دفاع عبدالخالق محجوب فى قضية الشيوعية الكبرى : الرأى ا

الرأى العام بتاريخ الأحد 11/ 10/ 1959 ‏



  



دفاع عبدالخالق محجوب فى قضية الشيوعية الكبرى



  



يا سعادة القاضى :‏



  



ان هذه القضية المعروضة أمام محكمتكم الموقرة ، قضية مختلقة من أساسها . دافعها االحقد والتشفى – حقد النظام الراهن على شخصيا ، وحقد كبار ‏رجال البوليس للأسباب الآتية: ان النظام الراهن يعلم سلفا .. (لم يترك القاضى عبدالخالق يمضى فى حديثه . بل أوقفه وطلب اليه ألا يتخذ من المحكمة ‏مسرحا لاثارة أشياء لا تمس للقضية )‏



  



المتهم : عاوز أشرح الدوافع ولماذا قدمت الجبهة المعادية للاستعمار دون الأحزاب الأخرى للمحاكمة .‏



  



القاضى : برضو أحب أنبهك ألا تجعل من المحكمة مسرحا لكلام خارج عن القضية .‏



  



المتهم : أريد أن أبين دوافع كبار المسئولين فى البوليس ، وفى أسباب أحب أشرحها للمحكمة .‏



  



القاضى : أرفض أن تكون المحكمة مسرحا لشىء خارج عن هذه القضية .‏



  



المتهم : أنا سعادتك أريد أشرح الدوافع التى حركت هذه القضية – فى دوافع خارجه عن نطاق القانون – دوافع شخصية . فيها حقد ، وسأشرح الدافع ‏الذى أتى بهذه القضية للمحكمة .‏



  



القاضى : التهمة التى أمامك ذات شطرين ، وهى تقول أن جمعيتكم تنتمى لمنظمة غير شرعية . والمحكمة تطلب منك حصر كلامك فى هذه القضية .‏



  



المتهم : قبل 17 نوفمبر كان معروف رأينا فى الانقلاب .‏



  



القاضى : انت منو



  



المتهم : أنا عبد الخالق محجوب .‏



  



مرة ثانية لفت القاضى نظر المتهم أن يحصر كلامه فى القضية (محاورة بين هيئة الدفاع والقاضى)‏



  



المتهم : أقرر أن هذه البيانات التى قدمها البوليس مختلقة ، ويكفى لتوضيح ذلك ماقاله شاهد الاتهام ، الذى أبلغ المحكمة بأنه أغرى بالمال تحت التهديد ‏والخوف ليشهد ضدنا . وليس ذلك بغريب . فأنا شخصيا معروف رأيى فى الحكومة الراهنة قبل ميلادها بشهر كامل حينما أعلنت فى ليلة سياسية بميدان ‏عبدالمنعم بأن السيد عبدالله خليل (رئيس الوزراء) يخطط مع نفر من كبار ضباط الجيش والسفارة الأمريكية للقيام بانقلاب فى هذه البلد .‏



  



القاضى : ألفت نظرك للكلام فى القضية .‏



  



المتهم : وأحب أن أقرر وأؤكد بأنى منذ 17 نوفمبر 1958 ، والى أن تم القبض على ، كنت موجودا . ولكن لا أملك المقدرة التى تجعل الأعمى يبصر . وقد ‏قمت بكل المجاملات الاجتماعية مل وفاة السيد عبدالرحمن المهدى وقابلت بعض أعضاء المجلس الأعلى . والقول بأنى كنت مختفيا قصد به التشويش ‏وتبرير المرتبات التى تصرف والزيادات التى طرأت على الميزانية .‏



  



أنا لما وجدت الأوضاع فى السودان تغيرت بشكل لا أرضاه .‏



  



القاضى : مرة ثانية لا تتحدث عن الأوضاع الحاضرة .‏



  



المتهم : طيب . أنا مقر بأنى شيوعى ، أى شخص مؤمن بعد دراسة بالثقافة الماركسية . وحوربت وطوردت بسبب انتمائى لهذه الثقافة التى أحملها ، ‏بينما فى البلد جمعيات تجسسية ينضم اليها الكبار و لا يسألون . أما أنا فلمجرد ثقافتى حوربت وتصادر كتبى وأتعرض للتفتيش من وقت لآخر . هذا هو ‏السبب الذى أضطرنى لأرحل من بيتنا فأنا لا أقبل أن يدخل رجال البوليس بيتنا وهذا يتعارض مع تقاليدنا وأنا حسب معرفتى بهذه البلد سيأتى اليوم الذى ‏تكون فيه حرية الرأى مكفولة . (انتهى)‏



  



خلفيات هذه القضية :‏



  



فى يوم 18 يونيو 1959 القى القبض على الأستاذين عبد الخالق محجوب وعبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة ، ولم يجد البوليس بحوزتهما ما يمكن اتخاذه ‏ذريعة لتقديمهم للمحاكمة . وبعد بضعة أيام جرى اعتقال سمير جرجس والتيجانى الطيب وقد أحضرا من معتقل ناقشوط بالاضافة الى أشخاص آخرين . ‏نسبة لعدم وجود شهود يعتد بهم لتحريك هذه القضية أوعز أباروا (مدير الأمن) لرجاله بأن يعملوا على شراء بعض ضعاف النفوس للأدلاء بشهادات ضد ‏المتهمين تؤكد صتهم بادارة منظمة مناهضة للحكومة . فوقع الاختيار على شخص يدعى عبدالقادر حمدتو . وتم تهديده باجراءات صارمة اذا لم يتعاون ‏مع ممثل الاتهام فيما عرف بقضية الشيوعية الكبرى . ولكن شاهد الاتهام أصغى لصوت العقل والضمير وقلب مجريات المحاكمة رأسا على عقب حينما ‏طلب منه الادلاء بشهادته وذكر : "يا سعادة القاضى أنا انتظرت هذه الحظة من مدة عشان أخلص ضميرى. قبض على فى البيت . فتشوا ولم يجدوا شيئا ‏ووضعت فى الحراسة حتى الصباح الساعة 6:30 . طلب منى ضابط البوليس أن أردد أمام المحكمة بعض المعلومات التى كتبها فى ورقة وهددنى ‏بالاعتقال اذا لم أنفذ بالحرف الواحد كل كلمة كتبها . وفى اليوم التانى قابلت السيد أبارو وقال لى : علمت بأنك اعترفت . قلت ليهو أنا ما اعترفت ولكن ‏كررت ما أملى على . قال لى أنا عارف ولكن أحسن تتعاون معنا . قلت له كويس . وبعد اسبوع نادانى وقال لى اعتقلنا عبد الخالق ووسيلة وعاوزنك ‏تشهد ضدهم . قلت له : ولكن لا أعرفهم . فماذا أقول . قول بأنك شيوعى وبأن عبد الخالق هو سكرتير الحزب وأن وسيلة حضر معكم عدة اجتماعات . قل ‏له ولكن كيف أقول حاجة لأضر أشخاص آخرين . قال لى من مصلحتك تقوله ومش حتحصل ليك حاجة . و لاتنسى أن اعترافك موجود ويمكن أن نتعمله ‏ضدك فى أى لحظة . بعد داك أعطانى 25 قرشا للمواصلات... ‏



  



فى بداية المحكمة قدم أبارو مرافعة طويلة حول تاريخ الحزب الشيوعى وطرق عمله والأسماء الحركية للمتهمين . وأعقبه شهود اتهام من أفراد البوليس ‏حتى جاءت شهادة عبدالقادر حمدتو الذى فجر قنبلة داوية وأدلى باعترافه وتعرضه للتخويف والاغراء ليدلى بشهادة لا يقر بصحتها . وهكذا تحولت ‏المحكمة الى فضيحة مدوية تناقلها القاصى والدانى كواحدة من سلسلة السقطات الكبيرة لأجهزة الأمن والقائمين عليها فى فترة الديكتاتورية العسكرية ‏الأولى (1958-64) .‏



  



مرافعة هيئة الدفاع : هذا هو التلخيص القانونى للقضية كما قدمه الأستاذ الرشيد نايل :‏



  



تحقيق قضائى بمحكمة جنايات الخرطوم : عبدالخالق محجوب وآخرون



  



‏ قاضى جنايات الخرطوم (يحى عمران)‏



  



‏ المحترم‏



  



سيدى – بالنيابة عن المتهمين المذكورين أعلاه ، وتعقبا على البينات التى قدمها الاتهام ، أرجو أن أقدم لسيادتكم الآتى :‏



  



ان البينة المقدمة من شاهد الاتهام الأول السيد أحمد أبارو مساعد الوكيل الدائم لشئون الأمن بوزارة الداخلية ، لا يمكن أن تعتبر بينة .‏



  



ان الشاهد يقول بأنه بالمعلومات السرية التى تصله بحكم عمله كمسئول عن الأمن ، والتى لايبوح بمصدرها و لايتحدث عن عمله هو ..‏



  



مثل هذه الشهادة كان الواجب استبعادها قبل ادلاء الشاهد بها فهى شهادة غير مباشرة ولا تصل حتى الى درجة الشهادة السماعية ، التى يحكى شاهدها ‏عن اناس معينين . فالشاهد هنا أدلى بمعلومات قال انها وصلته هو ولم يبين مطلقا كيف وصلته . ‏



  



فاذا كانت الشهادة السماعية غير مقبولة أصلا فان مثل هذه الشهادة يجب استبعادها جملة وتفصيلا . ما ينطبق على شهادته الكلامية ينطبق على الأوراق ‏والمخطوطات والجرائد التى قدمها ، وذكر بأنها وصلته من مصادر سرية . وكل هذه الوثائق غير مقبولة قانونيا ولايعتد بها . انه لم يحدث فى تاريخ ‏محاكمن ، حتى فى زمن الآنجليز أن قام مسئول من رجال الأمن بالادلاء بمثل هذه الشهادة . انها توضح أن الاتهام وقد عجز عن تقديم بينات ملموسة أراد ‏أن يفوت على القضاء شهادة لايقرها عرف أو قانون . ولو صح أن هذه الشهادة يمكن قبولها لكان هينا على الاتهام أن يقدم بينات تحصل عليها بطريقة ‏سرية توضح أن المتهمين أعضاء فى الجنة المركزية للحزب الشيوعى السرى أو أى منظمة أخرى دون أن يلجأ لشهود متعددين - ان السبب الرئيسى ‏فى عدم قبول الشهادة السماعية أمام المحاكم هو مخافة التلفيق والفبركة . واذا كان ذلك هو الحال بالنسبة للشهادة السماعية فأى تلفيق وفبركة يمكن أن ‏يصيب شهادة شاهد وبياناته التى يحجم عن كشف مصادرها . .. لهذا السبب نطلب استبعد جميع الشهادات والمعروضات السرية التى قدمها شاهد الاتهام ‏ان تقديم مثل هذه الشهادة يعد مهزلة..‏



  



ثانيا : نرجو من سعادتكم بالنسبة لهذا التحقيق أن تأخذوا بعين الاعتبار المواقف غير العادلة والتى لاتتفق مع القانون كما فعل ممثل الاتهام والمتحرين ‏والمعالجة الخاطئة لهذه القضية . وهاكم بعض الأمثلة :‏



  



أ . ان جميع المتهمين بسجن كوبر يعاملون تحت لوائح السجون وهذا قبل محاكمتهم .‏



  



ب . ان المتهمين ممنوعون من الحصول على أى أوراق أو أقلام ليعدوا بها دفاعهم أو مناقشته مع محاميهم .‏



  



ج . ان البينات التى قدمه الاتهام مأخوذة بطريقة لا تقرها أى هيئة تحترم نفسها أوتحترم الناس ، فبعض أوراق المضاهاة حصلوا عليها من الخطابات ‏الشخصية التى أرسلها المتهمون وهم معتقلون تحت رحمة السلطة . ان هذه طريقة معيبة .‏



  



د . ان شهادة شاهد الاتهام عبد القادر حمدتو تدل على المستوى الذى تدهور اليه التحرى والتحقيق فى بلادنا . وكان الأجدر بالاتهام ألا يقدم مثل هذا ‏الشاهد ليكون برهانا على هذه الحالى السيئة .‏



  



ان مثل هذه الأعمال يجب أن أن تكون فى اعتبار سيادتكم عند تقدير البينات التى أوردها الاتهام بينما حرم المتهمون من فرص يتيحها القانون للدفاع عن ‏أنفسهم .‏



  



د . أخيرا ، أطلب من سيادتكم أستبعاد الشهادات التى لاقيمة لها وأن تأمروا يشطب هذه القضية . ‏



  



‏ المخلص‏



  



‏ الرشيد نايل - المحامى



  


View sudan's Full Portfolio