مقالة بحثية في طبيعة العلاقة المتجذرة ما بين العلوم ال

مقالة بحثية في طبيعة العلاقة المتجذرة والحضارية

ما بين العلوم الانسانية والعلوم التطبيقية

من حيث .. التفاوت ما بينها

وفهم العقل الفردي والجمعي لمثلها

ونظرة المجتمع اليها ومن أين تأتّت وكيف انتهى اليها؟



..................



ساعلن عن وجهة نظري في الامر من حيث الاسهاب في دمج حدود الوعي بكلتا القضيتين علما ان الوقت لم يسعفني كي انقّط وارقّم او اسجل ما استطعت التوصل اليه في دراية مثل تلك المعلومة التي تشتمل على فهم واحد لطبيعتين تتجانسان وتتشاكلان معا او تلتقيان وتفترقان في ان واحد ..

اول ما تستطلع انظارنا هي القضية التاريخية .. وهي العامل الذي انكشف بانحسار عوامل زمنية عنه ، من حيث تاخر اكتشاف العلوم الانسانية رغم وجودها الخارجي لكن تاخر الاعلان عنها

.....

وهي هنا تجتزئ نفسها الى قسمين

قسم العلوم الانسانية التي تبدو تطبيقاتها اوضح من الثانية

من مثل العلوم السياسية والحقوقية والألسنة

قسم العلوم الانسانية التي لا تبدو تطبيقاتها اوضح من الاولى هذا ان لم يُصادر عليها بانها فاقدة لوتيرة التطبيق والإعمال .

من مثل علوم الادب وفنونه وان كان ما يلحق بها من صيغ عملية عبر ممارسة التعليم والتدريس لكن كان لمقابلها في العلوم التطبيقية ان تفعّل من الجدال والمناوءة غير المباشرة من خلال ان تدريس المواد التطبيقية اصعب وادق من تدريس المواد الانسانية سيما ان الاخيرة تقتضي توافر المختبرات ووسائل الايضاح وعوامل التجريب وما الى ذلك .. بينما يمكن الاقتصار على تدريس العلوم الانسانية نظريا والاكتفاء بلغة الكتاب وورقة النسخ المطبوعة والمتداولة بين ايدي الطلبة !

وحتى تلك التي تتطلب كتابا وحدا لا يتجاوزه في العلوم التطبيقية كالرياضيات فانهم يتذرعون بانها تتنفس اصداء الوجهة العملية في معادلاتها الحسابية ومنطوقاتها الهندسية وصفاتها الجبرية باعتبارها توابع لصيغ تجريبية لا يمكن ان تتم لها عملية الخلق الا فوق مختبرات ورقية ومعامل ذهنية لا يمكن ان ترقى اليها تلك المعامل الذهنية التي تتحرك قواعدها وتنطلق دواليبها داخل الوعي الاكاديمي المقصور على التلقي والحفظ والفهم والتداول الخطي والنصي .. بينما الرياضيات مثلا تتطلب وعيا خاصا تتحرك جزيئاته في مختبرات ذهنية وان جرى التنسيق معها فوق اديم الورق وسحابة المطبوع من نسخ المادة المقررة !

......

ومن ثم يمكننا ان نرصد عوامل اخرى متعددة ، تمتد لتشمل عدم رصد الدعم المادي للمناخات التي تتحرك في ضوئها العلوم الانسانية او قل عدم انتقاء الزخم او الثقل الانفاقيين على مثل هذه التحركات النظرية .. كما هو الحال او كما يتفق ان يحدث ويحصل مع باقي الاجناس الاخرى من العلوم التجريبية والصناعات العلمية والحرف التطبيقية والتي تعتمد في جلاء الوعي بها على ممارسات فنية ومهارات متزامنة مع الزمن الملاصق بوقتية وحينية الاشتغال بها وبتقنياتها العملية ... إذ يتم رصد الاموال لهذه الاخيرات بما يمكن ان يغنيها ويعمل على ازدهارها وينشّط في حركة تفوقها على سائر المناهج الثقافية الاخرى ، ومن ثم ستعمل كل هذه الاسباب والتحركات وبطريقة بادية للعيان او غير ظاهرة الى استمالة طلابها واستقطاب اكبر عدد من الافراد في نفس الوقت الذي تستقطب فيه اكبر حجم من العقول والافهام والاذهان لتكتسب بعد ذلك اكبر عدد في الاصوات المشجعة لها والتي تصبح بوقا يهتف لها عمديا وتلقائيا بعد ان تكون عملت كل تلك المحفزات والتحفيزات على توسيع افق التداول في اسسها ومن ثم في افرازاتها المستقبلية ..

خاصة حينما نعلم ان مثل هذه الحالة هي صفة متكررة في الحدث التأريخي وعلى مر الزمان وطوال القرون المتصرمة

بينما يبقى اصحاب العلوم الانسانية يعانون من شظف العيش ويقاسون متاعب الحياة ، في الوقت الذي تتطلب منهم هذه الاخيرة ان يجددوا عزمهم على التواصل مع علومهم كي يتم الحفاظ عليها ، واثرائها في حيال ما انتصب من علوم تنافسها التربع على عرش القيمومة في الحياة الواقعية  ..

مما اعقب المجتمعات حالة من الجهل استطاعت ان تستشري بين اوساطه حتى تفاعلت مع حالة من اليأس من طلب مثل تلك العلوم او محاولة استقصائها والنيل من مطاوي ما اشتملت عليه من دخائل نفعية او حتى التطاول لاقتناص قصب السبق فيها وان كان لنفس هذا المجتمع في مضمار اخر نفس الدور غير المباشر والذي يتحرك نفس افراده في سياقه من اجل اثراء تلك الحركة الفكرية التي تصب في نفس القيمومة التي لا يمكن استحصالها الا عن طريق الفهم النظري والعلوم الانسانية . . باعتبار ان الفرد كان ولما يزل يبقى عاملا اساسيا في دفع عجلة الحضارة الانسانية الى امام حسبما اتفق له او خطط لها .. ذلك ان الظروف التوثيقية لمنهج التعامل البشري مع مختلف مجالات الحضارة جعل حالة من التنافس تقوم بين الافراد ، تعطي الفرصة لجملة من العلوم الانسانية ان تشع على وعي قطاعات مختلفة من الافراد الذين آلو على انفسهم الا ان يختطوا طريق حياتهم عن دراية بالقضية وعن غير دراية ، وعن توافق انسجامي معدّ له سلفا وعن غير توافق .. عن عملية يلعب الحظ فيها دوره او لا يلعب ووفقا لتلك العوامل الاكاديمية والصيغ الفكرية البحتة من اجل ان يتم له تقاسم الاخذ بضرع الحياة وتناول انوائها من شتى اقانيمها !

هذا في الوقت الذي لا يمكننا ان ننسى فيه المد الحضاري الفكري المتواجد في الكتل المجتمعية والتي تضم بشرطيتها الاحصائية وشروطها الحياتية كل الميول الانسانية والدوافع الرغباتية التي تنشد تحصيل مثل تلك العلوم وتنصب اهتماماتها  صوب تلك التفرعات المنهجية في قراءتها لاصول الدراسات الانسانية والعلوم النظرية مما ترتب على مثل هذه الاجراءات الجماهيرية والملحوظة فهما اكثر تناسقا مع صيغ التحدي الجماعية التي يقوم على اساسها توزين الفكر الاجتماعي وتوزيع الثقل التحضري ما بين كفتي العمل الثقافي بمجمل اتساعاته وكليات نطاقاته المتناسقة مع مبدأ الارادة والتحرك والفهم والاحتمال لطبيعة المسؤولية الملقاة على عاتق الافراد في بناء الحضارة الفردية والجمعية وعلى كافة المستويات النظرية منها والتطبيقية ، والانسانية منها والعملية او حتى تلك التي تستبيح التجريد والتطبيع في الفهم في ظل تناول يتناغم مع الاخذ بكليات التجريب والتجسيد الوضعي للقضايا الفهمية لكي يطل ومن خلالها الانسان على افق يمتلك الرحابة والصفات الاساسية للعيش

لانه ما ان تتوافر الصورة حتى تستجمع قناعاتنا ضرورة الى استحصال الصوت

او ما ان يتوافر الصوت حتى تستأخذنا حاجة من التعطش الى الصورة

هذا في نفس الوقت الذي لا نغض الطرف فيه عن اعتياش المناهج العملية على المناهج المعرفية المتواجدة في العلوم النظرية والقوالب الانسانية

بل ان لمثل اولئك الافراد الذين يعملون في مثل تلك السلكيات ، فانهم غالبا ما يتواجدون في سوح العلوم النظرية لغرض اكتسابهم الاطمئنان النفسي وانتزاعهم لشيئيات تتعاصر مع وجودهم وتغذي كياناتهم التي يتحركون بها في ارضية الواقع حين يكونون هناك في ميادينهم العملية الخاصة بهم !

مع العلم ان العلوم الانسانية ما كان لها ان تقتحم غبار العلوم الاخرى بل انها غالبا ما تعمل على رص الصفوف العلمية والمنهجية جنبا الى جنب مع كل التحركات الممتدة في هذا السبيل ..

هذا ان لم نقل ان العلوم الانسانية النظرية كان لها ان تحتوي سائر العلوم النظرية والعملية من حيث لا تشعر بها هذه الاخيرة عبر اشتمال الاولى في نهجها ودراستها التوعوية على تجزئة ودراسة الحالة الخلفية لتلك العلوم او الارضية التي تمتد فوقها او تتكئ عليها ..

باعتبار ان المسح الشامل لخارطة العمل البشري التي تستقطب كل الواح المنهج العملي والتطبيقي لتلك العلوم هي لا بد وان تمر خطوط المصادرة عليها عبر اجتيازها لقواعد مطلقة وعوامل من المعادلات التي لا تستقيم الا بانقيادها الى العلوم الانسانية والنظرية والتي لا بد وان تقول فيها الكلمة الاولى والاخيرة

من حيث المسح الديمغرافي والفهم النفسي لتركيبات المجتمع والاستجلاء الحضاري واللغوي والنفسي والادبي والفني والتأريخي والجغرافي والديني والعرقي والتي لا يمكن لسائر العلوم التطبيقية ان تقول كلمتها قبل ان تلتمس لها المجمل العام من التكثيف والاحصائية ..

هذا في الوقت الذي تقوم به العلوم الانسانية على تكثيف وعي المجتمع بثقل العلوم التطبيقية ورتق ما انفتق من هذه العلاقة ، يعمل الفهم التقليدي غير الصحيح والذي له ان يسود المجتمعات حتى المتحضرة منها وعلى صعيد العاملين في مجال نفس العلوم التطبيقية او على صعيد الانسان التقليدي الذي يحيا منبهرا بشعاع تلك العلوم ـ يعمل مثل هذه الفهم غير المجدي على تفتيت تلك الاواصر وزرع التفرقة ان لم يقم ببتر غالب الصلات والعلائق التي تقوم ما بين هذين المنهجين من العلوم والصنفين من الحضارات واللذين ما كانا الا وجهين لعملة واحدة تسعى لان تحرك الحياة في المجتمع بعد ان تترك عصبها يتدفق على افراده بشتى الوان المعرفة والفائدة النظرية والتطبيقية او المنفعة الشفهية والتحريرية باعتبار ان الانسان بحكم حيويته الماهرة ومتطلبات عيشه فانه ما كان ليتنافس على تحصيل العيش والتفنن في طلبه وتوقه الى الرقي وبلوغ مراحل الازدهار وتجاوزه لمختلف العراقيل وتخطّيه لجلّ الأباطيل .. ما كان لينطلق كل هذه الانطلاقة الا من خلال فهمه الواقعي لطبيعة حاجاته الانسانية والتي تشتمل على وعي داخلي ووعي خارجي بها ..  في نفس الوقت الذي اثبتت له كل المسلمات والبدهيات بضرورة انتفاعه من كل النظريات المعرفية سواء منها الانساني الصرف او العلمي الصرف بالرغم من انه يؤمن بالحسيات اكثر من ايمانه بتلك التي تبقى تحرص على الذهن كمحيط اكثر خصوبة لتأملات وعيها المتزامن مع عملية الترابط ما بين الداخلي والخارجي مما هو يقوم بين نفسية الانسان العملية والنظرية كلا على حد سواء !

هنا المجتمع يتدخل بحكم احتياجه لتلك الصناعات كمرحلة اولية يدفع بها الضر الذي يمكن ان يلحق به في حياته اليومية والذي يهدد بالتالي مستقبله الحضاري بالرغم من انك تجده يعود الى فقهه الانساني ووجهته النظرية حالما ينفك عن التزامه بوعيه العملي بعد ان يشعر بالطمأنينة حيال الخطر الذي كان يهدد مسيرته التنموية فيعدل عن التواصل مع الصورة الاجمالية لتلك الناحية العملية في وضعيته الحياتية ليتحول عنها الى تواصل اكيد مع جغرافيته التي لها ان تحددها علوم انسانية بحتة ..

هذا في الوقت الذي يمكننا ومن خلاله ان نشير الى ان كثيرا من العلوم الانسانية لها من الوقع ما يمكنها عبره ان تزلزل فكر الانسان وتشحذه بعد ان تستأخذه وتتركه يطلبها ويلتمس الوعي الذي يتأزم في داخله كي يستنجد بها من اجل ان تقيم اوج العدالة التي ينشدها في قضيته الحقوقية او السياسية او التأريخية كأن تكون حقه في العيش بحرية وكرامة ، ودفع طائلة العنصرية وشبح الجريمة عن كاهله وكاهل اجياله التي تنسل من صلبه وتقتعد رحم انثاه !

ولا ننسى ان الحركة السياقية التي تدخل فيها عنصري الزمان والمكان والاحساس بالوجود الانساني كان لها ان تتصل وتباعا بحركة لا تمت بالصلة الا الى الوعي الانساني بطبيعة العلمية النظرية

لان نفس هذا التحرك والميل الى استيعاب النظرية العملية دون النظرية الانسانية وتفضيل التطبيقية منها على الذهنيات ما كان لأفراده ومن تمسك بتوثيقه ان يتوسل في اثبات حسن طلبته ومسوغات التزامه بتلك الصيغ بعد ان فتش وبدأب متواصل ومتبحر عن دعامات وذرائع يقوّم بها مبدأ الانتصار لنظريته تلك الا بعد ان توسل بنفس المنهج النظري والانساني كي يصيب تفعيله لكل تلك المكنة الحضارية التي يستطيع ومن خلالها توفير البرهنة الذهنية على انسبية التحرك في مجاله الذي له ان يفرض نفسه مثلا في اوسع نطاقاته ويمثل وعي العلمية بشكلية العمل وخلفية حسية المنهج المتخذ في سبيل ابراز صحة نطاقاته كافة

والتي ليس لها ان تتم الا بعد اللجوء الى نفس خطط المنهج النظري في الاستقراء والاستكناه والقياس بعد احالة المسائل الى منطوقات تخضع الى مجال فكري بحت .. حتى لو اغرانا بأدواته التي لا بد وان تشتمل على معادلات رياضية واحصاءات آمارية لأنها ما كانت الا ملحقات استغرقت التواصل مع المنهج الاولي والاساس حين تم تفعيله ولقد كان عدّ لها استجماعها سلفا !

..............

كل هذا وكل هذه التأويلات وكل هذه التلميحات الحياتية والتعايشات المتطرفة تركت لعناصرها ان تتمالىء في التجذر ولا تهادن في التوغل الى عمق النفس الانسانية والتي لها ان تستوعب ظاهر القول اول بأول ومن ثم تعمل على اختراق حجب السمع والبصر وصولا الى التمحيصية الذهنية وورقة العمل الفكرية والتي لها ان تستجلي اثار الغبن في كل المعطيات او اثار التطاول على  كل المكاسب والمنجزات النظرية .. من دون ان تغبن حق العلمية المنهجية التي تستأخذ التجريبية والتطبيقية فنا يستاقها في غالب ميادينها !

مما اغرى الاخرين بهم بعد ان اغروا الاجيال بعدم التقرب من مثل هذه المزاولات التي لا تجر على صاحبها سوى الخيبة

.....

ولم تتأت مسوغات الاعلان عن مثل هذه الخيبة الا بعد ان افصح الطابور الخامس ان لا جدوى من مثل هذه العلوم لانها تقع في قطاعات العلوم التي لا تضر من يجهلها !

وما كانت مثل هذه التحركات الا حصريا على السلك السياسي  

كما ان اغفال الجانب التطبيقي في العلوم الانسانية الحف في تجاهل التمتع  النوعي بصبغة اصرارية تعتمد تجربتها كما القصة حين تصبح عملا سينمائيا او الرواية حين تصبح عملا تلفزيونيا وحلقات يترقبها الصغير والكبير ويتابعها الداني والقاصي .

مما يدلل على تلاقح الفكرين والنهجين في سياق لا يمكن الفصل بينهما لان النظري عملي والعملي نظري يعني انه بالامكان ان نجري على كل منهما فرضية الثاني واجتزاء الاخير ليمثل حلقة مكملة لحلقات الاول ! من دون افراط او تفريط في فهم تلك العلاقة التي لها ان تنحد بصيغ وقوالب شتى يفترضها نفس التعامل اليومي والحضاري في ظل ابعاد متخالفة ومتكيفة في الوقت نفسه .

............

آمل ان اكون قدمت وعيا بالقضية على مستوى يستدعي الافادة والتجديد في فهم مثل تلك العلاقة التعادلية بين قطبي الحضارة العلمية والعقل المنهجي .



جمال السائح

مساء الثلاثاء المصادف 13 ـ 12 ـ 2005

بكالوريوس لغة عربية

قاص وروائي وناقد ومحلل عراقي

يعيش خارج ارض الوطن


View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: