انثى لا تحب المطر


 انثى لا تحب المطر
قصص بمستوى الطموح


 كُليزار أنور

 

 تتطلب القصة القصيرة تنوير حدث صغير ، ثم تفجير طاقاته .. لا إيراد الأحداث من أجل إطالة القصة !
 من هذا المنطلق يكتب القاص البحريني أحمد المؤذّن قصصه .. إذ أنهُ فهم سر اللعبة منذ البداية .. وأدرك بأن عليه – هو – الإمساك برأس الخيط !
 قصصه نقطةٌ باتجاه العمق ، وليست دائرة تتفلش كلما إتسعَ قطرها !
 أحمد المؤذّن .. قاص مثابر ، مخلص لفنه يكتب بوعي ونضج فني . ولهُ لغة خاصة به لها جرسها وإيقاعها وكثافتها .. ووجدتُ في سرده دقة بالغة في الملاحظة والتصور .. وسعدتُ كثيراً وأنا أقرأ "انثى لا تحب المطر " . سعدتُ بهذه الخطوات الواثقة رغم إنها الإصدار الأول له .
 ستة عشر قصة انسابت إلينا بيسر ودون مباشرة .

 

• (( كلما رأيتها )) .
قصة طفل يحلم أن يقتني شاحنة ملونة وجدها في دكان الألعاب القريب من بيتهم ، لكنه لا يملك ثمنها " أُمي تستكثر ديناراً في سبيل فرحتي . " ص 8 .
وبدافع من صديقه يسرقها .. وتُسرق منه ، فيحاول أن يعيدها .. ويتفاجأ عندما يرى أُمه أمام الدكان تسأل عن تلك الشاحنة لتشتريها له !

 

• (( صراخ )) .
هنا أيضاً يدخل عنصر المفاجأة . إذْ يُسمع صراخ امرأة .. يمزق هدوء الحي ، فتحتشد الجارات – بفضول – على باب بيتها متسائلات .. وتتلون وجوههن بالتوقعات السلبية ليكشف لنا الكاتب في النهاية وبعد استدعاء الشرطة " كان عليكن أن تتصلوا بالإسعاف ، المرأة أنجبت طفلاً !" ص 18 . 


• (( أنا والأستاذ ناجي )) .
وقفة شجاعة من طالب أمام أستاذه " يجب أن أكون شجاعاً أمام مدرسي ، أمام نفسي والفصل كله ، ولن أخاف هذه المرة فقد مللت الخوف . " ص 26 .

 

• (( صفعات العطش )) .
امرأة حلم حياتها أن تكون أُم ! وعندما تتزوج تُحرم من هذه العاطفة الأساسية السامية في حياتها " أبداً لا تستطيعين ، تراكمت في وجهك سنون من الانتظار ، بقي فراغهم يصرخ من رحم الجفاف .. لن يكون للبستان رونق دون أمطار الشتاء ، فلا ربيع في الأغصان والألوان " ص 32 .
استطاع القاص ببراعة أن يترجم هذا الشعور القاسي المؤلم بحق .

 

• (( ويذوب العطش )) .
تكملة للقصة السابقة . تُحاول أن تنتحر .. مجرد أقراص ويخلد الجسد لسكون أبدي " أحلامها مطحونة ، عطشها صخر لا يتفتت ، زمنها وحش كاسر جبار ، حياة عبثية مليئة بالألم والسخرية " ص 38 .
وتناغيها الذكريات .. تتشبث بالحياة ، فالحياة أجدى أن تُعاش ! تلاحقها الصور .. تدور في دوامة أفكارها . كل شيء وأي شيء ممكن أن تحولهُ إلى تعويذة قد تُنجيها من قدرها التعس ، فالغريق يتعلق بقشة . وما أصعب أن لا تكون المرأة أُم !

 

• (( و.. تنتظرين )) .
دراما شفافة في غاية الروعة والرومانسية .. تطرقت لمسألة العنوسة المنتشرة بكثافة في العالم العربي . المرأة ما عليها سوى الانتظار .. انتظار فارس الأحلام الذي سيأتي في يومٍ ما .. وربما لن يأتي أبداً !
" مَن يحكي لكِ وتسمعينه حديث قارورة المسك المهجورة ، وحيدة لم يفتح جنتها أحد ، لم ينقذ آهاتها المسفوحة نذور وتمائم العجائز . " ص 50 .
القصة .. بقيت مفتوحة كما الانتظار ! 

 

• (( نافذة لا تفتح )) .
الوحدة ما أقساها ! مونولوج داخلي مسكون بالألم والوحشة والندم .. الندم على زوجة صبرت معه إلى آخر أيامها معه " ويهز رأسهُ الطاووسية بالتعالي والغطرسة ، هي بين يديه كما أرادها  خرقة يمسح فيها غرورهُ وعقده الداخلية . " ص 53 .


• (( يوم صيفي )) .
حكاية قاص . وطقوس كتابة القصة " قفزت الفكرة مثل عود الثقاب يشتعل فجأةً في عتمة نفق ، تركت القلم يلثم الورق " ص 75 .
تزاوج جميل بين محفظة النقود الفارغة وبين الجلوس لكتابة قصة جديدة . فهل الهدف من الكتابة .. هو استلام مكافأتها فقط ؟!

 

• (( سين أُحبها )) .
حب من أول نظرة تجاه صاحبة مكتبة ورثتها مؤخراً . حب وليد لحظة مبهمة حركت رمال صحرائه العطشى . وصف ساحر " الضجة ترتفع داخلي تدور حرب عالمية تروم فتح عالم هذهِ الفراشة ، إطلالة من وجهها وأكتشف المجهول . عينان لم أُحدد لونهما ، كبلني سحرهما ، شفتان رقيقتان ، خصلة شعر مائلة أحسبها موجة بحرٍ تأخذني ، أغرق أغرق ، ما أروع الغرق ! " ص 84 .
وماذا بعد كل ذلك ؟ لا شيء .. مجرد خروج من المكتبة !!

 

• (( ما أروع الضجيج )) .
فقدان السمع كارثة حقيقية . سجن للاحتضار البطيء " أنا لا أسمع .. ما قيمة الحياة وأهميتها دون أصوات ؟ " ص 92 .
تصوير دقيق وصاخب لحالة مرضية تَعرضَ لها بطل القصة لفترة زمنية قصيرة .

 

• (( انثى لا تحب المطر )) .
أجمل عنوان .. موحي ، شفاف ، رومانسي .توجها القاص عنواناً لمجموعتهِ – وكان محقاً – رغم انها ليست الأجمل كقصة !
المطر .. رمز الحب والنماء والعطاء والخير . ولا أظن أن هناك امرأة لا تحب هذهِ الرموز التي هي جزء من كينونتها كأُنثى !
ما أقسى الحب عندما يكون من طرفٍ واحد .. انهُ محكومٌ بالإعدام "والحلم لم ينجب طفلاً يتنفس" ص101 . 


• (( رجل للبيع )) .
رجل فقير ، مُعدم ، عاطل عن العمل .. يضطر في النهاية أن يدخل شبكة الانترنيت ليعلن  " مَن يشتريني ؟ نعم أنا للبيع … .. " ص 106 .
استطاع القاص أن يضع إصبعه على الجرح .. طالما نحن في زمنٍ كل شيء فيه قابل للبيع وبالدولار الأمريكي فقط !!


*          *          *


في فن كتابة القصة .. يحتاج الكاتب إلى أكثر من موهبة .. انهُ يحتاج إلى الروح أو النَفَس القصصي .. وهذا ما وجدتُهُ في قصص أحمد المؤذّن ، فلديه قدرة سردية متمكنة ، لو استغلها بالمران والتجربة ، فسيتحول إلى مشروع روائي كبير إن شاء الله ، فهو يتغلغل في أعماق شخصياته ليخرج مكنوناتها الإنسانية بدون رتوش مصطنعة ، فأبطالهُ دائماً من الواقع !


• " انثى لا تحب المطر " . مجموعة قصصية للقاص أحمد المؤذّن . صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت / 2003 .

www.postpoems.com/members/gulizaranwar 

View gulizaranwar's Full Portfolio