رواية أطفال شجرة الخير

Folder: 
روايات





ذات يوم عاش في مدينة حلب تاجر يدعى أسامة، اشتهر دكانه في سوق المدينة، حيث كان يبيع الأقمشة الجميلة المطرزة، والموشاة بخيوط القصب، يجلبها من الصين والهند وفرنسا وإنجلترا، وكان يبيع الأقمشة المحلية الحريرية التي اشتهرت بها مدينة حلب. ورث أسامة الدكان عن أبيه، وكانت أسرته عريقة في التجارة ذات سمعة حسنة تحافظ عليها أباً عن جد.

_    _     _    _    _    _

حين مرض أبو أسامة، وشعر باقتراب منيته، أوصى ابنه الوحيد بالصدق، والأمانة، والمحافظة على سمعة الأسرة العطرة.  قال له: يا ابني ! إن أثمن ما يملكه الإنسان ثقة الناس به وحبهم واحترامهم له، لقد ربيتك أحسن تربية، وعلمتك مكارم الأخلاق فأرجو أن تسلك الطريق القويم في مستقبل أيامك، رعاك الله يا ولدي، وسدد خطاك.

حفظ أسامة وصية والده، وتمسك بها حتى صار الناس يقولون: أسامة خير خلف لخير سلف، وكانوا يشترون دائماً من بضائعه الجميلة، المعتدلة الثمن.

_    _    _    _    _    _    _

أحبّ أسامة الطبيعة بكل مظاهرها من أشجار، وأنهار، وبحيرات، وكان يرافق زوجته بثينة يوم الجمعة إلى بستان الأسرة الذي يبعد مسافة قصيرة عن مدينة حلب، حيث يستمتعان بجمال الطبيعة الآسر، ويطربان لزقزقة العصافير، يتأملان السماء الصافية، والأشجار المتراقصة مع النسيم. كان البستان يتألق بأشجار التفاح، والبرتقال، والرمان، واللوز، والخوخ والمشمش، والجوز، والكرز، والتوت، والكرمة، كل نوع من هذه الأشجار ينضج في أوانه، فكانت كل فصول السنة حافلة بالخير والبركة.  

_    _    _    _    _    _    _    _    _

في أحد الأيام، ذهب أسامة مع بثينة إلى البستان، جلس أمام الساقية، تأمل الماء الرقراق الذي يتهادى أمامه برشاقة، قال لبثينة التي كانت تقطف بعض التفاحات الحمراء: منذ زمن طويل وهذه الساقية تجري غير عابئة بمرور السنين.

قالت بثينة وهي تغسل التفاحات في ماء الساقية العذب: يموت الإنسان ويظل الماء يجري.

قدمت له تفاحة كبيرة بدأ يأكلها وهو يتأمل شجرة التفاح الصغيرة المثمرة، قال لبثينة: هذه الشجرة زرعها والدي ولم يأكل من ثمرها، وهانحن نأكل هذه التفاحات اللذيذة.

قالت بثينة: وسوف نزرع الأشجار ليأكل أولادنا وأحفادنا من ثمارها.

_    _    _    _    _    _    _    _

كانت بثينة حاملاً في طفلها الأول تنتظر الولادة بعد أشهر قليلة، وقد وعدها أسامة أن يتم بناء بيتهما الجديد قبل مجيء طفلهما إلى الدنيا. قال لها: سأبني لك بيتاً جميلاً له باحة فسيحة، تتوسطها بركة ماء فيها نافورة ترطب الجو برذاذ مائها المتطاير، فتخفف الحر الشديد في الصيف، وسوف يحيط بالبيت حديقة واسعة، نزرع فيها أشجاراً كثيرة.

عاشت بثينة في بيت أسرة أسامة، ريثما يتم بناء البيت الجديد، وكانت أم أسامة تنتظر مولد حفيدها بفارغ صبر.

قضى أسامة وبثينة وقتاً جميلاً في البستان وهما يحلمان ببيتهما الجديد ويتخيلان الأشجار المثمرة التي سيزرعانها في حديقة البيت، وحين اقترب وقت الغذاء حضّر لهما البستاني العجوز محمود وزوجته اللحم المشوي على الفحم، وأكلا من فواكه البستان، وعادا مساء إلى البيت وقد أحسا بالانتعاش والسعادة.

_    _    _    _    _    _    _

جلسا أمام البركة الصغيرة في باحة الدار، يشربان الشاي مع أمّه التي قضت يوم الجمعة في زيارة بناتها المتزوّجات ورؤية أحفادها الذين تحبّهم، وعادت إلى البيت محمّلة بأطيب التحيّات من بناتها لأخيهنّ أسامة وزوجته بثينة.

قالت أم أسامة وهي ترمي أزهار الياسمين في البركة:كم أتمنىّ أن أرى أحفادي قبل أن أموت ؟!  

صاح أسامة: بعد عمر طويل إن شاء الله …لماذا تذكرين الموت ؟ مازلت في عزّ شبابك….

قالت أم أسامة وهي تتذكر زوجها المرحوم: بعد موت أبيك لم أعد أشعر بالفرح والسعادة……

قال أسامة: هذه سنة الكون نأتي إلى الحياة، ثم نرحل سريعاً، الخلود لله فقط.

قالت بثينة: بعد أشهر قليلة سيكون لديك حفيد أو حفيدة.

قال أسامة: سنسمي ابننا يقظان مثل اسم أبي.

قالت بثينة وهي تتأمل الياسمين المتراقص على سطح البركة المتجمع حول النافورة كعقد لؤلؤ يزين جيد فتاة جميلة: سأسمي ابنتي ياسمين، أنا أحب الياسمين، أريجه ناعم ولطيف.

قال أسامة: ما رأيك أن نسميها شمّاء؟!      

قالت بثينة: شمّاء اسم جميل وأصيل، إنه اسم جدتي لأمي.

قالت الجدة بفرح:سأحكي لها حين تكبر حكاية شمّا وزهرا لبان.

سألت بثينة حماتها: وإذا كان المولود صبياً ماذا تحكين له ؟!    

قالت الجدة: سأحكي له سيرة بني هلال، وعنترة ابن شداد، والزير سالم، وسيف بن ذي يزن، وحكايات كثيرة أحفظها منذ زمن طويل.

_    _    _    _    _    _    _    _

مرت الأيام، وانتهى بناء البيت الجديد وانتقل أسامة مع زوجته إليه، زرعا بعض أشجار السرو والسنديان حول حديقة البيت، وزرعت بثينة الياسمين في الباحة الواسعة.  

ذات مساء جلس أسامة مع بثينة أمام البركة المر مرية يشربان القهوة، نظر إلى سور الحديقة باهتمام، تساءل: متى تكبر الأشجار الّتي زرعناها ؟! متى تتألق أمامنا ببهائها وتظلل السور بأوراقها الخضراء ؟!  

ابتسمت بثينة ببراءة، أجابته ونظرة أمل تشرق في عينيها: ستكبر الأشجار، ستصير ظلاً لنا، ولأولادنا، سيمر الزمن سريعاً لن نحسّ به، ستحدّثنا الأشجار عن عمرنا الّذي مضى.

_    _    _    _    _    _    _    _    _

كان أسامة يذهب كل صباح إلى عمله، ويعود مساء متعباً، يجلس في باحة الدار، يتطلّع إلى الأزهار التي بدأت تتفتّح، ويحسّ براحة نفسيّة تنسيه تعبه.

وكان يقول لبثينة الّتي تأتيه كلّ مساء بطعام العشاء متأمّلاً الورود والأزهار: ما أجملها ! إنّها تكبر بسرعة …

في إحدى الأمسيات قال لبثينة: الأزهار تنمو وتكبر بسرعة أكثر من الأشجار..

أجابته بثينة: لكنّها تذبل بسرعة..  

قال أسامة: أشعر أنّ هذه الأزهار مثل أولادي، لا أريد أن أقطفها، أحبّها نابضة بالحياة، حين تذبل وتموت أحسّ بالحزن الشديد …ثمّ تطلّع إلى سور الحديقة العاري …

قال بحزن: سيمرّ زمن طويل قبل أن تنمو الأشجار الّتي زرعناها …

قالت بثينة : لا تحزن يا أسامة ! هذه أحوال الدنيا !  الأشجار تحتاج إلى وقت طويل لتكبر، لكنّها حين تكبر تعطي بسخاء.     تطلّع أسامة إلى بثينة ببطنها الّذي يشمخ أمامها، قطف لها وردة بيضاء، قدّمها لها قائلاً:

هذه الوردة لأحلى وردة، وأحلى أم.

_    _    _    _    _    _    _    _

بعد شهر وضعت بثينة طفلاً جميلاً سمته يقظان. فرح أسامة كثيراً بالطفل وفرحت الجدّة بحفيدها الّذي انتظرته طويلاً، حملته على يدها وتمتمت ببعض الكلمات تتمنّى له السعادة والهناء في مستقبل أيّامه.

في نفس اليوم زرع أسامة شجرة لوز في حديقة البيت سمّاها عصماء. قال لبثينة: هذه الشجرة زرعتها من أجل يقظان ستكون أ مّه الثانية بعدك، يجلس تحتها، يحتمي بظلها، ستكون حظّه ونصيبه.

كان أسامة يقترب كلّ صباح من الشجرة عصماء، يقول لها: صبا ح الخير يا عصماء، كوني فرحاً وبركة على ابني يقظان وهبيه السعادة وحققي أمنياته.

كل صباح كان أسامة يذهب إلى دكّانه في سوق المدينة مرتاح البال والخاطر. وحين كان التجّار حوله يسألونه عن ابنه يقظان وصحته كان يقول: يقظان بخير، إنّه بحماية أمه، وبحماية شجرته عصماء.

فكانوا يقولون: نرجو أن ترى الخير والبركة على وجهه.

_    _    _    _    _    _    _

كانت بثينة تغنّي للطفل بعض الأغاني الشعبيّة الّتي تحفظها، وتهدهده، وتترنّم بأهزوجة النوم: ( نام يا ابني نام، لاذبحلك طير الحمام )…

وكان الطفل يكبر ويزداد إشراقاً، وكانت الجدّة تحمله وتدور به في الباحة، وتقول له:

متى تكبر أكثر كي أحكي لك حكايات جميلة ؟!

_    _    _    _    _    _    _    _    _

ذات صباح جاءت إلى السوق امرأة عجوز يبدو عليها الفقر والبؤس ، وجهها شاحب،ترتدي ثياباً بالية ، اقتربت من باب دكان أسامة ، قال لها بلطف : تفضّلي يا خالتي ، هل تريدين شيئاً ؟

سألته:هل أنت التاجرأسامة أبو يقظان ؟  قال لها: نعم

قالت: أولاد الخير أرسلوني إليك. سألها: ماذا تريدين يا خالتي؟

قالت:أخشى أن تردّني خائبة..قال:لا تخافي يا خالتي، قولي ما خطبك؟ عسى أن أستطيع مساعدتك..

قدّم لها كرسيّاً، جلست عليه.  قالت: يا ابني، أنا أرملة فقيرة استشهد أولادي الثلاثة في الحرب، ولم يبق لدي سوى ابنتي الوحيدة سميرة، أريد أن أزوجها وأطمئنّ عليها قبل أن أموت، خطبها شابّ فقير يعمل حدّاداً وأريد أن أحتفل بعرسها فهي ابنتي الوحيدة، لكنّني لا أملك المال الكافي لأشتري لها ثياباً وأجهّزها، ولا أملك ثمن ثوب العرس. أشار عليّ أولاد الحلال أن ألجأ إليك لتبيعني أقمشة بالدين، أعطيك ثمنها حين يرزقني الّله.  

نظر أسامة إلى العجوز بتعاطف، قال لها: اختاري الأقمشة الّتي تعجبك، ولن آخذ منك ثمناً لها، إنّها هديّتي لك بهذه المناسبة أحسّت العجوز بالحياء، قالت: لا يا ابني، سأعطيك الثمن حين تسمح ظروفي بذلك.  

قال أسامة: عفواً يا خالتي، أنت امرأة بائسة تجوز عليك الزكاة، اعتبري ما أقدّمه لك زكاة عن أموالي، لقد أمرنا الّله برعاية الأرامل واليتامى والفقراء. وابنتك يتيمة، وأنت ضحّيت بأولادك في سبيل الوطن، لو لم يستشهدوا في سبيل الدفاع عن الوطن لكانوا عوناً لك، ولم يدعوك تحتاجين أحداً.  

أعطى أسامة المرأة مجموعة من الأقمشة الجميلة لها ولابنتها، خرجت من باب الدكّان وهي تدعو له: الّله يوفقك يا أبا  يقظان، ويرزقك، ويجعل لك في كلّ خطواتك السلامة والبركة، الّله يوفّق ابنك يقظان ويسعده.  

_    _    _    _    _    _    _    _

عاد أسامة إلى البيت، حدّث بثينة بما جرى معه في ذلك اليوم, قالت له أحسنت يا أسامة بما صنعت، أنت طيب القلب وحنون، وسوف يكافئك الّله على أعمالك، فالحسنة بعشرة أمثالها، هذه امرأة عجوز مسكينة تستحقّ أن نحسن إليها.      كبر يقظان،  حين بلغ العام الأول من عمره، احتفل أسامة وبثينة بعيد ميلاده، أشعلا له شمعة، حضّرت بثينة الحلوبات، وأنواع المأكولات الشهيّة، ودعت جاراتها وقريباتها للاحتفال بميلاده.

في تلك اللّيلة زرع أسامة شجرة كرز بجانب شجرة اللّوز عصماء، سمّاها شهباء.

قال لبثينة: كلّ عام سأزرع ليقظان شجرة، وحين يكبر، سيزرع الأشجار بنفسه، حديقة بيتنا واسعة، سنجعلها فتنة للناظرين، أنا أتفاءل بالأشجار وأشعر أنّها تجلب الخير والبركة، وتجتذب النسيم العليل، والرطوبة في هذا الطقس الجاف.

_    _    _    _     _    _    _    _

في صباح اليوم التالي ذهب أسامة إلى عمله، جلس في دكّانه، أتى إلى الدكّان ولد لا يتجاوز عمره الثامنة، قال له: أرسلني إليك أهل الخير.سأله: ماذا تريد يا ابني ؟ قال الولد: أنا يتيم، توفي والدي بمرض خبيث، وأمّي تعمل خيّاطة، وتعيلنا أنا وأختي، لكنّها أصيبت بالشلل منذ فترة قريبة لشدّة حزنها على أبي، ويجب عليّ الآن أن أعمل كي نعيش، نصحوني أن أعمل عندك، لأنّك رجل كريم وشهم.

قال أسامة: أهلاً بك يا بني، ستساعدني قليلاً في الدكّان، وتعتني بحديقة البيت، وسوف أدفع لك أجراً يكفيك، ويبعد عنك شبح الفقر والجوع، ويغنيك عن ذلّ السؤال..ما اسمك يا ابني ؟    قال الولد: اسمي أحمد.

قال أسامة: تعال غداً يا أحمد كي تبدأ العمل عندي.

_    _    _    _    _    _    _    _    _

حين عاد أسامة إلى البيت، حدّث بثينة عن الولد اليتيم، قالت: حسناً فعلت يا أبا يقظان، هذا الولد مسكين، ومحتاج، ويتيم، حرمه اللّه أباه، وأصاب أمّه بمرض أقعدها، نحمد اللّه على الصحّة والعافية وندعوه أن يحفظنا لأولادنا كي لا يشعروا بمرارة اليتم، ارع هذا الولد ولا ترهقه بالعمل فحداثة سنّه لا تحتمل التعب والضنى.  

قال أسامة: لا توصي حريصاً يا بثينة.    قالت بثينة: لك عندي مفاجأة جميلة، سيكون لدينا طفل آخر.

فرح أسامة، صاح بغبطة: لن يبقى يقظان وحيداً، سيلعب مع أخيه أو مع أخته.

مرّت الأيّام، واكتملت أشهر حمل بثينة، فولدت طفلة جميلة أسمتها شمّاء.  

في تلك الّليلة زرع أسامة شجرة برتقال سمّاها فيحاء.

_    _    _    _    _    _    _    _

ذات يوم ذهب أسامة إلى عمله، جلس في دكّانه يتأمّل الناس، ويردّد في قلبه آيات القرآن الّتي يحفظها غيباً، ويسبّح بمسبحته، فجأة سمع ضجيجاً، ثم رأى شابّاً خائفاً يقترب من دكّانه مستجيراً به، قال له: أرجوك يا سيّدي خبّئني عندك، سيقتلني هذا الأحمق. أدخل أسامة الشابّ الخائف إلى الدكّان، خبّأه في المستودع، بعد قليل مرّ رجل ضخم يحمل سكّيناً حادّة ويبدو عليه الغضب والناس حوله يحاولون تهدئته قائلين: اهدأ يا عامر اتّق اللّه، هذا أخوك، هل يقتل الأخ أخاه ؟!

اقترب أسامة من الرجل الغاضب انتزع السكّين من يده وهو ينهره ويصيح به: لعن اللّه الغضب الّذي جعلك تهجم على أخيك! اهدأ يا صاحبي الحلم سيّد الأخلاق، ستقتل أخاك من لحمك ودمك، وتيتّم أولاده، وتقضي عمرك في السجن، ويخسرك أولادك.. اهدأ يا رجل..

أمسك الناس بالرجل الغاضب وابتعدوا به عن دكّان أسامة باتّجاه ساحة المدينة ريثما تهدأ ثورة غضبه.    

نادى أسامة الشابّ المختبئ، قال له: اخرج من مكمنك، أنت في أمان.

خرج الشّاب من المستودع وهو يتطلّع حوله بخوف، قدّم له أسامة كرسيّاُ كي يرتاح، قال له: ما هي مشكلتك ؟   هل أستطيع أن أساعدك ؟        

قال الشّاب: مشكلتي أنّ أخي ابتلاه اللّه بزوجة شرهة طمّاعة حرّضته ضدّي، وأوعزت إليه أن يهدّ دني بالقتل كي أتنازل له عن قطعة من أرضي الّتي ورثتها عن والدي، وادّعت أنّني شتمته أمامها كي يثور ضدّي ويهدّدني.    

قال أسامة للشّابّ الخائف: ما اسمك ؟ قال: هشام.    قال أسامة:سأتدخّل في حلّ مشكلتك يا هشام، اختبئ في دكّاني حتّى الغد، وسوف أذهب إلى أخيك لأكون واسطة خير، أعطني عنوانه.

قال هشام: أشكرك على شهامتك، لن أنسى فضلك علي يا أبا يقظان، أنا مدين لك بحياتي.

_    _    _    _    _    _    _    _    _

في ذلك المساء ذهب أسامة إلى بيت عامر، طرق الباب، حين خرج عامر، قال له أسامة: أريد أن أراك في المقهى من أجل موضوع هام.    

ذهبا، جلسا في المقهى، قال أسامة: أنت تعرفني،  وتشتري من عندي دائماً، وتعرف سمعتي في السوق، أريد أن أكون واسطة خير بينك وبين أخيك.

قال عامر بغضب: هذا الأخ العاق الّذي شتمني أمام زوجتي.

قال أسامة: وهل سمعته وهو يشتمك ؟  

قال عامر: لا، زوجتي قالت لي ذلك.

قال أسامة: ربّما كانت كاذبة تريد أن تحرّضك ضدّ أخيك، هل تخسر أخاك من أجل امرأة مفترية ؟!   يجب أن تتأكّد من كلّ ما تسمعه قبل أن تغضب وتهدّد أخاك، وكيف تسمح لنفسك أن تأخذ حقّاً ليس لك ؟! ألا تخشى الّله ؟! عليك أن ترعى أخاك وتساعده بدلاً من الاستيلاء على حصّته من الميراث.    

أحسّ عامر بالخجل من تصرّفاته، قال لأسامة: أنا آسف على تصرّفاتي، الغضب أعماني وأنساني الحق، سأعتذر منه، ولن أزعجه أبداً في المستقبل، أريد أن أراه كي أعتذر منه.

قال أسامة: ستراه غداً صباحاً عندي في الدكّان.

مشى أسامة باتجاه دكّانه، اشترى فرّوجاً مشويّاً لهشام، حين وصل إلى الدكّان، وضع الطعام على الطاولة ونادى:

هشام اخرج من مخبئك..

أسرع هشام بالخروج من المستودع، قال له أسامة: أبشر! حلّت مشكلتك، أحسّ أخوك بخطئه وسوف يأتي غداً صباحاً كي يعتذر منك.

أشار أسامة إلى الطعام، وقال لهشام: لابدّ أنّك جائع أحضرت لك بعض الطعام، كل قبل أن يبرد الفرّوج.    

سأله هشام: ألن تشاركني الطعام ؟!  

قال أسامة معتذراً: أم يقظان تنتظرني على العشاء ولابدّ أنّها قلقت علي فقد تأخّرت كثيراً.  

قال هشام: أنا آسف لقد سبّبت لك كثيراً من الإزعاج ولا أدري كيف أشكرك، أرجو أن تتاح لي الفرصة لردّ الجميل في المستقبل …

_    _    _    _    _    _    _    _    _

عاد أسامة إلى البيت، رأى بثينة تنظر من نافذة الدار إلى الشارع بقلق، لأنه تأخر على غير عادته، حين رأته اطمأنت وارتاح بالها، فتحت الباب واستقبلته بلهفة، قالت له: تأخرت اليوم، خفت أن يكون قد أصابك مكروه.

قال لها وهو يحضن يقظان ويربت على رأسه: كان يومي حافلاً بالأحداث ….سأحدثك عما جرى معي، ولكن أسرعي بإحضار العشاء فأنا جائع.

أحضرت بثينة العشاء، وجلست بجانبه، وهي متشوقة لمعرفة ما جرى معه.

حين حدثها عن هشام، قالت له: أنت رجل شهم، أشعر بالفخر لأنك زوجي …

قطع حديثها صوت ابنتها شماء تبكي في غرفة النوم، هرعت إليها، أحضرتها وهي تهدهدها، تطلع أسامة إلى شماء، وهو يبتسم لها، قال: هذه الطفلة تزداد جمالاً ……ثم نقل بصره إلى بثينة وقال: إنها تشبهك.

قالت بثينة وهي تنقل عينيها بينه وبين الطفلة: إنها تشبهك أنت…

ضحك أسامة وقال: يبدو أنّنا متشابهان، وشمّاء تشبهنا معاً، ألم تقل لك أمّي إنّك تشبهينني، ولذا اختارتك عروساً لي.

_    _    _    _    _    _    _    _

في اليوم التالي استيقظ أسامة باكراً، جلس في باحة البيت يستمتع بشذا الياسمين الّذي يفوح في الفضاء، أحسّ بالانتعاش أحضرت بتينة القهوة، وجلسا يرتشفانها بهدوء،  نظر أسامة إلى حديقة الدّار، قال لبثينة: الأشجار منبع الخير والبركة سأزرع شجرة لكلّ ولد من أولادي في عيد ميلاده، وحين يكبرون سيزرعون أشجارهم بأنفسهم ويطلقون عليها الأسماء العربيّة الأصيلة، هذه الأشجار نعتني بها قليلاً فتعطينا خيراً وفيراً.

قالت بثينة مداعبة: هل تحبّ الأشجار أكثر منّي ومن أولادك ؟    

ضحك أسامة وهو يتّجه إلى باب الدار، قال لها: لا تخافي على مكانتك في قلبي، وأنت تعرفين كم أحبّ الأولاد، الأشجار لها مكان آخر في قلبي.    

ذهب أسامة إلى الدكّان ليجد هشام ينتظره على أحرّ من الجمر، قال له: لقد شعرت وأنا في هذا الدكّان والباب مقفل علي كأنّني عصفور مسجون في قفص، فأحسست بقيمة الحريّة.

قال أسامة: خفت أن أدعك تذهب إلى البيت فيزعجك أخوك عامر، صحيح أنه أحس بخطئه، ويريد الاعتذار منك، لكن من يدري ؟! ربما تحرضه زوجته الخبيثة ضدك، يجب أن أتأكد من صدق نواياه.

قال هشام: أنت رجل حكيم وذكي يا أبا يقظان…  

بعد قليل جاء أحمد إلى الدكان وابتدأ يمسح الغبار، ويرتب الأقمشة في مكانها. ثم جاء عامر، صاح بصوت جهوري: صباح الخير، وعانق أخاه هشام قائلاً: سامحني يا أخي على إساءتي لك، والفضل لأبي يقظان الذي نبهني إلى أخطائي … التفت إلى أسامة قال له: أنت رجل شهم وكريم، لقد سهرت طوال الليل أفكر بتصرفاتي الخاطئة، وأنا نادم على ما جرى، لن أدع زوجتي تفسد علاقتي مع أخي مرة أخرى.

اصطحب عامر أخاه هشام وذهب، أما أسامة فحدث نفسه قائلاً: هذه الحياة مليئة بالأحداث الغريبة !

_    _    _    _    _    _    _    _

مرت الأيام والشهور، وولدت بثينة طفلاً أسمته صفوان، في اليوم التالي زرع أسامة شجرة مشمش سماها ورقاء.

ومضت السنون، وأسامة يزرع الأشجار المختلفة ويفعل الخير دائماً، قال لبثينة ذات يوم وهو يتأمل الأشجار التي تكبر حوله، وينظر إلى أولاده الذين يكبرون: أترين هذه الأشجار التي تنمو مع أولادنا ! كل شجرة تنمو هي شجرة الخير، أرضنا خصبة ومعطاء.  

قالت بثينة وهي تضم ابنها صفوان: أولادنا هم أشجار الخير، وفقهم ا لله وسدد خطاهم.

قال أسامة: حين كنت صغيراً، أحببت شجرة جوز في البستان، كنت أحتمي بظلّها دائماً، حتّى سمّوني: ابن شجرة الجوز

وذات يوم غضبت من أمّي لأنّها أنّبتني على خطأ ارتكبته، فقلت لها: لا أريدك، سأذهب إلى أمّي شجرة الجوز.

وصاروا يتندّرون بي في الأسرة، وكلّما أزعجني أمر، يقولون لي: اذهب إلى أمّك شجرة الجوز كي تدافع عنك.

ضحكت بثينة كثيراً ثمّ أشارت إلى شجرة جوز صغيرة زرعها أسامة، وسمّاها صهباء، قالت له مداعبة: هذه الشجرة أمّك إذا أغضبتك ذات يوم، اذهب إليها كي تشكو لها همّك.

تأمل أسامة شجرة الجوز الصغيرة، ثمّ قال: هذه الشجرة ابنتي، وأم ابني صفوان ……

صاحت بثينة بمرح : الشجرة ابنتك ، وأمّ ابنك !   إنّها صلة قرابة عجيبة !

_    _    _    _    _    _    _    _    _

مضت الأيام، واحتفل أسامة وبثينة بعيد الميلاد السابع لابنهما يقظان.

في صباح اليوم التالي قال أسامة ليقظان وهو يشير إلى بعض الأشجار ويسمّيها بأسمائها: هذه الأشجار السبعة يا ابني بعدد سنوات عمرك، إنّها أشجارك وعليك أن تعتني بها، وتسقيها، سوف تزرع كل عام شجرة من النوع الذي تريده، وتطلق عليها الاسم الّذي تحبّه، وتتمنّى أمنية تريد أن يحققها لك الله، هذه الأشجار تمثّل أعمالنا في الحياة، إذا كانت صالحة حصدنا الخير، والأشجار حين نعتني بها ستمنحنا الخير. أحذر يا ابني أن تنسى في أحد الأعوام أن تزرع شجرة، وأن تسمّيها اسماً عربيّاً أصيلاً، أريدك أن تحب وطنك وأرضك دائماً، وأن تفعل الخير لكلّ الناس.

كبر الأولاد، يقظان وشمّاء وصفوان، وكان كلّ واحد منهم يزرع شجرة كلّ عام، ويتمنّى أمنية، وكانت الجدّة تجمعهم وتحكي لهم الحكايات الجميلة الّتي تحفظها منذ زمن طويل.

شبّ الأولاد الثلاثة، اشتهر يقظان وصفوان بنشاطهما ومهارتهما في التجارة، واشترى أسامة دكّاناً لكلّ واحد منهما، كي يبني مستقبله، صارت شمّاء فتاة جميلة يتسابق الشباب لخطبتها، لكنّ أمّها كانت ترفض أن تزوّجها قائلة: مازالت شمّاء صغيرة، حين يأتي الشاب المناسب، سأوافق على زواجها، وسوف أهديها أجمل الثياب والمجوهرات، إنّها ابنتي الوحيدة وقرّة عيني.

_     _    _    _    _    _    _    _    _

ذات أسامة: أسامة في دكّانه وإذ ا برجل حسن الهندام، تبدو عليه ملامح النعمة، يحمل بيده حقيبة ثمينة، يلقي عليه التحية، ويسأله: هل أنت السيد أسامة ؟     قال أسامة :نعم .                                                          

قال الرجل: أنت لا تعرفني، لكنني سمعت عنك من حماتي وزوجتي …. اسمي مصطفى عبد المجيد          

تطلع إليه أسامة، وهو يقدّم له كرسيّاً ليجلس، قال له: ومن هي حماتك ؟

قال مصطفى: منذ سنين طويلة جاءت أرملة فقيرة إليك، وطلبت منك أن تساعدها، وتبيعها بعض الأقمشة، لتزوج ابنتها من حداد، وكنت كريماً معها، فوهبتها الأقمشة.

قال أسامة محاولاً التذكر: لقد نسيت القصة، مضى عليها زمن طويل ….

قال مصطفى: لقد تزوجت ابنتها، وفتحت أمامي أبواب الرزق في بلد بعيد، سافرت مع زوجتي وحماتي رحمها الله، فقد أعطتك عمرها منذ عدة سنوات، وفقني الله في الغربة، وصرت غنياً.. منذ شهر جئت إلى حلب لأستقر فيها، وقد طلبت مني زوجتي أن أفتش عنك، وأعطيك أمانة..

قال أسامة: أهلاً وسهلاً.

قال مصطفى وهو يفتح حقيبته ويخرج صندوقاً مزخرفاً بالعاج والأحجار الكريمة:  هذا الصندوق فيه عقد ثمين لزوجتك.

فتح مصطفى الصندوق وأخرج عقداً من الماس يتلألأ ويشرق كأشعة الشمس.

قال أسامة بخجل: أشكرك على هذه الهدية النادرة، ستفرح بها زوجتي كثيراً … ولكن لم هذا العناء ؟ أنا لم أفعل شيئاً، إنه أمر بسيط …

قال مصطفى: كم أنت كريم ومعطاء! تفعل الخير دون أن تنتظر الجزاء.

تطلع مصطفى إلى الأقمشة الجميلة، قال: أنت فنان في اختيارك للأقمشة، ومشهور في سوق المدينة بأنك تستورد الأقمشة النادرة، وبضاعتك جيدة، ومتقنة الصنع.

قال أسامة: الحمد لله إن سمعتي حسنة في السوق، وأسال الله أن أترك ذكراً طيباً حين أغادر الدنيا.

قال مصطفى: سمعت عن ابنتك شمّاء، يقال إنها صبية جميلة وذكية وحسنة الأخلاق، ولا أستغرب ذلك، فهي ابنة رجل كريم، ورثت عنه الصفات الحسنة، ورباها أحسن تربية.

قال أسامة: أشكرك على هذا المديح لابنتي، ولكن كيف عرفت هذه المعلومات ؟ ومن حدثك عن سيرة ابنتي ؟

قال مصطفى: لي صديق يفتش عن زوجة صالحة، وحين سألت أمه الناس عن أفضل الفتيات في حلب، ذكروا ابنتك ورشحوها من بين عدة فتيات، يمكنها أن تتعرف إليهن لاختيار العروس.

قال أسامة: الحمد لله، زرعت الأعمال الطيبة فحصدت السمعة الحسنة.

قال مصطفى: صديقي إنسان رائع، وابن عائلة كريمة، تعرفت إليه في الغربة، وقد جاء إلى حلب منذ فترة قريبة، وأريد أن أدله على ابنتك، فما رأيك ؟

قال أسامة: الزواج قسمة ونصيب، أريد أن أرى الشاب، ونسأل الله التوفيق.

قال مصطفى:سأزورك غداً صباحاً في الدكان برفقته، آمل أن يعجبك، وأن يصبح صهراً لك.

قال أسامة: أهلاً وسهلاً، سأكون غداً بانتظاركم.

قال مصطفى وهو ينهض واقفاً: اسمح لي الآن بالذهاب، تشرفت بمعرفتك.

خرج مصطفى من الدكان بعد أن صافح أسامة بحرارة، وربت على كتفه بود واحترام.

_    _    _    _    _    _    _    _    _

حين عاد أسامة إلى البيت مساء، حدث بثينة بما جرى معه، قالت له: سبحان الله، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً بعد هذا الزمن الطويل يكافئك الله على أفعالك الحسنة …

ارتدت بثينة ثوباً جميلاً، وتزينت بالعقد الماسي المتلألئ، نظرت إليها ابنتها شماء بإعجاب قالت: ما أجمل هذا العقد !

حملت الصندوق المزخرف تأملته، وقالت: إنه آية في الجمال ! إنه قطعة فنية نادرة !

قال أسامة: العقد زادك جمالاً، وإشراقاً.

_    _    _    _    _    _    _    _

في اليوم التالي جاء مصطفى إلى دكان أسامة بصحبة شاب وسيم، أنيق المظهر، قال له: هذا راغد صديقي.

تعرف أسامة على الشاب، وأعجب به، ووافق أن تذهب أمه بصحبة زوجة مصطفى لرؤية ابنته شماء.

في المساء، حدث بثينة قائلاً: لقد رأيت اليوم راغد، إنه شاب ممتاز، يصلح زوجاً لابنتنا، ذكي، ونشيط، ومحترم

ستأتي أ مه غداً مع صاحبة العقد لرؤية شماء.

_     _      _    _     _    _    _

أعجبت أم راغد بشماء، وأعجب الشابان ببعضهما، ووافقت شماء على الزواج من راغد، وأوصاها أبوها قبل أن تزف إليه أن تزرع الأشجار في حديقة بيتها الجديد من أجل أولادها كما علمها، وأن تفعل الخير دائماً.  

تزوجت شماء من راغد، وعاشت سعيدة معه، أنجبت ثلاثة أطفال، فرحت بهم، وفرح أسامة وبثينة بأحفادهما.

_     _    _    _    _    _    _

وتزوج يقظان من فتاة تربطها صلة قرابة بأسرته، وأوصاه أبوه بحديقة البيت الجديد، والأعمال الحسنة، وتزوج صفوان من ابنة هشام الذي صار صديقاً حميماً لأسامة، وأوصى أسامة ابنه صفوان نفس الوصية التي أوصاها لأخوته.

_    _    _    _    _    _    _    _    _

كانت الأشجار في حديقة بيت أسامة قد كبرت وأثمرت، وصارت تلمع تحت الشمس بلونها الأخضر المتألق.

قالت بثينة: صارت دارنا بستاناً وغابة وارفة.

ومرت الأيام، وفرح أسامة بأحفاده الكثيرين الذين يأتون مع أهلهم إلى بيت الأسرة الكبير كل أسبوع، فقد أصر أسامة أن يجتمع شمل الأسرة دائماً، كي يعتاد الأولاد على رؤية بعضهم دائماً ويحبوا بعضهم.

ذات يوم شعر أسامة بالقلق على أولاده، قال لبثينة: قلبي يحدثني أن الأولاد بحالة سيئة، رأيتهم في أحلامي البارحة وهم يستنجدون، ويطلبون المساعدة.

قالت بثينة: إحساسك صادق، قلب المؤمن دليله، حصلت بعض المشاكل للأولاد في الفترة الأخيرة، أوصيتهم بإخفاء الأمور عنك، حرصاً على صحتك، فأنت مريض بالقلب، بحاجة إلى الهدوء والراحة.

قال أسامة بقلق: هيا أخبريني عما جرى …لا تخافي على قلبي، لن يحصل لي شيء، ربما استطعت أن أساعدهم …

قالت بثينة: خسر يقظان كل ما يملك فقد غرّ ر به أحد المحتالين فجعله يرهن بيته ودكانه مقابل مبلغ من المال كي يستورد بضاعة من الهند، ثم قال له إن الباخرة التي حملت البضاعة غرقت.

قال أسامة: وكيف يغامر بمستقبله دون أن يستشيرني ؟!

قالت بثينة: إنه يستشير زوجته في كل أموره، ستقوده إلى الهلاك بأنانيتها وطمعها، وبحثها عن الربح السريع دون جهد.

قال أسامة: لو كان ابنك رجلاً حقاً لفكر قبل أن يتصرف، واستشار ذوي الخبرة قبل أن يقدم على أمر خطير.

قالت بثينة: هذا قدر وقضاء من الله، اللهم لا نسألك رد البلاء ولكن نسألك اللطف فيه !

قال أسامة: وهل هناك مصائب أخرى لا أعرفها ؟

قالت بثينة: براء ابن شماء أصيب بحالة تسمم غذائي بسبب إهمال شماء التي تترك أمر العناية بأولادها للخادمة، وتهتم بزيارة صديقاتها، وارتداء الثياب الفاخرة، والمجوهرات، كم نصحتها أن تغير أسلوبها في الحياة دون فائدة ….لقد شفي براء بفضل عناية الدكتور سامي ابن هشام ….

قال أسامة: وماذا حصل لصفوان ؟

قالت بثينة: مر منذ فترة قريبة بمشكلة في عمله لكنها انتهت بسلام، فقد باعه أحد التجار بضاعة رديئة بثمن مرتفع، أراه نماذج جيدة منها كي يخدعه، اشتكى عليه في المحكمة، وكسب القضية، فالقاضي يعرفه، والناس شهدوا معه وكشفوا خداع غريمه.

قال أسامة: سوف أذهب لرؤية الأولاد والاطمئنان عليهم …

_    _    _    _    _    _    _    _

ذهب أسامة إلى بيت ابنه يقظان، حزن جداً حين رأى حديقة الدار جرداء، وحين سأل ابنه عن سبب ذلك، برر إهماله بضيق الوقت، وعدم حب زوجته للأشجار، قال لابنه بأسى: لا أستغرب أن تصاب بهذه الكارثة وأنت لا تفعل الخير أبداً

لو كنت طيباً وكريماً لأرسل الله لك العون من حيث لا تدري، إنك لا تستحق هذا البيت، أرجو أن تكون هذه المصيبة تجربة لك تتعلم منها أن تواجه الحياة بحكمة أكبر، وأن تستشير ذوي الخبرة، والذين يريدون لك الخير، سوف أساعدك بمبلغ صغير من المال كي تبدأ حياتك من جديد.

قال يقظان: الحق معك يا والدي، أعرف أنني مسئول عن مصيبتي، وأنني كنت قاسياً، سوف أكون إنساناً فاضلاً في المستقبل كما ربيتني، ولن أنسى أبداً أن أزرع الأشجار، وسوف أكون عند حسن ظنك.

_    _    _    _    _    _    _    _

حين ذهب أسامة إلى بيت شماء، وجد في حديقتها بعض الأشجار المهملة، قال لها: لم تنفذي وصيتي جيداً يا شماء، لو اعتنيت بالأشجار لكانت الآن تزين حديقتك، لو اعتنيت بأولادك بنفسك لما مرض براء، لو أعطيت خادمتك أجراً أكبر لاهتمت بأولادك أكثر، لو فعلت الخير دائماً، لما تعرض ابنك لهذه المصيبة.

قالت شماء: أنت محق يا أبي، أنا كنت أنانية، ومهملة، ولم أسمع نصائح أمي، سأغير أسلوبي في الحياة، في زيارتك القادمة لي سترى أنني أصبحت أماً صالحة، وسوف تأكل من فواكه حديقتي.

_    _    _    _    _    _    _    _

انتهى المطاف بأسامة في بيت ابنه صفوان، أحس بالانتعاش حين جلس في باحة البيت، ورأى الأشجار المزدهرة في الحديقة

قال لصفوان: أنت الوحيد بين أولادي الذي حافظ على وصيتي.

قال صفوان: أنا أحب العمل في الحديقة وزوجتي مثلي، وقد علمت أولادي أن يزرعوا الأشجار في عيد ميلادهم، ويتصدقوا على الفقراء من مصروفهم.

قال أسامة وهو يحتضن ابنه: عرفت بالمشكلة التي حصلت لك، وأنها انتهت بخير، لأنك إنسان طيب، أرسل لك الله أناساً ساعدوك، وشهدوا لمصلحتك، أنت ابني الذي يشبهني.

_    _    _    _    _    _    _

اجتمع أفراد الأسرة في بيت أسامة، احتفلوا بعيد الشجرة، كما اقترح عليهم أحد الأحفاد، قطف الأحفاد ثمار الأشجار، وضعوها في طبق كبير، تحلقوا حول جدهم، وهم يغنون، ويسمعون أحاديث جدهم، وحكاياته، وخلاصة تجربته في الحياة، ويسجلون وصاياه في ذاكرتهم.





















  

  

    








View nada's Full Portfolio