الفصل الثاني

 

 

 

الفصل الثاني


بعد أقل من شهر من تجديفي على الكبير، خرجت من المشفى سالماً معافىً. 

الطبيب المشرف على حالتي المستعصية.. وقف مذهولاً يراجع للمرة العاشرة الصور و التحاليل يكاد لا يصدق المعجزة. 

خطر لي أن أضعف من جديد أمام الرؤى، و أقصّ عليه ما رأيت قبل مدة في نومي، قبل مرضي بكثير..  أن يدا خفيّة تجري لي عملية و تخرج من جسدي شيئاً لم اره ثم تعيد إغلاق الجرح بلا أثر. 

لو قصصت عليه رؤياي بشغف المؤمن الذي كنته، لاصطنع اهتماماً لبرهة ثم غادرني ملبياً نداء الممرضة المستعجل. 

لم تكن تلك المرة الأولى التي أجدّف و أكفر و أسخر.. و أنا في ذروة الضيق ثم يكافئني الظلّ الخفي بفرج غير متوقع. 

كانت أيام...  و رحلت مع عذاباتها تاركة ندبة في القلب و تشويشاً في الإدراك و العجز عن الفهم. 

كنت آنذاك شاباً أدرس في بلد غريب .. لأجدني بين يوم وليلة محشوراً في زنزانة ضيقة مع جنسيات مختلفة، تمر علي الأيام ولا أدري ما تهمتي. 

السوس ينخر رأسي و ألف احتمال يراودني ....

هل يكتبون التقارير هنا كما عندنا بخطوط أنيقة منمقة. ؟!

هل يرشّون البهارات على جملة قيلت بلا قصد لتغدو طعاماً مسموماً بنظرهم. ؟!

هل أبناء بلدي حملوا معهم غلّهم و غيرتهم إلى هنا للخلاص مني بأيد نظيفة. 

ومن يأبه لشاب خجول لم يعرف حتى حسناوات هذه المدينة الكبيرة. ؟؟؟

كي تكون محققا تحتاج لحنكة و ذكاء عشرات العقول مجتمعة. 

فالسؤال ذاته يتكرر بألف صيغة فيما عيناه تسبران أقصى نقطة فيك. 

و أنت في قمة خوفك و عجزك عليك ان توحّد إجابتك مهما تقلّب السؤال. 

لا أدري بأي لغة كنت أجدّف و أكفر في سرّي.  هل بلغتي الأم أم بلغة البلد المضيف أم من غير لغة. 

استطعت بعد زمن أن أحزر تهمتي و أخمن سبب وجودي هنا كإرهابي عربي. 

رسائل الكترونية أتبادلها مع صديق و فكاهات للنكتة لا أكثر. 

و بعد سجن لشهور حسبتها دهورا

اليد التي أدخلتني تخرجني

الظل الذي جدفت عليه يتولاني حين تخلت عني حتى حكومة بلدي. 

لا تسألوني كيف..  فأنا نفسي لا أدري.

 

 

View thana-darwish's Full Portfolio