كاوبوي

Folder: 
قصص







( كاوبوي )                                    



نوزت شمدين                                                                                      



-1-                                        



منذ أن  وصلني خبر وفاة أختي نعيمة وأنا لا أطمئن إلى الأجراس ومنبهات

القلق . تصبغني صفرة ليمونية كلما سمعت جرس الباب ويضيق صدري مع كل رنين

متقطع أو طرقة مخنوقة على خشب باب مكتبي البارد .



فكرت في استبدال جهاز الهاتف الأسود الثقيل بمنحنياته العابسة وقرصه

الحديدي العاصر للسبابة بأخر أحدث يبهج القلب بألوانه ووظائفه المتطورة .

ولكنني سرعان ما اكتشفت أن التكنولوجيا الهاتفية لا تليق برسوخ أسمي

التجاري .

فالأشياء القديمة تعزز ثقة الزبون كما أن هاتفي الجنائزي هو الأسهل

بالنسبة لسمعان الحارس الذي لا يجيد التعامل مع جهاز آخر . كنت الوحيد في

قيصرية

المأمون الذي ينتظر الأخبار السيئة لذلك اعتدت على إخراج الهاتف إلى الممر

ووضعه بعد إغلاقي للمكتب تحت تصرف سمعان تحسباً لأي طارئ فالكوارث

والمصائب عادة ما تحدث في غياب القلق ، وهذا الأجراء وفر الأمان للمكاتب

الأخرى

ولكنه جعلني أكثر اعتقادا أن الحرائق في انتظار غفلة مني .



في صباح السبت فتحت باب المكتب بغياب سمعان . هاجمتني روائح الأسمدة

والبذور المتعفنة . اضطررت إلى مسح جلد الكرسي الدوار بنفسي . في عملنا

نحتاج

دائماً إلى التراب والغبار لأن ذلك يجعلنا أكثر واقعية في التعامل مع

أدوات

الزراعة لذلك لم أكن أهتم سوى بالكرسي وقيامي بهذا العمل يشعرني بخسارة

فادحة . أطل سمعان برأسه البصلي وقال بصوت أجش وهو يرمقني بنظرة ينقصها

الاحترام :



في الليل اتصلوا بك من بغداد وقالوا إن الكنغر يريدك .



تسمرت في مكاني بلا حراك . لم يجد سمعان ما يقوله فتركني وغاب دون أن

يبرهن لي أن مسح الكراسي يحتاج إلى خبرة .



قبضت على سمعان في مكتب عبد العزيز واستطعت أن أعرف منه أن الاتصال مصدره

الوزارة ولكنني لم أعثر في ذاكرته البالية على أكثر من أن الكنغر يريدني .

عدت إلى مكتبي وأنا أرتجف والنمل يجتاح فروة رأسي .







-2 -                                        







في فجر الأحد كنت أقطع بسيارتي الطريق إلى بغداد ومذياع السيارة مفتوح على

إذاعة صوت الجماهير . لم أكن قد توصلت إلى شيء ولم أستطع الإمساك بخيط ما

. بعد تقاعد عبد الرحمن البكري انقطعت علاقتي تقريباً بوزارة الزراعة .

الاحتمال الذي يتوافق مع المنطق أن في الأمر استشارة ما أو عقد مع شركة

أجنبية تسمى الكنغر والوزارة تحتاجني كخبير . كان هذا هو تفسير زوجتي التي

قاومت ببسالة آلام مفاصلها ونبشت معي في أوراقي القديمة بحثاً عن أي شيء

يذكرني بالكنغر اللعين خاصة وأن الأمر كسر ما حرصت على ترسيخه وأصبح مثل

وصمة

عار فالكنغر يحيل السامع الى أسم حركي لسفاح تجاري واللئيم سمعان وضع

الخبر في أذن جاري عبد العزيز الذي لف مسبحته الطويلة حول معصمه وقال

حاسداً :



ها دكتور عبد الكريم .. من أين لك بهذا الكنغر .. حوت والله العظيم حوت .



وافقت على اقتراح زينب فقد يكون وراء هذا الاستدعاء فرصة عمل كبيرة ولكنني

كنت لا اعرف كيف أتصرف . ساعدني صوت عفيفة اسكندر ومائدة نزهت على تنشيط

قلبي وتجديد دمي .



دخلت من بوابة بغداد في الساعة العاشرة صباحاً ، وعلى الفور اتجهت إلى

ديوان الوزارة في ساحة الأندلس وأنا أكثر عزماً على مواجهة الأمر

والاستعانة

بما تراكم لي من خبرة برغم مضي مدة طويلة جدا على التصرف كممثل لجهة رسمية

عالية المستوى .



استقبلني موظف الاستعلامات بالترحيب . شعرت بالخجل من نسياني أسمه ولكنه

سهل علي الأمر فقد بدا أنه على علم بالمكالمة الهاتفية وقال لي بصوت عال

أثار انتباه من حولي :



أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي سأل عنك .



جف ريقي . قلت له :



أنت عل خطأ .. قد تكون شركة الكنغر هي التي سألت عني .



ليس بالكنغر يا دكتور .. إنه أحد أعضاء الكونغرس جاء على الطائرة الأردنية

التي هبطت قبل يومين وهو ينتظرك في فندق الرشيد .



وقبل أن أتركه سألني بصوت خافت :



دكتور.. هل أدخلت الوزارة الكنغر ضمن خطتها للإنتاج الحيواني ؟ .











-3-                                          



لم أدر مفتاح التشغيل . بقيت أمسك بالمقود يتلبسني الانفعال مثل متسابق

مغامر . فكرت في الاتصال بزينب من أقرب كشك اتصالات . سيطر علي هذا الهاجس

لفترة ولكن قلقي المتزايد أبعدني عن أي فعل ورحت أتأمل الإسفلت مستنطقاً

الذاكرة . شدني منظر أحد الوفود الرياضية وهو يترجل داخلاً إلى فندق

السدير

. لعل الأمر ليس أكثر من حاجة الوزارة إلى مرشد له دراية واسعة في واقع

الزراعة الشمالية . لمت نفسي على تركي الوزارة بهذه السرعة فقد كان علي

البحث عن تفاصيل أخرى . وجدتني أقود سيارتي بسرعة وأنا أكثر ثقة من أن

الأمر

لا يستحق البحث عن استنتاجات ذهنية خاطئة . وجدت الفندق في حركة كثيفة .

تمكنت من الانفراد بموظف الاستقبال وأخبرته بالأمر . سألني إن كنت أعرف

أسم

الرجل الأمريكي فأجبته بالنفي . غاب الشاب لدقيقة ثم عاد برجل في عقده

الرابع أنيق المظهر ، طويل القامة . استقبلني بصفته المسؤول عن الوفد .

شرحت

له الموقف وأبرزت له هويتي . كتب الرجل الأنيق ملاحظاته على ورقة صغيرة

أودعها في جيبه وطلب مني الانتظار في صالة الجلوس .



حاصرتني شبكة نسائية من إعلاميات فرنسيات فمدني ذلك التوهج بالاسترخاء

ورحت أتأمل تلك المساحات الحرة من اللحم في غفلة من وقاري . كنت على ثقة

من

أن خبرتي الزراعية لم تصل إلى أمريكا وقد يكون الأمر ليس أكثر من رسالة

أراد أحد المعارف من المهاجرين إيصالها ألي عن طريق الرجل الأمريكي . شعرت

بالاطمئنان وزال عني التوتر ولكن الانتظار طال أكثر مما يجب . راودتني من

جديد فكرة الاتصال بزينب وعزمت على أن أفعل هذا بعد أن أخرج من هنا بسلام

.



وقع بصري على رجل طويل القامة يتجه نحوي وعلى وجهه ابتسامة عريضة . شدتني

الملامح الوردية واللحية الصفراء الخفيفة . تكاثرت في نفسي الهواجس . تقدم

الرجل بثقة فاتحاً ذراعيه . صدمتني المفاجأة . لم أملك سوى أن أنهض

لاستقباله غير مصدق لهذه الصورة الحقيقية القادمة من زمن بعيد . حياني

بلغة

عربية وهو يضمني إليه بقوة وكفه تربت على ظهري مثل مضرب ينفض الغبار . قال

لي

بلهجة مصرية :



ماذا يا دكتور عبد الكريم ..هل نسيت جورج راي ؟



حاولت فك الاشتباك والنظر إليه بتمعن . أجبته وابتسامة الارتياح تملأ وجهي

:



أنا سعيد جداً بلقائك .



مر زمن طويل يا دكتور وربما بعد سنوات ستجدني رئيساً للولايات المتحدة .



قلت له مازحاً :



وعندها ستضطر أنت أيضا إلى ضربنا بالقنابل .



ضحك بصوت عال أفزع الفرنسيات وقال :



- هذا ما قد يحث يا صديقي .. هذا ما قد يحدث .



انتقلنا إلى الكوفي شوب . لم أتوقع أن يستيقظ الزمن هكذا فجأة وعلى هذا

الشكل الجديد . كانت وزارة الزراعة قد أرسلتني في بداية الثمانينات إلى

مصر

لأحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس . وفي القاهرة التقيت بجورج

راي الخبير الزراعي الأمريكي الذي يعمل في المركز الأفريقي للأبحاث

الزراعية . وكنا وقتها نستخدم مختبرات المركز المتطورة في إجراء البحوث

فنشأت

بيننا علاقة متينة دامت لأكثر من سنتين .



أخبرني جورج أنه ترك القاهرة بعد سفري بستة وأنه عاد إلى الولايات المتحدة

ليبدأ بعد ذلك في التفكير باقتحام المجال السياسي والتدرج فيه . أبديت له

استغرابي ونحن نحتسي القهوة فلم تكن هذه الميول ظاهرة عليه . ربما لأنني

وجدت في سعة علمه وحبه العميق للشرق والحضارة العربية وإصراره على إجادة

اللغة العربية ما يثير اهتمامي أكثر من أي شيء آخر .



تحدثنا عن أشياء كثيرة بطريقة عشوائية في محاولة لردم الفجوة الزمنية إلا

أن جلستنا لم تدم طويلاً فقد كان جورج على موعد مع نائب رئيس مجلس الوزراء

. اتفقنا على اللقاء في المساء وكانت تلك هي فرصتي الوحيدة للاتصال بزينب

.















-4-                                                  



ذهبت للمبيت في فندق أبن الهيثم . حجزت غرفة بسريرين للحصول على شيء من

الأتساع يخفف عني كآبة العقد الخامس من العمر . لم أستطع النوم رغم ما كنت

أشعر به من استرخاء بعد الحمام الحار . كانت ذاكرتي تقلب دفاتر الأيام

وتحيلني بشكل قسري إلى ليالي القاهرة وذلك الهوس الذي كان يقدح في عقلي

الجنون

تلو الجنون . كان جورج راي يمتلك شخصية ساحرة . وجدته خارج العمل أكثر

تقيداً وانضباطاً وهو التزام لا يتوافر عادة لدى الأمريكي . تعجبني فيه

حالة

الافتتان الدائمية وقدرته على التفاعل ليس كسائح وإنما كانسان يريد أن

يتعلم وينظر إلى الآخرين من حوله بمستوى أفقي . وجدتني لا أفهم سر عدم

الاتصال به طوال هذه المدة .



وفي الساعة السابعة مساءً كنت مع جورج . استقبلني بطريقة أكثر حميمية وهو

يرتدي بدلة جينز وقد علق على كتفه حقيبة جلدية مربعة . قال لي ونحن نسير

باتجاه باب الخروج :



تبدو يا دكتور مثل دب اسكندنافي .. بهذا الشكل لن نستطيع القول أن

العقوبات باتت مؤثرة .



قلت له على الفور :



ما ينقص حكومتكم هو الضمير وليس الحقائق يا جورج !



أنتبه إلى عدم ارتياحي لمظهره فأخبرني أنه يجد من الضروري الالتزام بالزي

التقليدي لاعتبارات تخص الشرف الوظيفي رغم أنه يكره أن يبدو مثل السيد (

لانكستر ) . اقترحت عليه أن نقوم بجولة في بغداد . استوقفني قبل أن أفتح

باب سيارتي :



إياك أن تأخذني إلى ملجأ العامرية ..؟!! .



طلبت منه الجلوس في السيارة وترك الأمر لي . بدت عليه البهجة . سـألته إن

كانت إقامته في بغداد جيدة . أجابني بمرح :



في البداية شعرت بالإرهاق أما الآن فأنا أكثر سعادة ..



أعلم أنك تحب الأماكن الشعبية .. ما رأيك أن نجلس في مقهى وندخن النرجيلة

العراقية .



وافق وهو يقول :



هذا ما أنا بحاجة إليه بعد الجلسة الساخنة مع مسئوليكم .



توقفت عند الإشارة الحمراء . التفت إليه فتابع :



- إنهم يعرفون كيف نفكر ، ويعرفون أيضاً ماذا نريد أن نفعل .



وجدتني أقول له بانفعال :



جورج .. أريدك أن تكون معي الباحث الزراعي الذي أحترمه وليس السياسي الذي

لا أعرف عنه شيئاً .



رد بعد صمت :



أفهمك يا عبد الكريم .. كما تريد يا صديقي .



تركنا السيارة في مرآب وغادرنا ساحة الميدان باتجاه شارع الرشيد . شعر

جورج ببرودي وتوتري فراح يكثر من الأسئلة ويتوقف متفحصاً المحلات

والدكاكين .

جلسنا في مقهى الزهاوي







وطلبنا الشاي والنرجيلة . حدثني جورج عن الظروف التي رافقت عمله والصعوبات

التي تعرض لها بعد إقامته الصغيرة في تونس



وعودته بعد ذلك إلى أمريكا



كنت أحدثه عن الأضرار التي لحقت بالزراعة في العقد الأخير عندما أعتدل في

جلسته وانشغل عني بتحريك الفحم ثم ما لبث أن أمسك بذراعي ونظر ألي بتمعن .

نفث الدخان من أنفه ثم قال بهدوء :



- سمعت أن أبنك قد قتل في الحرب .



أحتقن وجهي . ساورني الصمت وشعرت بألم في ساقي . بقي جورج منتظراً ردي :



إنه لم يقتل .. لقد سجل مفقوداً .. هو الآن في مكان ما في الكويت أو

السعودية .. ابني صادق لم يقتل يا جورج .



ضغط على ذراعي بقوة وهو يقول :



أنا أفهم ..



قاطعته :



كلا أنت لا تفهم .. نحن هنا لا نموت وأبني سيعود في يوم ما .



قال باضطراب :



هذا واضح يا عبد الكريم .



سألته :



كيف علمت بأمر أبني ؟



اتكأ ومد ساقيه إلى الأمام وقال :



إنها قصة طويلة سأخبرك بها لاحقاً .



أخذت ألف الخرطوم حول عنق النرجيلة وأنا أقول :



- مهما يكن الأمر أنا سعيد برؤيتك أيها الكاوبوي .. من الضروري أن تأكل

سمك دجلة لأنه سيذكرك بأشياء كثيرة عندما تصبح رئيساً للولايات المتحدة

الأمريكية .



قال لي وهو ينهض معي :



- سأغادر بغداد في صباح الغد .. لا بد أن التقي بك قبل سفري لأنني أود

إبلاغك بشيء مهم .















-5-                                                  











اتصلت بزينب قبل ذهابي إلى فندق الرشيد وأخبرتها أنني سأرجع إلى الموصل

هذا اليوم . وفي الساعة الثامنة صباحا وجدت جورج ينتظرني في صالة

الاستقبال

. طلب مني أن نتجه الى الخارج . سرنا في الحديقة الخلفية . بدا جورج قليل

الكلام وكأنه يمهد لشيء ما . حاولت أن أخفف عنه قليلاً فقد مدني منظر

الحديقة الجذاب بطاقة لم أمتلكها منذ زمن . جلسنا على مصطبة بالقرب من

المسبح

. سألته بعد أن اكتشفت تردده :



ماذا هناك يا جورج ؟



أشعل سيجارة وهو يقول :د



أرجوك أن تفهم يا عبد الكريم أن هناك معارضة قوية من جانبنا لسياستنا

الخارجية .



قاطعته :



جورج لا أريد سماع هذا .. ما يهمني هو جورج الباحث الزراعي .



قال بتوتر :



عليك أن تسمعني ولا تقاطعني .. لقد أتخذت قراراً مهما ووقف معي العديد من

أعضاء الكونغرس .. لا أقول أننا حققنا نتيجة طيبة ولكن المحاولة قائمة ..

نحن نريد إيقاف هذا التدمير خاصة بعد أن تكشفت لنا الحقائق وصرنا أكثر

معرفة بما حدث ويحدث .



قلت له :



ولهذا السبب جئتم الى هنا وزرتم ملجأ العامرية ومستشفيات الأطفال .



نعم ولكن ليس هذا هو كل شيء . قبل أكثر من عام زارني القس هورنر وهو رجل

فاضل تربطني به علاقة صداقة متينة . جاءني القس وأخبرني بقصته وقدم لي

الأدلة التي تثبت صحة كلامه . حدث هذا بعد أن أعلنت في مقابلة أجرتها CNN

عن

ضرورة إعادة فتح الملف العراقي . كان القس هورنر برفقة مجموعة من الجنود

والضباط مهمتها تنظيف ساحة المعركة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت .

زوى لي الكثير من القصص البشعة حول تعامل الجيش الأمريكي مع جيشكم المنسحب

وحتى بعد وقف إطلاق النار . أرادوا من وجود القس معهم إظهار الوجه الحسن

وقد قام الرجل تحت الضغط بالصلاة لراحة أرواح جنودكم .







قلت له :



ليس هذا بالجديد .



عاد جورج ليقول :



أخبرني القس هورنر أنهم عثروا على مجموعة من الجنود العراقيين الجرحى .

وقد قامت وسائل الإعلام بتصوير محاولات تقديم الإسعافات الأولية إليهم .

بعد

ذلك بقليل تم سحب البعثة الإعلامية وقام الجنود الأمريكيون بعملية تفتيش

دقيقة للجرحى ثم تم تعريتهم بالكامل وأمر أحد الضباط بربطهم في منخفض من

الأرض . بعد ذلك جاءت الجرافات وجرى دفن الجنود الجرحى وهم أحياء .



قلت له وأنا أضرب بقبضتي راحة يدي اليسرى .



بالأمس تساءلت مع نفسي عن سبب انقطاع الاتصال بيننا طوال هذه المدة ..

ماذا تريدني أن أقول لك يا جورج ؟ يبدو أن علاقتنا قد انتهت ما أن بدأتم

الحرب .. هل تريدني أن أقول لك شكراً يا جورج ؟ .



أطرق برأسه ثم قال بعد صمت :



لقد جئت إلى هنا من أجل أن أعتذر يا صديقي . . وما أردت إبلاغك به أن القس

هورنر استطاع بطريقة ما أن يحصل على بعض ما كان بحوزة جنودكم من حاجيات

وهويات وأشياء أخرى، ومن بين ما حصل عليه هذه الرسالة التي كتبها أحد

الجنود

ولم يستطع إرسالها .



أخرج جورج من جيبه ورقة صغيرة صفراء وتابع :



كانت الرسالة مغلفة بورقة كتب عليها أسمك الكامل وعنوانك.



أخذت الورقة المطوية على شكل مربع وجسدي يرتجف. نهض جورج، وضع يده على

كتفي ثم أنسحب مبتعداً . أردت الوقوف لكنني لم أستطع . قاومت بأقصى ما

أمتلك

من إرادة ولكنني ما أن رأيت الخط الأزرق حتى تفجر وجهي عرقاً بارداً

ودمعاً ساخناً وأنا أقرأ:



( أبي الحبيب أرجو أن تكون بخير وصحة جيدة. قد تتأخر عودتي قليلاً.. أنا

بخير فلا تقلق. في الغد سيعود صديقي عزيز إلى الموصل وسوف يخبرك بكل شيء.

وأنا إن شاء الله سأكون بينكم في الأسبوع المقبل. أشواقي ومحبتي وقبلاتي

إلى أمي الغالية والعزيزة سناء.

ولدك صادق عبد الكريم الحمداني )


View nawzat's Full Portfolio