Author Information
خيط من تراب
Folder:
فضاء المسرح مسرحية
بيات محمد مرعي
خيط من تراب
الشخصيات
سمحون : رجل في الستين من العمر
شحاذ : 1
شحاذ : 2
شحاذ : 3
شحاذ : 4
شحاذ : 5
- المكان خرابة قديمة تجمع فيها نفايات وبقايا المحال التجارية القريبة منها ... وقد اصبحت مأوى للعديد من الشحاذين ...
الزمان اول الفجر ... المسرح عبارة عن خيوط متشابكة اشبه بنسيج عنكبوت . مجموعة كبيرة من علب كارتون واخرى صفيحية وأوراق قمامة كبيرة.
((مجموعة من الشحاذين وهم نائمون ينهض احدهم((
ش (1) : ايها النائمون... لم يعد في الليل بقية...
شردت النجوم من فوح عطر هذا المكان المتعفن
((يشير الى احدهم))
انهض وغادر حلمك المجنون... هيا أنهض...
((يشير للجميع))
أنهض... أنهض... وأنت ... وأنت انهض...
ش (2) : من الناس من يعانق فجرهُ بعطرِ فواح...
ونحن نغرق بروائح متدنية ، بل قذرة يزفرها هذا المكان التعيس...
ش (3) : هو القدر يا صاحبي... كان أو يكون.
ش (4) : آه .. هذه الخرابة الوسخة اكلت شيئاً من جسدي
أشعر ان عظامي تركت مفاصلها...
ش (5) : ((اعمى))
هل حضر ما تسموه فجراً...؟ أني اشم رائحة النور.
ش (1) : تعال يا صاحبي فليلك طويل بعمر الصحبة.
ش (3) : لا شيء يأتي من لاشيء
ش (4) : ان ظهري يؤلمني وجيوبي اكثر الماً...
اشعر كأنها تبكي في احيانٍ كثيرة...
ش (2) : لا تتكلم بشيء لا يفهمه الاثرياء.. دعوا هذا الحديث جانباً ولنبحر بالبحث
ش (1) : حقاً هل جاءوا بصفيحة مطعم الأمراء ؟
ش (2) : آه إنها وجبتنا المفضلة ... أين هي ؟
ش (3) : لابد انها مليئة بالعظام هذا اليوم أين هي؟
ش (4) : المقبلات والمشهيات .. أين هي ؟
ش (5) : اريد قطعة خبز صغيرة ليس أكثر .. أين هي ؟
((يبدأ الجميع بالبحث عن صفيحة الاوساخ العائدة لمطعم الامراء))
ش (1) : لقد وجدت برتقالة انها ماسةُ ثري
الجميــــــع : برتقالة ((يتزاحم الجميع عليها))
ش (2) : لقد وجدت سترة زرقاء ولكنها عفنة...
ش (3) : دعها ليوم بارد... نحن نريد افطاراً . اين تلك الصفيحة اللعينة
ش (4) : لا تشتمها ايها النحس.. إنها ملذاتنا وسر بقائنا...
ش (5) : اكملوا البحث اكثر فأكثر إني اشم ما بداخلها على مسافة كبيرة ان حاسة انفي تجري وراءها مثل لص طريد...
ش (2) : لقد وجدت رسالة..
ش (3) : غرامية؟
ش (2) : لا أعلم ((يعطيها الى شحاذ (1))) أقرأها...
ش (1) : هذه رسالة من شاب مهاجر عن وطن امه
ش (4) : أم ...؟
ش (1) : نعم أم هل هذا غريب .. ألا تعرف مامعنى الأم؟
ش (4) : كلا
لا اعرف إسماً لأمي إلا الرصيف
الجميـــــع : رصيف.. ؟ ((يضحكون))
ش (4) : نعم حتى اخذت اتخيل اسم أمي رصيفة
الجميـــــع : رصيفة.. ؟ ((يضحكون))
ش (3) : وماذا بعد يا أبن رصيفة...
ش (4) : لا تهزأ يا صاحبي... هذه هي الحقيقة
منذ عرفت الدنيا لم اشعر بالدفء من صدر ام حنون بل من شارع مزدحم بالصمت والبرد...
لقد احتضنت ليالي هوجاء لم تتركني الا بين هذه القمامة اللعينة
ش (5) : أي حديث هذا...
أقول لكم أني أشم رائحة الصفيحة عن قرب
بدأ الجوع يفترسني..لابد من شيء نأكله. لاشيء يأتي من لا شيء
ش (1) : ولكن أين هي.. لنبحث من جديد..
ش (2) : لقد وجدتها..
ش (3) : صفيحة الأمراء... ؟
ش (2) : بل وجدت كرةً ... هيا لنلعب... ونترك الهموم والجوع جانباً ((يبدأ الجميع باللعب حتى يتساقطون متعبين))
ش (4) : لقد تعبت إني جائع... أين أميرتنا ... ؟
ش (5) : إني جائع...
ش (2) : لقد جفت عروقي...
ش (3) : أنا اكثركم جوعاً...
ش (1) : لابد من ايجادها...
ش (5) : ((يحاول توجيههم)) إبحثوا هناك...
أو هناك .. هناك ... هناك
ش (3) : لقد وجدتها
((يحملها عالياً بينما الجميع يبدأ بالرقص والاحتفال بها))
لابد من تحضير مائدة هائلة... ((يجتمع الجميع بشكل جلسة مائدة))
ش (4) : هذا عظمً لك...
وهذه فتات خبز لك...
هذا عظم لك ، وهذا لك...
خذ طماطم ... خذ خيار... خذ خضرة...
هذه لك وهذه لي .. وهذه لك ((يأكلون بشراهة))
ش (2) : إنها شهية فعلاً...
ش (5) : سحقاً للجوع...
ش (1) : تباً للموت .. وأي موت بليدٍ يحمله الجوع... فلنأكل ولنأكل ولنأكل...
((الجميع في تخمة عالية))
ش (5) : أتعرفون يا سادة يا شحاذين... عندما اشبع احس بأنني ابصر
الجميـــــــــع : ((يضحكون))
ش (5) : نعم.. فالجوع يطفيء قلبي ويزيد ظلمتي... للظلمة وجهان ظلمة النور وظلمة الجوع فإذا اردت ان تبصر الطريق عليك ان تجعل قلبك عصاً ودليلاً لك... ولكن عندما اجوع وهذه الظلمة الأكبر لا اعرف اين اذهب بوجهي...
مجنون ذلك الذي يعميه جوع لعين...
ش (2) : أني ازداد حلماً بعد كل وجبة شهية
نعم اني احلم وأتخيل...
ش (3) : دعنا من الحلم. ولنذهب للتجوال والشحاذة.
ش (2) : لا تستكثر عليَ حلمي...
دعني احلم بكأس خمر أغسل به رأسي
سأبحث عن زجاجة خمر ((يبدأ بالبحث))
ش (4) : لقد جُن الرجل... جنون المتخمين الأثرياء...
هذا حال البشر تكثر احلامهم بعد كل أكلة شهية... إنه شيء من الجنون ... لابد من بقائه جائعاً.. هذا حلم الأثرياء الذي يكتسحهم الخوف
ذات يوم سمعت مقولة من رجل غني
قالها في وجهي... لا تشبع إنك تخيفني
فأكثر ما يخيفني هو الخوف ذاته... نعم لقد قصد بذلك اشياءً كثيرة .. فلا شيء يأتي من لا شيء...
ش (1) : دعوا هذا الحديث جانباً ... ولنبدأ بالشحاذة يا سادة يا كرام...
ش (2) : ((يصرخ))
لقد وجدتها ... ((يدور وهو يحمل زجاجة ويسكي))
بقايا من ويسكي ومن النوع الممتاز
لقد تركها لي اميرّ محترف .. فلأشرب ولأشرب وأودع البؤس والشقاء.. دعوني أبصق في الصحوة...
ش (3) : هيا يا أصحابي دعوا هذا السكير لوحده ولنركض وراء الاثرياء...
((يحاول الخروج قبل غيره.. يصدمه احد الصناديق.. فيصرخ))
يا الهي ما هذا...
إنها روح منطفأة .. ماذا أرى
إنه رجل ميت داخل هذا القبر الكارتوني...
((يجتمع الشحاذون حوله))
ش (5) : من يكون بحق السماء... هل هو شاب...؟
ش (1) : بل سيدّ برأس مبيض...
ش (5) : رجل عجوز إذن في مملكتنا ... ما الذي جاء به الى هنا.
ش (2) : هل هو ميت..
ش (3) : ((يتلمسه)) لا أعتقد... إنه نائم نوم المتعب..
ش (4) : النوم بحر يغسل المتعبين
ش (5) : دع البحر جانباً وقولوا لي كيف هو ومن اين أتَ
ش (1) : سرهُ معه.. عليه ان يستيقظ ليُخبرنا بأمره..
ش (2) : هل تجرع شيئاً من الخمر العظيم؟
ش (3) : أسكت انت .. انظروا إنه يتحرك...
ش (5) : يا إلهي..
ش (3) : ولكنه سكنَ مرة اخرى.. إنه ليس بميت..
ش (2) : هل هو شحاذ؟
ش (1) : كفاكم اسئلة.. سنعرف ذلك حين ينهض من نومه.
ش (5) : يسعدني انه ليس بميت...
أني اكرهُ شيئاً اسمه الموت .. ذلك الذي زحف نحو عيني منذ زمن بعيد...
ش (4) : إنها الحيرة... ما أمر هذا السيد..؟
بعد سنين طويلة أحياها ثم يجيء ويكور جسده بين هذه القمامة وينام ... عجيب امر هذا الانسان.
ش (1) : لابد انه هارب من شيء ما ..
ش (2) : او تائه في ساعة ليل دامس .. فالتجأ الى هنا...
الجميــــــع : أو ... أو ... أو ... أو ........
ش (1) : كفانا تأويلاً وافتراضاً .. ودعونا ننتظر إستيقاظه.
ش (3) : من يكون إذن ؟
ش (4) : دعوني اوقظه من نومه..
ش (2) : يبدو انه متعب جداً .. ولم يأخذ وقتاً كافياً للراحة في نومه..
ش (5) : وما العمل اذن.؟
ش (1) : إنتبهوا إنه يتحرك ثانية...
إبتعدوا عنه حتى لا يفاجئه حضورنا...
((يبتعد الجميع ينهض الرجل العجوز متثاقلاً يمسح عيونه ويبصر المكان بدهشة بينما ينظر الجميع اليه مبتسمين))
الرجل العجوز: يا لهذه الصحوة اللعينة. كم تمنيت ان اختنق في نومي..
ش (3) : كيف.. ولماذا..؟
الرجل العجوز: لاشيء لاشيء..
ش (5) : من انت إذن. ما أسمك ومنذ متى انت هنا ؟
الرجل العجوز: إسمي سمحون أنا هنا منذ زمن بعيد ... من اول لحظة بدأ يطاردني...
ش (2) : من هو .. ؟ قل ولا تخف..
الرجل العجوز: لن اخاف بعد اليوم.. ما دمت قد رأيتكم...
ش (4) : إذن حدثنا عن أمرك يا سيد سمحون.. منذ متى انت هنا.. هيا قل ما سرك..؟
الرجل العجوز: منذ زمن بعيد كنت ارقب تحركاتكم.. فحين تخرجون كي تشحذوا كان هذا المكان يصبح لي بيتاً آمناً... وحين تعودون ابقى متخفياً عن عيونكم..
حتى يجيء الليل لأختفي تحت جناحي عتمته..
ش (3) : ولماذا كل هذا... ؟
الرجل العجوز: إنه خوف فقط يراودني ... سيد غريب بين مجموعة من الرجال اجهل نواياهم بأتجاه متطفل عليهم
ش (5) : إذن .. تعرف كل شيء عنا..
الرجل العجوز: بالتأكيد .. كنت استمع لكل ما يدور بينكم .. أضحك وأبكي معكم ولكن كنت في خفية عن انظاركم...
ش (1) : وماذا تفعل هنا.. ؟
الرجل العجوز: ما تفعلوه انتم بالضبط... أبحث عن شيء اكله او أي حاجة اخرى.
ش (2) : شحاذّ مثلنا...
الرجل العجوز: لا فرق..
ش (3) : وما هي حكايتك؟
الرجل العجوز: إنها طويلة.. ولكنها تبدأ من حيث نهايتها ... إني قتلت زوجة خائنة... وهربت لا احب الخيانة إنها مرة أسقتني سُماً حاراً الهب جنوني...
هربت... وهربت .. وها أنا امامكم..
ش (4) : حكاية .. فوق حكايتنا...
- غراب يقول لغراب وجهك اسود -
بركان من الهم يكتسح كل الاشياء المخضرة...
ش (5) : ظلام من نوع آخر..
ش (3) : وماذا بعد يا سيد سمحون ؟
الرجل العجوز: لا بعد... منذ زمن وأنا اريد ان احدثكم
ش (1) : عن أي شيء يا سيدي
الرجل العجوز: عن أي شيء آخر غير الشحاذة
ش (2) : كيف ... ماذا يدور في رأسك..؟
الرجل العجوز: أي عمل آخر يجني لكم حياةً اخرى..
ش (4) : لقد خضنا تجارب عدة...
ش (5) : مختلفة ومتنوعة ... إمتلأ بها حوض كبير من الفشل...
ش (1) : ذات يوم جاءنا احدهم .. ودعانا للعمل في سيرك المدينة الكبير...
اراد ان يجعلنا مهرجي ذلك الحفل المزدحم بالناس والضحك...
((إظلام))
((تغير طفيف لبعض القطع الديكورية... مشهد المهرجين))
ش (2) : لا شيء يأتي من لا شيء... تعالوا حيث الفرح والمتعة...
ش (1) : إنه السيرك العظيم... ارواح وحبال والعاب بهلوانية مجنونة
ش (3) : جنوح نحو اللاخوف او المستحيل...
ش (4) : كلاب وفيله وقرود مروضة...
ش (5) : نحن نبكي لنجمع الضحك مثل قمامة...
ش (1) : إنها تجارة للحزن والفرح معاً...
ش (2) : ألو... أها ... ألو ... أها ... هيا تعالوا للمتعة والفرح...
ش (3) : إنها العصا السحرية العجيبة ... قانون سائب .. تدغدغ غرائب الاشياء أمام اعينكم...
ش (4) : يا سادتي يا كرام انه سيرك عظيم سيرك المحبة والرقص والمرح والفكاهة...
((تتم رقصة المهرجين))
ش (1) : ((يصيح)) حريق... حريق ... حريق ...
ش (2) : حريق لعين أطفأ نور الخيمة جعلنا شؤماً في ذاكرة ذلك الرجل تركنا العمل وعدنا الى هنا...
ش (3) : إنها رحلة الجسد والنار...
ش (5) : يا للحظ التعيس...
ش (4) : كنا نبكي لنضحكهم ... فضحكو وبكينا...
الرجل العجوز: وبعد ؟
ش (1) : لا يوجد شيء بعد هذا الذي صار
لا شيء يأتي من لاشيء
ش (5) : من اضاع حظه في مهده .. يبحث عن مسامير لحده...
ش (3) : كنا جنوداً للتجربة... بين حين وآخر نعيد الكرة بشكل جديد ثم نفشل لنعود مثل فصيل مندحر حيث هنا...
الرجل العجوز: إنها عجلة زمن تدور.. تسقي شجرة تريدها مخضرة دوماً...
ش (2) : فلسفة الخمارين...
يا سيدي لقد وضعنا رسائلنا في زجاجة خمر مثل هذه ورميناها في نهر هائج... علينا الركض .. ركضنا تعبنا قبل الوصول للمصب الكبير...
الرجل العجوز: وبعد...
ش (5) : لا بعد ... قالوا عني ابن طبال...
ذات يوم إستأجرتني راقصة جميلة جداً
اسير خلفها واحيي حفلاتها...
كان جمالها وحركاتها الرشيقة يثير اعجاب الحضور من الأثرياء..
((يبدأ بالضرب والعزف مستخدماً احدى الصفائح))
((بينما يبدأ الجميع بالرقص الحزين))
وفي ذلك اليوم احبها ((يستذكر)) ابن الثري.. اخذها الى قصره ورفسني كما يرفس الكلب الاجرب...
فأرشدتني طبلتي الى هذا المكان...
بقيت اجمع اشلاء حبي لها بين هذه الانقاض.. ابحث عن لعبة صبري... لعبة العزلة الغارقة في عدم الجدوى إنها إختراق ليل مشلول بزحمة افكاري المظلمة. لاشيء يأتي من لاشيء... لاشيء يأتي من لاشيء
((يبكي))
ش (4) : لا تبكِ يا صاحبي...
ان جيوبنا مثل جيوبك مثقوبة على مصراعيها
كأبواب خانات عتيقة... لا تجعل الهم يزاحمك...
ستضحك الطبلة ذات يوم ... أجل ستضحك ... ستضحك
((يبدأ الجميع بالضحك))
إضحك يا صاحبي... سنجعل ارواحنا ملائكة شفافة تطير فوق جبال الدنيا العالية ... تودع هذا المكان المخرف
اضحك .. إضحك
((يغرق الجميع بالضحك))
الرجل العجوز: لدي فكرة...
الجميــــــــع : فكرة..؟
الرجل العجوز: نعم... إنها فراشة مستترة... لكنها تنفع لحالي وحالكم...
ش (1) : فراشة مستترة... ؟
الرجل العجوز: إنها قنبلة من تراب ودم.. تحيلنا لوجه الدنيا الاخر...
ش (2) : إنك تحدثنا بالغاز عجيبة...
الرجل العجوز: ليس لغزاً .. إنها لعبة الخيط والثوب...
ش (3) : لعبة الخيط والثوب...؟
ش (1) : لعبة ... لعبة ... لعبة ...
لقد حَرمتُ نفسي من اللعب كثيراً
هربت طفولتي دون لعب .. غرست وجهي بين سطور كتب سوداء .. كنت احلم بأن اكتب عنوان حكاية فوق رمال ضفاف بحر هاديء ... يأخذني مدَهُ الى جزيرة ساحرة... يا لها من لعبة... لعبتي الخاصة الف رواية وألف قصة حملتها في جمجمتي الباردة...
اخترقت مكتبات مذهلة وعملاقة ... وتركت اظافري بين صفحات كتب عتيقة .. تجولت في مدن اللعبة بين الأزقة والشوارع صاحبت شخصيات عدة...
كنت احسبُ اللعبة صعوداً لم ادرك ان هناك في القمة قمامة.. هاوية حادة نحو هاوية...
إنها رواية مرعبة تروي قصة شحاذين .. قرأتها بعمق جنوني لم ادرك انني سأكون احد شخصياتها...
إنها لعبة... لعبتي الخاصة ... هيا نلعب ... نلعب... نلعب
((يبكي يصاب بحالة هستيرية حتى يسقط ارضاً يجتمع الجميع))
ش (2) : خذ يا صاحبي.. كأساً من دم ساخن...
إشرب وأغسل عظامك اليابسة ، احرق سطور الرحلة ، خذ شهيق اللعبة أو شم رائحة الخمر...
دع كفك تغور في دفء جناح النسيان..
إشرب وأرحل نحو اللاشيء ... لاشيء يأتي من لاشيء منذ سنين طويلة احببتها ... شابة في غاية الجمال والرقة...
قالت ابصُرُ فيك شيئاً...
سأعود بعد الرحلة الشاقة... أفاقت لعبة صبري النائمة على وسادة حزن عميق... رحلت بقدر مشؤوم ((يبكي))
كانت جسداً ميتاً احالتني الى جنازة باردة... أثلجت عقلي كنت ارتجف ، جعلتني عمود رصيف لليل بارد .. بارد ... خذ وأشرب ودع الدنيا لعبة... لعبة قمامة وشحاذة...
ش (3) : لعبة شحاذة ... شجرة عائلتي وسلالتي حدثتني أنني شحاذ ابن شحاذ ... إن اكبر الجروح جرحٌ بلا دم
أتعلم يا صاحبي...
ما معنى ان تجعل وجهك في كف يدك
يرسم حسرة قلبك لتطلب الشفقة والعطف من رجل ثري لتأتيك عملة نقدية مثل بصقة ساخنة في الوجه...
دعونا في اللعبة ... منذ ان عرفت الدنيا كنت في انفاقها المظلمة مجرد شيء يقال عني هذا الشيء من درجة سفلى قضيت زمني ارى الناس بقامات طويلة كان اقصرهم عملاقاً كبيراً امام عيني التي تبصر السماء دوماً من اجل رحمة متواضعة إنه جرح للشفقة والعطف ... خذ... خذ ... خذ
كم تمنيت للحظة ان تكون لي قامة بقاماتهم.. وأقول انا لهم خذ... خذ... خذ... لتبصر عيناي الارض من فوق... فوق ... انها لعبة غريبة...
هيا نلعب لعبة الخيط والثوب... ((يتجه الجميع نحو السيد الرجل العجوز))
الرجل العجوز: نعم لعبة الخيط والثوب
ش (4) : وكيف نلعبها ((يتلف الجميع حوله))
الرجل العجوز: بعد التدقيق والتحديق والتبصير...
وجدت شيئاً ثميناً في هذه الخرابة العتيقة...
الجميـــــــع : شيء ثمين... ؟
الرجل العجوز: نعم ... كميات هائلة من مقاطع خيط ملون قد غرق بها المكان ، اتعلمون ما سرَ هذا الخيط..؟
الجميــــــــع : ما ســرُه ... ؟
الرجل العجوز: إنه خيط قرأتُ فوقه تعاويذ تعلمتها من كاهن هندي عتيق فيما مضى... فجعلته خيطاً سحرياً ، أشبه بخيط من تراب عجيب لمقبرة مقدسة مهجورة لأموات قتلوا ظلماً...
إنه خيط سحري ...
الجميـــــــع : ســـحري... ؟
الرجل العجوز: نعم سحري... ولا عجب في ذلك ، لو جعلنا من الخيط هذا ثوباً عملاقاً فأرتديه سيعيد لحالي شبابي ونظارتي وقوتي التي رحلت...
الجميــــــع : وبعد...؟
الرجل العجوز: أما انتم أيها الشحاذون المساكين .. فسوف يكون لكم ثراء كبير في هذه البلدة ... غنيّ يا نفس غني...
الجميـــــــع : ما هذا...؟
الرجل العجوز: هذه حجة ثوبي .. سيقلب الدنيا فيكم.. قصور وجنائن ، أمل وحب ... بحار وجزر ساحرة .. رقص وغناء ... مرح ونساء.
خذو مني الشيء بقدر الشيء او أكثر
فلا شيء يأتي من لاشيء
الجميـــــــع : ((بذهول وبعد صمت طويل))
غني يا نفس غني... ؟
ش (5) : هذا مستحيل ... قصور وجنائن
ش (4) : لا يقبله العقل... أمل وحب
ش (1) : ولاحتى المنطق .. رقص وغناء
ش (3) : هذه خرافة ... مرح ونساء
ش (2) : يا اصحابي إنها حقاً لعبة ... ولعبة غريبة ((تظهر عليه علامات السكر الخفيفة))
لقد جربنا اللعب كله...
فلنلعب لعبتنا الاخيرة هذه.
ش (5) : ولكن كيف سنلعبها... ؟
الجميـــــــع : نعم وكيف ...
الرجل العجوز: سأكون لكم سفير الخبز والملح...
أما انتم فعليكم إتقان اللعبة... لعبة حياكة الثوب.
تسمعون لما اقوله لكم ...
الجميـــــــع : نستمع ...
الرجل العجوز: حسناً إذن لنبدأ اللعبة...
((تبدأ لوحة تعبيرية مثل رقصة تعبر عن فعل الغزل او الحياكة
ومن الممكن ان تصاحبها اغنية))
- اغنية -
الجميـــــــع : خيط ساحر يشدُ الرحلة
خيط ساحر يزيد العملة
خيط ساحر يصبح ثوباً خيط ساحر يطيرُ امــلاً
خيط ساحر يفتح بابـــاً خيط ساحر اصبح لعباً
خيط ساحر يشدُ الرحلة
خيط ساحر يزيد العملة
((يظهر التعب على الجميع))
ش (1) : فيضان من التعب جرف سنين الرحلة .. شواهد فينا مثل حلم الجره تكبر ثم تكبر فتتهشم بغفلة صاحبها المتعوس.
آه من غفلتي...
الرجل العجوز: يا بني رطب الخيط بيديك وتعكز بعصا السيرك لحظة اطوي الملل والضجر حتى تنطق لعبة الصبر...
خذ الخيط وأسكت لقد دعوتكم لرحلة طويلة عمرها ، عمرها بعمر الدم.
ش (3) : دع يا سيدي لنا الدنيا قمامة..
فُكَ اقدامنا من خيوط السهر.. دعنا نفترش الرحلة علىعتبة نهار مشرق..
كي لا نضيع خيوط اللعبة ... لاشيء يأتي من لاشيء...
الرجل العجوز: نعم لا شيء يأتي من لاشيء...
قلت لك رطب الخيط وأسكت ابداً...
دع المغزل يأخذ اصابعك حتى يدميها..
وأملأ جوفك خبزاً وملحاً...
((يوزع ارغفة الخبز عليهم يستمر الجيع بالعمل))
خذ انت وأنت وأنت وأنت وأنت...
ش (3) : لنعاود الكرة الف مرة ومرة ... سنجعل من الخيط ثوباً سحرياً بلا رأس واطراف ونطرزه بالحلم والجمر لتحمله قافلة عجلة مدفع.
ش (2) : إن الابطال يشمون رائحة الحلبة بجباه متعرقة..
الرجل العجوز: احسنت قولاً يا بني...
سأرحل ... ولكني سأعود .. عسى ان اجد عقد الخيط قد اكتملت..
((وداعاً ))
((يخرج))
ش (4) : مغازل مجنونة تنغرس في اللعبة...
ش (1) : إنها اللعبة الاخيرة يا صاحبي...
ش (3) : علينا ان ندفيء اصابعنا بزيت التجربة...
عسى ان نشم عطر زهرة فصل واحد...
ش (2) : هيا يا اصدقاء... لنبدأ العمل
ش (5) : هاكم الخيوط...
ش (1) : خيط اصفر ...
ش (2) : خيط احمر ...
ش (3) : خيط اخضر...
ش (4) : خيط ازرق...
ش (5) : مغازل تنشِدُ شيئاً ... لاشيء يأتي من لاشيء...
الجميـــــــع : ((يقلدون صوت المغازل))
جــك ... جــك ... جــك ... جــك ... جــك
((يدخل العجوز وهو يوزع الخبز عليهم))
الرجل العجوز: هذا اخر رغيف خبز
والان يا رجال .. لقد اتممتم ماطلب منكم
علينا ان نحتفل بهذا الانجاز العظيم...
ش (1) : نعم لابد ان نحتفل ... فلاشيء يأتي من لاشيء.
ش (2) : لقد صار الخيط ثوباً من لحم ودم.
ش (3) : سنجعل له حفلاً كبيراً وهائلاً...
ش (4) : لنتوجه قبطاناً..
ش (5) : هل اصبح جميلاً ...؟ كما رسمته في ظلمة رأسي...؟
ش (1) : إنه في غاية الجمال والاناقة.. ويبدو عملاقاً قوياً ...
ش (2) : اريد ان احدثه يا حضرة ...
أنا شحاذ ... عفواً أنا ... انا
هل تسمح لنا بأن نرقس ...؟
ش (3) : او نبحر.
ش (4) : او نأكل.
ش (5) : بل نبكي بدموع الفرح.
ش (1) : نولول.
ش (2) : نهمس او نرقص .. ((يصيح)) موسيقى
((الكل يرقص وكؤوس الخمر تلتقطها ايادي الشحاذين مثل عملة نقدية كبيرة يزداد المكان توهجاً وصخباً ... يدور الجميع حول القبطان تكبر الدائرة ثم تلم نفسها يتعالى الصخب اكثر فأكثر....))
((يتفاجأ الجميع بصوت خارجي وكأنه صادر من الثوب))
كفى .....
((الجميع صمت وذهول))
ش (3) : لقد قال كفى...
ش (4) : مستحيل.
ش (5) : لقد سمعته بأذني السليمة
ش (1) : ولكن لماذا توقف لماذا لا يكمل الحديث...
ش (3) : إنه مذهل وجميل ومتعال.
ش (4) : إنه ثوب ساحر من خيط ساحر.
ش (1) : عليه ان يحدثنا.
ش (2) : لماذا لا يتكلم
ش (3) : تكلم ((يدورون حوله))
ش (4) : تكلم
ش (5) : تكلم... تكلم... تكلم ارجوك تكلم
((يدور الجميع حوله مثل طقس صوفي حتى يسقط الجميع ارضاً من التعب))
ش (1) : سأضربه ضرباً مبرحاً
الرجل العجوز: كلا ارجوكم ((يحاول ابعادهم عنه)).
ش (2) : سنجعله عبرة لغيره.
ش (3) : سأستنطقه مثل صخرة نحات.
ش (4) : تكلم يا مخلصنا.
ش (5) : هيا تلكم..
ش (1) : قل أي شيء
ش (2) : انت عرقنا ... فيك من دم اصابعنا..
ش (3) : يا صبرنا تكلم.
((مازال العجوز يبعدهم عنه))
ش (4) : سأضربك ان لم تنطق.
ش (5) : ضربة الهم والشكوى.
ش (1) : سأحرقــــك.
ش (2) : سأمزق تكلــــم.
ش (3) : هيا تكلم... تكلم... تكلم
((يرتدي العجوز الثوب... يزداد الموقف توتراً... حتى يبدأ الثوب بالحركة قليلاً يصاب الجميع بالذهوب ليفروا منه الى جانب المسرح))
الثـــــوب : ... مَن ... مَن ... مَن... هَزَ وسادتي... ؟
من جرح غفوتي وسكوني...
إن قدميّ باردتان كأطراف سلحفاة البحر الشاردة ببطء نحو التخفي ورأسي بركان يزفر دخاناً اسود من اصل حريق اخمدته امطار غزيرة اكتسحتني نحو الذهول بكم...
بين البعثرة التي لا تبصرها العيون كنت ... هناك في رحم خلوتي؟ ودهاليز وحدتي وعزلتي ، لا يحركني أي محّرك دخيل...
من عدم غرستم خيطاً ومغزلاً...
عقدة بعد عقدة
قولاً وكذبةً للتباهي ... واستعارةً من شيء اسمه الموت ها انا الحقيقة التي لا اريدها ... من شد بعنقي خيط اسري.
الموت والموت لكم.. ((يحاول الهجوم عليهم))
سأعتقلكم تحت طيات هواء بحر هائج تسيرهُ رغبتي وجنوني .. الموت لكم ولكل من تتجمعُ به التعاسة...
((يحاول الجميع الامساك باطراف الخيوط المتدلية من الثوب محالوة في تهدأة ثورته عليهم))
ش (1) : إنه ثائر علينا..
ش (2) : سيقتلنا ... ما العمل...
ش (3) : علينا تفكيكه قبل ان يينقضّ علينا..
ش (1) : كلا لن ندعه يفعلها ... ثم اننا لا نريد مضيعة جهدنا..
علينا بالصبر...
ش (4) : أي صبر هذا لا وقت لدينا ..
ش (1) : حرام عليكم ، مازالت اصابعي تؤلمني...
ش (2) : هذا صحيح... علينا بالصبر كي لا نموت ندماً...
ش (5) : ما العمل إذن.. ؟
ش (3) : لابد من تفكيكه ...
ش (4) : لنسحب الخيوط منه...
ش (1) : كلا... امنعكم من الاقتراب منه
انظروا انه يهدأ ... ربما سينام
دعوني اقترب منه والاطفه
ش (2) : دعوني اقدم له كأساً فنسكره..
ش (3) : هو الذي بدأ بالهجوم علينا.. لابد من عمل شيء
ش (4) : لاشيء يأتي من لاشيء
ش (5) : اجيدوا التصويب نحو رأي واحد...
ش (1) : لدي فكرة....
ش (4) : وما هي ما هي فكرتـــك....؟
ش (1) : دعونا نروضه كما تروض الكواسر...
إن الاسود اذا لقيت ضرباً بالعصي منذ صغرها فأنها تكبر لتصبح شبيهة بالقطط..
ش (4) : وما فائدة كلامك هذا ... ؟
ش (1) : سنكون عصي الضرب...
ش (2) : إنه من خيط ساحر... ذلك العملاق الساحر...
ش (3) : لقد قلتها يا صاحبي.. إنه ساحر فلربما بسحره يخفي نفسه عن انظارنا فيباغتنا ويقتلنا وبذلك نفقد كل شيء
ش (2) : لا.. لقد سمعت ذات يوم من رجل كان يعمل في السيرك السحري ان السحر ينقلب على الساحر مهما طال الامد...
ش (5) : إذن ما العمل ... ؟
ش (3) : إما ان نباغته بضربة رجل واحد
او نهجر هذا المكان..
ش (4) : نعم ... لنرحل قبل ان يتلاشى حلمنا نحو لاشيء...
ش (3) : عسى ان نجد في مكان آخر شيئاً جديداً نمسح به اشياءنا البائسة...
ش (1) : ((صمت قصير))
لا ما دام الأمر اوصلنا لهذا الأمر...
لن ندع السحر يفرقنا....
ش (2) : نعم ان لهذا المكان رائحة تزيد في النشوة ساعة سكري وتعيرني حلماً يشدني اسيراً لقصور من عاج ومرمر.
لن أطوي صفحة هذا المكان..
حتى لو ذبحت بعنق زجاجة مكسورة...
ش (5) : لقد ابصرت طرق المكان كلها هنا... حتى اخذتُ ابصر ضياء في زواياه مثل قناديل الجنة...
سأجعل هذا المكان قبري المضيء
ش (3) : لنقتطع من الهم والهمم ما يلزمنا ونذوق طعم دم اصابعنا من جديد
ش (4) : ((حالة استذكار او حلم))
ها هي امي قادمة ... إقتربي يا أمي تفضلي
احتضنيني في حضن هذا المكان الدافئ...
مدي اصابعك في سواقي شعري... ودندني مثل كل ليلة .. لماذا تهمين... تهمين بالرحيل...
توقفي ... توقفي...
.. حسناً .. عودي الى ستجديني هنا دائماً
لم اغير المكان حتى لا تضليني...
وداعاً وداعاً ... ((يبكي))
ش (1) : ((بعد صمت قصير))
حسناً لنشد الخيوط ونعلن فكرة السحب بقلب ساخن
سأعيد يوماً من الذكرى نحتاً فيه شيء من كلام فيه من الوزن الكثير
فلا شيء يأتي من لاشيء
((الجميع يسحبون الخيوط من الثوب بينما الثوب يصرخ مثل ثورة عارمة...))
ش (1) : ((يقرأ الشعر)) فعولُن مفاعيلن فعولُن مفاعيلن
فعولُن مفاعيلن فعولُن مفاعيلن
((تستمر حركة سحب الخيوط... حتى يتساقط الجميع))
ش (1) : ((يصحو من نومه)) أيها النائمون... لم يعد في الليل بقية
شردت النجوم من فوح عطر هذا المكان المتعفن...
((يشير الى احدهم)) إنهض وغادر حلمك المجنون ... هيا انهض ((يشير للجميع))
إنهض... إنهض... إنهض... إنهض
ش (5) : لله يا محسنين...
ش (3) : صدقه في سبيل الله ...
ش (2) : إدفع اليوم تأخذ غداً
ش (1) : ما دامت لأحد...
ش (4) : لاشيء يأتي من لا شيء
((يدور الجميع في المسرح ثم يخرجون))
(إظلام)
