فلسفة الشعر

Folder: 
دراسات

(( فلسفة الشعر… حلولٌ مُتخيّل ))

كرم الأعرجي

الكتابة وإمكانية إختزال المضمون الذي يصارع التأويل بتكثيف اللغة… له إشكالية مع الفن الصوري الذي يؤطر الداخل من المعنى بصورة الدوائر البرزخية بحيث تتجه خبايا النفس باطلاق مسراها المتدرج من المركز كي تصل إلى حالة الاقتدار على الذات الإنسانية المستفزة لتبقى الشخصية الشاعرة أكثر فورانا بما تأخذه من شحنات الواقع القلقة.. وهذه ميزة ترافق أي أديب يحاول تسخير لغته بسرية التشعير والتأثير في التلقي - اليه ومنه- ولان النفس تمر بسبعة مراحل كما يصفها العلماء في المعارج… وبتنبيه روحي محاولين بذلك تطهير الإنسان و تهذيب النفس بهذا الاكتشاف الذي يتحلى به القويم …

إن المعادل الموضوعي الذي يفرضه الفهم الإجمالي للشخصية المدركة هو تمحيص في معنيين – الباطن – الظاهر – ومن ثم إخضاعهما لفلك العقل .. ثم تدوير الرحى بقبضة الفطنة لتبرير الإشكالية في الشك ..

قد يكون هذا المدخل عميقاُ بعض الشيء لكنني سأغوص في كون الخصوصية الشعرية التي تمثل مراحل التجربة لنموذج عقلي وتخييلي واترك بقايا مزايا الإنسان الأخرى جانباُ فالبحث سيقتصر نوعاُ ما على المدرك وإنعكاساتهّ بالتعامل مع فضائه الإطلاقي بتشكيل فني يحفر في التخييل صوراُ سامية تجتاح المعنى او العكس بقصدية وهذا يحدث من البث الشعوري الموعز( الدماغ ) المؤطر بهالة البهاء الفوقي ..

إنها هالة من الإفتراضات التي صنفتها المرجعيات وبإضافة معرفية من لدن الشاعر تتمحور الصراعات بين ما هو مرئي وجداني وما هو مخبأ يضني الأيهام…لأن أي احتراز من القلق يعتبر سكونا كشفيا للغيب لذا فالمشاهدة بعين البصيرة (وشوشات صورية) تتنقل بأبعادها نحو الوضوح الصافي والصادق للصور الواضحة … فالتحول في مدار الوعي (طلْقُ) للخزن السري في وحدة الوجود العام  في الذات .. وعندما يكتمل فيض الحس تنطلق لحظة الإدهاش ..بالصور التي يحسها المتلقي بشاشة معقدة ... ولكن أوضح مما تستره المفاهيم على مستوى التفكير الحداثي .. وهكذا يمتد ( الموعز ) نحو المبهم واليه .. فيكون كشف الدلالات الحسية ترميماً للشعرية دون خسارات في هذا الفيض الجمالي للكون ..

وبعيداً عن التنظير الصوفي وفوقيات المعرفة .. هنالك شعور يسكن الاشياء وروحها .. لذا أتمادى في إكتشافي الغائب – الحاضر- عن مكمن خفي يدركه الحس.. ولكن يصعب على الكاتب للشعر أن يتصل بأفعاله الموصولة بالشكل الهيكلي للواقع الوجودي وبتحديد ماهية ذاكرته في عودة الذات الى مصاب ما مضى كأصدق فعل يقوم به الشاعر. مما يجعله يستغني بأستبطانه عما هو فعل قادم ينتظره لذا فتحقيق هذه الحالة لا يمكن أن يحلِّق بها إلا إذا كان هنالك مصدر دقيق متخيّل يخترق المعرفة الروحية باتجاه المكنون.. وما يختزنه من معادل يرتكز على ذهنيته المفتوحة على آفاق المطلق..

إن حصيلة الكشف في إدراك اللامعقول هو تطهير الذات الدنيوية ثم الإيغال بفضاء الاتحاد الروحي مع المقارن بها من عوالم أخرى .. وهكذا تكون المحصلة إدراك للغيب الحسي فيكون التخييل أوسع من نظرية الحلول الفردية على مستوى فلسفة الشعر وبالتالي يتحرر الوعي في ترتيب معاناته (الخَلْقِية) أمام عظمة القدرات المستمدة من الفوق المتفرد.. الصورة في البنية شكل من أفعال اللغة كطرح يفيض جمل محلّقة لتكوين صور تسبك تعدّديتها المفردات، الخاضعة تحت قبضة الإبهار الفني في تكوين سرية إشعاعها الغامض والمسكون بالوضوح القادم من أقصى حالتها المترادفة في الظاهر- الباطن – والباطن من الكشف، ليمثل جوهر التخليق الرؤيوي على مستوى الادهاش .. فالتنقيب في معاجم الضد امتثال أمام القدرة في الكشف المتكافئ بين ضدين يختلفان في ظاهريهما، ويتطابقان في الداخل…

فالمعنى من الحلول هو خرق في العادة .. ليس من خلال الروح فقط .. ولكن الخرق لم يكن مستحيلاً في الكتابة .. .

(2)

قلنا أن الكتابة جيئة من – تخييل- مُتَخيَّل- وهي صورة محسوسة خاضعة لقبضة الفيض فتكونت من عدميتها حتى كانت لغة مأمورة من (التجلي) .

صلة التلقي إدراك للصورة، ولكون الصورة وليدة كتابة، يكون فعل التلقي دقيق من أجل أن يكشف سرها وهذا من خلال بصر المتبصر- عبر الحدقات، التي تنسج فهمها مدارات العقل فيحل محل الصورة، كرسم بدائي للكتابة.. إذن الإيغال في التأمل، اتحاد مع المكونات للمدرك المحسوس أن افضل ما نستشهد به هو عند نزول جبريل () على من خصه الرحمن أن يكون نبيا مبشراً وسراجا منيراً، هو النبي الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة سيدنا وشفيعنا الرسول الكريم محمد ()، قال له تعالى  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4).

وهنا كان المتلقي محدود في إدارك القرءاة ولكن بفعل الارادة اتحدا بسكون هاديء للخلق، سيدنا جبريل () ونذيرنا محمد (). فاصبح فعل التلقي قائم وغير مردود، لأن الملقي مأمور والمتلقي مأمور، فكانت القراءة، وبما أن الآية الشريفة أصبحت صورة في العقل البشري، هنا وقع فعل الكتابة في الخزن السري للدماغ لذا كانت الكتابة رسم في التخييل البشري ولم يكن عصيبا (للموعز) (الموعز إليه) أن يعطي (للسبابة و الإبهام) دور للقلم أن يتجلى في سماء القرطاس لكي تكون القراءة والكتابة معا.. الذي يعلم القراءة يعلم الكتابة .. ولكن الرسول ().. بقي أمي الكتابة وذلك سبب من أسباب التعميم كي يكون صحابته أمناء على حفظ القرآن في صدورهم ومن ثم جمعه لكي يكون لهم شرف كتابة ما يوحى.. والله أعلم ..



نحن بصدد الشعرية التي يقطف ثمرة قبولها الوعي برغم الإعجاز الحاصل فيها.. وعليه فان الإبهام متدرج في ذات الشاعر، كدرجات الوعي منذ نشوء الفهم عند الطفل وتطوره ..، إن (أي) كلمة صادرة من الباطن العقلي هي درجة من درجات الحس، وتكوين الجملة وان تقف على محك غامض فهي موجودة في التخييل لذا فإن هذه اللحظة الغامضة بالإمكان الحصول على مفاتيح فهمها.. لأن أقصى الحالات الغامضة وأن كانت غير مدركة فانها ستصبح واضحة إذا ما دخل التفكير المتأمل عالم الذات التي أطلقت هذه العبارة أو تلك، هنا يتصاعد الوضوح في مراحل التلقي للبث، وهذه رحلة (تفكيكية) مغادرة في المحسوسات وقادمة من المطلق الشعوري فتكون الصورة الحاصلة برغم التراكيب المبهمة إدهاشا محسوسا..

حلول الكون في العقل البشري وحلول العقل في أشياء الكون ليس داخلها ولا خارجا عنها، وصف قد يكون دقيقا أو مجازيا مقرونا بإنفتاح رؤيا البصيرة .. الكون مسخر والكائن البشري محدود في إنجاز هذا التسخير بالكامل، الا لمن اذن له عالم (الأمر) الهدف من الحلول كتنظير فلسفي هو اجماع إجمالي في رؤية المتحسس الفوقي الذي ينظر من خلف الفضاءات كي يشاهد، ويرى أعماق المدى – بإنضباط المؤمن- بوحدة متكاملة مدركة وكذلك تدركه- بخضوعهما للسمو ((المتعالي)).

 سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ  



إن صياغة أية جملة شعرية منسوجة من خيوط الوهم هي شكل لصوره .. وبما أنها مرسلة من اشعاع سري تكون خاضعة للإدراك .. فالشعر يختزل الإدراك في خلق أجواء مفتوحة، للتشعير الحسي الساحر ..

وذلك بالانسلاخ عن المطروق من جرس أتعب الإثارة .. كي لا تضيع متعة الإدهاش في القراءة .. ‍‍‍! ؟

    

View karam's Full Portfolio