رسالة مفتوحة الى وزراء الثقافة العرب

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الى وزراء الثقافة العرب

سيادة وزير الثقافة المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد ،

اني الكاتب القصصي والروائي جمال السائح ، أتوجه اليكم بمزيد من الشكر والتقدير لقاء منحكم اياي مثل هذه الفرصة، وانه ليسعدني أن أتجاذب أطراف الحديث مع فخامتكم ، إذ ان تعاطى هموم الادب في عالمنا البشري اليوم لا سيما العربي منه  أصبح من يوميات الاديب المعاصرة . .

سوف يكون حديثي مفتوحا ، لا يروم الاقتضاب ولا الاسهاب ، بل يقع بين هذا وهذا . . لأني لا اريد أن استخلص ، فلربما يفوتني شيء مما أحسبه على ضرورة المقال ، ولا اريد ان اطيل، بحيث أبتعد عن صلب الموضوع ، فيفقد الكلام أهميته ودقته . .

أما عن نفسي ، فاني ازاول الكتابة في الادب القصصي والروائي ، وعلى الخصوص أدب الرواية القصيرة ، باعتبار ان مشاريعي القصصية التي وضعت لها ما يقرب من الألف فكرة ، كنتُ حدّدت فيها الشكل العام للبناء القصصي ، وهو الصيغة الاولية التي تنطلق من عندها أحداث كلٍّ منها على حدة . .

ومن البديهي ، الذي لا يمكنه ان يغرب عن بالكم ، ان مثل هذا الحجم من الافكار ، هو ليحتاج الى ذهنية تتمتع بهدوء نسبي ـ في اقل التقادير، وامكانية تفحص دقيقة ، وسرعة في معالجة التقنية التي تمرر عواملها في جزئيات الحدث ، وبراعة متمرسة في رسم الحركة المتداخلة للشخصيات في عمق الاشياء التي تتحدث عنها مفارقات الحكاية . .

هذا ، اضافة الى تنوع في المنهجية العامة للاسلوب القصصي ، والذي له ان يفرض عناوينه العامة والتفصيلية على اجواء الحدث العام والتي لها أن تتوزع على جملة القنوات المتصلة بمصادر الحبكة الموضوعية ، والمكونة بدورها لمجمل الدِّلالات الحَدَثية ، ومن ثم صياغة محددة ربما تنأى بعناصر القصة ، او تقترب بها من طبيعة الصراع المفترض حدوثه ، في سلسلة من المقاطع المقننة بمناخات الحدث او أجواء الحركة المترادفة بفعل ذلك الضخ الزمكاني ، والذي له ان يدعم الشخصيات او يعمل على افراغها من محتواها ، فيما لو لم يتيسر للكاتب السيطرة على تحركاتها النوعية ، حتى لينتج عن ايجابية تلك الصناعة وضوح في الفكرة ، وصلابة في المنهجية المتبعة لصياغة العمل ، فضلا عن وثبة في مجال الوصف والنقلات الواعية لطبيعة الجمل المنتقاة في مثل الظروف التي تتلبس معاني القصة ، في ظل جملة من أسباب تعمل ما بوسعها ، للحيلولة دون وقوع أي اتصال مدمّج ، يستطيع أن يمزج ما بين الدلالات اللغوية والاشارات الرمزية ، بشكل يفقد معه القارئ حرية الحركة داخل النص ، بعد ان كان فقدها المبدع نفسه ، من دون ان يشعر بأنه اضاع عنصرا وجيها ، بامكانه ان يلعب دوره النزيه في ترتيب حلقات المعالجة النصية لنفس الحدث . .

كل هذا ليحدث ، ومن دون ان يعي ـ في الوقت ذاته ـ انه كان قد تخلى عنها عنوة ، وربما تحت ضغط سحابة من السرديات ، التي كانت أشغلته عن بناء الاشكال الرمزية وتوزيعها بالكامل . . وتنويع ملامحها الذاتية والموضوعية بصورة شيئية ، لها أن تتداخل بدواعي ظنية ، وعلى حساب التلميحات التي تقرب من المفاهيم الادراكية . فتتعاطى صناعة الابعاد الحسية والمعنوية المؤثرة في قلب الحدث ، الذي  يمكنه ان يتفاعل مع العناصر السردية السابقة واللاحقة، كي يتم التعاون المنهجي من أجل صياغة حالة خاصة من السرد ، لا يكاد يشعر معها المتلقي الا بما يوحي له بالخمول ، عبر فرض صيغة عليه، تتصف بالتقاعس ، ولا تثمر الا التشاغل بما يمكن له ان يستاقه ، الى حيث لا يريد ان يرحل هو وبأفكاره . .

يعني ان لا يصبح معها القارئ نفسه ، دخيلا على الحدث الذي كان يتابع وقائعه ، او بالعكس تماما . . في حالة ربما يفقد معها السيطرة على جزئيات الحدث ، وحوار الشخصيات التي لها ان تتداخل هي الاخرى ، إن لم نقل تتصارع ، دون معنى ، يمكن ان يزرعه المبدع في عقلية القارئ نفسه، والذي كان تركه على قارعة احدى المفارقات التي زجّته في عمق سرادقها بحثا عن اشياء لا تجدي . .

حتى اذا أفاق معها هذا ، كان له ان يتذكر بأنه أهدر الكثير من وقته في التفتيش عن صور ، هي غير متوافرة اصلا في عنصر الحدث ولا في زمانيات الموقع التي كان للمبدع ان يضخها في نفسيته ، من دون فهم لطبيعة المجريات التي استأخذت بمادة الحكاية ذاتها ، وذلك كله له ان يجري، والوعي الذاتي للقارئ هو في غيبوبة قسرية ، انقطع معها عن مساحة الواقع الخارجي ونطاقات مناخية كان أحرى بالكاتب لو يتجنب إقحامها او على اقل التقادير أن يتجنب الاسهاب في ارسال ظلالها وإسقاط شعاعاتها ، بل وفي إرخاء سياقاتها غير المجدية ، في طريق قراءة المتلقي الذاهب على رسله . .

حتى كان قد اصبح هذا المُخاطَب ، هو الذي يحاول ان يدفع بعجلة الحكاية الى النهاية ، بينما الحقيقة تفرض نفسها بصورة عكسية تماما ، لأن المنتج القصصي هو المكلف باختيار طبيعة السياق ، وبالتالي اختياره لنهاية يمكن ان تتسع لها سلسلة الاحداث المتتابعة  في داخل نسيج الحدث العام للقصة نفسها ، والتي يتولاها بناء ينبغي ان يفعم بسياقات متتالية ، كي لا تشذ الاحداث عن طبيعة النص ومحتوى الدلالات اللغوية لا سيما ما يقع منه في حيز المضمون الفعلي لاساسيات المعنى والفكرة قياسا الى متطلبات الاجواء العامة للقصة ، والتي تحرص على ان تحفظ الصراع القصصي . . في اطارٍ من الجدل المدعم ، بتقنية الحوار المنبعث بين طيات المعالم الحدثية كافة  .

كل هذا ، هو بميسوره أن يحيل القارئ إما الى دوامة يتوه فيها ، او وضوح من دون طائل يعني بجدواه ، فيخلو فيه المعنى تباعا من سلطة الرمز المطاطية ، والتي تتقلب في خضم مناعة حيوية ، لها تضفي على جملة المستوى الكلي للحكاية خصوبة متينة ، تعلو فوق الحدث نفسه ، لتتعالى عليه بالتالي في اطار يتفق مع بنائه النصّي وفقرات العبارات التي تتسع لمختلف الجمل ، حتى ينقلب ولربما الى سطحية تغلب على الخطاب ، وضبابية تعلن عن تساقط جملها ، بسبب تلقيحها قبل موسم تكاثرها !

مما يضطر هذا كله ، بالمتلقي الى الاسراع في متابعة الاحداث ، بعد محاولة إفراغ عناصرها ـ ومن قبل صانع النص نفسه ، من أهم السياسات التي يفترض به ان يقسو ، ومن خلالها على ذهنية القارئ ، كي يستأخذه بتقنية الابداع الذي توصل اليه ، عبر خصائص نتاجه الادبي (باعتباره هو المبدع) . .

ولا يريحه ! إلا بعد ان يشعره بلذة المتعة الحاصلة ، نتيجة متابعته لسلسلة الوقائع التي تتضمنها احداث القصة . . من حيث الاسترسال مع الحدث ، ومن دون ملالة ، او انعاش لرتابة كانت قضت منذ زمان . . حتى يترتب عليه تشريد قسري لموهبة المتلقي في حريته لانتقاء صور الجمالية ومعاني الاثارة التي ينبغي ان تثري العمل القصصي ، وبالشكل الذي تتوزع معه على ضوء الاحداث المتراكمة، وفي مختلف الاصعدة . .

وبالتالي ستعمل على اثارة روح المتعة في نفسه ، ونفث نفحة من القناعة الذاتية بما انطوى عليه المثال من فكر مجد ، ومشاهد ترقى حتى الى  مكانة تؤهلها لان تشبع الاغراض النفسية بالحس المسلّي كذلك ، زائداً عليه المعنى الذي لا ينتهي الا عند ابتداء رقعة الترف الفكري . . بإقحامٍ لأساليب تبعث الملل في قالِب الحكاية ، المثقل بأركانه جميعها (والتي بدلا من ان تنوء هي بثقله ، يصبح قالب الحكاية هو الذي ينوء بعبأها ، وهذا ما يثير الجدل) . .  ومن قبل ان تبعثها في نفس الاخر .



سيدي معالي الوزير

ان الادب في عالم اليوم ، يتجه وبشكل لا ارادي نحو السعي لتأصيل حالة من الطواعية لكل الاداب ، وهذا ما اراه يندرج في صيغ الاحساس الفطري الموحد من حيث ان طبيعة الاشياء يجب ان تأخذ دورها المتفاعل في كل الادوار رغما عن ارادة الازمنة المندحرة بفعل الانطوائية والتشدد الفكري والتحجر في قراءة الدين والوقوف على تفسير محدد ، يلائم الذوق التقليدي والذي لا يفهم سوى لغة الانغماس في الذات التأريخية للاسلاف دون الاخرين ، كما لو كان الزمان لا يتحرك الا بفعل نوابض علقت اطرافها في غابر السنين مما أدى بالمفكرين لا سيما النخبة الى التحرك صوب الثورة الفكرية ومن ثم تعاقبت السنون حتى ولدت الحداثة وما بعدها . .

ولكن من المؤسف انه اليوم وحينما يتحرك المبدع في داخل حدوده الانسانية ،  نجد ان كثيرا مما حولنا يؤلب الرأي العام التقليدي الذي يجتر عوامله من توريخ العصر الحاضر ، يعني عكس عصرنة التأريخ ، مستغلا عظم العلاقة المتأصلة ما بين الانسان وتأريخه الديني، كي يطرق عليه لعنته كلما تهدد الابداع افكاره المهترئة والتي ما عاد يقوى على تسويقها ، الا في عالم هؤلاء من الذين ظلوا يتباكون على ايام عصور مضت ، ونسوا ما ذكِّروا به من ضرورات العصر التي يجب ان يذرفوا الدموع عليها خوف الفوت ، لأن عجلة الزمان تتحرك اسرع من ذي قبل ، وقاطرتها تقطع المسافات التي تربط ما بين السنون ، بسرعة تعادل عشرات الكيلومترات ، حتى غمرتهم خيوط العناكب واستأسدت من حولهم كل المتغيرات التي شعروا معها بأن لها ان تنهي احلامهم القديمة وأوهامهم المغبرة  ، بعد ان تأكّد لهم ان رؤوسهم قد خوت الا من موروثهم الممزق . .

فلم يعد معهم من زاد سواه ، فعرجوا عليه بعدها ، يجترون منه ما يشاؤون تمثلا ببعير الصحراء . . ومن ثم يقطعون المسافات تلو المسافات ، ويعودون يجترونه نفسه ، لكنهم نسوا ان البعير يتزود ثانية بعد خواء معدته السفرية ومن جديد ، فواصلوا الاجترار ، ولقد اصبح موروثهم التأريخي اصفرا يشبه القئ ، لا يهضمه اسد ولا يلعقه كلب ! بل ولا تستسيغه حتى جرذان الصحراء التي تتغذى على أوصال الجثث الفاسدة . . فضلا عن انهم نسوا ان البعير هو غالبا ما يفعّل نشاط تلك المعدة في السفر وحده ! لكنهم كانوا يفعّلون نشاطاتهم تلك في كل الاوقات ، في الحضر والبدو !

ولقد غدوا بعدها يتغذون على فيلم واحد ، وسيناريو واحد ، وممثلين هم ذاتهم على طول الطريق . . يقوم عمل كل هذا الفريق على ذات النص الواحد .  وغاب عنهم حركة الزمان من حولهم ، وكيف ان الانسان هو رأس عجلة التأريخ ، وهو رأس الهرم في قمة التغيير ، لأن الزمان ما كان الا هو ، وإلا فان الزمان عنصر مجرد يفقد محتواه طالما فقد الانسان محتواه . لذا ، كانوا هم قد فقدوا كل محتواهم الايديولوجي ، لانهم ما زالوا يتقلبون في وحي تلك الايام الخالية ، بينما الانسان العصري والذي كان قد دفع بعجلة الزمان الى أمام حتى استطاع ان يغيّره تدريجيا ، من دون ان يؤثر على الثوابت التي تقوم عليها اسس الحياة والبعث . .

بينما انقلبوا يتهمون التجديد باعتباره ثورة على الزمان ، لأنهم لم يعوا حقيقة ذواتهم التي أبقت على البقرة حية ، فغاب عنهم طعم لحمها ، ونكهة مذاقها ، لأنهم كانوا وقعوا في عبادتها . . كذلك تأريخهم ، فبدلا من ان يعملوا على تطوير نسل الابقار، ويتركوا البشرية تتغذى من لحومها وألبانها ، عمدوا الى السجود لها كما عمدوا الى السجود الى التأريخ نفسه ، حتى احالوه الى القدسية بكل ما ورثوه عنه من أسمال وآثار . . وتردّوا في حفرته يبحثون عن نعل لأحد القادة القدماء ، كي ينعموا بالنظر اليه والبحث في آلية عمله . .

فهؤلاء بدلا من ان يستغلوا التأريخ ويدفعوا به الى امام ، وفق حركة ذكية ، عملوا على عبادته وتقديس كل مفرداته ، وتأليه كل أفراده ، والانكباب على كل يومياته . . حتى غدوا كمن ظل ذهنه يعيش على فيلم واحد وبالاسود والابيض ، ويتغذى عليه ويستلهم منه أفكاره . . بينما كانت ولمّا تزل استوديوهات السينما من العالمية من حولهم تتسابق في التنافس على انتاج احدث الافلام، واكثرها متعة واثارة ، واغزرها معاني ورموز ، وأبعدها غورا في رسم الملامح وتصوير معاني الوعي الانساني الحديث والقديم معا ! وأمعنها بساطة في العرض ، وصولا الى التلاعب بثوابت نفس التقنية والفنية التي ما عادت تقنية الامس وفنية الماضي في عالم السينما هي الاخرى بالتي تنفع . .

بينما ما كانوا يلمسون في فيلمهم هم الا الاصالة التي نسوا انها ما كانت تمثل الا فترة من الزمان ، ونقطة انطلاقة لمرحلة اخرى تأتي لاحقا ، ليتوالد الزمن ثانية ، ويستمر التواصل والعطاء ، فيتلاحق التعاطي مع دورات العقل والموهبة ، التي تجعل من الزمان يكبر ، ولا تعود تتعامل معه كما لو كان طفلا يرضع ، او صغيرا يحبو ، وعمره قد ناهز الثلاثين !

هكذا قتل الفكر المريض زماننا الذي نعيش فيه ، وهكذا منع الفكر العليل كل ما يدعو الى تغذية الزمان بسنين جديدة ، ليس الغرض منها ان تدفع بعمره الى امام وتتركه يتقدم ، بل الغرض الاساس منها ان تحقنه بحقنات حضارية ، تعمل على تغذيته ثقافيا وخلقيا ، بحيث تواصل الضخ في وعيه وبشكل انسيابي متوازن متعادل، لا  يحمله على التضور من الجوع ، ولا الاصابة بالبدنة من كثرة الافراط في تناول الطعام !

بينما ظلوا يعلنون ان تأريخا كان يمثل نقلة حضارية ، نبذت فيه الانسانية كل اوثان الجاهلية وأرجاس ما باد من العهود التي خلّفتها وراءها . . لكنهم حين يصطدمون بحركة التأريخ وضرورات العصرنة ، وفوائد التجديد ، وبوادر الحضارة ، فضلا عن حاجة الانسان الى ما يؤهله ويؤهل ابناءه الى العيش وفق هذا العالم المفتوح الذي يحيط به من كل جانب ، وترغمه تقنياته على الانغمار فيها ، والتجانس معها ، وبشكل يدفع بقدرته العقلية والعملية ـ التي لا تقل عن قدرة الاخرـ  على التواصل مع مفرداتها اليومية ، ومستقبلها الذي غدا هو الاخر مستقبله ، وبالصورة التي تحفظ استقلاليته وقوة تفاعله الفكري في الوقت نفسه . . فحين يصطدمون

كي ينتج ، ويعمل على تنمية مواهبه ، فيتوفر له الهدوء الفكري ، كي يقدح زناد عقله ، ويشتغل بأفكاره ، ويعود ليفكر ويتأمل ، من دون ان يقض مضجعه صوت يعرفه جيدا ، لكنه ينبعث اليه من دهاليز التأريخ المظلمة وأتون النيران التي كان أطفأها العصر الحديث حينما دفع بالتيار الكهربائي بدلا من ايقاد شعلة من نار ، حتى ترك الزمانَ يرتاح ويستأنس بمثل هذا الفكر، وترك الحضارة تستعيد عافيتها مع استعادة عافية العقل ، بفعل توافر كل هذه الامكانيات العصرية التي لها ان تدفع بسرعة التلقي والإنماء الى اسرع مما يتصوره العقل بفعل وحي الآلة وعمل الالكترونات بشكل لا يتعارض مع قيمة الانسان الخلقية . . والتي لا ينكرها جميعها هؤلاء الذين يعيشون في هذا العصر ، وأفكارهم قد ظلت تقتعد لها مكانا في رحم التأريخ ، وهي لما تزل تغتذي من ضرعه . . حيث تراهم ينحون باللائمة الشرعية على كل ما اسمه حضارة وحداثة تسعى سعيها في الاشياء . . مع انهم بقوا على قيد الحياة بفعل أنفاسها الطبيعية والصناعية . .

وما يعلمون انهم ، وحينما عمدوا الى حرب الحضارة ، ما كانوا الا قد نفو عناصر الحضارة وبأشكالها المختلفة ، حتى انعكس ذلك على نفيهم للانسان الذي ما كانت للحضارة ان يقوم لها قيام، الا بفعل جهده الانساني والعقلي والفكري والعلمي والعملي . . ومن ثم كان نفيهم لأنفسهم ، لأنهم حين نفوا الانسان كانوا قد نفوا في نفس الوقت انفسهم . . لأن رفض الحضارة لا يسعه الا ان يلحق الرفض بأسباب الوجود التي ما كانت الحضارة ، الا وليدة صنعه ووليدة حاجته ، فما كانت لتكون الا به ولأجله أساسا .

لكنهم حينما لا يرون الا انفسهم ، سيكون تفسيرهم للايديولوجية الحضارية ينحصر في وجودهم انفسهم ، وفي قراءاتهم الذاتية للاشياء من حولهم ، وفي الصور التي يزرعونها في كل مكان كالالغام المميتة والقاذفة بروع الانسان قبل ان تذهب بأوصاله وتعمل على تشتيتها كما تعمل على تشتيت افكاره وبعثرتها كما لو كانت تبعثر حطاما او حتى قمحا وشعيرا ، وما درت عقولهم انهم يبعثرون كيانات انسانية صنعها الله في طرفة عين كانت عندنا تعدل خمسين الف سنة ، يعرج فيها الملائكة والروح اليه . . وبذلك كان لهم ان يقتلوا الانسان، ويحصدوا ثمن انتاجه ، وريع أفكاره ، بعد ان كانوا قد حظروا على عقله التجوال في الانواء والآفاق ، بعد ان منعوه من الحديث بلغته التي نشأ عليها بحجة انها تزيده ولعا بتدوين الافكار وتسجيل الخواطر التي كان اُغرِم بها ومنذ الصغر !

حتى كانوا قد قطعوا عليه السبيل بينه ، وبين المستقبل كي لا يكويهم بنار الفكر المتوهجة طالما هو في حركة افقية وعامودية باتجاه الامل الذي ينعش أفكاره ويغذي أحلامه . . تلك التي كانوا قد فكروا بها هي الاخرى وعمدوا الى محاولات طائشة لاغتيالها ، لكنهم لما باؤوا بالفشل الذريع ، اقنعوا انفسهم بأنها اشياء لا ترى ولا تسمع الا تحت طائلة النوم ، واذن فهي اشياء لا جدوى منها ولا جدوى من التفكير بالقضاء عليها لأنها منعدمة وما كان منعدما لا ينبغي الاهتمام باعدامه وخنق انفاسه . .

لكنه فاتهم ان الاحلام تتجسد ، وانها واقع فكري مستقل بحد ذاته ، وانها تتفاعل مع الرؤى العقلية ، لتصبح حلما يعيش صورة واقعية تتنفس رعشات المرح والجد معا ! كي يستثمر كل الوقت ، وينضح بعرق الحب والوئام ، من أجل ان تصل القوافل الى المدى صوب الافاق ، حينما يتم الانتهاء من تعبيد الطريق امام الاجيال التي تأتي من وراء المفكر والمبدع ، كي يبدأوا هم وبأنفسهم بعدها مرحلة جديدة في الإنماء والتعبيد !

ولقد كان همهم ان يدَعوه يقطع المسافات على ظهر الجمال والبغال كي يتمثل التأريخ بأصدق معانيه ، بينما كان لهم ان يمتطون ظهور احدث الطائرات للتنقل بين اقصر المسافات . .  وتراهم يرددون : سُبحان الذي سخّر لنا هذا ، وما كُنّا له مُقرنين ! غير انهم نسوا انهم كان عليهم ان يقولوا : وما كُنا مقرّنين إلا بأصفادنا التي تركنا حلقاتها تنمو ويتزايد ضغطها حتى تعاظمت وألقت بثقلها على انفاسنا وصهرت عقولنا بعد ان كانت قد صهرت افكارنا ، وتركتها تتأرجح بين خمائل ، كانت اجسادنا قد تعلقت بأغصانها . . فما كنا نعلم اننا قد متنا منذ زمن ولم يبق منّا سوى تذكار ظل يثير الانانية في النفوس ، والنعرات في القلوب، وكل المشاعر الهجينة الرمادية التي ظللنا ننثرها في العيون كما يُذّرّ الرماد في العيون .

* * *

وخلاصة الكلام . . فإن البشر سواسية امام الله ، وما كان الادب الا ليوحد النفوس جميعا كما يوحدها العلم ، لأننا نقرأ لفكتور هيجو ونثني على كامو ونشيد بفكر البرتومورافيا ، وادغار آلان بو ، وهنري جيمس و . .  بينما يُقرؤنا الغرب السلام ، فيحيّي فينا صالح مرسي ونجيب محفوظ ! ويغمر الاخير بتحفة نوبل للسلام . .  ويبارك بجهود أحلام مستغانمي وفؤاد التكرلي ونزار قباني وغسان كنفاني وحنا مينا وفؤاد التكرلي ونازك الملائكة والفيتوري وسعدي يوسف ، كما ينادي بذكرى أيام طه حسين وروح توفيق الحكيم وأمطار بدر شاكر السياب وأبي القاسم الشابي وفدوى طوقان وأحمد شوقي وإيليا ابو ماضي . . بينما بريطانيا ما تزال تذكر الجواهري وبلند الحيدري ، وكم بقيت فرنسا تنشد عبقات ، كان تركها هناك الشاعر الراحل عبدالوهاب البياتي . .

وصناعة العلم تتلاقح بين البلدان ، وحركة التصدير والاستيراد ، هي الاخرى تتناسل بفعل الحاجة الى البضاعة وتسويقها في نفس الوقت ، والعوَز الى المال واستثمارها كذلك . .

أما في كل هذا آيات للمؤمنين ، أمَا في كل هذا آيات ، لِمَن كان له عقل وألقى السمع وهو شهيد ، بل لكل لبيب وعاقل ، ولكل ذي فكر وتمحيص !

فما كان للمسيحي واليهودي والمسلم الا ليأتي الله فردا ، لا يمجده ثمّتَ الا عمله الصالح ، وعندئذ كان لمنكر ونكير ان يكتبوا على اضبارته من يكون هو ؟ والى اي اعتقاد ينتمي ! وليس بوسع احد ان يحدد هويته المستقبلية في عالم الاخرة الا بفعل عمله واجتهاده في خلقه وانسانيته وجهده ! ليس إلا !

فلربما يموت المرء مسلما ويحشر مسيحيا ، ويموت يهوديا ويحشر مسلما ! والدين كله عند الله واحد سواء كان ما تعورف عليه في الارض بالمسيحية او اليهودية او الاسلام ، لِما كان عليه افرادها من تصور عن طبيعة كينونة الاله والايمان بوجوده ، ولكن قل كلٌّ يعمل على شاكلته ! فما يبقى من هذه الدلالات الا عمل الانسان ، فهو تأشيرة دخوله ، إما الى بلدة الجحيم او الى بلدة النعيم ، او يظل هكذا في فندق الترانزيت ، فوق الاعراف حتى يحكم الله بأمره بعد ان ينظر في شأنه !  

سيدي فخامة الوزير

لذلك ما كان ان يبقى الا وجه الله ، لكن ربي ورب آبائي الاولين آثر على نفسه الا ان يبقى معه الانسان ، فيخلده في الدارين ! يتركه يناشده ويناجيه ، ويستمع الى لحن وجده ، ونغمة كربه، لكنه لا يقتر عليه من رحمته ، فيثلج صدره بين الفينة والاخرى . .

لذا ، فان جنس الانسان ما كان الا مكرما ، ومن ثقل طائلة هذه الكرامة انها لو توزن بحرمة الكعبة واستباحتها ـ على سبيل الفرض ـ ما كان الا لكرامة المؤمن ان ترجح ، فحظر اهانة الانسان، ومسّه بالتجريح القولي والفعلي ، وترك لنا منطقاً نتناطق به ، ونتثاقف من خلاله !

وكما لحرمة القول والفعل مثابة ، فان للجسد صولة ، يمكن من خلالها ان يعبر الافاق كي تسهم الجوارح والاعضاء والحواس في انتصار مظلوم ! او يعبر افاق اللذة كي يعيش اللحظة التي تصله باللحظة التي تليها ، ويظل في اثرها باقيا على قيد الحياة ، كي ينعم اكثر بنعمة الوجود التي تدفع عنه نقمة العدم ، بعد أن كان الله قد أرادها له ، ماثلة له وللعيان ، طيلة حركة التأريخ وعودة الزمان ! حينما يأتي الله ينقص الارض من اطرافها كما لو كان لها ان تلد اليوم !

* * *

وكانت رحلتى عبر الايام ، وفي خلال قوارب الادب ، حيث دفء الشتاء فيه ، وارتعاشة الخريف (كما يحكي لغة المطر : مجدد الشعر العربي ـ بدر شاكر السياب) .

ولكن ظل للجسد كل الوحي في ذاكرتي الادبية ، حتى كنت متأثرا ولا زلت بأدب البرتومورافيا الذي كان فيه السياق اللغوي يحاكي لغة الجسد التي كان يعيشها هو في أغلب اللحظات حتى بعد أن تقدم به العمر ! لكني كنت وما زلت اعنون الجسد تحت عناوين شتى ، خدمة للاغراض الثقافية المتنوعة ، وذلك انطلاقا من حرصى على القيام بمسؤوليتي تجاه الاجيال خير قيام، واهتمامي بالتعاطي مع صورة الجسد التكوينية بكل شفافية متزنة ، يمكنها ان تتعامل مع ما يحيط بها من معادلات ، كما هو يمكنها وفي الوقت ذاته ان تتداخل مع الملامح والتفاصيل بشكل لا يدعو الى الرثاء ، ولا الى الجنوح !

همومي يمكنها ان تتقاطع وتتشابك غصونا وأفانينا ، خيوطا وشباكا . . بحيث لا تنتهي عند مشارف قصة ورواية قصيرة ، أو جدران رواية طويلة ، او حتى الربوع الشاسعة في قصة طويلة . بل ، انها لتتضارب في وحي تسجيلي ، بامكانه ان يمهد قلمي للتسابق مع الزمن ، لينعطف به في رحلة قصية ، كما نفعل بعض المرات حينما نمتطي السلم المتحرك ، ومع ذلك نتسابق في الصعود فوق نفس الدرج الذي يرحل بنا الى اعلى ، او ينحدر بنا نحو الاسفل !

يطربني الحب ، وينثال في قلمي لونه ، ويصبغنى في الغالب بورديته ، حتى يثيرني بكل ملامحه التي لها ان تتجسد في المرأة كما قال عنوان فلم المخرج الفرنسي روجيه فاديم (وخلق الله المرأة) لانها ابدع مخلوق وأجمل موجود ، كانت جسدت صفاته المثيرة في وقتها الممثلة الفرنسية بريجيت باردو !

ولكن ! لو فقد الانسان غريزته الجنسية ، هل كان يفكر بالمرأة وحب المرأة وغرامه بها ، فيظل يحكي قصص عشقه ، وتواريخ لقاءاته ، ومواعيد قبلاته ! وهل كان للانسان ان يكتفي بالحب ، بدلا من ان يقتات جسده على بالجنس . .  لكني اقول ان الغرام يبقى ! والهوى لا يزول ! لكن فعل الانسان للحب مع من يحب ، يستحوذ على حرارة بالغة ، ومتعة صارخة !

لا اريد الخوض معكم سيادة الوزير في مناقشة بهذا الخصوص ، ولكن لغتي القصصية والروائية لتأبى ان تتحرك الا وفقا لمثل هذه الضوابط الالهية ! لأن شرح الجنس وحكايته ، يمثل لغة ادبية ، تمتلك ابعادا تأريخية فكرية . . تنتوي منهجها في كل البساتين النفسية . .  لأننا نحب الجنس ويأبى عرفنا الحديث فيه . ولكن ما ضر ان ننطق به ، ونعرب عن مشاعرنا تجاهه ، ونعيش الحب ، كي يحيا الحب فينا ، لأن التفاؤل بالخير هو غالبا ما يأتي بالخير !

ولا اريد الاطالة ، ذلك ان الجسد لا يخيف ، لكن الذي يذهل من الرعب هو نفس الانسان الذي يتوارى خلفه ! نريد ان نغذي الاجيال على احترام الجنس ، والكلام في الجنس ، ونقيم العلوم كي نثقف اولادنا جنسيا ، من دون ان تثيرهم هذه اللفظة ، ومن دون استفزازهم ، وذلك عبر التلقين الخلقي الذي له أن يبعث الوازع الانساني في ذات الشخص ، وبالتالي العمل على صقل الفكرة في ذهنية الانسان ، ومحاولة التعريف بجزئيات مخاطر المسألة التي تحتمل السلبيات الخطيرة ايضا ، الى جانب الايجابيات التي تحمل بين مطاويها . .  

هذا كله ، له ان يجري لاحقا ، يعني بعد أن نكون أسّسنا قاعدة قانونية متأصلة في النقاء ، تمنح كل الحريات ، وتمنع كل التجاوزات ـ في الوقت ذاته . . وذلك ، بفعل توفير سياسة القصاص الالهي في التصدي للمغرضين والمحاربين لكل عناوين وتفاصيل الحضارة وبكل ابعادها ، والتي يشكل الانسان وحريته الجزء الاساس فيها، كما يشكل ممارسته لانواع حرياته هو الاخر بعدا عمليا لها . .

بينما أن تلك القوانين القصَاصية ، ما كان لها ان تكون الا متناسبة وبشكل محكم قويم ، يتقاسم حاله طرفا الحياة . . مجمل الظرف الزمكاني للتأريخ المعاصر الذي نعيش أيامه  ونحيا ساعاته . وإلا ، فلو لم يكن ثمة قانون يمنع التجاوز ، لما كان ان نعدم حدوث الانحطاط الخلقي والتلقائي في المجتمع .

فإن تجولت امراة بثوب معين ، أو برداء يحمل خصوصيات معينة ، او حتى (من غير هدوم ـ بالنسبة للمرأة ـ كما يعلق عادل امام) فليس لأحد ان يهضمها بعينيه ، تمهيدا للاعتداء عليها ، بجريمة اغتصاب ، او بفعل الثأر للتأريخ . . لأنها ما كانت تتحرك الا في دائرة حريتها التي تتعلق بها ، وما كان ليكون فعل ذلك الشخص الا تجاوزا على اطر حريتها ونطاقاتها التي تمارسها . وليس لأحد ان يهاجمها تحت طائلة التذرع بأعذار واهية من قبيل انها تثير الوساوس الشيطانية في رأسي ، او انها تستفز مشاعري الدينية .  لأن الدين لا يُغلَب ، ولكن العرف هو المغلوب ، ذلك ان الاخير له اصابع خفية ، باتت تحرك فينا كل مشاعر الغليان الكاذبة . . فلو عفونا عن غلوائنا المخادعة وعصبيتنا المتحايلة . . عصبية الجاهلية الاولى . .  لكان لنا ان نأكل من فوق أيدينا ومن تحتها . .

فالغرب تجاوز هذه الحدود ــ ولو كان له ان يعاني منها بالشكل النسبي ــ لأنه تجاوز سياسة فرض الحصار عليها ، وما تجاوز حرية التفكير بها والتأمل على سبيل تحديث ابعادها ، وتنويع مجالات التخطيط لها ، بما يخدم حرية الفرد التي لا تتعارض ابدا مع حرية المجتمع ، وبكل توجهاته . . لان نفس المعترض كان له ان يدين نفسه وبنفسه من حيث انه وحينما يعترض على مثل هذه الحريات ، فانه كان قد ابدى التعبير عن حريته ، وتمثل لونا من الوان الديمقراطية كان اختصه لنفسه واحتكره لديها ، بعد ان حرم غيره منه حينما صادره بنفس حريته . .

واذن ، فاليوم نحيا صراع الحريات . . حريات تتنافس مع بعضها . .  لكن للاسف قلبها البعض الى صراع الحريات من اجل البقاء، فالحرية التي يفرضها من يتنفذ هي التي تحيا ويظل لها حسن البقاء ، كما الشيطان يفعل مع احمد مطر حينما يقول لأذنابه ما معناه : ما عاد لي مكان ، انتم ستلعبون دوري !

بينما اتذكر كلاماً للاديب والكاتب الروائي السوري نهاد سيريس ، حينما حاورَته مجلة الرجل اللندنية ، في جواب على سؤال كانت توجهت به المجلة اليه وهو :

متى تثور عواطفك وتهب رياح غضبك ؟ !

فيجيب قائلا :

عندما أرى كيف ان العنف يستشري بيننا ، وكيف ان الحب يتوارى. أيضاً وأنا أشاهد فيلماً على احدى المحطات الفضائية حيث يعرضون أشد المشاهد عنفاً بينما يحذفون قبلة. أيضاً حينما يرتدي الذئب لبوس البراءة ويقوم بتجريم ضحيته.

سيدي الوزير :

ليس بيننا عقدة تعيش من نفسها ، بل اننا في اغلب الاحيان نخلق عقد متعددة كان اشهرها العقدة الجنسية ، اوجدناها باسم الدين الذي ما بعث الله برسوله (ص) حامل شعلة رسالته الا بنعمة التنظيم لكل امور الحياة والعيش الكريم ! ولكننا صرنا نتأول ونقول بالنيابة ونخطط للدين باسم التفسير ونرسم المستقبل وفق قراءتنا للرواية والحديث التأريخيين . . وفاتنا ان الاسلام محفوظ من البارئ بحفظ الله تعالى لقرآنه وهو الذي يمثل وسطوته على البشرية وحتى قيام يوم الدين !

خلقنا العقدة ، كما يوجد المتلاعبون الاذكياء فيروسات مخربة تعمل على تعطيل أجهزة الحاسوب الالى ، وكما ينتج المخربون موادا جرثومية كي يصيبوا بها الخلق ، من عباد الرحمن ، ويورثونهم مئات العقد التي لا ينتهي مسلسل الخوف منها !  فأصبحنا منتجين لخطط هدّامة ، من شأنها ان تستبيح الكائنات أجمع ، فتأتي على الاخضر واليابس . كما يفعل نار الثأر فعله في الهشيم، وكما تصنعه العادات القبلية والاعراف العشائرية الخاطئة . .

واذن ، فما الذي يغلي في صدورنا ؟ انه لا يعدو كبرياءنا ، نحن أنفسنا لا غير ! نحن الذين صرنا نقف من الله موقف الندّ ومن دون ان نشعر ، وما نحسب الا اننا نحسن صنعاً ، حينما نسد الطرق امام عباد الله ، ونختزل ملامح الحرية ومعاني الفكر التي تنبض بها صدورهم ، وتعتلج بها قلوبهم ! انه الرياء المكابر والعنفوان المغالي في تجريده الانسان من كل معاني الطبيعة البشرية . .  

ان الحب ليس خطيئة ! ولكن فهمنا الخاطئ له هو الجحيم بعينه ! وان الجنس ليس بجريمة ! ولكن قراءتنا العرفية له وتطبّعنا التقليدي أسهما في تجريعه كل الغصص القاتلة والجرعات المحمومة ! تحت ذريعة الشرف والغيرة والاحساس بالخطيئة وعقدة الذنب إن لم يقم برد فعله ! فينصب له الشيطان غوائل مصائده ، حينما يدعه يقترف جريمته ، ثم يعده القدر بأن لا يتركه يعيش بحرية آمنة ، ولا أن ينعم بلذة النوم ، ولا طعم الراحة ، فيحرمه من النوم بهدوء ، ويلمزه في الخلوات بعقدة تأنيب الضمير . .

لكن الشيطان تراه يتحرك في اتجاهه ثانية ، ومن جديد ! حينما يضخ في رأسه ، عقائد بالية ، وتقاليد مغرقة ـ كذبا ـ بالدينية ، فيصبح يصيخ بسمعه ، ويصغي اليه من دون اي مواربة ! فيلقنه ابليس بعد ان يكون قد أوهمه بان تأنيب الضمير هذا، ما كان له أي مبرر أو مسوّغ ! وأن ما فعله كان انتصارا للفضيلة ، وبعثا للشريعة من رقادها  ! واذن ـ ما عليه الا ان يؤصّل هذا الاعتقاد في نفوسه . . ومن بعد ، في نفوس مَن حوله ، حتى تسري العدوى ، ويتكاثر الغثيان الديني تحت عنوان اعراف وتقاليد دينية ! والدين ما كان منها الا براء ، والوحي ما كان منها الا في عزاء !

فضلا عن انه لم تتوالد بيننا مثل هذه الطواعين الا حينما كابر اعاظمنا بتأويلاتهم وتبعهم بها امة الاكبر ، وظلوا ينحتون لمثل هذه التفسيرات الخاصة في عقولهم انواعا شتى من المحاريب، وبعد ان شارفت على الانهيار ، انقلبوا يصنعون من حجارتها أصناما ، فباتت تتزايد ، وتتضاعف أعدادها ـ كلما طلع نهار وأقبل ليل ! وكلما  اشرقت شمس ، وأفل نجم !

فبتنا نحذف من قواميسنا كل ألوان الجنس ، ومصطلحاته من مفردات حياتنا ، وصيغه السينمائية خوف الرقيب الديني ، وخائنة الاعين العرفية ! كما جعلنا نفتش في الافلام عن كل نسخة اصلية للفيلم ، كي تتوفر لنا متعة المشاهدة الحقيقية للفيلم الذي كان ارتضاه نفس منتجه ومخرجه سواء القابع خلف البحار ، او هذا الذي يعيش نفس همومي الانسانية . . فتوافر الفيلم على مشهد جنسي برئ ، سيؤمّن لنا حياة رغيدة ، نتذكر عبرها كيف يمكننا ان نؤمن بضرورات الحب ومكوناته ، كيف يمكن ان ننسى غضبتنا ونتركها تتآكل امامنا، فنعيش البسمة والمتعة معا !

ولكن الرقابة ، صنعت في العالم العربي والاسلامي صنعها الاساس ، حيث وجهت الانظار ابعد مما يجب ، الى حيث جعلت من الشباب العربي يشتغل في متابعة افلام الجنس البحتة . . ذلك ان القدر المصنع محليا لم يستجب له ، ولم يلبّ متطلباته، فانقلب يهدده ضمنيا، بأنه سيلتمس الابلغ من هذه التي تحذفونها ! فكانت الازمة واحدة ، غدت ثنتين . . خاصة اذا توسمنا في حالة التعاود على التفرج على صور الجنس ، او مشاهد الجنس ، والتي يصبح الانسان اسيرا لها ، طالما كانت متوافرة بين يديه، هي ليست بذي بال . . إن كان ثمة تخطيط مسبق لتهذيب مثل تلك التطلعات الشعورية واللاشعورية ، وتشذيب مثل تلك المطامح النفسية والجمعية !

ليس هناك ما يخاف منه ، ولكن ثمة ما يخاف عليه . هذا هو الخطأ الذي وقعنا فيه ! فخلقنا ازمة بفعل الوقوع تحت ازمة اخرى ! بل صنعنا معضلات وليس جملة أزمات، وحسب ! لأن الجنس حالة قائمة بيننا ، وانه ليس بوسع مراقب ان يمنع احد وعلى الدوام من متابعة مثل تلك الاشياء التي يمكن ان توفرها اليوم اصغر التقنيات وادقها وهي الالكترونيات للاطباق الفضائية والانترنت والمطبوعات وما الى ذلك . .

ولماذا هو اللجوء دائما الى البث الخارجي للاقمار ، ونترك البث المحلي تدور رحاه حول نفس القطب القديم ! لماذا لا يحصل اكتفاء ذاتي في المحاور ذاتها التي يلجأ اليها المواطن ، كي يخفف من عبء ضغوطه النفسية ، وارهاقات المعيشة ، فيحاول ان يفتش في القنوات ، كأول ما يبحث فيها ، عن الحب ! بألوانه وصوره ! لأن اللا شعور فيه يلهب احساسه بضرورة التوجه الى تلك الشحنات الطارئة والمركومة في داخله وعقله الباطني ، كي تتنفس فيها الاشياء ، فتخفف عنه عندئذ من الوطأة الداخلية ما لها ان تطلقه من حالات كبت ، يتم معالجتها في الواقع الخارجي حين مشاهدته ، فيحرر حالات السقم التي تعيش في باطنه ، كما يحرر الطير من اقفاصها !

لكن بعد فترة ، ويا ليأسه ! يراها تعود اليه ثانية ! حينما تهب راجعة الى الاقفاص ، كما لو كانت قد اعتادت حياة القفص !  وذلك لأن المشكلة ما تزال تتحرك جزئياتها ، وما  وجده من تنفس للمتعة ، ما كان الا حبوبا او حقنات مسكنة ليس إلاّ . . ولما انتهى مفعولها ، عاد الالم الى مكانه بفعل الالتهاب الذي لم يعالج ! وعلى المستوى الواقعي ، في الحياة الخارجية في خارج المنزل ، كما هو الحال في داخل الحياة البيتية !

حتى صرنا نستورد الجنس من الخارج ، ونعمل على استحصال كل ما يمت الى الجنس من هناك ! بل انقلبنا نبتغي بلاد اوربا وارض العم توم كسلّم امان ، يتيح لنا ان نعيش بحرية كما نشاء، هربا من عسف الجهل واللا دينية أو دين الاشخاص ( وهو ما اصطلح عليه حيال الفهم الخاطئ لكل شرعة ودين) وليس دين الرب العزيز ! ثم صرنا نمارس هواية جمع تأشيرات الدخول ، او الحصول على واحدة منها . .  بدلا من هواية جمع إعلانات الافلام ، او هواية جمع الطوابع . . هربا من الوطن الام ، كي تهوي الانفس الى الجنان الموعودة . . من اجل التمتع بحرية الانسانية الطليقة من اقفاصها ، وممارسة كل ما هو محظور ممارسته تحت ضغط العصبية واللا دينية ! حتى غدا البعض ينقض دينه تحت ضغط من ردود الفعل غير الارادية ، كي   يتسلى باغاظة كل الاعراف والتقاليد ، ويتشفى بأصحابها !

كل هذا ليحدث في العالم العربي والاسلامي ! وبغض النظر عن الاسباب المعيشية الاخرى والبطالات والغلاء وقلة فرص العمل وما الى ذلك ، فان سبب الحرية غير المتكافئة مع متطلبات النفس الانسانية ، كان ولما يزل يمثل عاملا قويا ، أسهم وظل يسهم في زيادة ميول شبابنا نحو السفر الى الغرب !

فلو كان اعتاد العيش اينما حل ، ولم يجد ثمة اختلاف ، هو بامكانه ان يميز له بين المكانين ! كان له ان ينصب عرشه حيث تقوم عرائش الكروم في حاضرته او قريته ! هناك حيث لا يشعر بغربة في داخل وطنه ، وبين اهله الذين لا يجدهم ، الا غرماء مناوئين له ، في افكارهم المتضادة مع افكاره ومعتقداته التي استنتجتها تأملاته عن طريقته في العيش الهانئ ، واسلوبه في التعامل مع الحياة وشخوصها ، عبر التعاطي مع مختلف مضامينها المتشعبة وأفرادها !

* * *

اما ما يختص بي لصوقا . .  هو اني اكتب وما يزال يعيش في داخلي وعي ذاتي بحاجتي الى الكتابة ، وكان الهم في قصصي يحكي هموم الجنس والحب عبر وسائط رمزية تستشرف البعد الخيالي في اغلب الاحيان ، وتعاضد نسيج الغرائبية وما ورائيات الواقع في مضامين اخرى . . تخصصت في المرأة ، وعالجت شؤونها من حيث اقدم للجنس والحب بطريقة غير بدائية . . لأني اعتمدت التوازن بين كل عناصر الاثارة الحقيقية . .  لاني كنت اجد ان هذه العقدة هي عقدة بدائية ومنذ زمن ابينا آدم عليه السلام وقصة الشجرة وحكاية العري الرمزية ، والتي هي من جملة الاثارات الجدلية في القرآن الكريم .

كما ان تمنّع الزوجة على الزوج ، هو الاخر مشكلة ليست بالطارئة ! لكنها متأصلة في واقعنا المثقل بالجراح والمكابدات ، والمعاناة اليومية ، وضعف اسباب العيش ، والبيت الصغير ، وطائلة الانفاق على العائلة الكبيرة (والتي لا تنجو منها ايضا العائلة الصغيرة أيضاً) ، مما يضطر برب البيت الى العمل المتواصل من الصباح وحتى المساء ، او شيئا من الليل . .  فلا يبقى معها وقت للحب ، أو لتبادل المشاعر الحارة ، والاحاسيس الساخنة ، فضلا عن اهمها وهو اشباع الحالة النفسية من الحب العملي ، والذي له ان يخفف من وطأة الضغط المتوالي على روحية الانسان نفسه ، ذلك الذي يهتم بضرورة الإتيان بمسوغات التواصل مع الحياة اليومية ، والتغلب على مصاعبها المتأصلة ، كي يتم التبلّغ بعنوان العيش الكريم .

ولا غَرْوَ أ ن أشير الى مناوءة العرف ، والتقاليد المشبعة بالاغلاط ، لكل لحظات العيش الانساني لهذا المواطن الكادح ـ وعلى مختلف المستويات والتطلعات التي تحفل بها التنويعات السكانية ، والشرائح الاجتماعية المختلفة . هذا ، ولا انسى ان اشير الى ان المشهد الجنسي في الاحداث المصورة هو ليمثل إنعاشا حقيقيا لظاهرة الحياة الزوجية ، وما يتبعها من التواصل مع اصغر مفرداتها ، أو التعاطي مع اكبر جزئياتها ، والتي اُحِيلت ضروراتها اليومية وأساسياتها الحياتية على المعاش  . . بسببٍ من الجهل بحقيقة الحاجة الانسانية الى الحب بكل ظروفه ، وبكافة أشكاله  التي تتجسد في اعظمها مكانة وهي العلاقة الجنسية ، باعتبارها تصوير لحالة من الحب ، يصعب اللسان عن التفنّن بإبرازها ، فتكتفي الجوارح بالإعراب عنها تمثلا بوحي الخطاب الجسدي عبر التودد ما بين الاعضاء والجوارح المختلفة عن بعضها ، في حالة من الانسجام والتوافق ، ليتم التعارف بينها ، ويصبح تفقد كلُّ من الزوج والزوجة لأعضاء الاخر وسيلة للترويح عن النفس، وتفجيراً للهموم المتصارعة في داخل الكائن الحي ، والتي ليس بوسع اليوميات ان تبدّد ظواهر الحزن فيها . . فيعمل الاثنان جنباً الى جنب من اجل التخلص مما يعلق بسعادتهما المشتركة من شوائب ، فيعملان سوية على نبذ تلك الأدران العالقة في اجواء العيش المتواصل ، كسحاب المعامل الصناعية ، والتي ليس لغمامها المريض ان يزول بسهولة . .  فيشترك كلا الجسدين في حالة استعراضية ، لا يمكن للفرد منهما أن يقوم بها ولوحده ! بحيث لا يعود بمقدور الجسد الواحد الايفاء بمثل هذه المسؤولية والمناطة هي بكليهما ، لأن الشرارة المذيبة لكل تلك العوالق الواجب التخلص منها لا يمكن لها ان تحدث الا بفعل اتحاد عملي ما بين الجسدين !

وهذا ما يصبح سهلا ميسورا بفعل التقارب والاندماج والتنافس في صراع معهود بين الطرفين ، كممارسة اللعب بالكرة بين افراد الفريق الواحد حين تقسيم اعضائه الى فريقين يلعب احدهما ضد الاخر ، لامتحان امكانيات اللاعبين انفسهم قبل ان يخوض الفريق مباراته جمعا مع الفرق الاخرى !

وهذا كله سيصبح اكثر سهولة حين القيام بممارسة الحب ، والإتيان بفعل الحب ، وإنجاز المشروع العاطفي الذي يتمخض عنه كثير من الصور العملية ، والتي لها ان تثبت وعلى المدى سياسة حسن الجوار ما بين الجسدين اللذين ما كانا ليجتمعا الا بسرٍّ عتيد من صاحب القدرة والخلق البارئ تعالى .

وهذا كله له ان يتعين وفق طرائق منهجية سليمة ، تتحرك عبر أساليب ذات مطاطية رشيدة ، لتهيئة كل مستلزمات العمل في مثل هذه البرامج الزوجية المكثفة ، والتي تختص بهذا الصدد ، وهو القسم الساخن من الحياة الزوجية المشتركة ، والتي تعتمد عنصر التغيير الفني في التعاطي مع مثل هذه المزاولات اليومية ، بشكل يمكن البرهنة ومن خلاله على سعادة العنصر البشري ، الذي يحمل عقلا يمكّنه من بلوغ الكمال ومقاصد الرقي عبر تأصل تعامله مع جميع تقنيات العيش الكريم ، المتوافق مع طبيعة الحياة السعيدة ، حين يتم التعارف بين كلا الجسدين ـ قبل ان يتمرد فيهما الحس الدفاعي ، فلا يمنح الاخر تأشيرته ، وتلويحه بالإذعان . .

وذلك كله ، له ان يحدث في ساعات يتم التشاور بشأنها ، والتعاون بصددها ، فيتم الافصاح عن فعليتها الحقيقية في خلال المشاركة الجنسية ، والمعاشرة الجنسية التي تعد بمثابة رياضة زوجية ، يتمازج فيها العمل الروحي مع النشاط الفعلي ، ليتم ومن خلال هذا التفاعل تمتين الروابط الخاصة والعامة ، وحل الكثير من المشكلات ، والوقوف على اخر التوجهات وأخر الاخبار ! فليس للمرأة ان تتمنع على الرجل ، وحينما تستثيره وتستفزه حتى يصر عليها ، تعود اليه بالقول الخاطئ : وهل تزوجتني لأجل هذا فقط ؟

ان مشكلة الادب هو كيف له ان يتصور تلك المقادير ، وكيف له ان يترجم صورة الواقع ، فيصوغها في عبارة اخرى وفق ضرورات التقنية الادبية ، وبفعل دلالات اللغة ، واساسيات التوجه الفني ، في صناعة النص ، عبر تدميجه بآليات الرمز وفنون الخيال ، وبناءات القصة المختلفة نظير الحوار ، والتداعي ، والمونولوج ،  والاستذكار ، والاستحضار ، والسحرية في التصوير ،  وتمكين العقدة من توريث الحدث . . واستئصال خيوط الدوامة ، لئلا تستطيل فتخرج عن سيطرة الكاتب نفسه ، لتتلاشى الأزمة ، دون الانتقاص من سبيل الدراما او الحدث ، بالرغم من محاولات التصعيد المتوالية ، وفق خطوط بيانية تتعرض في اوقات مختلفة الى التناقص في أطوالها ، نتيجة تراجع حجم الضغط في حبكة العمل الفني ..

مما سيؤدي بذلك كله . . الى التعريض بفرصة استغلال كل الفرضيات والمتوافرات ، كي يتم توظيفها من أجل تنمية  الحدث ، والصراع ، والحوار ، والشخصيات . . وصولا الى بلورة عامة ، لطبيعة المكنة النفسية ، والمتناضحة بها جزئيات التقنية التي اصبحت متجذرة في داخل جزيئات النتاج الادبي . . من حيث التعاطي المتشاكل والمتجانس ما بين عناصر القصة ومختلف بناءاتها المتناوبة في تيارات تصاعدها وتنازلها في داخلية للعمل ، تكاد تراهن فيها الاشياء على ضمانة إنجاح العمل وفق كل الشروط  المتوقعة نتيجة للاسلوب المتبع في البرهنة على ما تشير اليه آليات العمل الادبي من خلال التلويح بهموم الصور الفنية المستعرضة في مقاطعها ، ليتم اثبات النظرية الثقافية للمنتج ، والتي كان اراد لها حالة من التداعي ، والنبوغ ، والتقاطع دون وهم .

وليس الغرض هنا المساس بوهم الترميز او التخييل المتصانع وفق سياسة مزدوجة ، كي يتم البرهنة على اسرار انفتاحنا على الحياة الواقعية من خلال ارخاء مصاريع تلك النوافذ الغرائبية، كي يتم لنا الوقوف على مجريات الواقع التي لا يمكن تصورها حقيقة ، عبر تسليط الضوء على واقع الحياة بتجرد . .  والا كان يمثل اطلاق قنبلة احداثيتها صفر ، كي يتم تفجير نفس المدفع المطلق لنفس الصاروخ !

هذا ، اضافة الى استبطان الحالة الجغرافية التي يحيا بها النص ، لبلوغ امكانية تعبيرها عن نفسها وفق آلياتها ، التي كان القى بها على بساط البحث والاستدلال في اسلوب قصصي ادبي .

فما أراه ان على الاديب ، ان يعمل على دراسة واقع الحياة النفسية لا سيما الجنسية منها ، وتهيئة منهجية لعرضها في اطار النص الابداعي ، من دون اي قيد قانوني  او شك شرعي ، او حتى تردد عرفي . . لان على الاديب يقع الجزء العظيم من مسؤولية ايضاح مثل هذه التعاطيات والمفارقات الاجتماعية والنفسية . .

فالطريف ان المشهد الجنسي في السينما ، هو اكثر اقناعا من اي صورة اخرى يمكن ومن خلالها ان يتم التعبير على مثل تلك الممارسة او ذلك الفعل . لان الجنس الذي يُمارَس في البيوتات، ما اكثره ليحمل لون قبلة ، ولا وهج تريث ، او انتظار وصبر ، بل كان له ان يتم بصورة مباشرة . . كما هذا هو لينسحب على الجنس بين الازواج ، وافتراقه عن ممارسته نفسه مع الزبائن من قبل العميلة الجنسية .. إذ يحتمل الاخير ، اهتماما اكثر من غيره ، هو قابل للملاحظة من حيث فنونه ، وطرقه ، ومسافته الزمنية ، واستيعابه لمختلف الاساليب الفنية ، وتلبية انواع الطلبات والاستغراقات في الحوار والفعل وحتى الاستكشاف الحاصل في تلك الاثناء لشخصية كلا المشتغلين في مثل هذا الفعل . .

ولا ننسى ان الرجل هو الذي يبادر ، وفي الغالب لاعلان حاجته الى الجنس ، بينما محلات بيع الهوى هي التي تبادر الافراد باعلاناتها ونتاجاتها . . ومثل هذه الحالة اولى ان يهتم بها البيت الاُسَري في مجتمعاتنا ، لأن المفترض ان يكتفي الرجل في بيته ، ولا يلتفت الى اشهى الاطعمة في خارجه ، الا اذا كان في موقع يضطره لتناول طعام المطاعم لا سيما ذات الوجبات السريعة !

هذا ، وغالبا ما يقع الرجل او المرأة اسيرين ، لاختلاف الوقت المنتخب لممارسة الجنس . فان هذا يمثل اعوص المشكلات التي تحفل بها بيوتنا الصغيرة ــوالتي لا تسمح ، بل لا تبيح بالتعرض للجسد او التناوش مع اطرافه واعضائه ــ  لان الجنس يمثل لعبة تجمع بين اللذة والصعوبة في نفس الوقت ، وذلك بالنسبة الى الرجل وليس للمرأة التي لا تفعّل في خلالها طاقات خاصة ، تزج بآلياتها كي تضخ فيها الحرارة والمرونة . . بينما الواقع يختلف لدى الرجل مما كان يتطلب تنمية هذا الواقع لديه اول بأول ، ثم اقحامه في سبيل التواصل والتعاطي مع فنونه . .

ان الجنس في الحياة العادية ، هو غالبا ما ينتهي عند الحدود التي لا يجب ان يتوقف فيها . . لانها تمثل حالة انهيار حقيقية للحياة الزوجية ، غير معلن عنها . فتستحيل فيه الاشخاص الى اجساد خائبة بلا حراك ، تتلوى من اثر الصدمة .

بينما نرى ان المشهد الجنسي في الافلام السينمائية وليست المقصورة على عرض الجنس بصورة بحتة (والتي تمتّ الى صورة المشهد نفسه في الحياة الزوجية بصلة واحدة ، وهي اختتام المشهد عبر تفريغ بركان العقدة) بل الافلام السينمائية الحقيقية ، تلك التي يترك فيها المشهد ، مساحة تخلف حالة الاستمتاع واللذة ، يتم فيها التمهيد لواقع مقهى السرير الجذاب ، وفراش الزوجية . . وذلك بعد ممارسة الجنس لمطارحة الافكار ، وتجاذب اطراف الحديث ، لاستثمار حالة الفوز بتلك الليلة المنعشة ، وتطوير آلياتها في مناقشات وطروحات عائلية ، يمكن تدميجها في مساحات من الاخيلة والرومانسية كي تشع عليها معاني الارتياح وتعج بأنفاس مشبعة بخيال ومرح وأنس وبهجة . .

غير ان حياتنا الزوجية القصيرة الاستمتاع ، فانه لا يمكن الفوز فيها كثيرا ، بمثل تلك الاستثمارات الحية لظروف الاحوال الجنسية الا لماما ! لان ثقافتنا الجنسية قاصرة على اشباع الاعراف والتقاليد ، والتطرف في فهم الدين ، إن لم نقل ، ان مثل ذلك ليساعد اول بأول على إفساد العقائد الالهية والمعتقدات الدينية في نفوسنا نحن البشر المغرّر به بأوهام العقول ، وليس بأوهام الرب ، لأن الله جل وعلا ، هو ليتعالى على الهفوات والوهم والخطأ ! والحق في نفس الوقت يعلو ولا يُعلى عليه !

كل هذا ، وما زلنا في حديث الغاب الاجتماعي ، لأن على المرأة ان تصبر على الرجل ، كي يستهويه الموقف ، ويفكر جيدا في اسئلة الامتحان المعروضة بين يديه، ثم يتمثل الاجابة على الورقة ! حتى لا تثملة بروعة الموقف ، وصولا الى تقمصه لحالة الصدمة ، ثم ليعلن بعدها وخفية، عن احساسه بالإحباط ، وشعور كيانه النفسي بالاستغراق في حالة من التمزق والانطلاق صوب اللا وعي ، كي يثبت عدم ارتيابه ، بما يدور حوله من محاكاة لواقع الوهم الباطني ، الذي يسيطر عليه . . حتى يعمل بالتالي على تأصيل عقدته الجنسية ، وهو لمّا يزل يحيا حياته الزوجية ، الى جانب سرّ من اسرار الاله التي وضعها الله في خدمته ، ووضعه نفسه في خدمتها هي الاخرى !

لأن في خلاف ذلك ، سوف تمنحنا الايام الفرصة لتطوير آليات الجنس ، عبر استخلاص التجارب التليدة ، والعمل على استيلاد كل المنح الزمانية والفرص المكانية ، لينعكس الحال وبالتدريج على تطوير المواهب في كافة السبل ، للتوصل بعدها الى مرامي الوصل المستطاب وملاعب الحب النفيس ، في عيش سعيد هانئ ، وحياة حرة كريمة . .

فالجلوس في مقهى الجنس العائلي الخاص بالزوجين ، يجب ان يستغرق وقتا، يكون بالامكان ومن خلاله العمل على منح الزمان فرصة العود ثانية الى ممارسة فعل الجنس ، فلربما كان في ذلك تسلية عن الهموم وتنقية لأوطار الكروب ، كي يتم العيش بحب ووئام ،  والتواصل مع افراد العائلة في ظلال من المودة والسلام ، من دون التحول اليهم ، وإفراغ عقدة النقص (الحاصل في حاجات النفس والجسد)، في رؤوس افراد العائلة عبر تمرير المشاحنات والعصبيات في نفوسهم . . وهي التي ما كان يمكن ان يكون لها سببا حقيقيا سوى القصور في تلبية الحاجة الجنسية !

وعليه ، فان المشهد الجنسي يمثل ثقافة لاحياء تراث الجسد ، واحياء حضارة الجسد ، وتنمية الطاقات الفعلية ، والمراهنة على مقدار الحب والود الحاصل . . فضلا عن انه يبلغ بنا حدود التناهي في الوقوف على سبل تطوير الحالة الجنسية الرائدة في مجتمعاتنا الآهلة بصنوف الاوباء النفسية والادواء الاجتماعية . .  لأنه سيكون حريا بالمشهد الجنسي أن يدلّنا على كيفية التثقف الجنسي ، والإطراء على سبل انعاش الروحية البشرية والمطلقات النفسية . . كي يتم بعدها الاهتمام بتنمية المواهب الخارجية والامعان في اساليب زيادة الوعي العقلي ، من اجل الوصول بالمجتمع الى مرحلة من الرفاهية الاجتماعية والتطور العلمي ، عبر بلوغ المقاصد الخلقية العليا والمعاني الانسانية المثلى .

سيكون لها ولمثلها أن تتواصل مدى الزمان ، وتعمل فيها المعاشرة الجنسية كصمام أمان ، له ان ينقذ مثل هذه العشرة من الوقوع في اسر الخصومات المتوالية، والمشاحنات غير المستحبة، او النهايات غير السعيدة ، والتي لها جميعا ان تؤثر بشكل وآخر ، على الحياة العائلية وحالة الاسرة المثالية والعملية ، المنعكسة على الاوضاع اليومية للابناء ، الذين يحيون في كنف هذه القبة ، التي يجب ان يحرص فيها كل الاعضاء على الحفاظ على ظلالها الوارفة ، خوف ان تفلت فلا تعود كما كانت من قبل .

إن تنويع الحالة الجنسية لأسس الحياة لم تعد تمثل مسرحا لعرض القوى الحسية والعضوية، وحسب ! بل انها ساحة فنية ، لمزاولة الكثير من المواهب ، وعرض الكثير من الافكار، ومناقشة العديد من معضلات  الامور ، والتي ربما لا يمكن التوصل وفي الغالب الى حلول لها في ظرف آخر ! والذي لا نعدمه ، ولكن ما أحببنا الإعراب عنه ، هو ان مثل هذا الظرف ، يمثل حساسية عقلانية ، يمكنها ان تمنح كلا الطرفين فرصة تفوح منها رائحة المرح والطرافة الخليطة بأسباب الواقعية المتزنة بكل تحصيلاتها الترابطية .

ولقد تمثّلَت لي مشكلة الحب كمشكلة اساسية ! فقمت على الولع بمناقشتها في غرائبية رمزية مسلية ، تبعث الرعب في مرات ، واللذة في اخرى ، بينما تهيب بالبعض النزوع الى ترصد شيئيات الزمان والمكان ، والتخوف من اللحظات الغائبة ، والعائمة فوق موج الخيال ، وفي خضم المتعة المشوبة بدقائق الشوق والغرام ، والمشحونة كلها بمشاهد لها ان تضّمن شروح نازفة بكل هموم الحياة الجنسية والعاطفية . . ويمكن التخوف من كل هذا ، كما التخوف من الكلام الساقط ما بين السطور !

* * *

وانطلاقا من كل هذا جميعه ، آليت على نفسي الا ان اجسد اعمالي القصصية والروائية على الشاشة البيضاء . . وذلك لحسن ظني في السينما ومنتجيها ومخرجيها وكتابها وفنيّيها . .  لا سيما وانا كنت قبل ايام اطالع في الانترنت ، اخبارا واخبارا حتى استوقفتني مخرجة جريئة ، هي الاستاذة المصرية القديرة السيدة إيناس الدغيدي ، لقوتها وقدرتها على التبحر في تأصيل الحالة الاجتماعية عبر الحدث الجنسي والفعل المتناغم مع النسيج الكلي في توقيتات دقيقة ومتناسبة مع متانة توجهاتها التي غالبا ما تصب في عنوان وصلب القضية ومن الاساس . .  مع وجودٍ لحسٍّ غالب في تيار العمل لديها ، يمكنه أن يفضي ببعض المسائل الفنية التي تدخل في سياق الحوار ، او تقنية الحدث ، وطبيعة انتقاله ، وتطور العقدة الى إشكاليات ربما تُحسب على ثقل الصورة والمشهد المتزامن منطقياً مع عناصر الحدث نفسها . . وذلك بفعل الوحي الصادر عن حالة التنامي لدى الشخصيات ، واستقطاب كل العوامل التي تتصاعد وتائرها في تفاعل زمكاني ، يتم الافصاح عنه بفعل المؤثرات الخارجية والداخلية التي تتناهى في صناعة السياسة المستبطنة لجزئيات مشاهد أي فيلم ، ربما يجب مناقشتها في ظرف متاح .

بينما لا اعترض على جرأتها في تصوير المشاهد الجنسية ، لأنه جزء من الاحداث التي لا يصنعها المخرج بفعل من ذاته ، بل انه ليصنعه بسبب من انه يمثل حدثا له ان يقع في اي زمان ومكان . . بل أعتبِر ، أن هذا هو ما كان يجب ان يكون ويحصل منذ سنوات ، ولربما كان حصل ثم تراجع قليلا حتى تناءى الوضع وتباعدت الايام ، فغدا وحيا غريبا في عالم السينما . فلنتعاون في صناعة هذه المعالجات ، كي نحصد اثاره الايجابية في المستقبل ، حينما يصبح الجنس مفردة ، يتم تداولها بكل رحابة صدر واريحية ، ومنطقية  وعلمية ، وبكل حرية هي آخذة بناصية كل امرئ ! بعيدا عن الغلو والمغالاة ، ونعرات الاستفزاز ، وتخبطات التهويم والاستعاذة المعكوسة .

اقول ، ان هذه الحرية حق كل مخرج ومخرجة ، كما هي في الاصل حق كل كاتب قصة ورواية وسيناريو ، باعتبارها مقدمة لاستيحاء عناصر خاصة، لها تدخل في ضمن النسيج العام للحكاية المصورة . كما انه ليس لأيما شخص ان يتدخل في غير اختصاصه ، إلا من خلال التوقف عند التقاطع العام للشأن الاجتماعي وبالشكل الذي لا يفرض معه اي عرف او نظر نفسه ، فتراه يحمل على الجانب الاخر ، قصدا منه تنحيته عن مكانه ، او صرفه عن هدفه .

لا ! ليس هذا الحل ، لان هذا الاخير ليكمن في اسلوب النقد الفني ، وليس للعقل الديني ان يغالي في حكمه على الاشياء، كما يمكن أن يحدث مع الطبيب حين مزاولته للمهنة ، فليس لأحد ان يعترض على صيغة عمله ، طالما هي لم تبرز عاملا معاديا حيال المريض .. ذلك ان كل اختصاص ، له مهنيّيه ومختصّيه . وان كان ثمة عنونة مداخلاتية ، فلها أن تتم وفق صورها المعهودة واساليبها الفنية ومفاتحة المسؤولين ، وصولا الى التحرك بالقلم فوق الاعمدة الثابتة للصحف والمجلات ، وفي وسائل الاعلام المرئية والمسموعة .

سيدي الوزير:

اوجه رسالتي هذه ، كورقة عمل ثقافية تربوية لكل الثقافات المعاصرة ، لها ان تمثل خطوطا جدولية بيانية ، تسهم في اصلاح الحياة الاجتماعية ، لا سيما إن توافرت لها الفرص كي تتمثل معانيها وبالصورة العملية ، وتجسد فنونها بالصورة الفعلية ، فوق أوراق الكتاب المطبوع كرواية وقصة ، وفوق الشاشة العريضة للسينما في البلاد ، الغنية بكل المواهب والكوادر ، والمزيد من العطاءات والاسهامات الحية . .  فكما أعرب لكم ومن خلال هذه الرسالة ، عن كل ما يمكنها ان تحمل اليكم بين اعطافها من مودة وتقدير ، باعتباركم رجل الثقافة والفن ، ورجل حاول ويحاول أن ينيخ بركب الثقافة الحرة عند ضفاف البر الآمنة . . بعد ان يخلف وراءه طلولا غابرة من ثقافات الايام الكسيحة، من التي كان يحاول استثمار المفيد منها ولما يزل كذلك ، وهي التي كان انتهى تأريخ العمل بها ، ومنذ زمن عتيد . .  

كذلك آمل في أن تكون رسالتي العملية هذه ، فاتحة وبالكلية لورقة عمل اسهم انا وفي خلاله بتقديم النصوص ، وتسهمون انتم من خلالكم بتقديمها الى السينما  المنتجة ، كي ينعم كذلك الحس الانساني بتوطيد كل الاواصر الفنية التي ينبغي ان تنعم بها السينما المنتجة في بلدنا الحبيب ، من اجل التحول الى سياسة مطردة في النمو والانتعاش ، فلا بد ان نستشعر معكم المسؤولية ، ليكون التوافق معينا لا ينضب ، كي يتم الوقوف على مختلف حالات العجز التقني والفقر النصّي التي يمكن أن تعاني منها السينما في أي بلد ، والبلوغ بها نحو امكانية انتاج الافلام التي لا يمكن للمشاهد ان يحرز مسبقا التكهن باحداثها ما ستكون عليه ، والمفارقات فيها ما ستنطوي عليه . . مثل افلام الغرب الحالية ، والتي يبحث فيها الكتاب عن كل جديد من الانفاس ، كي يبعث في انفاس المشاهد حرية التعاطي مع نصوصه المصورة ومشاهده غير المألوفة . .

ويمكنكم ان تولوا اعمالنا كل عنايتكم ورعايتكم ، باختياركم لها مهرة المخرجين والمخرجات . . ( وهذا الكلام ليصدر عن جانبنا عن ثقة بالنفس واعتداد من دون غرور او مداهنة ، كما لا اعتبر هذا اقحاما لمواهبي في سلطة الثقافة المحلية لبلدكم الأمين ، إنما اعتبره مصداقية التوقعات والمطاليب التي يحملها كل أصحاب القلم ، حيال مسؤوليهم الذين لا يرون في قدراتهم الذاتية حدودا تحدّهم في إطار البلد العربي الواحد ، بل لها ان تتجاوز القطرية والقومية ، لتمثل هدفا عالميا يقوم هو وبحد ذاته ، ليعرب عن سلسلة ايديولوجياته ، في إطار من المعرفة والمثاقفة ، لا يفهم أدوات لغته سوى رعاة الكلمة من فرسان الحضارة والزمان ، ويعرب عن استعداده وعن جدارة وحسن اجتياح للمسابقة العريضة والتنافس الحر مع فرسان السينما والادب العالميّين )  . .

وكما كنتُ ، ولا زلتُ . . شاكرا لسيادتكم لإتاحتكم مثل هذه الفرصة ، كذلك سأكون لكم ممتنا كل الامتنان ، حين تعاونكم على توفير السبل ، لرفد دور النشر الثقافية ، ومؤسسات الصحافة والطباعة ، والشركات السينمائية المنتجة ، وبمختلف النتاجات الادبية ، باعتباري كاتب قصة ورواية ، لا سيما الرواية القصيرة ، والتي هي بامكانها جميعا ، ان تعمل سوية وبروح المشاركة مع باقي عناصر العمل السينمائي وحتى التلفزيوني ، على ضخ أنفاس الحياة اكثر في نفوس المشاهدين ، ومن قبل أن تضخ تياراتها النفسية والفعلية التي لها ان تصنع صنعها في استوديوهات العمل السينمائي ككل .

تقبلوا منا خالص التحايا واجمل الامنيات                                                                            جمال السائح

تم الانتهاء من تحرير ورقة العمل هذه ، والتي تتكون من 15 صفحة من القطع الكبير (A4) ، وذلك في تمام الساعة (38: 3) بعد الظهر ، من يوم الجمعة المصادف : 15 ابريل / نيسان من العام 2005 . ((نسخة من هذه الرسالة الاطروحة الى عدد من وزراء الثقافة في البلدان العربية والى بعض  وكالات الانباء المختلفة والاذاعات والمجلات والصحف لإذاعتها ونشرها والاطلاع عليها والافادة منها انشاء الله تعالى))



Jamal alsaieh

Almawed2003@yahoo.com

View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: