حاورها : فخري أمين

حوار


 الكاتبة كُليزار أنور :
أعتز بكُرديتي وأُجسد انتمائي
في أعمالي الإبداعية


حاورها : فخري أمين


 مثل يمامة قلقة حائرة تبحث عن مستقر _ مكان ، تمد كُليزار أنور أجنحتها في سموات حلم متصل ، جاهدة للإمساك ببعض خيوطه الناعمة ، لتعيد نسجها ، من ثم في صورة قصص من حرير ، قصص متوفرة على تميّز أُنثوي فريد ، وهوية واضحة .. بيد انها بخلاف العديد من الكاتبات ، لا تبحث عن مؤنثيتها في منطقة الجسد ، وتفاصيلية الحواس ، لأنها تجدها ببساطة ، متدفقة من أغوار ثقافة نسوية نائية ، ثرية ، مستمرة ، تحفل بالكثير من الرموز والإشارات والخبرات والتقاليد والمثل الإنسانية العريقة والرائعة ، الممتدة إليها عبر أزمنة بعيدة ، إن فيها شيئاً من أحلام البنات ، وخفر المراهقات ، وحكمة الأمهات .. حنانهن ومعرفتهن الغامضة بأسرار الحياة …
 وفي هذا الحوار محاولة لإضاءة بعض التخوم الغامضة من عالمها الذي لا يكف عن تجاوز نفسه والامتداد في مساحات إبداعية جديدة …  

 


س : الحلم دائماً ، الحلم أبداً .. لماذا الحلم .. ؟ هل وجد فيكِ ملاذه الذي فيه يختبئ من كوابيس اليقظة التي تطارده ، أم انكِ أنتِ التي تذهبين إليه ، تستعذبين الإقامة فيه ، بعيداً عن مرأى لحظة تنسحق تحت عجلات الرعب .. ؟


- الحلم بالنسبة لي _ وربما بالنسبة لأي كاتب حقيقي _ هو منجم الذهب ، وكلما هبطنا إلى أعماقه كان بإمكاننا العثور على ذلك المعدن النبيل ، ومن ثم تحويله إلى سبائك ذهبية . هكذا أعيش الحلم .. أذهب إليه وكأنه منجم ذهب ويأتي هو إليّ بمجوهرات ثمينة تتزين بها مخيلتي .. فالحلم هو تلك المساحة المضيئة التي تسكنني ، وما الكتابة سوى انعكاس هذا الضوء على الورق.


  س : بين العمادية التي تبدو للرائي إليها من الوادي ، مدينة طالعة من الأساطير أفلتت ربما ذات لحظة بعيدة من سطوة الزمن ، حملت طفولتها ، أسرارها ، حكاياتها واستقرت هناك محلقة ، نائية ، سعيدة .. وبين الموصل ، مدينة الثيران المجنحة التي تدخر هي الأخرى منذ أزمنة سحيقة توقها وحلمها الأبديين بسماء تتسع لطيرانها المستحيل ، توزعت حياتك . هل كان لهذين المنبعين أثر ما في أعمالك ، وكيف تجسد ذلك .. ؟


  - للمكان تأثيره الكبير علينا .. انه أشبه بالسحر الذي يخترقنا عنوة ويضيء عيوننا بالدهشة . كنت محظوظة أن أولد في العمادية وأعيش في الموصل ، فكلتا المدينتين لهما ارثهما الحضاري المعروف والخاص بهما . العمادية مسقط رأسي .. إنها الأُم التي احتضنت طفولتي وأحلامي البريئة .. والموصل محل إقامتي ونشأتي منها توهجت ثقافتي .. الأولى أعتبرها الأرض والجذور والثانية السماء والأفق .. وبين هاتين المدينتين العريقتين والبعيدتين بعد الحضارة تكوّن تشكيلي الإنساني والثقافي والأدبي .

 
  س : تحقق لكِ ككاتبة باللغة العربية حضوراً وانتشاراً كبيرين ، هل لكِ باعتباركِ كوردية الانتماء حضور مماثل في الأدب الكوردي .. ؟


- _ أنا كوردية وأعتز جداً بكورديتي .. ويكفي اسمي دليلاً لكورديتي . لقد انتقلنا إلى الموصل مبكراً .. فيها نشأت ودرست وتعلمت وتثقفت ، لكن بالمقابل لم أنسَ لغتي ،فأنا أجيد التحدث بها .. ولم أنسَ أصلي ، فكل الرموز الكوردية تسكنني وتعيش معي وتتجسد في أغلب أعمالي الأدبية كقصة ورواية . وبأسف أقول : حضوري الوحيد في الأدب الكوردي هو ما تُرجمَ من قصصي إلى الكوردية . 

 
س : غالباً ما يتحدث الأدباء الذين يكتبون بلغة أخرى عن مشاعر الغربة وما تنتجه من أزمات نفسية في الهوية والانتماء .. هل مررتِ بتجارب وأزمات من هذا القبيل .. ؟


_ لا .. نهائياً . لم أشعر بالغربة قَط ، فاللغة العربية لغة القرآن الكريم .. وهي لغة ديني وثقافتي .. فأهم عنصر يجمع بين الكورد والعرب هو الدين ، وربما هذا السبب في عدم شعورنا بالغربة .. فالكوردي والعربي في الصلاة يقرأن الآيات بالعربية . والشعب الكوردي عموماً شعب متدين روحياً ونفسياً ، لذا لا تجد الأزمات هذه متنفساً في داخله ، فالإنسان الكوردي لا تسكنه العقد .. انه بطبيعته متحضر سلوكياً ومتحرر نفسياً وإنسانياً .


س : توليكِ تحرير القسم العربي في مجلة " خازر " الكوردية / العربية التي تصدر في الموصل أحدث نقلة كبيرة في حجم القسم ومستوى ونوع المواد المنشورة فيه ، حدثينا عن هذا الأفق .. ؟


_ حقيقةً .. لم أفكر ذات يوم أن أعمل حتى كمحررة . وعندما عرضَ عليّ الأستاذ سعيد مَموزيني رئيس تحرير مجلة " خازر " مسؤولية تحرير القسم العربي .. لم أرفض إيماناً مني بخدمة الحركة الثقافية الكوردية والعربية معاً .. ومنذ البداية أردتُ أن تصل " خازر " إلى العراق كله .. إلى أبعد نقطة في هذا الوطن  .. أردت أن تتحول " خازر " إلى واحة نستظل ( كلنا ) تحت فَـيّء شجرتيها العملاقتين ( السنديانة والنخلة ) ! فالمهم عندي الإبداع الحقيقي الناضج ، فنشرت لأسماء عراقية وعربية معروفة جداً .. كان لي الشرف أن أكون حلقة الوصل بينهم وبين مجلة " خازر " فالاختيار الموفق والدقيق هو الذي أحدثَ هذه النقلة النوعية التي تقصدها ، فأية مجلة مستواها من مستوى الكتّاب الذين ينشرون فيها .


س : يتوفر الكاتب الجيد على تجربة قرائية ثرية ، مناجم ذوقية ومعرفية ، يحفر فيها بحثاً عن التماعات إبداعية كاشفة ، هل من حقنا أن نعرف شيئاً عن تجربتكِ في القراءة .. ؟


_ منذ الطفولة كانت القراءة هي البساط السحري الذي حملني إلى عوالم جميلة جداً .. من حينها توالت القراءات وتشعبت نحو كل مجالات المعرفة من أدب وتاريخ وفلسفة وسياسة وعلوم وتكنولوجيا .. وهناك قول أنا مؤمنة به يقول : طالما في الدنيا كتب فالسعادة مضمونة . ولقد ذكرت في أكثر من حوار أُجري معي بأن القراءة هي التي قادتني إلى درب الكتابة .. فالموهبة وحدها لا تصنع أديباً !


س : كتبتِ القصة والرواية والنقد الأدبي . في أي مجال تجدين نفسكِ أكثر ؟


_ أنا بالأساس قاصّة .. والرواية امتداد سردي للقصة ، فكان طبيعياً أن أمضي في درب الرواية الرائع جداً .. وكثرة قراءاتي وإعجابي بما قرأت جعلني لا إرادياً أمسك بقلمي وأكتب بإعجاب وتحليل أدبي عن بعض ما قرأت والتي تجاوبت معها أدبياً وإنسانياً وفنياً .


س : صدرت مجموعتكِ القصصية " بئر البنفسج " عام 1999 ورواية " عجلة النار " عام 2003 . وكلا الكتابين صدرا عن دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد . ما الجديد في أُفقكِ الأدبي .. ؟


_ لديّ الآن ثلاث مجاميع قصصية جاهزة للنشر مطبوعة في كومبيوتري أنتظر أية فرصة لنشرها داخل العراق أو خارجه . الأولى " عنقود الكهرمان " 18 قصة ، والثانية " جيش الفراشات " 12 قصة ، والثالثة " قيثارة ونجوم " 10 قصص . وكل هذه القصص منشورة في أرقى الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية العراقية والعربية . ولديّ رواية لم أنتهِ بعد من كتابتها اسمها " الصندوق الأسود " .


س : حكمة تؤمنين بها .. ؟


_ قال فيلسوف : إذا أردت أن تكسب حرباً فلا تحارب !!!


 

View gulizaranwar's Full Portfolio