دراسة فؤاد عبد الرزاق الدجيلي عن العالم القصصي لكليزار أنور

رأي في العالم القصصي عند كليزار أنور
فؤاد عبد الرزاق الدجيلي
قليلات هن القاصّات الكرديات اللائي تميزن من بين القاصات العراقيات اللواتي لم يكن عددهن يتجاوز أصابع اليد الواحدة عداً.
ولعل أكثر القاصّات حضوراً وأشدهن تميزاً من بين زميلاتهن القاصّة المبدعة كُليزار أنور التي لَما تزل تواصل مسيرتها القصصية..
من هنا فإن ظهورها جاء ليبعث في عروق القصة الكردية دماً جديداً، ويمنحها حضوراً أقوى لا سيما أن القاصة بدأت مسيرتها الأدبية في التسعينيات إذ نشرت أول قصة لها بعنوان (الموعد) في صحيفة (بابل) عام 1995، فضلاً عن نشرها أكثر من خمس وأربعين قصة في الصحف والمجلات العراقية والعربية.. وتتمتع كليزار بمواصفات إبداعية قلما توافرت عند غيرها من زميلاتها كاتبات القصة على السواء..
وإن أول ما يلاحظ على القاصة امتلاكها لغة قصصية رائعة سليمة في وقت عز فيه على أقرانها حيازة هذا الشرط الإبداعي المهم، وكذلك يلاحظ على هذه اللغة انضباطها ودقتها وتوظيفها لغايات التعبير عن واقع العمل القصصي بعيداً عن النزعة الإنشائية، وعدم الإنضباط، إذ أنها لغة رشيقة منضبطة دقيقة موجزة.. ويمكننا الإشارة إلى مقطع من قصتها (البيت القديم) بوصفها أروع ما قرأت للقاصّة المبدعة "وينفرد بي الحزن.. يسقطني في أخاديد الذكرى العميقة.. ذكرى مؤلمة تعود منها النفس مهشمة على تلك الصخور الجارحة في تلك الأخاديد.. تتزاحم الذكريات..".
ومن بين خصائص عالم هذه القاصة اعتمادها في قصصها على تجارب الحياة البسيطة المألوفة التي لا يكاد المرء الذي يحيا تفاصيلها التنبه عليها، ثم الارتقاء بها إلى مستوى قصصي ناضج.. فليس سهلاً، بل إن من أصعب مشكلات العمل القصصي أن تخلق من موضوع بسيط عملاً قصصياً في حين أن لدى القاصّة قصصاً تكاد تخلو من الحدث القصصي لتقترب من قصص الحالة أو الانطباع، ومع ذلك فهي قصص استطاعت القاصة عن طريق استيطان دخيلة شخوصها، والتركيز في همومها أن تحقق لها مستوى طيباً من النضج..وإن المدقق في قصص القاصة كليزار، والمتمعن في دقائق ما تنطوي عليه لن يفوته أن يلحظ ذكاء القاصة في اقتناص ظواهر الحياة، والاحتفاظ بها حية في ذاكرتها، والكشف عنها في شكل توظيف فني ناجح يثري القصة ويعمق روحها.. والحق إننا قليلاً ما نعثر في نماذج القصة العراقية على ما يدل على إضفاء القصة على تراثها خبرة، أو ما يدل على امتلاك كاتبها لقدرات خاصة، وتنبه على ما يدق ويختفي وراء سطح الواقع الظاهر الخداع..
إن القدرة طيبة على فهم البواعث النفسية والعقلية المحكمة بالسلوك البشري للنماذج القصصية هو ما يلاحظ على قصص القاصة، مما أكسب نماذجها تلك طابعاً عقلانياً بعيداً عن الانفعال والشطط والخيال الجامح المفتقر إلى البصيرة الحقة.. ففهم دخيلة الشخوص القصصية إنما يدل على معرفة طيبة بالنفس البشرية، وخبرة جيدة بالدرس النفسي وهو شرط لازم لنجاح القصة.

*نُشرت الدراسة في جريدة (العراق) العدد (7357) الصادر في 19/ 7/ 2001.

View gulizaranwar's Full Portfolio