امرأة تحب وتشتهي اكل البوظة





امرأة تحب وتشتهي أكل البوظة



جمال السائح



( 1 )



هل تفكر في كل مظاهر الحياة ؟ لم تكن كذلك ، انما كانت فتاة حرصت كل حرصها على ان تخدم اغراضا معينة للوصول الى هدفها الاساس !

لم تكن تهوى طعاما دون اخر الى تلك الدرجة التي يتميز بها آخرون يعتبرون عدم توافر ما يحبون من اكلات يؤدي وبشكل اكيد الى حرمانهم من تناول الطعام ! فكانت بسيطة من هذا الجانب يعني ان اكلات معينة تحتل اهتماما اكيدا في شهيتها للطعام او ربما افراطها في تناولها ام لا ! لكن ذلك لم يكن ليصل بها الى الحد الذي تمتنع فيه عن تناول الطعام الذي لا تحبه او الاكلة التي لا ترغب بها . . انما كان لها روح بسيط ، يتنافى طبعها مع أي تعقيد، فتلتهم كل ما كانت تطبخه لها امها ! وان كانت تملي عليها في بعض الاوقات فلربما اعتادت والدتها الطلب منها ان تخبرها ما تحب ان تصنعه لها من طعام!

ولكن ، ما كان لمثل هذا كله ، أن يوحي لاحد انها تنعم بتلقي رعاية دلال مفرطة في منزلها، ولو انها كانت تعدّ المولود البكر في الاسرة ! لانها ولما كانت وحيدة هذه العائلة التي كما لو كانت اكتفت بمثل هذا البرعم الانثوي بالرغم منها ! اذ لم تتمكن امها من ان تحبل بغيرها فيما بعد ، لعدم تأهّلها في ذلك الحين للانجاب مجددا ! وما كان من الابوين الا ان يضعا كل آمالهما في شخص هذه البنت الحلوة ، ولا شيء سواها !



( 2 )



في ذات يوم خريفي والسماء كما لو كانت تودع الايام الاخيرة للحر ، كانت مها عائدة برفقة صديقتها الحميمة حنان ، ما كانت الطريق مزدحمة ، ولكن اعين المارة كانت تحلق في كل مكان من مثل عيني حنان اذ ذهلت عما كانت تحكيه لها مها حول الحب الجنوني ماذا يمكن ان يُقصد به ؟ ولم يكن بالامر العسير على مها ان تعلم أين كان ذهن حنان عالقا ، لان الاخيرة سرعان ما كشفت عما تريد ..

ـ   مها انظري .. انظري هنا !

ـ   اين . . اين ؟ . .  الآيس كريم المثلجة؟

ـ   أووه ما أروعها ! ولكن . . ولكن حقا. . فان فصل الخريف ما يزال يبعث على الكآبة والملل . . انه يثقل على النفس بل يتهددها !

ـ   لانه يتهدد صناعة المرطبات التي تحبينها؟

ـ   اجل .. اجل يا مها . فاني مجنونة بها ، عاشقة لها، بل مولعة بتناولها وبشدة متناهية وكما لو كنت مدمنة عليها ! غير ان فصل الخريف ومع حلوله حتى أواخره كان يظل ينذرني بضرورة التزود من هذه المرطبات . لان موسم انتاج هذه المعاجين الفضية والملونة سيكون شارف على الانتهاء .

ـ   ولكن ثمة بعض المحلات والباعة لا يتقيدون بمثل هذه التواريخ فيصرون على انتاج ألواح البوظة والمثلجات ، يبيعونها جنبا الى جنب مع أكلات فصل البرد والشتاء !

ـ   نعم ! هذا صحيح وبكل تأكيد . الا ان مثل هؤلاء قلّة ! او كانت حوانيت بعضهم متواضعة ، او محالّهم التجارية راقية ، فان الوصول اليها امرغير متيسر دوما ، مثلما تكون عليه هذه الدكاكين التي نصادفها في طريقنا .

ان مجرد التفكير ، في مثل هذا ، يثير فيّ الشعور بالتعاسة واحساس غريب يضطرني ان لا اغفر لفصل الشتاء خطيئة !

ـ   ولكن ، الا يمكنك صناعتها وتهيئتها في المنزل.

ـ   من الممكن عمل ذلك ، إلا أنها تتطلب مزيدا من الوقت ، وتحتاج الى عناية ومراقبة ومتابعة ، وهي بالتالي سوف لا تصبح كتلك التي نبتاعها من السوق .

ـ   اذن ما عليك الا ان تبتاعي الجهاز الكهربائي الخاص بها كتلك التي تعمل في حوانيت الباعة ؟

ـ   ربما فكرت في مطالبة والدي في اقتناء واحدة من تلك الخلاّطات .

فقالت مها وهي تبتسم :

ـ   نعم ! وذلك بعد ان يكون قد صادرت ثروة والدك وأخللت بميزانية المنزل !

ـ   واذن ، فانت تعلمين البئر وغطاءه ! فلماذا السؤال ؟

ـ   ولكن يمكنك ان تشتري صغير هذه الآلات وليس كبيرها المكلّف !



( 3 )



وفي ظهيرة احد ايام الشتاء بعد ان اكتشفت حنان احدى المحلات التي كان يواظب صاحبها على صنع واستيراد المثلجات الحسنة الصيت ، كانت مها يملؤها الحبور والبهجة لتلك التي اكتست بها ملامح زميلتها فجعلت تقاسمها فرحتها في تناول الايس اكريم . .  وهما يسيران معا ويأكلان نصيبهما من المثلجات اذ تفاجأت الثنتان بأحدهم يصطدم بهما فتفادته مها حتى تحملت تبعة صدمته حنان ، بعد ان كلّفتها ما تحمل من آيس كريم فسقط من يدها وتناثر فوق الارض .

اعتذر الشاب لكن حنان لم تقبل منه اعتذارا. حقا تأكد لديها انه لم يتعمد فعل ذلك لكن الذي خسرته ليس بالهيّن التغاضي عنه ، انها كانت تكره ان يستلبها احدهم شيئا من اشيائها حتى لو كان بمقدورها شراء اخر مثله ، أو كان لا يساوي قيمة تذكر! لانه لا يروقها ان يفكر الانسان بنفسه وحده ، ولا يضع بالحسبان ضرورة الحفاظ على مصالح الاخرين والتحرز من الوقوع في الخطأ ، ذلك كله تؤمن به حتى لو كان الاضرار بها عن غير عمد ! انها تعلم حقيقة مشاعرها ، فهي تغفر للاخرين الاخطاء التي يقترفونها ، ولكن ليس بهذه السرعة ذلك ان اصطدامه بها هو الاخر وفي حد ذاته كان له الاثر السيء في نفسها ، فضلا عما احدثه من مردود سلبي عليها!

ولقد كان اشترى لها بوظة ثانية ، بدل تلك التي اسقطها ارضا رغما عنه ، ليكفّر لها عن سيئته وليثبت لها حسن نواياه وعدم تقصّده وواحدة اخرى كان قد ابتاعها لمها التي لم تفقد بوظتها لكنه رأى من الكياسة ان يفعل ! فحثّ الخطى خلفهما يلحق بهما ، الا انها لم تأخذها منه كما لم تقبل منه الاعتذار . توسل اليها ومها فعلت نفس الشيء بعد ان وجدت الشاب مصرّا على اعطائها هي الاخرى واحدة من المثلجات. .  اذ ما شك انه كان المتسبّب ، فاراد اصلاح الخطأ . لكن مها هي الاخرى ـ  بعد ان وجدت الغضب والامتعاض في وجه صاحبتها ـ تجنبته شاكرة لفضله في حسن الاعتذار وانصرفتا مع ان مها كانت مرتبكة بسبب من تصرفات حنان غير المبالية والمبالغ فيها الى حد ما كان بوسعها معه ان تجد لها ايما مبرر او عذر !





( 4 )



هاهي الان بعد سبعة اعوام قد اصبحت امرأة متزوجة وام لطفلة واحدة ، وهي ما تزال ترغب في تناول المثلجات من الآيس كريم وغيرها بل وتعاودها مثل تلك الرغبات وبالحاح متناوب ! ولكن ليس بمثل تلك الرغبة التي كانت تشعر بها تجاهها قبل الحادث . . اذ انها ومن بعد وقوعه حدث لها ما يشبه الانقلاب ! فما عادت حنان عين تلك الفتاة المولعة كثيرا بتناول البوظة والى حد الجنون والافراط ، بحيث كانت تلتمس الشبع من خلال تناولها !  لقد كانت تحبها كثيرا وتفرط في تناولها! ولكن بعد هذا الحادث الذي يمكن ان يحسب على الطبيعي لدى اخريات او لدى مها مثلا  وليس عندها ، فكان لها ان تغير رأيها في التحمس لتناولها ، وان تقلل من حجم الاهتمام بها ، مع الاعتراف بأنها ظلت مواظبة على تناولها .

ولكن ! فمع انها الان أيضا ، لا تفكر او لا تراودها حقا أي فكرة يمكن ان تمارس بحقها دورا في الرغبة او الامتناع عن أكل البوظة ، الا ان نسبة ما تلتهمه  منها اليوم هو أقل بكثير من حجم مأكولاتها منها في تلك الايام التي كانت تشتهيها فيها وعلى الدوام، والتي كانت ترى خلالها البوظة لا تمثل لديها سوى أهم شيء في حياتها بل كل شيء! اما اليوم فما عادت تهتم بتناولها الا كما تهتم بتناول اطعمة اخرى تحبها !

لا أعلم كيف امكنها ان تتغلب على حرارة اشتهائها لتناول البوظة ! أو كيف استطاعت ان تقهر ولعها غير المعقول بها حتى انقلب الحال عندها امرا طبيعيا بحيث ما عادت بعدئذ تحتل لها مكانا تُسَجّلُ ومن خلاله ، في ضمن قائمة جدول اهتمامات حنان الغذائية !



( 5 )



وفجأة التقت به وجها لوجه ! ولكنه هذه المرة يصر على اعطائها البوظة لقاء ما ضيعه من حقها في الزمن المنصرم! انه يلح عليها وهي تتمنع ان تقبل منه ولا قطعة منها! واخيرا وبسبب من الاصرار المتقابل سلبيا وايجابيا سقطت منها قطعة صغيرة باردة فوق صدرها الذي كان منحسرا في اعلاه ، إذ حدث ان استقرت فوق الخط الذي يجتمع فيه ثدياها ويلتقيان عنده ، فندّت عنها ومن دون ان تشعر شهقة كانت اثارت فيها رعشة مثلجة في تلك البقعة الحساسة من جسدها .

واذا كان الامر قد استثارها ، فان هذا نفسه كان قد منحه الفرصة والجرأة معا كي يعرب عن حقيقة رغبته بها وهي التي ما أبدت ايما شعور غريزي تجاه قطعة البوظة الباردة المثلجة ، وكأنما لم تخاطب بشرتها أي طرقة برد فجائية، وكأنما كانت على موعد معها ، فكانت تنتظر ان تتعرض لها وبأسرع مما تظن هي نفسها ! اذ مال عليها بيده يمسحها الا انه وفي اللحظة الاخيرة طرأ عليه طارئ كما لو كان قد قرر العدول عن فكرته هذه ، وبالفعل كان قد مال عليها هذه المرة برأسه ومن دون ان تبدي هي ايما اعتراض او رد فعل كما لو كانت المفاجأة قد أثارت فيها كل الرعب والفزع فألجمت فيها كل العصيان والتمرد ! فما كان منه في الوقت نفسه الا ان دفن رأسه في صدرها يبحث لشفتيه عن موطئ قدم . . ولم يدم الامر غير لحظات اذ كان قد شق لها الطريق عند مجمع ثدييها وهو يحاول ان يلتهم قطعة البوظة المثلّجة والتي كانت استقرت هناك . ولقد اثاره ان يجد لبشرتها مثل ذلك الدفء وتلك الحرارة . .

كان الامر لا يطاق ، لان هذا الامر لو يقع لأي امرأة فانها سوف تقف من فاعله موقف الرافض المتصدي وتردعه بكل قوة وكبرياء . . الاّ هي ! لانها كانت شعرت بجسدها قد بدأ يرتعش ويفقد اتزانه ليتخلى وبالتالي عن كل قدراته في المقاومة والتمنع ! وان حواسها تغيب عن الوعي دون ان تنطلق منها أي اشارة رفض معاكسة . فقد بدت خاضعة ، ليّنة مطواعة في لحظة اخرى ، لتندّ عنها وبالتالي ما يشبه الآهة المدفوعة بفعل لذة لا تباريها لذة ! كانت حالت بينها وبين منعه ونهره ، أو التصدي له وايقافه عند حدوده ! انها تغمرها الان بكل مشاعر الحب والجنس !

ولكن صورة كانت طلعت من وراء رأسه الذي كان يرومها من امام ، اذ تنبهت حينها الى صاحبها وهو ما كان الا رجلا يساوي بعلها في اليوم ! وهو الذي يختلف وجهه عن وجه هذا الذي يحكم قبضته الان حولها ، انه غيره ، واين؟

شعرت كما لو كان نقلها الساعة ـ هذا الشاب الذي كانت التقت به في الامس البعيد ـ وجاب بها انحاء الكون طولا وعرضا حتى استقر بها المقام في غرفة منامها بعد ان تعب حبيبها من دون سبق الاصرار والترصد ، وهو يجول بها حاملا اياها من قبل ان يقرّ قراره ان يلقي بها فوق فراش صاحبها الجديد وبعلها المعاصر ! راقبت الصورة المعلقة فوق الحائط ، لم يكن فيه شيء تهابه ، واحست انها تمارس حريتها، وليس له ان يعترض ، حتى لو ادخلت اخر على غرفته ، وان كانت تخشى منه التفاتة كانت ودّعتها فيه منذ زمن !

ولقد ظل الشاب يجوب في صدرها بيديه، وهما تتحسسان كل ضلع نابت فيه، تعترض اصابعه بين الحين والاخر شفتا ثدييها ، فتتوقف عندهما تتفقد صلب الرجال وما يمكن ان ينهار عندهما من جميل العزائم المشتتة ، فلم يكن أيما بدّ من جمع رحيقها بوساطة شفتيه ، وهو الذي انقلب كما لو كان يبحث عن اسباب يلملم خلالها كل جراحه الماضية فلم يجد غير هاتين الحلمتين ينكب عليهما يبسطهما داخل فيه يعض عليهما بحنو وبساطة لا يعرفها الا حاذق قد مرس يتقلب في فنون الحب طويلا، يلقن نفسه ويتعلم كي لا يذوب خجلا في مثل هذه المواقف!

ولكن كل هذا ما كان بوسعها التخلص منه، الا بعد ان كان الصبح قد ادركها، وطلع عليها نهار يوم جديد ، يحمل معه وزر حلم قاس، كانت رؤياها هذه ! فلماذا يطلع المنام بأناس ربما لم يرهم المرء ولسنين طوال ، أو تفصل الايام بينهم وبين مشاهدتهم زمنا هو ليس بالقصير ؟ فما كان يعني لها وهو الذي لا يعني لها شيئا ! أي شيء ؟ وما كان يمكن ان توحي لها صورة عابرة كانت كمنت خلف كل هذا النهار والليل ؟ او ما كان يمكن ان يثير فيها ذلك الموقف او تلك المصادفة بعد كل هذه السنين من الاستتار والكمون وهي التي اصبحت الان أمّاً وزوجة ؟ !

ولِمَ هذا الرجل بالذات . . كان له ان يحتل كل هذه المكانة الموفورة من ذاكرتها ، بحيث انه ما كان بوسعها ان تنسى طلعته ، او تخطئ في التعرف على ملامحه لو كان طُلِبَ منها ! أو ان يعترض ذهنها ما يمكن ان يصدّ سريرتها وبشكل لا شعوري ، عن التعاطي مع الحدث ـ وبالصورة والصوت ـ الذي كان اشتمل آنئذ على وجوده وتحركه غير المبيّت لهما قط !

ولماذا كان ينبغي على القدر ان ينبئها ومن جديد بضرورة استحضار كل ما تبقى له من خواطر غير متماسكة ، كانت تناءت أنسجتها ما بين عينيها ؟ لأنها وحينما اصطدم بها واصطدم بها ظلت تتفرس ومن دون ان تعي في وجهه وقسماته . كما لو كانت تصنع مثل هذا وفق ارادة معينة ، وبفعل اوامر كانت صدرت اليها ، تُعلمها بما سيحدث وما سيكون ! فاشارت اليها جميعا ان تدقق في عينيه وتركز النظر اليه ، وتطيل التحديق في رسمه ، كي لا يمكنه ان يغادر ذاكرتها وببساطة ولا في أي يوم كان ! ولكنها لم تره منذ ذلك اليوم ، فلماذا ينبغي عليها ان تتمسك بما يمكن ان يحتسب في ضمن خيوط سعادته ، وهي التي ما كانت شعرت بأي رابط قوي يمكن ان يقوم بينها وبينه كنتيجة لمثل تلك الحادثة ؟ ولا كان خطر على بالها اصلا ولا لمرة واحدة قط ، ان تعطي من وقتها ما يمكن ان تهدره في هذا السبيل ، او للتمعن في مثل هذه القضية ، ولو لمجرد الشروع بمحاولة للتفكير في امره ، والنظر في حاله ، او أن تنغمس في تمتين جزئيات شيء من هذه الصلة التي لا يجب ان يعني بها الزمان كل هذه العناية المركزة !  

أجل ! كان لناقوس مثل هذه الحادثة أن يظل يدق قويا في ذاكرتها ، كلما استعادت شفتاها حلاوة طعم البوظة، لانها ستسترجع معها طرافة ذلك المشهد من ذلك اليوم ، ولو كان للزمان ان يعبر به بعيدا ، ولو كان لها حينما يتجسد امامها ان تتذكر كيف تذمرت وامتعضت في حينها ، ثم لما عادت الى المنزل جعلت تضحك وفي سرها طويلا طويلا لمثل هذه الطرائف الحقيقية . إذ كيف يمكن لمثل هذه الحوادث أن تحصل لها هي وبالذات ! مع انها ولربما كانت ندمت وفي وقتها الكثير على انفعالها وما بدر منها تجاه الشاب الذي كانت آيات الحرج بادية عليه وبكل وضوح !

( 6 )



لا تدري كيف عادت اليها تلك الرغبة الجامحة في تناول واكل المثلجات ! هل كان لمثل هذه الرؤيا اثرها البارز في ان تستعيد ومن خلالها كل شهيتها المفقودة او غزارتها ان حق التعبير . لقد شعرت بان كل شيء حولها ينقلب الى آيس كريم وبوظة ! كل ما حولها بدأ يشعرها بضرورة تناوله لانه جميعا قد اصبح صالحا للاكل وليس هذا فقط بل انه يثير الشهية .

ومع كل هذا فقد انطوت على نفسها ، تكبت رغبة في الجنس قوية للغاية ، لم تستشعرها كذلك وبمثل هذه القوة من قبل ! ان حبيبها وزوجها لا يبخل عليها ولكنه لا يعلم بالذي يحصل لها كيما يفكر في حل اكثر واقعية ونزاهة!

لقد بدأت من جديد تفتش عن اسباب التعايش مع كل ما له ان يعيد الى نفسها ذكريات الامس ، حينما كانت تعرب عن ميلها الجارف نحو تناول مثل هذه الاكلات المحببة الى نفسها . .  حقا لم يعد بوسعها ان تكنه سرّ مثل هذه الرغبات التي جعلت تولد في اعماقها ، غير انها كانت تحاول ان تعلل كل امرها في ميل الانسان دائما الى استعادة ما فقده، ولربما كان الماضي اقوى الاشياء التي يتعرض الانسان الى فقدانها بين الحين والاخر وبكل ما تحتضنه نغماته من ايام وليال سواء طال بعضها في موج من الاعصار او قصر شيء اخر منها في اوقات غير معنونة !

في بادئ الامر غالبت نفسها ، وحاولت ان تثني من عزمها في اللحاق بركب كل هذا الماضي، والعدو في ورائه. لم يمض الكثير من السنون ، ولكنها شعرت بها عميقة ، تشكل غورا عظيما في داخلها ، تتسابق فيه الاشكال كما لو كانت اُعدّت ومن قبل لمثل هذه المنافسات . .

لِم لا تفتش عن مها وهي التي كانت افتقدتها منذ اعوام ربما عادت بها الى احلى سنيّ الدراسة .  انها كانت ولمّا تزل تفكر في هذه الازمة التي خلّفها لها فقدانها لمها ، غير انها ما كانت تخرج والى حد الان بأي دليل مقنع ، يكون بامكانه لملمة جراحها رغما عن تباريح الزمن وازعاجاته التي لا تنتهي! فكيف يمكن لمها أن تغيب ويختفي حلمها !



( 7 )



عادت تستقرئ الماضي التليد . . جعلت تتفحص فرائده ،  هالها ان تجد الكثير من الجوانب المهلهلة فيه ، وعجبت كيف كانت رضيت بها تتوزع حولها ! أتُرى هذا ما يمكن ان يحصل للمرء حين تعتريه حالة تؤكد لديه ضرورة ان  يجدد النظر في كل شيء حوله حتى ماضيه ، فيثب يقلب الطرف في خزانة ايامه ، ويلقي بنظرة  اخرى مستجدة الى ما حوت ، يحاول من خلالها ان يستكشف ما لم يبدُ لناظريه ومن قبل كما يمكن ان يتبدّى لهما اليوم ! فيطل على ما مضي من حياته ، يعاين يومياته واصحابه ، يعيد دراسة كل المواقف والاحداث ، يقرأ النفسيات من جديد ، يحاول من خلالها ان يفتش عن وفاء وخلوص في النيات ، وطيب في التعامل . .  

فهل سيكتشف مرامه ؟ ام يعول صبره فلا يقع على بغيته ؟ ! غير انه يعيد ويستعيد الصور والاحداث مرة ثانية وثالثة كيما يختبر حسن تصوراته عن الاشياء والاشخاص ، فليقي بنظرته عن كثب ، او من بعد وكما يحلو له ، وحسبما تدعو الحاجة وتستميحه الضرورات . . فيصر بصره على اطالة النظر والتحديق ، يؤصّل الصورة ومن ثم يزعج اصحابها كما لو كان يعمل على ايقاظهم للقيام والاستعداد ليوم النشور والحساب ! كما لو كان ينظر الى مفردات حياتية لأحدهم من الذين لا يمتّون اليه بأي صلة او قرابة او صداقة !



( 8 )



وان تنسى فما كان لها ان تنسى كيف انها وفي ذات يوم ، تلقّت خبر زواج مها ومن دون سابق علم واطلاع ! واذن ، فما كانت قد وجهت لها أي دعوة لحضور  حفل زفافها ، وما كانت فاتحتها ولا حتى بضرورة مشاركتها في احياء المراسم التي دعت فيها اغلب صديقاتها للاحتفال بمناسبة عقد قرانها ! ولكن صديقتها الوفية والمخلصة لم تفعل هذا ، ولم تقدم حتى على التكيف ضروريا ، وفق مجاملة خاصة منافقة ، تحافظ فيها على ظاهر العلاقة ، ولو انها والى اليوم لا تعلم أي سبب مقنع يكمن وراء علّة هذا الجفاء الذي رمتها به صديقتها الحميمة مها ، والتي ظلت هذه وفي وقتها تتعلل لها  بأنها تمرّ في ضائقة نفسية خاصة ليس لأحد الحق في ان يسألها عنها حتى لو كانت حنان نفسها !

فكيف يمكن تبرير كل هذا ؟ وهو من ضعف اللياقة بمكان ـ  كما تراه حنان ـ حتى ليصعب على أي شخص يتعرض لمثل ما جوبهت به ، لا سيما حين يتلقاه المرء من اقرب المقربين اليه وممن تعدّ أيامه الطرِبة بكل وفاء وخلوص.. فمن الصعب عليه ان ينسى ويتغاضى !



( 9 )



ولكن فان يغب عن ذاكرة حنان شيء ، فما كان لِيَغِب عن بالها كيف كانت تنبهت وفي يومها الى اساليب مها عقب تعرضهما الى ذلك الحادث ! حادث الاصطدام بذلك الشاب وبالقرب من حانوت المرطبات . .  لقد شعرت بمها عقب الحادث كما لو أنها كانت بدأت تسعى من اجل الانسحاب من رفقتها وعشرتها والبحث عن عشيرة ورفيقة اخرى . . ولكن حتى هذا لم يحدث ، بل تضاعف حالها.. ولقد وجدت مها تصر على الانزواء والابتعاد عن الاجتماع بأيٍّ من ربيباتها او اترابها حتى صارت تهتدي الى شيء من المؤشرات التي تشي بخصوصيات معينة يمكن للمرء ومن خلالها ان يخرج بحصيلة مثيرة . . فهل كانت عاشقة والحب هو الذي يجعل العاشق اكثر فتنة واغراء واهتماما بنفسه ومظهره او يدعه يفتش حقيقة عن صدر مخلص يبثه ما يعاني ويكابد . . فهل كانت مها من ذلك الطراز الذي يكتم اسراره ولا يبوح بها او يكشفها امام أي كان حتى ولو كان صديق عمره ورفيق ايامه! اذ ما وجدتها تستعيض عن رفقتها برفقة اخرى غيرها حتى يمكنها ان تنزل عند هذا التأويل وغيره !

واذن ! فما عليها الان الا أن تفتش عن مها، وينبغي لها ان تجدّ ومن جديد في البحث عنها ، لانها كانت قد تحرّت عنها من قبل ولم تعثر لها على أي عنوان او حتى رقم تلفون ، كي تتمكن من ان تتواصل معها حضوريا او تهاتفها وعلى أقل تقدير ! لكنها تشعر بعدم الجدوى من البحث ، ومع ذلك فلا ضير من ان تعيد الكرة وتحاول من جديد كلما سنحت لها فرصة !





( 10 )



ان اخوف ما تخافه هي ان تسعى الى اجتثاث الماضي وبكل اصوله من لوحة ذكرياتها.. لانه وفي بعض الحالات يمكن ان تسجل هذه المتابعات التي تتقصد تعقّب ما مضى من سنين واحوال واللقاء بأهلها ومن كانوا عايشوا وقائعها ، يمكن ان تسجل حضورا باهتا ان لم يكن ناسخا لكل ما يعدّه المرء اياما يتحف بها ذهنه ويطرب بها اشجانه كي تلهو عنه ويتسلى بها عن مقارعتها ! لان الاحوال تتغير والناس يتقلبون والاشياء بشخوصها ورموزها ربما كانت تظهر وحين وضعها على المحك واقعا جديدا كما لو كان لنفس المرآة ان تمتنع عن عكس الصور فيها ! وحينذاك سيكون من الصعب على الشخص الذي يهمه امر مثل هذا القاموس من الذكريات وهو منشغل في التفتيش فيه ان يصطدم بحقائق ربما عدّها اغرب من الخيال ولو كان له ان يحتمل من الشخص الفلاني جفاء معينا او سلوكا خاصا الا انه حقا سوف يستغرب حجم هذا كله كيف له ان ينقلب فجأة ومعه كل هذه القرائن الغريبة !



( 11 )



استطاعت ان تعثر على عنوان مها ، ما تأتّى لها ذلك الا بشق الانفس بعد ان استيأست وبشكل تام من ان تقف ولو على شئ يسير بامكانه ان يدلها على صاحبتها! ولكن ها هي تصف قدميها امام عتبة دارها ، تحاول عبثا ان تمسح فردتي حذائها مما علق به من الطين والوحل خوف ان يتسخ بيت مها وزوجها ! بعد ان رن الجرس في المنزل ، ما كانت الا لحظات حتى كانت حنان تدلف الى داخل المنزل . . لقد فتحته من الداخل دون ان تجشم نفسها عناء الوصول الى الباب .

ـ   من ! لا اصدق . . كيف اصبحت يا هذي . . صدقي او لا تصدقي بحثت عنك كثيرا ولم اعثر عليك حتى تمكنت اخيرا بعد ان تشرّبت باليأس وشككت حقا في الوصول اليك. .

قالت حنان ، فأجابتها مها :

ـ   انا الاخرى كنت ابحث عنك !

ـ   اما انت فلا ! لانه ما عليك الا ان تتصلي ببيت ابي وتطلبي منهم رقم هاتفي او عنواني الكامل وهم كما تعلمين على اتم دراية بصداقتي بك .

ـ   واذن ، فما عليك الا ان تفهمي ظروفي التي حالت دون الاجتماع بك من جديد.

ـ   ربما كان عليّ ان اسامحك لأنك تدركين انه لا وقت لدينا للعتاب .

قالت ذلك حنان وهي تفهم ان مها ليست بالمرأة التي تنطلي عليها امثال هذه المجاملات فتواصلت معها دون اسهاب :

ـ   واين زوجك . . وهل  . . والاولاد ؟

فقالت بفتور :

ـ   اني لا انجب .

ـ   حقا . . ولماذا ؟

ـ   لماذا لا نعالج انفسنا ؟

ـ   بالضبط .

ـ   ما فائدة البحث عن علاج للعقم .  او ما الداعي الى مثل ذلك ،  وانا لا امتلك رجلا!

ـ   ماذا ؟

ـ   اني تزوجت من دون ان ارى أي رسم لرجل .

ـ   ماذا تقصدين ؟

ـ   اقصد اني لم اتزوج .

ـ   اووه . . أحقا هذا الذي تفوهين به ! وكيف ؟

ـ   مرة اجده يفد علي ومرة لا يأتيني .

ـ   من هذا ؟

ـ   بعلي !

ـ   انك تحيرينني بل تقودين بي الى الجنون.. اقول هل تتكلمين بالالغاز ؟

ـ   لاني امرأة ولست زوجا من النساء فهو كذلك..

ـ   كيف ؟ انا لا افهم !

ـ   اني تزوجت ولكني ارى نفسي كالعزباء . . فأنا لا اختلف عنها كثيرا .

ـ   لماذا . . ما الذي يحصل بينكما . اخبريني .

ـ   انه ليسعده ان يجد اخرى تسد الفراغ الذي يحدثه رقمي المفرد الذي ينتمي الى صنف الآحاد .

ـ   اذاً . .

ـ   هو يريد اخرى تجعله ينساني كلما رآها ، وينساها كلما يراني !

ـ   شيء غريب وليس بالغريب . فالرجال طموحون!

ـ   حقا !

ـ   بالفعل !



( 12 )



ذات صباح نهضت حنان على صوت الهاتف . رفعت السماعة اجابتها مها :

ـ   هل يمكنك ان تزوريني اليوم يا حنان!

ـ   اليوم ؟

ـ   اجل .

ـ   وهل ثمة ضرورة .

ـ   وهل يجب ان تكون ثمة ضرورة كي التقي بك ونجتمع معا .

ـ  كما تريدين . . سأوافيك عند العاشرة.

ـ   بل التاسعة !

  

( 13 )



ـ   سررت جدا لمقدمك .

ـ   اشكرك يا مها .

قالتها حنان وهي ما تزال تشكك في نوايا مها . فابتدرتها هذه قائلة :

ـ   نسيت ان اسألك ، ما الذي رزقك الله ؟

ـ   ابنة !

ـ   فليحفظها الله .

ـ   اقول هل لك ان تغيري ملابسك وتريحي .

ـ    لماذا ؟

ـ   اليس الافضل ان نجلس كما نحب بعيدا عن الرسميات ؟

ـ   نعم ولكني لا اريد العودة متأخرة .

ـ   سوف لا تتأخري .

ثم تابعت مها القول :

ـ   سألقي عليك قولا ثقيلا . . اني احتفظ ببوظة في البرّاد .

وببرودة :

ـ   ذهب الامس وها نحن نتشرف بجديد يحمل نفس سماته ! لكن من دون ان نحلم نفس الاحلام ! اني ما زلت مولعة بحب تناول المثلجات، ولكن ليس بنفس ذلك المقدار من الولع الذي كنت اواظب عليه ايام كنا معا في المدرسة . هيه ! كانت ايام !

ـ   لا عليك سأعيد سيرتها الاولى !

نهضت وجاءت لها بشيء مما تحب من تلك المثلجات، فشرعتا بتناولها ، وبعد لحظات انتبهت مها الى صوت حنان وهي تهب لمجاذبتها :

ـ   في بالي يدور سؤال ملحّ ! هل لك ان تجيبينني عليه وبصراحة !

ـ   تفضلي .

ـ  لماذا تخليت عن صداقتنا القديمة ايام كنا سوية في المدرسة !

ـ     ؟ !

ـ    فهل بدر مني ما يريب أو ما يسيء؟!

ـ  اني اردت الاعتماد على نفسي وحسب . احببت ان استشعر حالة من  الاستقلالية ، ورغبت في العيش خارج محيط افكار العرف التقليدية التي تثير الجدل دائما !

ـ   وهل كنت حجر عثرة امامك ؟ هل رأيت مني ما يسبب أي احراج لك ؟ بل على العكس فلو كنتِ صارحتني لكنتُ سعيت لمساعدتك !

ـ   على كل حال . . الامر كله لا يهم . فما مضى لا ينبغي التصدي له وتقليبه فلكل حال مقام ولكل مقام مقال. . دعينا . . ما لديك وما اخبارك فان من الاكيد انك لم تحاولي ان تتعيني وفقا لشهادتك التي حصلت عليها من الجامعة . لقد شغلك بيت الزوجية واصبح هو مؤسستك التي تعملين فيها ليل نهار! اليس كذلك ؟

ـ   بالضبط . وهذا ما اراك انت الاخرى عليه ايضا !

ـ   بالتأكيد ، فانا كذلك كنت مشوقة لأن تكون خدماتي مقصورة على دائرة منزلي وان انقل كل ما تعلمته من دروس ونظريات في مختلف سني عمري داخل صفوف الدراسة سواء الجامعية منها او الثانوية وحتى الابتدائية . . انقلها الى غرف المنزل وصالاته لأدعها تحتك بأذهان ساكنيه ونزلائه !

ـ   جميل !

ـ   صدقيني يا حنان كنت وما زلت احاول ان اترجم خلاصة تجاربي وما حصلت عليه من علوم ، أو اكتسبته من دروس وعبر . . وكل ما تعلمته في سني الماضية،  كنت ولما ازل احس بالمسئولية تجاه اسرتي وعائلتي ، فأيقنت بضرورة وأولوية العمل والاشتغال في دائرة منزلي قبل مزاولة ذلك في أي دائرة عمل خارج المنزل.



( 14 )



عادت حنان الى المنزل ، بعد ان كانت قضت وقتا ممتعا في بيت صاحبتها مها . في تلك الليلة شعرت ان الليل هو آخذ بالاتساع ، كان لا ينتهي عند ساعة معينة او اخرى..  لم يكن يتوقف ولم يكن يتحرك الا بملء ارادته !

هي الاخرى شعرت بالارق بدأ يتناول جفنيها ، اخذت الفاصلة ما بينهما تزداد.  اعتراها احساس بأن الليلة ليلتها ! وحبيبها لم يصل للتو . .  أوف انها قد اصبحت دائمة النسيان . فها هو يغط في نوم عميق . لا يكاد يشعر ولا حتى بسهادها وجفائها للنوم ! لم تعد الاشياء من حولها تحمل وزنا رفيعا .

تذكرت كلمات مها ، استثارتها ببسمة عابرة ، سرعان ما امتزجت بمقت . تبخرت ابتسامتها وانقلبت اشلاء عائمة ، لكنها فجأة اجتمعت  بعيدا ، هناك حيث يقف الباب بانتظار من يسرّح الطرف اليه ! كانت تخال ان تجد صورة لوجه ترتسم هناك خلف الباب ، سيكون لها ان تخترق سلطانه لتنتصب عارية امامه هذه المرة !

وبالفعل كانت مها ، ارتعدت لِما وجدتها عليه ! كانت تحمل مثلجات . بسمة فوق شفتيها تعانق سكون غرفة حنان التي التفتت بدورها الى زوجها فلم تجده في المنام ، لكنها كانت قانعة ان اذنيها ما تزالا تصغي بدفق الى صوت غطيطه الواضح.

في لحظة واحدة . توجب على حنان ان تكتشف وجهة مها بدل ان تهتم بغرابة شأنها وكيف حضرت في غرفتها وكيف كان لها ان تدخل وما غرضها بل ما الذي دفعها الى ان تكون على مثل تلك الحالة التي رأتها عليها . لانها لم تجد ثوبا تستتر به! غير انها سرعان ما أفاقت من لجة افكارها على يد تسقط باكتئاب فوق كتفها ! التفتت خائفة مذعورة . سرعان ما تراجعت منكسرة . لم تعد تفهم سرّا لكل ما يحدث حولها ، انه رجل يستتر بلون من الوان الظلام التي تشتهر بها غرفتها الحالمة ! ولكنه لم يدعها تنتظر ، فسرعان ما وثب اليها بخطوه ،  فأحاط جسدها الوجل . لم ترفع بصرها اليه ، لانه كان متسمر فيه . لم تحد عنه قيد انملة. لم تعد تراه . لانها ما عادت تسيطر على حدقتيها . انها تبصره ولكن الخوف لجم حاسة البصر لديها فلم تعد تميز معالم وجهه ليكون بمقدورها حالئذ ان تتميز شكله وبدقة !

لكنها وفي اللحظة الاخيرة استطاعت ان تستعيد رباطة جأشها بعد ان تمالكت نفسها ولملمت شتات افكارها التي قادتها الى ان الشخص لا يمكنه ان يكون سوى زوجها نفسه الذي غادر فراشه والان يعود اليه من جديد !

تذكرت طعم البوظة المثلجة ، نهضت من مكانها بعد ان ايقنت ان مها ما كانت الا وحي خيال ليس الا ! ذهبت تلتهم شيئا من تلك المثلجات التي كان لها ان  تعثر على بعض منها في ثلاجتها ! وحالما وقع نظرها عليها ، تذكرت انها كانت رأتها قبل قليل . . أجل قد ابصرتها بيد. . بيد مها! ألم تكن حلما فكيف كان لما تحمل ان يستقر في برّادها ، وانه غير الذي عهدته من تلك المثلجات التي كانت القتها فيها من قبل !

عادت الى الغرفة دون ان تتناول شيئا . لكنها كانت تحمل في يدها قدحا كبيرا ممتلئا ! وحالما دلفت الى حجرتها سكبت ما كان في حوزتها فوق السجادة التي كانت تفترش المكان! ما فعلت ذلك بملء ارادتها ! ولكنه كان امرا عسيرا، احست بالغثيان يرغمها عنوة  ، افتقدت الى كل احساس بالآدمية ! لم تعد تشعر الا بقسوة ملتهبة ، كانت احالت برودة يدها الى حرارة داهمة ! شعرت بانها اصبحت جزءا من المشهد الذي صهر فيها كل الوان الانبهار والدهشة ، كل شيء استحال لديها الى صور عادية بعد ان تفاجأت بوجه مها وهو يفرض عليها حالة عادية يمكن لأي امرأة ان تعيشها مع من تحب . . ولكن ليس على فراشها ! لماذا فراشها ؟ وبعد كل هذا وذاك ، فلماذا كان رجلها هو الذي يلعب دور الحبيب مع مها ، يتقلب عاريا فوق جسدها كي يخفي عريها! انه حقا لماكر وخبيث ! هل يمكن ان يتنبه شخص الى مثل هذه الالعوبة والاساليب ؟ ! ينازلها باسم الحب ، يلاعب امرأة تركها تحتل عرش الحب لديها ، حتى شعرت انهما كانا يفترسان بكارة سريرها وبالرغم منه ، وصوت الحب الناجم عن ممارسته ما كان الا ليقض نومة وسائدها حتى غلب الصوت الناجم عن انبعاث أنفاسهما المكرورة على الصرير الذي كان يندّ وبحرارة عن اهتزاز السرير نفسه !

غير انها وتحت سيل كل هذا الموقف المهول والمشحون بنبرة لا ترعش الا تحت سيل من المخاوف الملتهبة ، كان لها ان تعود الى وعيها وتتذكر ان احساسا بالبرودة قد استفاق في صدرها العاري ، وقد بدأ يقض مضجعها وينقلب لؤلؤة ساحرة ، تعبث ما بين ثدييها ، تعاود طرح لغزها ثانية ، لان الثلج  كان ما يزال يسّاقط وقطعة من البوظة المثلجة كانت وما تزال تعشعش فوق عرشها، هناك حيث يقف نهداها طيّعين ! غير ثملين! اذ ما برحت قطعة جديرة بالالتهام عالقة ثمّتَ! تنتظر من يمسك بها بشفتيه دون ان يبحث له عن وقت اخر يصرفه في شأن  آخر ! لأن جسدها كان قد القى بكل شرنقته جانبا وتخلى عن حيائه ، وألف ما يحيط به فوثب دون خجل ولا وجل يحمل ثديين رائعين فوق جبل الرمّان !



تمت بعون الله تعالى



مع تحيات جمـال السـائح

14 رمضان ـ 8\ 11\2003

Almawed2003@yahoo.c

View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: