الشاعر في حضرة الحب/ اياد شماسنة

...

القمر قنديل السماء.

عاشق جلس طويلا يرقب زرقتها اللاهبة وغيها المتمادي ومداها المترامي وعزتها وامتناعها...فاحترق شوقا لها ووجدا بها، وأكرمته هي بأن جعلته رمزا للجمال لأنه كان عاشقا للحب والجمال، وبقي كل ليلة يعود فيشتعل لعله ينال من محبوبته أكثر مما نال.

الشعر احتراق الشاعر، وقلب الشاعر قمره المحترق.

والجمال سماء الشعر والشاعر، والحب والشاعر عاشق وعشيق.



الشاعر راهب وهب نفسه للجمال والبحث عنه، يستقطر العطر من بين الورود حينا، ومن بين الأشواك حينا آخر، يقطع الصحراء القاتلة ليذوق من حلاوة تمرها بعد مرارة حنظلها، ويعرف معنى الظل بعد عناء الهجير، والسلامة بعد الهلاك ويدرك أن رب الجمال لم يحرم خلقه من هبة جميلة لكل مخلوق، والشاعر بفطرته يرى ما لا يراه غيره، أو يمرون به دون أن يترك في قلوبهم أغنية جديدة للحب والبقاء.

والشاعر فارس حر لا يترجل، ولا يترجل إلا لشيء هو الحب، دربه إلى الجمال، وهو لا يطلق عنانه الجامح ويرسل كلماته ترتيلا وتسبيحا إلا لأجل محبوبه الأبدي:الحب والجمال.

والشعر عصافير من السنونو رقيقة بهية، ومنه النسور المحلقة ساكنة الأعالي وكلاهما فارس يطلق الربيع أجنحته وحنجرته ولا يردها إلا هلاكها، والربيع هو الحب.

والشاعر عاشق بطبيعته، عاشق إذا أحب فهو عاشق للحب وبالحب للجمال، وهو محب إذا كره، يكره لأنه يحب، وإذا قال أو حدث، أحب أو كره فإن لغة الحب لغته بها يحب وبها يكره وبها يعاتب.

والحب عند الشاعر حب كوني يجمع فيه كل حب يعرف، يحب كحب الام لوليدها وشوق الوليد لثدي أمه إذا أحب... ويبكي بكاء اليتيم من يتمه إذا فارق ويرقص عند سروره كما ترقص الفراشات للربيع، لغته لغة العاشق رقة، وفروسية الفارس اتقانة وروعة، ووفاءه وفاء فارس إذا وفى، إن رام نال، وإن قال قال.

وبين الحب والشعر والجمال وبين الشاعر والفارس عالم يعيشون فيه جميعا، كل يقول شعرا.

لكل فارس ميدان، وكلهم شعراء للجمال عاشقين له، ومحبين للحب، يقول أحدهم قولا فيحدث به الآخر، لأنهم يعلمون أن الشعر لغة الفرسان الأوائل... وكان الفرسان الأوائل عشاقا للفروسية والحب، فرسانا بالشعر.

والشعر لغة العاشقين الأبدية.

View shamasnah's Full Portfolio