الحلقة الثانية من دراسة نقدية فنية في لوحة الموناليزا

دراسة نقدية فنية او بحث تصويري

في لوحة الموناليزا

للفنان الايطالي ليوناردو دافنشي



ــ  الحلقة الثانية  ــ



( قراءة عامة غير شاملة وغير مستوفى الغرض منها )



(2)



بقلم : جمال السائح



نستطرد في الكلام

ونتساءل من جديد

لكن بلحن اخر

وصوت اكثر كتمانا لوقع الجمالية

خوف البوح وتناهب الابداع والسحرية فيها

ربما من ثقل حسد الباصرة

وانتقاص الناظرة

ثم ..

هل اضفى دافنشي على سحر الفتاة ..

ما لم يكن في نفس الفتاة الجميلة

ام انها كانت اجمل بنظراتها جميعا

ولم يتمالك دافنشي نفسه ..

الا ان صور واحدة من تطلعاتها الحميمية تلك

اذ ان المتصور لها ..

وفي اول اطلاقة لوهلته البصرية

له ان يعود اليها وفيما بعد

ان اسعفته البدهية الفنية

وابهرته الموهبة القرائحية

كي ينفق من وقته ما له ان ينفق

كي يتسنى له ان يغور في ملامحها

في محاولة منه كي يسبر غور غواياتها

وقدرتها على الجذب والتنفير

فيتبحر في موج عينيها

وجسدها المعتكف خلف واحة ثوبها

ومن ثم تواضعها الذي له ان يفضح عكسياته

وبكل نقائضه من اصول الذوق وملامح الصبر

من حيث ان كل شيء فيها

يشي بجنسية شهية للغاية

حتى الثوب فيها

ويديها

واصابع كفيها

ونظرتها الحكيمة

والاستهتار الغالب فيها

والطمأنينة التي ترشد الرائي معها ..

الى كل سقوط في حبائل غرامها

ومن ثم يستكين الرائي

حينما يكون له ان يحملق في شيء من غبائية النظرة

او تخوفها

او غرة وجودها

وعدم تجربتها ان تقف امام لاقطة دافنشي

وحركات فرشاته

وان تكون اسيرة لكل نبض من نبضاتها الفنية

بكل ايقاعات يده

وهل كان لها ان تزيغ ببصرها

الى جمال نفس دافنشي

فتنشغل به عن ايقاع نظرتها في راسه

وهل كان لها ان توقعه في غرامها

كي يتمكن من ان يدهش الاخرين بفنه

حين تتمكن من غوايته

سيكون له ان يتمكن من غواية لوحته الصماء

فيستنطق بياضها بكل احلامه

وما كانت الاخيرة اقصد احلامه

الا وقع خيال الفتاة في وجنة احداقه

والتي كان لها ان تستكين بين حدقتيه

فكان يمتلك منها كل شيء وقع ترسيمها

وبكل تجريبياتها وتحديداتها

فهل كانت اسيرته الى مثل هذا الحد

الذي تظهر للرائي في عين اللوحة

كما لو كانت تخشى على شيء ما

ان يتكشف لديها

ان يفتضحه دافنشي

ومن دون علمها

مع ان نظراتها تلك كانت توحي انها تكتم حرمانها

حرمانا كبيرا

ربما ولعا غازيا

وربما حلما عظيما

وربما والادهى كما قلت

انها كما لو كانت تخاف ان يفتضح امرها

نظراتها الباردة والمتمايلة مع وقع الريشة السحرية

كان لها كل هذا الشريط المسجل في عين الرائي

والذي له ان يتمطى وفق مشيئته

ووفق تنازعاته وتجاذباته

وساعود مرات ومرات

الى نظراتها

والى عينيها

والى وهج احداقها

والى صبغة التلمظ القائمة خلف الغموض الذي يلف تطلعاتها

والخوف

والوجل الذي يغشى كل تردداتها

او تعثراتها في نفس التحديق

او عدم سيطرتها على الوجهة

او النظرة الكاملة

او انها

انها كانت مصابة بارهاق

لاطالة النظر الى فنانها

مما ترك في نظراتها شيئا من الحيرة

وعظيما من الارتباك

وفقر في دوام التطلع والابصار

تعب في تعب

لا ادري كم وقفت حتى شاء لفرشاته ان تنطلق

اقصد دافنشي

كم مرة حرك فيها الجسد

وغمز فيها العضلات او الوجنات

واشار اليها ان تصحح من نظراتها

ومن ثم في هيئتها

ووقفتها

ثم قال لها لا تتحركي

وفي اليوم التالي

عليه ان يقارن بينها وبين الصورة المرسومة

كي ينحت من جسدها شيئا يشبه اللوحة

لذا

سيكون لها بعد اليوم الاول والثاني

ان تشبه اللوحة

ولا تشبه هي اللوحة

او العكس صحيح

او كلاهما الاصح

ولكن

كان لها ان تغار من الصورة

وان فنانها سيغرم بصورتها

وسيتخلى عن الاعجاب بها

وقتما ينتهي من رسمها

او انها ستكون بعدئذ ثنتان

واحدة معلقة بزئبق الفرشاة وزيتها المشتعل فوق لحمة قماش

واخرى تتحرك بدم ولحم

ثم للرائي اكثر برؤية متصابرة

ان يعثر على الكثير والاكثر

فله ان يعجب بنظرتها

او كيف انها

نعم .. كيف انها ..

؟؟

كيف لها ان تفكر لحظتها ؟

وكيف كان لصورتها ان تنطبع صبغتها ..

في وجه كل ملامحها

او كيف لدافنشي ان يعيد خلقتها

ومن جديد !

وكما يشاء يراعه ..

لا كما شاء الرب ان يصورها

وكما يحدث لجميعنا حين يلتقط المصور لنا صورا

نكاد ان نقسم عليه كي يرتشها

ويبذل ما في وسعه

كي يحيلنا في الصورة الى اجمل من الحقيقة

وازهى مما يتوقعه منا المتحلقون حولنا

او باجمل الصور التي نتمنى ان نكون عليها

نحن انفسنا في وقتها

كما الفنانين او الاعلاميين حين التصوير

بعد ان ترهقهم ايدي الحلاقين والمصففين

فضلا عن متخصصي التجميل ومفعلات الماكياج

وبكل مساحيقه ورسومه !

اعود الى انفسنا

نحن غير الواقعين تحت ضوء اللاقطات التصويرية

لكن تحت ضوء اللاقطات البصرية للاخرين

في الليل والنهار

فما كان التقاط الصور لنا

الا وهلة من النضارة التي لنا ان نقتنص ثوانيها

ذلك حين نفترص فرصة

ونصور لانفسنا صورة فوتوغرافية

فليس منا من يعرض وجهه للكاميرا

وشعره متشعثا ووجهه كريها بكل ملامحه

واذن

ما كان مثل هذا

الا فرصة مثالية

وانها فرصتنا الغنية بكل ما فيها

كي نثبت للاخرين عمق جمالياتنا

وسعة جاذبيتنا

وان غابت مثلها في اغلب الاوقات

حين نتعامل مع الناس

وتهدم مطالع كل قسماتنا ساعات العمل

وتزيل مسحات الجمال فينا

كل ازمنة انصرافنا في كثير من اوقات الانشغال

عن الاهتمام بوجوهنا

او صورنا

ومعالم وجوهنا

وشعرنا

والعرق لا بد في وقتها

ان يتصبب من جباهنا

ولمعانه يشتد بريقا فوق انوفنا

وشفاهنا اليابسة تكاد تسطر في عقل الرائي

كل اثارة للارهاق والجدب الذي ..

يكاد يستثيرنا عطشا

ومن دون بلٍّ لاي رمق !

فهل كانت الموناليزا تفكر ايضا

بكل ما له ان يسطع في مقلتي عقولنا

واذهاننا المتساحرة في جسيم تصوراتنا ..

................................................................

تمت الحلقة الثانية

من دراسة نقدية فنية في لوحة الموناليزا لليوناردو دافنشي

وتليها الحلقة الثالثة انشاء الله

2006-02-20




View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: