عنقود الكهرمان.. ثالوث الحرب والوطن والحب....بقلم : ايمان

 




عنقود الكهرمان
ثالوث الحرب الوطن والحب
ايمان عبد الحسين

إذا كان المرأة والرجل يمثلان البدايات الاولى لكل سيرورة تدليلية حسب التحليل السيمائي فإن القيم المرتبطة بهذا المفهوم من قبيل الحب، الاخلاص الوفاء الخيانة عبارة عن وحدات تحملها ثقافة ما وانها لا تفهم إلاّ تبعاً إلى السن التي توفرها هذه الثقافة.
من هنا نتناول مجموعة (عنقود الكهرمان) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة بقصصها البالغة ثمان عشرة قصة وهي كالتوالي( النصف بالنصف- البيت القديم- عنقود الكهرمان- الصروح- على عجل- امام حمورابي- شاطئ الضباب- نوافذ للذكرى- خيط الزمن- الفيل – ذكريات للبيع- نافذة من القلب- قضبان من ذهب- الموعد- ترنيمة اجراس- جائزة نوبل- لوحة الغروب-الاعتراف).. وجهة نظر مؤلفتها كليزار انور في الحب والوطن والحرب معتمدة على تقنية التبئير والذي تروي فيه ماتراه أمامها من جهة وتقنية السرد الاسترجاعي الذي تهيمن الذاكرة فيه كمصدر للحكي.
من جهة اخرى، نجد ان توزيع السرد لايعتمد فيها على زمنية واحدة وإنما ينتج من هاتين التقنيتين زمنين؛ زمان يمثل الحاضر وزمان يمثل الماضي الذي يتولد من الذكريات (وتأخذني الدروب نحو البيت القديم بيت واسع يغفو في حضن الجبل اطرق الباب وانا اعلم ليس فيه احد افتحه تواجهني روائح الطفولة ما اعذبها) (يحملني صوتها الشجي الى عوالم مغرقة في البعد وبالرغم مني تشق الذكريات دروباً الى ايام قد مضت الى الابد ايام بعيدة الاّ انها مازالت محفورة بعمق على جدار الذاكرة بكل لحظاتها).
وفي كلا الزمنيين تأتينا لغتها بسيطة وسهلة وصافية، وبما ان اللغة حسب رولان بارت ليست بريئة بل انها تحمل اثار الزمن الذي انبثقت منه وآثار الماضي الذي تشكل بنائها ضمنه، فان لغة القاصة جاءت هنا حسب اعتقادي تحمل شفافية وسلاسة المكان الذي هي منه والذي يحمل صوتها الخاص الذي بدا من خلاله واضحا فجاءت لغتها صافية مثل الينابيع التي يُرى ماتحته من موجودات فليس هناك مسافات بين الكلمات والاشياء وليس هناك تسميات بعيدة عن مسمياتها فكل شيء واضح وصريح ومن هنا نرى ان الذات الساردة تبدو في جميع القصص لا تتحدد رؤيتها من موقع داخل تركيبي ثابت وانما تتحدد من خلال دخولها في علاقات مع عناصر متنوعة، فالقاصة لم تربط المجموعة بمفردة واحدة بل جعلتها تتوزع على مفردات ثلاثة مكونة منها ثيمة تندرج ضمن شبكة العلاقات المتشابكة في بنية كلية مكونة ثالوثا من الحرب والوطن والحب (كنت مصيغة له وبكل جوارحي وهو يحدثني عن هذا الثالوث الذي يجعل حياة الناس اساطير وافعالهم بطولات) وبعبارة اخرى تبدو القاصة وكأنها قد اعطت بهذا الثالوث مفاتيح صومعتها لتكشف لنا بأن كل ما يندرج خلف ابواب هذه الصومعة لايخرج من هذا الثالوث الذي سعت على دمجه معا في نسيج من عرى لاتنفصم حتى صار اي من عناصر هذا الثالوث لايتم اكتمال التدليل للمعنى فيه الا من خلال مثوله ضمن هذه العلاقة الجدلية والتي يكون الوطن البؤرة والاشعاع وقاعدة الانطلاق الذي تنطلق من خلاله العناصر الاخرى فكلما اردت الحديث عن جانب الا وجدته متشابكا مع الوطن واستنادا الى هذا التصور لايمكن لقصص هذه المجموعة ان تصنف بصورة منفصلة قصصا للحب، وقصصا للوطن، واخرى للحرب.. وبهذا كانت امكانية قرائتنا تاتي إلا وفق هذه الخصيصة العلائقية المتداخلة والتي على اساس تدخلها مجتمعة تشكل المعنى الكلي التي ارادت الكاتبة ايصاله والتي يظهر من خلاله رؤيتها للحب والوطن والحرب ومن هذا التوليف بين الوحدات الثلاثة من استراتيجية الكتابة القصصية المراهنة على تكوين افق للتعدد الذي لاتنفتح القصص فيه إلا وهي مقترنة ومتواشجة مع ثالوثاها هذا، وبهذا يمكن القول هنا ان وصف الامكنة التي يمثلها الوطن والممتد في اغلب القصص ليس وصفا اعتباطيا وليس مجرد وصف صامت وانما يرى من خلال هذا الوصف صورة الساردة ومقدار عشقها لهذا الوطن الذي يحمل ذكرياتها، الذكريات التي لم تنمحِ من فترة الطفولة ومن فترة الصبا باعتبارها اول بذور الحب لهذا الوطن والحبيب (تلوح لنا الملوية من بعيد فيخفق قلبي.. سامراء مدينة موغلة في القدم تصورت باني كنت امشي العمر كله واليوم فقط وصلت)، (ادخل شارع النجفي رائحة التاريخ تفوح منه اجواء هذا الشارع تدفيء القلب وتنعش الروح فتستيقظ ذكريات قديمة من سباتها)، (على الجانبين تلمع الحقول الخضر تحت وهج الشمس وتقترب كلما اقتربت اكثر مدينة معلقة على راس جبل خصها الله بطبيعة رائعة واصل اليها توقفني بوابتيها.. باب الموصل وباب الزيبار.. بابان حجريان لا يعلم سوى الزمان في اي تاريخ شيدا.. منحوت عليهما عقبان وافاع رموزا للقوة والحكمة)، (يوقفني الجدول الاتي من جبال سولاف اجلس على ضفافه الهادئة اسمع خريره الخافت انظر الى المياه الصافية وهي تنساب فوق الحصى برفق تياره الجاري ياخذ الفكر نحو البعيد كم من الزوارق صنعناها من دفاترنا المدرسية).
وعلى هذا الاساس نرى ان العناصر البارزة والمتداخلة في البناء الشعوري للشخصيات هنا يتمثل في المكان الذي يمثله الوطن بجميع ارجاءه ويتمثل بالزمن باعتباره يمثل ماضي هذا الوطن نرى صورته هذه بوضوح في قصة( امام حمورابي)الذي بدى حب القاصة لوطنها فيه قويا حين جعلت لقاءها بحبيبها واجتماعها به في الغربة لايتم الاعند مسلة حمورابي (لحظت اندهاشي فردت بابتسامتها الهادئة وحينها كنا قد وصلنا الى حيث تقف مسلة حمورابي تزهو ونزهو معها بعظمة اجدادنا وبأننا اول من وضع قوانيين العدالة على ارضنا الجميلة) ومن القصص الاخرى الذي يرمز الحب به للوطن نموذجا هي قصة (البيت القديم) فحب الساردة للوطن يستمر حتى بعدما يتحول الى منفى ( اسمع همس الطبيعة تراتيل منغمة كدعاء ام استنشق الهواء بتلذذ نما في داخلي خشوع عميق نبع من اعماق ذاتي تالف بسرعة مع سمو الطبيعة وجلال الذكرى واسال نفسي: كيف تركنا هذه الجنة) وفي قصة( جائزة نوبل) ياتي وجه العراق بهيا ناصعا (تسمو الروح مع الاثير تختفي الوجوه ويأتي وجه من بعيد وجه بكبر الوجود يكبر يومض بالضوء فانحني له انه وجه وطني العراق في هذه اللحظة اركع عند قدميه املأ نفسي برائحة ترابه.. ياه ما اعذبها) وبما ان الشخصيات تحمل حبها للوطن فهي تحمل في نفس الوقت ادانتها للجانب الاخر من الثالوث المناقض لجانب الحب وهو الجانب الذي يمثله الحرب التي تبعد المحبين (ودعته في المساء سكبت الماء خلفه ليعيده الينا سالما مرة اخرى وانها حكمة قديمة واظنها ماعادت تنفع - بدأ العد التنازلي للساعات الخيرة لقيام الحرب فما هي الا ساعات قليلة ويبدأ خيار الحرب)، (كل شيء مر بسرعة البرق وما كان يومنا ذاك الا يوما سرقناه من عمر الزمان وفي المساء غادرنا مروان الى الجبهة في قطار الساعة التاسعة.. نعم قطار الساعة التاسعة).
وبهذا فإن خلاصة ماتوصلنا اليه من قراءتنا لهذه المجموعة هو ان الوطن سواء كان كمعنى منبثق من الماضي او ماثل في الحاضر فهو في كلا الزمنيين يبدو مهيمنا على ذات الكاتبة التي تحمل بين جوانحها حبا عميقا له.

بغداد
الاربعاء 19/7/2006

 

View gulizaranwar's Full Portfolio
tags: