عبد الستار ناصر في سوق السراي





قراءة

عبد الستار ناصر في سوق السراي

بقلم : كُليزار أنور













قراءة

عبد الستار ناصر في سوق السراي

بقلم : كُليزار أنور



(( سوق السراي )) . أحدث كتاب صدر للأستاذ القدير القاص عبد الستار ناصر . وهو مجموعة من المقالات النقدية الرائعة بحق كتب راقية المضمون ، عراقية وعربية وعالمية تُبوب ضمن باب ( دراسات في النقد الأدبي ) .

أقولها بملء الفم .. يعجبني أسلوبه في القصة والرواية والنقد . وهذا الأسلوب يغريني بقراءة أي شيء يذيل باسم عبد الستار ناصر .. ولا أدري لماذا ؟!

ولئن (( سوق السراي )) كتابات في القصة القصيرة والرواية والشعر ، فقد أعجبتني هذهِ الطريقة الجميلة ، السلسة ، الهادئة في نقد هذهِ النصوص وتحليلها ، إذ بإمكان الناقد أن يسحبنا بهدوء لنقرأ معه ويضع لنا خطوطاً تحت أهم ما يقرأ .. ويلخص التفاصيل ليعطينا _ وبكل طيب خاطر _ فكرة واضحة وذات قيمة لِما يقرأ ، وعن ما وجدهُ _ فعلاً _ في النص ، لا عن ما يريد هو أن يُوجده ! كما يفعل معظم نقادنا _ وخاصةً الشبان منهم _ وكم من مرةٍ قراءتي لمقالٍ نقدي عن كتابٍ معين جعلني أبحثُ عنه لأقرأه !

(( سوق السراي )) يتكون من قسمين :

القسم الأول  

كتابات نقدية مبسطة _ يفهمها النخبة وعموم القراء _ عن كتب روائية وقصصية وشعرية وسينمائية .. وأغلبها حديثة الإصدار لكتّاب عراقيين وعرب وأجانب منهم : محمد خضير ، وعبد الستار البيضاني ، وأرشد توفيق ، وعبد الخالق كيطان ، وناجي جواد الساعاتي ، وعزيز الحاج ، وفاتح عبد السلام ، وبتول الخضيري ، وخالد محمد غازي _ كانت له حصة الأسد _ ، وسلوى بكر ، وسليمان فياض ، وحيدر حيدر ، وغالب هلسا ، وانصاف قلعجي .. إلى جانب ماركيز ، وسارتر ، وغونتر غراس ، وأرثر كلارك ، وإيزابيل الليندي ، وفرناندو سابينو .. وغيرهم .

القسم الثاني

مقالات _ من نوع مختلف _ عن الحياة وهمومها الإنسانية ، وعن القصة من عوالم وطقوس وطريقة كتابة وأبطال .. يقص فيها عن بعض ما يفكر فيه بأسلوب ممتع ، فاهم ، واعٍ ، رقيق وقوي .. عن كل ما يخص هذا الفن الجميل الذي قال عنه جان بول سارتر : " ستبقى القصة القصيرة هي الفن الأكثر صعوبة بين بقية الفنون الإنسانية " .

ويحق لي أن أختار بعض ما وضعتُ تحته من خطوط لجمل وعبارات وأفكار قرأتها ، فأعجبتني ، وربما تكون دليلاً وضوء فنار لي ولغيري من القصاصين الشبان .. بها ومنها نتعلم الدرس من تجربة قاصٍ عراقي يكتب القصة منذ أكثر من ثلاثين سنة !

 (( كانت حياتي محصورة بين هرمين ، القراءة والكتابة ، وما كان من شيء يشغلني ويفرحني غيرهما . حتى أنني ، كما اليوم ، أخطأتُ بحق نفسي ، يوم أعطيت الكتابة ، مساحة أكبر من قراءاتي . )) ص 156 .

 (( الكتابة .. فردوس الكاتب ، وهو وحده الذي لن يأكل تلك ( التفاحة ) اللعينة مهما كان إغراء السيدة العظيمة ( حواء ) . )) ص 156 .

 (( لماذا نموت ؟ علمني هذا السؤال أن أكتب .. الكتابة حالة من حالات البقاء حياً )) ص 156 .

 (( وسيأتي الوقت الذي نرى فيه القصة العراقية القصيرة تنافس القصص العالمية إذا تمكن كاتبنا العراقي أن يتخلص من ( الوهم ) ويفهم بقوة ( أن الفن يمكنه أن يأتي قبل رغيف الخبز أحياناً ) . )) ص 168 .

 (( القصة القصيرة اليوم ، هي نفسها القصة القصيرة بالأمس ، وينبغي أن تبقى كذلك ، لا مانع من الابتكار والرسوم والأفكار وكل ما يطرأ على الذاكرة من أرواح وجبر وهندسة وأشباح وبيوت وسراديب وفبركات ( حلوة ) .. لكن ( يجب ) أن تبقى ( قصة قصيرة ) للقراء وليس قصة ( للفرجة ) أو قصة ( للامتحان ) الشفوي ، ينبغي أن تبقى قصة قصيرة ( للجمهور ) وليست قصة لخمسة قراء أو سبعة أفراد ! )) ص 172 – 173 .

 (( وقد أثبت لنا محمد خضير انه المبدع الذي ينام ويصحو في صومعة لا يخترقها رصاص ( اليومي ) ولا قنابل ( الرسمي ) ولا شأن له بالعلاقات الغامة التي تأخذ من روح المبدع أكثر مما تعطيه . )) ص 199 .

 (( ما يزال محمد خضير ( مطلوباً ) من القراء عربياً وعراقياً وما يزال هذا الكاتب الكبير يسافر في مكانه بينما العالم كله يدور حوله ، على العكس ممن يمضي غرباً وشرقاً ولا يرى أي شيء . )) ص 200 .

 (( عندما أفلس ( ديستويفسكي ) لم يكتب رواية للبيع السريع ، الفنان لا يفرط _ حتى في أسوأ حالاته _ بفنه واسمه ، بالعكس كان إفلاس هذا الكاتب سبباً في تعويض إفـلاسه

المادي بالثراء الروائي والقصصي ، وهو _ قبل غيره _ يعرف الفرق بين حاجة عابرة اسمها (( النقود )) وحاجة تاريخية عنوانها الفن . )) ص 253 .

*               *               *

وأنا أطوي آخر صفحات الكتاب وصلتُ إلى حقيقةٍ _ كانت قائمة ومازالت _ بأن عبد الستار ناصر يبقى عبد الستار ناصر _ شاءوا أَم أبوا _ وسيبقى _ بكل ما له وبكل ما عليه _ أشهر اسم قصصي عراقي ، وهذا لا يلغي _ أبداً _ إبداع أسماء عراقية أُخرى لها وزنها الفني وقيمة إبداعها المعترف به عراقياً وعربياً ، وربما عالمياً .

ولي الجرأة أن أقول : لم أستمتع بقراءةِ كتابٍ نقدي منذ زمن مثل استمتـاعي بقـراءة (( سوق السراي )) . لقد جعلني _ المؤلف _ أمضي معه خطوة خطوة ، وكلمة كلمة ، ودون ملل .. قرأتُ كل ما كتب _ المحظور والغير محظور _ ويدي على قلبي !

شباط / 2003

* " سوق السراي " . كتابات في القصة القصيرة والرواية والشعر للقاص عبد الستار ناصر / المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت _ 2002 .

View gulizaranwar's Full Portfolio