دراسة عن رواية .. الوجه المسروق

 

 



 

قراءة


الوجه المسروق
رواية بلدٍ تتكلم فيه الأسلحة


كُليزار أنور


الوجه المسروق.. عمل روائي أو مذكرات لفتاة في العشرين من عمرها تعيش في أفغانستان واكبت الحرب- في عهد جديد تحت سوط طالبان- بدقائقها ورعبها وعبوديتها تجاه المرأة خاصةً .
رواية تجمع بين التلقائية والبراءة، فلا لغة قوية ولا أسلوب متميز، لكنها مذكرات روتها لنا لطيفة (الكاتبة والبطلة) بشكل جيد. بنائها الدرامي نما من خلال الأحداث والمواقف.. واستطاعت أن توصل صوتها للقارئ لتروي له كل ما أرادت أن تقوله، وهذه خطوة مهمة جداً لنجاح أي عمل.
اعتمدت الكاتبة استخدام المونولوج من خلال صوتها، صوت البطلة عبر هذا الحوار الداخلي استحضرت الذكريات والأحداث.
الكاتبة (لطيفة).. بلا شك اسم مستعار وهو اسم البطلة في (الوجه المسروق)وهو دلالة واضحة لا تحتاج لشرح مفصل، فالمرأة في أفغانستان حُكم عليها بالعبودية والخضوع والرضوخ لتعليمات ملالي( طالبان) شروط تعجيزية- مجرد اجتهادات شخصية متخلفة- مفروضة عليها لم يحكم بها الإسلام في شرعه السمح.
هذه (الفتاة) أو (الراوية) ترفض هذه الحياة في ظل العبودية حتى وإن أمطرت السماء حبات من ذهب!
تبدأ أحداث الرواية في صباح يوم 27 / أيلول / 1996 فالطالبان قد استولوا على كابول وغرسوا أعلامهم البيض على المساجد والمدارس. هذه الفتاة من مواليد 20 / آذار / 1980 ولدت في أسرة محبة ومتحدة، متدينة وليبرالية.. تتكون من أم وأب وخمسة أبناء( ثلاث بنات وولدان) الأخ الكبير كان عسكرياً ويعيش في موسكو والأخت الكبرى متزوجة في باكستان وسيستدعيها زوجها الذي يعمل في الولايات المتحدة الأميركية، وأختها الوسطى ثريا تعمل مضيفة جوية في شركة الطيران الأفغانية، وأخوها داود طالب في الاقتصاد.. أما هي تنتظر أن تنهي دراستها لتعمل في الصحافة كما تحلم. فتاة مدللة لقد كبرت حرة في المدرسة في الكلية في المسبح تعيش حياة مرفهة، فكيف لها أن تسجن وجهها خلف برقع؟!
الحرب تتشابه في كل الأمكنة، هنا أو هناك لا فرق، فالحرب لها وجه واحد لا غيره.. عندما تذكر استعداداتهم للحرب تبادر إلى ذهني استعداداتنا نحن أيضاً قبيل أي حرب ننتظرها. وهذه الصورة تكررت علينا أكثر من مرة، هل هو قدرنا أن يكون بلدنا أكثر بلد مرت عليه الحروب؟!
ويعلن رئيس وزراء الحكومة الانتقالية المؤلفة من ستة ملالي ما قرروه عبر راديو (الشريعة) فليس للنساء الحق بالعمل في الخارج، وعن الخروج لابد أن يكون معها (محرم) وستكون هناك باصات للنساء وأخرى للرجال، وعلى النساء والفتيات ارتداء (التشادري) وعدم لبس ملابس فاقعة تحته، لا مكياج ولا طلاء أظافر ولا يحق لها أن تركب حتى سيارة أجرة دون محرم، وأن لا يلمس جسدها طبيب ولا تذهب لخياط ولا تتبادل الحديث مع شاب وإلاّ يتزوج المخالفون.. لا صور لا موسيقى لا صالونات تجميل حتى في الأعراس.. هذا ما يخص النساء. أما ما يخص الرجال فكان أهوَن وأكثر حرية.. لا بد أن يتركوا لحاهم تنمو وأن يحلقوا شواربهم حسب الشريعة وأن يعتمروا العمامة أو طاقية بيضاء ومنع ارتداء البذلة وربطة العنق وإلزامهم بارتداء البزة التقليدية الأفغانية.. وعليهم أن يؤدوا الصلوات في ساعاتها المحددة أينما كانوا وكل مخالف لمراسيم الشريعة سيعاقب علناً في الساحة العامة. قوانين مضحكة.. الأفغانيون مشمئزون، فلا أحد يرى نفسه في إسلامهم (جرثومة قذرة، فتاكة بصورة خطيرة تنتشر وهي تزرع مرضاً خطيراً، بطيئاً ومميتاً بالنسبة لحرية النساء. من السهل الحقن بهذه الجرثومة. يكفي الطالبان أن يعلنوا أنفسهم، بالقوة، السادة غير المنازعين للشريعة وقواعد القرآن التي يحرفونها على هواهم دون أي احترام للكتاب المقدس. نحن في الأسرة، متدينون تديناً عميقاً، وأبي وأمي يعرفان ماذا تعني الشريعة لمسلم صحيح. ولا علاقة لوصايا الشريعة بنمط الحياة التي يراد فرضها علينا.) ص 45 .
أجبرن على لبس التشادري، وكانوا يتندرون عليه سابقاً باسم "القنينات" أو "القنبيطات المقلوبة" أو "أكياس المؤونة" وهو لباس مشغول موصول بطاقية تغطي الرأس تماماً ويهبط إلى القدمين. وهو أشبه بشوال ماعدا الشبكة الصغيرة المطرزة على مستوى العينين والأنف. عندما لبسته لطيفة (الراوية/البطلة) شعرت بالاختناق وأحست بنفحة تنفسها في الداخل.. ارتفعت حرارتها واشتبكت قدماها بالقماش، لم يكن لباساً بل كان سجناً!
وتتمرض لطيفة وأمها بالأساس مريضة – وهي طبيبة تعالج النساء في بيتها- يسافرون إلى بيشاور في باكستان للعلاج برفقة أبيها وأختها ثريا.. وبعد العلاج يعودون إلى دوامة العذاب القسري المفروض عليهم.
تتكون الرواية من سبعة أقسام.. كل قسم يروي جزءً من الحكاية، وفي القسم الرابع المعنون: مجازر ومعجزات.. تتحدث عن المجازر التي حصلت قبل سنوات في عهد الرئيس الدكتور نجيب الله تروي كيف سجن أخوها وحيد وعن ما رواه لهم وهو خلف القضبان.. أيعقل أن يكون كل هذه الظلم قد وقع على شعب بريء كل ما يريده هو العيش بسلام كباقي خلق الله.
كان تعليم الأطفال مقتصراً على قراءة القرآن وللذكور فقط، فجازفت لطيفة وصديقتان لها بفتح مدرسة سرية لتعليم أولاد الجيران العلوم الأخرى من رياضيات وتاريخ وجغرافية وأدب فارسي لقاء مبلغ رمزي يأخذ من والد كل تلميذ. ومن هنا تحكي لنا شيئاً عن تاريخ أفغانستان في عهد الاحتلال الانكليزي وكيفية وصول السوفيت إلى أن غادروها عام 1989 ، وتدخل باكستان ووصول رجال قلب الدين حكمتيار لتشكل بعدها جمهورية أفغانستان الإسلامية.. ومن هناك ومنذ ذاك الوقت دخل إليها التطرف وخرجت الحرية (لكثرة ما عشنا في الحرب، أصبحنا لا مبالين بماساة بلادنا. كنا مخدرين إلى حد لم نكن، معه، نرى وصول التهديد الأكبر الذي ما يزال يتربص بنا.) ص 139 .
أصدرت جريدة "الفجر" وهي يدوية الصنع. أخبار وصور ومقالات تتداولها الأيدي بصورة خفية لتعود إليها وهي مهترئة، لكن المهم انها كانت تصدر جريدة.. وآخر خبر وآخر صور كانت للفيلم " تيتانيك". مجرد النظرة لجمال ليوناردو كان خطيئة وأعلن راديو الشريعة أن ثمانية وعشرين من الحلاقين حكم عليهم لأنهم قصوا شعور الفتيان على طريقة ليوناردو كابريو. الاحتفال برأس السنة ممارسة وثنية وحتى عيد الربيع نفسه ممنوع.. هل الأزهار وثنية؟!
وبناء على مرسوم الملا عمر تم تدمير تمثاليّ بوذا العملاقين اللذين يعودان إلى القرن الخامس واللذين ينتميان إلى تراث الإنسانية العالمي.. ويعتبران رمز أفغانستان وهما رائعة أثرية ومفخرة لمنطقة هازار دجات منذ قرون، وفعلاً كان العالم مصدوماً أمام هذا العمل الهمجي الذي لا يعادله سوى تدمير الأهرام في مصر!
وتسافر لطيفة وأمها وديبة صديقتها برفقة والدها إلى فرنسا – وبسرية تامة عبر باكستان- ضمن "سفيرات نساء أفغانستان" لإيصال أنين المرأة الأفغانية وصوت سياط العذاب الذي يتلقونه من طالبان ( لم تفعلن هذا من أجل لا شيء، ثقي بذلك. النساء يستمعن إلى النساء الأخريات. شهادتكن ستجعلهم يفهمون، هنا، ما يفرضه الطالبان عليكن. إذا قال أحد الطالبان لامرأة إنها ليست شيئاً وإنه كل شيء، فهو جاهل. الرجل يولد من المرأة، للرجل القديس أم، العالم بأسره ولد في جسد امرأة. يجب أن تتذكري هذا المثل الأفغاني : " إذا قالت اللؤلؤة للصدفة إنها لا شيء، وإنها، هي نفسها، تفعل كل شيء، فإن السمكة تستطيع أن تقول للسماء، أن تتوقف عن الإمطار.") ص 191 .
لم تستطع العودة لأفغانستان، فقد عُلمَ بأمرهم، لذا طلبت اللجوء وأعطيت فرصة لتأليف روايتها أو مذكراتها هذه.. لتدون معاناة بلد تتكلم فيه الأسلحة فقط! وما أكسب العمل قيمته الفنية إنها كشفت لنا الحقيقة.. ألقت الضوء على الأحداث بكل صدق لدرجة أن تقول لنفسك: أيعقل حصل كل هذا الظلم؟ وأكيد قد حصل!

* "الوجه المسروق" رواية للكاتبة لطيفة بالاشتراك مع شكيبة هاشم، الصادرة عن دار المدى للثقافة والنشر/ دمشق/ 2002 / ترجمة: اسماعيل حلمي.  
  
www.postpoems.com/members/gulizaranwar

 

 

 

View gulizaranwar's Full Portfolio
tags: