طريق النحل



أفكار              أفكار             أفكار













هل تقلبتم ليلة في الفراش , واستعصى عليكم النوم , في محاولة لاقتناص أفكار هائمة , وجمعها معاً في حبكة واحدة

هل مددتم اليد لهفة إلى خيوط مشتتة , وصغتم منها ركيزة تستندون عليها في صعودكم .

نعم .. كلنا يفعل ذلك , وفق ما بين يديه , وما يرى أنه الوجهة الصحيحة , وربما في النهاية , كل الدروب ستوصل إلى



روما .

أما أنا .. فليلة البارحة ظل طنين النحل في أذني حتى انبثاق أولى خيوط الفجر.

ولأنني رغم ثرثرتي معكم التي تتساءلون متى ستنتهي , إلا أنني من هواة الإصغاء , وبعد الإصغاء المحاكمة العقلية والربط على قدر طاقتي المتواضعة .

وها أنا أحاول أن أنقل لكم ما باح به النحل تورية وتلميحاً , ومن كان له قلبٌ فليعقل ,دون تصورات مسبقة أو تخمين بأني أدعو لفكر أو دين أو مذهب ,

فما هي إلا تصورات وفق معطياتي كما أسلفت وما وجدته بين يدي , والساحة الفكرية أمام الجميع دون تخطيء أو تكفير طالما خطابنا خطاب عقل , وأول ما خلق الله العقل , وقال له أقبل فأقبل ثم أدبر فأدبر فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت أعظم منك .. بك أعاقب وبك أثيب ؟؟ :

قال النحل :

هل تساءلت لم وردت سور في كتاب مقدس مثل القرآن بأسماء بعض الحيوانات كالأنعام والبقرة والنمل والعنكبوت والنحل ؟ أليس في ذلك تقليل لشأنه ؟ وهل انتهت أسماء العقال حتى تتسمى سورا تخاطب عقلاً بشرياً بأسماء الحيوانات

وهل تفكرت وتدبرت بسورة النحل تحديداً , وتلوت الآية الكريمة فيها: " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون "

وتساءلت ما الآية في النحل إن كنت من قوم يتفكرون ؟.

وهل قرأت ما جاء على لساني في رسالة الحيوان , في الجزء الثاني من رسائل أخوان الصفاء , وعرفت ممثولي ؟

هل اهتديت يوماً لسر تسمية الإمام علي علينا منه السلام – أمير النحل –

وإذا كنت تعتبرين شواهدي تخص الإسلام فقط فقرآنهم لهم , وعليٌّ أميرهم , ورغم أني لا أوافقك الرأي ..

إذ أرى :

أن القرآن الكوني الذي أنزل أو جعل بصيغة عربية - لعلكم تعقلون ومرة لعلهم يتقون - والذي يحمل طيه مستقبلاً , أكاد أقسم عليه

يأتي فيه الخطاب الإلهي في أكثر الأحيان : يا أيها الذين آمنوا ,ولم يأت مرة , يا أيها الذين أسلموا !! فليس كل مسلم مؤمن , وليس كل مؤمن مسلم ؟؟؟؟

وعلي أمير المؤمنين .. والإيمان متى كان يقتصر على الإسلام وحده ؟؟؟؟ ومن آمن بتبدل قمص الحقيقة يفهم علي .

والدين يتطور كسائر الأشياء في الكون .

ولو تذكرتم قصة التطور وكيف تطور قسم من النوع دون غيره وقارنتم القصة بالأديان :

كيف بقي مثلاً قسم من اليهود على ديانتهم وقسم اتبع نبي الله عيسى , وهذا ما حصل حين جاء محمد رسول الله عليه وعلى آله السلام.

لكنهم للأسف اتبعوا ظاهر الديانة الجديدة – التشريع - وأعرضوا عن الباطن , عكس المخلوقات التي تطورت ظاهراً وباطناً , فما حققوا حقيقة التطور ولا الهدف من تتالي الرسالات .

فإذا لم تقتنعي معي أسأل : هل المثل المضروب في الطبيعة لأمة دون سواها ؟؟

إذاً تعالي معي إلى عالم النحل :

هل أدهشك العسل الذي يخرج من بطوني فيه شفاء لكل داء ؟

هل تأملت بقصة النحل العجيبة في عالم الطبيعة , والنحل أرقى الحشرات كما يجمع العلماء ؟

والتي تعيش في مجتمعات منظمة تعجز البشرية - التي تفتخر بنعمة العقل - أن تضاهيها

إذا كنت لا تعرفين الكثير عن حياتي , هيا ..إلى منظومتي أعرفك عليها :

تتألف مملكتي من ملكة مخصبة واحدة , وعدة مئات من الذكور , وعدة آلاف من العاملات غير المخصبات متخصصات لصنع الخلية ولكل منها شكلها المميز , ليناسب دوره المحدد .

على عاتق العاملات منا تقع مسؤولية التنظيف والدفاع والعناية بالصغار وتوفير الغذاء حسب عمر العاملة .

فبنت ثلاثة أيام وظيفتها تنظيف الكوارة من الجثث وتهويتها بأجنحتها , وبنت أربع تغذي اليرقات بالعسل وغبار الطلع , وبنت ست تغذي بعض اليرقات بالهلام الملكي , وفي اليوم الحادي عشر إلى السابع عشر تخزن العسل وغبار الطلع , ويصنعن أقراص الشمع من إفرازات غددية أسفل البطن .. تكون سائلة وتتصلب بتعرضها للهواء , تلوكها العاملة وتبنب بها سلسلة من النخاريب السداسية ؟؟؟ مختلفة الأحجام حيث بعضها مهداً

لبيوض وبعضها لتربية الذكور وأكبرها لتربية الملكات وهي الخلايا الملكية قليلة العدد , وبعضها لخزن العسل وغبار الطلع .

بين اليوم الثامن عشر والعشرين تحرس العاملات الخلية , وفي اليوم الحادي والعشرين تصنع العسل بلعق الأزهار و تسلمه إلى الأصغر سنا لوضعه مكانه , كما يدعمن جدران الخلية لضمان مقاومتها للماء .

أما الذكور منا فلا ترى إلا أثناء انشاء خلايا جديدة . فإذا عادت الملكة من طيران زفافها قامت العاملات بقتل الذكور جميعاً .

الملكة تخرج من بيتها مرة واحدة فقط , للزواج في مراسم خاصة , تتبعها الذكور ليلقحها أقواها , ويموت بعدها وتعود الملكة إلى الخلية , واضعة بيضها الملقح الذي يفقس عن إناث فقط وبيوض غير ملقحة بتكاثر بكري أو عذري تفقس عن ذكور .

لا تقتصر فوائدنا على العسل والشمع بل تتعداها إلى سمّنا المفيد بعلاج بعض الأمراض التي تشفيها قرصات النحل *

يقول ابن عمر :

" مثل المؤمن , مثل النحلة , ووجه المشابهة بينهما حذق النحل وفطنته وقلة أذاه وحقارته ومنفعته وقنوعه وسعيه في الليل وتنزهه عن الأقذار وطيب أكله وأنه لا يأكل من كسب غيره وطاعته لأميره

وأن للنحل آفات تقطعه عن عمله منها : الظلمة والغيم والريح والدخان والماء والنار

وكذلك المؤمن له آفات تفتره عن عمله : الظلمة والغفلة وغيم الشك وريح الفتنة ودخان الحرام وماء السعة ونار الهوى "

هذا حديث النحل لي حتى طلع الصباح علي.

أصدقائي : ( إذا ) آمنتم أن الله أنشأ خلقه على مثال دينه , فالدين عند الله قبل الخلق لا بعده !!

فهل سنخرج معاً بربط النهايات بالبدايات بنتيجة لا تجعل الدين غريباً ومستبعداً عن العلم ,

وإن ( لم تؤمنوا بهذا الحديث )

فأنها تبقى رؤية خاصة , ومن شاء فليؤمن , لا إكراه في الدين – والدين عند الله الإسلام – ولكن أي إسلام ؟؟؟

****

ثم دعاني النحل إليه من جديد في وقت لاحق , " والأمور مرهونة بأوقاتها " لا نملك أن نقدم أو نؤخر بذلك قيد شعرة .

فجئته أسعى , لأرى أي حجاب أزاحه من أمامي وما الرؤية التي يطالعني بها هذا الحين.

فقال لي :

تعالي إلى محراب الصمت يا من تتهجين حروف كتاب الحياة حرفاً حرفاً , دون تخطٍ للمراحل وأنصتي إلى ما أوحي لي .

أنا آية من آيات الوجود فلا تعرضي عنها , ولا تكوني " أكثر شيء جدلا " .

في الآفاق والأنفس آياته , ليتبين لك أنه الحق .

بل أنا مدرسة العرفان ذاتها , فتعلمي ولا تقاطعي علّك تكونين نحلة حقاً.

ويوماً حين تفلس البشرية من غرورها , ستعود لتتعلم في مدرستنا.

ستدرك أنها لتنشئ المدينة الفاضلة , أو الجنة على الأرض , تحتاج أن تقرأنا بعين البصيرة الخبيرة .

لقد فاتك بالأمس أن تمعني النظر في قانون التفاضل هنا , في مملكتنا.

وفاتك أن تري أن " كل شيء ميسر لما خلق له "

فلكل دوره المقسوم منذ الأزل , والخروج عن القانون تمرد عاقبته وخيمة .

النحلة منا تبسط كامل طاقتها في عمل دؤوب .

لا يعرف النحل الحسد , ولا ينظر فوقه تأكله الغيرة , ولا تحته ترفعاً وكبرياء

بل يندفع للأمام كخادم في معبد الوجود دون امتعاض واعتراض .

لا يهتم النحلة إلى كمّ العمل ولا سرعته ما دامت بذلت استطاعتها ولم تركن للكسل .

وكيف تركن له وقانون الجماعة يحكمها , وتقاسم العمل شعار مملكتها , والنظام دستورها

لو فعلت لأزاحتها الجماعة من الدرب ! فالخلية هي الأهم , والغاية أبعد منها

النحل يفنى وتبقى الخلية

الأفراد يرحلون ويبقى الوجود .

وقانون التفاضل قانون واحد , لا تري في خلق الرحمن من تفاوت

امعني النظر هل تري من فطور

والتسليم هو الرد الطبيعي على ذاك القانون

فتامليه عندنا

هل رأيت يوماً انقلاباً هاهنا

أو ثورة لخلع الملكة عن مقامها الإلهي

عن عرش كان على الماء وما أدراك ما الماء

أو منافسة و مطاحنة لقلب الموازين

لن ترين ذلك حتى عند الذكور الماضين نحو حتفهم بتسليم وإقرار

والجميل أن النحلة العاملة فينا يقودها التسليم إلى مهام أرفع كلما تقدم بها العمر

ففي البدء يقتصر عملها داخل الخلية ..

وعندما تكبر وتبلغ الرشد

تسلك سبل " ربها " المذللة

وتخرج لتاكل من كل ثمراته

والأكل هنا عملية معقدة تشمل مراحل عدة ريثما يتحول إلى شراب مختلف الوانه فيه الشفاء

أما عندكم فقد بات الأمر حاجة , مذ خرجتم عن الصراط والاعتدال ووضع الأمور في غير نصابها

مذ أصابكم الكبر والغرور وساويتم بين المقامات

مذ سلمتم زمام الأمور لغير أهلها

وأراك تهمسين : ذلك عهد مضى , فحتام نقلب أوراق الماضي ويشغلنا التاريخ عن اللحظة الحاضرة

ولكن تأملي قليلاً .. ألا ترين أن التاريخ يعيد نفسه , إنما بأشكال أخرى

الا يصيح كل واحد منكم مذ تعلم حرفين : أنا ربكم الأعلى

هل نقر بمبدأ التفاضل

أو " ورفعنا الذين أوتوا العلم منكم درجات "

يقول لسان حالك : كان للمؤمنين أميرهم ورحل

ولكن هل يخلو وقت من أمير للمؤمنين

وتعارضين كعادتك : وكيف أعرفه

فأجيب : يعرفه الباحث من جنسه

وسكت النحل مذ رأى شرودي وحيرتي

وواعدني ببوح آخر في زمن آخر



***











.

*ثناء درويش*










View thana-darwish's Full Portfolio