حوار أجراه .. علي حسين عبيد

الكاتبة كُليزار أنور:


أعمل على تأطير الواقع بالخيال لكي يسمو الى مصاف الفن


أكتب لكل الناس وهدفي أن تصل نصوصي إلى كل القراء


علي حسين عبيد /العراق


في كتابات القاصة كليزار أنور نمط سردي –إذا جازت التسمية- لانجده عند الكاتبات العراقيات الأخريات، فهي غالبا ما تضع القارئ وجها لوجه أمام الحدث القصصي مباشرة ولا ترى في ذلك عيبا أو انتقاصا فنيا يعتور شكلها القصصي ولن تتردد في استخدام اللغة التي قد تستعين بها في حياتها اليومية لتدبيج قصتها،ولعلنا من خلال قراءة متأنية لنصوصها القصصية الواردة في مجموعتها الأولى الموسومة بـ (بئر البنفسج)وكذلك لروايتها التي تحمل عنوان(عجلة النار) ولنصوصها اللاحقة المنشورة في مجلة الأقلام وجريدة الزمان سنكتشف أننا بإزاء كاتبة لاتعرف(الكذب) وهذا بحد ذاته قد يشكل معضلة شائكة تواجه السرد او الأدب عموما بحسب رأي بعض النقاد خاصة إذا ما تذكرنا كلمات ماركيز عندما ابلغوه بفوزه بجائزة نوبل فصرخ قائلا (لقد أنطلت عليهم الأكاذيب) وهو يقصد بذلك رواياته وسرده بشكل عام والكذب هنا ليس الضحك على الذقون كما يظن البعض أو خداع القارئ إنما ثمة ما يمكن ان نطلق عليه بالكذب الفني غير اننا من جانب مغاير سنرى ان الصدق الفني سيشكل ميزة فنية أساسية في نجاح كثير من الأدباء وترسيخ أعمالهم في الذاكرة الجمعية كما حدث مع هيرمان ميلفل الذي قال عنه صديقه هوثرون (ان الصدق الشديد الذي تتمتع به كتابات ميلفل هو السبب الوحيد في خلودها)لذلك نرى ان سرد كليزار أنور ربما يتوسط الصدق والكذب (الفنيين) ولعلها سمة فنية تتمتع بها خلافا لغيرها من قريناتها في كتابة السرد وفي الحوار التالي نضع نصوص كليزار تحت المجهر لنكتشف رؤيتها للسرد النسوي العراقي ولنؤشر الخطوط الفنية العامة التي تحكم مساراتها في هذا الحقل الأدبي.


* الخطاب القصصي الحديث الذي تُكتب على وفقه القصة العربية والعراقية كما يقول النقاد أين أنت منه الآن؟


- الكاتب الحقيقي ما عليه سوى أن يكتب .. والقاص بالذات ما عليه سوى أن يحكي للقارئ .. للقارئ وحده .. يسرد بصدق دون التفكير بما يقوله النقاد ، ووضع شروط مسبقة .. عليه أن يكتب مثلما يتنفس .. هكذا بكل بساطة .. الكتابة القصصية – بنظري – اكتشاف ضمير الواقع الحي الذي نعيشه وتأطيره بخيال يؤهله ليكون فناً أو خطاباً قصصياً حديثاً.. لدينا الكثير لنقوله .. وقلناه في قصص وروايات جديدة – بين أيدينا - كتبناها ونكتبها وسنكتبها مستقبلاً .


• بعد ان كتب عنك كتاب نقد مهمين مثل الدكتور محمد صابر عبيد كيف تنظرين الى خطواتك (السردية) بين اسماء قصصية نسوية كثيرة ؟


- عندما كتبتُ قصة(عنقود الكهرمان) شعرتُ يومها بأني فعلاً قاصّة كان شعورا ذاتيا بحتا، وعندما كتب عنها الدكتور محمد صابر عبيد أيقنت بأني من الممكن أن أُقدم شيئاً يستحق أن يبقى .. ونُشرتْ القصة والدراسة في مجلة " الموقف الثقافي " وما زلتُ أذكر حين قال أحد الأدباء الكبار عنها : " منذ عشر سنوات لم أقرأ قصة بمستوى قصة " عنقود الكهرمان " لكُليزار أنور ! " ولم يقلها أمامي وحدي ليجاملني ، بل قالها أمام مجموعة من الأدباء .
لقد بدأت الكتابة والنشر عام 1995 ، وربما يعتبرني البعض آخر مَن ظهر من كاتبات القصة في العراق .. و أظن بأنني خلال هذه المدة القصيرة استطعت أن أُحقق وجوداً طيباً لي في حقل السرد.. هناك حكمة قديمة أُؤمن بها تقول : " ما يتوهج سريعاً يخبو سريعاً " ! لذا كنت حريصة على أن تتدرج خطواتي رويدا .. وأن تنضج كتاباتي على نار هادئة .. ولستُ مستعجلة فلما تزل التجربة في مبتداها.


* تفتقر الكاتبة العراقية للجرأة في التناول القصصي على عكس الكاتبة العربية او العالمية اين ترين الخلل في ذلك؟


- هل الجرأة في أن تكتب المرأة عن ما يدور في غرف النوم ليُطلق عليها لقب الكاتبة الجريئة ؟! الله سبحانه وتعالى أعطى قدسية خاصة لِما يجري بين الرجل والمرأة من حقوق شرعية ، لذا تقفل الأبواب وتُنزل الستائر عند ممارسة هذا الحق الشرعي ، فما معنى أن نكتب عنه بهذه الإباحية المفرطة.. كي يطلق علينا لقب المرأة أو الكاتبة الجريئة !
ودعني أُعلن من هذا المنبر الثقافي .. بأني إنسانة وكاتبة ملتزمة أمام ديني وأهلي وعائلتي وأصدقائي وبالتالي مجتمعي الذي أنا جزء منه.. ولا أُريد أن أتمرد عليه باسم الفن والجرأة! سأبقى تلك المرأة الكاتبة التي تنشد الفضيلة وتحاول أن توصلها إلى الناس بقلمها النظيف.. سأبقى ذلك الملاك في عيون كل مَن عرفني وقرأ لي.
في روايتي القادمة " الصندوق الأسود " أكتب شيئاً من هذا القبيل، لكن دون إسفاف ومخاطبة للغرائز.. أكتبه بإحساس نبيل.. مجرد همس للقارئ وبعدها أنسحب وأترك له وحده حرية التخيل.


* ولكن أنت وضعت الجرأة في حقل الكتابة عن الجنس فقط وهي لا تنحصر في هذا الجانب ولربما يكون الشكل القصصي مؤشرا للجرأة في التناول ولنأت الآن إلى مجموعتك القصصية( بئر البنفسج) فهي تحفل بنفس رومانسي مضمخ بلغة تبسيطية إذا جاز القول تجعل قصصك سهلة المنال من لدن القارئ أي ربما تخلو من المسكوت عنه كما يرى بعض النقاد فماذا تقولين في ذلك؟


- لغة بسيطة ، سلسة ، هادئة .. هكذا توصف لغة قصصي.. وأظنها ميزة أكثر مما هي انتقاص بحقها ..فالشاعر الكبير نزار قباني كان يكتب بلغة يومية متداولة.. ووصل إلى ما وصل إليه بهذه اللغة البسيطة وتحول شعره إلى قماش شعبي يرتديه كل الناس .. وأنا أيضاً – وعذراً لهذا التشبيه - أكتب لكل الناس .. وهدفي أن تصل نصوصي إلى كل القراء ..الطالب والمهندس والدكتور وحتى ربة البيت .. وأفهم بأن هذه اللغة البسيطة ستوصلني إليهم .
ومجموعة " بئر البنفسج " كانت أولى خطواتي في درب القصة ، وأنا أعتز بها جداً ، فمنها تعلمت الدرس الأول ، وهناك فرق كبير بين قصص تلك المجموعة وقصصي التي جاءت بعدها.. ومنها قصص عنقود الكهرمان ، جيش الفراشات ، البيت القديم ، صندوق الدنيا والمفتاح الذهبي .. وهذه بالذات تحدثوا عنها كثيراً وأشادوا بها في الـ ( BBC)وفي أحد المواقع الإلكترونية قالوا عنها بالحرف الواحد : " لم نسعد بشيء مثل سعادتنا بانضمام صوت من العراق الحبيب.. قصة " المفتاح الذهبي " في مجملها مثيرة وساحرة بقدر السحر الذي أحاط بمفتاح سلسلة الجدة والذي أهدته إلى حفيدتها..والحفيدة تفتح، بحكيها عن المفتاح، باباً كبيراً للمناقشة، وتمنح القارئ والناقد مجالاً رحباً للتساؤل عن السر في غياب المفتاح فجأةً من وسط السلسلة، وعن ذاك الخيط الرفيع ،الرفيع جداً الفاصل بين الحلم والواقع، وعن السر في وجود السلسلة في جيب قميص زوجها، وعن الجرح .. إنها قصة مشوقة وغريبة،أتمنى أن يتطرق لها كتّاب النصوص الإبداعية والنقد الأدبي بالدرس والتحليل " .
هذا جزء من ما نُشر في موقع مجلة " ميدوزا " المغربية بتاريخ 17 / 1 / 2005.


* في لقاء سابق معك أشرتِ الى أنك ستصححين الأخطاء الفنية التي وقعتي فيها(فنا او مضمونا) في روايتك الأولى -عجلة النار- بعمل روائي جديد، ماهي هذه الأخطاء؟


- "عجلة النار" أول رواية كتبتها.. وكانت بالنسبة لي التمرين الصباحي الذي منحني بعض اللياقة الروائية ! ويسعدني جدا بأنني دخلت إليها من زاوية لم يتطرق إليها أحد من قبل ، لا عراقياً ولا عربياً .. مع هذا فيها أخطاء مثل أية تجربة أولى وأنا أعلنتها لأني اكتشفتها بنفسي ، والإنسان يتعلم من أخطاء تجربته ليتجاوزها مستقبلاً .. لذا ستكون روايتي الجديدة " الصندوق الأسود " شيئاً آخر إن شاء الله .


* في ظل المتغيرات والأحداث المتسارعة في الواقع العراقي كيف تلخصين دور المرأة الكاتبة في هذه الأحداث ؟
- دورها كدور الرجل الكاتب بالضبط .. إنها تراقب عن كثب .. تغوص في قلب المأساة التي نعيشها لتُخرج واقعاً مؤطراً بالألم والأمل !


* يتهمك البعض بالتبسيط أي انك تفتقرين للطرح الفني العميق (وأكرر) للجرأة في الطرح فماذا تقولين في ذلك؟


- مَن هم هؤلاء ؟! يا ليتك حددت أسماءهم لأجيبهم مباشرةً قبل أن أجيبك .. مع هذا أنا أسأل الآن هؤلاء : هل قرءوا لي حقاً وبإخلاص ؟ هل تابعوا مسيرتي القصصية من البداية إلى الآن.. وكيف تدرجتُ نحو النضج الفني والإنساني العميق ؟ حتماً لا .. انهم اكتفوا بقراءة نَص أو نَصين قديمين لي وحكموا عليهما وعليّ بالتبسيط !
أقول لهؤلاء : يا ليتكم تفتحون معي بريدي الإلكتروني الخاص بي وترون هذا الكم الهائل من رسائل الإعجاب التي تصلني، وهذا النقاش الجميل والمفيد، وحتى النقد، فهو نقد بناء وموضوعي .. وهذه الإيميلات التي تصلني ليست من قراء عاديين، بل أفتخر بأن أكثر من نصف كتّاب العالم العربي هم من أصدقائي المخلصين .. أُناقشهم ويناقشونني وفي أدق التفاصيل الفنية في بعض الأحيان .. وأقول لهم أيضاً : بأن هناك مواقع إلكترونية وصحف ومجلات عراقية وعربية معروفة جداً تنشر لي بدون علمي المسبق .. والكل يأخذ موادي الأدبية من مواقع الانترنيت.. وبالتأكيد هذا دليل ملموس على جودة ما أكتب !


* ماهو رأيك النقدي وليس الأخلاقي بالأدب الإباحي أو أدب الجسد كما يطلق عليه البعض ولتكن أحلام مستغانمي نموذجا حول هذا الموضوع؟


- لقد قرأت للكاتبة أحلام مستغانمي رواياتها الثلاث( ذاكرة الجسد و فوضى الحواس و عابر سرير) وأُعجبت بفوضى الحواس..وكتبت عنها دراسة نقدية سأنشرها قريباً إن شاء الله..ولي رأيي الخاص بهذه المسألة كإنسانة أولاً ثم ككاتبة:
(هناك ثلاث خطوط حمر يقف قلم الأديبة عندها( السياسة ، الدين ، الجنس)وعليها أن لا تتجاوزها..ثالوث عجيب يزلزل ركود الزمن من حولنا وعلى المرأة أن لا تقترب منه !!!)


* ألم أقل لك إن الكاتبة العراقية تفتقر للجرأة في الطرح وفي نهاية المطاف أسألك، فرانسواز ساغان كتبت اولى رواياتها (صباح الخير أيها الحزن) وهي في الثامنة عشرة من عمرها وقد نجحت فيها أيما نجاح والكاتبة عندنا تتجاوز الستين ولكنها لاتتجاوز حدود بلدها، ماهو الخلل في ذلك؟


- إطمئن أيها الصديق العزيز .. أنا سأتجاوز حدود بلدي قبل أن أبلغ الستين .. وثقْ .. بأدبي وحده وبكل ما يحمله من التزام وصدق وبساطة .. ستضحك .. وسيضحك النقاد من إجابتي.
قال لي أحد الأدباء المصريين :(لو كنتِ عندنا لَبئيتي حاكة تانية) لقد نقلتها لك مثل ما قالها هذا الأديب بلهجته المصرية ولقد صَدمني قوله وجعلني أعتز بذاتي بلا تردد..في الغرب - مثلاً - ما على الكاتب سوى أن يكتب من وحي موهبته.. أما صناعة الكتاب والنشر والتوزيع والترجمة فهي مهمة أناس آخرين ..هناك يصنعون النجوم.. ولهذا وصلوا.. بعكسنا بالضبط !
تصور والكل يعرف هذا، وكم من مرةٍ حصل.. أن يوفد (شاعر)إلى مؤتمر للرواية وهو لاناقة له ولاجمل في الجنس الإبداعي .. ويذهب هذا الشاعر(موفوداً) ويعود من دون أن يعلم الروائيون بذلك !!!
إنها مأساة مؤسساتنا الثقافية التي كانت ومازالت موجودة -وربما- حالياً، وسوء الإدارة من قبلها، هو الذي قوقعنا في محارة بلدنا !لكن بجهودنا الذاتية صنعنا أسماءنا-لو كانت لنا أسماء-وحفرناها في الصخر..وكل ما نحلم به أن نترك شيئاً يذكر يخلدنا كأدباء من هذا الوطن!
ويا للمفارقة ،بعد الاحتلال -فقط-عرفنا ما معنى الإيميل وما معنى المواقع الإلكترونية .. وبدأنا الآن نتعلم كيف نوصل فننا إلى آخر الدنيا ونحن في بيوتنا !!

* نُشر الحوار في جريدة الزمان/ العدد (2062) بتاريخ 17/ 3/ 2005.

 * k**

View gulizaranwar's Full Portfolio