بلقيس

بلقيس بلقيس



بلقيس



شكراً لكم

شكراً لكم

فحبيبتي قتلتْ

وصار بوسعكمْ

أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة

وقصيدتي اغتيلتْ

وهل من أمةٍ في الأرض

إلا نحنُ..

تغتالُ القصيدة



بلقيسُ

كانتْ أجملَ الملكاتِ في تاريخ بابلْ



بلقيسُ

كانت أطولَ النخلاتِ في أرضِ العراقْ

كانتْ إذا تمشي..

ترافِقها طواويسٌ

وتتبعها أيائِلْ



بلقيسُ يا وجعي

يا وجعَ القصيدةِ حينَ تلمسها الأناملْ

هل يا ترى..

من بعدِ شعركِ سترتفعُ السنابلْ!!

يا نينوى الخضراءْ

يا غجريتي الشقراءْ

يا أمواجَ دجلة

تلبسُ في الربيع بساقها

أحلى الخلاخلْ



قتلوكِ يا بلقيسُ

أية أمةٍ عربيةٍ

تلكَ التي..تغتالُ أصواتَ البلابلْ؟؟

أينَ السموألُ..والمهلهلُ؟؟

والغضاريفُ الأوائلْ

فقبائلٌ أكلتْ قبائلْ

وثعالبٌ قتلتْ ثعالبْ

وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ

قسَماً بعينيكِ اللتين إليهما

تأوي ملايينُ الكواكبْ

سأقولُ-يا قمري-عن العربِ العجائبْ

فهلِ البطولة كِذبَةٌ عربيةٌ

أمْ مِثلنا التاريخ كاذِبْ!!



بلقيسُ

لا تتغيبي عني

فإن الشمسَ بعدكِ..لا تضيءُ على السواحلْ

سأقولُ في التحقيق:

إن اللصَ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ

سأقولُ في التحقيق:

إن القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقاولْ

وأقولُ:

إن حكاية الإشعاع أكبرُ كِذبةٍ قيلتْ

فنحنُ قبيلة بين القبائلْ

هذا هوَ التاريخُ يا بلقيسْ

كيفَ يميّز الإنسانُ

بينَ الحدائِق والمزابِلْ



بلقيسُ

أيتها الشهيدةُ..والقصيدةُ

والمعطّرة النقية ْ

سبأ ٌ تفتشُ عن مليكتها

فردّي للجماهير التحية

يا أعظمَ الملكاتِ

يا امرأةً تجسّد ُ كل أمجادِ العصور السومرية



بلقيسُ..يا عصفورتي الأحلى

ويا أيقونتي الأغلى

ويا دمعا ً تناثرَ فوق خدِّ المجدليّة

أترى ظلمتكِ إذ نقلتكِ..ذاتَ يوم

من ضفافِ الأعظمية

بيروتُ تقتلُ كلّ يوم ٍ واحدا منا

وتبحثُ كلّ يوم ٍ عن ضحيّة

والموتُ في فنجان قهوتنا

وفي مفتاح شقتنا

وفي أزهار شرفتنا

وفي أوراق الجرائدِ..والحروفِ الأبجديّة

ها نحنُ يا بلقيسْ

ندخلُ مرّة ً أخرى..لعصر الجاهليّة

ها نحنُ ندخلُ في التوَحش

والتخلفِ والبشاعةِ والوضاعةِ

ندخلُ مرّة ً أخرى..عصورَ البربريّة

حيثُ الكتابة ُ رحلة

بين الشظيّة ِ والشظيّة

حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلها

صار القضيّة

هل تعرفونَ حبيبتي بلقيس؟

فهي أهمُّ ما كتبوهُ في كتبِ الغرامْ

كانت مزيجا رائعا

بينَ القطيفةِ..والرّخامْ

كان البنفسجُ بين أعينها..ينامُ ولا ينامْ



بلقيسُ يا عِطرا ً بذاكرتي

ويا قبرا ً يُسافِرُ في الغمامْ

قتلوكِ-في بيروتَ-مثلَ أيّ غزالةٍ

من بعدِ ما قتلوا الكلامْ



بلقيسُ..ليستْ هذهِ مرثية ٌ..لكنْ

على العربِ السلامْ



بلقيسُ

مشتاقونَ مشتاقونَ مشتاقونْ

والبيتُ الصغيرْ

يسألُ عن أميرتهِ المعطرةِ الذيولْ

نصغي إلى الأخبار..والأخبارُ غامضة

ولا تروي فضولْ



بلقيسُ..مذبوحونَ حتى العظم

والأولادُ لا يدرونَ ما يجري

ولا أدري أنا ماذا أقولْ

هل تقرعينَ البابَ بعدَ دقائق ٍ؟؟

هل تخلعينَ المعطفَ الشتويَّ؟؟

هل تأتينَ باسمة ً..وناضرةً..كأزهار الحقولْ؟؟



بلقيسُ إن زروعكِ الخضراءَ

ما زالت على الحيطانِ باكيةٌ

ووجهكِ لم يزلْ متنقلاً

بينَ المرايا والستائرْ

حتى سجارتكِ التي أشعلتِها

لم تنطفىء..ودُخانها

ما زالَ يرفضُ أن يُسافرْ



بلقيسُ..مطعونونَ مطعونونَ في الأعماقْ

والأحداقُ يسكنها الذهولْ



بلقيسُ..كيف أخذتِ أيامي وأحلامي

وألغيتِ الحدائقَ والفصولْ؟؟

يا زوجتي

وحبيبتي وقصيدتي..وضياءَ عينيْ

قد كنتِ عصفوري الجميل

فكيفَ هربتِ يا بلقيسُ مني؟



بلقيسُ..هذا موعدُ الشاي العراقيّ المعطرْ

والمعتقُ كالسلافة

فمن الذي سيوزعُ الأقداحَ أيتها الزرافة

ومن الذي نقلَ الفراتَ لبيتنا

وورود دجلة والرصافة؟



بلقيسُ..إن الحزنَ يثقبني

وبيروتُ التي قتلتكِ..لا تدري جريمتها

وبيروتُ التي عشقتكِ

تجهلُ أنها قتلتْ عشيقتها

وأطفأتْ القمرْ



بلقيسُ..يا بلقيسُ..يا بلقيسْ

كلّ غمامةٍ تبكي عليكِ

فمنْ ترى يبكي عليّا



بلقيسُ كيفَ رحلتِ صامتة

ولم تضعي يديكِ على يديّا؟



بلقيسُ كيفَ تركتنا في الريح

نرجفُ مثلَ أوراق الشجرْ

وتركتنا-نحن الثلاثة-ضائعينْ

كريشةٍ تحتَ المطرْ

أتراكِ ما فكرتِ بي

وأنا الذي يحتاجُ حبكِ..مثلَ زينبَ أو عمرْ



بلقيسُ يا كنزا خرافيا..ويا رمحا عراقيا

وغابة َ خيزرانْ

يا من تحديتِ النجومَ ترفعا

من أينَ جئتِ بكلّ هذا العنفوانْ؟



بلقيسُ

تذبحني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتنا

وتجلدني الدقائقُ..والثواني

فلكلّ دبوس ٍ صغير ٍ قصة

ولكلّ عِقدٍ..من عقودكِ..قصتانِ

حتى ملاقط ُ شعركِ الذهبيّ

تغمرني كعادتها..بأمطار المنانِ

ويُعرّش ُ الصوتُ العراقيّ الجميلُ

على الستائر..والمقاعدِ..والأواني

ومن المرايا تطلعينْ

من الخواتم تطلعينْ

من القصيدةِ تطلعينْ

من الشموع..من الكؤوسِ

من النبيذِ الأرجواني



بلقيسُ يا بلقيسْ

لو تدرينَ ما وجعُ المكانِ

في كلّ ركن ٍ..أنتِ حائمة ٌ كعصفورٍ

وعابقة ٌ كغابةِ بيلسانِ

فهناكَ كنتِ تدخنينْ

هناكَ كنتِ تطالعينْ

هناكَ..كنتِ كنخلةٍ تتمشطينْ

وتدخلينَ على الضيوفِ

كأنكِ السيفُ اليماني



بلقيسُ..أين زجاجة ُ الغيلان

والولاعة الزرقاء؟

أين سيجارة ال(كنتِ)التي ما فارقت شفتيكِ

أينَ الهاشميّ مغنيا

فوقَ القوام المهرجانِ

تتذكرُ الأمشاط ُ ماضيها..فيكرجُ دمعها

هل يا ترى الأمشاط ُ من أشواقها..أيضا تعاني؟

بقيسُ..صعبٌ أن أهاجرَ من دمي

وأنا المحاصرُ بينَ ألسنةِ اللهيبِ

وبينَ ألسنةِ الدُخانِ



بلقيسُ:أيتها الأميرة

ها أنتِ تحترقينَ..في حربِ العشيرةِ والعشيرة

ماذا سأكتبُ عن رحيل مليكتي

إنّ الكلامَ فضيحتي

ها نحن نبحثُ بين أكوام الضحايا

عن نجمةٍ سَقطتْ

وعن جسدٍ تناثرَ كالمرايا

ها نحنُ نسألُ يا حبيبة

إن كانَ هذا القبرُ قبركِ أنتِ..أم قبرُ العروبة



بلقيسُ يا صفصافة أرخت ضفائرها عليّ

ويا زرافة كبرياءْ

بلقيسُ

إن قضائنا العربيُ أن يغتالنا عربٌ

ويأكل لحمنا عربٌ..ويفتحَ قبرنا عربٌ

فكيفَ نفرُّ من هذا القضاءْ؟

فالخنجرُ العربيُّ ليسَ يقيمُ فرقا

بين أعناق الرجال..وبينَ أعناق النساءْ



بلقيسُ..إن همْ فجروكِ..فعندنا

كلّ الجنائز تبتدي في كربلاءْ

وتنتهي في كربلاءْ

لن أقرأ التاريخ بعد اليوم

إن أصابعي اشتعلتْ

وأثوابي تغطيها الدماءْ

ها نحن ندخلُ عصرنا الحجريّ

نرجعُ كل يوم..ألف عام للوراءْ

البحر في بيروت

بعدَ رحيل عينيكِ..استقالْ

والشعر يسألُ عن قصيدتهِ..التي

لم تكتمل كلماتها..ولا أحدٌ

يجيبُ على السؤالْ

الحزن يا بلقيس

يعصرُ مهجتي كالبرتقالْ

الآن.َ.أعرفُ مأزقَ الكلماتِ

وأعرفُ ورطة اللغةِ المحالة

وأنا الذي اخترع الرسائلَ..لستُ أدري

كيفَ أبتدىءُ الرسالة

السيفُ يدخلُ لحمَ خاصرتي

وخاصرة العبارة

كلُّ الحضارةِ..أنت يا بلقيسُ..والأنثى حضارة



بلقيسُ أنتِ بشارتي الكبرى

فمن سرقَ البشارة؟

أنت الكتابة قبلما كانت كتابة

أنت الجزيرةُ..والمنارة



بلقيسُ

يا قمري الذي طمروهُ ما بين الحجارة

الأن ترتفعُ الستارة

الأن ترتفعُ الستارة

سأقولُ في التحقيق

إني أعرف الأسماءَ والأشياءَ والسجناءَ

والشهداءَ..والفقراءَ..والمستضعفينْ

وأقول أني أعرفُ السيافَ..قاتلُ زوجتي

ووجوهَ كلّ المخبرينْ

وأقولُ إن عفافنا عهرٌ

وتقوانا قذارة

وأقول إن نضالنا كذبٌ

وأن لا فرق..بين السياسةِ والدعارة

سأقولُ في التحقيق

إني قد عرفت القاتلينْ

وأقول إن زماننا العربي مختص بذبح الياسمين

وبقتل كلّ الأنبياءِ

وقتل كلّ المرسلينْ

حتى العيونُ الخضرُ

يأكلها العربْ

حتى الضفائرُ والخواتمُ

والأساورُ والمرايا..واللعبْ

حتى النجومُ تخافُ من وطني

ولا أدري السببْ

حتى الطيور تفرّ من وطني

ولا أدري السببْ

حتى الكواكب والمراكب والسحبْ

حتى الدفاترُ والكتبْ

وجميع أشياء الجمال

جميعها ضدّ العربْ

لماذا تناثرَ جسمكِ الضوئيّ..يا بلقيسُ

لؤلؤة كريمة

فكرتُ..هل قتلُ النساءِ هواية عربية

أم أننا في الأصل..محترفو جريمة؟؟

بلقيسُ..يا فرسي الجميلة..إنني

من كلّ تاريخي خجولْ

هذي بلادٌ يقتلون بها الخيولْ

هذي بلادٌ يقتلون بها الخيولْ

من يوم أن نحروكِ..يا بلقيسُ

يا أحلى وطنْ

لا يعرفُ الإنسان كيف يعيش في هذا الوطنْ

لا يعرفُ الإنسان كيف يموت في هذا الوطنْ

ما زلتُ أدفعُ من دمي..أعلى جزاءْ

كي أسعدَ الدنيا..ولكنّ السماءْ

شاءت بأن أبقى وحيدا

مثل أوراق الشتاءْ

هل يولدُ الشعراءُ من رحم الشقاءْ؟؟

وهل القصيدة طعنة ٌ..في القلبِ

ليسَ لها شِفاءْ؟

أم أنني وحدي الذي

عيناهُ تختصران تاريخ البكاءْ؟

سأقولُ في التحقيق

كيفَ غزالتي ماتت بسيفِ أبي لهبْ

كلّ اللصوص من الخليج إلى المحيطِ

يدمرونَ..ويحرقونَ

وينهبونَ..ويرتشونَ

ويعتدونَ على النساءْ

كما يريدُ أبو لهبْ

كلّ الكلابِ موظفونْ

ويأكلونَ..ويسكرونْ

على حسابِ أبي لهبْ

لا قمحة ٌ في الأرض..تنبتُ

دون رأي أبي لهبْ

لا طفلَ يولدُ عندنا

إلا وزارت أمه..يوما فراش أبي لهبْ

لا سجنَ يُفتحُ..دون رأي أبي لهبْ

لا رأسَ يُقطعُ..دون أمر أبي لهبْ

سأقولُ في التحقيق

كيفَ أميرتي اغتصبتْ

وكيفَ تقاسموا فيروزَ عينيها

وخاتمَ عرسها

وأقولُ كيف تقاسموا الشعر الذي يجري..كأنهار الذهبْ

سأقولُ في التحقيق

كيف سطوا على آياتِ مصحفها الشريفِ

وأضرموا فيهِ اللهبْ

سأقولُ كيفَ استفذوا دمها..وكيفَ استملكوا فمها

فما تركوا بهِ وردا..ولا تركوا عنبْ

هل موتُ بلقيسَ..هو النصرُ الوحيدُ

بكلّ تاريخ العربْ؟



بلقيسُ..يا معشوقتي حتى الثمالة

الأنبياءُ الكاذبونَ

يقرفصون..ويكذبونَ على الشعوبِ

ولا رسالة

لو أنهم حملوا إلينا..من فلسطينَ الحزينة

نجمة ً..أو برتقالة

لم أنهم حملوا إلينا..من شواطىء غزةٍ

حجرا ً صغيرا ً..أو محارة

لو أنهم من ربع قرن ٍ..حرروا زيتونة

أو أرجعوا ليمونة..ومحوا عن التاريخ عارة

لشكرتُ من قتلوكِ يا بلقيس

يا معبودتي حتى الثمالة

لكنهم تركوا فلسطينا ً..ليغتالوا غزالة

ماذا يقولُ الشعرُ يا بلقيسُ في هذا الزمانِ؟

ماذا يقولُ الشعرُ..في العصر الشعوبي

المجوسي

الجبانِ

والعالمُ العربيّ..مسحوقٌ

ومقموع  ٌ..ومقطوع ُ اللسانِ

نحنُ الجريمة في تفوقها..فما العقدُ الفريدُ

وما الأغاني

أخذوكِ أيتها الحبيبة من يدي

أخذوا القصيدة من فمي

أخذوا الكتابة والقراءة

والطفولة َ والأماني



بلقيسُ يا بلقيسْ

يا دمعا ً يُنقط فوقَ أهدابِ الكمانِ

علمتُ من قتلوكِ أسرارَ الهوى

لكنهم..قبلَ انتهاءِ الشوطِ

قد قتلوا حصاني



بلقيسُ

أسألكِ السماحَ..فربما

كانتْ حياتكِ فدية ً لحياتي

إني لأعرفُ جيدا

أن الذينَ تورطوا

في القتل ِ,كان مُرادهمْ

أن يقتلوا كلماتي

نامي بحفظِ اللهِ أيتها الجميلة

فالشعرُ بعدكِ مستحيلٌ

والأنوثة ُ مستحيلة

ستظلّ أجيالٌ من الأطفال

تسألُ عن ضفائركِ الطويلة

وتظلّ أجيالٌ من العشاق تقرأ عنكِ أيتها المعلمة الأصيلة

وسيعرفُ الأعرابُ يوما ً..أنهمْ

قتلوا الرسولة

قتلوا الرسولة

ق ت ل و ا

ا ل ر س و ل ة






Author's Notes/Comments: 

هل تستلزم القصيدة ضحية من ا\لعماق كي تأتي بهذا الشكــل!!
قد اغتالوك في بيروت يا بلقيس فأتى بك زوجك مرة أخرى ببلقيس ،ولكن.
نزار قباني

View tariqasrawi's Full Portfolio