حاضر سيدي

حــاضر سيدي





د.طـارق البكري بقلم :







لم تظهر أي شكل من أشكال الاعتراض ..  " حاضر سيدي" قالتها بصوت منكسر لا  تملك حتى أن تـعبر في ملامح وجهها عن الرفض .. أبدت الإعجاب.. وافقت فورا على كل ما قاله .. في نفسها كل إمكانيات التمرد ..لكنها إمرأة محطمة أو على الأكثر بقايا حطام ..

كانت أفكارها مجمدة ..أحاسيسها مكبله.. عيونها فاترة، تمشي كآلة تحركها  أداة التحكم عن بعد .. " حاضر سيدي".. تكفيه هذه العبارة ، لا يريد منها أكثر، يثق بأنها ستنفذ أوامره بدقة تامة.. يعلم أنها تكرهه و تود لو تغرس أنيابها في لحمه تمزق جسده بأظافرها التي تبدو له كمخالب نمرة شرسة في قفص من حديد.

تعطيه ظهرها وتمشي ..  يرن جرس الهاتف، يقطع عليه حبال الخوف ، هذا الرعب اليومي الذي يعيشه دون أن يجرؤ على إنهائه .. " أهلا ، كيف أحوالك يا زنبقتي " تجيب بدلال : " توقف عن هذا الكلام ، أنا استحي " .. " أنت تستحين ؟! ها   ها  ها " ، يضحك ضحكة مجلجلة ..

" هل أنا زنبقتك حقا؟؟" ..

"  بل أجمل وأحلى وأغلى زنبقة " ..

"آه.. أتمنى لو  أصدقك ".

ينتهي الحوار بموعد مسائي جميل ..

  ينادي المرأة  : " أريد فنجان قهوة بسرعة " .

" حاضر سيدي "

  لا يقدر على منع نفسه من إهانتها، يعلم أنه مخطئ ، لكنه لا يستطيع التوقف عن تصرفاته الغريبة .. اعتاد على ذلك ، لو أراد الآن تغيير أسلوبه معها لعجز ، يظن أنها اعتادت هي أيضا ، ومع ذلك كلما رآها خاف من أنيابها وأظافرها .. يظن  أنها ستقضي علــيه يوما ما دون سابق إنذار.. تضع حدا لفظاظته معها..

يرفع هاتفه النقال يطلب سبعة أرقام محفوظة في ذاكرة الهاتف :

" آلو روحي .."

" أين أنت ؟!  ظننتك لن تتصل .. "

" اشتقت إليك "

" أتمنى لو أصدقك"

" هل أنت مشغولة اليوم "

" آه يا عفريت ..  تتذكرني فقط عندما تريد .."

" لا وغلاك.. أنت دائما في القلب"

" اتمنى لو أصدقك "  

" الساعة السابعة في الشقة البحرية ؟"

" اجعلها الخامسة لا أريد أن أتأخر"

" اتفقنا "

تدخل المرأة .. تحمل فنجان القهوة .. كانت تستمع إلى المخابرة قرب الباب ..

" كم هو وقح !! أكرهه .. أكرهه.."

يرمقها بعينيه .. تبدو  عليها حالة الرهبة ..  لكنه فظ وغليظ ..

من أن يأتي بكلامه المعسول الذي تسمعه على الهاتف...

حفظت كل كلماته المليئة بالكذب تعلم أن كل النساء اللاتي يكلمنه يعلمن أنه يكذب عليهن وأنه يدرك أنهن لا يسعين إلا لماله وهداياه ...

تود لو تقفز وتقبض على عنقه وتخنقه مرة واحدة .. مرات عديدة ،  فكرت أن تفعل  ،  لكنها تخاف منه .. تخاف من عينيه ..  تخاف من يديه القويتين ..

كان شعور الخوف متبادلا .. هو يأمرها وهي تقول جملة محددة :

"حاضر سيدي "

لم تجرؤ يوما على الرفض .

تتمنى لو تسحقه تدمره تمزق أمعاءه ..

يرن الهاتف في جيبه :

" من .. آه حبيبتي "

" لم تعرف صوتي ..  يا محتال "

" لا .. لا، عرفتك منذ رن الهاتف "  أ

" أنت كذاب خفيف الظل .. لم تتصل بي منذ فترة ؟ "

" مشغول جدا "

"  كيف أحوالك ؟  لقد وعدتني بإسوارة ذهب ،  ومنذ وعدك لي لم أرك ! " .

" إنها جاهزة ..  سأتصل بك عندما افرغ من عملي "

" أنت كذاب كذاب ،  لكنك كذاب لطيف ، على أي حال لا بأس لقد قضينا وقتا ممتعا وسأنتظرك حتى تمل من الأخريات "

" باي " .

سمعت الحوار من خلف الباب تعلم إنه لا يصدق مع واحدة منهن ..

هكذا حياته لن يتغير ..

فلماذا تظل على أمل يأمر فتستجيب لأمره دون أي كلام ..

فظ معها ، لكنها سعيدة وهو لا يستطيع التخلي عنها لسر لا يعرفه ..

نصحتها صديقتها أن تتجمل له أن توقعه في حبها ..

تقول :

" هذا الرجل ليس له قلب .. التجارة جعلته يتعامل مع الناس بالحساب .. حياته كلها بيع وشراء ونسوان .. "

  ومع ذلك كان في قلبها شئ من أمل ..

توترت لم تستطع الصمود أكثر من ذلك ،  قررت ترك العمل والبحث عن عمل جديد ... فجأة انقطعت ،  ذهبت دون أن تخبره بأنها ذاهبة ..

شعر بفراغ كبير ..

انقطع عن كل اتصالاته .. اشترى خط هاتف جديد ..

منع سكرتيرته الجديدة من تحويل المخابرات النسائية إليه ..

ضاقت نفسه ،  لم يصدق ما حدث له .. بحث عنها في كل مكان . لم تترك عنوانها ولا رقم هاتفها ..

أخيرا وجدها  ..

كلف كثيرا من الناس البحث عنها..

وجدها في بيت فقير بعيد في أطراف ضاحية المدينة ..

قالت :

" ليس عندي ما تبحث عنه .. اذهب إلى هؤلاء اللاتي يتصلن بك " .

جثا أمامها .. اعتذر .. أظهر كل الخوف الذي كان يشعر به أبدى كل الرعب الذي يضمره ..

لم تصدقه..

أقسم أنه صادق ..

أخيرا أدرك سر المرأة التي كانت تستمع إليه وتقول : " حاضر سيدي " ..

الآن صار يقول لها:

" حاضر يا زوجتي الغالية " .                                

View bakri's Full Portfolio