المسلمات في الشعر العربي / اياد شماسنة



مقدمة:

الشعر خلق متكامل منذ أن يتكون له أساسه الذي ينشأ منه وهيكله الذي يقوم أولا ويبنى عليه البناء الشعري كما يراه الشاعر، كمثل الخلائق فإن الهيكل هو الذي يحدد إذا كان الناتج له هيئة الشعر أم أنه غير ذلك…

أما البناء الشعري فهو وإن تشكل بشكل الهيكل، إلا أن الشاعر يشكله ويلونه بلونه الخاص كما يراه هو، وبالنسق الذي يوافق رؤاه، وبالطريقة التي تعبر عن تجربته الخاصة والعامة.

هذا وقد اجتمعت الأمة الشعرية فيما مضى وحتى الآن، منذ مئات السنين على أمور وافقت فطرتها الشعرية وتناسبت وذوقها وفنها، واحتوت تجالابها، فكانت هذه الأمور والتي سنوردها فيما بعد مسلمات لا يحق لأي كان العبث بها أو الشك فيها.

كما واتفقت على أن لكل شاعر خصوصيته في شعره فترلاكت له براحا ليبدع فيه ويبرز فنه في براحه.

ولسنا بهذا نسن أو نحدث جديدا، ولكننا لا حظنا هذه الأمور فآثرنا ذكرها والتذكير بها، لأننا نرى أن هناك من تناساها أو نسيها، فجاء بمشوهات وسماها بغير أسمائها، وهناك من حدثه شيطانه وسولت له نفسه أمرا بحق هذا الإرث العظيم.



اللغة ومدلولاتها.

اللفظ هو حجر الاساس أي تركيب لغوي وهو عبارة عن تركيب صوتي ذز دلالة، قسمها البلاغيون إلى دلالة عامة ودلالة خاصة، أما الدلالة العامة فهي ما يدل عليه اللفظ المجرد عند ذكره للناس، والدلالة الاخرى هي دلالة خاصة ارتباطية أي أنها ترتبط باللفظ لصفة في الشيء الدال عليه أو لتجربة سابقة، وتقسم إلى دلالة حسب العلاقة بين اللفظ والتجربة المتعلقة فيه مثل الدلالة التاريخية أو الاجتماعية أو إلى آخره، وأكثر الدلالات تأثيرا في نفس المسامع وخصوصا للشعر هي الدلالة الارتباطية النفسية.

ويتولى توضيح الدلالة الخاصة سياق القول وانسجام اللفظ مع بقية الكلام.

هذا ومع تقدم التجربة الشعرية تطور ما عرف لاحقا باسم الرمز أو الدلالة الرمزية وهي دلالة يمهد له القول من قلبها ويتناسق مع السياق أي أنه لابد له من قرينة دالة عليها مفسرة لها.

والدلالة الرمزية هي عبارة عن لفظ تتفق عليه الألسن بعد تجربة معه طويلة ومتنوعة كما أصبح مثلا ذكر الأرض في قول شخص مغترب يرمز تلقائيا إلى الوطن والسماء والحرية.

من المسلم به أن اللفظ في تجريده وتركيبه الأولي عبارة عن أصوات ذات دلالة عامة ثابتة تتكون منها معاني الألفاظ في اللغة.

تتكون دلالة اللفظ الارتباطية الخاصة بكافة معانيها( نفسية، اجتماعية، ودينية، وثقافية، وتاريخية وفلسفية وعلمية) نتيجة ارتباط صفة من الشيء الدال عليه باللفظ كارتباط الخير بالماء والنار بالشر والمعاناة.

الرمز دلالة ارتباطية ناتجة عن تجربة متكررة عامة يدل عليها اللفظ أو الرمز شريطة أن يمهد لها بقرينة تتناسب نع السياق.

لاستخدام الرمز أو الدلالة الارتباطية الخاصة حدود وضوابط يحكمها النص حيث ان استخدام الرمز أو الدلالة باسراف يؤديان إلى تشويه في المعنى أو لبس في ذهن السامع، وهذا يوضح أن استخدام الرمز أو الدلالة الخاصة فقط لتأدية معنى بايجاز وتناسق مع السياق.

إذا كانت اللفظ والاتقان أو أكثر يفضل البتعاد عنهما أو استعمال المعجم، لأنه الأكثر تناسبا مع السياق عند تفسير المعنى وطرح الدلالة التي لا تنسجم مع السياق.

وهناك أمر أشار إليه أهل البديع وهو الربط بين قصة أو حدث ما وسياق البيت عند ذكر قصة مشابهة، كربط قصة وداع هرقل لسوريا بوداع شخص لشيء ما أو شخص ما وداعا لا لقاء بعده... وهذا الفن هو ما يسميه أهل البديع بالاشارة.



الوزن الشعري.

البحر العروضي هو الهيكل الذي تبنى عليه القصيدة الصحيحة، وهو القالب الموسيقي الذي تولت الفطرة والتجربة الانسانية الشعرية تهذيبه واتفق عليه جمهور السابقين، ويقسم البحر العروضي إلى وحدات موسيقية أصغر فأصغر... إلا أنه في شكله التام يستطيع حفظ شكل القصيدة العربية، مهما اختلفت الأوزان الشعرية وتميزت إلا أنها اتفقت في أنها متناسقة في داخلها، ومنتظمة الايقاع تأخذ الشكل تالخارجي نفسه في جميع الأوال، وحتى في ما سمي بالموشحات فإنه يعتمد على الهيكل الشعري الأولي مع بعض التقديم أو التأخير في ترتيب أبياته، لكن من المتفق عليها هو أن القطع الموسيقية العروضية التي تكون صدر البيت أو عجزه في القصيدة العربية هي ما يكون الموشح، أي أن الموشح يعتمد على بحر موسيقي عروضي سواء صدر البيت أم عجزه إلا أنه حافظ على أصوله عند اتجاهه نحو التجديد.

هذا وقد حاول بعضهم قديما اختراع أوزان جديدة أو اعادة ترتيب الوحدات الموسيقية التي تشكل هيكل البحر أو الوزن العروضي فجاء الناتج غير متناسق حينا، أو غير موافقا للطريقة العربية في القول، فبدا القول المبني على هذه القوالب المقترحة أعجميا في لفظه وكلماته.

لذلك من المسلم به لدينا هو أن الشعر حتى يسمى شعرا وحتى تكون القصيدة الشعرية سليمة، كما اتفق عليها السابقون منذ عشرات القرون المتعاقبة وحتى الآن هو أن القصيدة لا تكون قصيدة شعرية إلا إذا كانت وفق بحور الشعر العربي الفصيح شكلا وقالبا حسبما تقتضيه تفعيلات البحر الذي تبنى عليه، وإلا فلتسمى ما تسمى بأي اسم أخر وتحت أي فن أخر إلا الشعر.

وليس هذا معناه أن يضع الشاعر بحرا عروضيا أمامه ويصب فيه كلماته فهذا أيضا نظم وليش شعر، فالشعر عفوي الكلمات التي تنتظم تلقائيا وفق بحر عروضي ما من بحور الشعر المعروفة، ومن الجدير ذكره أن تنقيح الشعر وتجويد وتحليته وتخليصه من الأخطاء والشوائب لا يضر به، إنما يزيده ذلك حلاوة وطلاوة.

هذا ونتيجة التطور الطبيعي في الموسيقى والعوامل المؤثرة في البيئة الشعرية قد يحدث ما يسمى بالتجويد في وزن ما أو بحر ما، ويقبل هذا في حال ما لم يغير هذا من شكل البحر أو هيئته أو موسيقاه فلا يأتي بنشاز لا يتفق عليه أصحاب الذوق والعروضيون أو أن يخترع جديدا لا يمت بصلة للأصل ولا يؤدي ما تؤديه البحور.

ومن الأمثلة على التجديد الذي قبل فني الأوزان هو ظهور ما سمي بالموشح... وقد سمي موشحا وليس قصيدة تفريقا وتمييزا له عنها مع أنه حافظ على كثير من أصول الشعر والقصيدة.

ويبقى الموشح جيدا مادام مرتبطا بما أخذ عنه فإذا تأتى بوزنه وقالبه فقد آذن بفساده وانحلاله لأنه لا القوالب اللغوية تستسيغه ولا الأوزان الشعرية.



لزوم القافية.

من تكامل خلق البيت الشعري وجود القافية، وهي أحد أعمدة الهيكل الخارجي البنائي والموسيقى الذي يعتمد عليه البيت الشعري...

ولا يخفى على أحد أهمية القافية أولا، من حيث اتمام المعنى البلاغي أو الصورة الشعرية وتحديدها وتبيان إطارها، وثانيا من حيث الايقاع الموسيقي، وما لذلك من أثر في نفس الشاعر والمتلقي.

لذلك فقد رأينا أن تواتر لزوم القافية في القصيدة العربية الناتج عن الخبرة المتواترة المتناقلة لدى الأجيال المتعاقية من الشعراء الآباء رأيا يعتبر الخروج عليه وفرطه يعتبر عيبا.

وبالاضافة لما سبق فإن فرط القافية من عقد البيت الشعري يعتبر نثرا لجواهره وعدم تحديد أو توضيح لاطار صورته وبالتالي بقائه عاما عائما لا أول له ولا آخر.



من المسلم به أن نعتبر القافية تدخل في تعريف صحة البيت الشعري واعتماده شعرا أو غير ذلك.فاحكام القافية، احكام للمعنى من ناحية ولعقد الالفاظ من ناحية أخرى.

أما فرط القافية أو تنوعها وتعددها أو ارسالها، فغير مقبول لأن أي بيت ولو كان موزنا وذا ايقاع بغير قافية لا يعتبر شعرا، إنما يندرج تحت اسم أي فن أدبي أخر إلا الشعر.

View shamasnah's Full Portfolio
tags: