خيوط (قصة قصيرة)

خيوط

قصة قصيرة                                   بيات محمد مرعي

لم تعد الخرابة العتيقة وحجراتها الا قصرا مذهلا لمجموعة كبيرة من الشحاذين المتسولين في كل مكان ، على الرغم من زحمة مفردات القمامة التي أمتلأت بها زوايا المكان المتهريء كلها. صناديق وعلب واكياس واشياء اخرى مختلفة انها محطة للمخلفات ... / لاشيء يأتي من لاشيء / رقص وغناء يزيح هم نهار متشابك بالمفردات والمفاجآت .. صاح احدهم بعد ان اودع جسده في صندوق كبير ، لقد وجدت سترة عتيقة عفنه سألتف بها في يوم بارد .. تراكض الجميع للبحث معه عن صفيحة فضلات مطعم الامراء كل شيء يحتويه البحث في تلك القمامه المجمعه من عشرات المحال التجارية والمطاعم في اول الشارع ...

تدحرجت كرة صغيرة من احدى زوايا البحث تهافت عليها الجميع وامتلأ المكان قفزاً وحركة وصراخاً بوجه الرجل المتخيل في عقولهم المعتوهة ....

لاشيء يأتي من لاشيء / قالها الاعمى منهم ليراصف ذكرياتهم بعد صمت قصير نحو رحلة عالم السيرك مهبط انفاس المهرجين بحبالهم والعابهم البهلوانية المجنونه ...

انه جنوح نحو المستحيل . حكايات مهمله مثل تذاكر الجماهير المحتشدة في تلك الخيمة الكبيرة . كلاب وفيله وقرود مروضه حتى ملوك غابات تبكي لتجمع الضحك مثل هذه القمامه...

قال احدهم ... ان الاسود اذا لقيت ضربا بالعصي منذ صغرها فانها تكبر لتصبح شبيهة بالقطط ... انها تجارة للخزن والفرح معا ... حتى تلك العصا السحرية العجيبة تفعل فعلها بقانونها السائب ، تدغدغ غرائب الاشياء امام عيون مضببة ترقبها بحذر وصبر طويل .. لتنقلب اللعبة الى لعبة صبر عمرها بعمر الحكاية صبر العزلة الغارقة في العدم ... مجرد اختراق لليل مشلول يمر على الجميع . يزدحم بافكار مختلفة

لاشيء يأتي من لاشيء ..../

البحث يخترق الطرقات المؤدية لكل النوافذ ، داخل هذا الصندوق او ذلك ... نحوي او نحوك او نحو الجميع ، في عقل كل شحاذ فكرة هروب من جيوب مفتوحة على مصراعيها كابواب خانات عتيقة لأناس رحلوا فتبعثرت حواسهم وفرت مثل ملائكة شفافة ...

مازال البحث قائما في هذا المكان المخرف وسحب الامل تجر الشحاذين للتفتيش والتدقيق والتبصير والتحديق حتى داخل المقبره الكارتونية الممتلئة بالصمت والعتمة ، ومن رجل عجوز لم يبق منه الا النبض الثقيل مثل فراشة مستترة مرعوبة من صياد وقح ارتبكت اللعبة في ارض القمامة ...

حدق الجميع نحو بعضهم بعضا وتذوقوا طعم دهشتهم بهذا الكائن الغريب ... وقعت الدهشة بينهم مثل قنبلة من تراب ودم ، تركت تساؤلا مدفونا في الصدر ... ماالحكاية ... ؟

لاشيء سوى الجسد المصبوغ بالقدم ذلك المتكور بين تلول القمامة هذه ...

توقفت اللعبة قليلا ... ليبزغ فعل جديد ، تراكض الجميع لتقديم أي خدمة له...

- خذ ياسيدي ماء ... واعطنا النفس او كلاما يسيرا .... ولاتقطع خيط النبض ...

- ياسيد المكان الاول جرب الجري نحونا واكتب عنوان حكاياتك فوق رمال ضفاف البحر ..

/لاشيء يأتي من لاشيء ../

نهض السيد مترنحا بكآبة شبه مطلقة وارتوى شهيقا معطرا بزحمة الروائح المتدنية ثم ترك لسانه لرحلة صمت قصير ...

- من انتم ؟رغم اني ابصر فيكم شيئا ... اين رحلتكم ولعبة الصبر معكم؟...

همس الجميع ...

نحن امراء الشحاذة مهرجي السيرك المجروح بنا ، ان اكبر الجروح جرح بلا دم .

على عتبات الفشل في ليل طويل دحرك نحونا .

من منا جاء نحو اخر سرا ، من غفى في كف الاخر بهدوء .. اتشد فوق جوعنا صوتا جديدا أم ترحل صوب روضة

عجزنا...

- الجميع ..... من انت ؟

- السيد ... انا سرب واعد بالحقيقة ليس أكثر ، خذوا من الشيء بقدر الشيء أو اكثر . هاكم خطواتي ولعبة صبري ودعوني افترش اللعبة ....

هذا خيط من تراب عجيب بصقته قمامتكم جمعته منذ سنين طويلة ... بين العقدة والعقدة وضعت سحر تعويذة لكاهن يهودي ...

تعالوا نغزل منه ثوبا يعيد لي شبابي وقوتي ، ويكسب لكم الدنيا لعبه .

غني ينافس غنيا ... هذه حجة ثوبي تقلب الدنيا فيكم .

/لاشيء يأتي من لاشيء / . تداول الشحاذون العرض ....

تجارب فاشلة أزحمت الطريق كله وجوع كافر أخاذ للعقل والروح ، انه خيط ساحر فيه أمل وحب ، لعب ومرح ، قصور وخيول ، بحار وجزر ، رقص وغناء . صاح الجميع لاشيء سوى خيط ساحر ، دار الشحاذون حوله مثل طقس ديني ، دفنوا حقائبهم تحت رمال دافئة اصبحت اللعبة في رأسهم جنازة بارده/. لاشيء يأتي من لاشيء .

بعد صمت قصير ، تمرد اكسلهم يذكر الجميع بشواهد فيهم مثل حلم الجرة تكبر ثم تكبر فتتهشم بغفلة من صاحبها ، لاتسرق مني الغفلة ، ودع لنا الدنيا قمامة، فك اقدامنا عن السهر او اللاشيء ، فان الارض تمطر خطاياها الى السماء ...

أجاب السيد ...

يابني رطب الخيط بيديك وتعكز بعصا السيرك لحظة ... خذ الخيط واسكت دع المغزل يوخز اصابعك حتى يدميها ، فالابطال يشمون رائحة الحلبة بجباه متعرقة .../ لاشيء يأتي من لاشيء / ثم رحل السفير يقصد الخبز والملح .

تداول الشحاذون فكرة البدء ، لتبدأ المغازل أنشودة الافواج المنتصرة، ودفء الاصابع الملطخة بزيت التجربة وليشموا زهرة فصل واحد ... يطول الزمن ، والسيد الواقف في ظل شجرة من غابة محروقة .... يبصر الثوب يكبر ليصبح عملاقا لايحتويه المكان برمته ، نعم العملاق يكبر واكثر ما يخيفهم الخوف ذاته ....

لقد صار الخيط ثوبا من دم ولحم ، حتى قدوم آخر رغيف خبز ولم يبق من العمل الا حفل كبير ليتوج العملاق ملكا وقبطانا للرحلة ، تدحرجت كلمة الافتتاح، انه مذهل ... جميل وأنيق ... عملاق وقوي ....

الكل يرقص ... كؤوس الخمر تلتقطها أيادي الشحاذين مثل عملة نقدية كبيرة ، الجميع أصبح مثل قطيع ضائع ، ويزداد المكان توهجا وصخبا ...

لم يبخل الشحاذون في تباهيهم ومبالغتهم بما أنجزوه ....

تناسقت الخيوط بالوانها وتناغمت الارقام في قياساتها وانتظم الصبر على ابواب الليالي المقمرة وأدمت المغازل اصابع الرجال ، مغازل احالت العدم حقيقة، فمن اللاشيء كان الشيء ... خيوط مبعثرة شريدة لايجتمع النظر اليها باهتمام اصبحت نبضا وروحا ..

تمردا وجبروتا زحفت اسئلة عدة في رؤوسهم أولها ، لماذا لايتكلم هذا المخلوق الذي ارتوى بدم اصابعنا بدأ الجميع يدورون حوله مثل طقس صوفي عميق وتعالت هذياناتهم وهم يطلبون الكلام من أجل الخلاص ، نفذ صبر اللعبة فصرخ أحدهم :

- سأضربه ضربا مبرحا وسأجعله عبرة لغيره سأستنطقه مثل صخرة نحات ماهر .

- تكلم يامخلصنا ....

- هيا تكلم ، وقل لي شيء ...

- أنت ياصبرنا ....

- سأضربك ان لم تنطق ...

- ضربا فيه همنا وشكوانا ....

يزداد الموقف توترا وشدة ... العملاق .... يأخذ بالدوران حول نفسه .... (( يصرخ))

       - من ..... من ..... من هز وسادتي فأيقظني من غفوتي، ان قدمي باردتان كاطراف سلحفاة البحر الشاردة ، ورأسي بركان يزفر دخانا اسود من اصل حريق اخمدته امطار غزيرة اكتسحتني نحوكم ، من جمع الاجزاء المبعثرة في .. لقد اضعتم خلوتي ودهاليز وحدتي وعزلتي، لن أدع الفاعل ينجو من قبضتي وانتقامي ... من شد على عنقي خيط أسري .

(( يحاول شد الخيوط )) ان الخيوط تشابكت وتعاقدت وشدت الخناق على اعناق الجميع . .. صرخ احدهم ... علينا تفكيكه قبل أن يقتلنا .. علينا قتل اللعبة هذه المرة دون بكاء أو حسرة .. علينا الجري نحو البداية ، نرسم اللعبة بشكل آخر. يعود الشحاذون الى لعبتهم الاولى :

- لله يامحسنين ....

- صدقة في سبيل الله ...

ادفع اليوم تأخذ غدا ....

- ما دامت لأحد ... لاشيء يأتي من لاشيء ...

الكل يدور مثل صخرة الطحن وما زال ذلك ، العملاق أشلاء مبعثرة في ارجاء الخرابة ....

قال احدهم ....

أتعرف مامعنى أن تضع وجهك في كف يدك ، ليقول ما يدور في قلبك ثم تاتيك عملة نقدية من رجل ثري مثل بصقة ساخنة في الوجه ....

- يضحك الجميع ...

- انظروا هناك رجل ثري ينادينا ....

يركض الجميع صوبه خارج هذا المكان المنحرف ...


Author's Notes/Comments: 

لك

View bayat's Full Portfolio
tags: