حوار الإعلامية المغربية عزيزة رحموني مع كُليزار أنور

الروائية العراقية كُليزار أنور لـ( اليوم بريس): حياتنا في العراق تحولت إلى حب ورعب


أجرى الحوار: عزيزة رحموني


كليزار انور" اذا تفتَّحَ قلبُها لنا ، ما الذي تسمح لنا باكتشافه ؟
ج/ نصوص الحياة مفتوحة امامي، نصوص حياة مزدحمة، بالحروف المفتتنة بالحيوية، متفاعلة بكل فرد منا يحار، ماذا سيقرأ من الكتب، وسيشاهد من الفضائيات. فالكتب صارت تأتي عبر النت بلمسة واحدة، وسط هذا الزحام، وهذا المزيج من الالوان. حياة الاخرين في الكتب، قلبي مفتوح له وللحياة والناس, لذا لم يبق شيئاً لم يُكتشف بعد, سوى الطموح والأمل في أن أصل بقصصي ورواياتي إلى أبعد نقطة يتخيلها إنسان.
- بين القص /السرد / النقد يجري قلمكِ ، أي المواضيع تلامسينها و لماذا ؟
ج/ بدأت قاصّة، اغترف من الواقع وأبحر في الاحلام، سرت في دروبها الشائكة، والشاقة. حتى قادتني مساراتها العصية إلى درب الرواية الرائع جداً، والأهم. صرت على يقين بأن عالم بلا رواية، هو عالم ينقصه الوصول الى مفرداته الاولى، الرواية استحوذت عليّ فملكتني، وصرت افكر بالرواية التي سأكتبها، مصرة على ان اتجاوز عقبات تجربتيّ الماضيتين.. صرت اخذ انفاسي فيها وعبرها, فوجدت باني كتبت النقد الانطباعي عن الروايات والمجاميع القصصية التي أُعجبت بها, فأردتُ أن أنقل هذا الإعجاب للقارئ تحفيزاً لقراءتها. كل كتاباتي قصة أو رواية أو نقداً تدخل من باب السرد الذي أعشقه.
- "بئر البنفسج" و "عنقود الكهرمان" أي النبضات او أي ذبذبات وعْيِك تضَمَّنتْ ؟
ج/ كل البدايات جميلة وصادقة، تلك البواكير هي اول لبنات بناء العقل وتعاطيه مع المخيلة.. وهي البذرة الأولى التي تنمو مع الأيام لتصبح شجرة وارفة الظلال, فالأشجار العظيمة كانت ذات يوم بذرة صغيرة زرعها _ربما_ سنجاب صغير ومضى. وقصصي في "بئر البنفسج" كانت كالماء العذب ابتكرتها لأجل أن أروي ظمأي و "عنقود الكهرمان" الذي طوقت به جيدي لأستطع ان اخذ العالم بسحره حيث اريد، كان الحلم في الكتابين هو ما حرمت منه في الواقع، كانت الكتابة تعطيني ما لم استطع نيله. كانت بذور الموهبة التي نمت مع الأيام دون أن أُخطط لها وها هي اليوم مزروعة على الورق وصفحات النت تترجمني وأترجمها.. أتباهى بها وتتباهى بي.
- عجلة النار. رواية جاءت بين مجموعتين قصصيتين، لماذا هذا الاختيار في الكتابة؟
ج/ القاص.. وأي قاص, ومن أول قصة يكتبها.. عينه على الرواية, فهي امتداد سردي للقصة. وكانت رواية "عجلة النار" التجربة الأولى لي أو المختبر الذي علمني كتابة فن الرواية. وروايتي "الصندوق الأسود" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ 2010 أيضاً جاءت بين مجموعتين قصصيتين, بين "عنقود الكهرمان" و "قاتلة على الهواء".
- الحب و الرعب هل يتجاوران ؟
ج/ نعم.. في العراق.. نعم الحب والرعب يتجاوران, بل يمشيان معاً. تخيلي.. عندما يحدث قصف أو انفجار وأحد أفراد عائلتك خارج المنزل.. حبك له والرعب الذي يولده خوفك عليه من أن يصاب بمكروه.. لذا أقول نعم في ميداننا الاقليمي حياتنا تحولت بكل لحظاتها إلى حب ورعب.. نحن نحب العراق بكل ما فينا من محبة، وفيه بقينا مرعوبين الى حد الانكسار..
- البيت القديم ما إعرابه في قلبك؟
ج/ انه الوطن.. والمنزل الأول.. حيث لا مكان يعرّب المكان، فهو الذي يعربنا مَن نكون, نحن امام الامكنة الهائلة فهي اكبر من قاعدة الاعراب البلاغية، لن تعربها مدارس الكوفة او مدارس البصرة، تلك مدارس الاعراب التي لا يُفتى وعلماؤها في المدينة. فانا عراقية فيها. وقصة (البيت القديم) كتبتها عرفاناً بالجميل للمدينة التي ولدت فيها. (العمادية) تلك المدينة الكردية العريقة التي تقع في أقصى شمال العراق، في يوم ما كانت نقطة ابتدأ منها التاريخ، مدينة تستقر على قمة جبل و يعود تاريخها الى العصر الآشوري, وفي العصر العباسي كانت تُلقب بِـ(إمارة بهدينان). مدينة جميلة لم تفقد من جمالها برغم كل شيء.. انها مدينة الفعل والفاعل والمفعول به.. هكذا هو اعرابها في قلبي.. وستبقى أحلى مدينة في عينيّ وقلبي.
- طفولة بلا إعمار هل تجوز؟
ج/ "طفولة بلا أعمار" وليس (إعمار) من (عُمْر) فالهمزة التي وضعتِها هي التي توجه السؤال إذ غيرت المعنى (360) درجة. كنت اود القول بان الطفولة كذاكرة ممتلئة بالتجربة، او طفولة فارغة من التجربة، من تعلم صغيراً اعطى في مسيرة الكتابة المليئة بالعطاء. طفولة بلا أعمار مقالي النقدي عن مجموعة القاص العراقي علي حسين عبيد, وقد تضمنت أغلب قصصها روح البراءة والصدق, وحتى أبطالها من الأطفال والصبيان, لذا توجتُ مقالي بهذا العنوان المناسب لها, ففي داخل كلٍ من _نحن الكتاب_ يرقد طفل يرغب باللعب والمشاكسة.
- طريق الى القلب أو نوافذ للذكرى ايها تدخل منه الشمس أكثر ؟
ج/ أي نَصٍ سرداً كان أم شعراً إذا لم تدخل من نافذته الشمس لا يسمى أدباً، الشمس تعني الموقف بحياد من هم في هذه الحياة. النص يعني ان يعالج بدراية فنية، بتشويق، وبكلمة نقية صافية ستصل الى قارئها بكامل وقارها.
- الأسئلة الصعبة هل يسهُلُ سَرْدُها أو مناورتها ؟
ج/ كلما فهمنا الحياة أكثر سهل سردها, لذا أجمل النصوص هي التي كُتبت بطريقة (السهل الممتنع) والتي كانت بالأساس أجوبة لأسئلة صعبة تراوغت كثيراً بأعماق كاتبها قبل أن تنزل على الورق، الحياة المفترضة على الورق، لها مسارها الذي غالبا ما اجهد ككاتبة حتى اسطره على الورق، فتبث الروح في الورق، يحاورني، يتمرد عليّ، يشاكسني، فأتملص من سطوته لأحرر نفسي بكل ما فيّ من طموح للحرية.
- للصمت آبار . بأيّ الدلاء نستقي منها همسا آو وشوشات ؟
ج/ لكلٍ منا بئره العميقة.. تهمس, توشوش.. لا فرق. أتعرفين.. بأن حتى للصمت صوت.. أحياناً أصغي لحفيف القلم وهو يخط ألمي على الورق.
- حقيبة الوطن هل تكون للسفر منه أو اليه؟
ج/ تصلح في كلا الحالتين.. والسفر منه أو إليه يُشقي حياتنا بالغربة، الوطن هو اصدقاء نهضوا من الكتب.. كل أبطال الروايات العظيمة سافرت اليهم او هم اتوا اليه من الكتب، صرت اعرف رائحة الكتب، انها ذاتها رائحة السفر، ورائحة الغربة !
- النصف بالنصف متى تجوز هذه الجملة؟
ج/ هي جملة أنانية لآخر حرفٍ فيها.. عندما تشعر بأن الآخر _وخاصةً القريب منك جداً_ (صديقاً, زميلاً أو حتى حبيباً) يريد أن يستولي _وبدافع الحب طبعاً_ و يُصادر نصفك!. انها صرخة احتجاج، بقي صداها يتردد في ازمنتي الذاتية.
- لحن العاصفة ماذا يغني بين دفاترك؟
ج/ يُغني لذكرى انحنيتُ فيها لأول مرة. انها حكمة قديمة.. حتى الأشجار تنحني للعاصفة.
- همس الحجر كيف تصغين إليه ؟
ج/ أصغي للزمن المنحوت على أخاديده, مثلما أصغي لأخاديد وجه شيخٍ طاعنٍ في السن! كل أخدود يحكي حكاية ويسرد هماً ويفتح جرحاً لا يعرف الالتئام.
- اللحن المسافر منك إليك كيف يدندنُه قلبُك؟
ج/ لأقل لكِ شيئاً شعرتُ به من أسئلتكِ والتي كانت _أغلبها_ من وحي عناوين قصصي.. اكتشفت بأن عناوين قصصي كلها ألحان وذكريات وورود! إذن.. شيء جميل ما أفعله.. اني دعوت الآخرين إلى حدائق روحي دون أن أدري. والحمد لله يبدو بأنها حدائق غناء طالما فيها كل هذه الزهور والطيور والألحان الشجية. وأنا أشكركِ لأنكِ أثرّتِ فيّ هذا الشعور الجميل.
- جيش الفراشات إذا صادفك ، كيف تقابلينه؟
ج/ هناك قول مدهش للشاعر محمود درويش يقول: " أنا من رأى سرباً من الحشرات يصطاد القمر"، أنا أخاف حشرات الواقع _ما عدا_ الفراشات, ولكن في حلم الكتابة لو قابلني (جيش الفراشات) الذي كان من وحي خيالي.. لرميت نفسي بينهم ولتمنيت في لحظتها أن أتحول إلى فراشة بيضاء تضيء بين سربهم.
وشكراً لكِ وشكراً للمغرب.
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
نُشر الحوار في جريدة (اليوم بريس) في العدد الصادر يوم السبت 12/ 5/ 2012

View gulizaranwar's Full Portfolio