شرح عوالم ماجدولين الرفاعي ـ الحلقة الرابعة عشرة والاخ

الحلقة الرابعة عشرة والاخيرة من شرح قصة (تباَ لك ايها الموت)

للسيدة المبدعة ماجدولين رفاعي

المنشورة على هذا الرابط في جريدة الاهالي



http://www.ahali-iraq.com/viewarticle.php?id=3534&pg=index&art=mp



.................................................................................................



بقلم جمال السائح



.................................................................................................



تقول ماجدولين :



شكرا لغيابك!



ولم تقل شكرا لرحيلك

هنا مفترق حاد للطرق

كما كانت قالت في بداية النص

خذلني غيابك بعثرني

لكن حين تكرار الكلام على هذه السجية

ومن قبل كانت قالت ايضا

ليحمل الروح على كفيه ويسافر

ولم تقل ويرحل ..

فتكرار هذه السمات المعلن عنها وبشكل ميسر

وبطريقة مسترسلة هي الاخرى

يدفعنا الى التصديق والتحميل ..

بدلائل تسمو بنا اكثر

ووفق هذه القرائن .. وغيرها

لنصيب من المعنى اوفر الحظ

واوفى النصيب وفي ابعاد مختصة متمادية

فلم يكن فراقها عن الحبيب

سوى تقاعس عن الحس به

لانه لم يرحل عنها

رغم كل التوجسات والهواجس التي عصفت بنا

من اول القصة وحتى اخرها

ونحن نطل على نهاياتها

فالحبيب لم يمت

حتى لو كان له ان يغادر

لا ان يرحل

ربما كان له ان يموت

لكني ارى انه سيموت في غير اوانه

لان الحبيبة لا ترضى بالغياب

هنا لو كان الامر يرتهن نفسه بالرحيل

ما كان لها ان تشكره

لان الرحيل يستبق المجد الذي تفكر به امرأة

ربما يحيل البعض المسالة الى تبطين

لا يسعف المعنى ولا حتى الحاقاته

ربما كان الغياب يعبر عن رحيل نفس الشخص

نعم

لكن هنا

تمازج الامر

واشغلتنا ماجدولين بالمطر قليلا

ثم تتركنا مع البطلة

وهي تتحفنا بشكر الحبيب

على غيابه

اي جلالة في الخلق تمثل هذه الكلمات ..

نعم الموت غياب

فان غاب جسدي

فهذا رسمي بين يديك

نعم يصح التعبير كذلك

ولكن

ليس في اطار مثل هذه المحاولات الندّيّة

ند ازاء ند

غياب

وشكر

مع كل الوجد المتشاطرة به نفس الحبيبة

لا يمكن ان يكون غياب البطل

الا ارتهان مجازي

استعارته ماجدولين وبالكلية

كي تعبر عن الام

كان اخفق البطل في اثبات حبه لها

لذا

كان التعبير الانسب

ان تصوب اليه رصاصة الموت

وليس رصاصة رحمة

لانه كان صوب حيالها ومن قبل ان تفعل

اثم الموت

كختم او مهر

ينزح فوق مصائرها العشقية

وربما

اعيانا الحل

لاننا نشعر ان تسام ما

تعج به روح البطلة

كما لو كانت هي الاخرى تسامت الى نفس روح الحبيب

المعلقة فوق الارض

وليس في السماء

لان هذه جعلت تمتح ماءها

وترفق بالارض

وهذا الهطول

استعادة لافق كان مركونا خارج الحدود

اذن

البطلة استعادت الحبيب

بتضحية منها

رغم انف نفس الحبيب

يعني تعاليها على تراجعه عنها

سواء كان عن امر مدبر

ام شيء رغم قواه الشخصية والذاتية

مثلما يحيل البعض

او اسرة وعائلة اخرى

بين زواج بنت من فتى

الا يمكن ان نعنون مثل هذا

بصيغة اشد من الموت

حين يمكن ان تفرق الاقدار بين شخصين محبين

ما هي تلك الاقدار

ربما كانت اناسا في ذات يوم

ربما كانت اسرة بكاملها

رب عائلة صارم

قاس

يحرم ولده من الاقتران بحبيبته

دعونا من كل الاسباب

لان من حول الحبيبة

كانوا فرحين

بعودتها الى الحياة

وهذا ما يمكن ان يتم

بعد ان تكون نفس الحبيبة او البطلة

قد ركنت الى مرساهم

وصادقت على مطلبهم في الكف عن المطالبة بمثل هذا الفتى

لان اباه يرفض مثلا

الاقتران بها

او

ان ظرفا قاسيا

شغله عنها

وتركه يفكر باخرى

الا يسمى مثل هذا موتا محققا لبنت عاشقة

الا يعرض الكثير الى استلقاء ملفت للانظار

رغما عنه

يخمد في فراشه

يعيش حالة عزاء

لان حبيبته اقترنت بغيره

الا يعيش الحلم والفوز بها

والكل من افراد اسرته

لا يعتم ان يزوره ويعوده

يتفقده بين الحين والاخر

كمن يعرض نفسه الى الهلاك المحتم

والموت المحقق

الا يمكن ان نستشف ومن خلال كل تلك الاحداث

شيئا من هذا القبيل

انا اؤمن بهذا الامر

واصدق على مثواه النقدي

لانه بديل له ان يسجل مأثرة

ونذير له ان يحقق غايته

مثل شخص سئل عمن احبب

فقال للسائل

انها ماتت

نعم

انا ساءلت يوما احدهم

عن حبيبة له

فصدمني حين قال لي

ان صاروخا سقط على دائرتها التي تعمل فيها

فاستشهدت

وماتت

رحلت نعم

دون ان تودعني

ولا ان تعلمني بموتها

ولا ان تشعرني بان الموت بات قريبا منها

وبلا شك

صدقت الخبر

بعد ايام

تأكد لي ان ما قاله

ما كان الا تورية لاهية

وهي انها ماتت في ذاكرته

لانها تركته

وهجرته

وتخلت عنه

لاسباب وظروف عصيبة

فسنحت لنفسه وطاب ان يختلق مثل تلك الحكاية

غفرانا لها

ووفاء منه لذكراها

فلم يجرد هذه الاخيرة من كل لحظاتها الجميلة

وبقي يحتفظ لصاحبته بشيء من الفضل والوفاء

فلم يمسخ ذكراها

بل تفنن في صياغة خاتمتها

وبشكل درامي مأساوي

تخجل منه الاقدار

لسقم المحاولات في الاجهاض ..

على كل تدشينات للحب

كان طال عليها الامد !

مثلما يحصل لدى اخريات

حين يبقين على وفائهن لمن احببن

وحتى اخر لحظة

رغم لحظات العناد والفراق

او ما يسمى بسبق الخيانة !

او حتى في فراق عادي

سفر طويل

بعيد في اماده

وفي المقصد الذي يتم السفر اليه

وشد الرحال

كل هذا ممكن

لكن نظل نبقي على وطيدتنا الحدسية

نفسها تلك التي اثرنا حولها الاقاويل الاخيرة

وهي ان الحبيب لم يمت

وهو لما يزل حيا يرزق

لكن وفاء المرأة

يبقى لمن احبت

حتى لو كان للظرف القاسي

ان ينسيه اياها

رغما عنه

او ..

لا

لانها احبته باخلاص

وظلت تفعل مثل ذلك

وتظل تفعل

حتى في حال تخليه عنها

فله ان يسجل مغادرة

او حتى رحيلا

لكن ذكراه المستباحة في مخيلتها

ليس لها ان تغادر

لانها لو اتقنت السلوكية المقابلة وبالمثل

الا انها لا تتقن الخيانة

بنفس الذكرى

وذكريات ذلك الحب

لانها عاشته بكل وجودها

الا ان تتبين ولع البطل المغيّب

باللعب على الحبال

وتمثيله عليها كل هذا الوقت المتصرم

مما يثبت لدينا

انها والحبيب  ..

كانا حقا يعيشان قصة حب عنيفة

وصادقة

لدى كليهما

لكن

اراد القدر ان يسجل لنفسه لحظة اعنف

من نفس ذلك الحب ..

وكذلك فعل !

كما لو كان استكثر عليها تتويج هذا الحب

او حتى الابقاء عليه

خارج السقف الواحد

او حتى تحت سقف واحد

هذا لو خمّنا الوضع

ان كلا الحبيبين كانا يعيشين تحت سقف واحد

او انهما لم يعشا بعد مثل هذا الظرف المتوحد

وهذا ما سنلحظه في المقطع التالي

راقبوه بدقة ..





.................................................................................................



تقول ماجدولين :



وشكرا للقدر الذي أهداني فجيعتي بك هدية كبرى!



هنا يتجلى الصمود باجلى محنه

التي تكسب البطلة صمودا اكبر

وتلاحيا اكثر استنطاقا لكل خبراتها الانسانية

لانها تثقل على القدر

نفس القدر

ان يتلهى بلعبته معها

او ان يستثمر فوزه عليها

حتى تتركه

اي القدر

يجرجر ويلات الخيبة

لانه لم يتمكن من نفس الحبيبة

ولم يغرقها ولا حتى بنافلة القول لديها

بل وجدها صامدة

ولا تهزها الامه التي اورثها اياها

وهي التي تسجل ابلغ سقف لها

فجيعة !

وتركته يلملم اثار كبريائه خجلا

وليس متورعا

لانها ضربت لغة القدر وفي الصميم

بعد ان لاحته

واخبرت

ان غيابك

او تفجعي بك

ما كان الا هدية

واي هدية

هدية كبرى

هنا تماهي في الحزن

واطراد في ثورة العنف البشري

عنف ضد عنف

تقول للقدر

لا تهمني ضرباتك

ولا تهزني طعناتك

بل ما كانت وقعتك

الا هدية

ليس اكثر

وانى لها ان تورثني الجرح الكبير

وهي التي ما كانت الا

هدية كبرى

هنا القدر يقف حائرا امام صلابة امرأة

بطلة

حبيبة

عاشقة

تتغلب عليها بعشقها المكنون

ورائحة الكمون التي تفوح منه

بعد ان تثبت له

انها سوف لا تصارعه الان

مثلما تحاول صرع نفس القدر

ومثلما حاولت من قبل

ان تفعل

الا بلغة كامنة في نفسها

مخزنة

وبشكل هائل

وبشكل راعب لنفس القدر

ان يرتد امره الى نحره

بدل ان يثبت الرمح في نحر الحبيبة

ويشدها الى التراخي والسقوط نحو هاوية الاضطراب العنيف

وبلا هوادة

لانه رآها تتحداه بقواها الكامنة

وان هذا الحب

ليس له ان يزول

الا بزوال وغياب نفس البطلة

وهذا امر ميسر لنفس القدر

لكنه وقتها

سوف لا يحقق مآثره الجنائية

بل العكس

لانه في حينها

سوف يعجل بلحاق الحبيبة الى نفس الحبيب الغائب

وسوف يعمل على الجمع بينهما

وهو لا يشعر

الا انه يكيد لهما او لاحدهما

واذن

وبهذه العبارة

اعلنت البطلة عن هزيمة القدر

نعم

نفس القدر

الذي فكر انه يلحق بها هزيمة شعناء

ولم تفعل

الا انها رصدت لمكافحته

نفس رصيدها من الحب

نفس الحب !

الذي كان قاده اليها

وفي ذات يوم

نفس القدر !

فانظروا الى عظمة ماجدولين

وتفننها في صياغة الكلم

ورسم الاحداث

بكل اساطيرها الترميزية

ونقاط الاختزال لديها

بفنية رائعة

ودلالات اقوى

وموسيقى شعرية تبعث على السحر

والتساحر

والتغاضي عن سهو الحبيب وهفواته

حتى الحاقدة منها !





.................................................................................................



تقول ماجدولين :



وتباً لأيامي جميعها دون وجودك





لكنها تعود

تزدرد غرورها

وتنفض عن نفسها جل كبريائها

حينما تخلو الى نفسها

وتعرض الى البكاء النفسي

لانها تعرض لنفسها

اضعف من ان تنازل الاقدار

لكنها

كانت تحاملت على نفسها

وسجلت لها موقفها الابي

امام نفس القدر

لكنها

وبالفعل

لم تكن تحتمل موجة القدر العاصفة

بل كانت تحاول تفويت الفرصة عليه

ان يستثمر غلبته عليها

فيسلط عليها الشر في اكثر من محور

رفضت

ثم سقطت فوق سرير نفسيتها المتعطلة

تندب حظها

لانها الان وحدها

امام نفسها

وهي الان على نفسها اكثر بصرا

هي الان بصيرة

تحدق في مصيرها

تبكي الامها

وتسقي جرحها فيض دمعها المالح

لان القدر كان الان غادرها

فلم يكن له ان يجترء

ويبصر معاناتها الحقيقية

وانه ما كان يدرك ان موقفها القوي

ما كان يمثل

الا دفعا منها له ولكل مكائده

وانها تدافع وبالقوة عن نفسها

ثمنا تجتره من نفسها الاضعف

ولو لاح لنفس القدر

مبلغ ضعفها

لكان له ان يصوب اليها

ضربات اخرى

تكون اوجع او حتى ..

اشد ايلاما

مثلما تفعل امرأة

يتخلى عنها الحبيب

فتقف منه موقفا صارما

يرى فيها قوة اكبر من قوته

وانها ان تراه يفعل

فسوف لا يؤثر في احساسها

ولا يحرك منه قيد شعرة

بل انها ستتألم لخيانته

وهذه نقطة تسجل لها هدفا قويا في مرماه

لانها تضيف الىه صفة غير موقرة

لكنه حين يذهب

نراها

وبعد تجلّدها وتمسكها بابائها امامه

تنهار

تنهار

تنهار

حقيقة

وتلقي بنفسها فوق السرير

كي تجهش بمرير البكاء

لكي تعبر عن حزنها الحقيقي

وتفرغ كآبتها الواقعية

ولوعتها المنطقية

وشحناتها العاطفية

في اتجاهات متعاكسة مضطربة

ليس لها في مثل ذلك الوقت

ان تعبر عن مشاعرها ..

ولا حتى بكلمة واحدة

بل ستكفيها اشباهه نفس لغة البكاء

التي ستوشح بها وجنتيها

بعد ان تخضل بها مقلتاها !

ثم

تبا

تحدّ مصائري

لنسف كل الاحلام

لان نسف كل الايام جميعها

سوف يعطي القارئ تملٍّ حقيقي في ركن المغزى

المستشري وراء تلك الكلمات

بالتالي سوف يتم نسف كل الاحلام

فلو انتسف بيت

فانه سوف يتم ارسال كل شيء فيه الى الهواء

والى العدم

فبرحيل الانسان

ترحل احلامه معه

طالما لم يودعها غيره

يقوم على رعايتها من بعده

لكن الحبيبة هنا

والبطلة

تلغي حتى هذا الامر

فانها لم توص لاحد بالحبيب من بعدها

ولم تودع ثقلها مصدرا اخر

يعني بموروثها

هي هنا

تضحي اشد التضحية

لا تبقي ولا تذر

فبعد رحيل الحبيب

سوف لا يكون لها اي وجود

لان وجودها كان يستمد قوته من وجوده

بل انها كانت تعيش في داخله

وهذا ما يفسر لنا حب الحبيب لها

وتمكنها من فهم حبه لها

واطلاعها على صدق مشاعره تجاهها

لذا

فانها تركته يقتنصها في قلبه

فاذا ما مات

سترحل هي الاخرى معه

يعني اودعت قلبها نفس الحبيب

لذا

فحين يرحل الحبيب

سوف يصطحب واياه قلبها

وسوف لا يكون لها احساس بالايام الاتية

ولا بالحياة جميعا من دونه

لان قلبها الذي يمكّنها من تحسس كل تلك الاشياء

سيكون قد رحل هو الاخر مع نفس الحبيب

فكيف لاحدهم ان يبصر في الظلماء

وهو كان قد منح بطاريته لمن احب ..

حينما كان له ان يرحل !

وتبا

كلمة زاجرة

تعني الثورة

والتفلت من كل انتماء

الا الى الحب

والوفاء لمثله !

وهذا ما يسجل للمؤلفة

قدرة فائقة في التوسيع من معاني الحكاية

وتشظية كل مواردها في قمة من البلاغة والاعجاز

الذي يضاف الى نفس منجزها البارع

وشكرا لها

لانها اهدتنا مثل هذا الحب

وهذا الايجاز

الذي اورثناه بمثل هذا الاطناب والاسهاب

لاني استخلص في بعض دراساتي

دراسات شتى

واستعيض بدراسة واحدة ربما

من مثل هذه الدراسة

عن دراسة كثير من النصوص

من غير هذا النص





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





تمت الحلقة الرابعة عشرة والاخيرة بحمد الله

مع تحيات جمال السائح

2006-05-

Almawed2003@yahoo.com

www.postpoems.com/members/jamalalsaieh






View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: