وعندما يذعن الجسد ـــ الجزء الاول

وعندما يذعن الجسد



   الجزء الاول



قصة

تكشف عن واقع الحياة

وبمختلف تناقضاتها الاجتماعية وتشعباتها السياسية

عبر طرح جملة من أسرار وخفايا بعض القضايا الجنسية



تأليف

جمال السائح



الاهداء . . .

الى  كل  ضمير  حي  ،  يمكنه‏ أن يفهم للجنس معنىً ، لا يمكنه معه . . أن‏ ينسخ آياته قط : آيات الرحمة والغفران

*  *  *

والى كل ضمير حي ، يمكنه أن يفهم للجنس معنىً ، لا يمكنه معه . . أن‏ ينبذ قاسميه المشترَكين: الدين والانسان ‏. .

*  *  *

والى كل ضمير حي ، يمكنه‏ أن يفهم للجنس معنىً ، لا يمكنه معه . . أن ينفي أو يجهل لغته الاصلية :  لغة الحب والوفاء !  لا لغة الاباحية والتنكيل  . .

*  *  *

فإن أذعن الجسد ، رغما عنه . .

فلغته التي تحكي بطولته . .

هي  لا تذعن أبداً  !

جمال السائح







جمال السائح

















( 1 )



    مسح الدمع في عينيها ، دفع شعرها المنتشر فوق جبينها الى أعلى، عاودت بعض خصلاته المتناثرة تطرح لون التمرد ، فتخلّلتها أصابعه منتحية بها جانبا من رأسها , كان يرفق بها حد الخنوع . طبع على جبينها قبلة ، اقشعر بدنها ، شعرت انه لمسها لمسا محرّما ، مع انها في قرارة نفسها كانت تشعر ان مثل هذا التودد ، هو ليس بالجديد , ولا بالغريب عليها . . الا ان ما كان له أن يحدث في الماضي ، لم يكن ليحصل الا بالرغم منها . . لم تكترث ! ولربما كان يحصل وفق النظرية المرسومة والفكرة المغروسة !



( 2 )



نظرت اليه نظرات حزينة ، كانت أشبه بالمغشي عليه . . تفرس في وجهها ، تصفح قسماته ، طالع وجنتيها، فغاضته سحنتها الكالحة ، وطرفها المشحون بأتراح عمر ، ذابت وشائجه بين أعطاف ليل لا يهدأ ، يظل يسكب عبراته حانقة بين الاعصار والانواء !

كانت الوان بشرتها ناصلة ، رشق أحداقها بلوح من مراقباته ، ظنها قد انتضت كل عذوبة ، كانت قد تميزت برشاقة لحاظها ومن ذي قبل ، تفيأت أحداقها عطف نظراته ، ساهمة هي كانت ! لم يعذرها حينما أصر في قلبه على انها لم تكن الا فتاة كسائر الفتيات ، اللاّتي يمكن أن يبيح الدهر للاخرين بالكشف عن جزئيات واقعها الذي ما وجد فيه ، الا مَراغما له . . ولها كذلك .



( 3 )



كان يتحسس خديها بين اللحظة والاخرى. . نهرته، وضع أصابعه فوق شفاهها فاستفزته . أراد مداعبتها، فلم يكن في وحي نظراتها من بأس ، يوحي له بمواصلة ما بدا له انها استسخفته عملياً. .

    كان يشعر انه يتلاعب بلحظات قلق تساورها بحنين سافر ، تتسابق بنضال فوق هضاب صدرها، تصحبها رعدات أنين صارخة ، تراقصها بين الحين والاخر جملة من الزفرات الباكية والعبرات الساخنة . . كان يراقب جسدها وهي ضجرة موجعة ، مثقلة بساعات من الاكتئاب ، مزحومة بعصير من الاحتراق . . أحس بان صدرها يكاد يعتصر لوناً من اللبن ، ما ان يمتلأ صهريجا نهديها ، ويطفح بما استُودع في عروقهما ، حتى يغتمر ما حولها بكل ما اختنقا وضاقا به ذرعا من قبل . .



( 4 )



واذا ما كان لمثل ذلك أن يحصل ، فان دورا جديدا يمكن أن يسفر عن شروعه ، عبر دفع نفحات من صرخات وعيها الخفاقة ، ومن ثم الابتهاج بتصالب ذراعيها المتمطية ، وهي تمتطي لهب كل موج جنسي ، كان له ان  يتشظى بألوان الحب والتفاني في لحظات تحتدم فيها العيون، بشبع من الاحداق الثائرة .

ثمة خلجات في الآماق ، وروح باسقة تستاق رواسبها كل لون عشق ، له أن تستلقي عند ضفاف موجه طيور مهداة من أوراد الحب ، تنظر بشهوة وسَورة الى جنّيات عاريات يُراقِصن سربا من عرائس البحر . .

كان يرى ان بوسع ذلك ، أن يلقي مِن على عاتقها كل صرخات همومها البائدة ، ليرميها بعيدا . . كيما لا تعود اليها ثانية تلك النزوات الكالحة من الهم والغم ، والتي كانت قد أسرت كواكب موجها الناتئ في لحظة واحدة ، حتى يصير لها أن تغيّب صوت الاعصار الذي جعل يضرب تنهدات كيانها بلهب أتونه ، والدافقة بكل أحلام الشوق ، العارمة بأفانين الحنين الى عذب الوصال ، وسرّ الممارسات المحرّمة . . لتكون عندها ساعة الصّفَر قد تمالأت‏ عنادا ، وهي تنضح بكل ما يدعها تصطرخ حتى تفجر وقتها كل سلاسل الحديد وربقات القيود التي أوقرت رائحة نهديها بحلقاتٍ ، أعيتهما حد الخفقان المتواصل . .

ولقد سطت فوق جنباتها الانثوية كل الوان التكبيل والتعتيم  ، فأحالت ثدييها الى عروسين من قباب منتفخة ، تكتنز بكل ما يغري الشفاه بلثم عروسي ثمرتيهما المعنّبتين.. وذلك من عيون حلمتيهما التي كان لها أن تدعو القلب . . الى شم أريج لقاحهما ، ولثم أقاحي برعميهما. . وصولا الى الشوق نحو اغفاءة ، وحالة من الوسن ، عند نبع غديرهما .

    

(  5  )



    قال لها :

    ـ  كيف جئتِ الى هنا . .

    ثم :

     ـ  بل ، كيف وصلتِ الى هنا ، وكيف استدللت على مكاني ؟

    فقالت :

     ـ  لم يخطى‏ء ظني ، بل كان حدسي كله صائبا . . حينما لا يسعني ان أذكر الا عنوانا ، كنت قد دعوتنى للحضور اليه ومن قبل ، كيما نتبادل في ظلاله ألوان الحب والهيام  .

     عندها شعّ في عينيها الضوء ، وأقبلت تحيل بالكلام على الكلام :

     ـ  عندها ، ما كان العثور على حبيبي يمثل حلما صعب المنال !

     فقال متسائلا :

     ـ  الا ان ذلك ما كان ليحصل !

    مستفهمة :    

    ـ   ما كان ليحصل ؟ !

    فقال لها :

    ـ   لولا . . أقصد بملءٍ من ارادة !

     بينما هالته عيناها ، فارتشف منهما نظرة على عجل ، ثم انتابته جولة من الكلام ، لا يدرك لها موقفا ، ولا حتى موعد انكفاء ، فجعل يروغ في خلال عباراته :

     ـ  والان ، هو لا يمثل لك الا . . بل هو محض الخطر بالنسبة اليك . . عليك ان تغادري المكان، والان . .

( 6 )



    ـ  كيف تريدني ان اغادر . . اني احبك .

    ـ وانا الاخر احبك حبا جنونيا . . ولولا حبي لك ما كان لي أن أعاني انا الاخر ما أعانيه الان خاصة ، فلولا خوفي عليك ما طلبت منك ترك المكان..  وفي الحال !

    ـ  ولكني ؟

  ـ  ولكن يا حبيبتي ، وعز ايامي ، وغنى روحي، ان مصيبتنا هي لتكمن في نفس حبنا ، فما كان جرمنا لدى الاخرين سواه . ولمّا كان كذلك ، كان علينا ان نخفي هذه الحقيقة عن الاخرين . . كيما يسعني الحفاظ عليك .

    فقالت :

    ـ  اني لا اكاد افهم ما تعني ؟

    أجابها وعلى الفور :

    ـ  عليكِ أن تعودي الى اخوتك ، فهم بانتظارك . . وان طال الاخير ، فانهم سيجمعون الاعوان والانصار ، كيما يحيطوا بنا ، ويضبطوننا متلبِّسَين بالجرم المشهود .

    ـ  فليفعلوا ؟

    ـ  كيف ، وسيعتبر كل هذا خيانة بحق صداقتي بهم ؟

    فقالت :  

     ـ  فلنغدو اذن زوجين حقيقيين .

    لكنه تساءل وبسرعة :

    ـ  زوجين حقيقيين ؟



( 7 )



   قالت :

    ـ أجل ، فان كل ما علينا صنعه لامتصاص مثل هذه النقمات المتوالية هو ان يعقد كلانا على الاخر. . فلنتزوج كما امر الله ، ولننصرف عن أخذ رأي هؤلاء الاخوة الاعداء . . لانهم مرض خبيث . . وداء عضال ! انهم ليسوا اخوتي ، بل اعدائي . .

    فلو كان هؤلاء اخوتي حقا ، لرضوا لي ما رضيته لنفسي . . وما كانوا قد نقموا منك الا انك طيب القلب ، ليس لك في الشِّرك نصيب . . ولا في التملق والتزلف رفيق . .

    ثم وبشئ من التودد ، واصلت كلامها :

    ـ  وإن كنتُ اشعر انكَ تخفي عليّ الكثير من الاشياء التي احس معها  (وكلما فكرت في جهلي لها) انها تصعب على مَن مثلي أن يعيها الان . . كنتُ أجدني  اختاركَ على العالمين . . حتى صرتُ أوافيكَ بنفسي ، لأنّي رضيتك لي ربّا . . ربّا لي ولعائلتي المنشودة .

    عندها قال :

    ـ  اني اشكرك حقا على كل ما حملتيه اليّ من مشاعر ، الا ان ذلك سيصنع صنعه الاليم ! تماما كما يمكن أن تصنعه النار في الهشيم . .

    ثم استدرك بعد توقف لحظات :

    ـ  لان اخوتكِ سيحدّثون أني اغتصبتكِ . . ولقد أخذتكِ عنوة ، ولقد راودتك عن نفسك ، ولقد جعلتك تحبلين . . ولقد منعتك الرفض ، لأني استلبتك خاتمك ، وفضضت سرّك ، حتى اضطررتكِ الى ما سلّمت به لديهم من حبك لي . . سيتقوّلون عليّ آلاف الاقاويل . . ويحوكون ضدي مئات الاباطيل .

    فقالت :

    ـ  ألسنا على الحق ؟

    اجابها :

    ـ  وكيف لا !

    ـ  اذن ما ضرّنا ان نموت ونحن واقفين  !

    عندها تساءل :

    ـ  ما الذي تعنينه ؟



( 8 )



    اجابته :

    ـ  انهم لن يسكتوا ، سواء رضيت أم لم ترض بما يريدون . . لان قصتي واياهم لم تنته ، ولن تنته بهذه السهولة . . فأنا لو بقيت في ظل إجحافهم ومكرهم ، فستكون انت المقصود ! . .

    وإن ما أحسبه في ضمن أقل التقادير وأضعف الايمانات ، هو ان اشير الى حبي ، بانه مما يمكن أن يحسب على ظني بحبك لي . . وهذا ، مما لا يمكن ان يغادر عقل اخوتي بهذه السهولة . .

    ثم ازدردت ريقها مرة واخرى ، وقالت :

    ـ  فانهم بتسليمك هذا ، سيؤمنون اكثر بصدق نظرياتهم ، وسيتأكد للاخرين صدق مزاعمهم ، وبالتالي سيكون لنسائهم . .

    ـ  نسائهم ؟    

    

( 9 )



ـ  نعم ، فان هؤلاء (اقصد اخوتي) ما كانوا سوى عبّادا مخلصين لزوجاتهم . .، وانت على علم بهذا ! فهنّ لا يتورعن عن اقناع اخوتي بأحط الاساليب ، لأخذ الثأر مني انا شخصيا . . فانهم لو لم يجدُنّك ، سيوجهون اليّ بالتهم تلو التهم ، لانك في حال وجودك ، ما كان لمثل هذه المخاريق ان تنفضّ عن وجهي ، وما كان لهاتيك الشيطانات ان ينتيهن عن الاحاطة بي . . وكأنهن وصيفات كان ابليس قد نكحهن في العراء ، وتحت جنحٍ من الظلام. .

    

( 10 )



بزغت بين شفتيه ابتسامة ، غالبته رغما عنه . .

    وهي مستمرة ، من دون التفات اليها :  

    ـ  فيتواصلن بالقرع عليّ ، ويرمينني بالشتائم. بل لا تقلع ألسنتهن عن تناهب كراماتي ، واستراق أوراد عفّتي ، بل اغتصاب كل ما يكمن في معاقلي الحرّة . .

     أجل فلا تقلع نساءهم ، الاّ حينما تسبي كل واحدة منهن آمالي ، وتجهز على مواطني الأبية ، كيما تنتهب كل ما يقع بين يديها من أسلاب آفاقي . . حتى يصرن يلكنَ وبأحداقهن كل لُمعة من لُمعات عشقي ، وطَفَحِ شبابي المغرق في حداثته . .

    فاذا ما كنت أنبري واصارحهن بضعفهن ، فأقول لهن : ان ما تصنعنه بي ما هو الا تنفيس عن كرب قد اصابكن ، وحسد قد اعتراكن ، وندامة قد أوقرت قلوبكن ، حتى ران على جَلَدكنّ ما ران ، وركبكنّ الطيش، وأصابكنّ السّفه !

    ذلك بأنه ما كان لكنّ ان تخترن عنوان حياتكن بأنفسكن ، بل الاقدار هي التي انتقت لكنّ ما لم تسلّمن له الا مذعنات ، فلم تخترن أزواجكن الا عن كره ومضض ، وتخريجا . . لكن من ألف مأزق وآخر ! فلم تتزوجن بارادتكن ، ولا كان لَكُنّ أن تنتقين مَن تهوى أنفسكُنّ شمائلَه ، أو تعشق خصالَه رغائبكن.. بل انا التي فعلت وصنعت ، ما كان قد بقي  غصّة في صدوركن، وعقدة نقص تتلجلج في دخائلكن .

     ولذا ، فلقد اجتمع أمركنّ الان ، على ضرورة الاطاحة برأسي ، وتسفيه احلامي ، وضرب عنقي . . ذلك لأني ، أنا التي صرت اهتف بعتوّ احلامكن ، وذهاب رشدكن ، وضياع ايامكن ، مع كل ما مضى من ريح الازمان المنسوفة ، وذكريات الرياض العتيقة ، لاني اشعر ان كل واحدة منكنّ كان لها عشيق ، بل كان لها ان تضطر لحياكة فصول قصة حياتها وخواطر عيشها مع الف عشيق وعشيق !

    الا ان مخالب أيادي الأعراف البائدة وأسنّة أنياب الاقدار الدائبة ، ما كان لها ان ترفق بكنّ ، ولا ان تحنو عليكن . . غير أنها رفقت بي ، وامتارت لي الحنو دأباً، كما لو كانت أمّاً حانية تحدب على رعاية ابنتها الوحيدة . .

وكل ذلك ما كان ليحدث ، الا لأني انسانة ، اعرف للحب الف معنىً وآخر ، ولست ممن يحاول ان يمتهن الحب ، كلون من الوان الحرفة التي تدرّ صنعتها  أشكال الربح والعافية . .



( 11 )



    الا انها عادت بعدها ، تقول له  :

    ـ  فاذا ما كنت أنبري واصارحهن بكل هذا ، وبسرعة اغتنمها كي لا يفوّتن عليّ فرصة التعبير عن رأيي، كان لهن ان يسعين لضربي وشتمي ، بل جرّ سحابة شعري، وفلّ ضفائره ، ونكث خصلاته ، وصفعي ثم سحلي . . وركلي ووخزي ، والضغط على ثدييّ ، وكيّ ما نجم منهما بأعقاب لفائف السيجار .

    فجأة صامتة انقلبت هي حتى انفردت بالقول :

    ـ   بل امتد فضولهنّ الى حرق ما نبت فوق عانتي . .

    ـ  ماذا ؟ !

    

( 12 )



ـ  أجل ! ومن ثم اطفائه ، للتسلّي بعدها بانتزاعه . ولقد كنت أشعر كما لو كانوا يجتثون اسلاكا شائكة ، ظلت تعلق ولزمن في أغوار من جسدي!

    ـ   ؟     !

    ـ هذا ما صرن يتعاودن صنعه معي دوما ، سواء صرت أتعرض لهن أم لا . . بل انهن كنّ . .

    ـ  ؟ ! !

    ـ  بل كان لهنّ أن ينضين عنّي ملابسي ، ويدعْنَني أرميها عنوة ، فيجرّدنني من كل ثوب وآخر ، حتى يسّاقط عن جسمي كل ما كنت ألقيت عليه ، فيدعْنَه فقيرا مدقعا ، يلتمس وتحت ظل الارهاق وتزمّت الاحتقار آخر قطعة من ثيابه ، من التي كان لها أن تقيه شرّ العري ! علّها تخلّف في نفوسهنّ من ذرّة الحياء ما توعز اليهنّ بضرورة التخلي عن حماقاتهن ، فيرجعنَ عن غيّهنّ ، وما بدا لهن أن يصنعن !

    فأبقى بعدها مجرّدة أمامهن ، عارية تماما بين أيديهن، سافرة الحياء ! الا من لهب عفاف كان ظل يشع بصمت عبراتي الملتهبة . . هكذا ، وكما خلقني ربي ، وكما جئت الحياة حينما ولدتني أمي ! وليتها ما كانت فعلت !



( 13 )



    ثم قالت :

    ـ  . . لقد كنّ يعمدن الى ربطي بحبل ، ويحبسن يديّ ورجليّ . بعدها يتفرسن في النظر الي ، ويمعنّ في التحديق الى كافة أطراف جسدي ، والتأمل في أعضائي ، لا سيما الجنسية منها . . وكأنهن صرن يشتهينني ، ويحبسن انفسهن على ممارسة الحب معي ! حتى جعلن يمثّلن معي دور العريس وبالتناوب .بعد أن كنّ يقعدن منّي مقعد الرجال من النساء !

    فتهبّ إحداهن بالقول : لأجرّب هذه الزوجة ذات العجيزة الكبيرة . وتتبعها أخرى بالكلام : لأمتحن حجم ما تدلّى من شحم وسمن ، في أسفل من بطنها ! إن لها ثمّة فماً كبيرا ، متى ما أراد أن يعرب عن روع شدقيه ، كان له أن ينحسر عن شفرتين حلوتين ، كشفاه بِكرٍ حسناء ، لا تلوم الغلمان إن عضضنها في وعائه ، أو الشبّان من التوشّح بلعقه . . بينما تُعلّق أخرى ، فتقول : واذا ما كان له أن يغلق مصراعيه ، كان لشفتيه أن تنقلبا سياطا حاقدة ، لا تلوي الا المغامرة في سبيل الدفاع عن حرية بنات جنسها ، لأنهنّ ألين ساقاً ، وأطرى عودا ، وأسنى تبرّجا ، هذا في الوقت الذي لا ألوم فيه أطماح الفتيان من الذين يودّ الواحد فيهم ، لو يدفع عمره ثمناً للحظة يتيمة . .

    تسكت قليلا ، تعود بعدها الى القول :

    ـ كان يقضيها وهو يدفن رأسه في عرين قبضتها السفلية ، عند واديها المقدس ، بين فقرتي الجذعين، ومن فوق صرح الينبوع ، عند ظلال المعين ، لا سيما بين جنباته الغائرة من غديرها المتلوّي ، حالما كان له أن ينبض بالصريح من القول الفعيل !

    فتصير تلك تنهض بصنائعها المشؤومة ، وذلك من بعد أن تناضل في سبيل الفوز بأكبر مساحة من عجيزتي .

      ـ  ماذا ؟



( 14 )



    ندّ عنه سؤاله هذا ، بفزع واندهاش . . ونبرة ساخرة كادت تذهلها ، في الوقت الذي كان يتتبّع فيه ومن خلاله تلك الحركات المختلجة التي كانت تندّ عن شفاهها ، وكأنها كانت ناضبة من أي قطرة دم ، أو لكأن عروقها الدقيقة كانت جفت من الظمأ الذي كان لحق بها ، إثر وقع الكلام وشدّة فعله فيها ، من قبل ان يفعل فعله فيه!

    ولقد كان يتطلع اليها بشغف وانتباه ، وكيف راحت تسترسل في الكلام , لا يحدوها أيما غباء مماحك , سوى افشاء ما تراها ملزمة بعدم السكوت عنه ، أو الوقوف عليه ، من دون إبانة وايضاح ، ولا حتى النكوص عنه أو ترك الافصاح . . حتى حين آخر من الدهر ، لكنها كانت تواصل الكلام :

     ـ   . . حتى تجرّب مختلف أصابعها ، لتغدو كأنما تمارس عملا ، كان مفروضا عليها أداء دوره بكل حكمة وبراعة !



( 15 )



     ولقد أعقب ذلك ، كلامها الاخر :

    ـ  . . لتأتي بعدها وصيفة أخرى ، كأنما تحاول الإعراب عن تقزّزها من هذه المناوشات اللئيمة ، فتضمني الى صدرها ، وتنحدر أسفل . . لتلتهب فجأة مشاعرها , وعلى‏ حين غرّة . . فتنقض بقبضتها على‏ صومعة أنوثتي ، ناهبة كل حيائها ، سالبة كلّ عزتها . . تاركة الحرية لمخالب أناملها ، أن تميل كل الميل , فتخرق كل الحجب الممعنة في رثائي ، والتي يمكن أن تتريث عندها ، وتقف كل وقفاتها المرتعدة : كل قوانين الحياة الساحرة ، فتلبث راهبة بكل معاولها المستكينة  !

    ـ  هه ؟  ! !

    ـ  أجل . . فإن أصابعها تلك . . ومن ثم مجموعة ، كانت كالحِراب التي لها أن تثخن الفريسة بكل الجراح ! فكانت تحركها عنوة في كل الاتجاهات ، لتأخذ لها مسيرا حلزونيا متصاعدا في أبعد نقطة يمكن أن تصل اليها .

    سكتت ، ثم فاجأته ببرود مذهل :

    ـ  لقد أزلنَ بكارتي عمدا ..



( 16 )



    ـ  بكارتكِ . . ما الذي تفوهين به ؟ !

    ـ  هذا ما حصل ومنذ زمن . . كيما يتّهِمْنَني. . ولقد فعلن ! واتهموك بأنّك أنت الذي فعلت، وأنت الذي فضَضتني ، وسلبتَني بكارتي . وما كان لاخوتي أن يتأكّدن من ذلك ، الا بشهاداتهن الرعناء ، وقُلنَ : إنّا قد شككنا في أمر اختكم ، فعرَضنا الامر على إحدى المختصات ، فأمَرَتْنا بفحصها ، والتحديق في الموضع . . فنظرنا ودقّقنا ، وتحسّسنا الامر عن كثب ، وقمنا بامتحانها لمرات . . وفي موضعه ، فثبت لدينا ما كنّا قد تكهنّا به ، واستشعرنا خوفه من قبل . .

    واذا بغلوائه تتفجر وتعنف حنجرته بالكلام :

     ـ  أي حقارة يمكن أن تنبجس عن هذه الزمرة السيئة السمعة . .

    فأكّدت على كلامه ، وهي تقول :

    ـ  اجل فأي حقيرات هنّ ، تلكم اللائي كن قد مارسن انواع السحاق معي  . .

    وبهدوء من كان يتوقع نزول اكثر مما نزل بحضيرة الجانب الاخر ، كما لو كان يراه تحصيل حاصل ، فقال برتابة وهو يهز رأسه المنهوك بخنوع ثقيل :

    ـ  مارسنَ السحاق معك ؟  !



(  17 )



    ـ  أجل اقترفن الحرام وصنعنه معي .

    ـ  لماذا حرام ؟! اقصد . .

   انتبهت اليه ، وبهدوء :

   ـ  لأنه كان قسرا وغصباً . .

   ثم استدركت :

   ـ  لا اعتقد انهن كنّ بحاجة الى فعله معي بالقوة، فلربما كنتُ طاوعتهن من نفسي ، لو كنّ عرضن فلسفتهن عليّ بأدب ومثال . ربما كان بإمكاني ان اتماهى فيهم !

  ـ  لا افهم ما تعنين ؟

  استتبعت كلامها من دون ان تعيره اذناً صاغية :

  ـ  ومما لا شك فيه ، فانّ أزواجهنّ لم يطفئن غليلهنّ ، فعرجن على أختهم ، كيما يشبِعنَها عُقَدا ، ويؤرّثنَ شعلة الحقد الحبيسة في قلبها ، بعد أن صرن يثخنّ فؤادها الكليم بألعن الجراح ، كيما يترعوا أنفسهنّ بإحساسات جمة ، كلّها كانت تنوء باللذة والمتعة الزائلتين..

   فاعترض عليها :

   ـ  كل الحياة بمتعها زائلة ، فلماذا تحصرينها بمثل هذه المتعة فقط ؟

   فقالت :

   ـ  لأنها سرعان ما تزول ومن قبل ان يغادر المرء هذه الحياة ، فيفقدها وهو في غمرة حاجته اليها . .

   ـ  يعني . .

   ـ  يعني انهن لو لم يحتلن على جسدي عنوة لكان لمثل تلك المتعة ان تتفجر لديهم ابدا !

   ثم اسهبت قائلة :

   ـ فجعلن يصبّن جامّ غضبهنّ عليها ، ويصبّنّ عصاراتهنّ المحتقنة في جوفها . . مِن بعد أن صِرن يجبِرنَني على امتصاص رضابهن ، ولعق ما بدى وخفي من أفواههن المستترة ، واستقبال ما انفرج منهن ، حتى يعكسن الايات ليستدبرن ما استقبلن ويستقبلن ما استدبرن ، فيهيبنّ بي وبالرغم مني ، كيما أجترم كل جرم وآخر ، ولا احترس معه من غضب أيما جبار عتيد ! . .

    فلا أخاف ربيّ الله، وليس عليّ أن أستأذن بارئي.. حتى أتمرغ تحت مقاعد أدبارهن .

   مقاطعاً اياها :

    ـ  فهم قد بغين عليك لانهن لم يتركوا لك فرصة استئذان الرب ولا هم كانوا ممن يستأذنون ؟

    هزّت برأسها هزة مثبتة :

    ـ  اذ يبلغن في حقارتهن ان يقعين فوق رأسي، كيما يُقهِرنَني بعدها ، فأغمر عجيزة كل منهن برشحات من لساني المقهور  .

    

( 18 )



ثم عرجت الى القول :

    ـ  ولمّا لم يكن لهنّ ما يردن ، كنّ يرهقنني صعداً ، حتى يُصبهنّ مسّ من الجنون ، فيقسرنني على صنع ما يطلبنه مني ، وبمنتهى الدقة والمهارة . . .

    كما لو ان كلا منهن كانت قد انتهت من صاحبتها، حتى أصبحن يضجرن من اجسادهن ومن تناوبهن على تضاريس بعضهن البعض ، لِما كنّ قد اعتدن على مرآها والتعاطي معها . . فعرجن عندها على جسدي! وحاولن محاكاة معالم الحسن والجمال فيه ، كما لو كنتُ عملة صعبة لا ينبغي تداولها ، الا بكل احتراس وإمعان شديدين ، خوف انقضاء تأريخ العمل بها ، وخشية فوات فرصة الافادة منها . .

    وما كنت قد صرت الى‏ وعظهنّ ـ لأن لغة الوعظ كانت أعيتني معهنّ ، فليس لهنّ أسماع تعي لغة الحكمة او صفاء البصيرة . غير انىّ‏ أنشأت ألتمسهنّ ، وأطلب منهن أنهن وفي حال اصرارهن على مواصلة هذه الفِعال الدنيئة ، فيا حبّذا لو كنّ يجتهِدنَ في تغيير سحنة عجيزاتهن بشي‏ء من الطيب ، كيما لا يمتحنّ في نفسي كل رغبة شقية ، وكل شوق للفرار من هذا العيش النكد المرّ . . لأني ما كنت أخاف شيئا ، الا سياسة الاحتقار !

    ـ  أووه . . يا الهي ، أكلّ هذا فعلنه بك هاتيك الغانيات .

    ـ  واكثر ، فلقد صنعوا كل صنع وآخر . .



(  19  )



     ـ  فلقد جاؤوني بآلة ، وغيّبوها في عمدة أحشائي ، حتى صرت أنحب وأجهش بالبكاء من فرط الألم وشدته ، إذ عمدن الى إقحامه دفعة واحدة ، ومن دون مراجعة وتأنٍّ. . فلما صرن ينظرنَني هكذا ، وانا ابكى ، قلن : انها تبكي من فرط شبقها ، فَلْنشاطرها وقعه .

    فأخذت احداهن تشد طرفها الاوسط بمَنطِقة خاصرتها ، حتى انتحلتها لنفسها ، فتمثّلتها عضوا من أعضائها ! وأخذت تصنع بي ما يصنعه الرجل بالمرأة ، بعد أن اشتاقت الى ما يفعله الرجال بالنساء .

    بينما امتطت الاخرى أعلى صدري ، وأخذَت تجبهني بمقدمة جسدها الذي انقلب لصيقا بشفاهي ، يصارع صبرها . فكانت تقول لي : إن أخاكِ ، لطالما كان يقول لي : لا تطليها ، فإنها تثوّر فيّ عظيم كل احساس !



( 20 )



    في حين هتفت احداهن : وأما من أكون تحته من الاخوة ، فانه يرغِمَني دائما على أن أغيّر ! فأحصد ما تنامى من مساحاتي المغروسة ، حتى يصير يتفقّدها بين الحين والاخر ، لانه كان يرغب دائما في سبر ما بزغ من صارية رُقعتها ، وما نجم فوق لهيب شمسها ! ولَأشعر وقتها أنه كان حقاً يغتصبني جنسيا ! فكان يؤرقني بشبقٍ حاقد ، وسعرة ساخنة ، لا يعدله ضريب الا عند مَن لا ترى الى الاشباع الجنسي سبيلا ، فتناشد كلبها ، تدعوه الى لعق ما ظهر وبطن مما انعقد بين ساقيها .

    بينما كانت ثالثة تطرح رأسها أسفل صدري ، وتصير تعض على ثدييّ ، وتراود عنقوديهما ، حتى جعلت تداعبني بكل وسائل قهرها المتداعية، بعد أن صارت تغازلني كيفما اتفق لها .

    

( 21 )



    في حين كانت رابعة ، تحاول افتراص فرص ذهبية ، كي لا تدع أيما شبر من جسدي ، الا وتطبع عليه بصمات لسانها ، وتترك آثار بصاقها الوقح فوق بشرتي.. حتى اذا ما بلغت مبلغها ، كانت تحاول ان تخلّف كل ثأراتها ثمّتَ ! وما كانت تنفك عن ذلك ، حتى تمتص آخر قطرة من دمي، وكأنما موضع إدراري ، كان بدا لها مساحة شائنة ، لا يمكن ان تلقي بثوبها الموتور الا عنده ! فغامرت في سحق أعضائي وإمطارها بكل وابلٍ من مقذوفاتها الملتهبة ، وهي تتابع بتوالٍ حادّ مذهل ، كل أفانين مجونها المتخبط . . بعد أن طاوعت لسعات هوى‏ نفسها ، فتكالبت بانصياع مطّرد ، وهي تتثنّى متوجسة الخطرات ، كي لا تفوتها ذائقة ، يمكن ان تحسم نتيجة المباراة بسباقها الموتور ، والذي تتوالى فوق ظهره ، تشد وتُرخي العنان ، فلا يندلع بين عينيها أيما عدٍّ تنازلي ، يمكن ان يحدّ من شبق شهواتها المتصارع . عندها ستكون قد انكبت على ما عندي ، تجترّ ما حلا لها من ظاهر وباطن.. وما كان لها ان تتركني ، الا وانا شاعرة بأن لسانها قد تمطّى ساخطا ، كما لو كان بلغ ـ بحقد سياطه ، ورجم نياطه ، كل ما ليس له أن يبلغه اي امرئ من جسدي قط . .



( 22 )



    واذا ما كان للأولى أن يبلغها التعب ، كان لها أن تحشر كل انفاسها في أحشائي ، لتبدأ بِسحق أوجاعي نفسها ، واختلاق اوجاع اخرى جديدة ، ولتبدو هذه لجدّتها نفيسة بنظرها . فبينما كنت أتعذب وألعن نفسي قبل أن ألعنهن ، كنّ ينشقن أحلى أنفاسهن ، ويلهجن بأجمل لحظات عمرهن في تعاطي أنانية الحب عبر التقلّب والتثنّي فوق ربوع جسدي الخائر . والتناوش ـ كيفما شاءت لهن الطرائق ـ فوق ملاعبه ، حتى صرن يقمن بعملية مسح ناشطة ، تشمل كل مفرداته وادواته ، وتتقصى كل مثاباته ودلالاته ، عبر تلقائية غير آحادية ، وتعددية لا تعرف التسامح والاتعاظ .

ولقد كنّ يلقين بثقل أثدائهن فوق مساحاته ، كيما يدفنّ في مساماته كل طعناتهنّ العميقة ، حتى أنهنّ لم يقضينَ منه كل عجب ، الا حينما استودعْنَني أسرار صدورهن المستوفزة ، يرغمنني على اقتناصها واكتشاف أسرار ما انحدر عندها ، لينْفِذنَ مشتهياتهنّ ، كما ينفذ الحاكم رسوله الى أقطار مختلفة ، يدسّنّ ما حلا لهنّ قسرا ، كيما يستشعرن فنون الخبَل بتجريب مختلف ضروب أنواع الجنس المهصور ، وصبابة السحاق الموهوم بلذة الانثى العنكبوتية .

    وكأنهنّ قد غدون يقضين أطيب لحظات عمرهن ، بل أجمل سنيّ حياتهن ، ولربما ما استطابت  أجسادهن أجسام بعضهن الاخر ، حتى لامست أناملهن جسدي ، وتحسّست أصابعهن بضّ جنباته . . فعدون يمتطين الاسباب وينتهزن الفرص ، كيما يلتقطن أوجَه الذرائع ، وهن يتبادلن مضغ الكلام ونعت المواصفات :

    ـ  اين كنّا عن هذه الشبقة يا غبيات ، اين كنّا عن هذه الثمرة والفاكهة الطازجة !



( 23 )



    بينما كان لكلامهنّ أن يطول ويقصر ، وتتكرر ملامحه واشاراته.. حتى يصرنّ الى التقلّب فوق أسراري ، وأنا ما كنت أبدو إلا كالمجنونة الهلعة ، إذ كنتُ أراهن يتحرّين كل الوسائل لنيل ما انطمر في مفاوز آجالي التي كنت اُعلن عنها في قرارة مهجتي ، دون ان أصرخ او اثور . . فكنت أدفن مشاعري في طي احشائي عبر مغالاة معجزة . . وهذا كله لا يحصل الا في ظل حالة من الانعتاق الميأوس منه ، لحظة كنّ يفزن النسوة بالانقضاض على أنيق جوارحي ، ليفزن بعد ذلك بالنيل من كبريائي ، والحطّ من كرامتي ، والإجهاز على ألوان شرفي حتى النهاية ، كيما لا أكون الاّ لهم ، فلا تصير أنت ، ولا يصير أيما أحد من شبان الحي ـ ومن بعد اليوم ـ الى التفكير بي أبدا .



(  24  )



    فجأة  :

    ـ  كل هذا يجري ، وأنا آخر من يعلم ؟ !

    عندها صرخَتْ في وجهه حانقة ذليلة :

    ـ  ولو كنتَ قد علمتَ مسبقا يا بطل ! ما الذي كنت ستصنعه ، فلو كان بدّ من الامر لكنتُ قتلتُ نفسي . ولو كان فيك شيئا من المروءة ، لكنتَ اقتنَصْتني، وهربْتَ بي بعيدا . . بعيداً ، نأياً بي عن شر كلّ هذه الوحوش الكاسرة والنفوس الحاقدة . صنعوا بي كل هذا وأنا محبوسة ملجومة ، لا حول لي ولا قوة ! صنعن بي هذا مرارا وتكرارا ، حتى صرتُ ألعوبتهن بلا منازع ، وغدوت أداة سلوى لهن ، والتي ليس ثمّة في الخليقة ما يناظرها . ولقد فكرتُ مرارا في قتل نفسي ، وما استطعت ! بل خانتني شجاعتي ، وماطلتني جرأتي .

    مقاطعاً :

    ـ   إنك لو كنتِ فعلتِ شيئا من هذا القبيل ، فما كنت لأغفره لكِ أبدا .

    غالبَتها افكارها لتستمر في الحوار :

    ـ  ولقد فكرت مرارا بالهرب ، الا انهن كنّ قد وضعن في طريقي الف عين وعين! وكل هذا يجري ، وأنا ما كنت لأكون الا مكبّلة اليدين . . فما كان بوسعي الفرار أبداً .



( 25 )



وبشيء من الهم العالق بين ادوار من الشحوب والكمد ، كانت ارتهنت به مسحات وجهها الممتدة آثاره الى جَرْس  صوتها ، جعلت تتنفس اوجاعها ، وتغلو في ريع أشجانها ، وهي تستتبع غمّاً ظلت تتوه بين أنقاضه ، في جمل مقتضبة ، صارت تعبر من خلالها عن اوتار اشتجرت في صحوة مازَجَت بين الهم والوهم :

    ـ كنتُ مغلولة الساقين ، معتقلة الارادة ، نافدة الانفاس ، منتهبة الاوطار . .

    بينما كان  يتبعها بنظراته القلقة وكان قد انساه كلامها هذا كله مطالبته المتكررة في بدء لقائهما بالمغادرة وعدم البقاء او المكوث ريثما يجد للمعضلة حلا ونصيبا من العلاج . . لكنه هو الاخر كانت قد استأسرته بلحاظها المحدقة بكل سكناته ولفتاته وهي تعتصر همومها في غمد ظل يسيل القطر منه وعلى التوالي :

    ـ  كنت حينها مشفقة النظرات ، مقفرة الروح ، مهدّمة البنيان ، مهزوزة الكيان ، مقرورة . . مختنقة . . حزينة ، ليس لي من احد يشدد أزري وأشركه في أمري كي اجد لضالتي مأخذا او لعراقتي مرتفقا !

    

( 26 )



وعندها صرخت وأعولت ، وبحركة لا ارادية حاولت ان تضرب رأسها في الحائط ، وكأنه كان تنبه لما تنتوي فعله فداهمها بقبضته وسحبها قبل ان تقدم على صنعها ، واحتضنها ببالغ من الحزن والعطف ، وقد اجهشت بالبكاء ولم يدعها تواصل الحديث الا وكان نحيبها يتواصل بتقطع يثير البؤس والحنين :

    ـ  لقد أدخلن عليّ مجنون الحي ، من بعد ان حبسوه في الحمام ، ودخلن عليه ، فأنفقن عليه من وقتهن ما أنفقن ، حتى اشتغلن في استحمامه وإعداده . عمدن بعدها الى تهييجه جنسيا ، وترويعه سحريا بنشوة لاذعة ، كان تم الاعداد لها مسبقا ، عبر حقنه بمختلف انواع الشهوة ، وضخ انفاس دخيلة في رأسه الفارغ الا من توجسات مريضة وأوجاع هائجة ، كان لها تأثيرها الكافي في زيادة كمية الصخب الذي اعتراه ، ونسبة الشحنات التي اندفعت الى مختلف نقاط الخلل في وجوده الذي تنبجس الشهوة المتقدة فيه ، وبشكل مفرط غير قابل للحسبان .



( 27 )



     فعركن آلته بأيديهن ، وداعبنه ، وتركنه يعضّ على براعم صدورهن ، ويلهبها بشراسة . بعدها عَدَون عليه يهزّون ما عنده ، ويوقظون فيه كل لهب وسعير ، ثم تركنه يحشره في أوكارهن حتى اصبح يشارف على جنون ما بعده آخر ، من دون ان يُنزِل او يقذف ، فكما لو انه بات يفهم لغتهن التي هددوه بها ، إن هو كان أقدم على الانزال، او لم يحفظ سَورته . .

    فانهن كنّ سيقدمن على بتر عضوه الذكري ، بعدما لوّحوا له بالساطور ، الذي كان ـ وحسب ما يتوارد عن سيرته المحمومة ـ  يزداد فرَقاً منه ، وهو لا يدري الى أين يصير ! فضلا عن تخوفه من عدم نيله الثمرة التي وعدوه به ، والتي ما كانت لتعدوني انا . . انا المسكينة . . التي كنت ولمّا أزل جاهلة بحقيقة مؤامرتهن وسياسة وقيعتهن بي ! . .

    فكيف يمكن ، لنسوة أن يجازفن في العمل مع مجنون ، والمغامرة بحياتهن وألقابهن المفجعة ، وذلك كله من اجل أن ينتقمن منّي ، وينَلْنَ من كل شهرة ومأمول ، يمكن ان يتسامى به جمالي ، ويتعالى به جسدي . .

    ولقد أردن ان يتناهبن سحر وجودي ، وينتهين من الثأر لكل أحقادهن الموتورة ، وخبثهم العتيق الذي يتضاعف حسدا مأفوناً ، لا يتمكنّ من مغالبته ، الا عن طريق تجريع من يهتمون بالقضاء عليه ، أو التخلص منه ، وبأي شكل من الاشكال ، وكيفما اتفق لهم . . جرعات الموت الزؤام ولا ينال حقيقة الموت . .

    بل ، كانوا يتركونه يتمنى المنون ، ولا يلقى حظه في لحظة حتف واحدة ، يمكن ان تدهم مسافات القضاء والقدر لديه ، فتحل  به في عقر داره ، كنازلةٍ لا تروم لها موطناً سواه !



( 28 )



    فاذا ما مضى الوقت ، أعدن الكرّة معه ، ومن دون أن يدَعْنه ـ وفي هذه المرة أن يفرغ ما في جعبته ، ثم كنّ يأخذن ما لديه ، فيتعاوَنّ‏َ على حشره في معيّهن . . ولقد اتّفقن أن لا يطلقن سراحه ، الا من بعد أن يزيدنّه لوعة ويشحننّ غليانه جنونا ولهيبا . فإذا ما هاج بعدها وعلا صراخه ، وجعل يثور ويزبد كالوحش المفترس ، تركنه وخلّين سبيله، فلا يجد مسافة أقصر منها الى نيل شهوته ودفع غضبته الا جسدي الاُضحية . .

    ولقد كان يهتدى بمعيّتهم الى كل جزء من اجزائي ، الظاهر منها والباطن . . فصار يراسلني بكل ما لديه ، ويشعل في أوصالي كل أحقاد غضبته الضروس ، وبقدر ما اشتهت حيوانيته ، كان يدفن في احشائي كل عنفوانه الفاشل ، ونزقه الغبي . وما كان يدري انه يؤدي ـ وبالنيابة عن عصابة النسوة المتنمردات ـ مهمة وحشية غالت مسوّغاتها في الايجاع والصفاقة ، وتجاوز فيها كل مبلغ وضيع ، ممّا جعلني أصرخ بذهول موجع ، وأنشج مكلومة من شدة الانين ، كمن راح ينتظر لحظات جنون ، فائقة في روعتها الهيستيرية . .

    حيث يتفاقم فيها الحذر المنوط بغليان جاث بوطأته فوق الانفاس ، وبالشكل الذي يكاد أن يعسر معه على الأفهام ، حتى يظل مشوباً بالعسر المتخبط بلوثة متفجرة برعاف من الدم المسفوح ، إثر الزعاق المرّ الذي لا بد وأن تدركه سَورة الاقدار ، بنوبة من الصريخ المدمّر والبكاء المنهمر ، إذ لا غَرْوَ أن ينتاب أقطاب المحنة المتناحرة جملة من ارهاصات الغثيان .

    ولقد انقلبتُ بين يديه كلعبة طريفة ، يلتذ لها كلما شعر ـ على خطله ـ بأني ملولة بين يديه ، وليس لي أيما مهرب منه ، حتى كان قد شغف بي الى حدّ مذهل.



( 29 )



    لقد صَنع بي مثل ذلك عشرات المرات ، وجعل يؤلمني أشد الايلام ، ويروّع مشهدي . . ذلك من بعد أن أصابني في المحل ، وتركه ينزف دما قانيا . . بعدها كان لهم أن يخلّوا سبيلي ، ليتركوني على حالٍ من الجهد والاعياء ، ومزيد من الارباك والغثيان . بينما كانوا يقولون لي : تبّا لكِ من عاهرة ، ما أجرأكِ على الله ! حتى الممسوس والمجذوب لم ينج من بأسك وشرهك ، فلقد أنهكت حتى المجنون ، وإنّا لمشفقين عليه من مطاطية جسدك الملتهب  !

    ـ  أواه يا الهي . . ما الذي أصنع . . ليتك لم تخبرينني بكل هذا .. اني احمِل على نفسي ، اني أصبّ اللعنات على نفسي . . اني . .

    ـ  لا تفعل ، لأن هاتيك العاهرات ، كنّ ليفعلن بي ما فعلن ، سواء كنتَ انت في طريقي ، أم لم تكن . .

    ـ  ولِمَ لم تخبري اخوتك . .

    ـ  فعلت ، واخبرت أعقلهم ، وأكثرهم ادراكا وفهما ، فما كان منه الا ان هاج وراغ ، وأزبد وأرعد ، فانتزع حزامه الجلدي العريض ، وجعل يمطرني بسياطه التي ألهبت جسدي بنارها ، حتى شعرت أنه يتمزق من فرط الالم المحرق .



( 30 )



    ثم تحدثت قائلة :

    ـ  بل انه ما تركني ، الا بطلب ، ما كان حمل معه ، أيما مسحة من اكتراث وتنديد منهن ، حتى كان له بعدها ، أن يطالني ويجرحني بأنواع السباب والشتائم . . كان أبسطها أن أختنا لم تحتمل ان تظل عزباء ، فراودَتْ مجنونَ الحي ومخبوله المسكين عن نفسه.. يا ليتها لم تكن وما كانت . . فلم تتكشف احوالها ، وتفتضح أسرارها . . ليتها لم تكن ولا كانت ، ولا كانت لحظات نسمع عنها مثل هذا العهر والجبروت . . يا هذه ، كيف يمكن لزوجاتنا أن يصنعنَ بكِ مثل هذا ؟ ! يا هذه ، ايتها الحقيرة المومس ، أيتها العاهرة الغانية ، ان لدى هؤلاء رجالاً ، لو امتطين جبالاً من الاناث لأترعنهنّ صبابة حدّ الثمالة . . انهنّ لسن بحاجة اليك ، ولا الى من هنّ في مثل بغائك . . الله اكبر . . تتهمينهنّ بالتآمر عليك ، والعمل على ادخال مجنون الحي عليك ، واقحامه في مخدعك . . بل ممارسة فنون اللّعب معك. . أووه ! ايتها العانس البائسة . ثم تصيرين الى وصمهنّ بأفانين العار الذي ما بعده شَين، فتلبسيهنّ ثوب الجريمة ، وأنهن قد عمدن الى مساحقتك ، حتى صنعن المخاريق بحقك ، وأتين بآخر تقليعات الشذوذ الجنسي..



( 31 )



    انتحى له زاوية ، وجعل يتأمل الموقف ما بصمت ، كانت عيناه تحاولان التعالى على جرحها ، وتصنّع الاستعبار . . بينما جلست هي الاخرى جانبا ، تنظر اليه . . غير ذاهلة عنه . . فقالت :

    ـ  والان ! فلنهرب . . لقد توفقتُ للفرار ، وها أنا بين يديك . فلنَعِش لحبنا ومستقبلنا . ونترك الاوغاد يتمرغون في زبدة احقادهم ، ويشتجرون في غمرةٍ من شدة بؤسهم وعلَق إحَنهم .

    بينما جعل ينظر اليها كمَن راحت تنتهي عنده كل أقطار الشك ، فانبرت اليه بعينين جاحظتين :

    ـ  مالَك تنظر اليّ كذلك . .

    ـ  اني اكاد أشك في نفسي ، ولا اشك في مقدار حبك لي . وما كان لي ابدا ولا للحظة واحدة ان افكر في مقت هذا الحب الذي أبادلكِ اياه . . بل اني لآسى على كل ما حصل لك وحلّ بساحتك . .

    ظلت صامتة ، وهي تكاد تثقب رأسه بالتحديق في عينيه :

    ـ  انك لتكذب . . انك لتكذب . . هل سقطتُ الان في نظرك . .

  

( 32 )



     ساءلها قائلا :  

     ـ  كيف يمكنكِ ان تتهميني بذلك ، انك اخبرتني بمقالة ، لو كنتِ أطلَعت عليها الثقلين والسماوات والارض ، لخررن جميعا من فرط شدة المصيبة ووقع الكارثة؟ !

    أجابته وهي تقول :

    ـ  ليس ذلاًّ على المرء ان يفصح عما جرى عليه ، في اروقة خلت من ذكر الله ! انها الحقيقة ، وانا القيت اليك بنزر يسير منها . . (سكتت) فلو اخبرتك بكل شي‏ء ما الذي كنت صانعه يا ترى ؟ !

   قال   :

   ـ  نزر يسير منها . . ولو أخبرتني بكل شي‏ء، ترى ما الذي ينضوي وراءك ايتها المسكينة ؟ ! اني لأشعر انه كان حريّ بكِ ، أن تموتي قبل يومك هذا ، لانك عرفتِ جبانا مثلي ، لا يقوى على الانتقام لك ، والاخذ بثأرك والان . . ما الذي اردت ان تخبرينني به كذلك ؟

    ـ  ان اخوتي هم الاخرون ، صنعوا بي ما صنعته بي زوجاتهن .



( 33 )



   وعندها صرخ دون ان يشعر ، انتحى بنفسه جانبا ، أرسل أنفاسه ثقيلة ، كان يريد ان يبرم أمرا ، الا انه تهاوى حينما أيقن أنه لا يحير جواباً سوى الصمت والسكوت . . بينما كانت لا تصنع سوى النظر اليه والتحديق الى الارض بين يديها ، كما يمكن لمجنونة أن تنظر الى مشهد مأساوي للغاية، ثم لا ينتابها أيما شي‏ء سوى مسحة من الابتسام ، تسوقها الى حيث يتنابت فوق شفاهها ما له ان يوحي بمشاعر ماكرة غير طبيعية . . بعد ان تبدّد معالم رسمها في نظرة ثابتة الى ما حولها من الارض.. والضحك بعدها ، وبشكل صارخ ومذهل للغاية. بينما تابعت كلامها وهي تقول :

    ـ  لقد دلّلن عليّ نفس السحاقيات . . بعد أن كنّ يصرنّ على أني ما كنت الا مفضوضة ! منتهكة ، مُستلبٌ خاتمها . . حتى أشعرنَ اخوتي بضرورة تحسّس ذلك ، بعد اصرارهم على ان الامر لربما كان فيه التباس.. بل اصررن عليهم اصرارا عجيبا ، حتى دلّسن لسان الحال، وقوّضن لهم الامور ، فقلبن لهم ظهر المجن ! وقالت كل واحدة منهن لزوجها ومن دون ان يعلم الاخر . . (هكذا كنّ قد اخبرنني فيما بعد ، وهنّ يتندّرن علي بصورة العمد، يستهزئن بي وهنّ يُشعِرنني بقوة عتو مكرهن ، وشدة بأس حِيَلِهن ) فقلن لكلّ منهم : انك مسؤول عنها ، وانت أحد أولياء أمرها ، وسأدفع اليها بكأس منوّم حتى اذا ما سكنت حواسها ، جعلتك تتحسس ما يكون من داخل فرجها ، وهذا العمل ، هو من ضرورات الشرع الواجب عليك ان تعلمه ومن ثم تصنعه ! ولقد سألت عن هذا الامر ، فقالوا : جائز ! ولكن بشرط الاحتياط! وهي اختك . . وليست بالغريبة عليك . . وانت أخوها . .

    

( 34 )



    حتى اذا ما رضي كل واحد منهم في ذلك وفعلوا هذا ، اشترطت العواهر على كل منهم بان يصنع بي ما يصنعه بها ، ليتأكد لديه انها مفضوضة ، واذا ما كان لكل واحد منهم ان ينتهر زوجته عن ارتكاب الاثم في المحارم ، فانها كانت تقول له : سألت قبل ان اطلب منك ذلك ، ولولا ذلك ما كنت لأدعك تصنع مثل هذا قط.. حتى اذا ما أولجن ما لديهم من آلات رعناء في داخل فرجي ، فازت الشيطانات بلعبتهن ، واضطررن ازواجهن الى ان يطلبن منهن وفيما بعد ، ان يحشرن النوم في رأسي حشرا.. ويفعلوا بي ما فعلوا !

    حتى اذا ما انتبهت الى هذا وذاك ، صاروا يلطمونني ، وجعل كل واحد منهم يهمس في أذني همسا مستهجنا للغاية ، من حيث أني اخته، وهو أحق بي من الغريب ! وهو أجدر بنيلي من البعيد، وهو أحرى بتذوق عسيلتي من كل دانٍ وصهر ، وصنعه بي أبْعَث على البهجة من صنع أحدهم ممن يدخل في قائمة غير المحارم ، ذلك لو تيسر له أن يصنعه بي !  

    بينما جرى صوت التهديد على ألسنتهم مجرىً سقيما آخر ، فصاروا يلوّحون لي ، انه اذا كان لي أن أذيع شيئا من هذا ، كنت مرجومة لا محالة . وسوف لا يصدّق احد شكايتي التي تقول بأن أخوتي وزوجاتهم قد تناوبوا على اغتصابي . . فكيف لأيما أحد من تصديقي ، ذلك اني أفتقد بكارتي ، أفتقد طهارتي ، وفاقد الشي‏ء لا يعطيه !

    

( 35 )



ـ  كان يمكنكِ ان تُعلِني ان ذلك من صنيعهم !

    ـ  ما كان لهم جميعا ان يمنحوني مثل هذه الفرصة . . ونظراتهم الخائنة تلوح لي شزرا كل حين ! (وبنظرة استهانة فاحصة) وما الفائدة من اقناع اشخاص هم انفسهم ، كانوا سمحوا لها بتعاطي الجنس مع اختهم ؟ !

    وبشيء من اللا معقول :

    ـ  بل قولي بأن شجاعتك هي التي خانتك ؟



( 36 )



    وبعصبية رائعة ، صرخت في وجهه صرخة كئيبة :

    ـ  لا ، ولا . . حتى أن المشكلة كانت تفاقمت ، حينما جعلوني أعتاد هذا الصنيع ، من بعد ان تقاسمن أوقاتهم فيما بينهم ، وافتضح امرهم جميعا . ولقد صاروا يتنادون به ، دون أن يقضّ مضجعهم أيما احساس بالمهانة والاحتقار . وجعلت تمضي الايام ، وجعلت أطلبه  هذه المرة أنا منهم، انا نفسي .. بل صرت ألتمس عونهنّ !

    حينها صرخ كالمجنون :

    ـ  ماذا ؟ ماذا تقولين ؟ !

    ـ  أجل ، هذا الذي حصل ، وانا التي هربتُ بنفسي ، ونجوت من شر الظالمين ، احاول ان اُبقي على ما بقي مني . . وانا التي صرت رَجُلَ نفسها ، فهربتُ من تحت وطأة الظالمين . . انني الان بين يديك ، فأعنّي على التخلي عن اقتفاء طريق هذه الخطايا . اجعلني أترك هذا الإدمان والتعاود . . لا تقبع ساكناً في مكامن الحيرة والحيدة !

    وبثبات جمع نفسه ، وحاول ان يلقي كلمته بكل صلابة :

    ـ  عليك أن ترجعي الى هناك . . فان وجدوك هنا ، فانهم سيعتقلونني ويتهمونني باني انا الذي افتضضتك ، وانا الذي هتكت ناموس اختهم .



( 37 )



    راعها جوابه ، واذهلها بيانه , وكأنما سقم مقيم، ما برح يستهل الكلام بأعنات السأم ، حتى اشرأبت بمقلتيها السوداوين اليه ، وهي لا تصدق ما تسمع ، فقالت هامسة :

  ـ  بعد كل الذي سمعت ، بعد كل الذي بحت به اليك . . وفعلوا بي وصنعن بي . . وبدلا من ان اراك تحرك الف ساكن واخر ، اجدك تحسدني على موضعي هناك . . هلاّ شاطرتهم سيل القبلات ، ومارست معي أفانين الحب والغرام ، وضاجعتني كما تشتهي وترتئي ، وصرعت نهدي ، ومهّدت الطريق الى فرجي ، وطرقت على وركيّ ، ومسحت بيدك على عجزي .



( 38 )



    لِمَ لا تلق برأسكَ فوق قبّتي ثديي ، تلتقم حلمة من تشاء منهما ، او تعضّ على برعم أيّ منهما ، فكان لك أن تدع شفاهك تعاند بصلف ، تعزف أشهى الالحان فوق أعلام الحزن المتوردة بين كتفي !

    كيما تداعب بعدها عرائس الحلم الناصلة في جسدي , وعناقيد كرومه , بعرائشه الخضراء المعرشة ما بين حدائق الورود , المحلّقة فوق فوّهتيّ بندقيّتي اللاّصقة بسفينة أضلعي . . عند مصباح الناي الذي له ان ينفخ في حدقتي المزمار الرابضتين فوق ضرعيّ الحالمين . . كنجمتيّ صبح ، أعرس وجه النهار في سمائهما ، كأمواج ظلت تمرح ما بين غمضة عين وانتباهتها ، دون ان تقض هجعة منامي ، أو أن تفصّد عبرات الجرح الملتهب ، كأدمع سكنات . .

    ينحدر مسيلها عبر شلالات بشرتي الناضحة ببياضها الفاقع ، حينما تئن سحب البركان فوق صدري المُنتهب بشدة ووحشية . . كما لو كانت سواعد الغسق تعانق غضبته المُعتقلة ، وهي  تستصرخ مكلومة الجراح : ايه يا حزني المقتول ، أما من موج يكتسح غمامك المنهوب ، فأكشف عن وجه السماء المحتضر في قلاعي المستلبة ؟

    

( 39 )



   لِمَ لا تولج في رواقي ، ما تدعه يبلغ عنق كهفي ؟ فهلاّ كنت أعنتني على نفسي ، ودفعت بساقَيّ عاليا ، فكشفت عن مضمون أسلحتي وكل أعتدتي ؟ وهلاّ كنت مني قاب قوسين أو أدنى ، فجعلت تعبّ من عصارة صدري وعسيلة لبانتي ، وتمتص برعم نهديّ فتقع على لباب لقاحه ؟ ! فهلاّ وهلاّ . .

    حينها صرخت في وجهه بعنف وصخَب :

    ـ  وألف هلاّ . . كيما تكون رقما في ضمن الارقام ، يكمّل سجل الارقام لديهم ! لأن اعدادهم بلغت الاحاد، فاجعلها تلج محاور الاعشار يا هذا !



( 40 )



    بينما صارت تسخر منه :

    ـ  هلاّ جامعتني . . هلاّ أشفقت على حبيبتك، واغدقت عليها من حبك ، لتجعلها تعبّ من كأس هواك ، فتحسو من حياضك ما يمنحها كرامة الثمالة بعشقك . .  

    عندها صارت تعتق صرخاتها من جديد حتى انفجرت :

     ـ ايها العاهر الجبان، ايها المحبّ اللئيم. . سأقتلك كما قتلت أهلي أجمعين . . لقد انقضضت عليهم في ساعات نومهم ، وأبَدْتهم عن بكرة أبيهم



( 41 )



     جعلت تحدثه بذلك وهي تكاد تغرز احداقها في أمّ رأسه :

     ـ   ما الذي تقولينه ، هل قتلتِهم حقا ؟

     ـ  أجل ! فلقد فتحت صنبور الغاز ، وذلك من بعد ان اسرعت أغلّق المنافذ ، وأقفل المراصد . . ولم أكن لأصنع كل هذا ، الا من بعد ان أسقيتهم ما كانوا يسقونني من منوّمات ومهدّئات ، حتى أذقتهم حر الجحيم، وأوردتهم حياض المنون. وكنت اشعر بلذة غامرة ، احتسيها وانا جذلانة أشد الجذل ، بما حل بناديهم ، وذلك حينما تركتهم يتصارعون من شدة الشبق الهستيري. . مع ما اسقيتهم من اسباب الانخذال والتيه . ولقد كانوا يرومون ان يرونني كذلك.. الا اني فضلت أن اؤثر على نفسي واقحمهم في الغاشية ، نار الله الحامية ! كيما يستشعرون حر الغاوية ، ويستمتعون باصنامهم التي عبدوا..

    ـ  واذن ! ! فلقد انقضضتِ أجمعين ؟ !  



( 42 )



    ـ  أجل ! لقد قتلتُهم أجمع ! لقد صنعت ما لم تقو على صنعه أنت، أيها المعتوه الخائف ، ايها العاشق الخوّار ! اجدر بك ان تكون بوّالا على عقبيك ، من ان تكون قوّادا على عشيقتك . . كل هذا . . اخبرك بكل هذا ، ولا يهتز لك هزيز يشعرني بأن ضميرك قد اوحى اليّ بأنك ستأخذ بحقي ، ستنتقم لي . . بل توعز لي بضرورة ملازمة بيت البغي ، ومنزل الداعرات ، ومهوى المفسدين في ارضه !



( 43 )



    في حين اخذت تسّاقط ادمعها سجاما حتى شعرت بنفسها تبكي كالمأخوذة :

    ـ  انهنّ كنّ يقلن لي : انه ما عليك بعد اليوم أن تنتظري أيما أحد يتقدم اليك ، كيما يخطب ودّك . . انّكِ عانس ومنذ أوائل شبابك . . فلقد استحوذت عليك الشيخوخة مذ أصبحتِ في مقتبل العمر.

    بينما كنّ يتندرن فيما بينهن ويقلن لاخوتي : انها عانس منذ الولادة، واخرى : هي عانس بالوراثة ، وثالثة : انها عقيم ! فلو كان لها ان تلد لكان لها ان تلد من زوجي انا ( يعني احد اخوتي ) حتى صرن يتسابقن ويتبارين في الحديث والفخر : لا انها لو كان لها ان تحبل ما كانت لتنجب الا ولدا يشبه زوجي .

    

( 44 )



في حين تعقُبها الاخرى : ولحسن الحظ انها كانت عاقرا . . فمع كل ما سقا زوجي مهبلها من لبنه . . فانها لم تحمل ولم تنجب ! هاها ! بل انها عاقر. . حتى تعلو الضحكات : انها كذلك بالوراثة . . بينما قطعت احداهن نسيج قهقهتها ، لتوقف معها سيل الضحكات عند حدود أفواه تفغّرت عنوة : كما هي . . هاها ! . . تقصدون ، كما هي : عانس بالوراثة ! فيظلون بعدها يتقلّبون في جذل وسعادة ، بل في انسجام لا مثيل له ، ووئام لا نظير له أجمع!

ـ  وتحسبيهم جميعاً وقلوبهم شتّى !

( 45 )

    عندها سمعا جلبة في الخارج ، قفز الى ما وراء النافذة ، قال :

    ـ  انهم قد أتوا .

    ـ  أتخاف قوم الحي .

    ـ  انهم يطلبونكِ .

    ـ  وانتَ . . الا يطلبونك ؟ . . !

    ـ  ! !

    ـ  وقبل هذا كله ، أنّى كان لهم ان يهتدوا الى هذا المخبأ . . أقصد هذا المنزل ؟ !

    ـ  لا أدري حقا ! ولكن ما استطيع فهمه الان ، هو أن الاتي ، ومهما كان ، فهو لا يطل . . أو ان الآتين ، هم لا يطلـ . . لا يطلبونني . . بل يطلبونكِ. . لأنك طريدتهم !

    ـ  أي حبيب حقير هو انت . . اتفضل النجاة بنفسك على انقاذ مَن تحب وتعشق . . أكنت تماطل في حبي . . ان قلبك يزّاور عنّي ازورار الصحيحة عن الجرباء! أم أنّ بي برصٌ ، فلم أعد ذا نفع ، وصرت انت في غناء عن اجترار صبابتي ! أليس كذلك ؟ !

    وبسخرية عاودت الكلام وهي تقول :

    ـ  يا هذا ، ألم تزرني في المنزل أيام كنت خليلا للعائلة ، وزائرا دوّاما لأفرادها . .

    ـ  اخوتك . . ؟ !

    ـ  أجل !

    ـ  ولكنهم ما إن شعروا بـ . . بحبّنا . . حتى انقلبوا علينا .



( 46 )



    ابتسمت حتى غمرت المكان فجأة بصرخة ضاحكة ، ولمّا تزل تسلقه بنظراتها الشزراء ، وبريق ما فتئ يلمع بين احداقها ، ما برح يشعل روح اشمئزاز رهيب .

    بينما تأكد لديه ان خليلته كانت حسناء لا تكشف عن مفاتنها الحقيقية ، الا حينما يبوء بإثم مفتعل ، كيما يمتاز بين ناظريه بريق معدنها الاصلي عن فاسده . فشعر بها كم تكون جميلة هذه الوردة الشهية ، حينما يبلغ بها الاسى مبلغا ، تستوحش معه أيما طعم للحياة من دون حبيب ، يهواها حق الهواية ، يقف الى جانبها في كل زمان ومكان ، يطوّقها بساعديه ، يحوطها بعنايته ، يحملها بين يديه ، يضمها الى صدره ، يستشعر حرارة انفاسها ..

     كيما يهبها قبلة يرتشف خلالها من بركان رحيقها الذي سرعان ما يخمد لهيبه، فيصير بحيرة ماء ، تبرد جزيئاته حينما يدركه القرّ في ارتفاعات القمم التي تخلع على نفسها ، كل ما له ان يجرّدها من لحظات الالم والحيرة . . فتصير بعدها تتقارب ، فيتدانى صباها المرتسم بين وجنتيها الورديتين ، ويتراقص الهوى ذائبا بين الشفق الذي يبسم حالماً فوق عرائس شفتيها . . كم أحبها ، حينما أحس انها تطير اليه ، تأوي الى خبائه كحلم ليلة صيف ، بلّل سرباله مطر الشتاء !



( 47 )



    انها ما زالت تتهاوى بين يديه ، يتداعى جسدها تلقاءه ، تلتمس دف‏ء أحضانه ، تقتصد في ارتشاف جرعات عشقه ، كيما يتواصل لديها وثب الريم بين جنان مزهرة ، تنوء بأفياء تتوزع في ربوع الفلوات ، فتحتفظ بصور مشهدها كله ، وتدّخر رسم عنوانه ، ولا تبيح بأسرار مأواه . . فلا يستدل على آثاره غيرها ، ولا يتفأّل بوقع الانفاس في مثاباته سواها !

    بينما يرتسم لقلبها بليغ وجوده ، وحقيقة تلك المعاني التي ظلت تبحث عنها بين كتب الاشعار ودفاتر خواطرها ! حينما لا يسعها الشك في عذب كلامه وعهد مناجاته . .

    غير ان هذا كله ما كان ليجد أن بوسعه الحيلولة ما بينها وبين أن تسترق وجناتها ولحسابه الخاص ، لحظة تلطف ساهمة ، تستثمرها في سبيل الامعان في كلمات وجهه المحرّفة عن مواضعها.. وبلمعة من حنان ، يتسلسل منطقها بعذب من مسيل شجَنٍ ، استاقت وحيه دون ان تشعر ، حينما ارتاعت اصابعها ، وانقلبت كالحيرى ، تفتش لها عن ستر ، تطوي بين خبايا قفّازه كل دفين من أشعار الحزن لديها :

    ـ  لا ، ايها الحبيب العاهر ، بل انهم انقلبوا عليك انت الاخر ، وذلك متى ما علموا بك ، تتردد على عاهراتهم صبح مساء . .

    

( 48 )



    ـ  ماذا ؟ ! . . ماذا تقولين ؟

    ـ  . . وانا المظلومة المخبولة ، لم اكن اعلم ايما شي‏ء من هذا . . وعندما كنت اطالبك بان تتقدم اليّ، وتعرض رغبتك  في الزواج مني بكل اخلاص على اخوتي ، كنت تتعذر لي بأوهى الاعذار وأيسرها لديك.. وذلك انك فاتحت الاخوة ، وانهم رفضوا الطلب ، بحجة ان أختنا صغيرة ، وهي ما كانت بعد الا في طور النمو ، او انها ما تزال تواصل تحصيلاتها الدراسية . .

    وهي ما تزال تنظر اليه ، محدقة فيه :

    ـ  وأنها لم تشبّ عن الطوق بعد ، فلا يتسنى لنا الموافقة على تزويجها الان أبدا . . انها صغيرة ، وغير راشدة ! ونطمح الى ان تحصل على الشهادات العالية ، كيما لا تقع ، وفي ذات أيما يوم، تحت طائلة الحاجة المادية الى أيما رجل ، حتى ولو كان بعلها ! فيتحسس في مقلتيها ذلّ الحاجة وهم الطلب . .

    

( 49 )



سكتت وهي تنظر اليه ، وجدته قد لاذ بصمت ، أخرسه عن التفكير حتى فيمن يحوط بالدار من الخارج :

    ـ  . . اجل وانا الاخرى كنت اخاف ، بل كنت اتخوف من طرح هذه المسألة على اخوتي ، فأجترئ على سوحهم المقدسة ، وأسائلهم في اسباب رفضهم لهذه الزيجة ، ولو كنت قد فاتحتُهم ، لما كانوا قد تأخروا  وعلى اقل التقادير  . .

    وبدون اهتمام  ، كان اختلق ما يكمل عبارتها :

    ـ  في لطمك جزاءً على جرأتك . . أي اخوة هؤلاء ؟

   ثم ومن دون تريث ولكن بحزن يبعث على التأمل والهدوء ، تابع كلامه  :  

   ـ  أي أخوة تقصدين ؟ !

   ثم انفجر :

    ـ  أي أخوة يجرأون على لطمك بسبب بسيط متواضع ؟ . . وهم الذين يستحقون كل اللطم على ما انتهكوا لك من حرمات . . على تلك الخيانات التي صدرت من قبلهم بحق اختهم . . فزنوا بها ، وأي زنىً هو  اكثر بؤسا وعتواً من الزنا بالمحارم ؟  !

    ـ  ؟ !

    ـ  ما الذي تريدين قوله ؟ !هيا تكلمي !



( 50 )



    محدّقة في عينيه :

    ـ  أقول : هذا بحث آخر . . لقد كنتَ أنتَ في غفلة عن هذا كله ، فبصرك اليوم حديد . . لا تلمني فيما لم تسعفك به فراستك وذكاؤك . . لا تدفعنا خارج صُلب الموضوع ، فانهم لمّا كانوا قد علموا بأمرك ، وتيقّنوا من وضعك ، خرجوا اليك ، يبحثون عنك ، فترصّدوا لك كل قوارع الطرق ، ومنحنيات السبل . بل انهم تعقبوك أينما ذهبت ، وطلبوك أينما حلَلْتَ من دون أيما جدوى ، لأنك كنت كالوزغ المتمرّس على المراوغة والهرب !

    ـ  هه ! ولِمَ لَم ينتقم أخوتك من زوجاتهن.. إن كنت صادقة فيما تدّعين؟!

    ـ  لقد عادوا اليهن ، فاذا ببنات الشيطان يخبرنهم ان هذه الفاسدة (ينعتونني بذلك) قد عوّدَته أن يأتيها ، فلما اكتشفنا ذلك ، عدا علينا يستقي من عندنا عنوة ، ولمّا يزل يسعى في تهديدنا ، فإن لم نعطه ما يريد ، سيفضح اختكم ، ويهتك ستر العائلة أجمع ، لانه كان قد افتضّها ، وتنازع أمرها لوحده دون أيما غريم . . فخفنا من الفضيحة، وسترنا على أختكم.. ورضينا بالعار على مضض شريطة أن تسلم ساحتكم ، ولا يغشى فناءكم سوء السمعة ، فتظلون في بُعد ونأي عن غائرة النكيسة !

    

( 51 )



واذا ما تدارسنا الامر ، وقررنا اغتياله ، كان لكم ان تقطعوا علينا حبل دسيستنا الشريفة في التخلص من هذا العاهر الفاجر ، والعمل على طمس كل معالم الجريمة التي اقترفها بحق أختكم .

    فهل كان لكم ان تتصوروا ، أننا كنّا راضيات بما يفعل ؟ بل هو العكس ، انما كنا مرغمات ، اردنا التخلص منه ، إعرابا عن مبلغ سخطنا عليه ، وتجاه ما يصنع. . الا ان يد القدر ، كان لها أن تدعوكم الى الحضور في البيت ، وذلك في ساعة الصَفَر التي اُختيرت كموعد لقتله ، وخنق آخر نفس من أنفاسه ، والتخلص من جثته الى أبد الابدين .

    ـ  وهكذا الامر اذن !

( 52 )



    ـ  اجل ، هكذا الامر اذن ايها الوحل القذر ، ايها الطين الدنس ، ايها الفاجر الآثم . . ومن بعدها كان لهم ان يفنّدوا آرائي ومزاعمي ، بدعوة اخوتي الى امتحان جلاء بكارتي . .

    وهذا كله ما كان ليحصل ، الا من بعد ان صنعوا بي تلك الصنائع المختلفة . . تلك التي اخبرتك بها . . فاذا ما كنت قد طلعتَ عليّ بمحياك البهيج ، والذي ظننته محيّا بشر ـ وهذا من جملة خداع البصر والذهن ـ وظننت انك منقذي ، وحسبتك ملاذي، كنتَ لعنتي الكبرى حقا ونقمتي الثكلى . .

   مع ان اخوتي لم يصنعوا بي ما صنعوا ، الا حين امتنعت الغواني عن منحهم أجسادهن ، وبذلهن مفاتنهن لهم ، حتى أحَلْن لياليهن ظلاما أدهما وهمسا عتيقا . . فعرجن عليّ بعد ان أوعزت اليهم العاهرات ، باني انا السبب في هذا التمنّع الحاصل من قبلهن ، وانا العلة الاساسية في هذا الجفاء ، وقطع حبل الوصال ! وذلك لانهن صرن يتقوّلن عليّ الاقاويل ، لاني صرت اصرح لدى بنات الجيران ، بانهن غانيات ، والله العالم حينما تزوجنَ ، هل كن مفضوضات ، أم كنّ يحتفظن بخاتم ربهن. . ولربما اذهبت بسالة الرجال بخواتيمهن . .

    

( 53 )

    

    سكتت قليلا ، وانصرفت بعدها الى الكلام :

    ـ  حتى اذا ما حان زواجهن بأخوتي عمدوا الى صنّاع الطب ، بنصب ما يشبه البكارات في فروجهن ، كيما لا ينتبه ازواجهن الى فقدانهن لمصاريع مهابلهن . .

    ولقد كنّ يجترأن على حشر رؤوس اخوتي في أعضائي التناسلية ، ودسّ أصابعهم الآثمة في قنواتي الرحمية، كيما يطمئنوا الى ان اختهم هي التي تتهم زوجاتهم، بما يمكن ان يدير فوّهة الاتهام نحوها .

   فالمعتوه يشعر بأن جميع الناس كذلك ، واللص يحس بان الكل من حوله لصوصا . . كذلك اختكم فهي عاهرة ، فتظن ان جميع النساء لم يتزوجن ، الا من بعد ان افتضّهن عشاقهن الذين خذلوا توقعاتهن في الزواج منهن . فاذا ما شكّوا في مقالاتهن في اني فاقدة لستر ربي . .

    ولم يدعُهن الى الفراش ، الا من بعد ان اشترطن عليهم ان يمتحننّي . فدفعنهم الى الايلاج المحرم ، حتى عمدوا بعدها الى اذلالي بسببٍ من ذلك ، صاروا بعدها يستحلون ارض بدني وسماء جسدي ، فغدوا يحلّون ما يصنعون بي ولا يحرّموه !



( 54 )



    ـ فصرتُ عندئذ عاهرة الاخوة وعميلة زوجاتهم ! وهذا كله من جرّاء صنيعكَ أنت ، أيها البطل الهمام !

     فقال متسائلا :  

     ـ  اقول : كيف تجرّأ اخوتك على ان يصنعوا بك ما صنعوا ، وهم الذين يثورون من اجل شرف اختهم ، حتى صاروا يطاردونني في كل مكان ، وجعلوا يقعدون لي كل مقعد ، يرصدونني عنده ! !

   أجابته قائلة :  

   ـ  لقد أفسدت مجتمع عائلتي أجمع . . الا انك لم تتمكن من ان تغويني قط ، أيها الوغد !

    ـ  انك غافلة عن الحقيقة ، فان ما صنعنه بك . . او بالاحرى كل ما صنعه بك الجمع ما كان الا ثمرة من ثمرات هذا الاغواء . . اغوائي انا .

    ـ  لا ، أيها الضالّ المضل ، لقد كنّ هن سافلات منذ البداية ، ولو كنّ غير ذلك . . ولو كنت انت الضال الاصلي ، لما كان لهنّ ان ينزلنني كل منزل ومنزل ، من قبل ان تأتي الى بيتنا ، ويكون لك بيننا الحضور الدائب . . فما كان ليكون ليسجل تواجدك بين ظهرانينا ، الا تحصيل حاصل لحضور نحس ، مريب بائس . فأنت لم تخلق الازمة ، بل كنت صعّدتَ من شُحناتها .



( 55 )



    بينما انتبهَت الى خفوت الاصوات القادمة من خارج البيت ، فما كان منها الا ان التفتت الى جهة النافذة. . فابتدرها وهو يقول  :

    ـ  اظنهم قد ذهبوا ، انهم ليسوا مطمئنين الى تواجدنا الساعة ، هنا . ولذا، فلا بد انهم مضوا الى سبيل اخرى .

    بينما اردف حديثه  :

    ـ    هه ، لقد اخبروني من بعد ان تعرفت عليهن . . انهن كن  معشر أخوات لاخوتك . . ليس الا، وما كنّ كذلك . .

    

( 56 )



    جعلت تتملى اندهاشا هذه المرة ، حتى كان له ان يتطلع اليها بنظراته الماكرة ، ثم استوعب ما شعرت به ، فأعقب كلامه وهو يقول :

    ـ  ولم يكونوا جميعا ، الا مجموعة تدير بيتا للدعارة . . ولم يغلق منزلهم ، حتى تورطوا في مسألة داخلية تخص أمن الدولة . . فكان يتردد على بيتهم كبار المسؤولين من رجالات الحكومة . .

    حتى حدث ما حدث.. وانكشفت لعبتهم السياسية وخافت مراكز القرار أن يصيبها كل مكروه وبالمجان ، عندها أقفلت أجهزة الشرطة السرية دارهم ، ومنعن النساء من مزاولة أعمالهن ونشاطاتهن .. حتى انتقلوا الى مكان آخر ، وذلك من بعد ان عملوا على تزييف معاملات النفوس ، وتسجيل النساء الاربع أنفسهن في ضمن عائلة واحدة ، فأصبحن يُشار اليهنّ ، على أنهن أخوات يتيمات . .

    وذلك بتوسط أزواجهم (الذين اعلنوا عن انفسهم كذلك ، لتكتمل خيوط اللعبة وتحبك اصولها) والذين ما كانوا في الاساس ومن قبل ، الا قوادين لهن ، يجتذبون اليهن مختلف الزبائن، ويتصيدون لهن كبار رجال الاعمال من أصحاب الرساميل الهائلة . من قبل ان يتطور أمرهم ويصبحوا أدلاّء فصحاء ، يحتالون على رجال السياسة وصناع القرار في البلاد . .

    ليمتد الامر ابعد فيما بعد ، حيث اصبحوا يستاقون الساسة من دول الجوار ، وذلك حين وفودهم على البلد لأغراض دبلوماسية ، فضلا عن رجالات السفارات وطواقم الملحقيات .

    

( 57 )



    ولما حاول الاسترسال في الكلام اكثر ، كانت نظراتها لا تفارقه ، وهي تصغي اليه باهتمام اكبر :

    ـ  وكل هذا كان له أن يتم ويجري بمختلف الطرق الملتوية التي لا يعلمها الا الله ، والراسخون في العلم. وتحت غطاء أمني دقيق ، ورعاية سياسية من دوائر سلك المخابرات ، حتى دخل وكرهن في قوائم تحظى باهتمام دولي وعلى صعيد الانضمام ، وعبر نفس اجهزة المخابرات المحلية التي اقتصر عملها إبّان تلك الآونة على دور الوسيط بين أساليب عمل هذه الزمرة ، وطرق أدائها، وجملة المكاسب التي يمكن ان تنجم عن ممارساتها من جهة، وبين قطاعات سياسية اجنبية ، لا تبدو معالمها واضحة . .

    غير انها لا يمكن ان تخرج عن اطار اجهزة الاستخبارات المركزية لبعض الدول المهيمنة . . كل ذلك كان يتم باشراف ومباركة من الاجهزة السياسية الاولى في الدولة ، غرضا منها في حصد اكبر حجم من الارباح المالية ، وأعظم المكاسب الستراتيجية على صعيد العلاقات السياسية مع تلك الدول . .

  

( 58 )



    ـ  ولقد كان اخوتكِ الاثرياء ، قد اكتشفوهن من قبل ، موزَّعات فى علب الليل المختلفة ، فوقعن في حبهن، والتمسوا عشرتهن بنكاح ظاهري ، لا يبدو برقعه الا لأصحاب الحي الذي كنت سمعت ان هذا الاخر ينوون تركه ، للسكن في شقة كبيرة مفروشة . . تفاديا للاحراجات ونأيا عن القيل والقال واثارة الاستفهامات التي تعرقل مشاريعهن الانمائية والسياسية .

   فقبلن ان يجتمعن في بيت للهوى واحد بعد ان كنّ مشتّتات لا يعملن الا بأجر محدود . . فأصبحن يشرطن الشروط ، ويأبين قبول العروض ، إلا ما كان منها سخي العطاء وافر المكارم . . هذا كله لم يحدث الا تحت مراقبة أمنية قوية ، تمكنوا في خلالها من الثقة بهن والاعتماد عليهن  في نقل الاخبار والمعلومات من الزبائن المخمورين والواقعين تحت طائل الشبق والهوى ، في غمرة من الجنس والمتعة .

   وكيف لا يبوحون بما لديهم وهم يرون انفسهم قد فازوا بعظيم اللذات حينما يجدونها قد فازت بمثل تلك  الحسناوات . . أووه ! وإنهن لحسناوات حقا. . لم أحظ بمثلهن في حياتي قط ، بل لم ار أيما امرأة ، لها أن تحظى بجمال  واحدة منهن أبدا . .

  

( 59 )



رمقته بنظرة تعني الكثير ، فعاجلها :

    ـ  الا انتِ . . أنتِ وحدكِ .  وجمالك وبهاء جسدك هو الذي أوقعك في مصائدهن ومكائدهن.

    فما كان منها الا ان هبّت تسأله وبكل جدية ، وكأن الموضوع كان قد شغلها ، أكثر من غيره :

    ـ  لِمَ حاولوا تزييف وثائقهم وسجلاتهم الحكومية .

     ـ   قلت لك انهم تورطوا في قضية سياسية .

    

( 60 )



    ـ   ما هي كانت ؟

    ـ  كن قد تورطن في مؤامرة دُبّرت لقتل بعض رجالات الدولة من الذين اُريد لهم التخلص منهم .. وهم الذين كانوا يختلفون الى دارهم المشبوهة . .

    ـ   المشبوهة ؟ ألم يكن لديهم ترخيص بالعمل لبيع الهوى ؟

   ـ   كان لديهم ولكن . . ولكن على مستوى العرف العام ، اذ ان البيت كان مخصص لذوي المكانات المالية والسياسية . فكان محظور علي اي كان التردد اليه . هذا في الوقت الذي سعت فيه الاجهزة الخاصة الى التكتم عليه خوف افتضاح امره . فبذلت جهودها كي لا يشار اليه ببيت هوى فلا ينكشف امر المدعوين ولا ينكشف امر مهماتهن الجاسوسية لدى الزبائن ، فتنهار الخطط وينهدم المشروع من أساسه . وما كانت خدعة الزواج الا لتصب في جملة هذا المشروع المرسومة خارطته بكل عناية ودقة .



( 61 )



  . . ولذلك ، فانهن لما كنّ يتمتعن بحصانة سياسية داخلية ، تدفع عنهن وبال الخلاص من هذا المأزق ، فكان عليهن أن يهربن من أيدي القانون الظاهري ، ومن قبضة العدالة وال. . والاعدام . . ولو ان هذه المفردات هي الاخرى ايضا لها ان تسقط فوق طاولة الهيمنة ، وتتراجع اسعارها وفقا للمنحى السياسي واتجاه القرارات التي تصدر من الجهات العليا في البلاد .

   ثم سكت وعاد الى الكلام بعد ان كانت لفتت انتباهه حينما كانت تزدرد ريقها لعدة مرات ، وعلى التتابع  :

   ـ  وما كان جرمهن الذي انكشفت رائحته وبمعدل نسبي ، الا أنهنّ كنّ قد دَسَسْن في مشروب المقتولين ما تركهم يتردّون في سبات عميق ، يقود بهم الى حلم يتواصل حتى أبد الآبدين . .

    ـ  اذن ، فهنّ لم يُمنَعن من ممارسة أعمالهن . . ولم تغلق دورهن لشبهة امنية ، أو ما شاكل ذلك . . بل طورِدن من قبل الجهات القانونية نفسها، ولوحقن بعد هربهن . . واذن فهنّ خارجات على القانون . . طريدات الشرع.



( 62 )

  

    ـ  لم يطاردهن احد ، اقصد لم تطاردهم جميعا أي جهة قانونية أو شرعية . . لأن ما قمن به ما كان الا أوامر القانون نفسه ؟ !

    ـ  أجل ! فالقانون والشرع لدينا سيّان . . كلاهما واحد . . كلاهما شخص واحد . . فمن مسّ القانون مسّ الشرع ، ومن مسّ الاخير مسّ الاول ! اليس كذلك ؟ !

    تفادى الصدام معها في هذه المسألة . بينما شردت منه كلمات طائشة ، ندم على البوح بها :

      ـ  الشرع . . فانه ما كان قد اختارهن غيرهم . .

    ـ  تقصد أخوتي . . أليس كذلك . . وما كان قد اختارهن أحد سواي ! أليس كذلك ؟ ! لأن اخوتي هم رجال الامن الذين كانوا قد زيّفوا لهم معاملات الجنسية . . وزوّروا لهم مستمسكاتهم الثبوتية . .

    

( 63 )



ثم تابعت بهدوء ، أعيا لسانها :

    ـ  اخوتي الذين لم يتزوجوا من نسائهم ، بل عاشروهن بالمعروف !  

    ـ  ؟ !

    وقالت :

    ـ  أجل ، فالامر كله ، كان كذلك !

    ـ  أوو . . !

    ثم انبرى هو ، ليقول لها هذه المرة :

    ـ  والان لأكشف أنا لكِ كل الاوراق . . بل الاوراق كافة ، واصلها واحدة. . اي لم يتبق منها سوى اخيرة  .

وبانتباه شفيف ، لم تعلن خلاله عن اي رد فعل :

    ـ  وهي . . ؟ !

    ـ  ما كان المدير لمنزل الدعارة . . أقصد أن المسؤول الاول والاخير هناك . . فلم يكن سوى حبيبك ومعشوقك. . أنا ! أنا ليس غير . . وليس احداً سواي!

  

( 64 )

‏  

     فقالت :

    ـ   لماذا تخبرني بهذا كله ، لماذا تكشف لي عن اوراقك ؟

    ـ  لأني صرت احبكِ ، ولقد احببتكِ ، ولقد كنت احبكِ . . بالرغم من كل ميولي غير المتناهية !

    متابعا :

    ـ  نعم انا ، فلم اكن زبونا يمتار الجنس ، ويتنادى بصفقاته ، حتى وقع في أسر هواك . . انتِ لا غير ! وأنتِ ، لا أحد سواك !  

  

( 65 )



وبذهول صارم ، جعلت تعابير وجهها تنفلت ساخرة مروّعة  :

    ـ  أنتَ ؟ أنتَ اذن ! . . أنت أيها الوغد اللعين ؟ !تحبني وتعرب عن مشاعرك وانت الذي تطلب مني قبل قليل ان اغادر بيتك وبسرعة . فكيف اصبحت تتفانى في سبيل تبجيل مشاعرك قبالي ، وانا التي كنتُ قبل قليل احمل معي ظلا ثقيلا . .

    ـ  هه  ، لا تتعصبي ! ! سأوضح لكِ كل شيء . . تباعا ! لان مشاعري تجاهك لم تتغير ، انما كنتُ ولا زلتُ أمرّ بحالة نفسية عصيبة ، وددتُ فيها ان لا أشركَكِ بها ، ولهذا الغرض حقا ، كنتُ أطلب منك الرحيل . .



( 66 )



    سكت ثم عاد يقول لها ، ونظراته تمعن فيها اكثر من ذي قبل :

    ـ   ولقد أردتُ امتحانك ، واختبار مقدار حبكِ لي ، وكم بوسعه أن يبلغ من الحجم عندكِ ، او بالاحرى ، كم يمكنه ان يحتل من مساحةٍ في قلبكِ . . أنتِ ! أنتِ التي كنتُ اخترتها ، من بين كل من تعرفتُ اليهن ، وطوال كل السنين التي عشتُها بدونك !

    فقالت ، ونبرة صوتها . . كاد لها أن تفضح مشاعرها الودية تجاهه :

    ـ  هذا . .  هذا ما سيتم بحثه فيما بعد ، وفي موعده ..



( 67 )



    ثم وبتذمر مفتعل :

    ـ  . . أووه ، واذن  ، فلم تكن صديقا للعائلة ولا زبونا متطفلا ، ولا ضيفا دائم التردد على البيت . .  

    عندها ، قال لها :

    ـ  أرجوكِ . . ليس عليكِ أن تتزمّتي !

    فسألته :

    ـ  واين كان محلي من الاعراب ، أنا بالذات، بل ما هي علامة الاعراب التي كان يُفترض بي أن احملها؟!

    أجابها :

    ـ  سؤال عظيم للغاية . . فانه لم يكن كل ما كان يُصنع بك ، الا من اجل اعدادك وتهيئتك ، لتكوني بعدئذ موظفة ، تعملين في بيع الهوى ، ولكن غير رسمية. . غير معلن عنها. . وحينما يعلن عنها ، ستكونين عندئذ ناشطة في هذا المجال ، وبالصورة الرسمية !

    وفي كلا الصنفين ، تجدين أن رجالات الدولة وساساتها ، يتقاسمون لهم فيهن كل نصيب وآخر ، هذا فضلا عن كبار رجال الاعمال الذين ربما أطلقنا عليهم لقب صانعي القرار ومن وراء الستار ، يعني ذوي النفوذ والقدرة وبصورة غير مباشرة !

    ـ  ؟  !

    ـ  فكنا نريد إعدادك للعمل معنا في جهاز الامن السري . . وكانت أولى الاوامر الصادرة الينا هي ان نسلبك كل قدراتك التحفظية !



( 68 )



    ـ  قدراتي التحفظية ؟

    ـ  يعني كسر طوق العزلة ، والخوف من الجنس ، والترهّب من عملية الدعارة واستقبال الزبائن . . كيما تتوفقين للوقوف على أعتاب المرحلة التالية ، وهي العمل لصالح الفصائل والمجاميع الخاصة بكتائب الشرطة السرية .

    ـ  لقد كنتُ أنا الاخرى داعرة . . أوه عفوا كنت موظفة أعمل لصالح الرأي العام .  

    ـ  ماذا ؟ !

    ـ  وناشطة مع افراد السلك الدبلوماسي .  

    تلعثمَت ووجلت ، كانت شاردة الذهن . أصابها ذهول مريب ، انفصمت عرى كلماتها ، وذابت حروفها بين رعدة التيه وسهام الضعف . . بعد قليل ، استطاعت ان تغالب حالة الاسى والاضطراب التي راودتها ، فقالت وهو يحاول الاهتمام بحديثها اكثر من أي وقت مضى :

    ـ  أعني اني كنت قد وضعت القدم الاولى في تلك الطريق ، فاني ولما كنت أحاول الوقوف على قدمي هناك . . في احد بيوت العهر . . انتشلني أخي من هناك..



( 69 )



    ـ  اني لا افهم ، انتشلكِ اخوك من المبغى . . وأنتِ كنتِ اخته . . اقصد اخته المفقودة ، وأخته الثرية في نفس الوقت ، والتي من فرط ولعها بالحب وممارسته ، ما كان لها ان تتخلى عن مهنته العملية ، مع اغتنائها وعدم حاجتها الى المال ، فلم يعثر على مفقودة العائلة الا في بيت الحب ؟  !كما لو كانت لا تقيم للمال مقاما طالما كان الجنس في قبضتها . . انه امر محير حقا ، لا أكاد اصدق ما عندي من معلومات ابدا !

     وباسترسال لا يعبأ بما حوله ، قالت :    

    ـ كما تعلم ، فاني أختهم من أم أخرى متوفاة، كان أبوهم قد تزوجها من دون أن يعرفوا . .

    ـ  أووه ! . .  لقد أخذت تتضح أبعاد القضية.



( 70 )



    ـ  ولما علموا بوجودي ضموني الى فريقهم ، وذلك من بعد وفاة والدهم . ... ولما رفضتُ ، رغبة مني في التفرد بنفسي في مثل هذه الممارسات ، فاني جوبهت باصرارهم الفعلي ، وكنت أعي مقدار ذلك الاصرار ، وعدم جدوى رفض طلبهم. أما ثروتي فان امي المرحومة كانت كذلك ، وممارسة الحب ما كانت عندي سوى فلسفة عملية ، كنت امارسها عن علم وهوى . .

    ـ  ولكن ، كنت قد قلتِ ، أنك تأثرت حقا حينما ازلن بكارتك ؟

    ـ اني لأعتقد ان كل عملية اغتصاب تستهدف ازالة البكارة ، حتى ولو كانت البكارة غير موجودة في محلها ولقد زالت من قبل !



( 71 )



   ـ  وكيف قبلت ان يرد عليك مثل هذا المقترح من اخوتك ، وكيف انهم ابتدروك بمثل هذه المبادرة التي من اجلها كنت حدثتيني بانك تخافين ان توشي بك السحاقيات لديهم ، ولقد حدثتيني باكثر من هذا ، حينما كنت اخبرتيني بان زوجاتهم كنّ اخبرنهم بضرورة عرضك على الفحص الجسدي لكي يؤكدوا لهم زوال بكارتك..

    كانت هي شاردة الذهن ، تقلب وعيها في اطراف الارض التي كانت تقطعها في تلك اللحظات بلمح البصر ومن دون ان يشعر هو بما يجري في ذهنها من مفارقات .

    بينما تابع كلامه وكان يهبط عليها هبوط الصاعقة:

    ـ  وكنتِ تخوفينني ولا زلت بأنهم يطلبونني وبأنهم يقيمون لمثل هذه المسائل كل احترام وتقدير . .

    سكت وعاد متحيرا :

    ـ اني حقا أجدني واقعا في خضم دوامة من الملابسات والتناقضات والاكاذيب والخدع . .

    ومن ثم رجع اليها ببصره ، بعد ان كان اشاحه عنها دون ارادته :

    ـ  واذن ، فاني اتعامل مع فيلسوفة في الحب!

    ومن دون ان تطرف لها ، في هذه المرة اي عين، واصلت حديثها وهي تقول :

    ـ  دعني اكمل لك . . ولا تنسى ان للضرورات احكام ولا يزال الحكم ساري المفعول . .  

      

( 72 )



فأشار لها بيده ورأسه بالايجاب ، فقالت :

    ـ ولكن متى ما تعرفتُ على تلكم السحاقيات، كانت قد انهارت عندي الكثير من القيم الفعلية التي كنت ارسمها عن الحب ، وفعل الحب ، وممارسة الحب ، ومقاربة الجنس . .

    مع اني ما زلت احترم عمل الجنس واهله الذين يحترفون صناعته ، ولكن شريطة عدم إلحاق الضرر والامتهان بأحد الطرفين ، والا كان اقرب الى الابتزاز الجسدي منه الى الصناعة الفنية لمهارات الجسد التي تنقلب مهنية ، يمكن لصاحبه ان يرتقي به ابحرا قصية من الافاق والانواء ، اذا ما عرف استثماره واستغلاله ، لان لغة الجسد تمتلك تقنيات عجيبة ، بوسعها الانتقال بالانسان الى مسافات بعيدة نائية لا يمكن بلوغها قط .

    ـ  انا لا اصدق ما اسمع . . اني لأجدني الان امام امرأة متمرسة حاذقة في امتهان الجنس وتذليله لصالحها حتى ولو كان لتيار البحر ان يقذف بها ذات اليمين وذات الشمال !

    ثم تذكر :

ـ  كنت اريد أن أسألكِ ، فهم ومن بعد أن علموا بوجودك في دار بيع الحب ، كان قد ابتدأ تفكيرهم بضمك الى فريقهم . .

    ـ  أتسخر مني ؟  !



( 73 )



    ـ  لا ، أبدا . . اني لست بالشخص الذي بامكانه ان يسخر من شخص آخر هو في مثل حالك ، بل اني لأسخر من سذاجتي وقلة فطنتي !

    ولكن ما اريد التنويه عليه ، بل الاشارة اليه وبوضوح كامل ، هو ان . . حتى نزا اخوتك عليك . . فهو ما كان الا تجربة رابحة ، أشرت بها على الاخوات الاربعة ، حتى ارغموا اخوتك فى صنع ما صنعوا بك . . ولم يكن السرّ الحقيقي ، ما كان له ان يلخص فيما أخبروك به ، فيما بعد من انهم قد وجدوك على غير الخاتم الذي وصمك به الله !

    ـ  ايها الانتهازي الجبان ؟ !

    ـ  ؟ !

    قالت :

    ـ  وقضية هربك منهم لمّا علموا بك . . اقصد لما تهيأ لي ذلك ؟

( 74 )



    ـ  ان ثمة خلل ما ، كان قد حصل في متابعة قضية الاغتيال الذي حصل فى البيت الاحمر ، اقصد المبنى الاول . . مع اني مبرّء منها وبالكامل . . لاني انا الاخر ، وكما كنتُ اعلنتُ لكِ ،  كنتُ عضوا في الجهاز الامني .

    ـ  قلتَ لي انكَ كنتَ أنتَ المسؤول الاول والاخير عن ذلك البيت ! ولقد كنتَ أنت الاخر عضواً في فصائل الجهاز الامني السري ، ولم يكن بوسعك ان تعرف من اكون ومن اين اتيت وكيف اتيت وأين كنت اعمل ؟ ! فكم من صاحب مهنة وهو لا يدري عن مهنته الا التبجح والتكبر !

    ـ  أجل ! أنا اعترف باني كنت وما زلت ضحية لملابسات عمل جهاز الشرطة السري ، هذا الجهاز الذي تأكد لي انه لا يعلم العامل فيه ما يخفيه ويضمره صاحبه العامل معه في نفس الجهاز  . .



( 75 )



    ومستدركا :

    ـ  ولكن ! كنتُ أنا الذي تكفّلت في الوقت نفسه بقتل اولئك الذين يُعتقد انهم مغدور بهم. .

    ـ  انك تخلط . . تهذي . . ما الذي تقوله . لست متهما ، ومن ثم تقول انت المدبر . . ؟

    ـ  بالضبط . . فالاوامر كانت قد صدرت بالتخلص من اولئك المتنفذين . . وكان اخوتك هم الذين صدرت اليهم الاوامر في البداية بالتخلص منهم . . الا انهم أوعزوا الى موظفاتنا الحبيبات الاربعة ، بالقيام بمثل هذه المهمة..

    ـ  سألتُك انهم لم يكونوا متورطين في عملية الاغتيال ، فصادقتَ.. والان تخبرني . .

    ـ  أقصد . .

    ـ  انك لستَ بصادق ، انك كاذب . .



( 76 )



    ـ  في هذه المسائل ، لم أكذب عليك . . أبدا . . بل انهما كانوا يأ . . يأتمرون بأمري . . وانا كنت قد تلقيت الاوامر بتصفية بعض كبار فصائلنا الامنية ، ممن كانوا يترددون الى هذا المتحف الجنسي . . فكانت فرصة جذابة ، أن يتم اغتيالهم هناك . . الا أن القضية اتخذت لها مسارا آخر . . صعب علينا التخلص منهم والنجاة ، الا باغلاق المبنى ! حتى خفنا ان تصدر الاوامر بتصفيتنا نحن الاخرين ، فهربنا جميعا . .

    ـ  هربتم ؟ !

    ـ  هربنا من ذلك المكان ! وبذلك فاني لا أقصد ، الا ما قلته : من اننا أغلقنا مؤسسة الحب ، لأن الناس لا يعلمون انّا رجالاً ونساء ، نمثل بعض عناصر الشرطة السرية الخاصة ! والا فأينما كنا سنهرب ؟ وأينما كنا سنولّي وجوهنا ، فثمة وجه الجهاز الامني السري يطاردنا ! ولماذا نهرب ، وخطة اغلاق المبنى ، كانت قد صادرت على إبعاد أيما قرار جديد باغتيالنا ـ نحن الاخرين ـ عن بساط البحث في اجتماعات الهيئات العليا!

    ـ  رجالا ونساء . . اذن فزوجات اخوتي هن الاخريات كنّ كذلك . . ؟ !



( 77 )



    ـ  أجل هن الاخريات كن وما زلن كذلك ، والى آخر قطرة من قطرات حياتهن المباركة . .

    ـ  المباركة ؟ ! . . ولم يكن . .

    ـ  نعم . . ولم يكن اخفاؤهن كذلك الا ابعادهن عن أعين الناس . . وليس عن اعين الدولة كما اضطررتُ الى اخبارك به . .              ـ  كذبا .



( 78 )



    ـ قلتُ اني كنت مضطرا . . بينما كنتُ وطبقا لصلاحياتي الواسعة ومسؤولياتي في الجهاز الامني ، وبفعل علاقتي القديمة مع زوجات اخوتك المخلصات ومسؤوليتي البائدة عنهن . . كنت أتردد على بيتكم ، وامارس معهن الهوى . .

    ـ  وكانوا يعلمون بما تفعل ؟ !

    ـ  اجل كان اخوتك يعلمون .

    ـ  ولم يكن هربا منك حين فررت .

    ـ  لا . . كان هربا . . لانهم كانوا قد توعدوا بقتلي . .

    ـ  مع انهم كانوا يعملون تحت اوامرك .

    ـ  ذلك ، انهم كانوا هم الذين تلقوا في هذه المرة اوامر أخرى جديدة ، ومن رؤسائي أنفسهم مباشرة !  والذين كنت قد تلقيت الاوامر منهم بقتل أولئك الذين اغتلناهم في المبنى . . وذلك لان القضية ، وكما كررت عليكِ ، كانت قد اتخذت لها مسارا غريبا ، يمسّ أمن الدولة مساسا مباشرا . .



( 79 )



    فارادوا التخلص مني بشتى الطرق، ومن حيث لا ادري . . كيما تدفن المسألة . . ومن ثم كان لهم ، وحسب تصوراتي وأحداسي الامنية، كان لهم ان يتخلصوا من اخوتك كذلك هم الاخرين ، بشكل وآخر..

    ـ  سبحان الله . . لا نعلم من اين تأتي الاوامر ، واين تصدر ، والى اين تذهب ، فاليوم تَقتُل ، وغدا تُقتَل ، وهكذا . .

    ثم كأنها تنبهت الى أمر مهم . فعادت الى القول، تستدرك حديثها:

    ـ  وكيف كان لكَ ان تعلم بانهم قرروا التخلص منكَ . فقررت الهرب ؟!



( 80 )



    ـ  لقد اخبرتني عاشقات الهوى . . زوجاتهم الشريفات !

    ـ  وماذا كان رد فعلك ؟

    ـ  اصدرتُ اليهم الاوامر . .

    ـ  أصدرتَ الى زوجات اخوتي . . أية أوامر . . انكَ وبقرار اغتيالكَ ، كان قد صودر على الغاء كافة صلاحياتك . .

    ـ  هذا من حمق اخوتك . . ان يكشفوا معاملاتهم الامنية على زوجاتهم ومن يعاشرن منهن بالمعروف . . ظنا منهم وحين صرن يغشنيهن، أنهن قد صرن لهن طيّعات مخلصات ! . . غير انهن ولما كان لهنّ أن يعملن ، وينشطن في فصائل ومجاميع جهاز الامن ، فان الواحدة منهن ما كانت مطواعة الاّ لي ، وبشكل آليّ ، لا غبار عليه أبدا . .

    لذلك اطلق عليهن بالمخلصات ، فكنت قد استخدمتهم لتحقيق أغراضي ، وبشكل يضمن لي استمرار عملهم هذا وعلى نفس المنوال حتى ولو صدرت الاوامر بحقي . . حتى ولو بعد زمان صدور الاوامر . . فلو امرتهم بقتل الآمر الاصلي نفسه ، لفعلن !

    ـ  واذن ، فكنّ يتلقين الاوامر منك ؟

    ـ  اجل !

    



( 81 )



ـ  مع انهن كنّ يتلقين مثلها من اخوتي ؟ !

    ـ  بالضبط ! ولو تعارض أمرين مع بعضهما ، فما كنّ ليعطين أيما أذن صاغية ، الا الى الامر الصادر من قبلي .

    ـ  مع ان اخوتي كان لهم هم أيضا ، ان يتلقوا الاوامر من جنابك، يا سيادة البطل ؟ !

    ـ  أجل !

    ـ  واذن ، فما كانت الاوامر التي تضمنت الاساءة الى سمعتي ، والتجاوز على كرامتي واهراق ماء وجهي ، وهتك حرمتي . .  وبالتالي كان لهن كل الحظ مني والتلاعب بجسدي ومفاتني الجنسية . .



( 82 )



    نظرت اليه هذه المرة طويلا قبل ان تكمل كلامها :

    ـ فما كانت مثل هذه الممارسات الوحشية ، الا أوامر كانت صدرت من سيادتك .

    ـ  قلتُ لكِ . . اردنا ان تكوني لنا مطواعة في مسائل الجنس . .

    ـ  لقد أردت ان اكيل لك جملة من السباب والشتائم وإن تمكّنتُ منك ذات يوم ، فاني ما كنت سأتأخر عن قتلك . .

    ـ  عن قتلي . . دعينا من هذه الاحلام . .

    قاطعته :

    ـ  قلتُ لك ، لقد اردتَ ، ولكني تذكرت مسألة مهمة ، شئت أن أسائلك عنها . فلو أنكم كنتم حسبما ادعيت بالقول لي ، انكم كنتم تريدون اعدادي للعمل معكم في جهاز الشرطة السرية . . وكانت أولى الاوامر الصادرة اليكم هي أن تسلبوني كل قدراتي التحفظية ! تلك التي لخصتها في كسر طوق العزلة ، والخوف من الجنس ، والترهّب من عملية الدعارة ، اقصد موظفة رسمية ، همّها بيع الهوى ظاهريا ، والتوفق للعمل بنشاط لصالح جهاز الامن السري في الخفاء ، وذلك من خلال استقبال الزبائن واغرائهم ومن ثم انتزاع  الحقائق منهم وبصورة غير مباشرة . .

    

( 83 )



كل ذلك ، من أجل أن أتوفق للوقوف وبنجاح على أعتاب المرحلة الاتية ، وهي ان اكون ناشطة يُعتمد عليها ويوثق بسلسلة المعلومات التي سيكون بوسعها تزويد الكتائب الخاصة بجهاز الشرطة السرية المحلية بها ! ولكن لِمَ انتزعني الاخوة من بيت الدعارة وأوهموك ومخلصاتك التائهات . . باني اختهم . .

    حتى كان لكم ان تتوهموا ان الجهاز الامني ، كان قد أصدر التعليمات اليكَ ، بضرورة اعداد اخت الاخوة المكتشفة حديثا ، لتهيئتها واعدادها للعمل في هذا المضمار، ولخدمة هذا النطاق . . أكرر : فلِمَ انتزعني الاخوة من خدمة الجنس في مكان اخر ؟ ! أَمن أجل أن يصنعوا مني داعرة حسب مواصفاتهم ، وهم ما كانوا انتزعوني ، وحسبما يُفترض من لسان الاحداث السابقة ، الا لأبيع الهوى وأصبح غانية تختص بهم .

    وكأنها استذكرت ما غاب عنها :

    ـ  وانك لتقول ان مخلصاتك لا يتكتمن عليك بأي شيء ، فكيف تسترن على رجالهم ، ولم يخبروك بكل الحقيقة .



( 84 )



    ـ  أما هذا ، فلربما تتعلق المسألة بما يمكن ان يطلق عليه بأن لكل فارس كبوة ، كما ان هاهنا تأتّى المورد الذي كنت قد اخبرتك به، وهو تعارض الاوامر . . فانهم وبعد ان انتزعوك من هناك ، صدرت اليهم الاوامر كذلك..

    لا . . لا.. اني لأذكر ان مثل هذه الاوامر كانت قد صدرت اليّ من قبل . . اي ان الاوامر العامة كانت قد صدرت بانتقاء نساء وفتيات لاعدادهم للعمل في بيوت خاصة ، كما يفضل اختيار متمرسات سابقات في مثل هذه الاعمال ، والعثور عليهن ، للعمل . . وليس في ايما بيت يمكن ان تختاره هي ، . . بيوت اعدت لمثل هذه الاغراض سلفا . .

    ـ  تقصد المؤسسات والمباني الحكومية المعدة لمثل هذه الاغراض باعتبارها دوائر عمل كسائر قطاعات الدولة الاخرى في المجالات المختلفة الاخرى .

    

( 85 )



ـ بالضبط ! ولا اعتقد ان لمثلك ان تسخر من مثل هذه الفلسفات الستراتيجية وهي التي تكن لمهنة التعاطي مع الجنس كل هذا الفخر والاحترام .

    ـ نعم وما زلت ، لكني اكره الغباء والسخرية والحط من كرامة الانسان . .  كما اكره الاغتصاب والاجبار على ممارسة الجنس مع اي كان . .  فمن مبادئي ان تختار المرأة العاملة في مثل هذه المؤسسات الزبون المتقدم وبوسعها رفض ممارسة الجنس معه وقتما تشاء . وليس لرب العمل ان يضطرها الى فعله مع اي عميل او زبون لا لشيء الا لأنه يدفع ما يترتب عليه من نقود ..

    ـ  واذن ، فأنت تكرهين ان تتحول مساحات بيع الحب الى فعاليات وانشطة تجارية ، بل اني لأراك تمتعضين حقيقة من ان يكون المتضرر الاول والاخير فيها هي المرأة الممارسة لنشاط بيع الحب ؟

    

( 86 )



ـ  دقيقا . . وانا في الوقت نفسه احس بما تحسين  به . .

    سكت لحظات ، استقرأ ملامحها ، وحالما اطمأن الى انها سوف لا تقطع عليه سلسلة افكاره ، التمس خوض النقاش من جديد ، وهو يقول :

     ـ  فما كان من سلسلة اعمال التجسس على كبار اعضاء الدولة ، ورجالات الحكومة ، ووزرائها والناشطين في فعاليات الاحزاب ، والمنظمات المتعددة ، والجبهات المختلفة.. واستبطان أغوار توجهاتهم الحقيقية ! وسبر معالم سياساتهم ، واتجاهاتهم الايديولوجية ، وعلاقاتهم العامة والشخصية ، وارتباطاتهم السرية ، واتصالاتهم الخفية.. الا ليصب في مصبات واسعة الهدف منها استيعاب كل الظروف والاوضاع من حولنا ليتم بعدها استيعاب مناهج القرار الاصلي عبر استبطان ملابساته . .



( 87 )



    ثم تابع القول :

    ـ أما القرار بمجمل الاغتيالات ، فما كان الا قراراً ساري المفعول ! ولما وجدك الاخوة هناك . . اعترف الجهاز الامني لاخيك بقدرتك على العمل معهم.. أقصد اصدروا موافقتهم الضمنية ، بعد ان اجروا سلسلة من التحريات ، كانت تروم الكشف عن خبايا شخصيتك ومنازل هواك واسرارك الخاصة ، فضلا عن خلفياتك العائلية !

    فكان ثمة تشويق خاص يتعلق بترفيع أخيك ، فيما لو استطاع ان يصنع من اخته كذلك . . لا سيما ان يقوم الاخ العامل في الجهاز بكسب اخته للعمل في مثل هذه المواقع ، كان ليقتضي وقفة فخرية بالنسبة له ، يضطر معها القائمين على رئاسة مثل هذا الجهاز ان يتوجهوا اليه بالشكر الجزيل والامتنان العريض .

  

( 88 )



  بينما استدرك الحديث :

    ـ  وهذا الاخر ، هو يحتمل التأويل في نظري.. بل انه ليخفى علي . . او اني لأشعر ان ثمة حلقة مفقودة في هذه المسألة ، بل ان رأس احد الخيوط قد ضاع ما بين الاشياء المبثوثة حولنا . . ولو كان لي الخيار ، لقلت انك لست بأخت لهؤلاء . . اني لأشعر كذلك . . ولكن كل القرائن والدلائل تؤكد ذلك ، وهذا ما يدفعني الى السكوت . . ولربما خفت ان اشير على الرؤساء الاقطاب ، بانهم قد تآمروا مع اخوتك في اخفاء شيئا أساسيا من حقيقة الموضوع عني ، انا بالذات . . ولا ادري حقا ! لكنك سألتِني . .

    فانا ما زلت اعلن واقول لك ، انك كنت داعرة في مكان عادي ليس بالخاص ممن يمكن ان يعد سلفا . . لهذا السبب . . أووه ، اقول : ان اخوتك كانوا اهتموا باحضارك من هناك ، ومن ثم صدرت اليهم الاوامر بذلك . .

    

( 89 )



فلم يكن من مبرر ان يذهبوا بك وانت اختهم، الى ذلك المبنى ثانية ! وذلك من اجل التمهيد لاعدادك لغرض العمل الجنسي والامني ! كما ان حب اخوتك لك ، وعشقهم المحرم ، وولعهم الشاذ ، كل ذلك ، جعلهم يحاولون ادّخارك لانفسهم ، والتمرد على القرارات الصادرة ، بفعل الموافقات الحاصلة سلفا من قبل اخوتك..

    وهذا ما يعني التراجع عن تنفيذ ما اتفق عليه في ردهات وصالات الجلسات السرية ، والاجتماعات الخاصة في الدائرة المركزية للشرطة الخفية  ـ اقصد شعبة الفصائل والكتائب السرية لعمل السلك الامني والاستخباراتي !

    ـ  وبذلك ؟ !

    ـ  وبذلك ، كنتُ قد تداركتُ الاوضاع ، وبأسرع مما يتصوره نفس اخوتك . . لان دوري في ذلك الوقت قد بدأ يتألق اكثر من ذي قبل ، حتى شعر الاخوة اني امثل بالنسبة اليهم خطورة حقيقية ، بل عقبة رئيسية. فقرروا مطاردتي وتدميري علنيا .

    ـ  كيف ؟ !



( 90 )



    ـ  لقد أرادوا التخلص مني حقا ، فلفقوا ضدي التقارير تلو التقارير ، حتى انقلب الوضع ضدي ، وتألب المجتمع الامني عليّ . . ذلك لانهم ضاقوا ذرعا بممارساتي الجنسية مع زوجاتهم ، اقصد عشيراتهم ، ومن يعاشرن بالمعروف !

    كما ضاقوا ذرعا باهتمامي الجنسي بكِ ، أنت شخصيا ! ومحاولاتي الخاصة لعزلك عنهم بشكل وآخر. . والعمل على اعطاء قدر من الحرية الجنسية لك ، هي أوفر من السابق . . فقرروا التخلص من رئيسهم بكتابة التقارير الى رئيسي المباشر أنا الاخر .

    ـ  اهتمامك الجنسي بي ؟ ! الحرية الجنسية؟!

    سكت قليلا ، تأملها ثم قال :

    ـ  أتعلمين اني كنتُ قد اشتركت في اغتيالكِ جنسيا . .

    ـ  أنتَ ؟ !

    ـ  مرارا . . وذلك عندما كنتِ تحت فعل المخدر . .

    ـ  على مشهد من أخوتي ؟ !

    ـ  على مشهد ومسمع .

    ـ  انك لحقير وغد .

    ـ  وما كان احقر مني وأوغد ، الا اخوتك .

    ـ  انهم ليسوا اخوتي !

    ـ  ماذا ؟



( 91 )



    ـ  اقول . . اسائلك . . ماذا كنت تعني بـ: اصدرتَ اليهم الاوامر. . اقصد الى العشيرات . . أية اوامر تعني  ؟

    ـ  لقد قتلتُ من تنكرين انهم أخوتك . . لقد قتلَتْهم زوجاتهم انفسهم.

    ـ  ماذا ؟ ! انك لكاذب ملفق .

    ـ  لا اكذب عليكِ في هذه المسألة . . صدقيني !

    ـ  كيف أصدّقكَ ، وأنا الذي كنت قد اغتلتهم .

    ـ  واذن ، فكيف تهددينني بأن ثمة من يطاردني الان ، او ان ثمة من يترصد بي لقتلي ،

    ـ   وكيف انتَ الاخر تدعوني الى العودة الى البيت ، والرجوع الى المؤسسة الجنسية وانت تعلم انه ما عاد لكوادرها اي وجود يذكر ؟



( 92 )



   ـ  حقا انك لتعجبينيني جدا ، بل انك لتدهشينني حقا بكل ما تطلعين بي عليه من اسئلة محقة ومداخلات ذكية ومدهشة في الوقت نفسه !

    ثم صمت وارتد يقول لها :

    ـ  ولكن أتحسبين انك فعلتِ ، وما فعلتِ الا قتلا لمقتول . واجهزت على جثة بلا حراك .

    ـ  ماذا ؟



(93 )



    ـ  ما أخبركِ به ، هو عين الحقيقة . بل لا يزايل لسانها قط .

    ـ  والعشيرات ؟

    ـ  جئتُ ليلا وتحت جنح السرية التامة ، قبل ان ينمن ، وبعد ان انتهين من عملهن . . وما كنتِ لحظتها الا نائمة ، أو تتظاهرين بالرقاد . . هكذا ظنوا بك . . الاخوات الاليفات . . حتى تأكدتُ من صنعهن .

    ـ  وكيف اغتلنهم .

    ـ  لقد تعمدوا ان يناموا تلك الليلة سوية .

    ـ  اجل .

    ـ  انك لتعلمين ، كان ديدنهم ان يتبادلوا الزوجات يعني العشيرات مرات ومرات.. وديدنهم الاخر في أوقات أخرى ، أن يجتمعوا في غرفة واحدة ، ويعيشوا لذة ممارسة الجنس المشترك ، بلا شرط ولا حدود . .

     وكانت ليلتهم تلك هي كذلك . فكان ان استغلّتها هذه الفرقة من الغانيات ، وذلك من بعد ان مارسن دورهن الاباحي المشترك . . ومن بعد ان تعبوا ، وعبّوا من انواع المشروبات المسكرة ، خلدوا الى النوم ، واستغرقوا بعدها في سبات عميق. .

    وعندئذ كان دورهن . . أعني دور الاخوات المبجّلات قد جاء ! فقمن بفتح صنبور الغاز الذي حشرت فوهة خرطومه في حجرتهم، وذلك من بعد أن غلّقن جميع منافذ تسرب الهواء فيها . .

    ـ  ماذا ؟ ! فتحوا عليهم صنبور الغاز ، واغلقوا كل المنافذ . . ولكن !

    

( 94 )



لحظات صمت اعقبها صوتها من جديد :

    ـ   ولكن . . ولكن ، أنا التي فعلت هذا ، انا التي قمت بكل هذا !

    ـ  أنتِ التي أغلقت المنافذ بإحكام فقط . .

    ـ  كيف ؟ !

    ـ  فلقد خرجتِ من غرفتك قاصدة فتح صنبور الغاز . .

    ـ  أجل ، حتى سحبتُ خرطومه الى الغرفة . . وتأكدتُ من نومهم‏ الثقيل . . وسددتُ جميع المنافذ ، ومن دون ان اصدر اي حركة ، يمكن أن تشي بما أفعل ، خوف ان يستيقظوا ويعلموا بخطتي . .

    ـ  فكيف لم تتنبهي الى سرّ وجود خرطوم الغاز . . وكأن احدهم كان قد أعده لك مسبقا . .

    ـ  أووه ، حقا ؟ وكيف لم تتنبه أنت والحسناوات الى ذلك ، ومن قبل ان أهتم به انا ؟ !

    ـ  كيف ؟ . . كيف لم انتبه الى حقيقة ذلك؟! كل ما كنت اعتقده.. أن. . أن . . أليس هنّ اللائي كنّ قد أعددنه ؟ !

    ـ  انت ماذا تقول ؟

    ـ  اتصور أنهن . . هنّ اللاّئي كنّ قد قمن بـ..

    مقاطعة اياه :

    ـ  لا ! بل أنا الذي كنت قد أعددته مسبقا..



( 95 )



    ـ  أوو . . أنت اذن !

    ـ  اجل ! أنا . . الا أنهن كنّ قد اكتشفن مكانه . فلم يحتجن الى شراء جديده ، من اجل القيام بعمليتهن . .

    ـ  اذن ، فالامر كان كذلك .

    ـ  وأكثر ما يمكن ان يغلب على ظني ، هو أنهن قد تصورن بأنه قد ابتيع ومن قبل احتياطا ، للاستزادة منه ، حينما لا تعمل الخراطيم الاصلية..

    ولكن يا للعجب.. كيف انهم لم يتيقظوا الى عجيب الاحتفاظ بمثل طوله لغايات منزلية ، حتى أعتقد بأنهن لم يكن ليزايلهن الشك ، باني كنت انا الذي ابتعته لاهتمامي الملحّ بمسائل المنزل ، أو لماذا انا ؟ ! فان لهنّ ان يعتقدن بأن أحد الاخوة كان قد اشتراه لأغراض معينة . .

    ـ  واذن ؟

    ـ  فكل ما كنت أفكر به . . هو كيف أنتهي من مهمتي تلك .

    

( 96 )



    ـ  جميل حقا !

    ـ  انك لتسخر من ادعاءاتي .

    ـ  لا ، أبدا ، وذلك لأن العشيرات ، ومن بعد أن تأكدن من موت الاخوة الاربعة . . أعدن الخرطوم الى مكانه . . ولم يكنّ قد انتبهن الى ذلك.. اقصد انهن كنّ قد فعلن ذلك ، من غير ان يتبيّن ، وحسبما اتصور ! أيما غرض من ذلك . .

    انهن كنّ يتحركن على رسلهن . . كما لو لم يكن ثمة ضرورة لأي قلق أو خوف ، يفترض ان يسيطر عليهن في مثل تلك الظروف . . فما كان لهن أن يشعرن بقرب آجالهن ودنو أيامهن . .

    وفي لحظة واحدة شرد ذهنها ، وغارت عيناها كما لو كانت تفكر ابعد من كل ماحولها :

    ـ لماذا كان عليهن استخدام مثل هذه الاساليب التقليدية في القتل ، مع انهن كنّ مدعومات من جهات عليا ، يمكن لها ان توفر لهن انواع الامكانيات ، التي لها ان تسهّل عليهن القيام ، بمثل هذه المهام ، من قبيل مسدس كاتم الصوت ويُقضى الامر ..

    كان هو الاخر ممعنا النظر في عينيها ، يتملي فيها كثيرا ، لكنه لم يكن يهتم بما تقول بقدر ما كان يهتم يملامح وجهها التي أصبحت تدهشه كما هي العادة عنده في هذه اللحظات . حيث كان مأخوذا بجمالها ونفسيتها . تعوم خلجاته في عوالم اخرى ، لا تنفصل عنها ابدا ، بل انها تمثل الجزء الاهم والاوحد فيها !

    

( 97 )



ولما كان هو الاخر لا يفهم اسباب هذه الملابسات ، حاول ان يتبع كلامها ، من دون ان يحل لغزها ، فيما خلا اشارة ، صدرت منه على وحي من الصدفة الذهنية في تلقي الافكار ، محاولا ان يفهمها كيف يمكن ان يلتصق الخطأ بتلك السياسات المتبعة في مثل هذه الاغراض ، الا في مجالات يتعمدها الكبار ، كي يقع فيها الصغار ، فيقتتلون فيما بينهم ، فقال :

    ـ  ربما كان السبب في ان الجهات العليا ، أرادت لهن استخدام مثل هذه الاساليب التقليدية ، كي يحس بها الازواج الاشاوس ، فيتنبهون الى مكرهن ، ويُعمل بعضهم القتلَ في البعض الاخر .

    ثم أتبَعَ حديثه ، وهو يقول :

    ـ  غير ان ما كنت أروم الحديث عنه ، هو انه. . ومن بعد ان أعدن خرطوم الغاز الى مكانه ، كان القصد لديهن . . ومن بعد ذلك . . وكمرحلة تالية من مسيرتهن النضالية ، هو التوجه الى قتلِكِ ، .. أنتِ !

    ـ  قتلي ؟ !قتلي أنا !



( 98 )‏



    ـ  أجل من حيث الاستفادة من الخرطوم في خنقك. . غير أن الفكرة كانت قد نُسِخَت من مخيلتهن تماما . .

    ـ  نُسِخَت . . كيف ؟

    ـ  لأني ومن بعد ذلك ، كنت قد توجهتُ للقضاء عليهن ، فلما انتهيتُ من مهمتي ، كان لوجودهن هو الاخر  أن ينتفى ، وبالتالي فكان لقضية قتلك هي الاخرى ، أن تنتفي قطعا ، ومن أساسها  .

    فقالت :

    ـ  أنتَ . . أنتَ الذي قتلتهن . .

    اجابها :

    ـ  أجل ، وهذا ما كنت قد صممت عليه ، ومن قبل . .

    ـ  ومن قبل ؟ !



( 99 )



    ـ  اجل ! لأني كنت قد تعرفت على خططهن ومن قبل ، واكتشفت ما كنّ قد عزمن عليه مع سبق الاصرار والترصد ، ومن دون اي رغبة بالتراجع عما قررن القيام به . . فوجّهت اليهن عيارات مسدس كاتم للصوت . . وخنقت انفاسهن اجمع في بضعٍ من لحظات ..

     ولقد اختلست فرصة انتشارهن ، وانصرافهن الى أشغال سريعة، ريثما تحين لهن فرصة التوجه الى اغتيالك ، وكأن اجتماعهن على قتلك قد قوبل ببعض التردد من بعضهن ، ممن كان ولا يزال ، حلم التزود من احلام جسدك الجنسية يراودهم ، خوف ان يفقدون لذتهن التي تعاودوا على اجترارها مع جسمك الرائع ! ولقد تهافت الى سمعي بعض حديثهن ، فكانت احداهن ترفض وبشدة التخلي عن حقوقها في جسدك ! حتى تفرقن ثانية وثالثة . .

    ولقد بتّوا في امرك بالرأي القاطع القاضي بقتلك ، بعد ان وعدوا تلك العنيدة والهائمة بحبك اكثر من اي اخرى فيهن ان يحضروا لها غيرك !



( 100 )



وكنت انتهزت فرصة افتراقهن في اللحظاتت الاخيرة قبل ساعة الصفر التي كان لها ان تزرع الموت في حجرتك ! فكنتُ أطارد كل منهن على حدة ، حتى تم لي قتلهن أجمع ! صنعتُ ذلك في اقل من دقيقة واحدة .

ولكن كانت اجسادهن جميعا عارية تماما ، لقد كن يتجوّلن في البيت مجردات ، وبالكامل ، كحالة لها ان تعبر عن تحصيل حاصل ، يتأتى من اسباب قضائهن تلك الليلة ، حفلهن الجنسي المشترك وكالعادة . .

     ـ  ولكن . . هذا شيء ليس بالجديد علينا جميعا  في هذا البيت . فلطالما كان العري يسيطر على طبيعة التنقل في داخله ، ليل نهار ! ربّ كما خلقتني !



( 101 )



     لكنه قاطعها قائلا :

    ـ  ولما تحسّستُ منكِ صوتا . . يأتي من غرفتك . لم اكن أودّ ساعتها أن اُدخِل عليك الرعب ، أو أحيلك الى مشاهد مفزعة . . فاسترسلتُ قليلا في المشي امام باب غرفتك حتى صرتُ اجتاز به . . عندها شعرت ان الصوت قد بدأ يخفت حتى تلاشى وانقطع . .

    فقالت تؤكد ما حدث :

    ـ  أجل . . كنتُ قد أحسست أنا الاخرى بصوت ما . . فغامرني شعور بالبقاء على تصميمي في المضي على تطبيق الفكرة ، ولكن آجلا وليس عاجلا ، ريثما تخلو الساحة واتفرغ لهم جميعاً ، كي أضربهم الضربة القاضية والموجعة ، ضربة امرأة واحدة ! فحاولت عندها إشعار من يكون وراء الباب ، بأنى عدت الى النوم ، ورجعت أغطّ في سبات عميق  .

    

( 102 )



    فعاد يقول لها :

    ـ  لذا . . بعدها ، كنتُ قد عمدتُ الى حملهن وايداعهن في تلك الغرفة المشؤومة الى جانب بعض، والقيت عليهم عدة ملاءات . . اظن انك لاحظتِ، كيف ان الجميع كانوا قد تغشّوا بأغطية وملاءات عدة .

    ـ  ؟ !

    ـ  وعندها اختفيتُ . . أجل ، كنتُ قد اختفيتُ ! وذلك حالما توارد الي سمعي صوت أكرة باب غرفتكِ . . حتى اذا ما دلفتِ الى المطبخ ، وسحبتِ خرطوم الغاز الى الغرفة، وشرعتِ بسدّ كل الفتحات التى وعلى ما أذكر ، كنتُ ومن شدة تأثري بالغاز ، قد عمدتُ وقبل أن تخرجي من حجرتك ، ومن جديد الى فتح ما كنّ قد أغلقنه من الفتحات النافذة والنوافذ المشرعة . .



( 103 )



    وذلك ، لأنّي وحين قمتُ بنقلهن الى الغرفة كنتُ أشعر بحالات من الغثيان والتقيؤ تنتابني ، فأسرعتُ بفتح ما كنّ قد أوصدنه ، فكنتِ قد عدت لاغلاق ما فتحتُ ، وما كنت الا جاهلة بكل ما حدث .

    ولذلك فكل ما صنعتيه كان عوداً على بدء. . وتكرار لكل مجريات ما حدث ، ليس إلا ! فلم تنتبهي الى موتهم جميعا ، فالرجال بيد النسوة ، والنسوة بيدي انا لا غير ! لانه لم يكن بوسعكِ ان تتفحصي ايما احد منهم أبدا، هه !

    ومن يمكنه أن يعمل على إشعار الشخص ـ الذي يبتغي قتله بوجوده ، حال القيام بمثل هذه المهمة الخطرة ؟ !

    

( 104 )



ثم استدرك الكلام :

    ـ  وأهم نقطة في المسألة ، هو ما أبحث عن جوابه عندكِ . فكيف لم يكن بوسعك أن تتميزي رائحة الغاز الخانقة المنتشرة في الحجرة . . أما كان الاحرى بك أن تتنبّهي اليها ؟ ! ولقد كان يمكنكِ بعدها أن لا تشكي أبدا في وقوع أحداث هامة ، كانت سبقت نشاطك ذلك. . بل على العكس ، كان له ان يثير الابهام عندكِ.. الا اني لم استشعر أيا من ذلك لديكِ. .

    فقالت له بهدوء :

    ـ  كنتُ ومنذ فترة ليست بالقصيرة ، أعاني من فقدان مؤقت لحاسة الشم، عرضتُ نفسي على الطبيب، فأوصاني بضرورة الخضوع الى علاج خاص . . كذلك نصحني بتناول كل ما قيده في النسخة من أدوية ، كيما لا أفقد حاسة الشم ، والى الابد . .

    لانه وحسبما يقول : ان حاسة الشم هي كحاسة البصر والسمع . . بامكان بعض الطوارى‏ء والاحداث ، او حتى بعض الممارسات الخاطئة ، ان تُذهب بها تماما ، او أن تعرّضها الى بعض الخطورة ، فتصيبها ببعض الامراض ، أو ما يمكن أن يتهددها والى الابد ، ذلك إن لم تعالَج وتؤخذ خطورتها بالحسبان الاكيد !

    

( 105 )



نظرَت اليه ، استطردت في الكلام ، فقالت له بهدوء ، وهي تحاول ان تبحث لها عن جواب ما ، في قسمات وجهه ، فتصغي اليها ، ومن قبل ان يوافيها بها لسانه:

    ـ  أسألكَ حقا : لماذا قتلتَهنّ ؟ !



( 106 )



    ـ  وأنا الاخر اسائلك ، فهل ثمة امرأة تقدم على قتل اخوتها والتخلص منهم نهائيا ، حتى ولو كانوا آذوها ، او أفسدوا عليها سلامة العيش ؟

    ـ  أنا اختلف عنك ، قضيتي تتسع لأكثر من هذا ، كله !

    ـ  أما أنا فلم أفعل ما فعلت ، إلا لأني كنتُ أحببتُكِ.

    ـ  دعكَ من هذه الاسباب .

    ـ  صدّقيني ، لم أنتهب اعمارهن ، إلا لأنهن كنّ قد صمّمن على قتلكِ ، وذلك من بعد ان يكونوا قد قضوا على الاخوة الاربعة ، فلقد طمحنَ الى قتلكِ انتِ الاخرى . . فعمدتُ بأسرع من البرق الى خنق أنفاسهن .



( 107 )



    ـ  انك كاذب . . انك اردت ان تدفن كل أسباب القضية .  

    ـ  هل تستطيعين ان تجيبيني على سؤال ، وهو : انه لماذا لم أتحرك لقتلكِ أنت الاخرى ، طالما كنتُ ارغب في دفن مواد القضية بكل ملابساتها .

    

( 108 )



ـ   لقد اعتدتم القيام بالقتل ؟ ! كيف لك ان تعتاد امتهان مثل تلك الاعمال ؟

    ـ  كما نهضتِ انتِ لقتل النسوة ، هكذا كنتُ انا الاخر ، قد ابتدأت تلك الممارسات ، ومن قبل في الماضي ، وبمثل هذه الصورة وبكل تلك البساطة :

    ـ   ولكن ضميركَ ، هو الاخر ! أما يوخزك بعض الشيء ؟

    ـ   لقد قتلتُهُ هو الاخر !

    ـ   فكيف استطعتَ ان تحب ، وأن تقع في حبي ! وانت تعلَم ان اصحاب الضمائر الملحودة ، ليس بمقدورهم ان يتذوقوا معنى الحب ، ولا ان يستشموا فوح عطره الحقيقي !

    ـ   لقد عاد الى الحياة بفضلكِ انتِ ، لقد كنتِ أنت السبب في رجعته ، انتِ لا غير ! وهذا ما يحدث لأمثالنا في بعض الحالات ، حينما نتعرض الى صدمات عاطفية تنسف كل مواقع الاثم في جدراننا الداخلية ، فتدع صيحاتنا الفطرية التي كنا دفنّاها من قبل، تخرج ثانية لتتنفس الهواء الطلق ، وتتركنا معها نتنفس بعضا من ريحها الطيب .



( 109 )



    كما اني كنتُ ، ولأول مرة ! اُغرَم بحب ناشطة تعمل في مصانع الحب ، وأقع في حبها ، واعاني منه ليل نهار ، وابقى مسهدا دون املال . لقد كان حبك ولما يزل غراما ، جعلني أشعر معه ، اني لم اكن لأحبها الا تعشقا لنفس كيانها الاثيري ، بظاهره وباطنه ، وروحه وجسده . . فتهالكتُ بين وحي انفاسها ، وثورة وجودها، ولحن حيائها المنتهك ، وجمال وَجْدها . . وما كانت هي الا انتِ وحدك !



( 110 )



    ـ  فحتى لو كنتِ عاهرة بالتوظيف ، فما كان لمثلي ان يتخلّى عن مثلك ، ولا ان يعزف عن الاصغاء الى لحن ، لطالما كان يشتاق الى الاصغاء اليه وعلى الدوام . ولقد كنتِ وهبتِ لي مثل هذه الفرصة ، فلِم لا استغلها ، واعمل على تنميتها والحفاظ عليها .

    ولقد كنتُ في حينها، أتأهب لكي أقول لكِ ، انك ما كنت الا عاهرة نموذجية ! صديقة ملؤها الطيب ، مترعة بالحب والحنان ، لاني اعلم ان أملكِ ، ما كان الا ان تبلغي مرحلة ، يمكنك ومن خلالها ان تقفي عندها ولا تتوقفي معها عن الحركة أبدا . . ولكن ! ثمة لحظات تقسرنا على التوقف ، ريثما نلتقط انفاسنا .

    وعندها كان سيُشار عليكِ في وقتها، بأنك قد بلغتِ معنى كل ما في الانسان من انسانية ، وبكل ما تحفل به الكلمة من آيات وآهات . فكل من أحببتُهُن كانت أجسادهن تنضوي تحت معيار حبي لهن . . أعني ان الجسد كان يتقاسم نوعا من المشاركة ، في عنوان الغاية من الحب الذي كنت أتعاطى ألوانه معهم ! الا أن حبي لكِ كان خلاف ذلك ، فحبي لجسدك اللذيذ ـ أقسم على انك لذيذة حقا ، وفوق ما كنت اتصوره ـ فهو تحصيل حاصل لحبي العذري لك . .

    قاطعته منكرة :

    ـ  حبك العذري ؟ !



( 111 )



    أجابها وهو يواصل الحديث :

    ـ  اني لم أحب في حياتي أيما واحدة غيرك، وان احب ، فاني لم أكن لأحب الا ما يمكن أن تتقاطر نتائجه في قارورة ، تتدمّج ، في مثل معادلات الجنس الايجابية  ، والتي لا تقوم الا على المبادئ الانسانية !

    ـ  انك تكذب ، انك لطيف مراوغ . . ، وثعلب ماكر ، بل ذئب مخادع !

    عندها انبرى يقول لها ، وكأنه تذكر شيئا غاب عن ذاكرته :

     ـ  ولكن ، كيف تسنى لك انت الاخرى ان تحبي انسانا قاتلا !

    فلم تجبه ، لكنها اعتلت بسؤال ، كان له ان ينقذها من ازمة الاجابة عن استفساره :

    ـ  ولكن كيف كان لكَ أن تخفيَ تواجدك في البيت في تلك الليلة ، فلم يشعر احد بوجودك ، ولا حتى أنا ؟



( 112 )



    ـ  كنتُ قد دخلتُ البيت كعادتي ، من دون أشعار أو سابق انذار  . وأنتِ كما تعلمين ، فاني املك نسخة من مفتاح االبيت ، تسهّل لي الخروج والدخول وقتما أشاء وأريد . ولكن هذه المرة ، تكتّمتُ وبمغالاة مفرطة على وقع خطوي ، فلم اُحدِث اي صوت يبعث على وجودي ، حتى انسللت داخل المنزل بصمت رهيب ! ولقد كنت فعلت ذلك في ساعة مبكرة من تلك الليلة ، خوفا من ان تحدث مضاعفات ، يضطرني فيها الموقف الى ضرورة ان اكون متواجدا ثمّتَ . . وخشيت في نفس الوقت ان تتغير مواعيد انجازهن لمهامهن . .

    ـ  سؤال مكرر وبديهي . . كيف عرفت دقيقا ان مثل هذا له ان يحدث ليلتها ، ام ان الامر كان صدفة !

    ـ  كما قلتُ لك ، فان علاقتي بالنسوة اقوى بكثير من علاقتهن بالازواج ، يعني بالرجال المعاشرين لهن! فما كان لي الا ان استبطن كل خفايا القضية ، لأسبر غورها وبكل فطنة واجتهاد  ..



( 113 )



    ثم توجه اليها بالكلام اكثر من ذي قبل :

    ـ  صدقيني كنتُ قد استجمعت نفسي لمثل تلك الليلة ، كي اعبر لك عن اخلاصي ووفائي ، لمثل هذا الحب الذي جرت اوطاره بيننا كل هذه المدة !

    انتبهت اليه سريعا ، وقالت :

    ـ   ولكن كيف كان لهن ان يستهدين بك وهن يحاولن اغتيالي . . مع انهن يعرفن كم كنت تودني ، وكم جعلت تشعرني وتشعرهن ولمرات كثيرات بمقدار رعايتك لي او انك حاولت مرارا ان تعرب لهن عن اهتمامك بي سواء بطريق مباشرة او بطرق غير مباشرة ؟!



( 114 )



         هز رأسه متحيرا ! ومع ذلك ، فان لسانه نطق :

         ـ  ربما كان لمكرهن سعي حثيث اكبر مما اتصور..  هذا، فضلا عن ان الانسان مخلوق ضعيف لا سيما المرأة ، فما يضرهن ان يقلبن تصوراتهن وافكارهن رأساً على عقب، فيتخلين عن كل مواثيقهن السابقة تجاهي، ليعربن لي عن شدة بأسهن وقوة حيلتهن ، او لكي يتكتمن على عيوبهن ونقاط الضعف لديهن ، وبالصورة التي تسوّل لهن بها انفسهن القيام بها !

            وتبقى كلها مثار احتمال لا اكثر !

    وفجأة ، كان قد سكت عن الكلام ، غير انه عاد سريعا ، يسائلها ومن دون تريث او تململ ، فقال لها :

    ـ  أوو . . تذكرتُ ، أقول : انك قُلتِ : . . انهم ليسوا اخوتي ؟ !



( 115 )



    خيم عليها سكوت ، ما كان له ان يستغرق اكثر من لحظات قليلات . ثم قالت  :

    ـ  شيئاً ، كنتُ قلته .

    ـ  لا . . انكِ كنت تعنين ما قلتيه  .

    ـ  انهم حقا ليسوا بأخوتي .

    ـ  وهذا هو السبب الذي جعلك لا تترددين في اتخاذ القرار باغتيالهم ؟

    فقالت :

    ـ  انهم فتية ما آمنوا بربهم طرفة عين !



( 116 )



    ـ ولقد كنتِ تحدّثين حين عمدوا الى اغتصابك في اثناء النوم ، وما بعده ! بأنك كنت تستنكرين عليهم فعلَتهم الشعناء تلك ، حتى جعل كل واحد منهم ، يهمس في أذنيك همسا مستهجنا للغاية ، من حيث أنك اخته ، وهو أحق بك من الغريب ! وهو أجدر بنيلك من البعيد ، وهو أحرى بتذوق عسيلتك من الداني. .  وأن صنعه فيك ، كان يبعث لديه البهجة ، اكثر مما يبعثه نفس الفعل ، لو كان مارسه مع أخرى ، ليس لها أن تحسب في ضمن قائمة المحارم .

    ـ  ؟ !

    ـ  أووه . . كيف اُخدع . . وانا الذي ما كنت لأشعر ، بأن ثمة ماكر ، أعرب عن قمة مكره ، بأحسن مما أعربتُ أنا عنه . .

    ـ  بل صنعوا بي مثلما صنعوا بالاربعة .

    ـ  واذن  . . ! !



( 117 )



    ـ  وكما كنت قد قلتُ لكَ ، فأنا الاخرى داعرة . . وكما اخبرتُكَ بأنهم كانوا قد أتوا بي ، من مكان آخر . . الا أن ما لم أخبرك به ، ولم اطلعك عليه ، ولم يحاول احد ان يكشفه لك ، هو انهم كانوا قد صنعوا لي جنسية ، كما صنعو مثلها للاخريات الاربعة !

    فانتحلوا من خلالها شخصية ما . . لي أنا ! تثبت اني أختهم من أم أخرى متوفاة ، كان أبوهم قد تزوجها ، ومن دون أن يعرفوا. . ولما علموا بوجودي ضموني الى فريقهم . . وذلك من بعد وفاة والدهم . . مثلا ! وكما كنتُ اخبرتك بكل تفاصيله من قبل الا هذه! يعني قضية الجنسية ، والتي تثبت محاولاتهم المستبسلة بالاحتفاظ بي !

    ـ  واذن ، فكان ظني في محله ، وشكي في مكانه ، بل ان شيئا غريبا كان يسائلني ، ويبحث في رأسي عن تلك النوادر التي كاشفتُكِ بها ، حينما كنتُ اقول لكِ : . .

    

( 118 )



وهذا الاخر هو يحتمل التأويل في نظري . . بل انه ليخفى علي! . . او إني لأشعر ان ثمة حلقة مفقودة في هذه المسألة ، بل ان رأس احد الخيوط كان قد ضاع ما بين الاشياء المبثوثة حولنا . . ولو كان لي الخيار ، لقلتُ انكِ لستِ بأختٍ لهؤلاء . . اني لأشعر كذلك . . لقد اخبرتكِ بكل هذا ، وتكهنت بحقيقة ما دار في رأسي، مما ظننته بعضا من الوساوس!.. واني . .

    عندها انتبه اليها جيدا :

    ـ لأراكِ الانَ قد كذبتِ عليّ . . في كل ما صُغتيه لي من حكايا . . وهم الاخرون كانوا قد فوّتوا عليّ فرصة التعرف عليكِ ، أو بالاحرى على شخصيتكِ بالكامل .

    

( 119 )



ـ  لم اكذب . . انهم لم يعمدوا الى اخفاء شخصيتي الحقيقية عليكَ فقط ، بل كانوا قد تعمدوا اخفاءها حتى على عشيراتهم . . عاهراتك الغانيات !

    ـ  لماذا ؟

    ـ  لان ظاهر الامر ، جعل يحكي : أنهم كانوا قد اشترطوا مثل هذا الامر، في ضمن اجتماعاتهم الخاصة في مقر اللجان المركزية ، لشعبة الامن السري . . فوافقوهم . . كذلك ، فان المصيبة تمثلت في أشنع واعظم صورها ، حينما كان أربعتهم يعربون عن وقوعهم الاكيد في شباك حبي . .

    ولقد كنتُ عاهرة متمردة ، عاهرة لم تمارس الجنس ، الا لانها كانت تجده ضرورة لبقائها ، لكني خلا كل المرات التي زاولتُ فيها فعل الحب ، ففي مرة واحدة ، كنتُ مارستُ ما يعدل آلاف مواقعات الهوى! رغبتُ الهرب من واقعي . . الا ان الاربعة كان لهم ان يتسنموا ظهري ، أينما انقلبتُ ! حتى كنت اشعر انهم جزءا من وجودي وجسمي !    



( 120 )



    والمصيبة التي تميزت بفظاعة أكبر ، هي ان النساء الاربع ، كنّ في البداية لا يمثلن سوى الجزء اليسير من اللعبة ، وذلك بالنسبة الى الاخوة الاربعة . الا انه وفيما بعد، كانوا يشعرون بخطورة حب النساء لي . . لأنهن كنّ قد وقعن في حبي جنسيا، وهمن بي شبقيا ، والى الحد الذي يمكن ان يقال عنه ، انه يفوق حد التصور ، والى ما لا يمكن للعقل نفسه ان يتكهنه .

    متسائلا ، وبجدية اكثر من ذي قبل ، هذه المرة:

    ـ  فكيف كان لهن ان يقبلن بقتلك ، ويتفقن على التخلص منك ! وانتِ التي كنتِ وما زلت تمثلين لهم كل وحي للجنس واخر ! فكيف يرضين بالتخلي عن كل تلك الامتيازات التي كنّ يحظىن بها . إذ ، أنه كان ولكل واحدة منهن سهما ونصيبا في ساحة جسدك المقدسة ، وذلك حينما يكون لها ان تعرك جسدها بجسدك حتى تصل بها هذه العملية الى حد الاشباع الجنوني والذي ما كان لمرجله او اتونه ان تنطفئ حرارته ، او حتى أن يهدأ لهيبه ؟ !

    فأجابته قائلة :

    ـ  لا اريد الحديث عبثا ، ولكني اقول ان المهنة التي زاولنها ، والتي مهدت لارتباطاتهن الامنية تلك، قد أحدث كل ذلك تزاوجا قياسيا في ممارساتهن الحياتية ، حتى أحال يومياتهن الى مماحكات ازدواجية ، كانوا وقعوا في اسرها منذ مدة طويلة . .





( 121 )



    وانتَ تعلم ، أنّ العمل في مثل هذه المجالات الخطيرة ، لا بد وان يتمخض عنه نتائج ممعنة في الرهبة ، تُفقِد أفرادَه كل توازن في الشخصية ، وتعادل في التقنية الخلقية ، وصولا الى التعامل المتذبذب ـ والمحكوم بسلطة الترددات ، والتأهيل لكل منزلقات التلقين ، والتقوقعات المنغمسة في أزيز المخاوف الذهنية والموجبات القهرية ـ مع كل مفردات الحياة اليومية العادية وغير العادية منها ، والتي لها ان تحمل معاني مختلفة ومتعددة في نفس الوقت..

    فبامكان كل هذا ، واذا ما اجتمع ، ان يوعز اليهن بفعل ما لا ترضاه انفسهن ، او بالتحرك في الجهة التي ربما تأباها سليقتهن الشخصية سلفا ، او القيام بانجاز كل ما لا يتناسب مع ميولهن الشخصية وعقائدهن الداخلية.



( 122 )



    ثم واصلت الكلام تحت ضغط من الوجع الفكري :

    ـ  أووه . . اني ضجرة حقا . . لا اكاد اذكر كل هذا ، حتى يتملكني احساس بتفاهة نفسي وانحطاط أسباب العيش كلها على الاطلاق ! لقد كنتُ أرفض ان يطأني أيما أحد منهم . . أيما أحد منهم !

    ـ  ترفضين . . أو لم تكوني تبغين ان تصبحي ابنة هوى . . ! فكيف تتمنع نفسك عن ذلك حتى أراك تصدّين عن مثل هذه المغازلات الجنسية ، كما يمكن ان تصدّ عنها أي نفس كريمة متمنعة ! إني لأشعر أن ثمة روحا لقديسة متمردة ، تتحرك وراء ملامحك ! او قولي ان دمها ليغلي في عروقك ، قبل ان يجري فيها ، ويستشري كما الحمى الملتهبة ، أو كتل البراكين المنصهرة في الجبال والهضاب ، وفي الوديان . .حينما يتفجر سنام القمم عن نيرانها المركومة ومعادنها الملتهبة !

    وهذا ما يجعلني ميّالة اكثر اليكِ . . والى حبكِ الذي لا أشعر انه يفنى ، طالما كان ثمة صدىً له يعود عليه بالسهر والحمى  !

    

( 123 )



وفجأة انبرت له ، وهي تقول :

    ـ  لقد ارادوا ان ينشأوا امرأة ساذجة في العهر . . تطاوعهم في تمثيل دور الاخت ، ووفقا لما اشترطوه علي . . وهذا ما ارادوه . . بعد ان اعادوا اليّ بكارتي عبر عملية تجميلية ، كي اؤدي الدور بأقوى اشكاله ، لتنطلي بعدها القضية على الماكرات العشيرات .

    قائلا هو :

    ـ   فقضية البكارة التي جعلتيني اشك فيها انا الاخر ، هي الاخرى كانت تتمثل جزءا من حلقات برنامج ، يحتل موقعه بين الخفايا التي لها ان تنطلي ، عليّ أنا الاخر . وهي من الالاعيب القهرية التي تستخدم لقهر العملاء ، عبر احتفاظ بعضهم بمعلومات ، لا يحيط بها غيره ، ممن يعمل الى جانبه ، وفي نفس المجال !

    غير انها ابتدرته قائلة :

    ـ  لقد أرادوني في لحظة من الزمن ، ولقد كانوا أصروا معها ، على ان لا افلت من ايديهم ، مهما كلف الثمن ! فكانت ضريبتي التي ادفعها هي البيع الجنسي الساذج !



( 124 )



    ـ    اتحتقرين الجنس وتسمين سياسته عهراً ، طبقا لأخطاء وسلبيات تضمنت حياتك التي كانت على هذا المستوى . ان الخلق الجنسي ، وبحد ذاته ما كان الا ممارسة انسانية نبيلة ، لو تمثل الاخرون معانيها ، وتقيدوا بقوانينها الخلقية ، والتزموا بحدودها النوعية .

    فما كان الحب الا مدعاة لاجترار اللذة ، وسببا يحتمل بعدا نسبيا يفرض على المرء تعلق نفسه وشغفها بجنس الانسان الاخر ، عبر وحي من الشبق ربما تحول الى شعور بالحب لذات الشخص يكاد لا ينتهي . .

    الا انها قاطعته :

    ـ   أرجوك . .  



( 125 )



    قاطعها هو هذه المرة :

    ـ  ولكن سوء فهم الاخرين لمثل هذا العمل وخطأ العرف تجاه هذه الممارسات وتلقينات السابقين ، فضلا عن غرور  الفتيات والنساء اللائي يزاولن مثل هذه الاعمال حتى يصبحن آلة بيد كل من هب ودب . .

    مما تضطرهن هذه المهنة الى التعاطي مع جميع العملاء ، بشكل واحد وحسب قيمة الدفع وهذا ليس بوسعهن تغييره فبائع السوبر ماركت يتعامل مع كل زبائنه بصفة واحدة لكنه يتنزه اكثر مع اصحاب الرساميل ممن لا يرغب في خسران تعاملهم مع اسواقه او مبيعاته . .

    وهذا لا يعني انه لا يمتلك شعورا ، او حسا خاصا به . . وليس لاحد ان يدين سلوكه المتمرس ازاء الجميع ، وكيف انه يحسن جلب المشترين ، واستقطابهم بلسان معسول ! انها السوق والمهنة.. وطبيعة الحياة تفرض علينا الكثير من هذا . .



( 126 )



يسكت قليلا بعد ان يحدق في عينيها :

ـ   فلماذا بعدئذ يدينون عمل المرأة ، إن ارادت التكسب بجسدها ، وفق الشرط والشروط ! وذلك بعد ان نبذها المجتمع ، ولم يرحم فقرها ، حتى اضطرها الى صيد ذيول الحب ، والتعامل مع اتباع الهوى ، او بالاحرى التعامل مع حيثيات الغرام والعلاقات العاطفية ، وبصورة قسرية مباشرة ، دون التدخل بسيل العواطف وشحنات المشاعر .

قائلا بعدها وكأنه تذكر امرا غاب عنه :

ـ   ومن ثم . . أتعلمين ان كثيرا من اولئك الذين يوجهون النقد والاتهامات الى مثل هذه الاعمال وأصحابها، هم انفسهم اول السباقين الى خوض معترك الحب والجنس في مثل هذه البيوت .

    بل ان المتمرسين منهم لَيَلْتَقِطون من يشاؤون من النساء ، وباشارة هاتفية لتكون منازلهم وشققهم العامرة ، مسرحا لعمليات جنسية شاهقة في الروعة والخيلاء الشبقي .

بينما انتفضت شفاهها في لحظة ، تمطى اثرها الكلام من فوقها :

ـ   ولكن لا ننسى . . أن ثمة حرام وحلال ، في كل سعينا هذا !



( 127 )



فقال :

ـ   اجل . . فان حللنا هذا الاشكال كان لعلب الهوى ان تحمل صبغة اكاديمية ومهنة ابداعية تحتل مكانها الى جانب المهن والحرف الاخرى .

ثم عادت تنتقده بنظراتها :

ـ   هل تسمح لي بأن افضي بكل ما عندي ام لا؟

مسارعا الى الاعتذار :

ـ   عفوا . . تفضلي .

فقالت :

ـ  أجل كان الهم كل الهم لديكم ان تصنعوا مني امرأة تعني الاثارة والاغراء بكل معانيه ، متفننة في الاسترخاء والاستدعاء ، وتفجير كل تفاعيل الشعر وحروف الروي . .





( 128 )



    استثارته هذه الكلمات ، حتى شعر انه امام امرأة غير عادية . بينما ظل ينصت اليها ، ولكن بشغف حاد هذه المرة :

ـ   ومن ثم التعاطي مع كل ضروب الهوى ورموز الجنس ، تكون في منأىً عن كافة  التحولات والتأثيرات التي تجري حولها ! فلو لم يتقوّلوا كذلك ، لاستشاطت ذهنية النساء الاربع ، ولغدون يسرحن ويمرحن ، من دون ان يعوّلن في مراعاتي على أيما مسألة أخرى . .

    انتَ ترى‏ أنهم كانوا أخبروهن بأني أختهم . . وشاءت احقادهن ان يوكلن اليهن مهامّ تعليمي فنون الجنس، وتلقيني طرق ممارساته الشاذة ! . . ففعلن معي ما فعلن . .

    فلو كنّ يعلمن بعدم انتسابي الى هؤلاء أو انتسابهم اليّ . . وأنا ما أنا الا كواحدة منهن ! بل انهن ارقى مرتبة مني . . لانهن قديمات ، ولهن ان يعملن في اطارات عمل جنسية خاصة.. مما لها ان ترتبط باجهزة مخابراتية رفيعة المستوى ، وعلى صعيد الدولة . فلو كنّ يعلمن ذلك ، فماذا يمكن أن تكون النتيجة التي يصير بوسعك أن تتكهن بتمخّضها؟!

     ـ  حقا !

  

( 129 )



     ـ  عندها كان قد وقع الجميع في حبي . . نساء ورجالا ، وأبوا عليّ ، الا ان يمارسن دورهم الرجولي والنسوي معي ، حتى تناسوا المسائل المتعلقة بتمريني واعدادي لمثل ما أرادوا . .

    لقد صار جلّ اهتماماتهم اشباع شهواتهم وافراغ ما يغلي في نفوسهم من غرائز ولوعات . . الا اني ما كنت صعبة مستعصية ! لاني كنت اطمح ان يتزوجني احدهم ، وينهي هذه المأساة. .

    الا ان العشيقات اللائي كنّ يتحركن بفعل توجيهات الاخوة الذين ظننتهم كاذبين في لعب الدور والتمويه ، حتى على الداعرات . .

    وما أخطأ حدسي الا في واحدة . . وهي انهم كانوا قد أوعزوا اليهن حقا ، بأني ما كنت الا أختهم، ولكنهم ما كانوا يريدون الا اذلالي ، وسَوقي الى الخطيئة والدعارة ، ودفعي الى العمل في سلك الجهاز السري ، وخدمة أمن الدولة. . كيما يتخلصوا مني ! . . لأني ما كنت الا أختهم من أم ثانية مجهولة . . هكذا أفهموا عشيراتهم !

    غير ان الداعرات كنّ قد صرن وبمرور الزمان عاشقات اكيدات لي . . تتملكهن روح السادية وبأقوى صورها الجنسية وأشكالها الغريزية . . حتى لم تكن لتنفع معهم كافة الممارسات الفعلية للحب والهوى ، وما كانت لتكبح من جماح عشقهن لي.. فكان للاخوة ان ينظروا الى هذه المسألة ، على انها مشكلة عويصة جدا !



( 130 )



    فساءلها :

    ـ وازالة بكارتكِ ؟ وهذا من جملة خصوصيات عود على بدء ، وفي التكرار بعض الافادة .

   فقالت :

   ـ  لقد تصورت الغانيات ان ذلك كان اجتهادا منهن . الا انه وبمرور الزمان ، كنت أشعر انه كان ينبغي لي أن أفقد غشائي المفتعل ، عاجلا أم آجلا ، وشئت أم أبيت !

    سكتت قليلا ، لتجده يعاود الحديث مكانها ، فقال متسائلا :

    ـ هيه تذكرتُ . . فانكِ كنتِ وحسب ما اخبَرْتِني به ، انكِ كنتِ قد سكبتِ موادّا مضاعفة من المنومات في أشربتهم الكحولية . .



( 131 )



    ـ  اجل . . بما يساعد على موتهم قبل اختناقهم بالغاز . .

    ـ  ولكني اتساءل عن مسألة اخرى : فكيف لم تصب النساء باعياء النوم ، ولم يصب به سوى الاخوة؟!

    ـ  لقد عنيتَ لي من قبل : ان ليلتهم تلك ، كانت ليلة مغتنمة ، عمدَتْ فيها الغانيات الى استغلالها أشد الاستغلال ، وذلك من بعد ان مارسنَ دورهن الاباحي المشترك . . ومن بعد ان تعبوا ، وعبّوا من أنواع المشروبات المسكرة ، خلدوا الى النوم ، واستغرقوا بعدها في سبات عميق. . وعندئذ كان دور الغانيات قد جاء . . أليس كذلك ؟ !

    ـ  أجل . . طيب !

    ـ  فاني كنت قد سكبت المنوّم الحاد المفعول في كافة أشربتهم ، حتى اذا ما كان لحفلهم الماجن ان يتبدئ ، فسوف يعبّ فيها الاخوة الكثير من المشروب ، ليفقدوا بعدها السبيل الى الوعي ، ومن قبل ان تشتجر أعضاؤهم الجنسية بعضها بالبعض الاخر ، ومن قبل ان يحلو المقام ويعرض الجنس بالمجّان على كل قدم وساق !





( 132 )



    أما النساء فقد انشغلن بإعداد بعض الاشياء الاخرى في المطبخ ، وما الى ذلك . . ولقد كنّ قد تعمدن تقديم المشروبات اليهم ، ومن دون ان يعلمن ما كنتُ قد أفرغت فيها ، وذلك من اجل ان ينشغلوا بها ، ويفقدوا صوابهم قبل حلول ساعة الصّفَر ، وبذلك يعينونهم على انفسهم . .

    فما كان حدسي ، الا ليلخص في ان النساء ، ما كنّ قد عمدن الى تناول المشروب قبل ذلك ، الا لغاية مهمة ! وهي ان يسعين جاهدات ، في أن يدرأن عن أنفسهن حالات فقدان الوعي ، والوقوع تحت طائلة الشراب ، وعلى أقل التقادير في تلك الليلة فقط ! أما أنهن لم يعمدن الى تناوله بعد ذلك . .

    فما كان يمكن ان يُعزى‏ وبنظري ، الا الى أنهنّ كنّ في شغل شاغل عن مثله.. فلم تتسنّ لهن الفرصة ، كيما يبلّوا أجوافهم بشي‏ء من تلك الاشربة !

    

( 133 )



عندها تساءل :

    ـ  ولِمَ لم يفطنّ الى ان ما حصل لازواجهن كان يمثل امرا غير طبيعي.. فمن يعبّ الكثير من المشروبات الروحية ، فانه يسكر ويفقد وعيه ، ولا يخلد الى النوم بهذه السهولة ، الا اذا كان منهكا قد أعياه الارق!

    متابعة في الكلام ومن دون انقطاع :

    ـ  أو كان مرهقا بفعل الاجهاد والسهر نفسه. وحسب اعتقادي ، فانهن كنّ قد ظننّ فيهم الاعياء والتعب ، حتى اجتمع الى جانب كل هذا تجرّعهم المفرط لكل تلك القناني والزجاجات ، فكان ان يُذهب بال النساء الى تنفيذ خططهن ، دون السماح لانفسهن بتفسير ما يحدث ، والسعي للعثور على تبرير مفيد وجواب مقنع لمثل هذه الغرائب الحاصلة. . ولو تمهلن قليلا ، فلربما كان لهنّ ان يكتشفن سرّ خطتي ومهمتي.



يتبع  في الجزء الثاني من الرواية

View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: