نوبة قراءة

(قراءة في نوبات الشاعر عبد الله الثابت)





إنها حالة خاصة

غرف انعكاس الأحلام

حيث الليل يمضغُني

وبين يديَّ تالِفٌ يمضغُ عصَبَه

عندها أصاب الحُلُم نوبة استيقاظ

رغم مُداهمة المساء

جمعتُ نوباتِه كاندهاشة مُراوِغة

توسَّدتُّني

ومضى بنا الليل

ومضت به نوبة..

لم أقترف النقد ولا الأدب

لم أقترف الفلسفة ولا التواقيع السهلة!

لكني أقترف نوبةً هنا..

كُن ثابِتَ النوباتِ يا عبد الله

لن أقتحِم إنعاشَ الضَّمير

سأعيش نوبةً فقط!!





النبضة الأولى:

(وهذه العدوى

أنفُخُها بوجه الأرض!)



إنني لم أكن أرضا.. وعدوى الأرض وصلت صحرائي





نوبة النبض 9:

(كما كانت النساء ترغبني كنت، وكما يفعل الرجال النبلاء

كنت، وكما يشتهي المراهقون شوارِعَ كنت، وكما يد طفلٌ

يده بريال إلى بائِعِ حلوى، فينشغل عنه بأكمام الكبار كنتُ

.. لكنني الآن شيء آخر!)



هنا توقفت

وعندما أنهيت نوباته

عدت هنا

وكتبت:

عندما تنتهي نوباتك سيكون لك رأيٌ آخر





عند النوبة 13:

(ليلةٌ عاجزة عن نُطقِ آخرها، ساعتها الرَّملية عصَّت ببعض

الفتات فتحجَّر الوقت.. ليلةٌ والسُّخرية تبذر في

الأشياء طعم الصَّمغ..

.....)



كانت نوبة مؤلمة

إنها نوبة الليل،

ليل لا يمكنه الاستيقاظ!





وحيث الممر رقم 15:

(في كل بيت حكايةٌ غريبةٌ، وخاتِمٌ مخلوعٌ!

وفي أعلى كل شارع مُزدحِم وقف غريب لحظةٌ..

ومضى!)



كأنني أسمع من خلف جدار

أحدهم يقول

فأين الذين يقطنون جذور النباتات

وأين الذين لم يقطنوا بعد!؟





عند الساعة 19 حيث نوبةٌ مفاجئة:

(قالت نوبة:

بالطريقة ذاتِها تأتي الحياة.. خادعة، مذهلة، صادمة،

والوقت لا يتنازل عن حماقته،

يمشي للأمام فحسب

ولا يقف حدادا على أحد!)



لكنه وقفَ هنا بُرهة

ثم خرَّ مغشيَّاً عليه!





ونوبة 29 أيضا:

(أيضاً..

لا زالت المصابيحُ السحريَّة في عتمة السراديب.. هناك

خلف جرَّة الماء، ذات اليد المكسورة، ولن أقبل بتغيير

موضِعِها، لئلا أفقد طمأنينتي!)



أتطمئن النوبات بين عينيه!





نوبة فُجائية 46:

(يا له من كونٍ لئيم..

صديقي وأنا نلتقي فجأة..

في منتصف صدر واحدة!)



عامل الدَّهشة مهم

هكذا قال الطبيب، كي تنجح النَّوبة..





وللنوبة 50 لون الحقيقة:

(في الفرقة الأولى من الجيش حاربت،

ليس لأقتُل شعبا آخر،

بل لأرى كيف يمكن للقائد أن يبكي وحيدا في خيمته

ويتظاهر بالجبروت أمام الجُند

الجند الذين يلعنون القدر الذي وضعهم هنا!)



لصدمة الحقيقة طعم خاص

نتجرعه خلسة

ثم نبتسم

لم نرانا!!





في نبضة ال 56 يعترف النبض:

("أحبك" كلمة ضعيفة جدا،

لكني شيءٌ صغيرٌ جداً

وأحتاجُ لحُضنِك!)



تهدأ النوبة

إنَّه يعترف بالدفء في ليالي كانون





57:

(بعد أن أعبر النَّهر،

سأرسُم جراحي على ضِفَّته الأخرى!)



حالةٌ مؤقتةٌ هذا العُمر..

مُجرَّد عبورٍ

ينتهي بثرثرة حُلُمٍ

لم نفهمه بعد





نوبةُ صدق 61:

(لم أبكِ على موت أمي، وأبي، وأقاربي، وأصدقائي،

وحتى أسرتي..

لكن حين أقلعت الطائرة..

بكيت عليهم دفعة واحدة!)



الدمع لا ينسى ما عليه

نتناساه

نعلن قوتنا

ونفضَحُنا في أمتع اللحظات

كأننا بحثنا عن ابتسامةٍ

كان عليها أن تكون أصدق





لا يرضى تالفٌ إلا أن يُبدِع! 63:

(مرَّت ثلاثون سنة وكل شيء باهِت،

لكنني والمخرج متفقان..

كالعادة، لن يموت البطل إلا متأخراً!)



شيء واحد لم يتفقا عليه

من يبكي؟





وقت السَّداد آب، إنها الثانية ال 69:

(لم تأتِ،

وانقطعت كهرباؤنا،

مرَّ وقت السَّداد..

و(الفاتورة) في حقيبتها!)



لكنها مُتأكدة،

لم يكن معها حقيبة

كان معها أنت!





نوبةٌ ترتعش في حدقة 82:

(لصخور الشواطئ طريقة واحدة في مواجهة الموج، إنها تقف

أمامها بكبرياء وصمت ليتكسر على أعتابها جبروت الماء!

للموج صوت لا يتغير، وللصخور صمتٌ لا يتغير!

....

...

..)



هنا أجفَل الموج

لا داعي لتكسُّرِه بعد

إنَّه الجبروت الذي قال عنه..





نوبةٌ خائِنة 92:

(أقسمت لصديقتها أن رجلا مكث يحدثُها عن الحب

سنتين،

وفي السنتين كانت تقول لرفيق عمره (البيت خالٍ..

تعال!)

كلَّ يوم!)



أتطعنُنا الكلمات هنا

أم نطعنُها

لا أدري إن قرأتها أبتسم أو أتبسَّم!!





نوبات 95:

(قائمة الأسماء في هاتف صاحبي: أحمد- أبو بدر-

أنور- باسم- علي- مكتب خدمات- الجريدة.. إلخ

وقال لي بذنب: (كلُّ هذه الأسماء.. لنساء!))



لم أنتبه

فقط ،

من قال لك ذلك؟!!





في الرواق 96:

(...)



تركتُ جرحا

فقط لأقول لنوبته حين تأتيني

هنا وضعت علامة

لنبدأ المضغ!





نوبة ناقصة 98:

(تم إرسالي إليك،

لكن جزءا من النص.. مفقود!)



وتمت نوبتي

لكني لم أكمل ما يجب!!





نوبة غرور101:

(تصفون أنفسكم بالكبرياء والعناد والغرور.. يا لهشاشتِكم

الجوعى يتحدثون دوما عن الموسيقى والكرامة، وأخيراً

يأكلون خجلهم أمام رائحة شواءٍ تقطع كلامهم!)



عندما تفاجئنا أنفسنا عراة أمامنا

لا كفَّة تزِننا!





نوبة 103:

(...

..

.)



إنه مجرد عالم





نوبة في مذكرة 106:

(في مذكرات امرأة:

لن انتظر أعذاراً من نوع (عنوسة- طلاق- حب فاشل-

زواج رديء .. إلخ) حتى أقرر أن أشهق تحت السَّائق،

وأصيح به: افعلها مرةً أخرى!)



إحدى النوبات كان لها مذكرات

فتحت تبحث

لم تجد سوى: إلخ!!





نوبة ال 107:

(...)



لا أحد يفهم ثرثرة نوباته

ولا حتى أجهزة تخطيط الحرف





تصاعد النبض وحتى 109:

(....)



.. وتحدث عن خلل كوني

والقاضي يحكُم:

في الشعر، الأدب،

في حبر الأقلام

وفي وقفاتي..

نعم هناك خلل!!





نوبةٌ ناقصة 113:

(لم أبكِ على دميتي قط..

لأني كبرت فجأ!)



أهنتَني..

وفجأةً

بكت عليّ دميتي!!





نوبةٌ وفقط 116:

(ليس للفراغ الذي في قلوب النساء من خالق!

يا رجال العالم أفيقوا، فالمرأة تحب لتبكي..

وإنَّهنَّ يجعلن منكم ملحاً لدمعاتِهن.. فقط!)



أهٍ لو كنت طبيباً

أمضغ تلك النَّوبة

لقطعت الأسلاك

وتركتني أحتضر

في المساء.. نعم!!





احتضارٌ أخير 118:

(ساعةٌ في الخلاء، حيث الفضلات..

نرتّب أشكالنا،

نستعد لدقيقة أنيقة!)



أذكر تلك اللحظة جيداً

عندما داهمني الثابت

كانت كل الحروف في الخلاء

وكنت أنا هنا!!



***

لا أدري هل أصل إلى أهنا فأنفض عن حرفي لونه

أم أطليه بالقزح كي أكتشف تعريه

وضعت يدي على نبضي

إنه نداء الواجب فقط

أردت أن أتأكد أني مضغت كل شيء...

!!!





نبراس قازان


Author's Notes/Comments: 

Tuesday, 27 September 2005

View nibras's Full Portfolio