حوار كاظم حسوني مع كليزار أنور في مجلة الشبكة العراقية

 

القاصة والروائية كليزار انور:

اعوض بقلمي ما افتقده على ارض الواقع

أجرى الحوار: كاظم حسوني

 لعل أبرز ما تميزت به كتابات القاصة والروائية كليزار أنور، الرهافة الشعرية والعذوبة التي تلامس الأعماق عبر لوحات قصصية غنية بالبوح والايماءات، كأن قصصها استلت من عالم الداخل ونبض الوجدان.

فالأحداث والمعاناة المفعمة بحسيتها أبرزت الحياة الخفية المختلجة في دواخل الشخصيات. تجسد ذلك في اصداراتها القصصية من بينها (بئر البنفسج) و(عنقود الكهرمان) و(قاتلة على الهواء) مجموعتها التي ستصدرضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013.

فضلاً عن روايتها (الصندوق الأسود)  التي تميزت بمشاهد شديدة الغنى والتنوع، تخفق بالانفعال الانساني وصدق الإحساس.. وللدخول إلى عالمها التقينا الروائية المبدعة كليزار أنور وأجرينا معها هذا الحوار.

 قصصي مدونة

◙ متى تكتبين القصة؟

  صدقني ان قلت لك باني لم اكتب اغلب القصص التي كتبتها، بل وجدتها مدونة، في ذهني، كنت اراها مواقف كردة فعل من انتهاك حيوي قد حصل، فغالباً ماتكون الكتابة عندي ردّ فعل دفاعياً، فانا ابتكر الجمل الجميلة لاقلل من وطأة هذا الزحام البشري، الخانق المليء بالحروب الاقليمية، اجدني ارسم عالماً ملوناً جميلاً عندما ارى الواقع خالياً من الالوان، عندما تغيب الفراشات والورود والعصافير، في الحدائق، تتحول الصورة الى مادة محركة تدفعني لان ابتكر عالماً ارسم فيه ما ينقص تلك الحدائق التي احضرها فحياة بلا حدائق خانقة، وحدائق بلا تأثيث هي ليست حدائق بل مساحات قفراء. دائماً اعوض بقلمي ما افتقده على ارض الواقع.

أجد قلمي يركض عبر المروج التي قرأت عنها، ليأتي باللون الاخضر وبهجته، ويجول الغابات ليجلب لي منها احلى الازهار البرية، ويختار دائما احلى زقزقات العصافير، هكذا تاتي الفكرة مثل البرق تحدث بومضة واحدة، فإن لم تستطع إمساك الفكرة في لحظتها، فإنها ستنتهي، لذا كلما أتتني فكرة جديدة أجلس لتدوينها في لحظتها، ثم أتركها تنمو في مخيلتي وأغزل عليها إلى أن تنضج.

 المختبر الاول

◙ ماذا تمثل لك روايتك الجديدة "الصندوق الأسود"؟

  حالة انتصار الانوثة على الم كان يعصف بها، "سمها" تجربة تدوين سيرة الالم الذي يجرح كل امراة رغبت بالانجاب ولم تستطع، كما جرح بطلة الرواية، التي كانت تحمل احلاماً كبيرة، عندما ضاعت احلامها، لم تهدأ الا عندما خلقت عالماً روائياً يساوي موضوعياً ما ضيعته منها الايام، لقد انجبت هذه الرواية بعد ثلاث مجاميع قصصية وشعرت بأنها الخطوة الحقيقية في اكتشاف قلمي.. إلاّ اني أعتبرتها المختبر الاول لصقل موهبتي في فن السرد.

 تفاصيل جميلة

 ◙ في كتاباتك القصصية تستحضرين ذكريات الصبا والماضي بحميمية ولغة وجدانية.. ما تعليقك؟

  نزلتُ من الجبل وكان يرافقني نثيث ماء واشجار دائمة الخضرة، ازهار عامرة الصفاء، كروم طيبة، جوز، تفاح بساتين دائمة العطاء. جئت من "العمادية" كايّ كردية مفتخرة بما وهبها الله. وعشت في مدينة كمدينة "الموصل" التي تحمل كل هذا الارث الحضاري، والانساني.

 هناك حكمة تقول: "كلما ابتعدنا.. اقتربنا أكثر" والأديب بصورة عامة كلما كبر في السن، فانه يرجع ليدون أبعد النقاط في سيرته وحياته، وأنا عشت طفولة هادئة جداً وراقية وحميمية وصادقة المشاعر والمحيط.. أعود اليها وكأني أستيقظ من حلم، وأريد أن أتذكر تفاصيله الجميلة.

◙ تقتربين من الشعرية في سردياتك؟

  كلما يحتكم الكاتب على المعنى الكامل في جملته، يكوّن المعنى متانة العبارة التي ينداح منها الانسياب، وكل انسياب هو شعر.. الشعر لغة منضبطة، الشعر هو موسيقى الحياة.. هل تستطيع أن ترى فيلما سينمائيا من دون موسيقى تصويرية! "الشعرية التي تقصدها أنت" هي تلك الموسيقى "الهارموني" لقصصي أو لنصوصي عموماً.. تقربني كثيراً من القارئ الذي تؤشره "جوليا كريستيفا". اجدني أعتني كثيراً بصفاء جملتي، فالسلاسة والعذوبة، لامستا أعماقنا بوجدانيتهما الصادقة.

سيرة أحلامي

◙ قصصك تبدو للقارئ كأنها سيرة ذاتية.. ما رأيك؟

  بالتأكيد انها سيرةُ احلامي، وطموحاتي، وكما هي سيرة محيطي. انها سيرةُ زمان مررت به عبر خيالي، اجدت فيه التقمّص لاجعل القارئ يقتنع بالذي كتبته اليه، بكل جدية، فصفة الابداع الاولى ان تكون مقنعاً، ومدافعاً بقناعة عما تؤمن به. قصصي عدة وجوه لصديقاتي، وزميلاتي تنبض بالسحر والبطولة، ممزوجة بما كتبت من الخيال. كذلك كتبت العلمي والفنتازيا وللأطفال وحتى التأريخية، صدق الأسلوب وشفافيته، جعلاني أستخدم (ضمير المتكلم) حتى يستشّف القارئ بأنها حكايتي..

◙ ما الفرق بين القصة والرواية في اشتغالك السردي؟

  اشكالية التجنيس النقدي قائمة بين السواد الاعمّ من اجيال النقاد. لكنني ارى بان القصة.. هي توهج لحظة معينة.. حدث واحد، وربما زمن واحد، ومكان واحد.

 لابد أن توصل رسالتك في كلمات قليلة. بينما الرواية مجموعة احداث مترابطة، متواشجة.. حياة كاملة (زمان ومكان وتاريخ) تمنحك حرية واسعة، وأفقاً غير محدود، بامكانك أن تقول فيها كل شيء حتى أبسط تفاصيل الحياة الدقيقة.. وهذا الذي يمنحها العمق.

 الرواية تجري معي

◙ تناهى الى علمي بانك تعملين على أكثر من عمل روائي، لماذا؟

  الرواية تعمل في ذهني وتجري معي.. ساقول "نعم".. ترقد في أدراج مكتبي عدة مشاريع لروايات جديدة.. هي في حقيقتها سيناريوهات لروايات مستقبلية. حتما لن أكتبهن دفعة واحدة، لذا بدأت بالتي موضوعها مغاير تماماً لموضوعتي في الروايتين السابقتين لي، وضعتُ الخطوط العريضة لها، وأسستُ هيكلها الخارجي، ولم يبق لي سوى إكسائها بالتفاصيل المعرفية الدقيقة وهي التي تمنح الرواية متانتها.

◙ برأيك ما عوامل نجاح العمل الابداعي؟

  بنظري ورايي المتواضع.. بأن المعرفة هي اول عوامل نجاح أي عمل ابداعي، كل عمل ثقافي يجب ان يعطي لقارئه معرفة، فالقارئ لابد ان يتحصل على معلومة ثابتة، وراسخة.. النص العاقل يقرأه الفرد منا ليكتسب منه علماً، وفائدة.

 النص هو الإيمان بما تقدمه، بالصدق يمكن غواية القارئ المثقف.. كما يذهب "رولان بارت"، لاجل ان يصل الى عموم القراء، فالصدق، دائماً، هو السبر الوحيد الذي يستطيع أن يبني علاقة احترام بين القارئ وما يقرأه.

◙ أين مكانة الرواية النسوية الجريئة لديك؟

  روايتي (الصندوق الأسود) يحكم على مدى جرأتها المتلقي وأظنني قلت ما أردت قوله دونما تردد أي ضمن معايير الابداع الأدبي أما البعض من الكاتبات فأنا ارى جرأتهن افتعالاً وغالباً ما يؤدي الى ضياع ثمرات الابداع.

 بعضهنّ عندما يفتعلن كشف الجسد، يبتعدن كثيراً عن الغور في عالم المرأة الحقيقي. المرأة ليست غامضة، ولم تكن مقصيّة عن الرجل، فهي ليست كائناً جديداً، وليست في حاجة لذلك الكشف الفاضح.

 

·        نُشر الحوار في مجلة (الشبكة العراقية) في عدد شباط/ 2013.

 

View gulizaranwar's Full Portfolio