مقالات .. وضعت اصبعها على الجرح

 
قراءة في كتاب


((  رؤى  ))
مقالات .. وضعت اصبعها على الجرح !


 كُليزار أنور

 

 هل الأديب .. هو الشاعر والقاص والروائي فقط ؟ بالتأكيد .. لا ! هناك الكثير من الكتّاب لم يكتبوا بيتاً من الشعر أو رواية أو حتى أقصوصة ، مع هذا اشتهرت أسماءهم وذاع صيتهم بين الناس بفضل كتاباتهم الواعية التي تتدفق مع النبض العام للمجتمع الذي يحيط بهم . وفي كثير من الأحيان نتابع قراءة هذهِ المجلة أو تلك الجريدة إكراماً لقلمٍ نزيه واسم حر .. !
 (( رؤى )) .. مقالات في الفكر والأدب والسياسة .. نُشرت في الصحف والمجلات ( الصباح ، المغرب، الملاحظ ، حقائق ) التونسية من الفترة ( 1989 _ 1999 ) . جمعها الأستاذ رضا الملولي * ، في كتاب أسماه (( رؤى )) وقد تطرق من خلال هذهِ المقالات لأشياء كثيرة ، من مفاهيم حقيقية ومشاكل قائمة وآراء جريئة . والقارئ ، والناس عموماً بحاجة إلى الكاتب الذي يضع يده على الجرح ويقول دون مواربة : هذا هو جرحنا !

 

هل يصلح العرب للديمقراطية ؟
 بهذا العنوان الاستفزازي يبدأ مقاله الأول ، وبهِ ينتهي . وذلك هو السؤال ؟!


المثقف والفعل السياسي
 إذا كان المثقف هو روح المجتمع ، وقلبه النابض ، فما هو دوره وموقعه بالضبط ؟! (( المثقفون .. هم الذين لا تكل الحركة لديهم ولا ينتظرون الهبات ، بل يسعون إلى التقويم والتقييم بحس نقدي لا تعادله إلاّ الحرية التي من خلالها يكتبون ويتحركون كذلك )) ص 7 .


المعرفة والحرية
 هجرة الكفاءات . يبدو بأن هذهِ المشكلة قائمة في كل الدول العربية ! ما أسبابها ؟! (( من حين لآخر يتباكى بعض المهتمين بشؤون العلم والتربية على النسبة المهولة لهجرة الكفاءات العربية ، ولا أقول أدمغة ويغضون الطرف عن الأسباب العميقة وراء ذلك !! يكتفون بالوصف ويتركون التعليل )) ص 9 .


عن المساجد والخطب المنبرية
 من الديمقراطية إلى الحرية إلى _ مسألةٍ حساسةٍ جداً _ الدين ! (( وضع قانون للمساجد ، للحد من تأجج مثل هذا الصراع الذي لا يرتقي بمجتمعنا التونسي إلى المستوى المأمول. لكـن لاحظنا في الفترة الأخيرة أن أماكن العبادة خضعت لتوظيف من نفس القبيل لا يقل بشاعة عن توظيف المتطرفين وتحولت الخطب المنبرية ليوم الجمعة إلى خطب تمجيدية فجة ولا أقول سياسية وتحول الامام بعصا سحرية إلى خطيب شبه سياسي يعظم الانجازات ويقدم قراءات غريبة مسقطة على المجال السياسي ، مدعومة بآيات خارجة عن سياق القول)) ص17.


في المعاني الجديدة للوطنية
 (( إن الوطنية لا ترتبط بحيز جغرافي وإنما تعني النجاعة والمردودية والقدرة على الإشعاع خارج الحدود . ومتى توفرت تلك الصفات في أحدنا فإنهُ وطني دون نزاع )) ص 27 . 

 
الغوص في الطين وبيداغوجيا الطاجين 
 من أكثر ما أعجبني في الأستاذ رضا الملّولي .. تحمسهُ الشديد للغة العربية الفصحى _وخصص أكثر من مقال لهذا المجال _ معهُ حق .. كيفَ سنتواصل لغوياً معَ الآخرين لو استعمل كل بلد عربي لهجتهُ المحلية ؟! وهو يستشهد بقول جاك بيرك : (( لقد خاضت الثقافة العربية معركة العصر ، وخرجت منها ظافرة بفضل اللغة الفصحى )) ص 30 . 

