج ماجد السعيد . . ما خلا شغلهما الاخر ، وهو نفس العائلة التي تركاها في المدينة بعهدة الاخ الاكبر ، وهذه الاسرة ليس بوسع افرادها اثارة مشاعر الابوين بمشاكل . . ربما عدّت طفيفة في وقت آخر ، مع شدة بأسائها ولكن الايثار يحكم امره ، ويلزم اعضاء هذا المجتمع الاسري الصغير ان يتكفل بنفسه ، دون مساعدة الابوين الغائبين ، ريثما يعودان باخبار سعيدة عن جدهما الحاج ماجد السعيد، وما على هذه الاسرة ، حينما تتصل بأبويها ، او يتصلان بها ، الا ان تعرب عن حسن ولائها لهما ، وان لا تزعجهما الا في الحالات الضرورية ، التي لا يمكن الوصول الى حل بصددها الا بواسطتهما . ولو انه كان من الواجب ، اعلام الابوين بظروف الاسرة المادية الطارئة ـــ والتي لا يعلمان عنها شيئا ، لما يعتور الصك من مشكلة وهي انه لا يمكن سحب مبلغه الان ، الا في تاريخه المحدد والبعيد !

ولكن عزام كان يعتقد انه لا ينبغي اثارة هذا الموضوع حتى عودة الاب او حينما تحتد الامور، ويتشنج الظرف المادي، حينها سيعرب عن امله ، في الاتصال بهما خاصة اذا تأخرت عودتهما !



( 4 )



لقد اصبح عزام ولاول مرة ، يقف أمام واقع جديد ! واقع يختلف ، وبكل جزئياته وملابساته، عن كل واقع وآخر، وهو ان يقوم على رعاية بيت لوحده ، دون اي عون من ابيه وامه . . امامه الان منزلا يحتاج الى انفاق ودخل ، ولو لساعات قلائل ، فضلا عن الاستعداد والاحتياط لكل حالة طارئة واخرى ربما تعترض حياة هذه الاسرة وهذا البيت ، في ظل غياب الابوين ! كما انه الان ، تقع على عاتقه المسئولية  المباشرة لرعاية افراد هذه الاسرة ، والسهر على عنايتهم وراحتهم . . كما ان عليه وفي الوقت الحاضر أن يهتم بتنظيم الروابط الداخلية والخارجية لهذا البيت ، والاشراف على سير الحياة فيه . . ومتابعة كل حيثياته ، بمختلف الظروف التي ربما تعصف به في مثل هذه الفترة القصيرة والحرجة.. ولربما تطول ، ولكنه يعلم ان اباه لا يمكن ان يترك عمله في الشركة كل هذا الوقت ولكن ربما يحصل مثل ذلك ان اضطرته المقادير !

عليه ان يدرس واقع الحال في البيت فثمة اخت واخوين ينبغي الاهتمام بهما دون قيد وشرط. . وعليه هو الاخر ان يهتم بدرسه ، واكمال فروضه . كما عليه ان يتفرغ بعض الوقت لمتابعة دروس اخوته ، وتهيئة كل ما يحتاجونه في هذا الوقت العصيب خاصة بالنسبة له . .

فضلا عن ان عليه وفي الوقت الراهن ، أن يثبت لوالديه حجم امكاناته وقابلياته في ادارة المنزل ، وان يسجلا ازاءه موقفا حساسا ، وذلك طبقا لحساباتهما ، التي لا يمكن ان يخرجا بها عنه، الا كما يأمل . . وهو ان يكون عند حسن ظنهما بكفاءته ومقدرته ، ليكون عندئذ منبع اطمئنان لهما ، ومصدر ثقة بالغة عندهما ، ليمكنهما ـــ ومن خلال النتائج التي يستخلصانها بصدده ـــ في المستقبل ان يسندا اليه المسئوليات الاكبر والاوسع اهتماما من قبلهما ، أو ان يفكرا بأن يعهدا اليه ـــ وفيما بعد ـــ بالمهام الاعظم شأنا . .

يفكر عزام في كل هذا ، لانه كان بحاجة الى دعم نفسي شخصي ـــ ليس من احد ! ولكن في الدرجة الاولى ، يفترض ان يستمد مثل هذا الدعم لنفسه ، ومن قبله هو شخصيا . يعني ان يثبت لنفسه انه قادر على التحرك ، وادارة شئونه الخاصة ، حينما يثبت ذلك لنفسه . . ومن ثم للاخرين ، من خلال ادارة شؤون هذه الاسرة ، في خلال غياب رب الاسرة وربة المنزل ، بلا منازع !

وهذا كله بالتالي سوف يضيف الى واقعه الانساني والعملي : ارصدة مختلفة من التجارب ، التي تشتمل على كثير من المكاسب والمنجزات ، التي بوسعها ان تسهم في تنشيط خبراته وشحذ مواهبه عبر فعالياته المستمرة ، والتي ستعود عليه بكثير من الفائدة وعظيم الثقة بالنفس ، التي ستتزايد كلما كانت التجربة حاضرة بين يديه لانه هو الاخر يحتاج الى ان يمتحن نفسه وقابلياته ، ومقدار قدراته ، وحجم اعتماده على ما يدخره من طاقات وابداعات.



( 5 )



هو كان يعلم ان السر وراء شفاء البعض ، هو مسارعتهم في قضاء حوائج الاخوان وصلة الارحام ؟

فهل يتمكن من خلال رفع خلّة حامد ، والاسهام في دفع طائلة الارهاق الذي حاق به ، ان يعمل على دفع طائلة المرض المدنف ، والذي حاق بجده الحاج ماجد السعيد .

وفي نفس الوقت ، سيتمكن وعبر صلة الرحم ، في التعجيل بطرد الداء من بدن جده !

ولكنه في نفس الوقت ، سيقدم على عمل ، ربما اغضب والديه ، او تركهما في حيرة من امره ، وما يصنعانه ازاءه في المستقبل ، إن هم فكروا في ان يوكلوا اليه مسئوليات اكبر ، ومهام اوسع نطاقا . .

ولكن مهما سيفعل ، فان عمله ، سوف لا يأتي بثماره على خير ما يرام . لان المبلغ زهيد ، وهو في نفس الوقت ، لا يمكن سحبه من المصرف في الوقت الحاضر . ولكنه تذكر ، ان لديه من المدخرات في علبة الادخار ، ما يمكن ان يربو مبلغها على اضعاف المبلغ ، الذي منحه اياه والده ، وهو لم يعد يتفقد امواله المودعة فيه منذ مدة طويلة ، مع مواصلته الايداع فيه منذ سنوات . .

انه لم يهتم بعلبته ، ولم يهتم بها احد من اسرته . . بل كانوا بين الحين والاخر ، يشجعونه امام اخوانه واخته باعتباره الاخ القدوة ، مع انه لم يبلغ بعد الستة عشر عاما ، ولكنه طالما كان الولد البكر في هذه العائلة ، فان كان له ان يحتل مكانته الرفيعة في صدر قائمتها ، وجدول اهتماماتها . فضلا ، عن انه كان قد حاز مثل هذا التقدير من والديه ، واصبح مثالا يفترض بالبقية ان يحتذوا به ، ذلك انه يدخر !

هذا في الوقت الذي كلما فكر في استخراج ما استودعه علبته من نقود ، تراجع عن ذلك ولأسباب مختلفة . . مع ان الاسرة تعتبر اسرة موسرة جدا ، وهي تملك ما تملك من اموال واملاك وعقارات ، مع ما يفد عليها من مدخولات شهرية ، نتيجة مواصلة ممارسة المهنة والاختصاص من قبل الوالدين . .

لذا ـــ كان هو ارشد العائلة بعد الابوين ، باعتباره يحمل افكارا رائدة في فهم الحياة ، وتقديره لامور الواقع ، واسرار العيش ، للوصول الى حياة حرة كريمة ، لا تعرف الاسراف خارج الحدود ( بشرط جعل اليد مبسوطة كل البسط) ولا تعرف التقتير داخل القيد (بشرط جعل اليد مغلولة الى العنق ) حتى لو كان المرء غنيا كل الغنى ، وموسرا كل اليسر .



( 6 )



فتح علبة مدخراته ، جمع المبلغ ، كان مبلغا كبيرا . .

ـــ  انه مال وفير .

بَدَرته اخته الصغيرة ليلى ، والتي كانت لا تبلغ من العمر سوى تسع اعوام .

فقال لها ممازحا :

ـــ  تتلصصين على ما يصنعه اخوك الكبير؟

ابتسمت ، وتقدمت منه ، ودفعت الباب الموارب ، ثم قالت :

ـــ  اظن أنك وبهذه الاموال ، سيمكنك ان تشتري لي قلادة ودراجة .

ـــ  لقد قرر الوالد والوالدة ان يقدما لك هدية بمناسبة يوم عيد ميلادك ، فأقترح عليك ان تشيري عليهم بالدراجة !

فتساءلت جادة :

ـــ  والقلادة ؟

اجابها مذعنا ، وهو لا يحاول ان يخفي عليها شيئا ، يثير ريبتها ، ويقود بها نحو الابهام ، الذي ليس تحته اي طائل :

ـــ  انهما يقولون ان الذهب جميل لك ، ولكنك تصرين على وضعه امام الجميع . . امام الذي يملك ، والذي لا يملك .  مما دفعهما ذلك الى التفكير مجددا في شراء قطع الذهب للآنسة المهذبة .

اجابته متسائلة :

ـــ  ولماذا لا اتقلّدها . . فاذا لم تصنع لمثل هذه الغاية ، فلأي الاغراض صاغها الصيّاغ ؟

فقال عزام مؤكدا :

ـــ انه لَلحَقّ ما تقولين ! ولكن ليس في كل المناسبات ، يمكن للمرء أن يعرض زينته على الاخرين والاخريات .

لكن ليلى اندفعت تتساءل بدهشة ، تغلب عليها احاسيس فطرية ، ونوازع البداهة المثيرة ، والتي تتمايز بمشاعر الطفولة البريئة :

ـــ  حقا ! يعني هناك اوقات خاصة ؟

فقال وهو يحاول ان يسهم في تفعيل حالة الحوار لدى اخته الصغيرة ، باعتباره امثولة عائلية ، يفترض بها ان تقوم بواجبها خير قيام ، وان تسهم في اداء فرائضها على احسن وجه :

ـــ  ليس بمثل هذا التعقيد ولكنك لست تستطيعين وضع الاساور او الاقراط ، او حتى القلائد في كل وقت ، خاصة حينما تذهبين الى المدرسة .

ـــ  ولكني اجد كثيرات يفعلن ذلك .

فقال :

ـــ  يعلقن الاقراط في آذانهن . . ؟

ـــ  ويضعن اساور في ايديهن !

ـــ  نعم يحتمل ان يفعلن ، ولكن ربما ليس عليهن ان يفرطن في الزينة ، وان لا يكثرن من وضع هذه القطع ، التي لربما وعلى الغالب تثير الكثير من الحقد والحسد في نفوس الاخريات ممن لا يملكن ما هي تملك ! فضلا عن اثارة العديد من الوساوس المخيفة في نفوس الذين في قلوبهم مرض ، رغبة منهم في سرقة ما عند الاخرين ، او استلاب ما يكون تحت أيديهم وفي حوزتهم ، او تمنّي زوالها جميعا عبر توالى الاحقاد ومشاعر الكراهية والحسد !

فقالت :

ـــ  واذن سوف يشترون لي ، أم لا ؟

ـــ  لا بد ان يبتاعوا لمثل هذه الانسة المهذبة ما تريد ،  لانها تفهم القول ، وتحسن الكلام والأداء !



( 7 )



كان عزام قد عقد عزمه على التوجه الى بيت حامد ، فاتصل به هاتفيا . . وذلك من قبل ان يغادر ، ليطمئن الى وجوده في المنزل ، فأبلغه بقدومه وضرورة ملازمته للبيت ، ريثما يصل اليه ، لكن اخاه الاصغر والاكبر من أخته مباشرة والذي كان اسمه امجد ، فهو .. ومن قبل ان يتوجه عزام الى بيت حامد ، فانه كان قد بادره بضرورة حل مشكلته ومن قبل ان يترك البيت . .

ولكن اي مشكلة ، يمكن ان يناقشه في صددها اخوه الذي لا يبلغ من العمر سوى اثني عشر عاما ، وبشكل يضطره معها الى ضرورة عدم مغادرة البيت ، ريثما ينظر فيها ويرى فيها رأيه ! الله اكبر ما هذا الابداع ، انه لم يفكر في المشكلة لحد الان ولكنه بدأ يستشرف مواقع الاحداث وهويات الشخوص الدائرة في مسرح القضية ، ان غياب الوالدين بدأ يكشف له عن عمق النضج الذي بلغه اخواه ، واخته الصغيرة ! ومن قبل ان يتميزه في الايام العادية ، او يتنبه اليه حتى ابواه ، اللذان لا يمكنهما ان يكونا قد تحسسا مثل هذا الوعي لدى اولادهما ، حتى في أصعب الظروف التي مروا فيها من قبل ، غير هذا الظرف الحساس الذي اضطرهم الان الى ترك البيت ، والذهاب الى المستشفى في العاصمة . .

ان مجرد طريقة الحوار ، وطبيعة عرض الكلام التي ابتدره بها اخوه ، كانت تبعث شيئا مثيرا وممتعا في نفس الانسان ، وذلك من قبيل الفخر والاعتزاز بمثل هذه الشخصيات الصغيرة والفريدة في نوعها ، حتى جعل يعترف بجميل الله عليه وعلى الاسرة جميعا ، حينما ظل ممتنا لله بعظيم الشكر لالطافه الكثيرة وسيب رحمته اللا محدود ، لِما ألفى  نفسه يعيش في ظل عائلة حرة كريمة ، تشتمل على مثل هذه الكوادر النقية والمهذبة . . وعلى مثل هذه الطاقات والخلق !

ان عزام لم يطلع بعد على جزئيات المشكلة التي يعاني منها امجد ، ولكنه ادرك ـــ ومهما كانت طبيعة المعضلة ـــ ان سلوك امجد هذا ونزاهته في طبيعة التحدث ، ما كانت تزيده الا امتثالا لخصوصيات المطلب الذي يرغب في مجاذبته اطراف الحديث بشأنه !

عندئذ قال له عزام :

ـــ  اي مشكلة ؟

ـــ  هي ليست صعبة جدا ، ولكنها مع ذلك ، فهي تعد من قبيل المشكلات .

ـــ  هات ما عندك . . فكلي آذان صاغية .



( 8 )



فقال امجد :

ـــ  اريد المشاركة في الرحلة المدرسية ، والذهاب الى المناطق الساحلية ، لمطالعة البحر عن كثب . .

كان عزام يصغي باهتمام ، ولكنه لم يبد اي جواب . فما كان من امجد ، الا ان واصل الحديث، دون اي تحفظ :

ـــ  وتريد ان تسألني عن رأي ابي أو امي في المسألة ، او كليهما . . بالتمام والكمال .

فصدّق عزام على كلامه ، فعاد امجد يقول :

ـــ  انهما يرفضان ويخافان عليّ من الغرق . . اني اتعهد باني سوف التزم الحيطة والحذر ..

ـــ  وهل كنت قلت لهما ذلك ، من قبل ان يغادرا ؟

ـــ  قلت لهما ذلك ، ولكنهما لم يقتنعا بما قلت ، بل اسهبا في الكلام ، حتى اطنبا في شرح وجهتَي نظرهما . . وكيف انه لا يمكن الاعتماد على كلامي ، لاني صغير يافع ! ولم ابلغ سن الحلم ، ولم يشتد ساعدي بعد ، اذ لم يستو عودي والى حد الان ، ولم تصل مقاليد الفكر والعقل عندي الى حد النضج والرشد ، وان صغار المدرسة شياطين الغد ، لا يمكن الوثوق بغرورهم المفزع ، وتحدياتهم الساذجة . .

سكت قليلا ثم تابع :

ـــ  بينما اكدوا لي : أننا .. نحن نعرف انك لا تصمد امام تحديات اقرانك من الطلبة ، حينما يطلبون منك خوض عباب البحر ، وانه ليس ببحر ! وما نطلبه منك ليس سوى ساحل ومياه ضحلة ، ليس وراءها اي خطر ، او سوء . وسوف لا نحملك على الابحار باتجاه المياه العميقة ، او ان نحملك على الخوض في عرض البحر . .

كان عزام يتابع امجد باحساس لم يبتدره من قبل ، شعر ان امجد اصبح يفهم الكلام ، ويستوعب ابعاده ، بحيث انه يذكر كل دقائقه ، ويحترف استعادة كل مضامينه . . دون نسيان ، او ملل .

وما كان يرى الا ان للحرية مذاهب يمكن من خلالها أن توعز للمرء بأن يقدم كل ما لديه، دونما كلل او وجل ، أو أن يثابر بكل عزمه من دون كسل أو حتى ملل . . لان رغبة ما كانت تستعر في اعماقه ، هي التي تدفعه الى عدم التكاسل في عرض موضوعه وغرضه طالما ان ذلك بوسعه ـــ وعلى اقل الفروض ، وفي ادنى الاحتمالات ـــ ان يسهم في اقناع بعض الاطراف ، بضرورة اصدار موافقة ولي الامر ، احدهما او كلاهما ، وتصديقهما على مشاركة ابنهما في الرحلة المدرسية الى البحر !

كان امجد ولما يزل ، يدرس القضية من خلال عرضه المنطقي ، في خلال استدراجه لكل ملابسات القضية الفورية :

ـــ  ولكني والحمد لله ، لا زلت اعتقد بصدق نيتي ، وانه ليس من زميل او قرين ، بامكانه ان يفرض قراره علي ، او ان يرغمني على صنع ما لا يرضاه ابي او امي . كما انه ليس بوسع اي امرئ ولا حتى اي صديق حميم بميسوره ان يستفز مشاعري ، فيحملني على خوض غمار الصعاب، بلا اي طائل.. لان تلبية المشاعر الشخصية ، لا يمكن أن تؤتي أكلها إن لم تكن استقامت على طاعة الابوين ! لان ما لله ينمو وما لغير الله يطفو .

توقف عن الكلام ثم عاد يحدث :

ـــ  فكم من سبّاح محترف ابتلعته امواج البحر ، لكنها ربما لم تطل مصارعة سباح هاو ، ولو كان له ان يتعرض الى حالة غرق او ما اشبه ! ذلك أنه كان يبر والديه ، وأنه ما كان يسلك في التعامل معهما سبيل العقوق . .

استغرب عزام هذه المرة كل هذه العبقرية التي يمكن ان يحترفها اخوه في الكلام ، ولما صار يتوفر عليه من صدق نية ، وصراحة عزم ، وطيبة نفس ، لا تكاد تصل الى امانيها ، الا من سالم الطريق ، ولاحب السبيل !

لم يكن عزام ليدرك ان عقل اخيه ، كان له أن يبلغ كل هذه الاقطار الذكية ، بل ليتجاوز كل هذه الاقاليم الى خارج حدود المنطق الفلسفي ، ومنهج البالغين من العقلاء والمنضبطين..

ولكن عزام مع ذلك ، لم يكن ليستبق الاحداث ، فترك اخاه يسترسل دون ارباك او أي مقاطعة . . وذلك حينما تركه وكيفما يحلو له ويشاء ، في الاسترسال بطريقته في الكلام ، حينما راح يردفه بغيره ، ليعرب عن طريف حججه ، ولاذع استدلالاته :

ـــ  كما اني لستُ كما يمكن ان تتوقع ، واني لربما اتكهن بما تريد ان تخبرني به ، مما كانت اخبرتني به نظرات ابي وامي !

قاطعه عزام بصبر لم ينفلت بعد ، ولهفة كانت تتلجلج في الصدر الذي جعل يغتمر بسيب من الابتهاج ، لِما يجده في شخصية اخيه الذي يتوسم أن يرى فيه رجل المستقبل ، فيمكن لعزام نفسه ان يوليه ثقته في الايام المقبلة ، لاكثر مما سبق ،  ولاكبر مما يمكن ان يتوقعه هو نفسه :

ـــ  وهو ؟

فقال امجد وهو يتوخى الايجاز ما استطاع الى ذلك سبيلا ، ولو ان عزام كان يجد ان سرعة مرور الوقت بدأ ينذره بضرورة الاسراع بتلبية الموعد ، وان ضيق هذا الوقت بدأ يقحمه في شرود لا ارادي ، عما يقوله امجد ! ولو ان هذا  كان قد غمره بسيل من الفخر والاعتزاز ، كان تزامن مع كثير من الاعجاب والامتنان لكل جهوده الشخصية للوصول بنفسه الى مثل هذه الدرجة الطموحة من المكانة والسؤدد :

ـــ  انك ستقول اننا معاشر الصبيان نقول وندعي اشياء كثيرة ، ولكن حينما نقف امام نفس تلك الاشياء علانية ووجها لوجه ، كالبحر وساحل المياه اللامع ، فاننا سوف لا نقوى على مقاومة بريق الامواج ، ولا دعوات الأتراب ، او نداءات الأقران ، ولا حتى ميولنا الشخصية !

كان يتملى النظر في اخيه ، وهو يتابع الكلام . بينما عمد في بعض الاحيان الى توزيع نظرات مختلفة في كل ما حوله ، كما لو كان  يحاول ان يبدع في اثبات مطلب من المطالب الملحة والواقعية ، ثم كان يعود الى الكلام يتفقد جمله المفيدة ، وعزمه الراسخ في البرهنة على حسن مطلبه ، فعاد الى القول :

ـــ  ولربما حدثنا عن اشياء لا نمتلك خلفية واقعية عنها، حتى يمكن ان نقع ــ لا سمح الله ــ في مغبة اعمالنا واجتهاداتنا الشخصية ، لاننا ربما بعدئذ كان لنا ان نحمل الاخرين على التصديق باعتقاداتنا الخاطئة ، وذلك عبر التوسل بأعذار مختلفة، للخروج من المآزق التي ربما كنا ورطنا انفسنا في المستقبل في الوقوع في غيابة جبّها ، لاننا يمكن ان نجد لكل معضلة تبرير ، ولكل فعل غير محمود العواقب أعذار مثيرة ، نتملص وفي خلالها جميعا من حسن الاجابة ، كما يمكن ان نتهرب في خلالها من شر التأنيب واللوم والتوبيخ الذي يمكن ان يلاحقنا في المستقبل .

فقال عزام :

ـــ  هنيئا لابويك ان يكون لهما ولد ، يحاول ان يبلغ بنفسه سنّاً بالغة ، ومن قبل ان تناله السنون ، وتعركه التجارب . . فيجدّ ويثابر في صنع شخصيته ، كما هو الزمان يجد ويثابر في الوصول بجسده الى حجم البلوغ والكمال .

وكما يمكنه ان يسعى من خلال درسه وتحصيله الى ان يقطع اشواط المراحل المدرسية بثقة ويقين راسخين ، كان له ان يسعى ـــ ومن خلاله تهذيبه النفسي ومراقبته الذاتية ـــ بشخصيته العلمية نحو الرشاد والرقي العقليين ، ومن قبل ان يبلغ به العمر كل سنيّه المتعالية ! حتى يترك نفسه ( الواثقة من اقتحام مصاريع الايام القادمة ) تتهادى بين أفنان اليراع ، وتتسابق هانئة بين مرابع الرياض وكل الحقول الحافلة ببراعم الياسمين المتفتحة . .

ثم صمت عزام ، كأنه شعر انه قد سما بنفسه هو الاخر.. وما كان السبب في ذلك ، الا الحديث مع اخيه الذي كان واعزا لانطلاقته على مثل هذا الشأو .

بينما تابع الكلام بلحن لا تخفى فيه معالم الرومانسية الحالمة والتي كان يحب ان يذّكر اخاه بها : انه وان علا او سيعلو اكثر في المستقبل ، فلا بد له ان يتزود بين الحين والاخر من عوالم الحياة الحالمة لانها تمثل جزءا مهما في حياة الانسان ، لان بمستطاعها ان تغذي فيه جانبا قويا وهو الجانب الخيالي ، فلولا الامل والتأمل ما كان للانسان ان يكون بميسوره التحرك لاكبر وقت ، ولاطول مسافة !

لذا ، كان يرغب ان يتنبه اخوه الى هذه المسألة المهمة : وهي عملية المزج بين الحياة العملية والفكر الانساني الحي ، وذلك حتى لا يصاب المرء حين وصوله الى الهدف المنشود بخيبة امل واحباط ، بسبب من افراطه في الجانب العملي ، وتركه الجانب الانساني والفطري ، كي لا يقع بعد ذلك في دوامة الاحساس بالضعف والخوار ، أو الشعور بالضياع وتأنيب الضمير ، حينما ينسى احبابه وارحامه واصدقائه ، بسبب من انشغاله في بلوغ هدفه العملي ومصالحه الشخصية ، فكان له ان يعود الى الكلام وكله ذوق واحساس بالمسئولية :

ـــ  نعم ، ليترك لنفسه فسحة في الاجل كي تتنسم روح الحياة وريحا طيبا . . وذلك في ظلٍّ من أريج الحياة العاطر، والذي يفوح شذاه بين جميل الاطيار ، وزاهي الاوراق التي تختال فوق سوق النباتات ، والتي يكون لازهارها ان تتمايل متسامية في حُلّة من بهاء ، كان له ان يزين أديم الندى والطلّ الذي ظل يبرق في سوح العمر المتألقة بحدائق الزمان التليد ، والاثيلة بكل أوراد المجد التي لا تزهو الا ببطولة الصدق وريعان الحب . .



( 9 )



لكن عزام كان قد استدرك في الكلام ، لانه وجد ثمة ضرورة منهجية ، تستدعي منه ان يلجم مثل هذا الاندفاع خوف ان ينقلب تهورا ينطلي على صاحبه ، حتى ولو كان هذا الاخير قد نشط في ثوران صحوته وهيجان غبرته ، ولو حتى كان قد مرس على الاجتراء . .

فاراد ان يمنح اخاه ما يمكنه معه ان يمسك بزمام العنان الذي في يديه بقوة ، بعد ان يعلمه كيف يكرس وقته لامتحان قدراته الحقيقية ، والتعرف على امكاناته المدروسة بثقة ووعي سديدين، بعيدا عن كل مشاعر الاجحاف او الاطراء . . خوف ان يمتهن اخوه الاقدار ، وينشغل بعظمة ما انتهجه مما اكتسبه ، عما يمكن أن يحبسه عن السقوط في مزالق الاوهام او محلات الشطط ، نتيجة الابتلاء بالغرور والطيش ، او الكبرياء الخارج عن حدود العقل والمنطق السليم ، من دون ان يتنبه نفس الشخص الى انه قد وقع ضحية مثل هذه الاحابيل والفخاخ الشيطانية ، حتى يحسب انه يحسن صنعا لان الله ـــ وحسب ظنه ـــ قد بلغ به مكانة يحب ان يراه فيها ! وان الاخرين لا يريدون له الخير ، بل يضمرون له الشر المستطير ، وكل غيض الحسد والحقد والكراهية ! وخوفا من الوقوف موقف الخذلان أمام الاخرين ، ستجد مثل هذا الشخص يفضل ان يتعاطى التواصل مع كل معطيات الخسران ، ولا ان يقف لحظة واحدة يعترف فيها بالخطأ الذي يمكن ان يضعه ـــ وحسب تصوره الشيطاني ـــ في موقف ذليل ووعر امام الاخرين من الذين يحيطون به ! وبذلك سيصبح يفضل طريق الانحراف على الصواب ، غرضا منه ان لا يبدو امام الاخرين : انه كان اخطأ السبيل ! فكيف يمكن ان تسوّل له نفسه مثل ذلك ، والانسان ما كان بشرا معصوما عن الخطأ ، وكل البشر خطائين لا يعدو الخطأ احدا منهم ، الا من اختصه الله لخلافته والتبليغ لمنهجه ورسالاته !

لقد وجد عزام اخاه مع كل الاطراء الذي خلعه عليه والاشادات التي اشاده بها ، انه بحاجة الى شيء من التنويه والتعريض ، عن طريق وضع بعض النقاط على الحروف ، كيما يكون بوسع امجد نفسه ان يستثمر نتائج الدرس والتمحيص لديه ، ولا يهتم بما بلغه . . بحيث يثنيه ذلك عن مواصلة الدرب ومتابعة السير في نهج الحق ومسيرة الصلاح ، ومن دون ان يمنعه كبرياؤه من الافادة من تجارب الاخرين وتحصيلات وعي السابقين ، باعتبار ان صحائفهم ما كانت الا مدارس للاجيال ، يستلهمون منها العبر والمكاسب الحقيقية ، بعيدا عن مجادلات المتهكمين . .



( 10 )



فقال عزام ، بعد ان وجد ان الواجب عليه ان يدع امجد يرفل في اجواء الخيلاء ، فلا يبلغ حد الافراط في تقدير نفسه ، فيتيه وينشغل بهوى نفسه عما سواها من الضرورات :

ـــ  يا أمجد ، مع ما اشكره لك من سعيك ، الا اني وفي نفس الوقت انبهك الى ان اخطر ما يمكن ان ينازع المرء هو هواه ونفسه التي بين جنبيه ، فلربما البست النفس الشخص ثوب العلو والاستعلاء ، فتوحي له انه قد بلغ مبلغ الرجال وانه ليس لرأي احد ان يعلو على رأيه ، وانه ليس بعد اليوم بحاجة الى نظر الاخرين ، حتى لو كانوا كبارا ناضجين . . لانه هو الاخر كان قد استلهم معالم النضج وينابيع الفهم ، كما صار بوسعه ان يبلغ ما لم يبلغه نفس اصحاب النظر والفكر . ونسي انه ربما احتاج الى حكمة تتفجر من لسان مجنون ، ولربما اعياه الخطل نتيجة غروره وعجبه ، حتى صار لا يهتم بالسعي المجدد واخذ يكتفي بما وجده في دخيلته لانه تأكد لديه ـــ وما كان ذلك الا استيقان صبياني شيطاني ـــ انه قد جمع علوم الشرق والغرب وانه ما عاد ـــ بعد الذي حصل عليه واكتسبه ـــ بحاجة الى كسب اي علم جديد ، او اكتساب اي تجربة عملية او نظرية جديدة ، ولا حتى ان يناقشه احد ، او يبحث اخر معه اي موضوع ، لانه في اعتقاده انه قد حصل على المهم والاهم يمكن ان يكتسبه تلقائيا ، ومن ذاته وعلى مر الاعوام ! وانه ما عاد بعد اليوم بحاجة الى تلقين ملقن ، او اشارة احد !

انك تقنعني بما تقول وبما تأتيني به ، ولكن تذكر ان ابويك يفهمان المسائل اكثر مما تفهمه انت ، حتى ولو بلغ العقل بك مبلغا رشيدا ، او صار بك الوعي الى سبيل لا تخطئ معها فراسة المرء ! لان الظنون غالبا ما تخون بقواعد الاقدام ومبادئ المرصاد !

وبعد دقائق كان امجد قد اقتنع بضرورة الاستماع الى رأي الوالدين واطاعتهما ، حتى لو كان في ذلك عدم الحصول على ما تشتهيه الانفس ، او عدم بلوغ المبتغى والهدف . . لان في الحق كان من السعة ما تعجز الابصار عن رؤيته ، والانظار عن الاحاطة به او التعرف اليه ! وكم من المنع صار الى الحصول على البغية سبيلا اكثر اشراقا من الاجازة نفسها !

ولقد توجه عزام بعدها الى بيت حامد لتسليمه المبلغ ، الذي كان قد جمعه من مدخراته ، بعد ان انتزع منه قسما ، كان ادخره لاغراض المنزل ومتطلباته . . ثم احتفظ بالاخر لمصاريفهم اليومية، واستخرج منه جزءا ثالثا ، كان رصده لحاجات الافراد الملحة ، ولظروف الحياة القصوى والطارئة . .

فكان قد هب مسرعا للانتهاء من مهمته ، ويعود الى البيت باسرع ما يكون ، لانه لا يمكنه ان يتركه والاب والام غائبين عنه في رحلة سفر بعيدة .

لذا ، كان قد سلم صديقه حامد المبلغ الذي كان قد طلب استقراضه منه ، وذلك لدفع طائلة الازمة المادية والطارئة التي كانت ألمت بأسرته . .

مع انه لم يكن قد غادر المنزل ، ليعود بعدها اليه وبسرعة، الا من بعد ان كان وعد اخاه امجد بالتحدث الى ابويه، بشأن رحلته المدرسية نحو البحر .



( 11 )



وفي صباح اليوم التالي ، كان عزام يحسب الزمان الذي مضى على مغادرة ابويه المنزل ، امه ومن ثم ابوه ، فكان يخرج بمعادلة تستوفي حدود الفصل بين موعد ترك ابيه للمنزل وامه له ، ومن ثم جمعه في اطار محاسباته الدقيقة . .

لقد اتصلا بالبيت عن طريق الهاتف النقال لمرات ومرات ، وذلك للتحري عن وضع المنزل في غيابهما ، ومتطلبات الاولاد ، وكيف تجري الامور في حال ابتعادهما عن البيت . . وهل ان كل شيء على احسن ما يرام ، ولتفقّد مبلغ احتياجاتهم . .

كما ان عزام لم يُعلِم اباه حول تاريخ الصك المتقدم والخاطئ ، وترك ذلك حتى قدومه ، خوف اقلاقه واشغاله بما يمكن ان يصرفه عن اهم الامور هناك ، وهي الاهتمام بصحة جده الحاج ماجد السعيد !

في حين انه كان قد طمأن والدته على صحة جميع افراد الاسرة حتى طلع عليه اخوه الذي يصغره والذي كان ينادونه باسم سمير ، مع ان اسمه المسجل في الجنسية هو سامر ، لانهم استلطفوا سمير ولم يهتموا بسامر ! فقال وهم يتحلقون حول مائدة الفطور الصباحي .. كان ذلك قبل ان يهموا بالذهاب الى المدرسة :

ـــ  اخي عزام ، ان ثمة مسألة يجب بحثها وبشيء من العجالة الان .

ـــ  الان ؟ !

قالها عزام ، وكان يقرّب فنجان الشاي من فيه ، يرتشف منه قليلا ، كي يبلع بها لقمته . .

اجابه سمير :

ـــ  نعم ، ولقد ترددت كثيرا في بحثها ، ولكن في ساعة متأخرة من ليلة امس نبهني صديقي عبد الرزاق ، حينما اتصل بي هاتفيا ولم يحدث ذلك الا عن طريق الصدفة اذ لم اكن اعلم ان اخر موعد لتسجيل الاسماء في فريق الكرة ، لمن يحب المشاركة في دورة التدريب الخاصة باعداد الفريق ، انه في الغد يعني اليوم!



( 12 )



كان عزام يحاول أن يعتدل في جلسته ، ليفهم اكثر فاكثر من كلام صاحبه : الاخ الكروي ، وهو يشعر ان اللحظات التي جعل يعيشها مع اخوته قد تراءت له ، كمرحلة اعداد مبكرة لكل طاقاته التي يمكن ان تختزنها هواجسه ، وتحيط بها مكامنه النفسية عبر ما يستلهمه من امكاناته المحدودة ، والتي وجدها تتفجر وتتكاثر ، ريثما يترك لها العنان دون سجال والزمام ، دون اهمال في مجال من الارخاء والرخاء الفكري . .

فقال عزام :

ـــ  لِمَ لم تطرح المسألة على ابينا وامنا ، قبل هذا اليوم؟

ـــ  لقد ترددت والى الساعة ، لأني كنت اشعر ولما ازل انه ما من امل في الحصول على اذن بالموافقة في الدخول في فريق الكرة ، ولعب المباريات في دوري المدارس . .

ـــ  واذن فانت تجيبني على مطلبك ، من قبل ان اثير اي اجابة ما .

ـــ  لا ، ليس هذا ما اردت الاشارة اليه ، ولكن جديدا كان قد استجد في الوضع ! ودفعني الى استجدائك ايها الاخ العزيز . .

ـــ  اعتقد ان ابوينا كذلك هما الاخران ، اعز مني عندك ! ولكن ، تذكر انه كان بالامكان تدارس الامر مع الوالدين ، اكثر مني . .

ثم اردف الكلام ، وذلك من قبل ان يبتدره سمير بما يريد قوله :

ـــ  ولكن لماذا انا ؟

وهنا انتبه سمير الى مسألة :

ـــ  المهم إنّا اخوة وشباب في نفس العمر تقريبا ، ونفهم مثل هذه المسائل ، اكثر مما يفهمها الاخرون .

وبتروٍّ يكاد يدهش المُخاطب :

ـــ  تقصد اكثر مما يفهمها ابوانا ؟

ـــ  لا ولكن كنت قلت لك ، لمّا استجد الجديد في المسألة ، وبالاخص حينما اُعلِمتُ بذلك في ليلة امس ، تبادر لي أن أبادرك الحديث وافاتحك في الموضوع . .

ـــ  وما الجديد في القضية ؟

ـــ  لم اكن على اطلاع على جزئياته قط ! كما لو كان الجميع يخبرني به وذهني في شغل شاغل عنه . . حتى كان أكده لي عبد الرزاق ليلة امس ـــ فأصابتني الدهشة ، وغمرني الاحباط ، ولم اعد اصدق ما كان يخبرني ويحدثني به !

ـــ  وما هو ؟

ـــ  لقد امر المدير المدرسين بزيادة ثلاث درجات على معدل لاعبي فريق المدرسة لكرة القدم، وذلك لانشغالهم بالتدريبات المستمرة . . ولانه كان قد ثبت لديه انهم جميعا او غالبيتهم من الطلبة المتفوقين في الدراسة ، وهذا ما اثار الغرابة لديه ولدى جميع الكادر التدريسي ، مما دفع بالمدير وبعد التداول الحثيث مع لجنة من المدرسين الى اصدار مثل هذا القرار ! فضلا عن رغبة اللجنة التدريسية بتحفيز فريق المدرسة للعمل الرياضي ودعم مستواهم البدني بشكل اكثر اهتماما ، وذلك لتقديم افضل اللعب على مستوى الكرة .

تريث عزام في الجواب ، ثم قال :

ـــ  سأفكر في الامر ، لا استطيع البت به طالما نوه به الوالد والوالدة . .

ـــ  والعمل ؟

ـــ  سأفكر .. فلربما اتصلت بهم على النقّال . . انتم تضعونني في مواقف صعبة للغاية ، فان اتصلت بهما وهما في مثل هذا الظرف العصيب ، فما الذي سيحكونه عني ؟ أفما يندفعون للكلام والتعليق اللاذع ؟ انظري الى ولدنا ، نحن في اي حال ويسألنا عن فريق سمير للكرة ؟

ـــ  ؟ !

ـــ  ولكن ما عليك ، سأتدبر الامر .

ـــ  ولكن تذكر فان اليوم هو اخر موعد للتسجيل !

ـــ  حسنا ، سأتدبر الحال !



( 13 )



ثم غاص فكره في امر لم يكن بمقدور ذهن اي احد من حوله ولا حتى ابويه ان يتناوله ، لا لانهم يحرمون علائق الحب والغرام في مثل هذه السنين المبكرة من عمر الفتيان ، بل كان الجميع يعلم ان له صديقة حميمة لا يكاد يفارقها او لا تكاد تنقطع عن الاتصال به ساعة .. وكم من مرة سأله ابوه ان يكف عن الطغيان في مثل تلك التواصلات لا ان يبتر حبل الصلة ، بل ان يتوخى الحكمة من دون افراط او تفريط بالقضية ! امّا ما له ان لا يتصل باذهان مَن حوله كبارا وصغارا ، هو ان يتوقف عن استلام مكالماتها ، وان يكف كذلك عن الاتصال بها كثيرا ، لا لانه لا يحبها ، او انها غدت تجفوه ، فانقلب يظاهرها لقاء سلواها اياه ! ولكنه كان يريد ان يوظف كل طاقاته في سبيل من تركهم ابوه وامه في عهدته من اخويه واخته ..

الا انه سرعان ما كف عن هذا الاسلوب بعد ان وعى مسألة تفضي به الى ان الاحتكاك بصاحبته في مثل هذه الاوقات يعد امرا لازما كي تقف هي الى جانبه وتعي الامر اكثر وتكون مستعدة لتقديم المساعدة له متى شاء واراد .. فعاد يتصل بها وتتصل به ولكن من دون افراط او تفريط كما اوصاه ابوه ...

ثم انها جعلت في الامس تتفقده والاسرة ، كما كانت تفعل من قبل ، وفي حضور والديه واخته ليلى واخويه أمجد وسمير ، كما كان هو الاخر يفعل ، ويرد على زياراتها بالمثل ، حينما كان يتفقدها في بيتها ، فيحتفي بحضوره كلٍّ من أبويها واخوتها واخواتها .. من دون ان يؤدي مثل هذا كله الى وقوع محاذير لا تستحب اي اسرة ان ترى اولادها يعانون الويلات الشائكة من جرائها او أن يحتملوا حتى جزءا من تبعاتها التي لا تحصل الا بفعل عدم اتخاذ الاجراءات الوقائية الحاسمة في مثل هذه العلاقات ، والتي ينبغي ان يكون اصحابها على مستوىً عال او نسبي من الوعي والثقة بالنفس ، فضلا عن التحلي بنمط من الكبرياء والاعتداد بالشخصية التي ليس لها ان تنساق وراء ميولها الغرائزية وبواعثها الرغائبية من دون اي مبالاة لما يمكن ان تتكبدها الفتاة خاصة ، من خسائر فادحة سيما لو استقرت في رحمها نطفة او بذرة لجنين لا ترى فعلا .. الى بقائها او استقرارها هناك اي مبرر مثلا ! لانها لم تتأكد بعد ربما من صدق مشاعرها حيال صاحبها حتى لو كانت تكن له وفي الوقت الحاضر كل الميل والحب ...

قال لها والد عزام :

ـــ  وَسَن ، كيف انت وابوك وامك ، كيف هي العائلة ؟

قالت وَسَن :

ـــ  بخير يا عم .. دائما يحمّلوني تحياتهم اليكم ..

ـــ  كيف هو عزام برأيك ؟

ـــ  لا استطيع ان اصفه لأبيه .. لأنك اعلم به يا عم مني انا نفسي ..

ـــ  صحيح ولكن في بعض المرات تغيب عنّا اشياء ربما يكون بوسع شخص اخر ان يقتنص غيبيات بعض الافراد وأسرارهم وربما خصوصياتهم ..

ـــ  أراه يا عم ، جميل بأخلاقه كلية ، مع تسجيلي عليه بعض المؤاخذات ..

ـــ  جيد ، هذا امر طبيعي لكنه يثير في نفسي الفضول تجاه شخصيتك من حيث صراحتك وقوة  التقاط النبوغ الذهني عندك لما اندلع في نفسية عزام ..

ثم مستتبعا :

ـــ  وبالتأكيد ، انك كنت استنتجت مثل تلك التلويحات عبر الافادة من ظواهر معينة ..

بينما عزام كان لائذا بالصمت طوال مدة الحديث ، ثم يتوجه الاب الى عزام :

ـــ  وانت يا عزام ، كيف وجدتَ رأي وَسَن بك ؟

عزام :

ـــ  لا اظنني اختلف معها ، حتى في ملاحظاتها التي كانت سجلتها بخصوصي ولو اني كنت  اعلم بعضها بمبادرة منها أو حتى على مبلغ الحدس ، الا اني اشعر بنفسي احتمل بعض النقاط التي يمكن ان يحتسبها الاخرون كصور مآخذ ، فكيف بمن هي في مثل حال وَسَن مني ، أن لا ترصد همومها في لوح من تود ، فتحتفظ بها  عبر مراقباتها المتناوبة  ..

حينها تجيء ام عزام وهي تقول :

ـــ  اعتقد ان الفتيات في اليوم اكثر نضوجا من فتيات الامس ..

فقال ابو عزام :

ـــ   اتسمحين لي ان اخبرك السبب !

ـــ   لا ، لاني كنتُ قد اخبرتك به ومن قبل ..

وبلغة عتاب ممازحة :

ـــ   انك تغش ايها الرجل ..

بدرها بابتسامة واشارة منه الى كل من وَسَن وعزام .. مفادها ان النساء دوما لهن قصب السبق في الكلام ..

فقالت ام عزام وهي توجه بكلامها الى وَسَن :

ـــ  اتعلمين السبب يا وَسَن ام تتركيني اجيب انا على سؤالي ؟

فقالت وَسَن :

ـــ   ربما .. ولكن حسب ظني ، ان رقعة اختلاط الفتيات في عصرنا هذا امتدت الى اكثر من تلك الرقعة الضيقة التي كانت تتحرك فيها فتيات الازمنة الخالية .. كما ان وسائل الاعلام تطورت وغدت بمثابة تجارب جاهزة وافية معدة للافادة والاستثمار والمشاهدة من قبل مستخدمي تقنياتها ومستغلي امكانياتها .. مما دفع بفتاة اليوم الى ان تكتسب ــ  وعبر المشاهدات والممارسات ومباشرة اكثر الامور بنفسها بصورة التماس ــ  من التجارب والمهارات ما لا يمكن عدّه ولا احصاؤه ، خاصة لو قيست هذه الى ما كان مشرعا امام فتاة الامس من افادة وتمكن من الفرص .. فانه لا يمكن ان يخضع بالتالي الى اي وجه من أوجه المقارنة ولا حتى القياس ..

ـــ  كل كلامك صحيح ولكن الاهم من هذا كله ، هو العزم الذي رافق تطور عقلية الفتاة مما دفع بالذكور من قائمة المجتمع ..

وهنا تدخلت احداق ابي عزام بصورة متفكهة ، وهي توزع بلحاظها المبتسمة ما بين عزام ووَسَن ، إعرابا عما لديه من اقوال واعتراضات يود ان يعلن عنها .

لكن لغة ام عزام كانت هي المبادرة والسباقة ، حينما تابعت كلامها وابتسامة تشفي تعرش فوق شفتيها ممزوجة بحالة من التسامي والخيلاء :

ــــ  اجل فلولا عزمنا نحن السيدات والفتيات لما كان للذكور الساديين ان يتنازلوا عن ابجديتهم المتعالية ويرضخوا للغة التطور والحضارة ، والخنوع لمعادلات زمنية مكانية ، مفادها ان تلك الازمنة كانت قد ولّت وجاء اليوم الذي يمكن للمرأة ان تعبر عن حريتها بالشكل الذي يتناسب مع رؤياها الفكرية وخلجاتها العقلية بشرط ان تفهم ادوات القانون الذي لم يُسَنّ الا لحمايتها والحفاظ على مقاليد حرياتها علانية وبالكامل ، ومن دون ان يسجل عليها الرب الذكر والمرتهن وجوده بسيادته على المرأة وحدها اي ملاحظات قيمومة تنال من كبريائها الحضاري وعنفوانها الحركي ..

عندها صفقت وَسَن ومن دون ان تشعر بحرارة بالغة اثارت حتى ابي عزام لا لشيء الا لانه لم يكن يتوقع منها مثل تلك الموافقة الساحرة .. كما ان عزام كان يحير بوصفه الحال عبر نكهة من البسمات المختزلة خلف اخضلال عينيه ، والتي كان يحاول التستر عليها خلف احداقه .

وبعد ان شربوا الشاي معا ، استرخص كل من وَسَن وعزام من والديه ، كي ينتحيا  جانبا، تشيعهما وبكل حبور نظراتهما المبتهجة  .. ثم ليتسللا الى غرفة عزام يطالعان معا ويدردرشان ويمزحان سوية .. بينما كانت شفاه الابوين لا تفتران وبين الفَينة والاخرى ، تعلن عن اساريرهما التي غدت تعلن عن سرورها حيال مفردة اساسها ان الاولاد بدأوا يكبرون ، والاكثر ان نضجا ايجابيا صار يمازج عقولهم ويصاحب افكارهم واخيلتهم .

.....



( 14 )



الا انها لم تجس بعد نبض هذا التعاطي الروحي والجسدي ، وترى الى نفسها هل تظل تستجيب لدعواها والى النهاية ام انها ستجدها نزوة عابرة وحالما يطلع في سمائها نجم لفتى اخر ، فانها سوف تغير منحاها وتعرض عن الاول فتغير وجهتها صوب الثاني وهكذا .. حتى تتأكد من نعت براءتها وريع هواها ، فتكون مثالا لسنا حب كان توهج فيه صفاء عليائه بفضل شحذه وتوالي تشذيبه .. كما ان لها تتحسس منه كذلك صدق الولاء وبشكل متزن معهود في حالاتها ، فضلا عن وفاء لحاظه المتاخمة ليومياتها ، كما انها لم تضعه بعد على المحك اللصيق بها وبالصورة التامة ! ولم يشاركها او تشاركه مجريات حياة متصلة ، يمران ومن خلالها بمختلف المعضلات والازمات التي لها ان تختبر مقدار وعيهما بمثل تلك النزوات والحيوات المتجانسة بتنوع انشطتها المتشاكلة.. كما ان كليهما كانا يرغبان في ان يكونا المثال والاسوة لكل افراد اسرتيهما ، من الذين يرغبون في امتحان قدراتهما الانسانية وفق المراحل المعهودة وتبعا لتلقائية التوالي في تناطح سني العمر بعضها بالبعض الاخر ..

قالت له ذات مرة :

ـــ  هل يمكن ان يأتي اليوم الذي ربما تنساني فيه ؟

ـــ  كيف ؟

ـــ  تفكر في غيري !

ـــ  اخرى غيرك ..

ـــ  احلى مني او اجمل ..

ـــ  تحل محلك وتشغل مكانك ؟!

فانبرى يسائلها :

ـــ  لماذا تفكرين هكذا ؟

ـــ  انتظر الجواب .

ـــ  اني لا ارى سواك .

ـــ  انك لا ترى في اليوم سواي ، ولكن في الغد من يضمن انك سوف تغمض عينيك امام سيل النساء والفتيات الحسناوات اللائي يعبرن من امامك او يتعاملن معك او حتى يعرضن عليك الحب .

ـــ  لماذا لا نعيش في اليوم .

ـــ  لاني لا اريد ان اخسرك في ذات يوم .

ـــ  وهل عملتي مرتفعة لديك والى هذا الحد الذي يثير القلق في نفسك حيال فقداني ذات يوم؟

ـــ  ممكن ، لكن الاهم هو اني انقلب وحشا كاسرا لو علمت ان من احبه وتعهد بان يروي هذا الحب ، قد تنكر لمثل تلك العواطف وسلا حبيبه نتيجة وقوعه (مثلا) في شراك حبيب اخر .

ـــ  اقول لماذا انتم معاشر النساء تخافون او تخشون ان يفكر المرء بثانية وثالثة او حتى اخريات ..

ـــ  ؟!

ـــ  فليكن ،  لان الانسان هو جملة من عواطف ومشاعر ، ليس له ان يطوي عنها كشحا او يغامر في الكذب على فتاته ويخبرها انه سوف لا يتطلع الى اي فتاة او حتى يبصر امرأة .. او حتى ان يعرب عن عواطفه او وجهة نظره تجاه جنس اخر او حتى ان يبدي اعجابه باحداهن .. لان هذا الامر هو من سنن الحياة وهي ان القلب يعشق كل جميل ، لان التخلق باخلاق الله امر مطلوب فالله جميل يحب الجمال !

ـــ  يا سلام !

ـــ  لكن تذكري ان الوفاء الحقيقي هو يبقى للحب الحقيقي ، وهو انت !

لم تحر جوابا ، بل لم تناكده ، غير انه وجد فيها صدودا بعد هذا الحوار ، فعاد اليها بعد ايام يسائلها بعد ان عادت تطرح عليه نفس السؤال :

ـــ  لماذا تطرحين علي ذات السؤال ؟

ـــ  لان صويحباتي يحدثنني دائما ، انهن حينما يستثرن من يحببن بنفس ما استثرتك به ، فان اصحابهن لا يجبن الا انهن الحب الاول والاخير ، وسوف لا يكون لهم ان يفكرن في يوم من الايام ان يتطلعن الى اي فتاة اخرى او امرأة ..

ـــ  وانتِ صدّقتِ ؟ وهن صدقن ؟

ـــ  ليس عليك ان تطلب من الفتاة ان تصدقك او لا . ولكن عليك ان تداري مشاعرها ..

ـــ  فعلت لكني لا احب المراوغة والكذب والخديعة ..

ـــ  فاذن ، بوسعك ان تستقطب اي اخرى متى شئت لترتمي الى جانبك بعد ان تعمل على تنحيتي وربما القيت بي في عرض الطريق .. ان لم يكن سحيق الهاوية او حتى غيابة الجب ؟ !

ـــ  ما هذا الكلام العجيب .. ان صدق المشاعر له ان ينبت في القلب غرسا لا تعرف اوراده الذبول ولا اوراقه اي يباس وتطاير ..

ثم انتبه اليها اكثر :

ـــ  اني احبك ، وساكون وفيا لك في حاضرة الدنيا وغائبة الاخرة .. لكِ مني هذا ..

....



( 15 )



ولقد كانا قد تعاهدا على ان لا يخونا الثقة العصماء التي وضعها فيهما كبار افراد الاسرة في كلا الجانبين . هذا في الوقت الذي كانا فيه لا يبخل احدهما على الاخر في ان يمنحه حق اشتيار عسيلته او ان يمتح من بئره ما فيه من ماء عذب وزلال غائر . ولكن كان لمثل هذا الاخر ان يتم وبين الحين والاخر بعلم من الابوين في العائلتين .. مما جعل الفتى والفتاة على صلة ثاقبة دائمة ووافرة بابسط القضايا الجنسية ومسائل الحياة الزوجية والعيش المشترك حتى كان لمثل هذا الفكر الفاحص ان يعود عليهما بالكثير من الوعي بثقافة الجنس وكليات دخائل فعل الحب جملة وتفصيلا بما فيها مكامن ومظاهر الاتصال اليافع ما بين الجنسين بسلبياته الماكرة وايجابياته الناصحة .

.....

ـــ  لا تخافي ، لقد وضعتُ الغطاء المطاطي فوق العضو .

ـــ  وانا الاخرى كنتُ قد ابتلعت قرصا في مساء الامس .. تلك الحبوب التي اواظب على تناولها كلما انتهت عادتي الشهرية حتى اصل بها دورتي التالية ..

فقال :

ـــ  لكن احسستُ ان مهبلك ينضح بشيء من الترشحات التي يجب ان تعالجيها . كانت علقت ملتصقة بالواقية المطاطية .

قالت :

ـــ  تعاملتُ مع مرهم خاص اعطاني اياه الطبيب لكنه احرجني مرات ومرات بعدم نفعه ..

فقال لها :

ـــ  لماذا لم تذهبي الى طبيب اخر ؟ ..

اجابت :

ـــ  ذهبتُ واخبرته فاوعز إلي باستخدام كريم اخر ثم ان لم ينفع سيصف لي حقنة !

لكنه عاد ينصحني بممارسة الحب كثيرا ، لان عملية الايلاج عبر الاخال والاخراج تعمل على تنقية ممر المهبل واستخراج ما رشح في داخله والتخلص من بقاياه العالقة .

ثم متممة :

ـــ  على فكرة ، مما يؤسف له ان احدى اقاربنا ولدت جنينا مشوها ، قال الطبيب عنها انها كانت تتناول عقاقير وادوية في فترة الحمل ، وهو امر محظور عليها .

فقال لها :

ـــ  ان عمتي لم تستطع ان تذهب الى طبيب الاسنان لعلاج بعض التسوس الحاصل في اسنانها وحشو احد اضراسها لكن الطبيب لما عرف منها الحمل رفض ان يفعل لانه سيضطر الى حقنها في جوف فمها .. بل نهرها كيف لا تعرف بمثل هذه المسائل البديهية التي تتعلق بسلامة الجنين والطفل الان وفي المستقبل .

فقالت :

ـــ  كيف تريد ان يكون عليه اطفالنا ..

فقال :

ـــ  بالمناسبة ، عندما نتزوج قانونيا في ذات يوم ، فاننا سنتأخر في انجاب الاطفال ريثما نتمتع بايامنا الاولي وسني قراننا الحلوة .. فينهل كل منا من عسيلة الاخر ونسافر ونتنزه في الاصقاع .. ومن ثم نعمل على انتاج الصغار ..

قالت عندئذ :

ـــ  صديقتي ابتسام تقول ان على الزوجين في البدء ان لا ينجبا صغارا ، كي يتفقدا حالهما ويمتحن كل منهما الاخر في قدرته على العيش معه ام لا ، فان لم يطق احدهما الاخر ، او توالدت مشكلات ما كان لكليهما ان يتحسسها الا بعد الزواج ، كان بوسعهما ان ينفصلا عن بعض من دون ان يعيشا عقدة تربية الصغار الذين سيكون لهم ان ينشأوا في حالة من العزلة عن احد الوالدين ويكابدا عناء الطلاق والانفصال .

ثم ضحكت ، فقال :

ـــ  ما اضحكك وانت تروين حكايا الطلاق وانفصال الزوجين ؟

ـــ  ابتسام تقول ان نكاح الدبر لدى المرأة يدفعها الى ان تكون امرأة تتوسل بكل الوسائل كي تحتفظ ببعلها .. وانه امر تحبذه حين ممارسة الحب .. وانها لتفعله من دون ان يتسبب لها في احراج . كما انها اصبحت تلح على فتاها بان يمارسه معها كلما اتصلا جنسيا .

فقال لها :

ـــ  عليهما في البدء ان لا يتعجل عليها كي لا يصيب فتحة الشرج عندها بجروح حتى تترطب وتصبح لينة بعد ان يرطب عضوه هو الاخر ويمارس عملية دفع العضو لعدة مرات وبهدوء ، يتروى بشيء من التلكؤ ، ومن ثم يكتفي باقحامه لمسافة قصيرة جدا حتى يتوخى العضو طريقه من دون ان يسبب ايلاما للمرأة التي لها ان ترفض او تقبل ، وان شعرت بآلام فعليه ان يسحب عضوه الا انه بمواصلة العملية سوف يتفق لعضوه ان يندفع تلقائيا حتى يخترق عنق الزجاجة ثم بامكانه ان يدفع به ويخرجه مرات ومرات ..

بينما عادت تقول :

ـــ  ان العمل بانواع فنون الجنس يمنع الانحراف والشذوذ الخلقي ..

ـــ  بالتأكيد .. نساؤكم حرث لكم فأتوهن أنّى شئتم !

ثم اتبع كلامه بدعوته :

ـــ  والان هلمي .. هلمي نغدو كما يفعل الاحباب ..

حدجت في عينيه :

ـــ   هل عليك ان تجرب معي نكاح العجيزة كي نتجنب اي خطأ ربما يحصل ..

ـــ   تقصدين ان غطاء العضو او واقيته المطاطية ربما تخون في بعض الاحيان ؟

ـــ   اجل ، كما اني ارغب في تجريب النكاح في الاست . فليس من ضير شرعي ولا قانوني ولا حتى صحي ..

ـــ   لنفعل !

.....



( 16 )



ولم يكن للحب ان يضطر احدهما او كلاهما الى ان يسترق لحظات الحب في الظلام او في الظلال تحت الاشجار ، او خلسة بين الجدران ، او تحت طائل من الخوف والذعر ، وفي لجج العجالة والتلويح ، او في غمرات الزحام ، ولا حتى في الخفي من غنائم الوقت التليد ! او في مستتر من لحاظ الانفاس المتناهبة .... لان ابويهما وفي كلا الطرفين ، كانا غالبا ما يتعاملان معهما تعاملا خصبا له ان ينضج على نار هادئة ، يتوفر على شروط الملاحظة والمراقبة غير المباشرة ، والمتابعة الدفيقة غير المتلصصة المنوطة باشراف غير فضولي بتماسّ لا تجذّر فيه ، ولا عدوانية متأصلة ، ومن دون اقحامٍ لمشاعرهم الكبيرة في تحليل صيغ العلاقة بينهما وتفسير وتائر ما انبثق عنها بالشكل الذي يبعث على تدخل فاضح الا في الضرورات القصوى فضلا عن الحالات التي يطالبانهم فيها او احدهما بالتدخل ، والا فلا !

.....

ـــ  اقول لكَ دعني ..

ـــ  هل ازعجتكِ .

لكنها عادت تتفلّت منه ضاحكة ، وهي تقول :

ـــ  ايها الفتى ان استطعتَ ان تبلغ اليوم مبلغك فسوف اغامر بخذلانك ..

ـــ  أووه . . ماذا تعنين ؟

ـــ  ها انك داهية وتعلم اسرار النساء !

ـــ  واذن فهو في اجازة حمراء .

ـــ  ليتك تعلم مبلغ حزني عليك ايها الجرئ .

ـــ  ساصبح اكبر غبي لو استسلمت لحزنك ، إن لم اقلبه فرحة تعض على قريحتك ..

ـــ  ماذا .. ماذا تقصد ؟

ـــ  ساقتحم كل ما فيك من عواطف يمكنها ان تنعكس في كل مساحات جسدك ؟

ـــ  حتى لو كنت أمرّ في عطلة شهرية ..

ـــ  دعكِ من عطلة قدحك الحمراء .. اعلم الان انه في اجازة كي يرتاح فيها ويقفل ابوابه ريثما يخلي منتجات دورته الشهرية ..

ـــ  واذن !

ـــ  انتِ ..

متابعا :

ـــ  فان كان هو يتمتع بعطلته الشهرية ، فأنتِ بكلّك لست كذلك ، سألتهمك !

.....



( 17 )



ولقد كان ابويه وابويها كثيرا ما يوصيهما ببعض المفردات التي ليس للفتى والفتاة ان يتجاوزاها كي لا يؤدي بهما مثل هذا الى عواقب مبكرة ربما تحسب في مثل هذه السن على سيئات الاعمال . لا لأنهم يحظرون عليهما بعض حقوقهما من الممارسات مع بعضهما البعض وهما اللذين ما كانا الا زميلي دراسة .. لكنهم كانوا يؤكدون لهما وعلى الدوام تلك الاساليب التي ينبغي للمرء أن يتوقى ومن خلالها حدوث بعض العوارض المبكرة لأشياء تجدها الفتاة او المرأة عوامل مساعدة تدفع بها الى النضج المبكر غير الموعود ، او مظاهر ترف لأعراض ربما عدّتها بعض الاُسَر والعوائل علامات في غير اوانها من قبيل الحمل المفاجئ نتيجة حدوث اي فعل للحب ، ما كانت لتُحسَب فيه درجات الوعي التي بامكانها الحؤول دون الانشغال بدواع اللذة ومن ثم الوقوع في مغبة الخطأ الفادح ! دون الاخذ له بمقدمات وقائية تمنع من حدوث انعقاد نطفة ما ، والتي يعد وقوع مثل هذه الحالات امر يحظى بثقل في التكهن غير مسئول ، بفعل عجالة ليس لها ان تستأخذ السن بنظر الاعتبار ، ولا ان تدخلها في عداد السياقات الضمنية التي يمكن ان تحسب لمثلها كل حساب واخر !

.....

قال ابو وَسَن لها :

ـــ  عليكِ ان تفهمي طبيعة العلاقة الانسانية التي تقوم ما بين الفتى والفتاة ؟

ـــ  كيف يا ابي ؟

ـــ  تعلمين اني لا اراوغ في الحديث معك عما يمكن ان يكون حديثا مسكوتا عنه في مجتمعات اخرى ، لذا ما كنت لأمنعكِ عن ممارسة حقوقك الشرعية والخاصة بك بل المتعلقة كليا بك شخصيا حتى ما كان يتعلق منه بجسدك نفسه ، لكن ما اطالبك به دوما ، او التمسه منك وبالفعل ، هو ان عليك ان تتوخي جانب الحيطة والحذر دائما في كل علاقاتك العاطفية وفي كل فعالك للحب نفسه.. بل وما يجري معه من مصاحبات ورحلات ومخاتلات .. بل وما يمكن ان يتمخض عن بعض ممارساته ومزاولاته المتناوبة والتي لا يمكن لامرئ ان ينقطع عنها ..

ـــ   لا افهم يا ابي ..

ـــ   عليك ان تعرفي ان كل ممارسة حب تقوم بها الفتاة ، هي التي تتحمل عواقبها قبل الفتى الذي يشاطرها قضاياه .. لانها ستكون هي موطن اسراره الفعلي ، وسيكون عليها ان تعلم ان اي خطأ له ان يحصل ، فما كان من سيدفع ضريبته احد سواها ! وربما كانت باهظة جدا ، او انها ما كانت ستكون الا قاسية وبالفعل !

ثم :

ـــ  انا لا امنعك من ممارسة الحب ، ولكن امنعك من ان تكوني مرتعا للأوباء ، او ان يكون رحمك موئلا لأجنّة الحرام .. او ان تكوني واحدة من اولئك اللائي لا يهمهن سوى تمرير نزواتهن وشهواتهن او ان يكنّ عبيدات لمن لا يمتلك سوى شهوته من الفتيان والرجال ، وليس همه سوى ان ينكّّل بالفتاة ومن ثم يدعها هي ووليد ، تحير به فهل تلقمه التراب وتدسه فيه ، أم تلقيه على قارعة اول طريق تصادفها ، او باب تمر بها ! ام تنشأه على هون ، من دون ان تفهم سر الامومة ولا حتى ان تمر بتجارب عديدة ، تدرك من خلالها من تكون هي ، ولماذا ولدت هذا او هذه !

توقف لحظات ثم .. مسهبا :

ـــ  ثم ما عليك الا ان تستأذني ربك ــ  وكما علّمتُكِ دائما ــ  حين كل ممارسة ، حتى ولو ضمنيا ، بشكل يفهم معه الجانب الاخر مثل هذا ، خوف ان يكون سفاحا وما شابهه . لانكِ ما كنتِ الا أمَة الله الذي لم يبخل عليها بممارسة الحب متى شاءت والتعبير عن امتنانها له من خلال اللذة التي تكتسبها من نفس فعل الحب الذي ما كان منعك منه ابدا .. فضلا عن المكاسب العملية التي يمكن أن تحصلين عليها جراءه !

ثم :

ـــ  انتِ نفسك  ، ستكونين لا غير ! تلك التي كانت استأذنت والدها ومن قبل فأذن لها ! وما كانت فعلت الا عن حب وولاء له ، والا فانه كان بوسعكِ ان تفعلي الحب وتغرقي في شبقيته ، من دون ان تعلميني ، بعد ان كنتِ بلغت مثل هذه السن من الرشد المرحلي واليفاعة العقلية ، لكني انشأتك على الصراحة وما كنتِ ستخشين ان الجم رغباتك عن التنفس او امنعك من مزاولة تجاربك الطبيعية وحقك الشرعي بل دورك الحقيقي ! ذلك اني ولا زلت اثق بك وبثقل تجربتك الشخصية ، وحجم ارادتك ، وسلطان موهبتك العقلية ويقظتك الاجتماعية !

ــــ   شكرا ابي ، شكرا يا احلى اب في الدنيا ، ويا اكثر الاباء تحررا وفهما للاخرين ، سأكون حقا ابنتك التي ترضى عنها دوما ، ولا تمارس فعل الحب الا وبالها مرتاح ، وضميرها سعيد، وهي بكليتها ستكون حتما أسعد ، ولذتها ستكون حقا أكبر  ..

.....



( 18 )



.....

ـــ  اقول لك ايها المغامر الذي لا تُحسَد على كل شيء ؟

ـــ  تفضلي ..

قالت :

ـــ  انا لا افضل ان امارس الحب في مثل هذه السن المبكرة ..

فقال لها :

ـــ  لكنك تتناولين الحبوب .

ـــ وانا منذ يومين لم اتعاطاها .

ـــ  لماذا ؟

ـــ  فكرتُ اني سوف لا اكون بحاجة اليها بعد الان .

ـــ  كيف ..

ـــ  اعلم انك ستقول لو حدث ان اخطأتُ والقيت بعض غرسك في ارضي ..

ـــ  بالتأكيد ..

ـــ  لكني سوف لا ادعك بعد اليوم تفعلها ..

ـــ  لماذا ؟

ـــ  لاني اخشى ان اعتاده معك ، ومن ثم ياتي اليوم الذي لا أراك فيه الى جانبي ..

ـــ  تخشين الموت ..

ـــ  لا احدثك عن الموت ، لكني احدثك عن اشياء لا تحيا الا في دخيلة كل امرأة ..

مستدركة :

ـــ  اخاف ان اخسرك ذات يوم .. فلا يعد بوسعي ان امارس الحب مع مَن اشاء مِن بعدك ، خاصة ، حينما اكون قد اعتدت التعاطي مع يراعك ..

ـــ  اتعلمين انك تزدادين زهوا .. ولأزداد فخرا بك كلما وجدتك تتعالين على ازماتك ، بل انك لتكبرين في نظري كلما رأيتُ فيك حديثا لا أعهده الا لدى فطاحلة العلم واساطين الكلام من ذوي المؤهلات والتجارب والخبرة ..

ـــ  لا تخدعك فصاحتي او جرأتي او حتى شهامتي في اثبات مبلغ حريتي .. الاحرى ان لا تخونك ثقتك بنفسك في ذات لحظة فتغيم نهارتك وتستحيل ليال لا تعرش فيها نجوم سماء ..

لم تسألني كيف افكر باخر من بعدك ..

ـــ  بالعكس ، فانا ليس بوسعي ان احتكر انفاسك واستلبك حق الاختيار ولا حرية التفكير !

ـــ  اني اراك تختلف عن كل الفتيان الذين عرفتهم ..  بل اراك تنأى بصفاتك عن كل من عرفنهم زميلاتي في المدرسة .. ان جميع الفتيان يختلفن عنك .. انهم جميعا يخبرنهن انه ليس بوسع اي منهم ان يفكر ذات يوم ان فتاته تفكر بآخر غيره ولا حتى في الخيال ..  بل ليس بميسور أحدهم ان يسمح باقامة عزف مشترك على أوتار الفتاة التي يحب ! ولا حتى ان يدعوا مثل هذه الاخيلة تتبادر الى اذهانهم .. فلا يمنحنهم ما تمنحني انت اياه ..

فقال لها :

ـــ  انا لا ادعوكِ الى المغامرة بكرامتك وكرامة صغارنا الذين سيحلون ضيوفا علينا فيما بعد. لكني لا امارس سياسة التضييق على العواطف والمشاعر .. بل حتى الجسد نفسه ، فهو ملكك ، ولكن ..

فقالت :

ـــ  لا تنسى ان للجسد سرقفلية يمارسها المستأجر ، من دون علم صاحب العقار الذي كان أجره اياه ، لكن ليس بوسع هذا الاخير ان يقوم باجراء مثل هذا العقد والمستأجر ما يزال يشغل عقاره ..

ـــ  النكاح عقد استأجر فيه جسدك ونفسك ، وتستأجرين في الوقت ذاته نفسي وجسدي . لكني لست مسلط على افكارك ، وانت الاخرى لستِ كذلك ، غير انه بوسعك ان تؤجريه لآخر ..

ـــ  انك تخيفني بافكارك هذه .. الا تخشى ان تخسرني إن انا فعلت .

ـــ  انا لستُ كما تتصورين . والاشياء لا يمكن ان تقاس خارج الحدود الانسانية والخلقية .

ـــ  وهذا الذي تقوله هل يعني انه بامكانك ان تبيعني وتؤجرني لاخرين .. ماذا تتهم اخرين لو تفوهوا بما تقول . .

ـــ  لم احكِ عن هذا ، ولم افه به !

فقالت :

ـــ  لكن لو انا فعلتُ وانت لبثت دون حراك ازاء ما اقوم به ، اما سيكون الامر سيّان او معادلا لامر موافقتك على استئجاري لاخر ..

ـــ  اما لو حدث فانا لا امنحك مثل هذا الحق الا اذا كان الجانب الاخر انثى ، هذا اولا . والثاني في حال انك اشتهيت ممارسة الجنس مع اخر وحسب .. فليس لي ان الزمك الامتناع ، واقعدك عن رغبتك ، لان عواطف الجسد ليس لها ان تكبح الا باليسير من المعادلات والضرورات من الامور .

ثم متمما :

ـــ  اقول اننا نتكلم بكلام ربما كان سابقا لزمانه وأوانه ، وهو اكبر من سنّنا التي نعيشها اليوم .

ـــ  لا تتهرب وأجِب على سؤالي الاخر .. هل انت عرفي ام شرعي ؟

ـــ  انا كلاهما ..

ـــ   كيف ؟

ـــ  مزيج من هذا وذاك ، لان رغباتي هي عرفي الخاص ، وايديولوجيتي هي عرفي الشخصي ، وميولي الذاتية هي الاخرى كذلك ، حتى افكاري ومفاهيمي لتعبر عن عرف الافراد الذي لو كان له ان يرى النور ويحتل مساحته بنشور وحبور ، كان له ان يصبح عرف الافراد ومن ثم الناس ممن يذعنوا له حتى يصبح مدرسة تتخذ لها اشكالا وطقوسا .

ـــ  انت لا تميل للخضوع الى عقل واحد .

ـــ   لشدّما أشكر الله تعالى على ما آتاني من فهم استطيع من خلاله ان لا اكتفي بفكرة معينة ولزمان محدد ، بل اراني وفي الغالب احترم اراء الاخرين ، واستخلص بين الفَينة والاخرى ما اراه صالحا لاهدافي بينما استنتج واستنبط بحكم معرفتي للاشياء وتحليلي لبواطنها واستيلادي لافكار جديدة ومناهج حديثة في المعاصرة الحديثة والتي اجدها وعلى الدوام مما يلائم العصر والتأريخ ومن التي تحتاج الى رعاية قانونية وعرفية ..

ـــ  انت فتى خطير ، لكني احبك .. لكل ما فيك من خطورة .

ثم مستتبعة :

ـــ  لو عرضتُ عليك الذهاب الى جزر العراة والسواحل التي يُمنَع الناس فيها من ارتداء اي ثوب حين ارتيادها ، هل كنتَ ستوافقني ؟

ـــ  وأرافقكِ بالتأكيد ، كنتُ اول من سيستجيب لكِ !

ـــ  انك حقا مدهش . . ولا بد انك كنت ستستعجلني ولكن عجبي منك يفوق دهشتي لك .

ـــ  اسمعي ما اقوله لك جيدا .. انني حينما اجادل معك ، فانا اتباحث المسألة معك في كل شروطها ومواطن سلوكياتها التي ربما لا يحتملها عقل امرئ ولا حتى ملك مقرب ..

مردفا :

ـــ   اني ابحث معك شرائطا ليس بوسعك التجاوب مع فلسفتها في اليوم .

قالت :

ـــ   اي فلسفة ؟ انك وفي هذه السن المبكرة تبشر بكل هذه الافكار ، فما الذي سيصبح عليه حالتك الايديولوجية ، حينما يتقدم به العمر ؟

مردفة :

ـــ   أيعرف ابواك بهذه الافكار التي تدور في رأسكَ ؟

قال :

ـــ   ربما ، او .. لا ! ولكن حتى لو كانا تعرفا اليها ، فما كانا ليحملان عليها ، بل كانا يبحثان معي الامر وحسب ، فان وصلا الى نتيجة ترضيهما والا فلا .. لانهما بذلك كانا قد أدّيا دورهما الابوي على خير ما يرام . وهذا لا يمنعهما من مواصلة المباحثات واستخدام صيغ متعددة اخرى لتطوير مناهج المحادثات ما بيننا وفق الأُطر التي يرضونها .

لكنها انعطفت بالحديث الى اخر :

ـــ   انك وحينما تبتاع بيتا لا تسمح لاخر ان يقاسمك اياه ..  او يقتحمه عليك متى شاء .

ـــ   لكن بوسعي ان اؤجره .

ثم :

ـــ   او ان .. ابيعه وهذا في حالات خاصة ..

ثم :

ـــ   او ان اشرك فيه غيري ، يعيش الى جانبي طالما كان ثمة متسع ..

وبعصبية قالت :

ـــ  اسكت ولا تكمل ، فهل ستدعه يتطاول على اشيائك الخاصة ويغير في البيت وديكوره واثاثه ..

ـــ  سوف لا اسمح لاحد ان يؤذيكِ ..

فقالت وهي تحدج في عينيه :

ـــ  ان كلانا يحب الاخر ، لكني اخشى ان لا يفهم احدنا الثاني !

.....



( 19 )



كما كان للاخوة والاخوات في كلا الاسرتين ، ان يعرضوا بأسئلتهم والحاحاتهم حول ما يدور بين عزام ووسن مما كان يضع اهل الفتى والفتاة على المحك .. فيضطرون للاجابة على كل صغيرة وكبيرة وشاردة وغادية من الاستفهامات والشبهات التي تعلق في اذهان الصغار والناشئة في محيط كلا الاسرتين لانهم كانوا يدركون مغبة عواقب ترك مثل تلك الاثارات من الاسئلة دون اجابات وافية تتناسب واعمارهم .. مما كان يدفع بعزام ووسن ان تكونا على مستوى من النضج والوعي في حجم تلك العلاقة السائدة بينهما والتي صارت تتخذ لها شكلا اكثر ودية وتأصلا من ذي قبل .. لانهما سيصبحان المرجع الوطيد والمثابة السميقة بل الركن الهادئ لكل اولئك الافراد من الفتية والفتيات سواء في البيت او في المدرسة كي ينقدون من يشاء بشتى الوان المعرفة التي نهلاها من تجاربهما الوسيعة المدى في ضمن علاقة الحب النفيسة هذه والتي يعيشا ازماتها العاطفية في اللحظة والساعة معا ، وفي اليوم تلو اليوم ، ..

.....

ـــ  انت يا سمير تحاول تخطي الحواجز من دون ان تتمرن على العبور من فوقها ..

فقال سمير :

ـــ  عزام ، انت تتهمني باني اغش حتى في التمرين ..

ـــ   الحياة كذلك .. ربما ثمة حواجز اسمنتية عليك ان تتمرن على القفز من فوقها بعد ان تتسلق جدرانها ..

مقاطعا اياه :

ـــ  لكن ما افعله هو ان ادور حولها من الجانب فلا اتجشم عناء تسلقها والقفز او حتى الوثوب من فوقها .. ميلا مني الى الراحة وتوخيا للسهولة وعدم احتمال عناء تلك الممارسة ..

ـــ  ما اقصده ان عليك ان تدرس وتستكمل الانتهاء من فروضك ، من دون ان تفكر الان بالحب ومغازلة الفتيات .. لان عليك ان تكتسب تجارب كثيرة تؤهلك ان تتسلق الجدران وتقفز من فوقها بقلب جازم وعقل حازم .. لا تهاب الولوج في عوالم ربما كانت غريبة عليك ..

ـــ   او اني غير مؤهل لها ..

اعتدل عزام في جلسته وقال لسمير :

ـــ   انت تفهمني خطأ ، انا لا اقول لك انه محظور عليك الحديث الى الطالبات من زميلك فهذا شيء عقيم ينسف بديهيات تلك المدارس التي اسست لتكون مختلطة ..

ـــ   واذن ؟

ـــ  ان ما اطالبك به ان تكون عند حسن ظن المسؤولين في ادارة هذا المجتمع الذين وفروا لك ان تحيا في ظل مثل هذه الاجواء التي يحسدها عليك ملايين من الافراد في بقاع اخرى من العالم..

ـــ  كيف ؟ !

ـــ  وهو ان لا تخون تلك الثقة ، ومن ثم فعليك ان تصادق وتزامل وتمزح وتشارك في الرحلات والسفرات العلمية والكشفية والالعاب الرياضية والسباحة المختلطة وان تمارس معهم مختلف الطقوس وتدخل الحفلات وتشترك في المهرجانات التي لا تحيا كلها الا بخليط من الذكر والانثى .. لكن ما اطالبك به ، هو يلخص في عدم ايذاء الجنس اللطيف ، وحسب !

ـــ  لا افهم !

ـــ  يعني لا تؤذوا الفتيات ! فتحمّلوهن فوق ما يجب ، انهن حور العين اللائي يحيين فوق البسيطة ، وهم امانة الله في ارضه اودعها قلوب الرجال ، فلا تخن الامانة يا سمير .. ابدا ! وهن الجزء الاعظم من الامانة التي كان عرضها الله على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وحملها الانسان ، غير انه كان ظلوما جهولا في التعامل معها ، فأورثها عقده وانانية طبعه واحتملها فوق ما تطيق ! لان لها ان تعيش كما تشاء وان تلهو كما تشاء لكن الرجال والفتيان في بعض ممارساتهم يمنعون النساء والفتيات من ان يشقّنّ طريقهن كما يردن والسلام !

داخ سمير بكلام عزام الذي كان استطرد في حديثه :

ـــ  على كل منا ان يعزز طاقاته وتجاربه في سبيل ان لا يقدم على عمل خاطئ في المستقبل..

ـــ   واذن ، فليس عليّ ان افكر بالحب الان ..

اجابه عزام وهو يبتسم :

ـــ  انا لا اقول لك هذا يا هذا .. بل الحب هو اسمى المظاهر الانسانية ، بل هو احلى الاقدار التي يخلقها الانسان لنفسه ، انها الذ وسيلة في الحياة ، تحيا بيننا ، وتتنفس بنا ، وتعيش في اوساطنا .. كي نحيا بها والى الابد .. ان طاقة الحب لا تنتهي وبوسعها تشغيل كل اجهزة العواطف والخير في العالم مدى الحياة ، فهي اقوى من الطاقة النووية التي تستخدم في تشغيل محركات انتاج الكهرباء .. الا ان طاقة الحب يمكن ان توظف توظيفات خطرة كما الطاقة النووية نفسها والتي تستخدم ايضا استخدامات قاتلة ، كما في قنابل الموت .

لذلك اقول لك ان رفقا بالقوارير ! اليوم وغدا ، اليوم وانت فتى يافع وفي الغد رجل ناضج !

ـــ   انا لا اضغط عليك بشأن ما ، انما ارشدك واهديك الى الطريق الصحيح . واعلم ان حصول كل شيء في اوانه ستترتب عليه نتائج اكثر طموحا وخصوبة .. فكل فعل يتأتى في وقته يكون اجمل واحلى ، بل ان في مثل هذا ، حكمة اوسع نطاقا ، وابعد للمرء عن فساد عيشه ..

فقال سمير :

ـــ  هل تعتبر حال افكاري حينما ترى النور فعليا ، كحال طعام او مادة ما نتركها في العراء حتى تراودها الريح فتفسد عناصرها حتى تتحلل وتصيب صاحبها ومَن حولها بالعزاء والمرض .

انتبه اليه عزام :

ـــ  انك لتكبر يا سمير في نظري ، وفي كل يوم اكثر من اي وقت مضى ، وهذا يزيدني اعتزازا باخي الذي يصغرني سنّا ويحاول ان يبلغ بعقله ما لم يبلغه فطاحلة العلوم من الفلاسفة .

........



( 20 )



ولكن ما اثار عزام ايضا ان زميلته وَسَن ، قد كان عرض لها هي الاخرى ان تسافر مع والدتها في ليلة امس ، لأمر يختص بتصفية نزاع الاخيرة حول ميراث يتعلق جزء منه بخالها الذي يقطن في بقعة اخرى .. حيث الجبال الساهرة على ضفاف البحيرات وهدآت خمائلها المتنامية بخيلاء حولها ، لتشكل بعدها غابات وبساتين تنوس بجذل لا يناسب الا ذوقية وسليقة خليلته الفتية وَسَن .. والتي كانت تصفها له في كل مرة سنحت لهما الفرصة للحديث عن المناطق الطبيعية في البلاد او كان لها ان تتحدث عن خالها ومشكلاته مع امها حول الميراث ، فما كان منها الا ان تصف المظاهر الخلابة التي يحيا في كنفها الخال العزيز .. والبحيرة والغابة والمزارع والبساتين المتصلة ببعضها البعض .. الا انه وعلى الرّغم من تأكيدات وسن له انها ستكون على اتصال دائم معه ، الا انه ولأول مرة احس بفراقه عنها ، ووحدته .. التي لم يعتش دقائقها من قبل ، ولئن حدث كذلك فيما مضى من الايام ، لكنه اليوم يحس بها وبعد كل هذا التمتين الزمني في الروابط والتوثيق اليومي المتتابع في العلاقة بوَسَن ، بان ابتعادها عنه صار يشدد من وطأته ربما اكثر من نأي والديه عنه .. لكنه تذكر كيف كانت ابلغته خبر الرحيل ..

.....

ـــ  عزيزي ، سوف لا اتأخر كثيرا ..

ـــ  طيب .

ـــ  ساكون دوما على اتصال بك .. وكيف لي ان انساك يا مهجة عمري وسلوى حياتي .

عزام صامتا ..

ـــ  ما بكَ يا نور عيني وقبلة احلامي ..

ـــ  ما اراك الا انك تبكي بصمت ..

ثم :

ـــ  يمكنني ان اسهم في الغاء الرحلة من اساسها ، او ان اتخلى عن مرافقة والدتي !

واذا بعزام يغالب عبراته الصامتة :

ـــ  لا ، اعملي ما بدا لكِ ، سانتظرك .. ولكن لا تتأخري .

لكن وَسَن وفي هذه المرة ، هي التي كانت توقفت عن مواصلة الكلام ، ثم مزجت لهجتها بصوت مستعبر لا يكاد ينطق الا عن لغة دامعة ، وان للاقدار لغة صارخة ربما لا يتنفس بريقها الا في ساعات حبيسة ، نائية عن الاوطان ، تملأ المرء بوجدها من دون ان تطرف لها عين مروءة :

ـــ  حسنا ، حسنا يا حبيبي ، سأعمل ما بوسعي .. ساتصل بك ، الى اللقاء

ثم سريعا :

ـــ  ارجو ان تقبلني قبلة المساء عبر الهاتف .. فسوف لا يستريح ضميري الليلة أبدا ، وانا اجدك على هذه الحال ..

ـــ  اليك قبلتي يا اعز حبيبة في الدنيا . . . !

ـــ  وهذه انا الاخرى قبلتي اهديها اليك يا احلى حبيب في الدنيا ... !

.....



( 21 )



غير انه غالبا ما كان يحاول أن يخفي احاسيسه العاطفية حتى عن عينيه لئلا تفضحانه داخل البيت ، واليوم تعاظم الامر لديه ، فحاول ان يكبت مشاعره امام اخويه واخته ، لكنه تراجع وآمن بصحة معتقده وحقيقة غربته التي تعاظمت تراجيديتها ومأساتها بفعل رحيلها عنه ..

.....

قالت له ليلى ، اخته الصغيرة ، ذات مرة :

ـــ  اراك حائرا بنفسك ..

فقال :

ـــ  لا ، لكني افكر في تدبير اموري الدراسية ، وتوضيبها اكثر ..

عندها قالت :

ـــ  لكني اعلم ان هذا ليس هو السبب في حيرتك ..

فساءها معجبا بها :

ـــ  وما هو السبب يا ترى بنظرك ايتها الفيلسوفة الصغيرة ؟

ـــ  انها وسَن .. لا غير !

وبمبادرة هذه المرة من سمير :

ـــ  وَسَن هي الحب ، والحب هو وَسَن ..

ثم من امجد :

ـــ  بل الحب هو وسن ، ووسن هي الحب !

فما كان منه الا ان ظل يمعن بالنظر اليهم وهو يقول :

ـــ  طيب .. طيب ، والان ما علينا الا ان نهتم بامرنا نحن .. نحن افراد هذه الاسرة الكريمة ،  ونترك بحث هذه الامور الى وقت اخر ..

ثم فكر في نفسه حتى اُسقِط في يده :

ـــ  حقا ، ايهما الاصح في احتلاله مرتبة الاولوية : وسن هي الحب ، ام الحب هو وسن .

بينما كانت ضحكات وابتسامات تترى خلفه وتتوزع من ورائه وقدّامه ..

.....



( 22 )



كما انه كان قد صادر على ثقته بمثل هذا الاحساس تجاه وَسَن والذي لا يحدث مثله ازاء غيرها من زميلاته في الفصل ، وان يحدث فهو لا يمكنه ان يحتل كل هذه المساحة من ذهنه ووعيه حتى كان لهن ان يغرن من تنامي مثل تلك العلاقة فبعضهن كن يحاولن الغمز له امام وسن محاولة منهن لاستدعاء حالة الشك وتغذيتها في ذهنها ، بيد ان وسن كانت تعلم مثل تلك الممازحات الاستفزازية ، فضلا عن انها تعي حالة اورثتها امها اياها وهي ان لا ترى في الفتى الذي تخاله شريك حياتها المستقبلي سجينا تستعبد مشاعره واحساساته التي تمثل له بعدا من شخصيته الفطرية والمكتسبة في الغالب ، او في بعض الاحيان تتجاوز مثل هذه الحدود فلا يعد بوسعه ان يقبض عليها وحينها عليها ان تتعامل معه بشكل بسيط بعيد عن التعقيد والغلظة التي لا تليق بالفتيات السيدات .. وكم كان يختلس منها قبلات ناعمة تستشيط  لها نوازعها الكامنة بفعل حرارتها غير المتوقعة ،  ثم سرعان ما تختلج ملامحها ببسمة عذراء كانت فطنت الى الحاحاته غير الممعنة في الذنب ، بعد ان كان بصرها يتناهبه بلحاظ حرّيفة !

.....

ـــ   جسدك بارد .

ـــ   دعني .. الا ترى الى الطالبات كيف يتميزن من الغيظ .. ومشهدك يعلن عن سقوط قلاعهن الواحدة تلو الاخرى ..

ـــ   فليتناهبهن الحسد .. ولماذا الواحدة تلو الاخرى ، فليكن سقوط قلاعهن سويا !

ثم :

ـــ   ساختلسُ منكِ قبلة تمتد في خلال الفترة التي تستغرقها شفاهي في امتصاص رضاب فمك ، بعد ان امتص رحيق لسانك العذب ، حتى يتأكد لهن اني لا اهوى سواك !

وبدماثة :

ـــ  لك ان تهوى ما تشاء منهن . هذا لا يضيرني ، طالما بقيت محافظا على هواك لي من دون ان يتلاعبن بعواطفك ضدي ..

وبجدية :

ـــ  هل تقولين هذا بجدية .

ثم :

ـــ  اني لا ارى في هذا الا فخّا تنصبينه لي ، كي اقع فيه ، ثم تقفين حيالي ضاحكة تستهينين بي لتقولين لي بعدها : هيا ، ادعهن الى نجدتك ، لكي يثبن الى مساعدتك وتخليصك من شرنقتي التي ليس بوسع ايّ واحدة منهن ان تسهم في تمزيق اغشيتها وانقاذك ، ليس بوسع انثى في هذا العالم ان يخلصك من أسري سواي انا .. انا وحدي ، فغرامي وحده هو العقار الكافي لك ، وليس هذا وحسب ، بل هو الدواء الشافي لك ولأمثالك .. فلو أردتُ انا المزيد من امثالك لما استوقفتني حدود او اعراف او قوانين او شرائع ..

كانت تتطلع اليه ، بعد ان تركت التفكير بنظرات من حولها  ، وهي تستسلم له بعد ان ارتكنا الى جدار وتوكأت باحد قدميها على الحائط .. فما كان منه الا ان الصق شفتاه بشفتيها ، وغابا فيها كثيرا حتى اعلن الجرس عن ابتداء حصة جديدة ..

.....



( 23 )



تذكر انه كان غالبا ما يتحدث اليها بكثير من الغزل ، ولو انها كانت تلح عليه في ان تتخذ صيغة العلاقة بينهما شكلا مصاحبا لبنيان الزمالة والصداقة بالرغم من وضوح المشاعر التي تكاد تطفو على السطح من تلقاء نفسها لتعلن عنها ثم تعود تنسرب الى الاعماق كي ترتكم الى بعضها وتشيد منازلها العريقة :

ـــ  هل كتبت ما قالته مدرّسة العلوم صفاء ..

قالت :

ـــ  لا لم ادونه ، كنت قررت ان اخذه من صديقيت سلوى لكني نسيت ذلك .

قال :

ـــ كيف حالك ايتها الصديقة المتهورة .

فقالت :

ـــ  وكيف حالك ايها الصديق المتهور .

ـــ لا بل حالك اسال ايتها الشقية الجميلة .

ـــ لا بل حالك سألت ايها الشقي الجميل .

ـــ  لا والله انت الجميلة والاجمل .

ـــ لا والله بل انت الجميل والاجمل .

ـــ بل انت الوسيمة .

ـــ ليكن فانا الوسيمة فهل تمتنع ان تكون وسيما تناضل في سبيل وسيمة مثلي .

ثم يقول بعد لحظات :

ـــ  احبك .

تقول :

ـــ احبكَ انا الاخرى .

ـــ لكني احبكِ اكثر .

ـــ عندما لا يخبر عن هذا احدا سواك ، فهذا لا يعني توثيق ما تعلن عنه .

ـــ لكني اشتاق اليك اكثر منك .

فترد عليه :

ـــ  وكيف تثبت هذا ؟

ـــ  اني اتصل بكِ اكثر من اتصالكِ بي !

ـــ  هذا يعني ان عقلي اكبر من عقلك . لاني استنفد غالب وقتي في الدرس والتحضير .

ـــ  بل لو استخدمتي مثل هذا دليلا على مدعاك ، فانه سيكون دليلا ثاقبا على اني اكثر اجتهادا منك وان عقلي يستوعب الدروس اسرع منك بدليل اني لا استنفد من الوقت للدرس والتحضير اكثر من نصف الوقت الذي توظفينه انت لمثل هذه الامور .

ضاحكة هذه المرة :

ـــ  لا والله يا صديقي الفالح ، ما كان مني الا ان اصدقك ، ونمراتك المتدنية ما كانت الا شاهدا دامغا على صحة ما اقول ..

ـــ  لكن ..

مقاطعة اياه وبتفكه :

ـــ  وهذا تحذير مني اليك ، فان لم تعد تتقن تحضيرك للفروض ، وتدرس ساعات مجدولة ، فاني سوف لا اتعامل معك الا تعامل الغرباء ، وسوف اقطع صلتي العاطفية بك بشكل مؤقت يدوم حتى العطلة الربيعية او نهاية العام الدراسي ، كي لا اكون السبب في عقر درجاتك في مختلف المواد المنهجية المقررة ، فلا اصاب بعدها بعقدة الذنب او التوبيخ .. فأتغلب عليها كما كنا تغلبنا على عقدة الذنب والتوبيخ من لقاءاتنا المتنوعة مع بعض وممارساتنا الوشائجية تلك ، وذلك حينما تأكد لدينا اننا لا نسرق من عوائلنا ما نتبلغ به من حب وعواطف !!

تسكت ثم تعود سريعا تردف في الحديث :

ـــ  وانتَ سيد العارفين ، تعرفني جيدا ، كيف انفذ تهديداتي ..

ـــ  انا الذي سأهددكِ هذه المرة ، فلو امتنعتِ عن وصالي ، ما كان مني الا ان امتنع عن وصالك طول العمر ..

تضحك هذه المرة عاليا وتحاوره بصيغة المؤنث في بدء عبارتها ولعا منها في تدميج حالة التفكه بالاغاضة غير المقصودة الا لنفسها او امعانا منها في ادخال السرور على نفسه كي تتخذ منه موثقا :

ـــ  انتِ تهدّديني يا بطة !

ثم تعود اليه وتلح عليه بالمطالب وبصيغة المذكر :

ـــ ارجوك .. التمسكَ .. اتوسل اليك يا حبيبي .. ان تفي بتهديداتك ، وان تمتثل لوعيدك الذي تقطعه ضدي ! وكلي ثقة بتنفيذك لوعودك ، بالله عليك افعل . انقطِع عن وصالي .. اني لمشوقة الى رؤية سحابك الهطول ونواياك المزدحمة ..

فتسكت بينما تسهب في الكلام مغيرة في لهجتها :

ـــ  عزام .. لا تعلم كم احبك .

ـــ  وسن .. انت الاخرى لا تعلمين مقدار حبي لك .

وبثقة :

ـــ  بل كلته بالمكيال فلم يعدل مقدار حبة من خردل مما اكنّه انا لك ايها البطل !

ـــ  انتِ ما كلتِ الاّهُ ومن قبل ان اُولَد ، واستهل اولى لحظات عمري .. وفي ذلك الوقت ما كان سعر عملة الحبة من الخردل الا ليعدل القنطار من الذهب في يومنا هذا !

ـــ  والله فالح يا عمري .. فلقد فاتكَ انّ حساب ما عندي يختلف عن حساب ما لديك ، لان عملتي متفوقة على عملتك باضعاف مضاعفة حتى في ازمنة القحط والغلاء ..

يضحكان ويتذكر نغماتها جيدا ..

ابتسم وهو يذكر تلك الخواطر التي لم تغب عن باله ولا للحظة ..



( 24 )



وفي صباح اليوم التالي ، كان قد استيقظ عزام ومنذ طلائع الفجر الاولى . جرب حظه في الاتصال هاتفيا بوالده ووالدته . . كي يستطلع رأيهما في قضيتي امجد وسمير ، ويتفقد حال الجد كذلك ، وسير الاوضاع هناك .

لكنه كان يتخوف ان يكون كلاهما نائمين ، بسبب من متابعتهما لحالة الجد ، مع ان قسم الانعاش لا يحتاج متابعة من احد من ذوي المريض . .

ومع ذلك فلم يجد بدّا من الاتصال ، لانه وفي وقت متأخر من ليلة امس ، كان قد اجرى اتصالات عدة دون اي موفقية . فلقد كان الخط مشغولا وعلى الدوام ، او كما لو كان خارج نطاق الخدمة ، ولا يعرف سر هذا التعقيد الذي اصاب خطوط الهاتف الخليوي في الليلة الماضية . . حتى تعب واصابه الارهاق ، وترك الاتصال ريثما يستغرق في نومة قليلة ، ومن ثم ينهض بعدها ليعاود الاتصال ، وها هو قد استيقظ ويتهيأ لاجراء مكالمته معهما . . لكن الخط كان قد ظل مشغولا . .

وفجأة ، دوى في اذنيه صوت الجرس في الجانب الاخر ، كان رنين الهاتف يضرب في صدره من قبل ان يضرب في عمق الاثير والانواء ، واذا بصوت والدته يجيب على ندائه :

ـــ  الو ،

ـــ  ماما !

ـــ  اهلا عزام كيف حالك وكيف الصغار ، كيف هي اختك الصغيرة ..

ـــ  الجميع بخير ..

قاطعته :

ـــ  اثرت قلقي باتصالك في مثل هذا الوقت ؟ !

ـــ  لا ، ليس من شيء . .

مرة اخرى مقاطعة اياه :

ـــ  هيا تكلم ما الذي حدث ؟

ـــ  لا يا امي لم يحدث اي شيء , ولكن احببت ان استشيرك انت وابي في شأن قضيتي امجد وسمير . .

ـــ  دعهما ولا تشغل بالك بقضيتهما

ـــ  كيف يا امي ، ان سمير يرغب في المشاركة بفريق الكرة ، وان اخر موعد للتسجيل هو اليوم ، وعليكم الساعة . . البتّ نهائيا في قضيته ( ثم ابتسم قليلا ) وقضية رحلة امجد البحرية ، انه يجزم بالوفاء بكل تعهداته ، فضلا عن ان سمير يعلن : ان المدير كان قد اكّد . . ان ثلاث درجات فوق المعدل ستضاف للاعبي الكرة .

بعدها سكت للحظات ، ثم عاود الكلام وآثار الابتسام والجذل ، كانت تبدو واضحة عبر لغته :

ـــ  ولا تنسي ليلى وقلادتها ودراجتها ؟

فقالت الام ومزيج من التعب يلوح في كلماتها ، رغم ان بهجة واضحة كانت تسري في عباراتها ، فخرا بأسرتها ، وتعبيرا منها عن غبطتها التي كانت تستغرق موسيقى الصوت لديها . هذا بالاضافة الى سرور ملحوظ بأولادها ، خاصة عزام ! كان يخلص من كل كلمة تنطق بها :

ـــ  أما انا فأقول ، فبدلا من التماس الثلاث درجات من جيب المدير فليحصل عليها هو بكدّه وسعيه . اما امجد فلا اعتقد ان والدك سيوافق والان هو نائم ، لقد كان مستيقظا في اغلب الليل . واما ليلى ، فقل لها : اني وحالما سأعود ، سأفي لها انشاء الله بكل وعودي لها . . انا وابوها !

فقال عزام :

ـــ  جميل ، ولكن لم تحسمي قضيتي سمير وامجد ؟

فقالت الام باذعان واعتداد كاملين :

ـــ  قلت لك ما قلت ، كما اني سأتصل بك لاحقا ، واعلن لك عن قرارنا القطعي بشأنهما .

عندها تساءل عزام بصوت جاد :

ـــ  كيف اصبح حال جدي .

اجابته بلحن متعقل :

ـــ  لقد تحسن والحمد لله . . مع انه في يوم امس ، وعند الغروب ، كانت قد ساءت حالته الصحية الى ابعد حدود ، ولكنه بمرور الوقت وبفضل الدعاء والنذور ، ومعاونة الاطباء انقلب حاله فجأة الى احسن الحال ـــ وبقدرة قادر قدير ، وكأنه لم يعتوره اي شيء من قبل !

وبشيء من الفرح :

ـــ  انه خبر سار حقا ، وهذا بفضل دعائكما انت ووالدي .

قالها عزام ، اتبعته الام مؤمّنة :

ـــ  ودعائكم انتم الاخرين .

عندها تساءل بتمهل :

ـــ  الا تأمرين بشيء .

اجابته بحنو يغلب على العادة :

ـــ  لا يا ولدي ،  رعاك الله ، سنعود في اقرب فرصة ،  فقط ، ما عليك الا ان تهتم باخوتك خاصة الانسة الصغيرة .

فسلم عليها قائلا :

ـــ  الى اللقاء .

واعادت السلام هي الاخرى عليه ، وما كانت تشعر وقتها الا ان كلماتها كان لها ان تفضح شجنها الذي لم يعد يخفى على احد ، لانها في تلك اللحظة شعرت انها أم حقا ، وان مشاعر الامومة بدأت تغلب عليها اكثر من اي وقت مضى ،

فقالت وعبرة كانت قد انحصرت متلئلئة بين الاحداق ، لم تثب بعد من مآقيها ، حينما استحالت قطرة ساخنة من الوجد الذي ما كان بامكانه ، إلا ان يعبر عن جسيم الوقع الذي كان تركه الالم المقيت في نفسها ، وعن مقدار الهم الذي كان ساد محياها دون ان يعي وضعها احد الا عزام الذي ما كان يخطئ مشاعر امه ، حتى ولو لم يكن يراها ، لان في صوتها كانت مسحة لا يمكن ان تمر على مسامع عزام ، دون ان تختلج لها عواطفه ومشاعره السامية :

ـــ   اودعتكم في رعاية الله وأمانه وحفظه .

ـــ   مع السلامة !



( 25 )



ولما كان عزام قد استيقظ منذ الصباح الباكر ، وقبل الجميع ، فانه كان قد انهمك في اعداد طعام الفطور لافراد العائلة ، كما لو كان قد اصبح اليوم يمثل لهم كل شيء ، لا سيما اباهم وامهم ، فكان يسعى لخدمتهم متباهيا متفاخرا : انه يخدم افراد عائلته التي يفخر بها كلا ابويه ، فليكن هو الاخر عند حسن ظنهما ، من بعد ان يحسن الاله ظنه به هو الاخر !

جلسوا جميعا حول بعضهم ، وتحلقوا حول مائدة الافطار . شرعوا بتناول طعامهم . .  وكان يولي عزام اخته ليلى كثير اهتمامه ، لانها صغيرة وتحتاج الى رعاية ، فضلا عن انه ما كان يرغب في ان تشعر بخلو البيت من الاب والام ، فكان سعيه الحثيث كله هذا جاهدا من اجل ان لا يتحسس احد من افراد الاسرة حالة من الغربة او الحاجة ، او الاغتراب والافتراق بسبب من مغادرة الابوين ، وعدم تواجدهم في الوقت الحاضر الى جانبهم . .

ولقد كان عزام اعلن للجمع : انه كان اتصل بامهم ، واخبرهم بما اعلنت له . وكان امجد وسمير يتطلعان بين الحين والاخر الى الهاتف ، يتسمعان لصوته ، ويرقبان هديره من قبل ان يدق بصوته العالي ، ينتظران ان يعلن لهما عن حظ واعد ، مثلما اصبحا في الوقت نفسه يلقيان بكئوس حدسهما ، ومقادير ظنونهما حول ما سيكون عليه الحل ، وما يمكن ان تتمخض عنه لحظات الصبر هذه ـــ والتي جعلت تتقضى ثقيلة ـــ من جواب يفد اليهم عبر هذا الهاتف الذي لم يعلن لهم عن لحن صوته ، منذ ان استيقظا ولحد الان .

واذا بجرس الهاتف يرن ، وصاح الجميع خاصة الاخوين سمير وامجد ، وتعالت الاصوات مجتمعة . . ثم بدا ان صوت ليلى كان يشق طريقه من دون اية صعوبة ، بعد ان افلتت حناجر الاخوين سبيل الصمت ، كي يهتما بما حدث مما يدور على خلفية القرار الصادر :

ـــ  انه ابي . .  انها امي . .



( 26 )



واذا بصوت عزام يعلن عن ان المتحدث ما كان سوى وَسَن ، فخابت امال من حوله ، وتراجعوا تتملكهم الحيرة والنظرات كل منها تنعى صاحبها بسوء الحظ .. لكن عزام وعدهم باشارات من اصابعه انه سيختصر المكالمة ..

ـــ  هه كيف الحال ؟

قالتها وسن باثارة بعد ان كانت تصغى الى جلبة في بيت عزام .

ـــ  بخير والحمد لله ..

ـــ  ارى انك تقيم مهرجانا  في البيت ..

ـــ  لا ولكن الجميع هنا كان ينتظر مكالمة من الوالدين هناك ..

ـــ  جميل ، ليس من شك في حبهم لجدّهم .. وقلقهم عليه امر طبيعي ..

ـــ  ليس هذا وحسب .. انما كل منهم لديه من الطلبات ما لا ينفك عن قرع رأسي بها كل لحظة واخرى وكنا ننتظر ان نطمئن على صحة الجد والحصول على اخبار القرارات الصادرة بخصوص تلك الطلبات التي تقدموا بها هنا الي الوالدين .

ثم :

ـــ  وانتِ الاخرى كيف تقضين وقتك .

ـــ  مكانك خال وانا احاول ان املأه ..

ـــ  امرحي واسرحي يا وسن ، وانا هنا ادخل دورة في الادارة والاشراف ..

ـــ  صدّق يا عزام لو ترى الى هذه المناظر الخلابة والصور الطبيعية والمياه الجارية والجبال الراسية لما كان بوسعك ان تنشغل بي وحدي .

فقال مسارعا وبتفكه كان يغلب على مسرح كلماته :

ـــ  واذن فلقد وجدت ما يشغلك عني .. وما تنشغلين به عن التفكير بي ، بل لقد ملأت مكاني الخالي بالتزود من هذه المناظر الجميلة .

اما هي فقالت ولحن خطابها هو الاخر كان حاضر البديهة :

ـــ  لا يا عمري ، فهذه المناظر هي التي كانت ولما تزل تزيدني عشقا لك وشوقا اليك بل وشبقا الي طلعتك وجسدك ايها المغرور المتنائي عن ناظري والحاضر في بالي كما لو كنت الى جانبي وتلقاء بصري .. اذ اني اتطلع الى هذا الجمال الالهي ها هنا فكم ازداد ندما على حظنا كيف لم يتيسر لي اصطحابك .. ولو كنتَ اليوم الى جانبي لفعلنا الافاعيل ..

ـــ  ما كنا نفعل ؟

تضحك :

ـــ  كنا نختم قراءة القرآن سوية ..

ثم قال مستتبعا :

ـــ  ونستحم معا في البحيرة ، ونستمع الى اعذب الالحان ، ونمارس رياضات مختلفة ..

ـــ  رياضات مختلفة ؟ ها !

ـــ  اجل ، ونتناول اطيب الفاكهة ، ونتشمم اعطر الرياحين ..

ـــ  خاصة ، تلك الورود النابتة فوق صدري .. كما تحدث دائما ايها العزيز !

لكنه ندم على كل كلامه حينما اكتشف ان العيون كلها تتطلع اليه من حوله ، والاحداق تتابع حديثه بشك ، كيف انه لم يراع مشاعر مَن يقف حوله .. ثم أن وسن هي الاخرى ، كانت قد أحست كما لو انها اخطأت في شيء ما او انها تعجلت الاسهاب في امر ما ، وفي غير اوانه ..  

.....

بعد دقائق من اغلاق الهاتف وانهاء المكالمة ، عاد جرس الهاتف يدق ثانية ، واذا بالاصوات تتعالى من جديد وتهتف بحسن اللقاء ... واذا بالقرار يصادق بالايجاب على رحلة امجد ، ومشاركة سمير وقلادة ودراجة ليلى ، بشرط ان يتم التتابع في شرائها وليس مرة واحدة ـــ  هذا بالنسبة لليلى .

اما بالنسبة لامجد وسمير فالقاعدة تقتضي مراعاة الضوابط والالتزام بالقوانين المفروضة ، والتعليمات الصادرة ، خاصة من قبل الوالدين .. وستكون هذه العملية مصداقا لتجربة فريدة من نوعها ، كي يتم حساب التعامل معهما ، وفي مثل هذه الخصوصيات ، على ضوء السلوكية التي سيتم رصدها لكليهما في خلال هذه المشاركات . . والا فسَيُمنَعان في المستقبل من اي مشاركة ، يمكنها ان تؤثر على سير التحصيل الدراسي ، أو على طبيعة الخلق الانساني لاي احد منهما !

واذا بتهاليل الفرح تعلو محيا الاخوين ، من بعد ان شاطرتهما الاخت الصغيرة التي سارعت للحديث مع امها ، بينما انشغل الاخوين امجد وسمير ، يبارك كل منهما للاخر استجابة الرب القدير لدعائهما . . في حين كان عزام يتطلع الى الجمع برحابة مطلقة من صدر ، كان اشتمل على حب للجميع ، وأمل بالخير والبهجة لكل المحبين في الارض .



( 27 )



ولقد ذهب الجميع الى المدرسة . . فلقد غادر امجد المنزل بمعية سمير، بينما قرر هو اصطحاب اخته الصغيرة الى المدرسة التي كان اعتاد احد الوالدين ايصالها مع اخوتها في بعض الصباحات ، لأن ثمة سيارة اشتراك ، كانت تعمل بشكل دوري لايصالها الى المدرسة واعادتها الى البيت كل يوم  . . ولكن لما تأخرت السيارة في ذلك اليوم عن موعدها المحدد ، قرر عزام ايصالها بنفسه الى مدرستها ـــ  وهذا ما اتاح له الاطمئنان عليها اكثر  في هذا اليوم !

ولقد كانت تشغل عزام الكثير من المشاغل ، عليه ان يهيء طعام الغداء الذي كان اتفق مسبقا مع احد المطاعم لتأمين طعام غدائهم ، مع انه لا يحب اكل المطاعم ، فضلا عن انه يخاف ان يقع الاولاد ضحية سوء الطبخ التي من الممكن ان يبتلي بها هذا المطعم ، الذي كانوا اعتادوا ان يطلبوا منه الطعام في بعض الاوقات ، بالرغم من ان البراد الذي في المنزل ، كان يحتوي على اطعمة مُجَمّدة كثيرة وجاهزة للاعداد ، ولا تستلزم من الشخص ، الا بعض الوقت لتهيئتها !

كما ان عليه ان يعود ، ليصطحب اخته ثانية من المدرسة ، ليعود بها الى البيت ، وهذا ما يدعوه الى ان يقطع درسه ويخرج قبل الاوان من المدرسة ، ليلحق بزمان خروج اخته من المدرسة ، فيقفل بعدها عائدا بها الى المنزل . . ويستعجل الوصول بها اليه ، كي يكون على موعد مع اخويه امجد وسمير على مائدة الغداء ، وهذا ما يستلزم منه جميعا .. ان يطلب رخصة من المدير . . وان اضطر فانه سيتقاعد عن الذهاب الى المدرسة ريثما يعود ابويه هذا بالرغم من ان كل يوم يجري بمثل هذه الوتيرة ، لان كلا الابوين يعملان وبشكل منظم خارج المنزل ، لكن لمّا كانا غائبين عن البيت ، كان يحتاط جدا ، تحسبا لأي طارئ مفاجئ ، أو أي جريان خارج عن المألوف !

هذا ، وانه إن ينسى شيئا ما ، فانه سوف لا يمكنه ان ينسى ، او يتناسى الاتصال بوالديه وعلى الدوام ، ليتفقد حال جده ويسأل عن شأنهما . . كما انه لا ينسى قط انه ، وإن كان تجاذب اطراف الحديث مع والدته ، وناقشها بشأن قضية امجد وبحث معها مسألة سمير او حتى تطرق الى ابسط الامور التي تتعلق بليلى ، واستطاع ان يسحب منها اعترافا يمنحهم الحق في ممارسة ما طلبوه بشرطه وشروطه . . فانه لم يفكر قط ولحد الان ان يشغل بال والدته ، او حتى كلا أبويه في قضاياه ، او قضايا المنزل وما يتعلق بالبيت من خصوصيات ، فيتداول معهما ما يعترضه ويعترض المنزل من مشاكل آنية طارئة ، او أزمات مالية ملحة يمكن ان تطيح بذهن الرجال ، حتى ممن يمتلك منهم قلب الجبل الجسور !



( 28 )



وها قد مضت أربع وعشرون ساعة على سفر الاب الى العاصمة ، وما كان يشعر عزام ، الا بان الاقدار كانت ولا تزل تقف الى جانبه ، وبالرغم من كل الصعاب التي كانت تعترضه وما تزال ، خاصة انه كان يقايس وضعه هذا ، ويقارن ازماته تلك بأوضاع الاخرين ، وبصعاب الازمات التي يمر بها غيره ، من التي لا يمكن ان يحتملها هو او اخوته . .

ولذلك كان يكثر من شكر الخالق ، ويثني على بارئه ، أن لم يبتله بما ابتلا به غيره من أدواء ومتاعب وكوارث ونكبات . . فضلا عن انه لم يصبه ولا عائلته ببعض تلك المصائب الجسيمة التي كانت ألمت وتلم ببعض الخلق في مختلف الامكنة والارجاء من المعمورة .

لقد سارع للوصول عند الظهيرة الى مدرسة ليلى ، لكنه فوجئ بفراشة المدرسة ـــ التي كان يخاطبها بأم صباح ، وهي امرأة تكاد تبلغ الخامسة والاربعين من العمر ـــ وهي توجه بالكلام اليه قائلة :

ـــ  اين كنت يا سيد عزام ؟

واذا بقلب عزام ينقبض ويصاب بصدمة حارقة ، بينما كان الحدس الخؤون يحارب في نفسه كل الاهواء ، خوف ان يتسلط عليه هم طاغ ، او غم طارئ . .

ـــ  ترى ما الذي حدث ، يا ستار ! يا رب استر .

هكذا تمتم مع نفسه وترك الكلمات تنثال عجلى في اعماقه ، وهي تحدثه بكل ما يمكن ان يقحم سريرته في لغط وجلبة لا نهاية لهما !

لكنه تفاجأ ، بها حينما قالت له :

ـــ  لقد تأخرتَ كثيرا . .

بينما سبحت اوهامه في اقاصي الارض ، ونالت كل ما لا تحمد عقباه من مختلف التوقعات البغيضة والظنون الاليمة ، ترى ما الذي حل باخته الصغيرة ؟ ما الذي اصابها ، ما الذي حصل لها، و . .  و. . سؤال اخر وآخر تعقبه عشرات الاسئلة والاوهام والتخلصات . . لكنه اخيرا ، كان استيقظ من كوابيسه الحالكة في السواد ، على صوت ام صباح ثانية وهي تستدرك الكلام ، لتقول مؤكدة :

ـــ  لقد انتظرَتكَ الآنسة الصغيرة كثيرا ، لكنك لم تجئ، وعندما تحركت سيارة الاشتراك وجدت من الخير ان ارسلها معها ، لانها اول واخر ، فهي ما كانت الا من ضمن المشتركات بالرغم مما تصنعونه انت وابويك في كثير من الحالات ، حيث تهتمون انتم شخصيا باصطحابها او استعادتها .

واذا  بنبض عزام يعاود ضربه الطبيعي ، بعد ان التقط انفاسه من جديد ، وطرد كل ظنونه الكالحة وتوجساته السادرة، فعاد بوسعه ان يستمع اليها ، بعد ان ترك نظراته تعبر عن شيء من الانشراح الذي كاد يفارقه للابد .

كانت ام صباح قد سكتت لبرهة من الوقت ، وهي إذ جعلت تتفرس في ملامح وجه عزام ، كانت تعاود مراقبة تقاطيعه المتغيرة ، حتى اذا ما تطلعت الى معالمه المتكدرة ، ووجدت انها تكاد تنفرج للتو ، ومسحة من الاستبشار تكاد تعلو سريرته ، عادت وبسرعة لتبادره الى القول :

ـــ  اعذرني يا سيد عزام ، انما اردت ان اسرع في وصولها الى المنزل لانها شعرت بالتعب..

فقال عزام بعد ان استرد انفاسه وكان ظنه في خلاف الواقع ، فعاد يكرر شكره لله ، ويعرب عن امتنانه ، انه ليس من خطر او خوف ، يتهدد اخته كما تصور بادئ الامر :

ـــ  لا عليكِ يا أم صباح ، نِعمَ العمل ما قمتِ به ، لقد كان الطريق شديد الازدحام بالسيارات، مما اضطرني الى التأخر في الوصول ، خيرا فعلت . .

ابتسم لها ومضى في سبيله ، بعد ان ودعها وودعته .



( 29 )



وعندما عاد الى البيت عند الظهيرة ، وجد ان الانسة الصغيرة ليلى لم تعد بعد ! بحث عن رقم الهاتف النقال لسائق سيارة الاشتراك لكنه لم يعثر عليه ، نسي اين احتفظ به او احتفظت به الاسرة ، ولما جاء أمجد ، وتبعه سمير بدقائق تفاجآ وصُدِما اكثر ، حينما تأكد لديهما أن عودتها ما كانت الا عبر  سيارة الاشتراك . .

قال سمير :

ـــ  ولكن لماذا كان عليها ان تتأخر ، هل حدث شيء ما ، هل صادف ان تعرضت سيارتها لحادث ، لا سمح الله ؟

بينما تابع امجد :

ـــ  هل يمكن ان تكون قد ألمّت بها اعتلال او عارض صحي دفع بالسائق الى ان يذهب بها الى المستشفى مثلا ، وهذا ايضا لا يكون وكيف لا يمكن احتماله . . كل شيء جائز !

لكن عزام كان قد لاذ بالهاتف ، جلس الى جوار منضدته ينتظر اي صوت ينم عنه . .  ولكن بلا اي فائدة !

بينما عاد سمير يردد :

ـــ  ولكن لو حدث شيء من هذا القبيل ، أما كان يجدر بالسائق ان يتصل بهاتفنا ! ان لديه هاتفا نقالا !

فقال عزام :

ـــ  لديه هاتفا نقالا ولكن لم يكلف اي احد منا حفظ رقمه او حتى تسجيله في مكان ثابت ، او محل واضح ، كي يسهل علينا التعرف عليه ، حين نحتاج الى الاتصال به مجددا !

فعاد امجد يقول :

ـــ  ولربما اتصل برقمنا . .

فقال سمير :

ـــ  وربما كان الهاتف لا يعمل ، بسبب من اختلال في اسلاكه . .

امجد هذه المرة :

ـــ  الهاتف ؟ !

واذا بالجميع يتطلع كل منهم الى وجه الاخر ، حينما صار كل احد منهم يتطلع الى الثاني بدهشة ، فأصبح كل فرد منهم يحاول ان يهيب بالاخر بضرورة صنع ما قد غفل عنه الاخران ، وهو التأكد من الهاتف ، وبسرعة ! . .

فما كان من عزام الذي كان جالسا بالقرب من الهاتف، الا ان رفع مسماعه ! واذا به يمسك عن الكلام ، ويترك ملامحه وحواسه لتعبر عن مقدار صدمته البليغة ، حينما فغر فاه ونمّت عنه نأمة لا يمكن فهم معناها الا اذا ترافقت مع نظراته التي كانت ملئت فزعا ، وبشكل لا يحتمل سوى الدهشة المثيرة ، والتي لا يمكن ان تنم عن صاحبها ، الا اذا كان قد اصيب بخيبة امل وتأنيب ، لا يمكن ان يلوم فيها احدا الا نفسه !

كل ذلك كان قد حدث في ظرف لحظات ، استطاع ومن خلالها ان يستخلص نكتة فريدة من نوعها ـــ وهو في غمرة دهشته ، وشعوره المتخبط ، واحساسه بالاحباط ، وانقلابه على نفسه ـــ وهي ان التخلص من خطير الامور وعظيم الدواهي يمكن ان يمر عبر أقصر الطرق من العلاج ، والتي بامكانها ان تغيب وتخفى عن فكر وذهن ادهى الناس واعقلهم ، واكثرهم عبقرية ، واغزرهم موهبة . . وذلك حينما يترك للأزمة ان تأخذ به ذات اليمين وذات الشمال ، بعد ان يدع عنان صبره على غاربه ، دون ان يتمكن من السيطرة على اعصابه ، والتحكم بمقاليد نفسه ، قبل ان يحكم قبضته على مقاليد الامور التي تدور من حوله . .

ولقد كان تأكد لديه صدق حدس سمير ، حينما كان يتطلع الى مَن حوله بحياء وخجل . فلقد كان الهاتف خاليا من الحياة والامل ، فارغا حتى من انفاس عزام الذي كان لصق فاه فوق فوهة مسماعه ، فلم يجد لانفاس الخط أي حراك .. في وقت كانت نظراته تعبر عن انقطاعه . .

فما كان من أمجد الا ان سارع الى سلك الهاتف الخارجي . . انه غالبا ما يتعرض الى القطع، او الخدش ، او حتى بعض الاضرار ، فينعكس الحال على مسماع الهاتف . .  

فقال عزام التي خانته عزيمته ، وتأكد له الان مقدار ضعفه ، وعدم المامه بكثير من دقائق الحياة في هذا المنزل . . مع تباهيه فيما مضى ، بانه يخطو خطوات سريعة في هذا الباع ، ومع ذلك ما كانت لبداهته ان تسقطه في مزالق الخيانة ، فلقد سارع الى اذكاء روح الخلوص ، والعزم في نفسه من جديد ، حينما اشعر دخيلته بأن لكل فارس كبوة ، حتى ولو تعددت آثارها ، وان التجارب لا تُكتَسَب بالسهل ، او اليسير من الامور والملمّات . .

هكذا كان الخطور القلبي لدى عزام يعمل ، بينما كان شعور مشابه يتحرك في نفسي اخويه الاخرين سمير وامجد اللذين احسّا هما الاخران بضعف نفسي ، في مواجهة الحالات الطارئة وتأكد لديهما صحة كلام ابويهما ، حينما يؤكدان دائما ان الانسان عليه ان يعيش التجارب ، حتى ولو عن كثب ، وليس له ان يثير في نفسه دائما شعورا بالكبرياء الزائف . . وذلك من قبل ان يثير في نفوس الاخرين : انه قد بلغ كبد السماء ، ونجوم الثريا :

ـــ  حتما كان السائق قد اتصل بنا ، ولكن من دون مجيب !

قالها عزام ، في نفس اللحظة التي كان فيها امجد قد عاد ليعلن بالقول :

ـــ  اجل ! هذا ما توقعناه ، لقد كانت الاسلاك متصلة ببعضها ، كم مرة اكدت للوالد ضرورة اصلاحها ، ولم يكن يتيسر له الوقت الكافي . .

قاطعه سمير :

ـــ  ولم يتسنّ لنا الوقت الكافي نحن الاخرون ! اليس كذلك ؟ مع انها اسلاك يفترض معالجتها في اقل من نصف ساعة، لدفع طائلة التماس الذي يمكن ان يحصل فيها ! مع اننا نعرف ان والدينا لهما ما يشغلهما وعلى الدوام .

كان يتلقى عزام النصح من اخيه الاصغر ، وبالفعل كان عليه ان يتلقاه كمشورة من عاقل يعتد بصحبته ، فأكد على ما قاله ، وسارع الى التحرك ، وهو يقول :

ـــ  علينا ان نبحث عن رقم هاتف السائق من جديد ، فلربما عثرنا عليه  .

فقال امجد :

ـــ  ألا يخلق بنا ان نتصل بالمدرسة ، فنحصل من الادارة على رقم هاتفه النقال .

قال عزام :

ـــ  انهم الان قد غادروا المدرسة .

ـــ  وليكن فثمة حارس ، وفراش للمدرسة .

ـــ  لا اعتقد انهم يحتفظون برقم هاتفه . . ولكن ما ضرنا ان فعلنا ، سأتصل بهما في الحال..



( 30 )



واذا بصوت سيارة الاشتراك يضرب في غرف المنزل ، من قبل ان يرن في اسماع الاخوة الثلاثة ، حتى اذا تبادروا الى الباب وهرعوا الى خارج البيت ، كانت ليلى اسرع منهم ! اذ اقتحمت عليهم الباب ، وهي تصيح بهم :

ـــ  مرحبا باخوتي الاعزاء . .

فتعالت الاصوات من حولها ، وتهللت بها عقيرة كل منهم ، وهم لا يصدقون انها قد عادت ، فهذا يحتضنها وهذا يقبلها وذاك يتحسس جسمها ليتأكد من سلامتها ، وحسن حالها حتى شكروا الله، وحمدوه . . أن أعاد اليهم اختهم الانسة الصغيرة ليلى المهذبة . .

بينما هتفت بهم :

ـــ  انه ينتظركم امام الباب . .

ـــ  من . .  السائق !

فهرعوا اليه بعد ان اكدت لهم ليلى ، وبسرعة :

ـــ  ان سيارتنا كان قد اصابها العطل ، مما اضطرني الى التأخر عن الرجوع ، والعودة الى المنزل . .

وكانت تستدرك الكلام بانفاس متعبة ومبتهجة في نفس الوقت ، لانها كانت معبأة بالفرح للقائها اخوتها من جديد ، واجتماعها بهم ثانية . . لانها هي الاخرى كان قد انتابها الذعر والخوف لشعورها ان اخوتها الان هم كذلك ، لا بد وان يكون  الفزع والشعور بالقلق قد استبد بهم ، فكانت تسهب في الحديث وتقول :

ـــ  ولقد كان السائق يتصل بكم هاتفيا على المنزل فما كان احد يجيب على ندائه . فطلبت منه بعدها : أن يتصل هو برقم بعض زميلاتي اللائي كنّ ترجلن من السيارة قبلي ـــ  وانتم تعلمون اني كنت ولا زلت اول مشتركة تستقل السيارة ، او تبدأ بها سيارة الاشتراك ، وآخر فرد يترجل منها، حينما يعود بي السائق ـــ فكنت اتصل بالواحدة منهن ارجوها ان تخبركم وعبر الهاتف بما حصل لي وللسيارة ، فلا ينتابكم القلق بشأني.

بينما كانت ليلى تتابع الكلام ، كانت عيون الاخوة   ترصدها وتتحسسها بشعاع من البصر كله حنو وابتهال في نفس الوقت ، الذي كانوا يتحسسون فيه فقرهم العملي في مجابهة الامور الطارئة ومعالجة القضايا الملحة ، حين كان لاختهم الصغيرة ان تعرف كيف تتصرف في مثل هذه الظروف . . بينما  ما كان منهم ! وهم الاخوة الذكور والبالغين في العمر ، الا ان يقفوا من قضيتها موقف التائه المتحير !

فكان يجمل باحدهم ان يتذكر مثل هذه النكتة ، ويتصل بهواتف زميلاتها اللائي يشاركنها الحضور في نفس  المدرسة ، لا سيما منهن . . أترابها اللائي يجئن ويذهبن معها في نفس سيارة الاشتراك ! . .

في حين تواصلت تردف الحديث ، وتقول :

ـــ  ولكن الظاهر انهنّ كنّ يتّصلن بكم ، ولكن من دون جدوى ! مع ان السائق كان حاول مرارا ان يترك سيارته ويستأجر سيارة لايصالي الى البيت ، ومن ثم ليعود الى اصلاح سيارته . . ولكن ما من سيارة ، كانت تمر في تلك الطريق التي توقف فيها محرك سيارتنا عن الحركة ، وذلك في مثل هذه الظهيرة التي غالبا ما تخلو شوارع الاحياء في خلالها من السابلة والمارة ، ويقل فيها كذلك تردد السيارات والعربات . .

وبينما شكر الاخوة سعي السائق ، من قبل ان يغادرهم ، فان قلوبهم كانت تتضرع بخشوع وتسليم وإنابة ، وبشكل عفوي لا ارادي . . الى الخالق ، وذلك للطفه بهم ورحمته لهم ، حينما منّ عليهم بسيب غفرانه ، فأعاد اليهم أختهم سالمة مُسلَّمة ! دون ان يصيبها اذى او خطر !



( 31 )



وفي المساء كان الجميع يتحلق حول مائدة العشاء ، وكانوا يتناولون طعامهم الذي كان طهاه عزام ، بمعونة اخته الانسة الصغيرة ليلى بلذة وشهية . .

وفي غمرة ذلك كانوا يتبادلون الطرائف ، وينسجون احاديث مختلفة ، وكانت تتعالى في خلالها العديد من الضحكات، بينما تتناغم عبرها ابتسامات ، كانت تشق طريقها في عرض الكلام ، لتعبر بالتالي جميعها عن براءة من الوحي الجميل ، والذي لا يمكن ان يعبر الا عن ابتهاج بشفاء الجد المحبوب ، وقرب عودة الوالدين . .  وهي سعادة ما بعدها سعادة ، وظرافة تغلب على كل ظرافة !

وما هي الا لحظات حتى دق جرس الهاتف الذي كانت عادت اليه الحياة من جديد ، واذا بليلى تهب لرفع سماعته الحرة :

ـــ  اووه وسَن ، كيف حالك ايتها المغامرة ..

وسن قائلة :

ـــ  وكيف حالكِ انتِ ايتها البطلة الغرّيدة .

ـــ  انا بخير ، لكِ ان تسلمي على بطل الابطال الغرّيد ..

ثم سلّمت المسماع لاخيها عزام الذي كان التقفه منها وهو يهم بالنهوض لانها كانت حملته اليه من قبل ان يتجشم عناءه :

ـــ  الو .. اهلا وسن ، كيف حالك .

ـــ  بخير ..

وبدون صبر :

ـــ  كم مرة كنتُ اتصلت فيها بكم وما كان هاتفكم الا ليلعب معي لعبه المختلفة ..

ـــ  لقد ..

ثم ، ومن دون ان تمهله لحظة للكلام :

ـــ  بل ما كان احد يرفع مسماعه حتى اخذ القلق يستبد بي جديا ، ولم اعرف ما افعل ، ثم فكرت إن لم استطع الاتصال بكم هذه المرة ان اتصل ببيتنا كي يحضروا اليكم ويتفقدوا الاوضاع عندكم ليعلموني ما الذي حدث لكم ..

ـــ  لقد انقطع سلك الهاتف .. ولم اكن اعلم به .

ـــ  لانك لم تحاول الاتصال بي ، فلم تعلم ان كان يشتمل على حرارة ام لا ..

ـــ  لا ولكن الاولاد والبيت ومسائل اخرى متعددة كانت شغلتني حقا ..

ـــ  تشغلك عني وعن حبنا ايها الفارس العتيد ... وتشغلك كذلك عن تفقد حالي .. وتتبع اخباري وما افعل وما لا افعل ..

ـــ  لا والله ، امهليني قليلا ، ساوضح لكِ ..

بينما كانت الغمزات والابتسامات تتنازع المائدة ، تتوزع بين الاخوين والاخت الصغيرة التي راحت مقلتيها تمارس دورها في التنكيل البريء بأخيها عزام وروابطه العاطفية .. بينما راح امجد وسمير يعززان القول بعدم الزواج خوف ان تقع عليهما طائلة المحاسبة والتأنيب والملاحقات .

واذا بليلى تطلع عليهما بمفاجأة حتى على عزام نفسه الذي كان مرغما على سماع ما يتحدثون به على بعد ياردات منه :

ـــ  هذا سيتيح لي فرصة ان اتزوج بسرعة ، لانكما ستتخلون عن الفكرة ، وسيكون دوري هو الاول بعد انسحابكما من الساحة والمسابقة !!



( 32 )



ولقد كانت جملة حديث الاخوة الثلاثة واختهم ليلى بعدئذ ، وبعد ان زال عنهم اثر خطاب ليلى، وتفننها في التسرية عنهم ومن دون ان تشعر ، وذلك بفعل حسّ الطرافة البرئ والفطري الذي كانت تتوفر عليه ، فان جملة الحديث ما كانت تشتمل في حينها الا على انتماء سمير لفريق الكرة ، وكيف تفاجأ الكثيرون بقدومه ، اذ انه كان قد نفى امكانية حصول مثل هذا الامر أبدا ! بعد ان رفض والداه الامر مبدئيا ، أو حتى مجرد بحث القضية من اساسها !

كما ابتهج الكثير ايضا من رفاقه في الفريق معبرين عن فرحتهم بعودته الى شملهم ، بعد ان كان تركهم في بداية العام الدراسي ، وذلك بسبب من إخفاقه في نيل معدل عال في دروسه في العام الماضي ، ولذا كان ابوه وامه يرفضان انتمائه المجدد اليه او عودته ! كما حدّث الجمع من حوله : كيف جاؤوا اليه بالحلوى ، ووزعوها على سائر الصفوف ، اعرابا عن فرحهم الغامر بمقدمه ورجوعه اليهم .

هذا في الوقت الذي كانت تشير فيه ليلى : الى ان مدّ البحر وجزره ، كيف ظلت مياهه تثور وتموج ، حتى صارت تضرب في بطون السواحل احتجاجا على عدم مشاركة أمجد في الرحلة المدرسية الى البحر ، ولما صدرت الموافقة ، انحسر ماء البحر وتراجع وكف عن الهيجان والثوران !

ثم علق امجد على كلامها ، حينما قال ان الصاغة وباعة الذهب ، قد اعلنوا عن اضراب طويل الامد ، يمتنعون فيه عن فتح محلاتهم ، ويعملون على اغلاقها ، احتجاجا على قرار الوالدين بالموافقة على شراء قلادة ذهبية لصغيرتهم الآنسة  المهذبة ليلى بدران الناصح ! . .

فاحتجت عليه بالمثل ، وقالت قم وانهض للحاق باعضاء المعسكر البحري ، من قبل ان يثور البحر ثانية ! ويبكي على فراقك !

واذا بعزام يحاول الاشتراك هو الاخر في موضوعات الساعة ، والابتسامات لما تزل تلوّن الحديث بصبغةٍ للآكلين ، وضحكات من التي لا يمقتها الرب ما برحت تعلو وتتعاقب ، واصوات من المرح البرئ والجدل الظريف . . كانت هي الاخرى تتراقص جذلى ، ما بين هديل يغني النفس بثراء الاشتياق لكل طيب من القول ، وما بين مغاني كانت تجتاحها عذوبة طروب ، تتماوج فوق سحابات من الاوراد القلبية والمشاعر الصادقة ، والوان عائمة كان لها ان تصبغ مسارب كل الارواح المرفرفة . . في شوق وابتهاج وسعادة .

فقال عزام وأعين الجمع كانت قد شخصت اليه ! بعد ان توقفت الحناجر عن متابعة احاديثها، التي كانت ابتدأتها منذ اجتماع اصحابها حول المائدة . . وشروعها بتناول الطعام :

ـــ  اما انا فأقول ان رمال الصحراء سيصيبها الامتعاض ، لأن كثيرا من الرحّالين ، سوف يأتون ويحلون عليها ضيوفا ، ثقيلي الظل ! ويورثون ترابها المتاعب ، ويثيرون غبارها ، ويقيمون الارض ويقعدونها باثارة الضجيج والفوضى ، واشاعة اللغط والجلبة ، حتى يقضون مضجع رمالها الناعمة ، ويعكرون صفو هدوئها الغافي فوق انغام عذبة ، تنبعث أصواتها من سيل أمواج البحر ، والسابحة فوق أديم المياه العبقة بفنون الجذل والتيهان . .

عاد الجمع الى ضحكه المسترسل ، وابتساماته الثرى بعميق الوصل والهناء . . وكانت ليلى تلوّح بعظيم انتصارها ، فرحا بانضمام صوت عزام الى صوتها ، بينما تابع عزام القول ، ليعرب بصدق وامتنان ، عن مشاركته في لعب المرح والفرح بين أفراد العائلة السعيدة :

ـــ  اما سوق المعارض الرياضية ، فسيشهد نجاحا ساحقا في مبيعات كرة القدم لكثرة ما سيضرب سمير الكرات التي سرعان ما ستتمزق ، بفعل قوة وعنف ضرباته الفولاذية ، حتى يبلغ بحكم المباراة الى ان يعلن ان على كلا الفريقين مواصلة اللعب ، من دون كرة ! تتبادلها اقدامهم ، وتتساجل عليها ابدانهم ، لانه ما بقيت كرة سالمة يلعبون بها ، لان كل الكرات كان قد مزقتها قدما سمير ، وعن جدارة ! . .

تعالت صيحات المرح من جديد . . ثم التفت الى ليلى وقال :

ـــ  اما اسواق الذهب ، فستشهد ارتفاعا ملحوظا في سعر الذهب ، وقيمة سائر المعادن الثمينة الاخرى ، لان معلومات ومصادر سرية ، كانت كشفت النقاب عن ان الانسة المهذبة ليلى بدران الناصح ، ستبتاع قلادة ذهبية ! ولما كانت الانسة تعدل امة بحالها ، كان لوجود الذهب ان يشح في الاسواق ، لان ما يكفي أمة من الذهب ، سوف تقدم الانسة  المهذبة ليلى الناصح على اقتنائه !

وهنا تعالت الهتافات المرحة من جديد ، وهي تعلن عن تحيز في لجنة الاشراف . . بينما اختتمت جلستهم بهدوء ، كان عبّر عن سعادة عميقة ، ما زال طعمها يتحرك فوق الشفاه ، وبريقها ما برح يلوح في الابصار الجذلى . .



( 33 )



ثم اعتدل عزام في جلسته ، وقال على حين غرة :

ـــ  هنيئا لنا كل هذا السرور وهذه السعادة ، ولنشكر الله الرحمن الرحيم دوما . . قياما وقعودا ، على ما اولانا به من نعمه . وليكن هدفنا دائما هو اكتساب الخلق الكريم ، والعمل لأجل صلاح الانسانية جميعا . . كما نسأله ان لا يحرمنا مثل هذا الصفاء الجميل ، وان يديم نعمته علينا بمثل هذا الوئام الصريح ، ولا يزيلها أبدا ، ولا يحرمنا سيبها ، بل يجزل لنا بالعطاء دوما ، ويمن علينا ابدا بكرمه ورحمته . . انه هو الغفور الرحيم ، وهو العزيز التواب .

عزيزتي ليلى ، وعزيزي امجد ، وعزيزي الاخر سمير ، اما ما احب ان افاجئكم به الان ، فهو طلبي منكم . . في ان يهئ كل واحد منكم . .

ثم سكت قليلا اعقبها بصمت كان وزع في خلاله النظرات عبر الوجوه التي كانت شخصت اليه بمقلها الناضرة والهادئة بوحي ساهم ثم تابع كلامه وهو يقول :

ـــ  اجل . . اني اطلب من كل واحد منكم أن يهئ هدية بسيطة ومتواضعة ، ينتقيها من بين اشيائه ومقتنياته ، لا يكلف نفسه في عناء شرائها او عناء التفكير في كيفية الحصول عليها ، او حتى كيفية اقتنائها وبأي مبلغ يبتاعها او يمكنه الحصول عليها ! انما هي من اغراضكم الخاصة واشيائكم الشخصية ، بشرط ان لم يكن اصابها الضرر او التلف ، بشكل لا يوحي معه بحسن اختيارها لمثل هذا الغرض !

ثم اعتدل وقال :

ـــ  ثم يغلّفها بورق يختاره لهذا الشأن ، ثم يسجل فوقها كلمات من هذا القبيل : هدية متواضعة اتقدم بها الى الجد السمح ، صاحب القلب الطيب والكبير ، محبوب القلوب ، ومعبود النفوس ، الحاج ماجد السعيد . . بمناسبة شفائه الميمون، مع احلى التحايا واطيب الامنيات .

وبينما كانت الوجوه تطفح بابتسامات غامرة ، كان هو ينشغل في الوصول الى نهاية حديثه:

ـــ  ويفترض بكم ان تقيدوا اسماءكم في اسفل هذا الكلام ، مرفقة مع التوقيع .

كان يتطلع الى الوجوه المستبشرة ، وهي تتابع حركة شفاهه بصمت وهدوء . فقال مستتبعا كلامه :

ولربما كان من الجميل المدهش ان يلصق كل واحد منكم صورة شخصية ملونة له فوق الجلد الذي ستغلفون به هداياكم هذه ، وذلك الى جانب الاسم .

فما كان من الجميع الا ان انفجروا وفي لحظة واحدة بضحكة لعوب ، كانت انطلقت من اعماق القلوب ، وفي ظل هدأة سريعة كانت سيطرت على كل الاسماع وللحظات . . كما لو كانت هدأة بركان حتى انفجر ثائرا !



( 34 )



وفي صباح اليوم التالي استيقظ عزام وكالمعتاد ، كما يفعل في كل يوم ، وكما هو شأنه في كل صباح ، حتى اذا ما نهض من فراشه ، كان قد انتابه شعور ما ، بأن شيئا غير طبيعيا ، هو الان يحدث وما زالت مشاهده تتداعى في شأنها !

سارع الى الهاتف ، وطلب الرقم الخَليَوِي لوالدته ، فاجابته وبسرعة كانت قد أعطته اياه ، حتى ظن ان لصوتها شيء من الانعكاس في نفسه ، اكثر من أي وقت مضى ! لكنه تناسى الامر حينما انشغل بكلامها ، حتى طمأنته بأن جده في احسن حال .

ولما سألها عن امكانية عودتهم هذا اليوم ، او في الغد ! قالت له انها لا تحسن المماطلة ، فان كان يهوى عودتهم كان له ان يتمنى مثل ذلك ، والا فلا !

فحار حقا من لغتها الرمزية ، واذا بباب الصالة التي كان يجري اتصاله فيها يُشرَع ، ويدلف أحدهم من خلاله ، فلم يلتفت اليه عزام ، واكتفى بتوجيه الكلام الى امه ، حينما قال لها :

ـــ  وها هو المغامر الثاني من زمرة المغامرين الثلاثة يستيقظ من نومه ، ولعله يريد مجاذبتك اطراف الحديث ، ظنا منه انه سمير او امجد . واذا بها ليلى !

فناداها كي تكلم امها ، حتى اذا ما وصلت بمحاذاة مسماع الهاتف ، كان الاب قد تناول النقال ، واخذ يتحاور مع صغيرته الانسة الذكية ليلى الناصح . . واذا بسريرتها تنفرج اكثر من المعقول ، وتنظر بهمة وجدية أطارتا غبار النوم كله من عينيها ، وهي قد انقلبت تحدّق في عزام كالمندهشة لا تصدق ما الذي تسمع من كلام ، واذا ما قرّب عزام اذنه من مسماع الهاتف ، كان له فجأة أن يتميز صوت والده ، ولذا كان غالب ظنه ان الاب يعِدُ ابنته الوحيدة ، بما لذ وطاب مما تشتهي اقتناؤه والحصول عليه . .

ومن ثم التفتت ليلى وبسرعة الى عزام ، وهي تتطلع ببصرها الى ما يكون خلفه ! فقالت له وبشائر من السرور تتحلق حول طلعتها ، وبشكل غامر ممتع :

ـــ  ايها المغامر التليد ، سترى ما يسرك !

وكان لعزام ان يظن ان سمير وامجد لا محالة هذه المرة قد استيقظ احدهم وجاء الى الهاتف لما سمع صوت ليلى ، فترك التأكد مما يجري خلفه من احداث او ما يكون من حركة لاشخاص . . فقالت له مرة اخرى :

ـــ  ويكفيك ان تلتفت الى ورائك ، لتجد ما يسرك ويفرحك  !

فالتفت عزام ليرى امجد وسمير يقفان خلفه . .

لكنه فجأة يسترعيه الحال ويهوّله المشهد بنحو لا ارادي ، ليقف هو الاخر ويلتف بجسده صوب الوراء ، لانه ما كان وجد احدا يقف خلفه ، وينتصب من وراء مقعده ، الا والديه . . امه هيفاء السعيد وابوه بدران الناصح . . كلاهما ومن دون وهم او خيال ، على الرغم انه كان يظن انه يحلم ، او يتوهم رؤيته لامجد وسمير ، فيظنهما والديه ! لكن حلمه بات حقيقة ، ووهمه اصبح واقعا لا غبار عليه . .



( 35 )



فانقلب عزام بنعمة الله فرحا ، وذلك حينما تأكد لديه انهما كانا قد وصلا في وقت مبكر من الصباح ، ومن قبل ان يشق الفجر طلعته . . مع انه لم ينس لِلَيلى كل هذه القدرة على الصبر ، وكل هذه الجرأة ، وهي ما كانت الا هذه الطفلة الصغيرة والانسة المهذبة !

لكنها استطاعت وبجوارحها البهية وجوانحها السنية أن تكبت عواطفها الاصلية وبالكلية ! وتسيطر على مشاعرها ، وتغالب لهفتها للقاء ابويها ، ثم تعتصر احاسيسها وتقبض على شوقها بعصا من حديد ، لتمارس لعبة الضغط على اخيها الكبير، ووفقا لخطة مرتجلة من قبلها ، لم تخطط لها مسبقا ، ولم تعد لها ! بل كان الله اعدها لها بنفحات قوية وهبات ناعمة !

واذا به من فرط سعادته يُقبِل عليهما بشوق ويلقي بنفسه بين احضانهما ، ويقبلهما كمن كان فارق ابويه لسنوات مضين :

ـــ  اهلا بالعزيزين . . اشتقنا اليكم جدا . .

بينما كانت ثمة كلمات مختزنة تتردد من فيه والديه ، وهي تحكي قصة حب عجيبة :

ـــ  ما باله لو غبنا اسابيع او اشهر ؟ ! اجل ما باله لو غبنا اياما ولياليا . .

تحدثت بذلك الام ، تبعها الاب معلقا بالقول وملامح ابتسامة جذلى كانت تشتبك بفرحة عزام الذي كان منهمكا في عناقه حتى اختلطت في جَرس صوته ولحن كلامه :

ـــ  اظننا كنا غادرنا المنزل منذ اعوام او اشهر سبقت !

بينما كانت مشاعر عزام المكرورة تتوالى بصدق وحرارة وعزم :

ـــ  اهلا باحلى ابوين واجمل والدين . . حقا كم اشتقنا اليكم  . .

بينما كانت الانسة ليلى قد سبقت عزام ، وانتهت من عناق امها لتلتحق بحضن ابيها . .



( 36 )



واذا بسمير وامجد يهبان من نومهما ، وستيقظان على صوت الفرح الذي عمّت تهاليله البيت ، في اول هذا صباح من هذا اليوم السعيد!  فالتحقا بركب المهنئين بسلامة الوصول ، وسلامة الجد العزيز الذي كانوا قد اوصلوه الى بيته بسلام ، بعد ان كان قضى اقل من اربع وعشرين ساعة في نقاهة وراحة تامتين ، اعادتا اليه كل النشاط وكامل الحيوية الى بدنه ، بحيث كان هو الذي أقدم على مطالبة طبيبه بالافراج عنه ، وترخيصه من المستشفى والخروج ، كي يعود الى بيته واحبابه واعماله . .

ومع ان الجد المتعافي كان يرغب في ان يجيء لرؤية الاولاد ، لكنه خشي ان يوقظهم في وقت مبكر من صباح اليوم، فامتنع من ذلك .. على امل ان يراهم عند العشاء او في الايام المقبلة ، فتوجه هو وجدتهم الى منزلهما ، على امل اللقاء بأحفاده الاعزاء على مائدة العشاء ، وان كانا يعلما انهم سيهبون لرؤيته وتفقد اوضاعه الصحية حالما يعلمون بقدومه ، مع علمه ان هذا الاخير سيسبب لهم مصادفة غير محسوبة من مريض في القلب يتعافى بهذه السرعة ويترك فراش العلاج في مستشفاه ، ويهب للخروج حالما يعلم ان قلبه تماثل للشفاء وبالصورة المؤقتة ، لكنهم يعلمون جرأة جدهم وعناده في رفض البقاء في المستشفيات وذلك حالما يعود الوعي الصحي اليه ، فما كانوا يرونه ليلبث الدقائق فوق الفراش ثمّت ! حتى يخف بقدميه يسارع الخطى كالاسد الهصور لا يلوي على شيء سوى مغادرة المكان الذي غالبا ما يتصوره ـــ  يعني المستشفى ـــ  داعية للقرف وفقدان الثقة بالنفس .

ـــ  انه عاد كالحصان ، كفرس لا تعرف الهدأة والسكينة ، عاد الى صخبه وعنفوانه الغالب عليه !

هكذا كانت تؤكد الام ما جرى ويجري لجدهم الذي لا يعرف الا ان يتناسى حالات الالم  ابدا وبسرعة البرق . .  



( 37 )



في حين كانت ثمة نظرات تنطق بالحيرة التي لا يمكن ان يفهم لغتها سوى عزام وحده ، وما كانت النظرات العالقة في اخيلته سوى افكاره التي كانت تحلق في سماء البيت ، تضمر ما تود ان تعلن عنه في المستقبل القريب ، حينما يقف يبحث شأن الاسرة وكيف سارت عليه الامور مع امه وابيه وخاصة الاخير ، حينما يود ان يكشف له عن الصك وتأريخه الخاطئ . .

ومن ثم كيف كان اسهم في تسليف زميله في المدرسة حامد العزاوي ، وذلك لدفع طائلة المشكلة المادية عنه ، والازمة الحالكة ، التي كان المّت وعصفت بأسرة صديق العمر.

ان بوسع اي احد ان لا يُعلِمَ اباه بما يصنع !

لكن عزام الناصح والذي نشأ نشأة مهذبة ، تعتمد طاعة الوالدين مبدأ استراتيجيا لا يمكن الحياد عنه ابدا ، فضلا عن انه كان ولما يزل هو واخوته ، يعتمدون سياسة ضرورة اعلام الوالدين بكل صغيرة وكبيرة تحصل لهم ، او تحدث في المنزل ، وبجلّ ما يمكن ان يجري في الخفاء والعيان!

وذلك كله ما كان له ان يتداعى كذلك ، إلا لأن عائلة بدران الناصح وأسرة هيفاء السعيد ، ما كانتا قد أولتا ابناءها وبنتهم الصغيرة والوحيدة ، الا كل ثقتهما وعناياتهما التي لا تعرف الحدود غير الواقعية أبدا . .



( 38 )



وفي المقابل ، كان ثمة احساس خفي وواضح في نفس الوقت ، يحكي قصة الوفاء المطواع! ويشرح قضية الخنوع المطلق والنسبي معا لأوامر الوالدين ووصايا الابوين ، باعتبارهما البرج المشيد ، والهرم الاساس لكل عنفوان عائلي واُسَري . . له ان يشتمل على حب الله والوالدين اللذين كان الرب قد قرن طاعتهما والاحسان اليهما ، بعدم الشرك به ! وهو اعظم المعضلات التي يمكنها ان تعترض مسيرة الانسان في هذه الحياة الشاسعة الاقطار والمليئة بالمتاعب والاهوال والاختبارات الخفية والمستترة فضلا عن الظاهرة والعلنية البادية للعيان والقلوب التي تعجز عن حملها الصدور في بعض الاوقات !

كان لمثل هذه الافكار ان تتنازع عزام الناصح لانها كان بوسعها ان تستثيره بين الفينة والاخرى ، ليضع نفسه على المحك الالهي ، بعد ان يعرض نفسه في كل صلاة على بارئه ، وذلك من خلال الكشف عن اعماله ، عبر مراقبته المتوالية لنفسه ، ومحاولته إنصاف الاخرين منها (لا سيما الاقربين الذين هم اولى بالمعروف من سائر العباد) من قبل ان يأتي يوم لا مردّ فيه !

ان عزام الناصح كان يعلم ان الله لا يغفر ان يُشرَك به، ويغفر ما دون ذلك ، وما كان اول الشرك به الا عصيان الابوين ، لانه يجر الى عصيان الخالق والمربوب !

لانه لو عُصِي رب الاسرة كان للعاصي ان يجترىء ، فيعصي رويدا رويدا ربه المطلق ، وخالقه الاول والاخر !

ولذا ، فهو لا يسمح لنفسه ان تتجاوز حدود العرف الشريف والنمط المهذب في طبيعة العيش ، وصيغة التعامل مع ابسط اليوميات الحياتية ، التي لا يمكن تمريرها الا من خلال مذكرات نزيهة ، تشتمل على تحقيق السعادة المنشودة لكل أفراد البشر ، وكافة طبقات المجتمع بأسره !



( 39 )



وبعد ثلاث ساعات ، دق جرس التلفون ، لقد كانت وَسَن :

ـــ  اين انتَ يا فارس الاحلام ؟

ـــ  واين انتِ يا فارسة الاحلام ؟

ـــ  الا تسمع صوتي ، اذن فانا قريبة جدا من قلبك ؟

ثم :

ـــ  اقول يا حبيبي ، انا الان مستعجلة لاني اطلب رؤية شخص ..

ـــ  اي شخص ..

ـــ  سأخبركَ فيما بعد ، ما أردتُ الا ان اطمئن عليك وعلى العائلة والجد العزيز .

ـــ  انهم بخير ، لقد عادوا ولقد تحسنت صحة الجد كثيرا .

فقالت :

ـــ  الحمد لله ..

ـــ  على فكرة ، غيّابنا عادوا وانتِ لم تعودي بعد !

فعادت تقول له :

ـــ  اما عني فاني سأعود قريباً .. وسأراك لاحقاً انشاء الله .

فقال :

ـــ  لكني مشتاق لرؤيتك اكثر من الاول .

أجابته :

ـــ  ولتعلم كم أنتَ قريب الى قلبي .. حتى لو تُفرِّقنا الايام فان قلبينا لا يفترقان ابدا  . فسوف لا اتأخر عنك اكثر مما تأخرت ، اقول لمرة اخرى : مناظر البحيرة والجبل والغابة كلها ما زالت تندبك وتدعوك لزيارتها ومطالعة بهائها ! بل تنشق انفاسها وسماع تغاريد بلابلها .

ـــ  كلام .. كلام ، اريدك انتِ وكلامك ، كلاكما سوية .. انتِ وبحيرتك وغاباتك ، والافضل ان تتركيها الان فاني بحاجة ماسة اليك اكثر من اي جبل ومنظر زاهٍ ..

ـــ  ستراني عما قريب !

ثم :

ـــ  الى اللقاء ..

ـــ  اوكَي ..

وبعد عشر دقائق ، كانت ليلى تتطلع الى عزام ، التفت اليها مستغربا :

ـــ  ما بكِ ؟

ـــ  لم اكن اتصورك تؤذي الفتيات ، والى هذا الحد !

اندهش لكلامها واستفهم منها هذه المرة بطرافة :

ـــ  تعالي يا حبيبتي ، انا لم اسلاكِ ولم اجفوك بل انتِ امامي في كل لحظة واخرى .

فقالت ليلى بحماس :

ـــ  انا لا احاسبك على طبيعة علاقتك بي ، ولكن ثمة اخر هو الذي يعتب عليكَ .

سألها وبسرعة :

ـــ  آخر .. آخر يعتب عليّ ..

وببساطة :

ـــ  ومن يكون هذا الاخر يا أعز أخت في الدنيا .. ويا اجمل ليلى في العالم !

وبرجاء :

ـــ  التمسكَ عدم الاسهاب ، لان صبر ليلاك سينفد ..

وما بين حيرته واندهاشه ، كانت قد اجتمعت الكلمات لديه اخيرا :

ـــ  ليلاي !

ثم :

ـــ  تعالي يا ليلاي !

وبعصبية :

ـــ  ليلاكَ ايها السعيد تنتظر موافاتك لها في الصالون ، انها تنتظرك لخمس دقائق خلون !

وفي لحظة ، كان عزام يقفز من مكانه ، يثب الى الصالة وهو لا يصدق عينيه وما تقوله ليلى.. ومن قبل ان يدلف هناك ، عاد الى ليلى سريعا وهو يسائلها :

ـــ  احقا ما تقولين ، هل عادت وَسَن ؟!

فجاءه الصوت من ورائه منسابا ، كما الروح تتعاطى الكلام مع سائلها :

ـــ  قلتُ لكَ ستراني عما قريب  !..

وفي لحظات كانت وسن تقف الى حياله ، ومن دون ان يشعر ، هبّ اليها يحتضنها ، وفي لحظات كان قد رفعها عن الارض ، فتعلقت به هي الاخرى ، كما المذعنة المستسلمة . ولقد كان يعمل شفتاه في وجنتيها ، ثم الفاهما يعلقان عند شفتيها هي ، حيث كان يمص يراع ثغرها ، ويسارع في تقبيلها لمرات اُخَر ، وهو ما بين انظار ليلى المندهشة الفاحصة ، واحداق وسَن التي لم تعهد فيه ومن قبل فقدان صبره كما في اليوم !..

وبدلا من ان يندّ عن لسان ليلى ما هو متعارف عليه من كلام .. نظير :

ـــ  اهممم .. ! يا سادة يا افاضل ، نحن هنا !

فلقد هتفت ملء شدقيها ، ومن دون ان يسكت لها قلب ولسان :

ـــ  ليحيا الحب .. ليحيا الحب ، هو وأهله الى الابد !



تمت القصة بعون الله تعالى



جمال السائح

Almawed2003@yahoo.com


View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags:
Marin Man's picture

السلم عليكم جميعا اريد الجواب