المفكرة

Folder: 
قصص قصيرة

قصة قصيرة....... كُليزار أنور

 

المفكرة

 

لابد أن صاحبتها تبحث عنها في كل مكان.. ألتقطها كمَن يعثر على كنزٍ ثمين.. أُقلب صفحات المفكرة بفضول.. نصفها الأول فارغ إلاّ من بعض التفاصيل العادية.. أما نصفها الثاني.. ما أن لمستهُ حتى شعرت بأن سطورها تكاد تنبض من بين يدي.. حلم مملوء بالألوان.. كتبتهُ بقبسٍ من روحها.. كلماتها تضيء على الورق.. انها اعترافات عاصفة لنفس معذبة بأسمى عذاب في الوجود.. عذاب كلنا نتمنى أن نغرق في بحره.. اسمهُ الحب .

صفحات ملونة بالعشق والفرح.. أحداث أيام دونت بمداد القلب.. هموم ومواقف وحالات.. إنهُ حديث قلبها.. بوح رقيق شفاف.. نبضات قلب تُرجمت على الورق بكل آهاته وهواجسه.. انها تنزف على الورق. اليوم .. اكتشفت عالماً صنعته فتاة !

* * *

 

28 / حزيران

شيئاً ما يتحرك في صدري.. طير يغرد بين أغصان القلب.. يخفق بجناحيّ فرح.. كل شيء حدث بومضة أو لنقل .. بنظرة .. عاطفة مبهمة فيها طيف حنين غريب.. كأنهُ نغم هادئ يتسلل إلى أعماقي .. وجوده اليوم ينبض حياتي بمعاني كثيرة كنتُ أجهلها قبل الآن.. أقرأ في عينيه تاريخي.. وكأنهُ بدأ من هنا.. من هذه النظرة!

 

6 / تموز

فيض من الحب يجرفني نحوه.. أنزلق إلى حبه بهدوء وكأن يده في الخفاء تسحبني.. وأنزلق رغماً عني . امتدت بيننا جسور التفاهم دون أن نتبادل بكلمة.. فالعيون قد باحت بسر القلب.. كأنهُ حلم في نومي.. وعندما استيقظت وجدتهُ أمامي.. مد بمظلة حبه فوق حياتي .. دقات قلبه أسمع صداها ، تخطها رموش عينيه.. فالمشاعر لا تُكتم.. وفهمت ما أراد أن يقوله دون كلام .. فالرسالة قد وصلت.. وأدركت اليوم.. ان المسافة التي بين عيوننا هي بداية لدرب الحب.

 

21 / تموز

ابتسامة عينيه تصافحني كل صباح تقريباً .. تلون لحظات أيامي الرتيبة.. عيناه ترنو إليّ بفرح.. تبث رسائل حب .. تنطق بكل كلمات الود.. بعينيه قال لي: أحبكِ. وبعينيّ رأى الجواب! بالعيون نسجت حكاية حب قد تكون رائعة إذا استمرت. ويدهشني.. لماذا هو؟ وهو بالذات.. لا أدري.. ربما هذا هو سر الحب!!

 

30 / تموز

لم أفكر باسمهِ نهائياً.. أو ما عساه أن يكون.. كل ما كان يهمني.. اني أحببتُ إنساناً .. هو إنسان هتف قلبي له دون سواه.. وهذا بنظري يكفي! اليوم .. سمعتُ صديقه يناديه " أنمار ". إذاً هذا هو اسمه الأول.. اسم غريب.. رددتهُ مع نفسي .. لِوقع اسمه نغم جميل في قلبي .. بدا لي اسم "أنمار" أجمل اسم في الوجود.. فأسماء مَن نحب هي أجمل الأسماء .. حتى لو لم تكن أجملها!

 

2 / آب

هناك شيء ما ربط بين قلبينا.. بدأت أأنس منه ميلاً وحناناً غريباً.. أية قدرة عجيبة يملك! بدأ يتوغل في قلبي.. يتسلل إلى دواخلي. حين ألقاه أحس بدفء الخجل.. تتدفق الدماء في وجهي، فأحمر خجلاً.. ترتكب خطواتنا كلما تقابلنا مصادفة.. لا أدري.. ما الذي يدعونا أن نتوقف عن المشي تماماً! للناس عيد يفرحون به.. وعيدي يوم ألقاه !

 

9 / آب

مع حشود الزائرين .. أدخل قاعة عرض للفنون التشكيلية .. تتناثر على جدران القاعة لوحات فنية تؤكد حركة الإبداع في المدينة.. أسير مع اللوحات.. وأتوقف عند الإمضاء " أنمار هادي". انهُ هو.. دهشت لأني اكتشفت انه رسام.. ودهشت أكثر.. لأنه يملك هذه الموهبة الرائعة!! لوحاته تؤكد انه فنان متمكن من صنعته.. فنان يملك حساً فنياً مرهفاً.. رسوماته تجرد باللون قضية ومبادئ وطن مجروح. بدأت لا أرى في المعرض سوى لوحاته.. إيحاءات ومواضيع ترجمها في فنه بكل صدق.. له طاقة خاصة في دمج العلاقة اللونية والروحية منسجمة مع ما يحيط به.. فنان غمس فرشاته في ألوان مبادئه.. حقاً انهُ فنان رائع .

 

18 / أيلول

تلقيت مع بريدي اليوم رسالة.. فضضتها على عجل.. انها بطاقة عيد ميلاد، مرسومة بأنامل فنان.. ألوانه.. استطاعت أن تقول ما لم يقدر على قوله لي حتى الآن! ومع البطاقة (زهرة أقحوان) لها لون خريفي.. أشم عطرها ملأى أنفاسي.. وكأني أحاول الاحتفاظ بها ما أمكنني في الصدر.. لم تذبل بعد! يبدو انها اقتطفت هذا الصباح.. كيف عرف بأني أحب زهر الأقحوان؟ كم هو لطيف ما بدر منه اليوم.. أجمل من أن تكون حقيقة وأصدق من أن تكون خيالاً.. فلو هبطت عليّ من السماء صرّة ملأى باللآلئ لَما كان فرحي بها كفرحتي اليوم برسالته.. وضعتها على صدري لتسمع دقات قلبي. شعرتُ بأني لم أكبر هذا العام .. !

 

2 / تشرين الأول

كانت حياتي جزيرة هادئة أعيش في أحضان عمرها بهدوء وطمأنينة.. تحكمها مبادئ العقل قبل كل شيء.. ملتزمة مع الناس بالأدب والاحترام.. كنتُ قريبة من الكل، لكن دون أن أكون حبيبة لأحد.. عواطفي لم أبتذلها لأي كان.. هذا هو الطريق الذي رسمته لنفسي ومضيت في سبيله بعد اقتناعي به. كنتُ أُؤمن بالحب.. وبأنهُ سيأتي في يومٍ ما مع شخصٍ ما.. يستحق أن أمنحهُ شرف محبتي .. واليوم أجده أمامي .. تسلل إلى جزيرتي بهدوء وباغتني. أتى.. ومعه الدفء الذي أبحثُ عنه .

 

9 / تشرين الأول

تتوضح أمامي ملامح شخصيته يوماً بعد يوم.. وأجدهُ نبيلاً مستقيماً.. رجلاً تملأهُ المبادئ.. على محياه ظلال الرضا والثقة والاعتزاز بالنفس.. أظن مَن يحمل هذا كله.. جدير بأن يُحب.. ففي سماته كل ما كنتُ أتخيله وأبحث عنه. أيقنتُ معه.. انني عثرتُ على حلمي.. لا أدري.. أشعر بالأمان معه حتى بهذه الصورة البعيدة القريبة.. البعيدة ببعدها المكاني.. والقريبة بقربها الروحي.

 

11 / تشرين الثاني

يعجبني إصراره على التقرب مني.. أحاول جاهدة أن أهرب منه.. لكن.. إلى أين؟ وفي أي مخبأ أخفي سري؟ فالعيون باحت بكل شيء! نظراته تؤكد محبته كل يوم ولا أستطيع سوى الرد عليه بنفس لغة الصمت التي يحدثني بها. أتحداه بصمتي.. والصمت قد أوصل الرسالة.. وأظن أكثر من لو كان بيننا حوار.. انهُ يعلم بأني أحس بوجوده.. وكأننا اتفقنا على الحب بصمت.

 

29 / تشرين الثاني

رن جرس الهاتف.. الساعة متأخرة.. أرفع السماعة:

_ ألو .. ألو .

لا أحد يجيب.. يُغلق الخط دائماً بعد أن أرد " ألو " للمرة الثانية. في ساعة محددة.. كل مساء يرن الهاتف.. انهُ هو.. هذا ما أنا متأكدة منه. تغمرني سعادة.. لا يتسع لها العالم!

 

8 / كانون الأول

حب تبين محياه.. برغم ما نحاوله من أصول التكتم.. فالعيون لغة عالمية كالموسيقى يفهمها الجميع حتى ولو اختلفت لغاتهم. بيننا جدار رقيق شفاف.. ربما ينشق بكلمةٍ مني أو منه.. فالأبواب بيننا مفتوحة على وسعها.. لكن لا ندري كيف ومتى ندخلها؟ أو مَن سيبدأ أولاً.. كلانا يكابر بعض الشيء.. وكلانا متوهم.. فلا كبرياء في الحب!

 

31 / كانون الأول

في حياة كلٍ مِنا سنة جميلة.. ولو سألوني عن أجمل سنة في عمري لقلت بدون تردد سنة ( ……… ) شعرتُ بأن النور بدأ منها. اليوم يضع الزمان الغطاء على آخر ورقة من عام ( ...…) ويقول لها كوني.. ذكريات. وغداً يرفع الزمان الغطاء عن الورقة رقم واحد من العام الجديد ويقول لها كوني.. أمنيات. انتهت أوراق المفكرة مع انتهاء العام.. والحكاية لم تنتهِ بعد.. أو لنقل.. لم تبدأ بعد!

www.postpoems.com/members/gulizaranwar

View gulizaranwar's Full Portfolio