 
الشعر والشعراء
 (( لا أُبالغ إذا قلت إن عدد الشعراء في بلادنا يفوق المتصور ، ويكفي أن نفتح صفحات الجرائد لنتأكد من هذا " الكم الشعري " الهائل الذي يجوب المساحات المكتوبة دون متابعة تذكر )). (( الشاعر / المثقف .. هو الغائب في هذهِ الديار ، لذلك نلفي " شويعراً " حدود التعارض قائمة في ذهنهِ بين الشعر والثقافة فيرصف الكلمات دون رؤية فنية متميزة وبلا رصيد ثقافي يستطيع بواسطته نحت إبداع مكتمل الجوانب )) ص 47 .


 ويبدو بأن الكاتب متأثر جداً بالشاعر الكبير ( عبد الوهاب البياتي ) ، وقد استشهد بكلماته عدة مرات . (( عبر الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي عن هذهِ المعاني معتبراً الشاعر حاملاً لمشعل برومثيوس من جيل إلى جيل .. هنا تكمن وظيفة الشاعر : هي حمل الأمل الإنساني بشروط الفن لا غير ! )) ص 47 .


حتى لا ننسى ، أو المهرولون !!!
 ويقول للمهرولين إلى حتفهم الأدبي : (( ان الكتابة موقف ومسؤولية : موقف في الحياة ، ومسؤولية حمل القلم تعادل في حجمها معاناة مَن ينوء بحمل جبال على كتفيه .. فهل فهم المهرولون؟! )) ص 73 .

 
عن الأداء الثقافي
 مجالات الثقافة عديدة ومنها المسرح . (( تم انتج مسرحيات باهتة تجارية بالأساس فتخال نفسك في ملهى ليلي لا علاقة له بخشبة المسرح ، وأهدافها ويستفحل الداء عندما يتم تصوير ذلـك
الإنتاج ويروج على نطاق واسع عبر التلفزيون )) ص 75 . 


الوهم الكبير
 مَن هو المثقف ؟ وما علاقته بالسياسة ؟ أيمكن أن نعتبر كل مَن كتب سطراً أعجبه بأنهُ كاتب ومثقف ؟! وهل كل كاتب مثقف ؟ وهل كل مثقف كاتب ؟! (( البعض من مثقفي العالم الثالث الذين إن انغمسوا في السياسة شوهوا السياسة والثقافة على حد السواء .. فتراهم يلهثون لاقتناص اللحظة المواتية ، بل ان البعض منهم يقدم نفسه كسياسي مرموق دون إدراك منهُ لطبيعة دور السياسي ودوّر المثقف ثم ان الكثير من مثقفي العالم الثالث لا يفهم من السياسة إلاّ الاستحواذ على موقع ما ويقدم نفسه على انهُ القادر على تغيير الوضع ، وقد بينت عديد التجارب ان الخلط الفظيع في تصور دور المثقف مضر بالسياسة ويخلق نوعاً من التكالب لا يخدم الثقافة والفكر في شيء)) . (( فيستعير مفردات السلطة متوهماً حيازته لزمام الفعل السياسي والحال انهُ في طريق فقدان وجوده كمثقف وذاك هو الوهم الكبير )) ص 78 .


كرة القدم فعل سياسي !!!
 (( هل أصبحت رياضة كرة القدم " ديانة " كونية جديدة ، تكاد تكون الديانة الوحيدة التي حصل حولها الإجماع ؟ نبرة الاختلاف حول هذهِ الديانة لا تمس جوهر اللعبة أو هي من قبيل المراوحة بين اعتناقها أو رفضها وانما هي ذات طبيعة تكتيكية تؤله ذاك اللاعب وتحط من شأن الآخر لأنه أضاع الكرة أو أخطأ المرمى أو تهاون في الدفاع عن ألوان الفريق الذي ينتمي إليهِ )) ص 81 .

والديانة كانت أقرب وصف للكرة . وأبرز سبب لاطلاق هذهِ  التسمية هو التعصب الذي يصاحب كل ديانة ، فانفعال الجمهور يصل إلى الهذيان والبكاء والتصفيق حد الهوس في حالتي الفوز أو الخسارة !
 (( من جهة اخرى ، هناك مشاهد تبوح بسر العلاقة بين الكرة والسياسة وهناك بلدان أمريكية وأوربية يتحول فيها التنافس من الملاعب إلى قلب المؤسسات الدستورية )) ص 81 .
 ويطول حديثه عن الكرة ومخلفاتها ويتأمل في النهاية ، فربما تكون سبباً في خلق حضارة جديدة تلغي الفوارق بين الطبقات الاجتماعية التي لم تستطع الاختيارات الاقتصادية للدول إزالتها !

 
في الكتابة والطباعة والنشر
 (( منذ أسابيع ، كتبت عن ظاهرة " الشعراء الشبان " وازدياد عددهم من يوم إلى آخر ، وما يصاحب ذلك من إغراق للسوق بكراسات أو شبه كتيبات يطلق عليها عادة تسمية دواوين شعرية ! والحقيقة انهُ لا علاقة لِما ينشر بمواصفات الطباعة الجيدة والدواوين الفعلية نوعاً وكمّاً )) ص 94 .
 ويبدي ملاحظات عامة على صعيد تونس والتي لا تختلف بالرأي الصائب على صعيد العراق
أيضاً ! وربما أية دولة عربية اخرى !
• (( الإبداع في مختلف تجلياته لا يمكنه أن يلقى رواجاً واسعاً إذا لم يتعاضد فيه المضمون مع الشكل ..
• الكثير مما يطبع ، وبصرف النظر عن محتواه لا يرقى إلى مستوى الكتاب الثقافي الجيد ، وتحس أثناء تصفحك إياه أن صاحبه امتطى سيارة لواج على عجل ليدفع بهِ إلى المطبعة ويصبح من أصحاب العناوين والعضويات المختلفة ! )) ص 94 .


هل يتناسب الكمّ مع حسن الأداء
  هنا أو هناك .. مَن هو الذي يساهم في إدارة المشهد الثقافي في البلاد ؟ سؤال في غاية الأهمية والخطورة !
  والجواب أخطر ! فغالباً ما يكون _ مع الأسف _ من الفاشلين في مجال الإبداع الأدبي . وهذا ينعكس بطبيعة الحال على المشهد الثقافي .. والسبب الأول والأخير .. هو الإدارة الغير كفوءة !
(( وإذا بحثت عن هوية بعض الشعراء قد تجد مَن " ضيع في الأوهام عمره " وخال الشعر مهنة تكتب على بطاقات التعريف وانتقل فجأة من مهنة دهان أو بنّاء إلى " شاعر " لا يعرف البحور الشعرية في أغلب الأحيان .. .. وعندما يتم الإعلان عن نشاط النادي المذكور ، يمكنك أن تصطدم بالعبارة التالية " لقاء مع الشاعر فلان حول تجربته الشعرية " ! والحال أن ذلك الشاعر مازال يحبو شعرياً ويخطئ في رسم الكلمات .. ! )) ص 115 . 
  وفي مكانٍ آخر يتطرق لنفس الموضوع .
  (( الشعراء الشبان يكتبون أضعاف ما يقرأون ، وكتاباتهم نوع من الاستنساخ Clonage .. ينسخون تجارب غيرهم بشكل مشوه .. تجد نفس " العصبة الشبابية " الشعرية على أعمدة الصحف وفي المهرجانات وفي الخلوات ، تنسق فيما بينها للظفر بأكبر عدد ممكن من الامسيات ، وينتقل أفرادها من مكان إلى آخر " كالحلايبية " يبثون لواعج نفوسهم المكلومة )) . ((  لكن هذا التراكم لا يخلو من بعض الأصوات التي تطفو وتشق طريقها داخل الزحام .. )) ص 129 .


رحيل شاعر
  (( من أين سأبدأ حديثي عن نزار قباني ؟
  هل الرثاء _ في حالة موت الشاعر _ منبع للذكرى أم تعداد للمناقب ؟؟
  قد يكون _ نزار _ آخر الموتى ممن نعدهم من كبار الشعراء الذين حفلنا بقصائدهم وتغنينا بأشعارهم .
  في لحظة تاريخية ما ، كان _ نزار _ المغترب عن وطنه الأُم ، محل جدل كبير ، غير شعري بالمرة لكنه أيديولوجي خاضه الماركسيون العرب وخصوصاً العروبيون ضده . ومن سمات هذا الجدل
عدم إنصاف الشاعر واتهامه بخيانة " القضية " وكأن الشاعر ليسَ قضية كبرى ؟
  لم يكن _ نزار _ من طائفة الشعراء " الموسميين " بل كادت كل كلمة يطلقها تجد مكاناً لها في قلب المواطن العربي ، وعلى بساطة تلك الكلمة تهتز الأفئدة وترى الواقع عارياً أمامك .. )) ص 134 .
  (( قصيدة _ نزار _ هي تلك التي تروي قصة الظمأ الذي لاينتهي إلى الحرية ، وتوق العربي الذي أدمته جراح القبائل إلى حياة أفضل ، لكن هذا التوق يبتر كحلم جميل ، فمن لها القصيدة بعد موت نزار ؟؟
  قد تكون " كوابيسنا " أجمل مما نقرأ اليوم من قصائد ؟ )) ص 135 .


جولة في الفضائيات العربية
أي إعلام لأي مُشاهد ؟
  انهُ يتطرق إلى الفضائيات وتزايد أعدادها وتجاوزها للأطر الرسمية للدول ، بل أصبح هناك مجال لتنافس القطاع الخاص . وللإمكانيات المادية " الهائلة " كان الخليجيون أكثرهم سيطرة على هذهِ القنوات الفضائية .
  ويعلق بشكل جميل على بعض البرامج ، ومنها :
  " البعد الرابع " .

يقول في حقهِ : ((برنامج سياسي ممتاز يبث من قناة " أبو ظبي " ساهم في الآونة الأخيرة في كشف معاناة أطفال العراق والحيف الذي لحقهم بسبب الحصار اللاإنساني المفروض على شعبٍ بأكملهِ)) ص172 .
  " قناة الجزيرة " :
  (( استحوذت هذه القناة التي تبث برامجها من " قطر " على اهتمام قطاع عريض من النخبة العربية ، بل ان مشاهديها من المواطنين العرب العاديين يتزايد باستمرار بعد أن أصبحت الهوائيات في متناول الجميع )) . (( من جهة اخرى نلاحظ ان المادة الاخبارية تقدم بشكل مهني جيد ( مراسلين ، محللين ، استضافة شخصيات سياسية متباينة ) ومن برامج قناة الجزيرة ذات الطابع السياسي نذكر برنامج " الاتجاه المعاكس " الذي تعتبر فكرته جيدة لكن تطبيقه في أحيان كثيرة يكون مخلاً بالفكرة .. كأن يختار منشط البرنامج ضيفين متناقضين لا يسمح أحدهما بالكلام للآخر .. إلى أن يصل النقاش بينهما حد العراك مما يجعل المتفرج في حيرة من أمرهِ ! ثم ان منشط البرنامج يختار _ مرات _    
مَن ليسَ لهُ رأي ويقدمهُ كصاحب رأي ! ويتحول الاستوديو بفعل ذلك إلى حلبة تشنج واستعمال ألفاظ غير مسؤولة ، وقد يفقد المنشط السيطرة على الحوار ، ويصل به الأمر أحياناً إلى الزعيق لإعادة الهدوء .. )) ص 172 _ 173 . 

 
عن النقد و " الهامش "
  (( حتى لا ننسى ان بعضهم بإمكانهِ أن يستعرض أمامك أسماء مختلفة ، تعود إلى أزمنة مختلفة كذلك .. وبإمكانه أيضاً أن يعدد أسماء كتب عديدة .. ولهُ من الآراء " النقدية " مالا تتحملهُ فضاءات مقاهي المدينة برمتها .. المصيبة ان صاحبنا لا يقرأ ، وما هو بقارئ .. كل ما في الأمر تظاهر زائف بالمعرفة .. وعندما يجلس أمامك تكتشف الفراغ الرهيب : خواء العقل ودنس الروح !
  حتى لا ننسى !
  بعضهم يريد التوفيق بين طموحات عدة ، الحصول على شهادة ما ، التردد على مكاتب معينة !
  الكتابة بشكل مدروس كذلك ..
  طموحات كثيرة لكائن واحد .. 
  ما نتمناه أن يوفق صاحبنا في شيء واحد ، لأن تعدد المواقع قد يفقد صاحبها كل المواقع في لحظةٍ ما ! مع التنصيص على أنهُ لا يوجد صنف من الكتابة يسمى " الكتابة المتملقة " .. )) ص 196 .


  بعد الانتهاء من قراءة كتاب (( رؤى )) 127  مقالة . وجدت بأن الأستاذ رضا الملّولي لم يغفل عن أي شيء سوى مفردة استغربت غيابها من قلمٍ رائع تطرق لكل شيء ونسيَّ أهم شيء في حياتنا ! هذهِ المفردة ( التي تتكون من حرفين ) لم تذكر سوى مرتين _ فقط _ في الكتاب الذي وصلت صفحاته إلى المئتين !!!
  ورغم ان كل منا في قارة .. إلاّ أني شعرت وأنا أقرأ .. بأنَ أغلب ما حصل هناك هو نفس ما يحصل هنا !
  هل هي أزمة العالم الثالث ؟ أم أزمة العالم العربي ؟
  ربما .. و ربما .. !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رضا الملّولي . رئيس تحرير مجلة " المسار " التونسية .     

www.postpoems.com/members/gulizaranwar

 

 

 

 

 

View gulizaranwar's Full Portfolio