قراءة نقدية عن مجموعة ضوء العشب للقاص أنور عبد العزيز

قراءة

ضوء العشب.. ذاكرة الحكايا الحقيقية

كُليزار أنور

القاص أنور عبد العزيز من مواليد الموصل/ 1935. بدأ النشر منذ عام 1955. صدرت له المجموعات القصصية التالية: (الوجه الضائع عام 1976 في الموصل) و (طائر الجنون/ 1993 عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق) و (النهر والذاكرة/ 1997) و (طائر الماء/2001) و (جدار الغزلان/2003) وآخرها (ضوء العشب/ 2005) أربعتهم عن دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد.

عشرون قصة أبطالها مختلفون جنساً ونوعاً وحالة.. أبطاله شيوخ ومعتوهين ومجانين ومسوخ وبائعين وحمالين ومشردين وحتى حيوانات. لغة السرد في قصصه قوية، موحية، متمكنة من نفسها، فلغة القص هي التي تعكس جودة ما كتبه الكاتب وما أراد أن يقوله فناً وحكاية.. من خلال هذه اللغة نحكم على القصة، فهي النسيج الداخلي التي تتمدد مع جميع عناصر القصة في آن واحد.

 

الحكاية الأخيرة لأحمد سيد صادق

حكاية رجل شقي أتعبته الحياة، الكل تركه حتى أولاده، فكان مصيره السجن.. وعندما خرج لم يجد سوى الذكريات يتدفأ بها.

 

ضوء العشب

حكاية كلب عادي أحالته أوساخ المزابل إلى لون لا بياض فيه.. حكاية لها دلالة أخرى تتعدى مجرد حكاية تروى عن حيوان أليف.

 

الضبع

حلم مخيف يترجم حالة نفسية أو مشكلة يتعرض لها الإنسان.. تتحول هذه المشكلة إلى كوابيس تفسر مغزى الحالة.

 

الوليمة

رسم لجغرافية مكان ما من مدينة الموصل.. وبالذات منطقة (القليعات) ومحلة (الشهوان) ومحلة (الكوّازين).. وصف جميل يؤرخ تراث مدينة كانت جميلة ومازالت.

 

القناص

حكاية مصور محترف يقتنص اللقطات في لحظات غير عادية.. يكفي أن يذكر القاص بأن محله يقع في بداية شارع الدواسة في الموصل حتى يتبادر إلى أذهاننا المصور الغير عادي (مراد الداغستاني) صاحب العين العبقرية.

 

القطط

ليس البشر وحدهم أبطال الكاتب أنور عبد العزيز، بل الحيوانات أيضاً، لكن الأليفة منها فقط (الكلاب والقطط والبلابل والطيور والعصافير والغزلان) وغيرها من الحيوانات اللطيفة.. والجميل بأن لديه ثلاث مجاميع تحمل أسماء حيوانات وهي: (طائر الجنون وطائر الماء وجدار الغزلان)!

 

وادي الليل

يلعب المكان دوراً كبيراً في قصصه، فالمكان لديه مقدس.. انه شاهد عيان حقيقي. ولديه قدرة فائقة بإضاءة هذا المكان بوصف دقيق وعميق يعطي صورة واضحة ومدهشة لذلك المكان.

 

محمية قزَح

المحمية ما هي سوى مقبرة.. وقزَح هو حارسها! يحسب عمره بها مذ كان شاباً قوياً، وهو الآن مُتعب مُتهدم تجاوز السبعين ( وجد قزح ألاّ شيء يحميه في هذه المقبرة العتيقة آوى الحيوانات المطردة من أصحابها بعد أن هرمت وشاخت وعجزت عن خدمة حتى أنفسها، وبعد أن باتت عند أصحابها لا تساوي ثمن علفها وطعامها، وأخذ قزح يُؤويها، بدأ بمجموعة من الخيل والحمير والبغال والكدش، أتبعها بكلاب شوهاء جرباء فقدت ملامحها وألوانها، عارية من أي شعر مسلوخة الظهور، بلا أذناب ولا آذان بعيون مفقوءة، ومنها ما كان أعمى يتخبط في مسعاه في هذا المكان، ولكنه آمن أذى الناس والأشرار والصغار.) ص 111.

 

أصْليل

لكل مدينة تذكارات سارة وحزينة.. ولمدينة الموصل –قبل خمسين سنة- تذكار لصبي اسمه (أصْليل) ولد من عمق زقاق ضيق وملتو، ومن بيت طيني قميء متهدم، يشبه الذئب بعريه وجسده الفاحم وسرعته الخارقة في الركض وبعينيه الحمراوين الناريتين وبقواطع أنيابه الطويلة الناتئة المرعبة.. رغم هذا أحبه الناس وخاصةً الصغار وألفوا أغنية بكلمات قليلة بإيقاع راقص يشبه إيقاع رقصات الكناغر، تقول الأغنية: ( أصليل أكع، أنت تكع، وأنا أكع، بالمّية) وكان الصغار يقفزون مع كل دقة ونبض متلاحق من كلماتها الراقصة.

 

أرض الفستق

حكاية حب صامتة لرجل يتوهم الحب.. كان أمام بيته الصغير شجرة فستق يقرأ تحت ظلها طلاب المدارس.. تعلق قلبه بجارة تسكن أمام منزله.. مرت سنوات ولم يبح بحبه لها.. ماتت ومات وتهدم البيت واستوت الأرض، ولم يبقَ من هذه الذكرى سوى (أرض الفستق) تردده السنون والأعمار على الشفاه.

 

(مالو): ليلة السلطنة

اسمه الحقيقي (مال الله) لكن لا أحد يناديه به، ربما استنكروا أن يتعانق اسم شخص (حشاش، مسطول)مثله باللفظ القدسي الجميل. انه رجل وحيد يعيش في خان مهجور مع شلة من أمثاله لا أحد يهتم بوجودهم. سنون مرت ومالو لا يتجاوز مكمنه في منطقة (المركز العام) في مدينة الموصل، يثبت حاملة صينية أقراص السمسم ليبيعها للمارة. وكانت هناك امرأة وحيدة مثله اسمها (غربت) هي الوحيدة التي لا تسخر من سمعته كحشاش مسطول. ومات مالو ذات يوم.. ظل ممدداً كجثة، يومان، أسبوعان وأكثر إلى أن عثروا عليه وهو شبه متفسخ. ولد وحيداً ومات وحيداً.

 

 ضوء العشب" مجموعة قصصية للكاتب أنور عبد العزيز صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد/ 2005.  

نُشرت هذه القراءة في جريدة (الزمان) العدد (2462) الصادر 27/ 7/ 2006.

www.postpoems.com/members/gulizaranwar  

View gulizaranwar's Full Portfolio