النظام القصصي - قصص ممسرحة

Folder: 
دراسات

النظام القصصي ( ( قصص ممسرحة ))    (  1  )  ج

بين المفهوم السائد ومحور الحداثة                           ـ     بيات مرعي  ـ

يتطلع أغلب كتاب القصة الى انتاج قصصي يرتقي الى مفاهيم التجديد  ثم توريـد ذلك النتاج الادبي الى محور الحداثة ضمن معطيات النص الاكثر شمولية من حيث العمق الفلسفي والدلالي  .. ولتحقيق هكذا انجاز كان  لابد أن يؤشر النظام الذي يحدث انشغالا" واضحا" في ديناميكية النص ومن ثم في الالية الجديدة للمتلقي ( القارىء ) .

قصص ممسرحة  :ـ

في منتصف تسعينيات القرن الماضي وبالتحديد عام 1994 أصدر الاتحاد العام للادباء والكتاب ـفرع نينوى ـ سلسلة اصدارات   ( نون ) وقد أصدرت حينها اولى مجاميعي القصصية التي  حملت العدد (10 ) وتحت عنوان ( الخيول الجريفونية ) وفي زاوية الغلاف العليا يمينا"   عنوان  صغير   ( قصص ممسرحة ) .

ذلك الامر الذي اثار الكثير من التساؤلات حول مفهوم ذلك العنوان الصغير  ما بين مؤيد ورافض وكان  لابد ان يكون هنالك من التبريرات المنطقية والعلمية التي دفعت لاصدار هكذا عنوان لم يسبق له وجود في لوحة مصطلحات القصة القصيرة من قبل .

وحقيقة الامر كنت ابحث في حينها  عن   محتويات تكوين المشهد القصصي في أصغر وحدة بناء داخل السرد من جهة والفكرة والشخصيات والخيال والتخيل يقابل ذلك محتويات مشهد مسرحي ناضج من حيث البناء والتكوين ومن ثم جماليات المشاهدة لدى المتلقي . هذه المعادلة ان صح التعبير عنها تعمل على خلق الجدل بين متلقين   مختلفين .

وهنا تعمدت   دس المشهدية أو الية المشهد البصري المتحقق على خشبة المسرح من حيث بعده الفلسفي والجمالي الى فضاءات مستعارة  في ذهنية القاريء .

مع الاحتفا ظ بمشروعية كل جنس من هذين الجنسين الادبين من  حيث الكتابة والالية التي تعمل بها كل منهما ..

ولقد وضعت كل هذا في صفحة التجربة والتحدي في ان   .وفي الية تعمل ضمن الضوابط التالية : ـ

1 ـ التحليل الصوري للجملة اللغوية  اعتمادا" على بعدها الفلسفي وقدرة دلالاتها  .

2 ـ انشاء الموسوعة البصرية للغة الكتابة والنص .

3 ـ التحكم بالزمن  حسب ما يحدثه في عرض مسرحي ومدى انعكاسه  على القراءة .

4 ـ كسر التتابع السردي التقليدي وايجاد حلول وبدائل صورية تعمل على اغناء القارىء بالية جديدة للفهم والمتابعة .لايجاد قارىء جديد .

5 ـ أعتماد مبدأ الخطاب ليس على مفهوم التتابع بل على ديناميكية التركيب الصوري الذي تحدثه المشهدية في اثناء القراءة .

6 ـ  تشظية الصورة المترسخة لدى القارىء واحداث مساحات بيضاء في ذهنية القارىء تكون قابلة لافتراضات جديدة للقارىء نفسه تعتمد على مرجعياته وثقافاته وربما احساسه العاطفي للمشهد .

وهنا  نجد مما تقدم  أننا قد أحدثنا قراءة اخرى تتفاوض في متنها على التحليل الصوري للقراءة اكثر من التفسيرالقرائي  للكتابة ذاتها . ان هذا التوظيف المقترن بفعالية الخيال والتخيل عند الكاتب والقارىء هي انفتاح  على أفق جديد ربما   يتطلب  من  القارىء ان  يتمتع بمزايا ومواصفات خاصة أولها الثقافة العالية . ومدى رؤيوي بعيد يتعدى التحليل التقليدي للجملة الفنية داخل النص .وهنا كان بالامكان ان نطلق مسمى جديد  على هذه الفعالية الكتابية ب ( الرسم في السـرد ) .

ولتفعيل هذا المنجز كان لابد من احضار ادوات الرسم اثناء عملية الكتابة وربما قبلها ، أي في زمن الخيال والتخيل الذي يحدث أثناء ترسيخ الفكرة العامة للنص القصصي ، وقد تتمثل هذه الادوات في استنطاق كل ما هو موجود من عناصر تركيبية للمشهد المر ئي من ( لون ـ مساحة ـ كتله ـ انشاء صوري ـ الخ … ) لكي  نحول ما هو قرائي الى بصري  متخيل أثناء عملية القراءة .

وهذا بالتأكيد يأتي من عملية التحسس الضمني للغة أولا" ولقدرة مجازات هذه اللغة وفعالية دلالاتها . وهنا لابد من الاشارة الى نقطة جوهرية  وهي أننا لا نقتطع مشهدا" من نص مسرحي  للتدليل على ماجاء أعلاه وهذا يعني فهما" مغلوطا" بالتأكيد جملة" وتفصيلا" ، وانما على انتاج نص أدبي قصصي يندرج في صنف  ـ القصة القصيرة ـ تحديدا" يعمل بالية عرض مسرحي ، يمتلك بعده الثالث صوريا" ودلائليا".

ان هذا التطاوع  الفني  بين محورين أدبيين يكتسب شرعيته النقدية بأحتساب التوافق الفني بين أكثر من محور أدبي على أساس النظرية الجمالية للفن والادب .

ولكن يبقى النص ينطوي دلاليا" على طبيعة ومنظومة من الالغاز قائمة على الاخفاء ترتبط هذه المنظومة بالنسيج المعرفي لثقافة الكاتب والقارىء معا" ولماهية هذه الثقافة وانعكاساتها وقابلية ادراج ذلك الخطاب المتأتي من طبيعة النص وجنسه .

وهنا  تلح الاسئلة التالية : ـ

ـ هل نستطيع أن نحصر تأملنا وخيالنا والتراكم الصوري في ذهنيتنا  أثناء قراءة قصة قصيرة ، ومن ثم تفجير ذلك كله في فضاء المسرح مجسدا" ؟

ـ كيف يكون مصدر الضوء شعاعا" محسوسا" بالعين المجردة لخلق توهجا" من فعل   الكلمات والسطور داخل القصة القصيرة وحالاتها وفلسفتها  .

(الحقيقة السايكلوجية التأثر بصريا" يسبق التأثر سمعيا" ) الرسم الذهني يساوي فعلا" مجسما" بصريا" …

ـ  هل نستطيع ترجمة الحلم بكل صوره  بكلمات السرد ؟

كل هذه الاسئلة تجتاح العملية الكتابية في زمن ما قبل   الكتابة  وبعدها كي تكون انفتاحات لمشغل جديد وفعل ديناميكي يتطلب رؤى جديدة يتفاعل بـها الكاتب والقاص بشكل خاص للخوض في مؤسسة الفكرة التي يعمل عليها . ليجد احتمالات متعددة لصور متغايرة في الشكل توافق فكرة ارتكازية أو ثانوية لاستشرق نص مفتوح على عالم فلسفي غارق في الجمال .

وهنا نحصل على قراءة بذائقة مفتوحة على الاحتمالات المختلفة لافق قصصي متزن في تركيبه وبنا ئه وضمن معالجة جديدة للفكرة  وصولا"" للترميز والتجريد .  بـهذه الخصوصيات نقطف ثمار التجربة ، رغم أن البعض من الذين تابعوا قراءة ( قصص ممسرحة ) أحال  هذه التجربة الى نوع من البرجوازية الجمالية . معتمدا" بهذا الراي  على  التأزم الذي شغلناه بالحركة التصويرية المتوافقة مع كل المراحل التي تمت  بـها عملية الكتابة .

ـ التعاشق الأدبي : ـ

ربما يكون هذا المصطلح انتاج جديد أحدثته هذه التجربة  والمعني بهذا هو فتح فضاءات بنائية تركيبية قابلة لاحتواء سياقات فنية لعمل ادبي يختلف شكله العام عن العمل الادبي الذي يكتب به . فالأشتغال  يولد نصا" لقصة قصيرة مثلا" يتطلب من  كاتب القصة خلق تواصل يتعدى حدود الية نص القصة تجاوزا" الى النص الاخــر الذي يريد التعاشق معه .

وهنا يحدث التساؤل الاتي ـ كيف نرسم اللون الساقط في صورة مرئية على مجريات السرد وكيف نتلمس ماهية المعادن بين طيات سطور الكلمات . وهنا لابد أن نجد  برنامجا" علاماتيا" باستطاعته أن يشير الى هذا الميل التعاشقي في رسم اللون مثلا" والتفاعل معه .

وقد استخدم هذا النظام في كتابة ( القران الكريم ) فما الارقام التي اكتسبت وجودها بين آية وأخرى  الا أشارة ضمنية تقبل التتابع لصور ودلالات متشابه ربما ومختلفة في أحبان كثيرة ولكنها تقع ضمن قا سم مشترك واحد هو بنية النص بشكل كامل .

وعليه أكتسبت ( قصص ممسرحة ) هذا الجواز بين ما هو دال  مقروء من ناحية وصوري من ناحية أخرى . ولتفتح مساحات لفضاء نص مفتوح تتولد جماليات صوره بين وقفات القراءة . ولتحدث عملية التجانس هذه وبأنسيابية مقبولة تضفي على النص جمالية القراءة بعين ثالثة ان صح التعبير .

  



      










View bayat's Full Portfolio