هذيانات معطف

    











                                    





مسرحية من فصل واحد









هذيانات معطف







الشخصيات

1- المعطـــــف الازرق

2- المعطـــف القهوائي

3- عامـــل المقـــــص

4- عامل ماكنة الحلج













((المسرح عبارة عن قبو او مخزن .. به ثياب مركونة ومعلقة وصناديق كرتونية تحتوي على ثياب.

معطفان احدهما ازرق والاخر قهوائي يقفان كأنهما معلقين .. موسيقى حزينة ...))

الازرق       : أنت ؟

القهوائي      : انت.

الازرق       : هو انت

القهوائي      : هو انت

الازرق       : ما الذي جاء بك ... هنا ؟

القهوائي      : ايه .. انها قصة طويلة .. ما يهم الان انها عاطلة عن العمل.

الازرق       : لكني سمعت بأنهم سيصلحونها.

القهوائي      : أووه حتى ذلك الحين.. ايه .. اتذكر تلك الايام..

                آه عليها.. حين كان نسيجي الاول يغلف ذلك الكبش الاصفر

الازرق       : وأنا كان الكبش الاسود.

القهوائي      : ومات الاثنين في معركة خاسرة على نعجة راحت لغيرهما ايه ما تزال تلك الرائحة الحادة لذلك الكبش موجودة خُذ شم.

الازرق       : وأنا كذلك .. ما يزال رائحة كبش الاصفر موجودة . اقول لك هيا نعود كبشين ونتناطح من جديد.

((يقلدان عملية النطح ويضحكان))

القهوائي      : اتعرف حال خروجي من معمل الخياطة .. وضعوني بتأن واحترام في صندوق كرتوني مع زملاء لي ثم اخذوني الى معرض كبير لبيع الالبسة الجاهزة وهناك وضعوني على مانيكير وكانوا يعطروني باستمرار وأنا معلق على ذلك المانيكير بشموخ وكبرياء.

الازرق       : ماذا قلت ؟

القهوائي      : بشموخ وكبرياء .

الازرق       : ((يضحك))ٌقول .. ما علاقتك بالشموخ والكبرياء...

                أنسيت نفسك ما هذا .. ؟ معطف يتحدث عن الشموخ والكبرياء..

القهوائي      : معذرة لهذا التعبير .. اتعلم انت .. كثرة احتكاكي بالبشر جعلني اتحدث بهذا المنطق ، ذات يوم جاء السيد الانيق اشتراني وكان سعيداً بي وكنت سعيداً به .. يا له من جسد لين.. طري ومعطر بأرقى انواع العطور .. كنت احيط جسده فقط اثناء سيره وتجواله وركوبه سيارته الفارهة ولكن بعد كل هذا ركنت على تلك الشماعة اللعينة في زاوية من القصر ولم يعد يقترب مني ويرتديني الا بأوقات متباعدة.. حتى رأيته وهو يرتدي معطفاً آخر اسود اللون وبموديل حديث عرفت انها النهاية بالنسبة لي ، بعدها باعوني مع مجموعة احذية وثياب ووضعوني في بالات ضغطت مع اخرين بواسطة اجهزة ضخمة .. ركنت في مخازن وسيارات وسفن لمدة طويلة حتى وجدت نفسي احيط جسد اخر ولون اخر من البشر... اصبحت مثل بائعة الهوى ، حتى انتهيت الى جسد ذلك السكير اللعين.

الازرق       : وماذا بعد كل هذه الرحلة؟

القهوائي      : تصور كل هذا المجد وانتهى الى جسد نتن ، كم تمنيت لو تحولت فأساً وقتلته ذلك السكير المعتوه والذي رأيت منه الكثير.

الازرق       : ((يضحك)) أي نوع من البشر هذا ؟

القهوائي      : كان يستخدمني كفراش وممسحة و ... و ..... تصور لم يكن يخلعني عن جسده العفن.. وأنا لا اطيق فعل أي شيء... ((يحاول تقليد ذلك الرجل بشكل مبالغ فيه حتى يسقط ارضا)).

الازرق       : ما بك.. لم ارك من قبل بهذه الحالة.

القهوائي      : لا ادري ربما تسبب لي ذلك السكير بحمى ... فعند ان تركنا في هذا القبو اخذت تعاودني هذه الهذايانات.

الازرق       : انها النهاية كما يقولون .. سنرى مصيرنا حالما يتم تصليحها.

القهوائي      : صدقت.. سنُحلج كأي خرقة بالية وتختلط خيوطنا مع اخرين.. ربما بدلة رقص.. او ملابس داخلية ... او ... او. انا ذلك المعطف الذي عاش قصصاً جميلة عن العشق والشوق والنجاح .. تصور كنت وراء نجاح الكثير واوصلتهم الى مراتب عليا.. وكل ذلك بفضلي.. آه لشد ما يحز ضميري عندما اتذكر ذلك...

الازرق       : ضميرك... اتقول ضميرك .. يا صاحبي ماعلاقتك بالضمير لا تنسى نفسك تذكر دائماً انك معطف.. بلا ضمير ولا احساس .. ثم أي نجاح .. ما علاقة النجاح بنا نحن المعاطف.

القهوائي      : كيف تقول ذلك.. نحن المعاطف نمنح الكبرياء والشموخ لكل من يرتدينا .. نتحمل البرد القارس والثلج.. اتعرف وراء كل رجل عظيم معطف.. ودليل ذلك اسأل صديق المعاطف. كوكول هذا الرجل الظريف الطيب..

الازرق       : قل لي اين اصبح معطفه.؟

القهوائي      : يقال انه توزع على المتسولين .. كتعويذة تدرأ على المتسول والمتشرد مخاطر الحياة لتمنحه الدفء والامان.

الازرق       : ((يضحك)) يا لك من ظريف... لقد ذكرتني بالمرأة التي اشترتني.

القهوائي      : أمرأة ؟

الازرق       : نعم أمرأة ثرية قدمتني هدية لعشيقها .. كان نحيفاً ووسيماً ويحب اكل الحلويات ، كانت جيوبي ملأى بها دائماً... اتعرف انني تسببت بموت العشيق..

القهوائي      : كيف ؟

الازرق       : كان الزوج الغيور يعلم بأمري حين اشترتني ، حتى جاء ذلك اليوم وفاجأهما سوية...

القهوائي      : وما فعل ؟

الازرق       : ماذا تظنه يفعل .. اطلق الرصاص ..

القهوائي      : مات ؟

الازرق       : دخلت قلبه على الفور من هنا .. انظر هذا الاثر..

القهوائي      : وانت ؟

الازرق       : بعد موت الرجل ، باعوني مع اثاث اخرى الى رجل وحداني اصيب بسكته قلبية بعد اسبوع من شراءه لي... في تلك الليلة بالذات هجم لصوص على غرفته وسرقوا كل ما فيها وكنت معهم.

                ثم اشتراني زبال ...

القهوائي      : ((يغرق بالضحك )) ماذا ؟

الازرق       : نعم اشتراني زبال . سبب لي الكثير من الاذى من قذارته ورائحته النتنة .. حتى صدمته سيارة لسائق طائش...

القهوائي      : ((مستمر بالضحك)) ((يحاول تقليد حادثة السيارة))

الازرق       : ثم اخذوني ورموني في هذا القبو .. بقيت زمناً ليس بالقليل ... انتقل من جسد الى جسد .. صور وصور تمر من امامي .. روائح وانفاس ، اكف جميلة مملؤة بالخواتم الذهبية رقيقة .. واخرى كبيرة وغليظة .. جيوبي محطات اسرار ، رسائل حب ، قصاصات عناوين ومواعيد .. شيكات مُزورة وحقيقية .. دموع وغضب ريح تعوي بين جوانحي ان كان ثمة جوانح وتبعد عني الاجساد انسلاخ.. انسلاخ.. كلما احتويت جسداً .. يرحل بشكل مأساوي مقيت.. انظر هنا هذه اطلاقة رصاص.. هذه اثر سكينة جبانه لسارق محترف.. وهذه اشارة عجلة سيارة.. كلها رحلتهم قالوا عني معطف مشؤوم..

القهوائي      : بدأت تخيفني...

الازرق       : لا تخف فالجميع يخافون مني... تركوني في هذا القبو وابتعدوا ... تركوني فريسة سهلة للفئران والعث والصراصير وديدان الارض.

القهوائي      : يا لك من غلاف بائس...

                لحسن الحظ.. اني لست شؤماً مثلك. أتعرف..

                ذات يوم استعارني ممثل هزلي مغمور من صديقه وصعد بي خشبة المسرح وكان دوره يقتضي ان يرقص وهو مرتديني وكان يدور ويدور ويدور ساعدته بان رفعت من ارديتي عالياً فبدأ وكأنني افر به وليس هو ، وكان ذلك كافياً لأن تنفجر القاعة بموجة من الضحك والتصفيق العارم الذي كان السبب في شهرته واصبح بعدها نجماً مشهوراً..

                هذا أنا هل فهمت.. ؟

الازرق       : لكنك يا صاحبي بانتظار ماكنة الحلج مثلي لنتحول الى صوف مرة اخرى ونختلط مع اشياء اخرى.. ونحشر في وسادة تتشرب منها انفاس النائمين البلداء.

القهوائي      : حقاً انها ماكنة رهيبة ليس لديها اعتبار.

((صوت عامل المقص))

الازرق       : أني اسمع صوتاً لا احبه.

القهوائي      : وأنا كذلك ... انه يذكرني بذكريات مؤلمة.

الازرق       : لابد انه هو ... نعم هو ..

الاثنان       : انه .. انه .. المقص ... يا الهي ... يا الهي.

((يدخل عامل المقص))

الازرق       : ما الذي جاء بك ... ماذا تريد .. ماذا تريد ؟ .

عامل المقص : لاشيء يا اصدقائي لاشيء ، جئت للزيارة فقط ولأتمام واجبي.

القهوائي      : واجبك.. أي واجب... الا يكفي ما فعلته .. حولتنا الى معاطف وغيرنا قمصان وبناطير ومناديل والبسة داخلية وغيرها وغيرها.. اجيال واجيال وأنت تنتقل بين العصور والأزمنة. ترسم للناس اشكالهم الخارجية ووجوههم الاجتماعية .. ترسم لهم ما يجب ان يكونوا .. لاماهم عليه..

عامل المقص : اوه انها مسألة بسيطة .. في الحقيقة انتم باحجامكم هذه الكبيرة لا تستطيعون دخول ماكنة الحلج.. فلابد من قطعكم الى احجام صغيرة.. وانتم تعرفون الباقي...

القهوائي      : آه لقد عرفت ذلك ... احسست به منذ دخول هذا العبد المأمور هنا ...

الازرق       : لكنك لن تستطيع .. اتعرف لماذا .. ؟ لأننا لن نسمح لك فنحن لسنا كما اول مرة حين قطعتنا وحولتنا كما شاء لك سيدك الادمي.. نحن الان .. نحمل ارواح العديد من الذين دخلت اجسادهم فينا.. ونستطيع استعادة أي منهم وتحطيمك يا غبي...

عامل المقص : ((يضحك)) انها خرافة من خرافاتكم .. ايتها المعاطف التعيسة فانتم بؤساء وتبقون كذلك.. والان تهيأوا للقص والقطع.

القهوائي      : حسناً .. انت اردت المعركة...

                ((تبدأ بينهم لوحة استعراضية على شكل رقصة الموت وبشكل صامت تنتهي بموت عامل المقص)).

الازرق       : الحمد لله لقد تخلصنا منه.

القهوائي      : الى الجحيم ايها المقص..

الازرق       : لا مقص بعد اليوم.

القهوائي      : مرحباً بحرية المعاطف مرحباً.

الازرق       : ((مقاطعاً)) لحظة .. أنا اسمع صوتاً .. انها هي ... لقد عادت لتعمل ... عادت لتعمل.

القهوائي      : لابد انهم اصلحو العطل الذي فيها.

الازرق       : اذن لنتهيأ للحلج.. تهيأو يا اخوان .. حان موعد الاندماج والذوبان في بحر النسيان.

القهوائي      : ايه من الصوف والى الصوف نعود.

الازرق       : نعود خيوطاً نختلط مع اخرى وتذوب ... ايه راحت تلك الايام.

القهوائي      : الوداع ايتها الايام الجميلة .. ايام السهرات الليلية والعطور الاجنبية.. واللقاءات السرية.. ولكن لحظة...

((ينفجر ضاحكاً))

الازرق       : ما بك تضحك . ؟

القهوائي      : نحن كمن يستجير الرمضاء من النار ... تخلصنا من المقص ووقعنا في المحلجة.

الازرق       : ان المقص شيء والحلج شيء اخر.. حاول ان تفرق بين هذا وذاك .. لدي فكرة لم لا نلعب لعبة الماضي المتنقل.

الازرق       : الماضي المتنقل ... جميل ... رائع ...

القهوائي      : لكن في هذه اللعبة نحن نختار من يرتدينا.. والان الى اللعب...

                ((يؤدون ادوار من شخصيات تاريخية ومشاهد من مسرحيات وافلام... يغنون يرقصون .. يبكون ... ثم يهدأون وينامون))

((يدخل عاملان))

العامل        : هيا لنأخذ هذه الثياب للحلج ... لكن لنبدأ اولاً بهذين المعطفين المهلهلين..

- ستار -


View bayat's Full Portfolio