دراسة الكاتب خالد علي ياس عن قصة عنقود الكهرمان

 

 

 

 


القصة العراقية...ومغامرة الخيال العلمي

خالد علي ياس
مما لاشك فيه ان الادب بشكله العام ـ لاسيما الادب السردي ـ يقدم في اغلب الاحيان اجوبة نابهة ومرهفة عن مجمل الاسئلة المطروحة في محيط نشأته، وبالتالي فانه ينقل ويقدم انعكاسا لتجارب انسانية معينة، في زمان ومكان محددين، وهو ـ اي الادب ـ حسب آليات عمله المعروفة يستفز الخيال وكل متغيرات الوسط الذي يحتويه بشكل خلاق لكي يمارس دوره الحقيقي من خلال الاهتمام بهذه المتغيرات، ثم استخلاص جوهر العلاقة بين المبدع وعالمه على وفق الخيال الجامح
.من هنا اخذت ملامح جديدة تظهر في (عالم القصة العراقية)، اذ اختطت لنفسها طريقا وسط الخيال واللامعقول منذرة ايانا بهجوم او زيارة ودية مدبرة من قبل مخلوقات فضائية غريبة قادمة من عالم مجهول الى العالم الارضي، ولعل هذه الملامح او ما يسمى (ادب الخيال العلمي) ظهرت في القصة العراقية بتأثير واضح من (القصة الاوروبية)(1) التي ظهرت فيها الملامح المشار اليها بشكل سابق للقصة العربية (العراقية)، وقد ساعد على ظهورها فيها ـ اي القصة الاوروبية ـ الثورة العلمية والصناعية التي انبثقت على يد علماء من امثال (تشارلس دارون، انشتاين وغيرهم)، واهم الكتاب ممن اشتهروا بهذا الادب (ميري ثيللي) (برواية فرنكشتاين) و(ادجار الن بو) بعالمه الغامض، وهما قد وضعا الاسس الاولى لهذا الادب، فضلا عن رواد هذا الادب مثل الفرنسي (جول فيرن) بروايته (حول العالم في ثمانين يوما)، وغيرها والانجليزي (هربرت جورج ويلز) بروايته (الة الزمن) و(حرب العوالم) وغيرهما.
وقد شهد الادب القصصي في العراق محاولات في هذا المجال كقصة رؤوف وصفي القصيرة (غزو من عالم اخر ـ 1980) ورواية د. طالب ناهي الخفاجي (بداية بعد نهاية 1985) وقصة (الغريم) لمنير عبدالامير فضلا عن محاولات في ادب الاطفال جاءت على شكل (قصص علمية) للناشئة مثل الخاتم العجيب لميسلون هادي وكوكب كريستلا لصالح مهدي وغيرها، وهي قصص لم ترتق لتكون ضمن الخيال العلمي بأسسه المعروفة كونها لم تقدم مخلوقات فضائية او عوالم غريبة بنيت على تقنيات واسس علمية بل اخذت الطابع العلمي التعليمي خالية من الدهشة التي تحيط المتلقي.
ومن التجارب المعاصرة اللائي قدمن هذه الثيمة المهمة، تجربة القاص (جليل القيسي) في اظهار (مخلوقاته الفضائية المسالمة) لاسيما في مجموعته القصصية (في زورق واحد 1985)، وتجربة القاصة كليزار انور في قصتها القصيرة (عنقود الكهرمان 2000)، تبدأ قصة (طقس الدوامات الهاديء) للقيسي بداية (استهلال) واقعية، اذ يخرج بطلها (الشخصية المركزية) قاصدا طوزخورماتو لزيارة صديق ثم لا يلبث السردان يتحول الى بناء خيالي من خلال ظهور مركبة فضائية مصحوبة بأصوات هائلة، فاسحا المجال لمخلوقات فضائية بالظهور والمشاركة في البناء الدرامي (انفتح باب في الجسم الاسطواني، واندفع درج حديدي وترجل منه عدة مخلوقات لها وجوه مستطيلة عظيمة التكوين شبيه بوجوه جياد مريضة واول ما يلفت النظر في وجوههم، الجبين العريض جدا والذي يدل على الذكاء الحاد، وعينان دائريتان مثل عيني البوم بلون البلوط.. كانوا يرتدون ملابس رجال الفضاء ويتحركون بسرعة ونشاط غريبين).
فالوصف الفيزيولوجي لهذه المخلوقات يعيد الى الاذهان الرؤية السينمية لافلام الخيال العلمي ومدى اللقاء الدرامي بينها وبين الانسان، وهي اما شريرة قاتلة له كما قدمتها السينما اعتمادا على بعض الروايات العالمية مثل رواية (حدب الكواكب) لـ هربرت. ج. ويلز او مسالمة طيبة مثل مخلوقات القيسي في هذه القصة والقصص الاخرى، وقد هبطت الى كوكب الارض لمساعدة سكانه على واقعهم المرير، والقيسي يقدم بذلك عالما بوتوبيا متمثلا بالكوكب الفضائي، اذ تكون فيه المخلوقات سواسية وهو خال من الظلم تسود فيه المحبة يمتاز بتطور تكنولوجي في شتى مجالات الحياة، مما يشعر المتلقي انه ازاء (قصة استباقية) تطمح الى انشاء عالم جديد، مثالي يمثل بوتوبيا بسمات معاصرة تخالف بوتوبيا افلاطون واوتوماس مور، لان بوتوبيا (Utopid) القيسي تديرها المخلوقات الفضائية والروبوتات (نحن مخلوقات من كوكب بعيد يسمى ـ اكسلوب ـ) وبذلك يظهر كوكب الارض في القصة على انه بوتوبيا مضادة (dystopid) لانها تقدم صفات قريبة من صفات ما يسمى (العالم الثالث) الذي ينتمي اليه القاص، وهذا من نتاج الرؤية الانتقادية (الهجائية) للقاص الى العالم الواقعي (الخارجي). لكنه يقدم في قصة (فتاة بلون الفضة ـ الاقلام 2002) نمطا لقصص الخيال العلمي مخالف لباقي قصصه، اذ تبنى الاحداث على اساس رؤية رومانسية، تقترب في بعض تصوراتها من الرومانسية الرخوة التي قدمتها قصص الفرسان في اوروبا، لذا كانت المخلوقة الفضائية فتاة جميلة تفوق جمال نساء الارض، وقد عوضت بطل القصة (الراوي) غياب صديقته من الناحية العاطفية والجسدية (دخلت بخطوات رشيقة الى غرفتي، كانت متوسطة القامة، لها وجه رفيف) فكانت ثمرة اللقاء طفلا (ارضيا/ فضائيا) ما هو الا رمز لتلاقح الحضارات وتداخلها مع بعضها. فأحسن القصص في (ادب الخيال العلمي) التي تؤثر على اجيال من القراء وهي تدور حول شخصيات (انسان/ مخلوقات فضائية) يحسها القارىء ويشاركها ما تشعر، ثم التي تظهر تأثير هذه الحضارات الاخرى (الفضائية) على الانسان، وهذا ما قامت به المخلوقة الفضائية حينما شخصت مشاكل وعلات الناس على الارض مع اسباب الامراض التي تصيبهم مع ايجاد الحلول لها ليكون مثاليا كالكوكب التي جاءت منه المسمى (البلورة النقية) وبهذا تكون المخلوقات الفضائية في عالم القيسي المغامرة الجديدة لانقاذ العالم!
اما قصة (عنقود الكهرمان ـ الموقف الثقافي 2000) لكليزار انور)، فتبدأ بحدث بسيط يتمثل بزيارة مخلوقات فضائية على شكل انسان لقاصة في بيتها، وسبب الزيارة التواصل الادبي حيث ان البطلة ـ وهي القاصة على الاغلب ـ روائية مشهورة كتبت رواية من (3 اجزاء) وقد لاقى الجزء الاول استحسانا كبيرا في كوكب هذه المخلوقات مما دفعهم على الحضور لها ليأخذوا باقي الاجزاء (لدينا مندوبون في الارض وهم يقومون بترجمة الاعمال الجيدة... وروايتك لاقت الاستحسان لدينا) فالقاصة تجعل من قصة الخيال العلمي مرآة لها من خلال تضخيم ما تكتب على لسان بطلتها مع المخلوقات الفضائية التي رفعت عنها القاصة الشكل الغريب والبستها شكلاً انسانياً، لتكون قريبة من شكل المتلقي الذي تتخيل، مما عظم (النزعة النرجسية) للقاصة من خلال الاعجاب المفرط بالعمل الروائي للبطلة، التي ظهرت بدون اسم للتماهي مع اسم القاصة نفسها (كليزار) مما يرضي النزعة النرجسية في المشهد السردي المقدم وقد ظهر هذا خلال ترجمة هذه المخلوقات الرواية الى لغتها، ثم اهداء الروائية هدية باسم روايتها (عنقود كهرمان). والتي اجد ان القاصة (كليزار انور) تجيد تقديم (المشهد الواقعي) القصصي المقدم بروايات وقصص قصيرة اخرى اكثر من اجادتها اثناء الدخول الى عوالم الخيال العلمي).
فهذه القصص القصيرة توحدت من حيث طرحها مشهدا دراميا قائما على اساس تقديم شخصيات فضائية في كوكب الارض او كما يسميها النقد الغرباء (Almeents) وقد استخدمت الوسائل العلمية لانتقالها وتصرفها مع الانسان، كقنطرة للعبور الى عالم عجائبي لا معقول يكفي ان نؤمن    به ـ كما ذهبت بعض النظريات ـ حتى تصبح هذه المغامرات     الخارجة عن تصور الانسان (المتلقي) ممكنة الحصول وذات      مرجعية جذابة جدا.

(1) من المؤثرات الاخرى لنشوء ادب الخيال العلمي في القصة العراقية التراث الموروث كألف ليلة وليلة لاسيما البساط الريح والعوالم السحرية والمخلوقات، ثم حديثا التأثير السينمي واخراج الروايات العلمية كافلام.

 

View gulizaranwar's Full Portfolio
tags: