الفصل الثالث











الفصل الثالث





مجلات الأطفال ودورها في

بناء الشخصية الإسلامية







محتويات الفصل





[1] مجلات الأطفال العالمية

[2] أهداف مجلات الأطفال العالمية

[3] أنواع مجلات الأطفال العالمية

[4] مجلات الأطفال في العالم العربي

[5] خصائص بعض مجلات الأطفال العربية

[6] مضمون مجلات الأطفال الإسلامية

[7] إخراج مجلات الأطفال الإسلامية

[8] دور مجلات الأطفال في بناء الشخصية الإسلامية :

( أ ) تعريف الشخصية عامة

(ب) الشخصية الإسـلامية

(ج) أدوار مجلات الأطفال الإسلامية



الفصل الثالث

مجلات الأطفال ودورها في بناء

الشخصية الإسلامية



تحدثنا في الفصل السابق عن وسائل إعلام الطفل بشكل عام ، وتعرضنا لمميزات كل وسيلة منها ، دون إسهاب ، في أقسامها الثلاثة ، السمعية ، والبصرية ، والسمعية البصرية ، ولم نغفل الإعلام المدرسي ، وصولاً إلى السمات العامة لهذه الوسائل ، ومن ثم أهداف الإعلام الإسلامي الموجه إلى الطفل ، مع ذكر بعض المفاهيم والتعريفات المرتبطة بالموضوع .

وفي سياق الحديث عن الإعلام العام ، ذكرنا الصحافة تحت بند وسائل الإعلام البصرية ، وأشرنا إلى أن الصحافة أنواع ، ومنها المجلة . ويأتي هذا الفصل ليتناول المجلة كوسيلة إعلامية مقروءة ، بتفصيل يلم بهذه الوسيلة الأوسع انتشاراً ، والأكثر اهتماماً بالطفل والحياة التي يعيش فيها بين البيت والمدرسة والمجتمع .

ومن المتفق عليه بين رجال الإعلام والتربية ، أن (( مجلة الطفل أداة ثقافية وتربوية وإعلامية وترفيهية يملكها الطفل وتعبر عن عصرها وزمانها ، وتقوم بمهمة نقل وغرس القيم والمبـادئ ومعايير السـلوك ، وتـدعمها إيجابيـاً وسـلبياً من خـلال التعبير اللغوي ، والصور الذهنية ، وتشكل الطفل بالأفكار والقيم والفضائل التي تؤكدها له ، وتقنعه بها من خلال قصصها وموضوعاتها وأبطالها ، وتتميز أيضاً بقدرتها على تشكيل ذوق الطفل والمساهمة في تكوين شخصيته ، بل وتعتبر مسؤولة إلى حد ما وكبير عن تحديد نوعية القراءات في المستقبل ، الجاد منها أو التافه والرخيص ، ولذلك فإنها مسؤولة إلى حد كبير ، عن تحديد نوعية وملامح هذه الشخصية مستقبلاً ))( ) ، وهذا يجعلها على قدر كبير من الأهمية .

ويطـرح الرأي السابق جملة من القضـايا بالغة الأهمية ، ستكون محور هذا الفصل ، بحيث نستقرئ خصائص مجلات الطفل وأهدافها ، من خلال استعراض بعض المجلات الغربية والعربية ، تمهيداً لفهم طبيعة المجلة عموماً ، ومن ثم توضيح الأدوار العامة التي تؤديها المجلات في بناء شخصية الطفل عموماً ، والمسلم خصوصاً .  

[1] مجلات الأطفال العالمية

ذكر بعض الباحثين أن أول مجلة صدرت للأطفال كانت في فرنسا بين عامي 1747م ـ 1791م ( ). لكن المصادر لم تحدد تاريخ الصدور تماماً ، واكتفت بالإشارة إلى أن صاحبها كان أديباً (( ولم يفصح عن اسمه ، واتخـذ اسماً مستعاراً هو صديق الأطفال وأطلق الاسم نفسه على مجلته ))( ) .

وقد وقف الباحثون مشككين بحقيقة صدورها ، إذ استخدم بعضهم ألفاظاً منقولة ولم يجزم احد منهم أن لديه واحداً من أعدادها ، بالرغم من المدة الطويلة التي قيل إنها صدرت خلالها .

غير أن أحد الكتاب الفرنسيين ، بالرغم من أنه يقر بظهور صحافة الأطفال في بعض البلدان الأوروبية ، في انكلترا وفرنسا وروسيا وأسبانيا في نهاية القـرن الثامن عشر ، ومع ذلك فإنه قدر بدايتها في عام 1820م ، وأنها قد رسخت أقدامها في كل أنحاء أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ورأى أن ولادة هذه الصحافة المخصصة للأطفال ، ترافقت مع نمو جمهور قارئ في كل أنحاء أوروبا ، كما ترافقت أيضاً مع فكرة ترى أنه يمكن للصحافة ، كوسيلة تعبير عن طبقة أن تقوم بدور المربي للشباب ، تربية أخلاقية ودينية بشكل خاص ، إضافة إلى التربية المدنية والسياسية ( ) .

لكن ، وبالعودة إلى المصادر الأميركية ، لاحظنا وجود تناغم بين نشأة الصحافة في أوروبا وبين نشأتها في الولايات المتحدة الأميركية ، لكن التأكيد في المصادر الأميركية يوحي بدقـة التـواريخ ، الأمر الذي يشير إلى أسبقية الولايات المتحدة في مجال صحافة الأطفال على غيرها من دول العالم . وتقـول موسـوعة دوريـات الأطفال في الولايات المتحدة ( ) إنه في يناير 1789م أصدر رجل يدعى هدسن ( Hudson  ) ، وشريكه جورج غود وين ( Cood win  ) أول مجـلة أطفــال في أميركا ، وكانت تحمل اسم (( مجلة الأطفال )) (Magazine  The children’ s  ) ولكنهما أوقفاها بعد ثلاثة أشهر فقط ، فكان عدد شهر أبريل 1789م آخر أعدادها ، وتوضح الموسوعة ، إنه تم العثور على ثلاثة أعداد فقط ، ولم يعثر على عدد شهر فبراير ويعتقد أنه لم يصدر .

وبالنظر إلى ما مضى ، نجد أن عام 1789م ، يعد تاريخاً مبكراً جداً لصدور مجلة أطفال ناجحة في الولايات المتحدة ، نتيجة لعدد من العقبات الطباعية التي لم تكن قد ذللت بعد ، حتى بالنسبة إلى ناشرين كبيرين مثل هدسن وغود وين .

وبعد مرور عقد من الزمن على التجربة السابقة ، ذات العمر القصير ، أصدر شارلز سميث مجلة أطفال في نيويورك الأميركية ، تحت عنوان : ( The youth’s Newspaper  ) ولكنها أيضاً فشلت بسرعة بعد ستة أعداد .

أما البداية الحقيقية لمجلات الأطفال الأميركية فكانت في فيلا دلفيا ، حيث ظهرت في عام 1802م ، مجلتان للأطفال هما :((The Juvenile Olio  )) و(( The Juvenile Magazine)) وقد استمرت هاتان المجلتان حوالي سنة ونصف السنة ، وبعد نحو عشر سنوات ظهرت مجلة (( The Juvenile Port – Folio )) على يد صبي عمره 14 عاماً ، هو توماس كوندي ، الذي كان أبوه بائعاً للكتب وصانعاً للحبر ، وقد تمكن توماس رغم صغر سنه ووفاة والده ، من المحافظة على إصدار المجلة حتى عام 1816م .

وفي عشرينيات القرن التاسع عشر حدث توسع ملحوظ في إصدار مجلات الأطفال في الولايــات المتحدة ، ففي بوسطن ، أصدر جـون بوتـان عام 1826م مجلة ((Juvenile Miscellany  )) . أما أهم مجلة أطفال ظهرت في هذا العقد وأطولها عمراً ، كانت مجلة ((The you Oh’s companion   )) التي أصدرها ناثانيال ويليز في بوسطن من عام 1827م إلى عام 1929م ، وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر بدأت دوريات الأطفال تظهر خارج مراكز النشر الكبرى في فلادلفيا وبوسطن ونيويورك ففي (( مين Maine  )) ظهرت سنة 1830م مجلة أسبوعية اسـتمرت مدة سـبع سـنوات هي (( The Juvenile key)) ، وفي ساوث كارولينا ظهرت مجلة أسبوعية أخرى هي (( Rose Bud )) .

وقد شهدت هذه الفترة أيضاً ، ظهور دوريات أخرى ذات توجه إصلاحي موجهة للفتيان ، مثل مجلة (( صديق الرقيق ـ The Slav’s Friend  )) التي صدرت في عام 1836م عن جمعية مناهضة العبودية الأميركية ، ولكنها توقفت بعد عامين .

وفي الأربعينيات ظهرت مجلة أصدرتها مؤسسات دينية مثل (( مدارس الأحد )) ، وهي مجلات أسبوعية في معظمها .

ويعتبر العقد الذي تلا الحرب الأهلية في أميركا هو الأكثر ثراء في تاريخ مجلات الأطفال ، ففي عام 1965م ظهرت مجلة ((The little Corporal  )) التي كرست أعدادها للإشادة بالقيادة الأخلاقية والحرب ضد السلوكيات الخاطئة ، وكانت تعالج هذه الأمور بنبرة عسكرية ، وقد ارتفع توزيع هذه المجلة عام 1869م ليصل إلى (80) ألف نسخة ، ولكنها واجهت صعوبات منذ بداية حقبة السبعينيات من القـرن التاسـع عشر ، ثم ابتلعتها مجلة أخرى هي (( ST. Nicolas  )) في عام 1875م . ثم تتابع ظهور المجـلات الخـاصة بالأطفال في أميركا حتى آخر القـرن التاسع عشر ، فمنها ما كان موجهـاً لمنطقة معينة ، مثل (( Young Southron )) التي صدرت للولايات الجنوبية عام 1897م ، وبدأ صدور عدد من المجلات الموجهة للبنات مثل (( Girls  )) عام 1898م .

ومع بداية القرن العشرين بدأ سيل من المجــلات الأميركية التي أصبحت أكـثر نضجاً وتنوعاً ، ولا يزال بعضها يصدر حتى الآن مثل مجلة (( Boy’s life  )) التي صدرت عام 1910م ولم تتوقف عن الصدور منذ ذلك التاريخ ( ) .

وبالعـودة إلى فرنسـا نجـد أنه في (( عـام 1832م ، أصدر أميل دور جيراردان (( صحيفة الأطفال )) الغنية بالصور التي رسمها وحفرها أفضل الفنانين ، إضافة إلى صحيفة الشباب ، ثم صدرت صحيفة (( الأطفال الصغيرة )) ، (( وأحد الأطفال )) المخصصة للشابات ، ثم (( المخزن الجميل )) عام 1833م المخصصة للصبيان . وقـد تميزت ـ كما تقول المصادر ـ مجلة التربية والتسلية و(( صحيفة الشباب )) التي صدرت عام 1873م ، عن دارهاشيت الفرنسية ، بجودة نصوصها وكثرة رسومها التي نفذها فنانون متميزون ، ثم أصدر كولات في عام 1899م صحيفة (( الفرنسي الصغير المصورة )) التي طبع منها مائة ألف نسخة . ومع بداية القرن العشرين ، وتطور تقنيات الطباعة ، وكذلك اتساع الجمهور المتعلم انخفضت تكلفة الإنتاج ، فزاد عدد مجلات الأطفال ، كما زاد عدد نسخها المطبوعة ، فظهرت عدة مجلات مماثلة في فرنسا مثل (( الصغير المصور )) عام 1901 ، و(( أسبوع سوزيت )) عام 1904م ، و (( المدهش )) عام 1907م ، الذي وصل إصدارها إلى 450 ألف نسخة ، ومجلة (( الفتاة الصغيرة )) عام 1909م ، و (( الجريء )) عام 1909م ( ) . واستمر الاهتمام بمجلات الأطفال في فرنسا حتى الوقت الحاضر ، ففي عام 1996م ، (( بلغ عدد المجلات الصادرة للأطفال حوالي 46 مجلة ))( ) ، بعضها يخاطب الأعمار الصغيرة من 18 شهراً حتى ثلاث سنوات مثل مجلة (( Abricat )) ، وبعضها يخاطب الأعمار الكبيرة من 14 إلى 16 سنة مثل مجلة البنات ((  Cap levant  )) ومجلة (( Hiboa  )) التي الأطفال الذين تجاوز عمرهم ثماني سنوات ، وأهدافها منوعة .

وإذا أخذنا بعض الدول الأوربية الأخرى ( ) لنبين مدى اهتمامها بمجلات الأطفال التعليمية ، سنرى أنه يصدر في ألمانيا حوالي 86 مجلة حسبما يذكر (( ULRICH )) ، ومن أقدمها مجلة (( Academia  )) التي لا تزال تصدر حتى الآن ، وهي مطبوعة تعليمية وأكاديمية صدر العدد الأول منها في عام 1888م . وهناك مجلة ((ABC Zei tung   )) التي صـدرت عام 1946م وهي مجلة دينية تعليمية تخاطب الأطفال المسيحيين من سن 14 حتى 18 من العمر . وهناك نشرات تهتم بأخبار الأطفال ، مثل (( Controphinkt )) الصادرة عام 1925م . وهناك نشرة قديمة لا تزال تصدر وهي (( Okay )) وكانت قد صدرت عام 1898م ، وتوزع أكثر من 16 ألف نسخة .

أما في بريطانيا فهناك عـدد كبير من مجـلات الأطفال المتنوعة الأهـداف ، ولكن (( ULRICH )) يذكر 32 مجلة منها فقط ، أقدمها مجلة (( LOOK )) الدينية الصادرة عام 1845م ، ويليها نشرة تسمى (( الجندي الصغير ـ  Young Soldier )) صدرت عام 1881م . وتوزع 50 ألف نسخـة ، وهنـاك مجـلة تهتم بالكشــافة ، ولا تــزال تصـدر منذ عـام 1909م ، وهي مجـلة (( Scoutting  )) ، ومن المجـلات الحديثة مجلة (( Air cadet  )) الصادرة منذ عام 1970م .

فإذا اتجهنا إلى قارة آسيا نجد أن اليابان والصين من الدول التي تهتم كثيراً بمجلات الأطفال ، ولكننا سنذكر الهند كنموذج لقارة آسيا نظراً لتنوع وتعدد اللغات والعقائد فهناك مجلة تـدعى (( Anandamela )) تصدر باللغة البنغالية منذ عام 1975م ، وتوزع (54) ألف نسـخة ، ومجلة  ((Balbharati  )) تصـدر باللغة الهنـدية منذ عام 1948م ، ومجلة (( Balivan  )) تصدر بلغة (( غوجارات )) منذ عام 1920م ،ومجلة ((   Children’s Digest))، تصدر بالإنكليزية منذ عام 1967م . كما نجــد مجلة مثل ((  Chan damama )) تصدر بعدة لغات وهي : الهندية والأسامية والبنغالية والإنكليزية وغوجارات ، وكانادا ، ويتلوجو ، وتوزع حوالي (420 ) ألف نسخة .

ومن المفيد هنا أن نذكر (( إسـرائيل )) التي تقيم كيانها على أرض فلسطين المغتصبة ، ومـدى اهتمامها بمجلات الأطفال من باب اعـرف عــدوك ، فهي كما يذكر ((  URICH  )) تصــدر عـدداً كبيراً من المجـلات باللغة العبرية ، بعضها كان يصدر لليهود قبل اغتصاب فلسطين ، أي قبل 1946م ، مثل الصحيفة الشهرية ((  Bamaaleh  )) التي صدر العـدد الأول منها في عام 1926م . وهناك مجلة شـهرية صـدرت عـام 1953م وهي (( ETZB’ani  )) وثمة مجـلات للأطفــال الصغـار مثل ((  Zav – Zav)) للأعمار من 3 إلى 6 سنوات ، وقد صدرت في عام 1989م ، وهناك مجلة نصف شهرية للأطفال مخصصة من سن 6 إلى سن 8 سنوات ، واسمها : (( Kulanu – Pelan )) صـدرت عام 1976م ، ولا تزال مسـتمرة في الصـدور . وهنــاك مجلات علمية مثل ((P.H atom  )) الصادرة عام 1981م ، وجريـدة تهتم بأدب الأطفـال والمراهقين هي ((Sefrut yeladin )) ((Vanoor  )) الصادرة في عام 1974م . وهـناك أيضـاً مجلات تصدر بلغات أخرى غير العبرية ، مثل مجلة ((  Grashueper  )) التي تصدر باللغة الألمانية منذ عام 1979م ، ومعظم هذه المجلات المذكورة ، لا تزال (( إسرائيل )) تصدرها حتى يومنا هذا .

[2] أهداف مجلات الأطفال العالمية

تتنوع الأهداف التي تصدر من أجلها مجـلات الأطفال الغربية ، فهناك عدد كبير منها يصدر بهدف التسلية والفكاهة فقط ، وهـذا النـوع يشمل المجلات الهزلية المصورة ( Comics  ) .

ورغم أن صحف الهزليات المصورة هي من الصحف الشائعة جداً في أميركا وأوروبا وبعض البلدان النامية ، فإنها (( تواجه نقداً شديداً يصل إلى حد القول إنها تفسد خيال الأطفال ))( ) ، فهي مليئة بالرسوم المتجاورة التي تجعل من السهل فهم القصة دون ضـرورة الرجوع بتمعن إلى المادة المكتوبة ، وبذلك فإنها تفوت على الطفل فرصة إثراء قاموسه اللغوي وتعوده على القراءات السريعة والعابرة ، (( وفي أميركا وأوروبا صيحات عالية ضد صحافة ( الكوميكس ) ، وهذه الصيحات تقول إن خيال الأطفال قد أصيب بالمرض لأسباب عديدة ، أبرزها هذا اللون من الثقافة التي يرون أنها تمثل أرخص ثقافات العصر ))( ) .

ورغم أن الغرب هو الذي بادر أولاً إلى نشر الصحافة الهزلية ، فإنه يدعو الآن وبشدة إلى تجاوزها . ورغم معرفة الشرق ، والبلاد العربية تحديداً ، بالصيحات الغربية المنددة ، فإننا نلاحظ انتشار مجلات الكوميكس بشكل كبير في البلاد العربية فيما يعتبرها الغرب صحافة رخيصة .

وهناك صحف غربية تهتم بنشر الأخبار التي تهم الأطفال ، كما أن هناك صحفاً تهتم بجانب معين ـ كالرياضة أو الحيوان أو الفضاء ـ وهي تسعى بمجملها إلى تنمية معلومات الطفل وحصيلته اللغوية .  

ولمراحـل الطفـولة المتأخرة (( تصـدر صحف تفيض بالقصص المنتقاة ، مع العنـاية ببث روح الابتكار ، عن طريق المسـابقات والهدايا ، كنماذج الطائرات والأجـهزة ( الميكانيكية ) ، وتقدم الهدايا لأهداف تربوية وتعليمية ، تمهد لمهارات النمو ))( ) .

وهناك مجلات تصدر لأهداف دينية بحتة ، مثل التي تصدرها بعض المؤسسات الكنسية والأحــزاب الدينية ، لتبث القيم المسيحية في الأطفـال ، وبعض هذه المجلات يوزع مجاناً ، مثل مجلة ((  Discovery )) التي تصدر في نيويورك منذ عام 1935م وتحتوي على قصص مسيحية تعليمية ( ) . كما (( يحرص اليهود ـ بمؤسساتهم الدينية ـ على إصدار مجلات للأطفال ، لتحقق ارتباط أبناء اليهود بالتوراة والمجتمع اليهودي ))( ) .

ويلاحظ أحد الباحثين(( أن في اليابان مجلة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3-5 سنوات ، توزع (300) ألف نسخة أسبوعياً ، وفي فرنسا هناك مجلة تدعى (( بوني )) تصدر للأطفال في سن 15 شهراً ، وتعتمد على الرسوم التوضيحية للأشياء القريبة من الطفل ، ويطلع عليها الطفل بمساعدة والديه ، وفي اليابان أيضاً مؤسسة تجارية واحدة تعنى بلعب الأطفال تصدر (54) مجلة للأطفال شهرياً ، أما في أميركا فتصدر ( 338) مجلة (1988م ) تغطي كافـة أعمـار الأطفال وكافة اهتماماتهم ، تـوزع أكثر من (53) مليون نسخة ))( ) منها مجـلات يهـودية مثل مجـلة (( Young Israel  )) التي صدرت عام 1907م ))( ) .

وثمة مجلات جادة مثل (( High Liglts for children )) ، الأميركية ، والتي أصدرها غاري مايرز عام 1946م ، ولا تزال تصدر حتى الآن ، فقد حدد مايزر أهدافها منذ العدد الأول ، وهي (( السعي نحو بناء الطفل القوي في البدن والشخصية ، لأنه يعتبر أن الطفل السعيد قـادر على التعبير عن نفسه بحرية ، والإجابة عن كل ما يدور بخلده من أسئلة ، وقد ركز مايرز على أهمية الإحساس بالأمان والتحرر من الخوف ، وأن يبتعد الطفل عن مشاعر الدونية وأن يتحلى بالحماس ، وإفساح المجال لخياله لكي يبني ويخترع ويبدع ، وأن يكون لديه حب استطلاع دائم ورغبة في تعلم المزيد ))( ) .

وفي الغرب أيضاً نلاحظ وجود مجلات تربوية تعليمية مساندة للمدرسة ، منها مجلة (( Learning is Fun  )) البريطانية ، وهي مجـلة تعنى بتنمية اللغـة الإنكليزية عند الصغار ، مع تزويدهم بالعلوم المختلفة بطريقة مبسطة وأسلوب جذاب . ومن أهداف هذه المجلة التي لاحظناها من خلال صفحاتها ( العدد 4 ، يناير 1997م ) أنها موجهة للأطفال من 5-7 سنوات ، وأن من أهداف بعض صفحاتها إبراز الصورة لإفساح المجال أمام الإحساس الجمالي للطفل ، حيث تظهر أهميتها من خلال الصورة المعبرة عن الموضوع . ومن أهدافها أيضاً أنها تجعل الطفل يتـعرف إلى الاستعمالات المختلفة للكلمة في جمل متعددة ، وتعلم الأطفال بعض الأخلاقيات الاجتماعية ، وتسعى في جميع أبوابها إلى تنمية ثقافة الأطفال العلمية والأدبية والفنية ، وتنمية حسهم الجمالي بتعليمهم الرسم والفنون المختلفة وتنمية قدراتهم الفكرية بواسطة بعض الألعاب الذهنية والأشكال الفنية المختلفة .  

ويشير أحد الباحثين إلى وجود عدد من المجلات تهدف إلى تحقيق المعرفة العلمية مثل (( Finding Out )) الإنكليزية ، ومجلة للمعرفة العامة (( Look and learn )) ، ومجـلة للبنات (( Girl  )) . وفي ألمانيا مجلة ((A.B.C  )) وتهدف إلى المعرفة والتثقيف بشكل عام ، ومجلات للفنون . وفي فرنسا مجلات متخصصة للبنات ((  Lisette  )) و ((Fille  )) ، وفي اليابان تصدر شركة (( Gakken )) مجموعة كبيرة من المجلات تهدف إلى تنمية العلوم والثقافة إضافة إلى الأهداف التعليمية ))( ) .

وهناك أيضاً مجلات علمية مثل مجلة (( Ranger Rick )) الأميركية التي تصدر منذ عام 1967م ، والتي تهتم بالحياة البرية ، وتهدف إلى زيادة وعي الأطفال بالبيئة وترشيد استعمالهم للمصادر الطبيعية . وفي كندا هناك مجلة (( Feuillets Du Natureliste  )) التي تصـدر منذ عام 1970م ، وتهتم بالموضوعات العلمية التي يحبها الأطفال ، وتهدف إلى تنمية الميول القرائية في المجالات العلمية المتنوعة ، لزيادة معلومات الأطفال ، وإيجاد حس علمي لديهم ، يشجعهم مستقبلاً على الابتكار والاختراع ( ) .

[3] أنواع مجلات الأطفال العالمية ( )

يذكر المتخصصون عــدداً من الأنواع المختلفة لمجلات الأطفال الصادرة في الغرب ، منها المجلات الجامعة ، وذات المسلسلات المصورة ، والمجلات الأخبارية والرياضية والدينية .

أ  ) وتعتبر المجلات الجامعة الأكثر شيوعاً ، وهي مجلات تعني في العادة بنشر المغامرات والقصص المصورة ، والطرائف والفكاهات والمسابقات والمعلومات العامة ، والأخبار والتحقيقات والأعمدة الصغيرة ، وهي تعتمد على التنوع الذي لا يصاحبه الملل .

ولا يعني التنوع ؛ الاختيار العشوائي لاشتات متفرقة ، بل يمثل لوحة متكاملة تمتزج فيها الألوان الأدبية والفنية بصورة متناغمة ، يجعلها في مجملها قطعة أدبية وفنية تثير الذوق وخيال الطفل وذهنه ، دون أن يتسرب إليه السأم . والتنوع يشمل الشكل والمضمون معاً .

ب ) أما مجلات المسلسلات المصورة فهي المعروفة باسم الهزليات ( Comics ) ، وهي تعتمد على النكتة السـريعة التي كثيراً ما تكــون مقلباً أو خدعة أو محاولة يائسة ، وقد لا تكون إلا مغامرة أو جريمة ، وقوامها في العادة الرسوم المتتابعة التي تمثل كل واحدة منها مشهداً كاملاً مع كلام قصير ، وهذا النوع من الصحافة يواجه بنقد شديد ( ) ، ولكنه واسع الانتشار .

ج ) وتعنى صحافة الأطفال الإخبارية بالأنباء وتفسيراتها بشكل خاص ، لكنها لا تقتصر على ذلك ، إذ تنشر المجلات الإخبارية إلى جانب ذلك ، قصصاً وحكايات وطرائف وتقارير وتعليقات ، ورسوماً كاريكاتيرية وتحقيقات صحفية ، ولكن الغلبة تظل للأخبار ، وهي تركز غالباً على أخبار الأطفال ونشاطاتهم وألعابهم ومبتكراتهم وهواياتهم ، ومع ذلك فليست مثل هذه الأخبار هي أحب ما يريده الأطفال ، لأن الأطفال ليسوا أصحاب قضية ، لذا لا يلتفت كثير منهم إلى أخبار الأطفال الآخرين ، قدر ما يعنون بالصور المصاحبة للأخبار .

ويلاحظ أحد الباحثين أن كثيراً من صحف الأطفال الإخبارية في العالم قد انحدرت إلى الهاوية ، ففي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية ، اضطرت كثير من مجلات الأطفال الإخبارية إلى التوقف ، ورغم ذلك استمرت مجـلات الأطفال الإخبارية القومية ومنها مجـلة ((American Newspaper Boys  )) الـتي أنشــئت عام 1927م ، ومجـلة  American News paper and weekly News )) ((Review  التي صدرت في واشنطن عام 1931م ومجلة (( Aus Tralian)) التي صــدرت في استراليا عام 1953م ، ومجلة (( Candian High News )) التي صدرت عام 1940م في تورنتو الكندية .

د ) وهناك أيضاً مجلات متخصصة مثل المجلات الرياضية ، لكنها غير منتشرة ، كما أن دور النشر تتردد في إصدار مجلات رياضية للأطفال ، فهي تعتقد أن الأطفال لا يشعرون بحاجة إلى متابعة الشؤون الرياضية بقدر ما يشعرون بالحاجة إلى الرياضة وممارستها بانتظام .

هـ) أما المجلات العقدية والدينية ، فهي تصدر عن الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات الدينية أو السياسية ، ويجد الأطفال في أوروبا وأميركا مئات الصحف الدينية ، وتتولى إصدارها في الغالب الطوائف والمذاهب الدينية المتعددة ، فاليهود والكاثوليك والبروتستانت وغيرهم ، يصدرون مجلات للأطفال مستهدفين غرس الوعي الديني في نفوس الأطفال ، دون هدف الربح المادي .

ومن المجلات الدينية الهولندية للأطفال مجلة ((  Aktie )) ومجلة (( ZO )) ، وفي بلجيكا مجلة (( NOS Routes  )) ، وفي ألمانيا مجلة  (( Bremer Mission chipp )) ، وفي أميركا مجلة يهودية للأطفال تدعى (( Olomein’u Our World  )) ، وفي جنوب أفريقيا مجلة ((  Ubaqa ‘ Lwabantwana  )) ومجلة (( Ons Zfug  )) .

ويشـير أحـد البـاحثين إلى أن أكـثر مجـلات الأطفال الغربية هي مجلات تجارية ، حيث تتوخى دور النشر في العادة الربح المادي . ومن أبـرز هذا النوع مجلات (( ميكي ماوس ، وطرزان وسوبر مان ، وتان تان )) . ومن الصحف التجارية ما هو صحافة ( كوميكس ) ومغامرات وقصص أو إخبارية أو رياضية .. وهناك أيضاً مجلات ذات طابع فني وعلمي أو تتوجه للبنات بشكل خاص .

[4] مجلات الأطفال في العالم العربي  

يلاحظ الباحثون كثرة عدد مجلات الأطفال العربية وقصر عمرها ، وتكرار اختفائها بعد هذا العمر القصير . وتشير المصادر إلى أن مصر كانت سباقة في مجال إصدار مجلات الأطفال ، وأولى مجلات الأطفال الصادرة في مصر كـانت (( روضـة المدارس المصرية)) ، وذلك في عام 1870م ، كما صدرت مجلة (( المدرسة )) في عام 1893م ، وبعد شهر واحد من صدورها ظهرت مجلة (( التـلميذ )) ، وفي سنة 1879م ، ظهرت مجلة (( السمير الصغير )) ، وفي العام التالي صدرت مجلة (( أنيس )) )) ( ) .

وتشير كافية رمضان ( ) إلى أنه ومنذ بداية القرن العشرين ظهر عدد كبير من مجلات الأطفال في البلاد العربية ، وكانت ذات صفة تجارية أو مدرسية أو تربوية ، فظهرت مجلة (( سندباد )) ، ومجلة (( كروان )) ، ومجلة (( البنات والصبيان )) في مصر ، لكنها توقفت بسرعة ولم يثبت في الميدان إلا مجلتا (( سمير )) و(( ميكي )) ، وهما تصـدران عن مؤسـسة دار الهلال المصرية . وفي العراق صدرت أول مجلة خاصة بالأطفال تحت اسم (( التلميذ العراقي )) وكانت مجلة مدرسية تهذيبية صدرت أسبوعياً منذ عام 1922 واستمرت عامين ، ثم صدر بعدها عدد من المجلات المماثلة منها : (( الكشاف العراقي )) و(( المدرسة (( والتلميذ )) و (( الطلبة)) .

وفي سوريا صدرت مجلة (( أسامة )) عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا منذ أكثر من 30 عاماً .

وهناك عدد كبير من مجلات الأطفال تصدر في كثير من البلاد العربية ، بعضها توقف عن الصدور ، وبعضها لا يزال يصدر ، وقد تنامى هذا النوع من الصحافة في البلاد العربية بشكل ملحوظ ، حيث قام كثير من المؤسسات والهيئات بإصدار الصحف والمجلات الخاصة بالصغار .

وتوازن كافية رمضان ما يصدر في الوطن العربي من مجلات للأطفال مع ما يصدر في البلدان الأجنبية ، فتجد تقصيراً كبيراً في مجال صحافة الأطفال ( ) .

وتقول المصادر إنه صدر مئات المجلات الخاصة بالطفل في العالم العربي ، ففي مصر تصـدر مجلة (( سمير)) الأسبوعية منذ عام 1956م ، ومجلة (( ميكي )) الأسبوعية منذ عـام 1959م ، وقد بدأت شهرية ثم أسـبوعية ابتداء من عـام 1962م ، وهناك مجلة (( صندوق الدنيا )) الشهرية ، ومجلة (( علوم المستقبل )) بمؤسسة الأهرام منذ عام 1978م . ومجلة (( المسلم الصغير )) الشهرية ،منذ عام 1983م ، فضلاً عن بعض المجلات المتوقفة مثل : (( كروان )) و(( بلبل )) و (( ياسين وياسمين )) .

وفي السودان تصدر منذ عام 1946م مجلة (( الصبيان )) ، عن وزارة التربية كل 15 يوماً ، وصدرت أيضاً مجلة (( هـدد )) الشهرية في مايو 1975م ، ولكنها توقفت بعد ثلاثة أشهر ، كما صدرت مجلة (( الباحث الصغير)) ثم توقفت بعد عددين فقط سنة 1975م .

أما في تونس فهناك مجلة (( عرفان )) ، التي بدأت بالصدور عام 1966م ، كما صدرت مجلة أخرى شهرية سنة 1984م باسم (( شهلول )) ، وفي العام نفسه صدرت مجلة شهرية أخرى هي (( قوس قزح )) .

وفي الجــزائر تصدر مجلة (( أمقـيدش )) وهو اسم بطل قصص شعبية في الجزائر ، وقد بدأت بالصدور عام 1969م ، وتعتمد على القصص المستوحاة من التراث الجزائري والتاريخ المعاصر . وفي المغرب هناك مجلة (( أزهار )) التي تصدر منذ عام 1976م ، و (( مناهـل الأطفال )) التي صدرت عام 1976م ، ومجلة (( بـراعـم )) التي صدرت عام 1982م .

وفي ليبيا هنالك مجلة نصف شهرية تدعى (( الأمل )) ، وفي دولة الإمارات العربية تصدر مجلة (( ماجد )) الأسبوعية عن مؤسسة الاتحاد منذ فبراير 1979م . وفي السعودية هناك مجلة (( حسن )) 1974م و(( باسم ))  1987م و(( سنان ))  1997م .

وفي قطر تصدر مجلة (( حمد وسحر )) 1987م و(( مشاعل )) 1987م ، وتصدر مجـلة (( الجوهرة )) وهي مجلة تعني أساساً بشؤون المرأة منذ عام 1978م ملحقاً للأطفال بعنون (( زهرات وزهور )) .

وفي سلطنة عمان هنالك مجلة (( البراعم )) التي تصدر عن مجلة (( الأسرة )) منذ عام 1974 ، كل 15 يوماً . وفي الأردن هناك مجلة (( سامر )) الأسبوعية التي صدرت عام 1977م ، كما صدرت عن منظمة التحرير الفلسطينية مجلة (( الأشبال الجديدة )) عام 1985م في تونس .

وفي لبنان يصدر العــديد من مجلات الأطفال منها : (( سوبرمان )) ، (( طرزان )) ، (( لولو )) (( أحمد )) ، (( بساط الريح )) . وفي الكويت صدرت مجموعة من مجلات الأطفال ، منها ما توقف عن الصدور ومنها ما يزال يصدر حتى الآن ( ) .

ويلاحظ أحد الباحثين عدداً من المسائل بخصوص الواقع الراهن لمجلات الأطفال في العالم العربي ، وهي بإيجاز :( )

أولاً : غلبة طـابع المجـلات المصورة ( Comics ) لأنها سهلة الإعداد وتلبي رغبات الطفل ، فيقبل على شرائها ، رغم محاذيرها .

ثانياً : الاعتماد على الترجمة مع عدم مراعاة خصوصية الطفل العربي .

ثالثاً : تعثر المجلات التي تحاول الحفاظ على شخصيتها العربية لضعف الإمكانات وارتفاع التكاليف .

رابعاً : معظم مجلات الأطفال العربية تركز على المرحلة من سن 9 ـ 12 أو 15 ، في حين لا توجد مجلة للطفل غير القارئ .

خامساً: سيطرة وظيفة الترفيه وطغيانها على الوظائف التربوية والتثقيفية ، ومعالجة الموضوعات معالجة سطحية منبرية .

سادساً: عدم اهتمام معظم هذه المجلات بربط الطفل بالواقع والمشكلات التي يعانيها المجتمع من حوله ، وخصوصاً بالقصص المصورة .

ورغم اتفاقنا إلى حد بعيد مع هذه الملاحظات ،فإنه من خلال متابعة المجلات العربية الصادرة في العالم العربي ، وعدد من المجلات التي توقفت ، نجد أن هذه الملاحظات غير دقيقة تماماً ( ) ؛ فهنالك مجلات تستفيد من أسلوب المسلسلات المصورة ، لوضع نصوص تراثية مناسبة ، وقصص قيمة عالية المستوى ، ذلك أن  أسلوب الـ( Comics ) يمكن استثماره إذا أحسنا استخدام الصورة في النص الجيد ، لأن الطفل يقبل بشكل لافت نحو الصور الملونة ، وبإمكان المجلة استغلال هذه الميزة لغرس العادات والقيم ، وهو ما نلاحظه في كثير من المجلات العربية .

لـذا ، فإن مبدأ رفض المسلسلات المصورة كلياً أمر يجب أن لا نتبع خطواته رغـم أنه جاء من أوروبا وأميركا . ويبدو أن هذه الصيحات التي تنادي بوقف مجـلات الـ( Comics) لا تقصد المسلسلات المصورة ، بل الموضوعات الهزلية السخيفة ، فأي عمل يقدم للأطفال يجب أن يناهض إذا كان هزلياً سخيفاً ، ونرى أن كثيراً من المجلات العربية تستخدم هذا الأسلوب بطريقة عالية الجودة من حيث الشكل والمضمون ، وهو أمر في غاية الإفادة ويؤدي دوره بشكل أسرع من القصص الرتيبة أو التوجيه المباشر .

وتشير المصادر ( ) إلى جملة من المشـكلات تواجه مجلات الأطفال في العالم العربي ، وهي ـ أي المشكلات ـ تكاد تكون متشابهة ، وأهمها :

أولاً   : ضعف الإمكانيات المادية والطباعية والبشرية المؤهلة .

ثانياً : الصعوبات في توزيع المجلات ، حيث لا تصل إلى بعض الأماكن إطلاقاً .

ثالثاً : ارتفاع أسعارها نظراً لتكاليفها مع انخفاض قدرة الأطفال الشرائية .

رابعاً : بعض الناشرين ينظرون إلى الإصدار كمشروع تجاري ، فيقاس بميزان الربح والخسارة .

خامساً: عدم الانتظام في الصدور ، مما يفقدها العلاقة المستمرة ، التي تنشأ بين الطفل ومجلته نظراً لتعوده على قراءتها واستمراريته في ذلك .

سادساً : تتعرض هذه المجلات في كثير من الأحيان للمنافسة غير المتكافئة مع بعض المجلات الأجنبية .

سابعاً : استخدام بعض هذه المجلات للهجات المحلية يقلل فرص انتشارها في أرجاء الوطن العربي .

[5] خصائص بعض مجلات الأطفال العربية

ذكرنا أنه يصدر في العالم العربي مجموعة كبيرة من مجلات الأطفال ، وسوف نستعرض فيما يلي عدداً من هذه المجلات لنلقي الضوء على خصائص كل مجلة منها :

ا ) مجلة ماجد ( صدرت عام 1399هـ ـ 1979م )

مجلة أطفال صـدرت في دولة الإمارات العربية عن مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر ، تصدر كل أربعاء أسبوعياً . ويلاحظ من خلال العدد (100 ) الصادر في 15 ربيع الأول 1401هـ ـ 21 يناير 1981م ، أن المجلة تتمتع بمجموعة من الخصائص منها جودة الطباعة ، والاعتماد على الصـورة بشكل ملحوظ ،  ولا يعني ذلك إقحام الصورة إقحاما ، بل إنها تستمد من الموضوع مغزاه ، وتعبر عنه أحسن تعبير .

وتتنوع أوراق المجلة ، بين الجيد والرخيص ، وتنشر قصة مصورة ، لكن فكرتها بسيطة وعـادية وفيها صفحة مخصصة للفتيات ، تحت عنوان (( الآنسة الصغيرة اللطيفة )) وتحوي المجلة أيضاً صفحتين للتلوين ، ومشاركات القراء ، وأخباراً تهمهم ، إضافة إلى موضوعات إسلامية ، ومعلومات علمية ، وباب للتعارف ، وبعض القصص والأناشيد والهوايات والتسالي . ويبدو أن مستوى المجلة مقبول من النواحي الفنية واللغوية وتنوع الموضـوعـات ، ولكن القصص المصورة لا تقدم دروساً عالية الجودة ، رغم براعة الرسام ، إلا أن تسلسلها لا يتم بشكل منطقي ، وتقدم بعـض القيم التي لا تناسب الأطفال مثل ظهور ضابط الشرطة في صفحة (51) وبيده سيجارة ، كما أن صفحاتها متفاوتة بالجودة من حيث الورق ، وعدم وجود الألوان . لكنها على العموم تقدم أفكاراً تناسب مستوى الأطفال تحت سن العاشرة ، والمجلة تتكون من (56) صفحة من القطع الكبير .

2 ) مجلة مريود ( صدرت عام 1402هـ ـ 1981م )

مجلة أطفال سودانية ، تصدر عن دار الصحافة للطباعة والنشر ، كل 15 يوماً ومدوّن على غلافها أنها مجلة أولاد وبنات السودان وأصدقائهم في كل مكان .

ويلاحظ من خلال العدد الرابع ، الصادر في 16 ديسمبر 1981م ( 1402هـ ) أنها وضعت على الغـلاف رسماً ( لبابا نويل ) بمناسبة الاحتفالات بعيد رأس السنة الميلادية ، وهذا بالطبع أمر يناقض منهج الإسلام ، وقيم الأطفال الموجهة إليهم المجلة . ورغم أن القائمين على المجلة من المسلمين ، فإنها تفتتح العدد بكلمة عن رأس السنة الميلادية . ومريود هو أحد شخصيات المجلة ، حيث يمثل دور طفل سوداني في (( يوميات مريود )) ويؤخذ على هذا المسلسل المصور أنه يقدم بلهجة سودانية . وتقدم المجلة صفحة أخبار تحت عنوان (( أخبار سياسية تهمك )) لكنها على العموم أخبار لا تهم الصغار ، كما أنه لا يجري التعليق عليها ليفهم الطفل ما تهدف إليه .

والمجلة بسيطة في مضمونها وإخراجها ، ولا تحتوي على صور ملونة باستثناء الغلاف ، كما أن رسوماتها ضعيفة جداً ، والحرف المستخدم غير مناسب ، لكنها تحوي بعض الموضوعات التاريخية الإسلامية ، وصفحتين باللغة الإنكليزية تتناول (( أعياد الميلاد)) واحتفالات رأس السنة ، والمجلة من (36) صفحة من القطع الوسط .

[3] مجلة أسامة ( صدرت عام 1412هـ ـ 1991م )

مجلة أطفال يمنية جاء فيها : أنها وسيلة تعين على تربية الأبناء وتوجيههم التوجيه السليم . ويبدو من خلال العدد الثاني الصـادر في 10 صفر 1412هـ ـ 24 أغسطس 1991م ، غلبة الطابع الإسلامي عليها ، وأنها بالرغم من تنوع موضوعاتها وضعف رسوماتها وأوراقها فإنها تركز على القيم الإنسانية التربوية الهادفة ، بطريقة طيبة وناجحة إجمالاً ، ويؤخذ عليها ، استخدام حروف غير مناسبة للأطفال ، ونوعية الأوراق الرديئة وبشاعة رسوماتها أحياناً . وتحوي المجلة معلومات إسلامية وعلمية قيمة ، وبعض المهارات اليدوية والتسلية المفيدة ، وبعض الرسائل المتنوعة .

ولا تشير المجلة إلى الجهة التي أصدرتها ، ولكن ، كما يبدو ، بالرغم من الإمكانيات المادية والتقنية البسيطة ، فقد تمكنت من تقديم بعض الأفكار والقيم الإسلامية والإنسانية السامية التي تنتشر في أغلب صفحات المجلة ، المؤلفة من (32) صفحة من القطع الوسط .

4 ) مجلة الطليعي ( صدرت عام 1412هـ ـ 1993م )

مجلة أطفال سورية تصدر عن دار طلائع البعث للبرامج والطباعة والنشر ، وهي مجلة ذات طباعة جميلة ، وأوراق مصقولة براقة ، وتحوي موضوعات مختلفة ، وتركز بشكل كبير على الصورة المرسومة ، وفيها قصص جميلة للأطفال الصغار ، وبعض المعلومات عن سوريا ، إضافة إلى بعض المهارات والأناشيد المناسبة .

ولا يشير العدد الثالث إلى تاريخ إصداره ، ويذكر السنة فقط ، وموضوع الغلاف يتناول شهر نيسان ـ أبريل ، كما لا يحدد نوعية المجلة إذا كانت أسبوعية أو شهرية ، وتقدم المجلة معلومات عامة قيمة . وتتكون من (28) صفحة ملونة من القطع الكبير .

5 ) مجلة سمير ( صدرت عام 1376هـ ـ 1956م )

وهي مجلة أطفال مصرية تصدرها دار الهلال ، وهي من أقدم مجلات الأطفال العربية ، وتصدر أسبوعياً صباح يوم الأحد . والعدد الذي بين أيدينا يحمل الرقم ( 533) تاريخ 26 يونيو 1966م ـ 1386هـ ، ومكتوب على غلافه : (( أنها مجلة الجميع من سن 8 إلى سن 88 )) ، وبذلك يقرر المشرفون على المجلة أنها لجميع أفراد الأسرة .  

وهذا العدد ممتاز بالإخراج والمحتويات ، حيث يمتاز بكثير من الخصائص وعدد صفحاته (32) صفحة من القطع الوسط ، وفيه موضوعات متنوعة وكثيرة ، منها حكايات دينية ، وتاريخية ، وتوجيهية وأخبار رياضية ومسلسلات مصورة .

ويؤخذ على المجلة استخدام اللهجة المصرية المحلية أحياناً ، وأن حروفها صغيرة جداً ، كما يؤخذ عليها قلة المساحات الملونة المريحة ، والتركيز في بعض الأحيان على معلومات غير عربية وإسلامية ، مثل أخبار مشاهير الغرب ، وعدم تعميم أفكارها لتكون مجلة عامة لكل قارئ للعربية .

ولا نجد في المجلة صفحات للتسلية والأناشيد ، مع ملاحظة وجود بعض الإعلانات الخاصة بالأطفال وبعض الرسوم الكاريكاتيرية ، لكنها في الغالب رسوم بسيطة غير متقنة ولا تنم عن وجود رسام محترف ، كما أن الطباعة سيئة بسبب الظروف المصاحبة لعمليات الإصدار في ذلك التاريخ الذي كان يندر فيه وجود المطابع الفاخرة .

6 ) مجلة باسم ( صدرت عام 1407هـ ـ 1987م )

مجلة أطفال سعودية تصدر عن الشركة السعودية لأبحاث النشر والتسويق بشكل أسبوعي كل ثلاثاء .

والعدد الذي بين أيدينا ( رقم 456 ، تاريخ 9 صفر 1417هـ ـ 25يونيو 1996م ) يمتاز بجودة عالية في الطباعة ونوع الورق اللماع والمصقول . ويغلب على المجلة الطابع الإسلامي المتزن ، من قصص تربوية وتاريخية وتعليمية . وتمتاز المجلة بصفحات الوسط الثماني ، وهي عبارة عن أوراق تنزع من وسط المجلة ثم تطوى وتقطع للحصـول على مجلة صغيرة من (16) صفحة ، تحت اسم (( باسم جيب )) تحوي قصة واحدة متكاملة ، كما يرفق مع العدد ملصق مجاني ملون .

وتحوي المجلة صفحات للتسلية والأخبار المنوعة ، ومسلسلات مصورة ، مع جودة عالية في الإخراج واللغة والحرف المناسب والألوان الجاذبة . وتتكون المجلة من (48) صفحة ملونة من القطع الكبير

7 ) مجلة الأمل ( صدرت عام 1394هـ ـ 1974هـ )

مجلة أطفال ليبية ، نصف شهرية ، تصدر عن (( مصلحة الصحافة )) . ويبدو من خلال العدد السابع للسنة التاسعة (25 صفر 1401هـ ـ1 يناير 1981م ) اتجاه المجلة التربوي ، حيث يبرز مدى اعتناء المجلة بمستقبل الطفل من صفحة الغلاف التي يبدو فيها رأس الطفل كرة أرضية يطير بها فوق السحاب .

وهناك عدة موضوعـات ، منها قصة مصورة ، ومعلومات علمية وصفحتان دينيتان ، وتلوين وتعارف وهوايات وتسال . ويؤخذ على المجلة ضعف رسوماتها ، التي لا تشير إلى احتراف الرسام ، وسوء الطباعة ، وفقر الأوراق ، لكنها تعتبر بمقياس السبعينيات مجلة جيدة من حيث الشكل والإخراج . تتكون المجلة من (26) صفحة من القطع الكبير وأغلب صفحاتها ملونة .

8 ) مجلة صندوق الدنيا ( صدرت عام 1397هـ ـ 1978م )

مجلة أطفال مصرية صدرت شهرياً عن الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية ،وجاء في تعريفها أنها مجلة تربوية .

ويبدو من العدد (70) الصادر في الأول من ديسمبر 1983م ، تركيز المجلة على الطابع التربوي التعليمي المباشر ، وتمتاز المجلة بثوب إسلامي يسري في جميع جنباتها وإن لم يكن ظاهراً . وإلى جانب الموضوعات رسومات مناسبة إلى حد مقبول ، بالرغم من بساطتها . ويؤخذ على المجلة ورقها الرخيص ، كما أن ألوانها ضعيفة والحروف المستخدمة في الطباعة صغيرة جداً في بعض الصفحات . والمجلة بشكل عام جيدة ، ولكنها فقيرة من حيث الإخراج والجذب ، وهي تأتي في (24) صفحة من القطع الكبير .

9) مجلة عرفان ( صدرت عام 1385هـ ـ 1965م )

وهي مجلة شهرية أصدرها الاتحاد التونسي لمنظمات الشباب ، ويبدو من العدد (157) ، الصادر في شهر ذي القعدة 1400هـ ـ أكتوبر 1980م ، السنة (15) ، أن صبغة المجلة إسلامية شاملة ، حيث تسيطر الموضوعات الإسلامية المختلفة على أغلب محتوياتها ، وإن لم تعلن صراحة أنها مجلة أطفال إسلامية ، فهناك الأنشودة الإسلامية ، والحكاية الإسـلامية ، والتربية الإسلامية ، إلى جانب الموضوعات الوطنية والمعارف العامة . وتمتاز المجلة بمجموعة من الخصائص منها معلومات زراعية في باب ثابت ، وكتاب في حلقات مسلسلة ، ومشـاركات عديدة من الأصدقاء المشتركين أو المتابعين للمجلة ، وتحقيقات عن رياض الأطفال ، ومسرحيات قصيرة .

ويؤخذ على المجلة طباعتها البسيطة ، ولكنها تعتبر ممتازة بالنسبة إلى تاريخ صدورها حيث تبدو الرسومات واضحة إجمالاً ، والأحرف مشكلة بشكل كامل ، وهو أمر لا تهتم به كثير من المجلات لما يتطلبه التشكيل من متابعة فنية ولغوية دقيقة ، كما أن إخراج المجلة جيد بالرغم من عدم توافر الألوان ، إذ تستخدم المجلة لونين فقط مع تنوع في الصفحات ، وتتكون المجلة من (34) صفحة من القطع الكبير .

10) مجلة المسلم الصغير ( صدرت عام 1402هـ ـ 1982م )

وهي مجلة إسلامية علمية اجتماعية ثقافية شهرية ، صدرت عن جمعية الأسرة المسلمة في مصر . وتمتاز المجلة بأنها إسلامية مائة بالمائة ، حيث تنشر المفاهيم الإسلامية ، وتنظم المسابقات وتوزع الجوائز ، مما يشجع الأطفال على شغل أوقات  فراغهم ، بما يفيدهم علمياً واجتماعياً ومالياً . وتنظم للفائزين رحلات للعمرة أو لزيارة الأماكن الأثرية والصناعية . كما أن المجلة تمتاز بإتاحتها الفرصة لطلبة المدارس لتنمية ميولهم الصحفية والأدبية ، وشغل أوقات فراغهم خاصة في الإجازة الصيفية ، بأن يعملوا كمراسلين للمجلة في مدارسهم ومعاهدهم وأماكن تجمعاتهم بالأندية ومواطن إقامتهم ، نظير مكافآت مالية ..

وتمتاز المجلة أيضاً بمشاركة عدد كبير من الكتاب والمهتمين بالكتابة للطفل منهم شخصيات دينية مرموقة ، كما أنها تمتاز بجودة الطباعة ، ونوعية الأوراق المناسبة ، واعتمادها على الصور الإيحائية ، ويؤخذ عليها إخراجها البسيط إجمالاً ، وقلة التنوع ، وأحرفها الصغيرة نسبياً .

[6] مضمون مجلات الأطفال الإسلامية

المجلات الموجهة إلى الطفل المسلم من المتوقع أن يكون مضمونها مصاحباً للتربية الدينية الخاضعة لأوامر الله ونواهيه ، وأن تكون بمجملها مستسلمة لشريعة الإسلام ، يقول الله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )( ).

وقد يكون من المفيد حقاً أن تكرس مجلات الأطفال إمكاناتها لإبراز مضامين الثقافة الإسلامية العامة ، حيث بإمكانها أن :( )

1) تقدم صورة للعقيدة الصحيحة ، وتكرس عقيدة التوحيد في قلوب الصغار ونفوسهم.

2) تقدم حقيقة الحياة الدنيا ، وكيف أنها جزء من حياتين ، الحياة التي نحياها على الأرض ، وحياة الآخرة ، وأن تقدم لهم المفهوم الإسلامي الأكيد ، في قوله تعالى : ( والآخرة خير وأبقى ) ( ) .

ولذا فإنه من الحماقة أن يعيش الإنسان في الدنيا بتصورات الدنيا وحدها ، أو يعتبر أنها هي المقر الأول والأخير . إن معرفة الطفل منذ البداية الأولى أن الدنيا جسر نحو الآخرة أو فترة امتحان تظهر نتائجها في الآخرة ، إن هذه المعرفة لو تم تعميقها فسوف يخرج إلى الحياة إنسان يستشعر خشية الله ومخافته ، وبذلك تنمو شخصية الطفل كما أرادها الله تعالى ، القائل في كتابه العزيز : ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ، وكفى بالله حسيباً ) ( ) .

3) تقدم الصورة اللائقة للإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض ، لأن الإنسان روح وجسد ، والإسلام لا يهتم بالروح على حساب الجسد ، ولا يهتم بالجسد على حساب الروح ، فهو دين يوازن بين حاجات الإنسان الفطرية وسعيه للآخرة ، يقول تعالى : ( وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الأخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا ، وأحسن كما  أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين )( ) .

فالتقدم المادي ليس هدف الإسلام وحده ، وإنما التوازن بين التقدم المادي والروحي معاً هو الذي يصنع التركيبة الخـاصة لشخصية الإنسان المسلم . إن ما يمكن قوله باختصار ، هو أن مضامين مجلة الطفل المسلم يجب أن تتكاتف لتشارك في عملية بناء شخصية إسلامية شجاعة ومؤمنة ، وقادرة على مواجهة الحياة ، ليس من أجل الحياة نفسها ، بل سعياً للحصول على أعلى مراتب الآخرة . إن الفرق بين طفل عرف الله في طفولته ، وتدرجت معرفته حتى كبر وصارت هذه المعرفة جزءاً من روحه ، وطفل لا يعرف ربه أو لا يعرفه حق المعرفة ، هو الفرق بين الصدق والكذب ، وبين النور والظلام . يقول تعالى :( أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم ) ( ).

ونذكر هنا أن أي مضمون كتابي أو فني يوجه من خلال مجلات الأطفال ، ويهدف إلى غـرس القيم الإنسانية العليا كالخير والحب والعطاء والفضيلة والرحمة والتواضع والكرم ، يدخل ضمن مضامين المجلة الموجهة إلى الطفل المسلم ، ما لم تتعارض بشكل من الأشكال مع شريعة الإسلام ، وإن كانت تبدو بعيدة عن الدين لأن العبرة بالمسميات لا بالأسماء . والمهم أن يكون العمل المقدم للطفل من خلال المجلة موحياً بقيم الإيمان والشجاعة القلبية والنزاهة والصدق والشرف ، وأن يحدث هذا بشكل عضوي ، بحيث تدخل هذه القيم في البناء الهندسي للمادة المقدمة ولا تكون غريبة أو مقحمة إقحاماً .

من هنا نتبين أنه لا يوجـد حد معين لما يمكن أن يقدم للطفل المسلم من خلال المجلة ، وبالشكل الذي تسمـح به طبيعة المجلة وإمكاناتها ، والفاصل في كل ذلك قوله تعالى : ( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )( ) .

فالحلال هو ما أحله الله ، والحرام هو ما حرمه الله ، فكل ما يتفق مع الإسلام يمكن للمجلة أن تستثمره وتسخره لتحقيق أهدافها ، بما في ذلك إظهار عيوب ما يتنافى مع الإسلام وتعريته وتبيينه للطفل بما يتناسب مع قدرته الاستيعابية . لذلك يبدو للباحث أن فضاء العمل الإعلامي الخاص بالطفل فضاء رحب واسع ، وهو لا يقتصر على الجوانب الدينية فحسب ، بل يشمل جميع المجالات العلمية والأدبية والفنية والثقافية والجمالية والنفسية والترفيهيه وغير ذلك ، ما دامت لا تناقض الإسلام ، ويمكن تسخير كل هذه المجالات لبناء شخصية الطفل المسلم بناء حضارياً متكاملاً ، وذلك بسريان الدماء الإسلامية في جميع أبواب المجلة ، حيث يربط الفن بالإسلام ، والعلم بالإسلام ، والأدب بالإسلام وهكذا ، فينشأ الطفل سـوياً ليكون كما أراد الله تعـالى : ( يمشي سوياً على صراط مستقيم ) ( ) ، فتستقيم حياته في الدنيا ، وينال ثواب الآخرة ونعيمها بعد الموت ، ويحصل ما يتمناه في الدارين .

[7] إخراج مجلات الأطفال الإسلامية

يؤدي الجانب الشكلي في أي عمل يستهدف شريحة كبيرة من الجمهور إلى اكتساب عدد أكبر من المهتمين أو نفورهم ، فالشكل الخارجي يجب أن يحتل مكانة أساسية ، تقل عن المضمون بأي حال من الأحوال ، لأن الطعام الغني بالغذاء يفشل في تشجيع الجائعين على تناوله إذ قدم بطريقة مقززة ومنفرة . و(( يوصف  الإخراج بأنه القالب الفني الذي توضع داخـله محتويات المجلة ))( ) . والبناء الشكلي للمجلة يتألف من (( وحدات على الورق ، وهذه الوحدات هي مجموع الحروف والصور والرسوم والفواصل والهوامش ،  والأطر والنقـوش والمساحات الكائنة بين السطور والفراغـات الأخـرى والمساحات اللونية ))( ) . والإخراج الصحفي يقوم بترتيب هذه الوحدات ويقدمها بما يخدم المضمون ، لتؤدي أهدافاً تتسق مع أهداف المجلة .

والمخرج الصحفي الناجح بإمكانه أن (( يحوّل المادة المخطوطة إلى مطبوعة نابضة بالحياة والجاذبية عن طريق توزيع الوحدات على الصفحة البيضاء ، ليجعل منها لوحة فنية ذات جمال ومعنى وشخصية ))( ). ولا يعني هذا الكلام بأن الإخراج الصحفي لمجلة أطفال إسلامية هو عملية فنية بحتة ، بل هو عملية لا تنفصل عن العمل الصحفي نفسه ، والمخرج حتى يتمكن من تقديم المادة المكتوبة يجب أن يكون ملماً بمضمونها وأهدافها ، لا أن يكون مجرد فنان تشكيلي ، إذ عليه أن يكون ملماً بما يلائم الجمهور المستهدف من المجلة .

وتـزداد مهمة المخـرج الصحفي دقـة ؛ عندما يقوم بإخراج مجلة موجهة للأطفال ، (( فلابد أن يكون إخراج مجلة الطفل متميزاً عن مجلة الكبار ، ما دام جمهور الأطفال يختلف عن جمهور الكبار ، وما دامت المواد المقدمة للأطفال تختلف من حيث مضمونها وأسلوبها عن المواد المقدمة للكبار ، ولا شك أن مضمون وشكل مجلة الطفل شيئان مترابطان ومتفاعلان ، يكمل أحدهما الآخر ، ولا يمكن لمضمون المجلة أن يترك أثره المطلوب في الطـفل إلا من خلال شكل فني يغري الطفل ويجـذبه ، وشكل المجلة يخــدم مضمونها في العادة ( ). ونلاحظ من خلال متابعة مجلات الأطفال ذات الجودة العالية تركيزها الكبير على جانب الإخراج ، الذي قد يفوق أحياناً المادة الصحفية المقدمة جودة وجذباً .

وتهتم المجلات العامة عادة بنوعية الورق وأنواع الخطوط وحجم الحرف ، والألوان والرسوم ، وتداخل الفن مع الهدف المنشود للمجلة ، حيث (( يراعي المخرجون الهدف الموضوع للمادة الصحفية ، بحيث يمكن له أن يبرز بوضوح ، ولهذا يدس المخرجون أنوفهم بين ثنايا المادة المخطوطة ليتذوقوا رائحتها قبل أي شيء ، ومن ثم يقررون هيكل الهندسة المناسبة للصفحات والألوان وفقاً لذلك ( ) .

ويمكن للجانب الفني في المجلة الخاصة بالطفل المسلم أن يحقق الأهداف الجمالية المبتغاة ، إذ يشعر الطفل بجمال المجلة وأناقتها ، مما ينعكس على نفسه ، والإسلام يدعو إلى الاهتمام بالجمال الشكلي دون إسراف ، يقول عز وجل : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) ( ) .

ويرى أحد الباحثين (( أن المسلم الحق يعتني بلباسه وهندامه ، ولذلك تراه حسن الهيئة ، أنيق المظهر ، من غير مغالاة ولا سرف ، ترتاح لمرآه العيون ، وتأنس به النفوس ، لا يغدو على الناس في هيئة مزرية ، قميئة مهلهلة ، بل يتفقد نفسه دوماً قبل خروجه على الناس ، فيتجمل لهم باعتدال ( ) . فالشكل الخارجي أمر يدعو الإسلام إلى تحسينه ، بشكل لا يتعارض مع الحدود الشرعية ، وإن المجلة الموجهة إلى الطفل المسلم يجب أن تمتاز بشكلها ومحتواها معاً ، لأن الشكل دون المضمون ، يكون فارغاً ولا يؤدي إلى نتيجة محددة ، كما أن المضمون دون الشكل الجذاب يجعل إقبال الأطفال ضعيفاً .

[8] دور مجلات الأطفال في بناء الشخصية الإسلامية

( أ ) تعريف الشخصية عامة :

عرف الباحثون الشخصية بأنها (( مجموع الصفات الاجتماعية والمزاجية والجسمية التي يتميز بها الشخص ، والتي تبدو بصورة واضحة متميزة في علاقته مع الناس ، وعلى هذا فإن الصفات الاجتماعية والخلقية ، كالتعاون والتعاطف والصدق والأمانة ، والصفات المزاجية ، وهي الصفات التي تميز انفعالات الفرد عن غيره من الناس ، كسرعة التأثر في المواقف المختلفة وعمق هذا التأثر أو سطحيته ، وغلبة المرح ، أو الانقباض على حالته المزاجية ، والصفات العقلية ، كالتفكير المنظم والملاحظة الدقيقة وحضور البديهة ، والصفات الجسمية المتعلقة بصحة الجسم ومظهره العام ، وخلوه من العاهـات ، وما إلى ذلك ، كل هذه تدخل في تكوين شخصية الفرد ، وبقدر ما يتوافر له من هذه الصفات ، وبقدر تعاونها واندماجها وتآلفها وقدرتها على التكيف في المواقف الاجتماعية ، يكون أثر الشخصية ويكون تكاملها ))( ) .

ويتضح من هذا التعريف أن الشخصية هي الهيئة العامة التي يبدو من خلالها الفرد ظاهراً وباطناً ، لأن الصفات الفردية المذكورة تشكل الإنسان ككل ، ولا يمكن فصل إحداها عن الأخرى ، وكل ميزة للفرد تعني إضافة إلى شخصيته ، فيوصف بالاتزان والحكمة ، إذا كانت شخصيته متأنية وحكيمة ، ويوصف بصاحب الأخلاق الحميدة إذا كان صادق الحديث ، وفياً ، مخلصاً .. عفيف اليد واللسان .. وهكذا . وتجتمع هذه الصفات كلها لتشكل شخصية الإنسان ، حيث ينعكس الباطن على الظاهر ، والظاهر على الباطن ، ولو حاول تزييف شخصيته ، وارتداء ثوب ليس مناسباً له سرعان ما ينكشف ، ولو ظهرت له بداية قدرة على تبديل الحقائق .

ويصف علماء النفس الشخصية بأنها (( وحدة الحياة النفسية ))( ) ، ويعتبرون أنها أساس دراسة علم النفس ، (( ودراسة الشخصية يقصد بها الاهتمام بتلك الصفات الخاصة بكل فرد ، والتي تجعل منه وحدة متميزة مختلفة عن غيره من حيث العوامل المختلفة التي تفاعلت مع بعضها ، فأدت إلى هذا الأسلوب الخاص من السلوك ، وهذا الطابع الذي لا يشترك فيه شخصان اشتراكا كاملاً من جميع النواحي ))( ) .

وعند دراسة الفرد وشخصيته ، يكون عسيراً إتمام هذه الدراسة بمنأى عن البيئة التي تحيط به (( فالشخصية لا تتكون من فراغ ، ولا تنمو من تلقاء نفسها بصورة تلقائية عفوية أو ارتجالية ، وإنما لابد لها من عوامل تؤثر فيها وتصقلها وتكونها وتنميها ))( ) .

من هنا تكتسـب عملية بنـاء الشخصية اهتمـاماً خاصاً من قبل التربـويين ، لأن (( الشخصية المتزنة ذات أثر فعال في حياة الأفراد والجماعات ، ولا تتكامل إلا عندما تكون قد وجهت من كل جوانبها وربيت من مختلف أقطارها ، وهذبت من كل أطرافها ))( ) .

ويجب أن لا نفهم من ذلك أن شخصية الإنسان حالة مكتسبة من الخارج فقط ، بل هي (( نظام متكامل من الدوافع والاستعدادات النفسية والجسمية ، والفطرية المكتسبة الثابتة ثبوتاً نسبياً ، والتي تميز شخصاً معيناً عن غيره من الناس ، والتي تحدد طرق تكيفه مع البيئة المادية والاجتماعية التي يعيش فيها ))( ) .

إن الشخصية التي تميز الأفراد ، هي نتيجة مجموعة من المؤثرات ليس أقلها وسائل الإعلام على أنواعها ، والتي باتت ، في عصرنا الراهن تشكل أحد أبرز الوسائل التربوية ، وربما أكثرها تأثيراً واتساعاً . والتربية المكتسبة هي قوام الشخصية ، ولا يمكن قيام أمه دون بناء أبنائها بناء حضارياً متكاملاً ، بكل الوسائل المتاحة ، فالتربية (( عماد تقدم الأمة وقوام ازدهارها ))( ) ، والإنسان يحتاج إلى التربية والتهذيب ، كحاجته إلى الماء والهواء .

ويرى أحد الباحثين (( أن النواحي العقلية المعرفية ، هي أهم نواحي مكونات الشخصية لأنها تتناول ما وراء السلوك من عمليات عقلية وقدرات معرفية ، يتوقف عليها كسب المعرفة والخبرة ))( ) ، كما أن (( بعض علماء النفس يركزون اهتمامهم على التكوين المزاجي لاعتقادهم أن الشخصية ما هي إلا نواح مزاجية وخلقية ))( ) ، والنواحي المزاجية فطرية وراثية ، فيما قدر آخرون (( أن النواحي الخلقية هي الشخصية ))( ) ، ويقصد بها العادات والميول وأساليب السلوك المكتسبة .

ولا تتوقف مكونات الشخصية الإنسانية عند هذا الحد ، فهناك عوامل أخرى كثيرة وفاعله ، وتؤثر مباشرة أو بشكل عفوي لا يقصد لذاته ، ويتحدث علماء النفس عن النواحي البيئية وهي (( جميع العوامل الخارجية التي تؤثر في الشخص منذ بدء نموه ( ) ، لما لها من آثار بنائية أو تدميرية ، تلقي بظلالها على شخصية الإنسان .

وتبقى الإشارة إلى أن علم النفس لا يفصل الشخصية عن النواحي الجسمية ، حيث (( إن الحكم الصحيح على الشخصية ، يجب أن يشمل النواحي الجسمية خصوصاً في دراسة الشخصيات المريضة أو الشاذة ، فكثيراً ما تلقي هذه العوامل الجسمية الضوء على النواحي النفسية والعقلية للشخصية ))( ) .

وبذلك نتبين أن هنالك خمس نواح ، هي بمثابة أعمدة البناء التي تقوم عليها الشخصية الإنسانية ، وهذه النواحي هي : النواحي المعـرفية العقلية ، والمزاجية ، والخلقية ، والبيئية ، والجسمية . وإن الإنسان لكي ينشأ نشأة سليمة متكاملة ، لابد أن تتكامل جميع هذه النواحي من حيث التوازن والتعقل ، فلا تطغى إحداها على الأخرى ولا يركز البناء على ناحية معينة دون النواحي الباقية ، فالعمل البنائي يجب أن يكون متكاملاً متجانساً ، أما إذا حدثت عوامل خارجية طارئة ، فإنّ ذلك لا يعدو أن يكون أمراً شاذاً ، والأصل هو التوازن في البناء ، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد الشخصية المتكاملة ، المتزنة والناجحة .

(ب) الشخصية الإسلامية

لا شك في أن الشخصية الإسلامية هي مثال راق للفرد ، بل هي أفضل الشخصيات على الإطلاق ، فما من آية أو حديث إلا ويحوي دروساً وعبراً ومواعظ .. تسمو بالمسلم وترتقي به ليستحق بالفعل أن يكون واحداً من أولئك الذين قال الله سبحانه فيهم : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ( ). فالإسلام (( مدرسة جامعة ، وحركة إصلاح عالية كبرى ، تستهدف بناء الفرد على أسس سوية وقويمة ، بحيث يشب مواطناً صالحاً يتحمل المسؤولية ولا يتهرب منها ( ) .

ويرى أحد الباحثين( ) أن الإسلام يسعى إلى بناء الإنسان من مختلف المناحي ، على الشكل التالي :

أولاً  : البناء العقدي  .

ثانياً: البناء العبادي .

ثالثاً : البناء الاجتماعي .

رابعاً : البناء الأخلاقي .

خامساً: البناء العاطفي والنفسي .

سادساً: البناء الجسمي .

سابعاً : البناء العلمي والفكري .

ثامناً : البناء الصحي .

تاسعاً : تهذيب الدافع الجنسي .

والإسلام يهدف في عملية بناء الشخصية الإسلامية ، إلى مساعدة الإنسان لتحقيق أسمى غايات الوجود الإنساني ، وذلك بنيل مرضاة الخالق عز وجل ، ونيل جنته ، التي هي مطمع كل مسلم .

من هنا ، فإن الشخصية الإسلامية ، لا تحاول تحقيق غاية دنيوية بمعزل عن الهدف الأسمى ، لأن اتباع الهوى طريق الضلال ، كما قال تعالى لنبيه داود عليه السلام : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) ( ) .

فالحكم بالحق ، والعدل ، والنزاهة ، من سمات الشخصية الإسلامية والميل إلى الهوى انحراف وضلال ، فالدنيا ، مهما أقبلت على الإنسان ، يجب أن لا تغويه وتضـله عن الصراط المستقيم ، (( ذلك أن الحياة الدنيا في نظر الإسلام ، ليست غاية في حد ذاتها فبعدها حياة أخروية ، فيها ينعم الإنسان أو يشقى ، بحسب أفعاله في هذه الدنيا ، وهذا الإيمان بحياة خالدة بعد الموت هو الباعث العقيدي ))( ) الذي يوجه أعمال الإنسان كلها والذي يشيد البناء الفردي والاجتماعي بصلابة ومتعة .

ولقد أثمر الوعي الإسلامي في عهود غابرة ، عمالقة ظهروا وأثروا وأعطوا ، ولا تزال عطاءاتهم تزهر في فضاء العالم الإسلامي ، وإن الميل واتباع الهوى والذي نجده سائداً في العصر الحالي هو نتيجة اهتزاز الشخصية الإسلامية ، واتباع الإفرازات الغريبة عن حضارة الأمة وتاريخها ، والتي وجدت استعداداً هائلاً ، نتيجة لضعف الوازع الديني ، وضياع الهوية الإسلامية ، حتى بين كبار المفكرين والقادة في العالم الإسلامي ، وكأن شخصية المسلم أضحت مائعة إلى درجة الانصهار مع الأفكار الأخرى وتقبل كل وارد دون اعتراض .

ومن مظاهر تراجع الشخصية الإسلامية وميلها مع الهوى ، هو ما نلاحظه من احتفـالات المسلمين بأعياد غير المسلمين ، وخصوصاً ما يسمى بأعياد الميلاد ورأس السنة . ومن أشد ما يؤسف أن يتزامن شهر رمضان المبارك مع احتفالات الغرب برأس السنة الميلادية ، فنجد أن مظاهر الاحتفال بشهر الصيام أبهت بكثير من مظاهر الاحتفال برأس السنة الميلادية ، وهي بلا شك عادة مستوردة ما أنزل الله بها من سلطان ، ولكنها أصبحت بضاعة رائجة في أكثر بلاد المسلمين .

وربما نحتاج اليوم إلى وقفه عميقة مع الذات ، وقد تكون المشكلة الكبرى ، صعوبة إعادة المسلمين الشاردين إلى حظيرة الإسلام ، لكنها بالتأكيد مهمة ليست بمستحيلة ، كما أنها لن تكون أبداً ، في مستوى ما واجهه الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في دعوته قريشاً وقبائل العرب والأمم المجاورة ، وهذه المهمة يجب أن تكون على رأس الأولويات ، وعلى مختلف الصعد والمستويات والاتجاهات ، فتوجه الإمكانات المتاحة ، لكل فرد أو جهة أو جماعة ، للتصدي الفعال لكل سهام الخطر المحدقة بالأمة ، لا لحماية الصدور منها فقط ، بل ولردها إلى صدور أصحابها .

لذا قد يكون واجباً بالفعل على كل المتصدين لهذا العمل أن يحرصوا على (( غرس المفاهيم الإسلامية في شخصية المسلم ، التي تحوي كثيراً من القيم والمثل العليا والمبادئ وأنماط السلوك الحميد ، وبذلك تنمو فيه كثير من القدرات الإيجابية والأخلاقية والروحية والجسمية والعلمية و المهنية وغيرها ، مما يجعله إنساناً صالحاً مؤمناً ، وقادراً على رفع راية الإسلام ، ودفع عجلة التقدم والإنتاج والازدهار المنشود قدماً إلى الأمام ، ورفع شأن الحق والعدل والإنصاف ، والإسهام الإيجابي ، والدفاع عن الأمة وإعلاء شأنها ، وإثبات وجودها تحت الشمس ، في عالم لم يعد يعترف إلا بالأقوياء ))( ) .

ولتحقيق كل ذلك ، لابد من بذل الجهود ، في مختلف الميادين ، بهدف تكوين كثير من السمات الإيجابية النافعة في الإنسان المسلم ومنها : (( التكامل ـ التوازن ـ الواقعية الإيمان ـ القوة بمعناها الشامل ـ التوسط والاعتدال ـ الإيجابية ـ الحيوية والنشاط التعـاون ـ الإخاء ـ العدل ـ الإنصاف ـ الحمد والشكر ـ الموضـوعية وعـدم التحـيزـ  الإيمان بالعلم وبالمنهج العلمي ـ حب العمل ـ الإيمـان بالتــوحيد ـ القيـام بالعبادات ـ سلامة القلب والجسم ـ قوة الوازع ـ حب الحياة الاجتماعية ـ حب الطبيعة واستثمارها ـ الإشباع من الحلال ـ العفة ـ الشجاعة ـ الرضا ( ).

إن الشخصية الإسلامية الحقة ، لهي الثمرة الأولى في عملية بناء المجتمع الإسلامي ، القائم على صلاح أفراده ، فما من فرد في الأمة إلا وله دور ، وعليه أن يؤدي هذا الدور وأن لا يتهرب منه ، مهما كان هذا الدور صغيراً والله سبحانه يقول : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه )( ).

ورسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسؤولة عنهم ، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )( ) .

وبما أن مسؤولية الأفراد تنبع من مسؤولية الشخصية ، التي تحدد قيمة الإنسان ودوره في المجتمع ، لذا كان لزاماً على الأمة أن تبذل قصارى جهدها من أجل إعلاء قيمة أبنائها ورعايتهم خير رعاية ، في مختلف الميادين ، ولعل أهم هذه الميادين في عصرنا الحالي هو ميدان الإعلام .

الإعلام نبض المجتمعات المعاصرة :

فالإعلام نبض المجتمعات المعاصرة ، يسكب الأفكار البناءة ،كما يسكب الأفكار الهــدامة ، وقد يدهش المتأمل في عصرنا ، ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين ،وهو يتأمل حال أمتنا ، ويستشعر واقعها الإعلامي المؤلم ، حيث يعمل معول الإعلام الرخيص هدماً من داخل الأمة ، وما نراه ونشاهده من برامج ، تصب ، كل لحظة حممها فوق رؤوس المسلمين ، عبر الأثير ، إدانة لا تحتاج إلى دليل .

ففي جولة قصيرة على الفضائيات العربيات ، التي تبث بواسطة الأقمار الصناعية ، أو بتقليب سريع لصفحات الصحف العربية ، اليومية والأسبوعية والشهرية ، نستطيع أن نلمس عمق الانحراف الذي أصاب الأمة في صميمها ، وأفقدها ذاك الوهج ـ إلا من رحم ربي ـ الذي يشع بنور الرسالة الإسلامية ، بعدما نخرت وسائل الإعلام الرخيصة في الجسد الضعيف ، فكان من الصعب على وسائل الإعلام الإسلامية أن تنهض وتواصل الصدور مثلما رأينا من توقف لبعض الصحف والمجلات الإسلامية الكبرى ، كمجلة (( الأمة )) القطرية الشهرية وجريدة (( المسلمون )) السعودية الأسبوعية ، وكما نرى من تعثر صدور عدد من المجلات الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي ، ولولا بعض الدعم من هنا وهناك ، لما استطاعت أكثر وسائل الإعلام الإسلامية التي لا تزال تصدر الصمود ولأعلنت استسلامها ، ولسقطت تجربة الإعلام الإسلامي بفعل الضربات الكثيرة التي توهن ساعد الإعلام ، مثل مشكلات التمويل والاشتراكات ، والتوزيع ، والإعلان ، كما أن عدداً كبيراً من الصحف الإسلامية ، ممنوعة من دخول عدد لا بأس به من الدول العربية والإسلامية .

كما أننا لا نجد محطة تلفاز إسلامية ، باستثناء قناة ( اقرأ ) السعودية ، التي بدأت بثها في غرة شهر رجب 1419هـ ـ 21 أكتوبر 1998م ، على القمر الصناعي عربسات ( 2 A ) . وتهدف هذه المحطة( ) إلى تحقيق متعة الإعلام الهادف المبني على أسس دينية ، فتقدم برامج إسلامية وتربوية واجتماعية ، تجمع بين المتعة والترفيه ، وبين الدعوة والبناء ، والتثقيف .

ولكننا عندما نتأمل واقع هذه القناة ، نلاحظ أنها تبث ضمن مجموعة محطات فضائية توجهاتها واحدة تقريباً ، كلها تدعو إلى التسلية ، وبرامج المنوعات الاستعراضية والغنائية أبرز ما تقدم ، فضلاً عن الأفلام والتمثيليات ، العربية والأجنبية والمدبلجة ، التي لا تتفق في معظمها مع قيم المجتمع الإسلامي .

هذا إذا استثنينا واقع المحطات العربية الأخرى ، التي يبدو أن لا هم لها إلا هدم الكيان الإسلامي بأسلوب إعلامي رخيص ، والملاحظ أيضاً ، محاولة بعض وسائل الإعلام المختلفة ، لي ذراع الحقيقة ، بإظهـار الباطل حقاً ، والظالم بطلاً ، فضلاً عن تشويه الوقائع ، وصرف الناس عن دينهم وحضارتهم ، وتزييف الحقائق .

والأمثلة على ذلك كثيرة ، ويكفي أننا نشاهد في شهر رمضان ومنذ بضعة أعوام بدعة يسمونها الخيام الرمضانية ، التي انتشرت في البلاد العربية الإسلامية بشكل لافت وتشهد كل المحرمات ، من رقص وفكاهة وفن رخيص ، وغناء ، وموسيقى .. ، فضلاً عن تفويت رمضان الكريم ولياليه المباركة باللهو والطرب بدلاً من الصلاة والدعاء والرجاء .

كما أن شهر رمضان ، ارتبط بعادة سيئة جداً ، هي انتشار ما يسمى بفوازير رمضان ، حيث نشاهد تسابق القنوات الفضائية ، والصحف العربية إلى إجراء مسابقات متنوعة ، فنشاهد النساء الكاسيات العاريات ، وأغلبهن من غير المسلمات ، يتراقصن ويتمايلن ، في برامج تنسب إلى رمضان زوراً وبهتاناً ، وتلقى رواجاً شديداً من قبل المسلمين ، حيث نلاحظ اهتماما بالغاً بمتابعة المسابقات ، وهو أمر تؤكده اتصالات المشاركين التي نراها ونسمعها على التلفاز والمذياع ، كما نلاحظها من خلال عدد الكوبونات المشاركة في مسابقات الصحف والمجلات . وربما يكون هذا الاهتمام على حساب أداء الصلوات ، وخصوصاً صلاة التراويح وصلاة الفجر ، وفي ذلك هدم مركز تقوم به وسائل الإعلام .

وليس بمقدور وسائل الإعلام الإسلامية ، التي لا تملك الإمكانيات الضخمة أن تصحح الخلل وتسدد المسيرة بسهولة ، ومن المؤسف حقاً أن رمضان الكريم ، هذا الشهر الذي فيه ليلة هي خير من ألف شهر ( ) تفوت لياليه بالمعاصي ، أو على أقل تقدير بعدم المبالاة بلحظاته المباركة . لذا كانت وسائل الإعلام محط اتهام في الإساءة إلى الشخصية الإسلامية ، التي يسعى الإسلام إلى بنائها بناء شمولياً متكاملاً ، لا خلل فيه ولا عطب ، وهي بإمكانها أن تؤدي دوراً أساسياً في عملية البناء المطلوب ، لو التزمت بأحكام الشرع ونواهيه ، وهذا أمر بالتأكيد ، ليس وارداً في الفترة المقبلة ، كما تدل المعطيات الواضحة لكل مراقب .

دور مؤسسات الإعلام الملتزمة :

من هنا يأتي دور مؤسسات الإعلام الملتزمة ، وعلى رأسها وسائل إعلام الطفل ، وأهمها مجلات الأطفال ، لما لها من دور فاعل في عملية بناء شخصية المسلم وتحصينه ، وتأهيله ليقوم بدور فاعل بالمجتمع ، يتولى المسؤولية بنجاح ، ويكون قادراً على الصمود أمام كل الأخطار ، لذا كان على وسائل الإعلام الموجهة إلى الطفل ، وعلى رأسها مجلات الأطفال أن تعمل على بناء شخصية الطفل المسلم بناء محكماً ، على أساس أن (( الإسلام دين شمولي يقوم على الإيمان بالله عـز وجل ، والإقرار بأنه تعالى خالق هذا الكون ورازقه ، والإسلام فضلاً عن ذلك يرسم منهجاً لسلوك الأفراد ، أساسه الامتثال للأوامر الإلهية في كل الأمور والاهتداء بهدي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، فكتاب الله وسنة رسوله ، هما المحجة التي ينبغي أن تسير عليها الإنسانية جمعاء ، في سعيها الدؤوب نحو إقامة مجتمع ينعم فيه الناس بالرخاء وبالعدل . فالإنسان مخلوق من مادة وروح ، والإسلام ينادي بمراعاة الجوانب الروحية والمادية معاً ، وتحقيق الانسجام والتجاوب بينها ، حتى يتسنى إعداد الإنسان لتأدية رسالته المقدسة في هذه الأرض ))( ) .

إن الشخصية الإسلامية المعاصرة تعاني خللاً ظاهراً ، وازدواجية بينة بين ما يؤمن به كثير من المسلمين وبين تطبيقاتهم العملية ، والشواهد على ذلك كثيرة . ويكفي أننا لا نلاحظ فصلاً ما بين العبادة والحياة ، حيث تنتشر بين الناس تصورات خاطئة تفصل ما بين أداء الواجبات الدينية والسلوكيات الإنسانية ، وهذا خلل يصيب الشخصية الإسلامية في الصميم ، لأن الإسلام ذو وحدة عضوية ، فهناك من ينتمي إلى الإسلام وتصدق فيهم الآية الكريمة : ( قالت الأعراب آمنّا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )( ) . ويلاحظ بعض الباحثين (( وجود ملايين من الناس دينهم الإسلام وجوهر الأمر فيه هو الإيمان ، يتميز به من هو مسلم حقاً ، ومن يكتفي منه بمجرد الانتماء الرسمي ، أو يمارسه قولاً وشكلاً ومظهراً ، دون أن يتمثله عقيدة وسلوكاً ))( ) .

لذا فإن الشخصية الإسلامية ؛ هي الشخصية التي يسيطر الإسلام على جميع مناحيها ، حيث يتحرر الإنسان من أسر المادة ، وتكون كل أعماله وتصرفاته تبعاً للإسلام ، فلا يحاول مطلقاً أن يبحث عن المخارج التي تتفق مع أهوائه ، بل تكون حياته كلها مذعنة لكل أوامر الإسلام ونواهيه ، عاقداً العزم والنية على التطهر من كل ما يشوب شخصيته الإسـلامية من تصرفات أو معتقـدات تخالف الإسلام ولو بطرف ، ولو حتى من حيث الشبهة . وإذا كان الإنسان المسلم كذلك ، كان بحق ممن قال عنهم الله سبحانه : ( أولئك  كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) ( ) .

(ج) أدوار مجلات الأطفال الإسلامية :

يرى أحد الباحثين جملة من الأدوار يمكن أن يقوم بها أدب الأطفال تثقيفياً من منظور تربوي إسلامي ، يمكن تعميمها لتشمل إعلام الطفل بشكل عام ، ومجلات الأطفال بشكل خاص ، وذلك من خلال استبانة عرضها على (48) متخصصاً في المناهج وطرق التدريس والتربية وعلم النفس والدراسات الإسلامية والأدبية ( ).

وسوف نستعرض هذه الأدوار بما يتناسب مع سياق هذه الدراسة على اعتبار أنها تمثل الدور العام الذي يجب أن تقوم به مجلات الأطفال ، سعياً وراء بناء شخصية إسلامية متكاملة .

وهــــــذه الأدوار هـــي :

[1] ربط الطفل بتراث أمته وحضارتها

إن مجلة الطفل المسلم تقوم بدور فاعل بتنمية علاقة الطفل مع التراث الديني والأدبي ، والعلمي ، والتاريخي ، والفكري ، والفلسفي ، والفني . ويستمد هذا الدور أهميته الإسلامية من ضرورة أن يتعرف أشبال الإسلام إلى ماضيهم العريق ، وجعلهم يتفاعلون مع هذا الماضي ، روحياً وجسدياً ، ويصبح الطفل على علاقة دائمة ومستمرة مع تراث الأمة ، فينهل التاريخ المبسط ، والتفسير الميسر ، والسيرة العطرة المسهلة ، ويقدم له ما يناسبه من عيون الشعر والنثر ، واختيار ما يتوافق مع عصره من دروس وعبر مستمدة من التراث ، فضلاً عن تقديم وجبات خفيفة تعرفه بتاريخ أمته ، وتعلق على بعض الأحداث بما يتلاءم مع عمر الأطفال ومستوى تفكيرهم ..، فيغدو الطفل وقد أرسى في نفسه قواعد الألفة والمحبة لذلك التراث ، فينمو متمسكاً بتراثه ، معتزاً بكل ما يحويه عارفاً أنواعه وأشكاله وأنماطه ، فيبقى متعلقاً به ، مصراً على الازدياد منه مع تقدمه في السن ، وهي رغبة تغرس في نفسه وتنمو معه ، وتكبر ، ويصبح التراث جزءاً من ذاته ، وهو ليس تراثاً عادياً ، بل هو تراث أمة ، يعود تاريخها إلى أكثر من أربعة عشر قرناً ، وهو تراث رباني ، استلهمه الناس من كتاب ربهم وسنة نبيهم ، لذا فإنه تراث حي لا يموت ، وراسخ لا يتزعزع ، وهو إلى ذلك متجدد دائماً ، تتوارثه الأجيال ، فيكبر عاماً بعد آخر ويظل على رونقه الأول .

[2] تقبل المتغيرات الجديدة المقبولة دينياً

إن الإسلام دين يقبل كل التطـورات على مختلف الصعد ، بشرط ألا تسيء إلى العقيدة ، وألا تخالف الشريعة . والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يقول  الحكمة ضالة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحق بها )( ) .

والعلم بطبيعة الحال ، مطلب إسلامي ، بدأ منذ أول آية نزلت على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله تعالى : ( اقــرأ )( ) كما أن الاكتشافات العلمية تقود النفوس الباحثة عن الحقيقة إلى الإيمان ، مصداقاً لقوله تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق  ) ( ) .

والآيات القرآنية الكريمة (( تدل على عظمة الله ، كما تتجلى في تعدد جوانب هذا الكون الفسيح ، ولا يمكن فهم آيات الله في بديع مخلوقاته إلا بالتعمق في مختلف فروع المعرفة ، كالجغرافيا وعلم الفلك والفيزياء والكيمياء وعلم النبات وعلم الحيوان وعلم الأرصاد الجوية وغيرها من العلوم ))( ) ، والله تعالى يقول : ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون )( ) .

[3] إمداد الطفل بالمعلومات والمعارف التي تعمق نظرته للحياة

ولعل مجلة الطفل قادرة عمليا على الاضطلاع بهذا الدور العظيم ، إذ يستنتج الطفل العبرة والموعظة من خلال سرد الأحداث أو الوصف أو الحوار ، كما تسهم في تقبله للمعلومات التي تساعده على فهم نفسه ومجتمعه ، بطريقة مبسطة وسهلة ، يستطيع استيعابها خلال زمن قصير .

في المعلومة المقدمة على صفحات المجلة ، ليس المعلومة نفسها ، بقدر تحقيق استفادة تعين الطفل على الولوج إلى الحياة بثقة وتفاؤل ،ويكون في الوقت نفسه متسلحاً بالطعوم الضرورية التي تحميه من المفاسد الكثيرة التي تفوح سوءاً ، ويشعر بنتنها إذا أنشئ النشأة السليمة ، التي تكوّن شخصيته الإسلامية بالشكل المطلوب .

لذا فإن دور المجلة ، ربما يكون في هذا الجانب أكبر من الكتاب ، حيث تستغل اندفاع الطفل إليها ، لتنمية معارفه ومعلوماته المختلفة ، والتي لا تقتصر على المعلومات والمعارف كيفما اتفق ، بل من الضروري أن يكون هنالك هدف بنائي من ورائها ، ويمكن أن تقدم للطفل شرحاً وافياً حول ما يتصل بالمعلومة ، وربط ذلك بواقعه ، وكشف العبر المستفادة منها ، وربط ذلك أيضاً بنصوص شرعية ، فلا تقدم المعلومات مجردة ، حيث يستطيع الطفل تعميق إيمانه ، وترسيخ معارفه ، وإعطائه المخزون الكافي الذي يمكنه مستقبلاً من مواجهة السموم التي تحيق به ، بل وتبديدها ، ومن ثم التوجه لنشر دعوة الإسلام ، في أي مجال هو عامـل به ، حيث تسـري المعارف الإسلامية في أوصال المعارف الدنيوية ، لأن العلم والإيمـان صنـوان لا يفترقان ، والله تعالى يقول في كتابه العــزيز : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ( )

ويستمد هذا الدور أهميته من دعوة القرآن إلى الاعتبار : (  كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) ( ).

[4] تنمية القدرات العقلية المختلفة

ويقصد بهذا الدور تنمية الذكاء ، وإدراك العلاقات بين الأشياء ونقدها وتحليلها ، وتشمل هذه التنمية :  

أ ) ما يرد في النص من عقدة وحل .

ب) ما يرد في النص من قضايا .

ج) المحاسن والعيوب الفنية .

د) المقارنة بين الأفكار .

ويقوم هذا الدور بمهمة صقل القوى العقلية عند الطفل ، بشكل لا يكون فيه مجرد مستقبل لما يحدث حوله ، مما يجعله متفاعلاً بإيجابية ، مع كل ما يراه ويسمعه ، فهو ليس مجرد مستودع للمعلومات ، تلقى فيه الخبرات والأخبار ، والتجارب والمعارف دون أن يكون له دور في التفكير في محتوى ما يقدم له ، وفي شكل ما يعرض عليه ، حتى لا تكون الرسالة ذات اتجاه واحد .

إن قدرات الطفل لا يمكن أن تنمو بمعزل عن المعلومات واستدعائها ، بل هو إنسان يتقبل المعلومات ليستفيد منها في حياته ومستقبله ، لذا فإن وسيلة الإعلام الموجهة إلى الطفل عندما تدرك ضرورة شحذ ذكاء الطفل بوسائل متعددة ، فإنها تسعى جاهدة للقيام بهذا الدور وقياس عملية التفاعل التي تحدث لدى الطفل المستقبل ، وعند ذلك فإنها تقدم خدمة سامية للطفل نفسه ولمجتمعه ؛ لأنها تبني شخصية إنسانية مفكرة ومبتكرة ، قادرة على تفكيك القضايا وإعادة ربطها ، وإيجاد الحلول للمسائل المستعصية ، واختراع الأفكار من خلال المراقبة والاختبار والاستنتاج .

[5] تنمية القدرات الابتكارية والإبداعية

ويستمد هذا الدور أهميته من دعوة القرآن الكريم إلى الاكتشاف والبحث والدراسة وكتاب الله (( حافل بالآيات التي تحض على دراسة الطبيعة ومشاهدة الوقائع بأعمال النظر والتفكير ، لاستجلاء آيات الله في كونه ))( ) .

فهذا الدور يجب أن لا ينفصل عن الشخصية الإسلامية المراد تشكيلها ، لأن هذه الشخصية المبتكرة قادرة ـ بإذن الله ـ على اكتشاف الجديد دائماً ، فهي تتسم بسمات عديدة أهمها الطلاقة الفكرية ، أي القدرة على إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار عن موضوع معين في وحدة زمنية معينة ، والمرونة الفكرية التي تعني قدرة الفرد على تغيير الحالة الذهنية والأفكار بتغيير المواقف ، أي إن المبدع لا يتصف بالتصـلب الذهني والجمود ، كما يتصف بالإدراك الشامل لجوانب المشكلة ، كما يتصف بالأصالة ، وهي القدرة على إنتاج الحلول الجديدة والطريفة ، في ضوء تحليل واع لجوانب المشكلة .

والمقصود بالإبداع والابتكار هنا ، ما يمكن للإنسان أن يتوصل إليه من خلال المعطيات التي أوجدها الله سبحانه ، فهي ليست عملية إيجاد من عدم ، لأن الإنسان لا يملك قدرة بمعزل عن رب الخلق ، بل إن الله يفتح عقله وقلبه ، ويهديه إلى الخير . وبإمكان مجلة الطفل المسلم ، أن تقوم بدور المساعد على تفتيح ذهنية الابتكار والإبداع عند الطفل ، عن طريق جعله يتوصل إلى الحلول الناجعة لمشكلة ما تقدمها المجلة ، كما أن بإمكانها قيادته إلى بناء قدراته الشخصية في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفكرية والفنية ، بما يتوافق مع الشرع الحنيف ، وغرس فكرة العمل الابتكاري في نفسه ، على أنه مطلب إنساني وحضاري ، وأن الرسول الكريم حث المسلمين على الابتكار والإبداع ، فقال عليه أفضل الصلاة والتسليم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة يعمل بها من بعـده كان له أجرها ، ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة يعمل بها من بعـده كان عليه وزرهـا ووزر من عمل بها من غير أن ينقص شيئاً )( ) .

[6] شحذ عواطف الطفل وتهذيب وجدانه وتنمية مشاعره

وتأتي أهمية هذا الدور ، من كون الطفل بحاجة إلى من يرشده وينمي في نفسه العواطف النبيلة ، والمشاعر العطرة ، والله تعالى يقول : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) ( ) .

وكان واجباً على الإنسان أن يهذب سمعه وبصره وفؤاده ، عملاً بقوله تعالى عن نفس الإنسان : ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) ( ) .

ومن هنا فإن مجلات الأطفال بإمكانها أن تساعد على بناء شخصية إسلامية تنبض بالإيمان وتستقي معينها من القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث تقوم بتخليص الطفل من براثن الفجور ، وتقوده إلى طريق التقوى ، وتشحذ عواطفه ، وتهذب وجدانه وتنمي مشاعره البناءة .

والطفل المولود على الفطرة يحتاج إلى شحنات عاطفية سليمة ، وإلى من يحميه من سيل الإعلام المنحرف ، المتدفق من كل مكان بلا حسيب أو رقيب . وقد يقول البعض إن هذا أمر صعب محال في ظل المؤثرات الكبيرة والخطيرة في عصرنا ، لكن على أجهزة الإعلام الإسلامية ، وخصوصاً المجلات ، أن تقوم بدورها رغم كل التحديات ، وفي إطار ما هو متاح ، لكن القول بأن هذا بات أمراً مستحيلاً ، يعد استسلاماً .

فالطفل يمتاز بحساسية مرهفة ، فهو كما قال الله عز وجل يخلق وهو خال من أي علم ، وإن الدور الذي تؤديه مجلته على صعيد العاطفة والوجدان والمشاعر ، أمر يحقق الكثير من الفوائد ، ولو افترضنا أنها قد تكون محدودة إلى حد ما ، لكن هذا لا يمنع من أن تقوم المجلة بدورها ، محاولة تخطي العقبات ، واستخدام الوسائل المختلفة من حيث الشكل والمحتوى لتعزيز الشخصية الإسلامية ، ونبذ كل الأحاسيس المغايرة للعقيدة الإسلامية ، وتشكلها بأسلوب علمي سليم ، يؤدي في النهاية إلى تشكيل الإنسان المسلم ، وذلك بالتعاون مع سائر مؤسسات المجتمع ، وبالتكامل مع الأدوار الأخرى التي تقوم بها المجلة .

[7] تنمية وعي الطفل واحساسه لمشكلات مجتمعه وأمته

يمكن لمجلة الطفل أن تقوم بهذا الدور البالغ الأهمية من خلال تبيان القضايا والمشكلات التي يعانيها مجتمعه وأمته . وقد تكون هذه المشكلات اجتماعية أو سياسية أو أمنية أو اقتصادية .. حيث يشعر الطفل منذ اللحظات الأولى لتفتحه على الحياة أنه جزء من أمته ، فيتأثر ، ويتفاعل ، ويتألم مصداقاً لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) ( ). وهذا الدور يتناول المشكلات ، ويحد من ظهورها ، أو تفاقمها ، سواء مثلت المشكلات ظواهر عامة ، كقضية البوسنة والهرسك مثلاً ، أو تشتت العالم الإسلامي ، واضطهاد المسلمين في كوسوفا والهند ، واتهام المسلمين بالإرهاب .. أو ظواهر خاصة ، مثل بر الوالدين ، والعلاقات الإنسانية المحدودة داخل البيئة الصغرى ، في المنزل أو المدرسة أو الجيران أوالأقارب . ويستمد هذا الدور أهميته من دعوة الإسلام إلى الاهتمام بمشكلات المسلمين ، فقد جاء في الحديث الشريف : ( من أصبح وهمه غير الله فليس من الله ، ومن أصبح لا يهتم للمسلمين فليس منهم )( ) .

[8] غرس الاتجاهات الإيجابية نحو البيئة

يأتي هذا الدور المهم ليضفي على المجلة منحى يعنى بكل ما يحيط الطفل ، حسب البيئة التي يعيش فيها ، لأن طفل المدينة يختلف عن طفل القرية من حيث المحيط ، كما أن طفل المناطق المتقدمة يعيش في بيئة تختلف عن بيئة المناطق البدائية ، وينمي هذا الدور في نفس الطفل احترام البيئة التي يعيش فيها ، والسعي لاكتشاف خيرات الأرض وتنمية مواردها وتسخيرها ، خدمة للإنسان وتطلعاً إلى عيش أفضل .

ويقـوم هذا الدور أيضاً بتنمية تعلق الطفل بأرضه ، ومعرفة فضائلها عليه وفوائدها ، وأن يحافظ عليها قدر الإمكان ، وأن لا يفسد الأجواء الطبيعية ، وأن لا يؤذي الشجر أو الثمر أو الطرقات العامة ، وأن يحافظ على نظافة الحديقة والشارع ، وكل هذه الأمور من الممكن أن تقوم بها المجلة بأسلوب تربوي رمزي أو مباشر ، وأن تشعر المجلة الطفل بأهمية البيئة من حوله ، والله سبحانه يقول في كتابه العزيز : ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) ( ) .

وقد لا يقتصر هذا الدور على تعريف أهمية البيئة للطفل فحسب ، بل من الممكن أن تتسع المهام إلى إرشاد الطفل إلى طرق الحماية العملية ، كما يمكن إرشاده إلى الأمور التي يمكن أن ينجزها بنفسه ، كأن يحث أقرانه في المدرسـة على عدم رمي النفايات في الحديقة ، أو أن يقوم برفقة فرقة الكشافة بتنظيف شاطئ البحر ، أو زرع بعض النباتات ، أو إمداده بالأساليب العلمية التي تسهل له عملية اقتناء بعض النباتات المنزلية ، وكيفية حمايتها من الأمراض والأخطار الجوية .

وربما يكون دور المجلة على هذا الصعيد محدوداً ، إذا لم يتعاون أولياء الأمور معها لغرس هذه الاتجاهات التي يحتاج إليها كل مجتمع ، وبذلك يشعر الطفل بقيمة الأرض التي يعيش فوقها ، ويشعر بعظمة الله تعالى ، وتنمو في شخصيته نوازع الدفاع والتشبث بالأرض وحمايتها من كل الأخطار التي يفتعلها أعداء الإسلام والمسلمين .      

[9] الاطلاع على المواقف التاريخية المشرفة والمثل العليا

يتحدد هذا الدور بأن تقدم المجلة للطفل مواقف تعد تصرفات شخصياتها نموذجاً يحتذى ، أو بأن تقدم لهم شخصية تاريخية ذات إبداع وتفوق ، أو التزام خلقي أو جراءة في الحق . ويستمد هذا الدور أهميته من كون القدوة من سبل الاهتداء الصحيح ، والله سبحانه يقول : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ( ) .

وفي تاريخ المسلمين عبر عظيمة يمكن أن تعرضها المجلة أو تقتبس منها ما يتلاءم مع الطفل المعاصر ، وذلك بهدف اطلاع الطفل على الشخصيات والتصرفات ، على مختلف الصعد ، سواء الدينية أو الاجتماعية أو الإنسانية ، سواء بين المسلمين أنفسهم أو بين المسلمين وغير المسلمين .

والطفل المسلم بطبيعة الحال يحب أن نساعده بواسطة مختلف الوسائل لتعريفه بماضيه المشرف ، وبكل الانتصارات والبطولات التي حققها المسلمون ، وأن يربط كل ذلك بما هو سائد اليوم ، لتحدث وسائل إعلام الطفل في نفسه احساسات بالهوة الكبيرة بين الماضي والحاضر ، وليكتشف بنفسه الأسباب ، حتى تبنى شخصيته على الفخر بماضيه العريق ، ورفض حاضره المتقهقر ، على أن تقوم الوسيلة الأعلامية بتوضيح أسباب انتصار المسلمين الأوائل ، ووحدتهم وانهزام المسلمين المعاصرين وانقسامهم .

ولا شك في أن الطفل عندما ينمو في داخله حب التاريخ وأهله ، سوف يتخذ منه نبراساً ، ليسير على منوال المخلصين عبر التاريخ ويتجنب كل الصراعات الجانبية ، من أجل بناء مستقبل مشرق ، يشبه التاريخ المشرق الذي نما حبه في داخل قلبه .

[10] غرس الفضائل والقيم والصفات والعادات الحسنة

تحتل الأخلاق مكانة عظيمة في الإسلام ، فالله تعالى عندما مدح نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ( ) .

فالطفل يجب أن يتعلم التمييز بين ما هو حسن وما هو خطأ ، وأن يتعلم واجباته طبقاً للنظام الاجتماعي الذي يعيش فيه .فالأمور الحسـنة قد تكون ذاتية الحسن أو موضوعية ، وقد تكون لازمة أو مفارقة ، وقد تختلف من مجتمع لآخر ، وقد تحدث مرات قليلة أو تتكرر . فممارسة الرياضة أمر ذاتي الحسن ، والحفاظ على العرض أمر موضوعي الحسن ، والكرم يختلف وزنه القيمي من مجتمع إلى آخر ، والشجاعة لا تبرز إلا عند وجود موقف ، وإلقاء السلام عادة تتكرر كل لقاء ، ومن هنا فإن هذا الدور يقصد به كل سلوك حسـن يستحسنه الشرع والعقل والمجتمع ، سـواء دل على فضيلة أو قيمة أو صفة أو عادة .

ويستمد هذا الدور أهميته من حث الإسلام على مكارم الأخلاق والطيب من السلوك ، وقد قال تعالى يصف عباد الرحمن :( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ، والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً ، إنها ساءت مستقراً ومقاماً ، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ، وكان بين ذلك قواماً ) ( ) . إن هذا الدور الذي ينبغي أن تقوم به مجلات الأطفال ، ينمي في نفس الطفل الشخصية الفاضلة التي بإمكانها أن تمتلئ بأسمى الصفات والقيم والعادات ، فيصبح في مستقبله إنساناً سوياً ، يتمتع بالمناقب الإسلامية الأخلاقية النبيلة .

[11] تنمية الإحساس بجمال الكون وبديع صنع الخالق

وعلى مجلة الطفل أن تبرز ما في الكون من جمال ونسق وإبداع ، مما يوجه نظر الطفل إلى هذا الجمال ، ويقوي من إيمانه بالله ، سواء اتصل هذا بالكون وما فيه من مياه وجبال وزرع وأشجار ، أو اتصل بالإنسان وما فيه من إبداع الخلق وجمال التقويم . يقول الله في كتابه العزيز : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) ( ) . ودعانا الله إلى تلك الشفافية الجميلة بقوله : ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) ( ) .

والنفحات الجمالية التي تنمو في قلب الإنسان ، وتستقر في حناياه ، تنعكس على سلوكه وتعامله مع غيره من الناس ، فتصطبغ شخصية الإنسان المسلم بجمال الحياة من حوله ، ويرى بديع صنع الله ، فينظر ويتحقق ، ويتأمل ، فيمتلئ جنانه بالنور الكوني ، حيث يستشعر عظمة الخالق ، من خلال استشعاره لمخلوقاته العجيبة ، والله تعالى يقول :

( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) ( ) .

ويقول أيضاً : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزل الله من السماء من ماء ، فأحيا به الأرض بعد موتها ، وبث فيها من كل دآبة ، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) ( ) .

ولا شك في أن إشاعة روح الجمال في شخصية الطفل تجعله محباً للخير ، نافراً عن كل عمل سيء ، مشين ، حيث تتملكه مشاعر مرهفة تقدر الجمال في القول والفكر والعمل . وهذه الثلاثية تبعث في قلب المؤمن إحساسا بالطمأنينة والراحة والأمن ، وتجعله كالشجرة الجميلة ، تنشر الخير ، أو كالوردة العطرة ، تبث رحيقها ، ولا تطلب من الآخرين جزاء أو شكوراً .

[12] تهذيب سلوك الطفل والارتقاء به

تضمنت آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إرشادات تربوية عميقة ، أشرنا إلى بعضهـا في الصفحات السابقة ، فالإسلام يسعى إلى تهذيب سلوك أتباعه منذ حداثة سنهم . ولكل سلوك درجات من الممارسة بعضها مرفوض وبعضها مقبول وبعضها مستحسن . فتناول الطعام ، وممارسة اللعب ، والتعامل مع الجيران وزملاء الدراسة والمدرسين والمشي في الشارع ، والبيع والشراء .. كلها سلوكيات لها درجات مختلفة من الاستهجان أو الاستحسان ويمكن لمجلة الطفل أن تقوم بدور كبير في تنفير الطفل من السلوك المستهجن وتحبيبه في السـلوك الصحيح . ويستمد هـذا الـدور أهـميته من الآية الكريمة :( قد أفلح من تزكى ) ( ). وتقـوم المجلة بدور مهم في تزكية شخصية الطفل ، وتنمية سلوكياته الحسنة وإظهار عواقب السلوك السيئ ، وتعريفه على طرق التعامل الحسن مع الآخرين . وإذ يتفتح الطـفل على هذا السلوك الراقي ينمو على حب الخير ، والتعامل الإيجابي والأداء الراقي ، المنبعث من فيوضات الإسلام ، الذي يسعى إلى بناء الشخصية الإسلامية السوية والمهذبة والكاملة . ولنا في رسول الله أسوة حسنة إذ يقول صلى الله عليه وسلم : ( أدبني ربي فأحسن تأديبي )( ).

إن تهذيب السلوك قد يكون من أبرز الأدوار التي تضطلع بها مجلة الطفل ، حيث تغرس في نفسه كثيراً من السلوكيات السامية ، التي تبرهن عن صفاء الشخصية الإسلامية ونقائها ، من وجوه متعددة ، مثل إعانة الآخرين ، وإغاثة المسكين ، ومسامحة المسيء وتفريج الهم عن المهموم ، وإعانة كبار السن واحترامهم ، وبر الوالدين ، واحترام أهل العلم وتقديرهم .. وغير ذلك من السلوكيات الحميدة .

[13] تنمية ثروة الطفل اللغوية وتمكينه من حفظ النصوص الجيدة

يقصد بالثروة اللغوية ما يبدأ بالحروف مثل ( أن ) للتأكيد ، ثم الكلمة ، فالعبارة فالفقرة في النثر ، أو البيت ، فالمقطع ، فالقصيدة في الشعر ودورانها حول موضوعات تهم الطفل ، وتحمل قيماً بناءة له ، كما تقصد بذلك أيضا ، إضافة كلمات جديدة إلى قاموس الطفل أثناء السياق .

والمجلة بإمكانها أن تكون رافداً مهماً من روافد غرس اللغة العربية الفصيحة في عقل الطفل وقلبه ، وتقدم له بأسلوب مبسط ، يحوي المعاني الجميلة ، والمترادفات الكثيرة والمتنوعة ، مع الابتعاد عن الألفاظ الموغلة بالصعوبة ، كما يمكن أن تخصص المجلة صفحة خاصة بالمرادفات ، ويمكن أن تكون هناك صفحة عملية للتدريب على المفردات وتراكيب الجمل ، وصياغة العبارات ، واستخدام الكلمات بأشكال مختلفة كأن يكون للكلمة أكثر من معنى حسب استخدامها .

ومن المناسب أيضاً أن تشكل الحروف بشكل كامل ، وأن يراعى ضرورة عدم وجود أي أخطاء لغوية أو نحوية ، وأن يركز على تنمية قاموس الطفل اللغوي ، باستخدام الكلمات الجميلة التي لا تتردد عادة على ألسنة الأطفال ، مع استخدامها في عبارات مناسبة بأسلوب بليغ فريد جذاب وشائق .

ويستمد هذا الدور أهميته البالغة من أهمية اللغة العربية ، والله تعالى يقول في آيات متفرقة : ( انّا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون ) ( ) .

( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ) ( )  .( وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ) ( ).

( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربياً ) ( ) .

[14] تنمية المهارات القرآنية المختلفة عند الأطفال

إن هذا الدور الذي يجب أن تقوم به مجلات الأطفال أعظم دور يمكن أن تؤديه وهل هنالك شيء أعظم من كتاب الله سبحانه للحفظ والتعليم والتلاوة .

ويكفي أن نعلم منزلة القرآن الكريم ، ومنزلة قارئ القرآن عند الله تعالى لنفهم مقدار هذا الدور الذي يجعل من شخصية الإنسان المسلم شخصية عظيمة ، والله سبحانه يقول : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ( ) .

ولكي يبلغ الطفل المسلم (( الشأو العالي من الطاعة والصلاح والتقوى والوعي والنضج ، لابد من استرواحه نسمات الهداية المعطرة من كتاب الله ، يفيء إلى ظلاله الوارفات كل يوم ، فيكون له مصدر قرآني دائم ، يقبل فيه على آياته البينات ، يتلوها بتمعن وتبصر وتأمل وتدبر ، فتنسرب معانيها في مسارب عقله ومشاعره ، ويتشرب قلبه نورانيته الصافية ، وتستنير نفسه بهديه اللألاء ))( ) .

والمهارات القـرآنية التي يمكن للطفل أن ينميها من خـلال صفحات المجلة ، تلك (( الصفات التي يتصف بها القارئ الجيد ، كالوقوف على الفكرة الرئيسية ، والعناصر المقروءة ، وإدراك إشارات السياق ، وقراءة الرسوم وما بين السطور ، والاستفادة من المادة المقروءة وتوظيفها في الحياة ))( ) . ونستمد أهمية هذا الدور من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) : ( اقرأوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شافعاً لأصحابه ) ( ) . إن علاقة القرآن الكريم بشخصية المسلم ، يجب أن تكون علاقة وثيقة جداً بحيث تبدأ منذ سنوات الطفولة الأولى .. والمجلة قادرة على المساهمة في تنمية هذه العلاقة .

[15] إثراء خيال الطفل والوقوف على احتمالات وتصورات متعددة ومبتكرة

إن المادة الخيالية (( لها أثر كبير في الترفيه عن الطفل وجذب انتباهه والتنفيس عن بعض ما لديه من رغبات مكبوتة ، بالإضافة إلى ما يمكن أن يتحقق من خلال هذه المادة ، من آثار تربوية عندما يلمس الطفل عن طريق المشاهدة ، وليس عن طريق الممارسة ، نتائج الأعمال الطيبة والسيئة دون أن يعاني عملياً من النتائج ))( ) .

وهذا الدور ينمي شخصية الطفل المسـلم من واقع النتائج المرتقبة والمذكورة سابقاً ، ويقصد بهذا الدور كل مالا يدرك بالحواس ، وكل ما ليس حقيقة ثابتة ، ولكنه يدور حولها فالألوهية مثلاً حقيقة ثابتة لكن ماهية هذه الحقيقة ، وكنهها ورسمها مجال للخيال الإيماني ، في إطار الآية الكريمة : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( ) .

فالقرآن يرشدنا إلى أن الجنة مثلاً فيها ما لا رأت عين ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وكل ذلك فيه مجال خصب لأعمال الخيال ، فلا يمكن معرفة حقيقة الوصف القرآني للجنة ونعيمها ، لكنه يقرب الصورة ويطلق الخيال . ويقصد بالخيال أيضاً الخيال الخرافي الذي يقدم لسن معينة ، وفي إطار محددات تربوية ، كما في أحاديث الدمى والعرائس والأشجار والحيوانات .. وغير ذلك .

ولا شك في أن الخيال (( يبسط آفاقه إلى ما وراء ما هو ملموس واضح ، ويعين على تصور إمكانيات جديدة ، والربط بين الأفكار التي تبدو متباعدة أول الأمر ، ودور المخيلة لا يقل عن دور العقل نفسه في تفهم الحقائق ، بل هي عين العقل التي ترى ما هو غير منظور وتقدر الجمال المستور في البواطن ، وهي تنمو في الطفل مع نموه ، وتختلف في مداها من طفل إلى آخر ، وقد أثبتت التجـارب تفوق المخيلة في إدراك كثير من الحقائق ))( ) .

[16] تنمية القدرة على إدراك جمال النغم وروعة إيقاع الكلمات وموسيقى الشعر

يرى عدد من الباحثين أن (( في الشعر موسيقى ، وفيه تنغيم وإيقاع ، والأطفال يميلون إلى التنغيم والإيقاع والكلام الموسيقي المقفى منذ نعومة أظفارهم ))( ) . وللتذوق فوائد جمة (( لأنه يغلب عليه الوجدان أو الانتقـال ويتصل بالتفكير ويحتاج إلى قدر من الفهم ، وله أهميته الخاصة في مجال التربية ، لأسباب منها ، أنه يساعد على إدراك قيمة الشيء ويكون أعظم رسوخاً في النفس ، كما أن اللغة ونغماتها تساعد على فهم التراث وتذوقه ، وهذا التذوق يعين على امتلاك ناصية اللغة التي تعين على فهم دقائق الكلمات واستخدامها بوضوح ، كما أن للتذوق صلة وثيقة بالذوق السليم ، ويزيد من استمتاع الإنسان بلغته حين يستعملها ، ويفتح أمامه آفاق العلم والمعرفة ))( ) .

ويؤكد الباحثون (( أن الأطفال ميالون إلى الإيقاع ، فالطفل ، منذ أيامه الأولى ، يكف عن البكاء ويهدأ ، وقد يستسلم للنوم العميق حين تأخذ الأم بالربت على قفاه برقة ، وحين تهز بمهده ذات اليمين وذات الشمال في إيقاعات متكررة ))( ) . ويستمد الشعر إيقاعه من أوزانه وقوافيه وكلماته ، (( لذا يستطيع الأطفال ترديد الكلمات الموقعة ، ويصل بهم الأمر إلى تكرار أنغام من الشعر لا يفهمون له معنى ))( ) .

ولعل في تنمية هذه القدرة التي يمكن أن تقوم بها مجلات الأطفال ، تنمية لمشاعر الأطفال ، وقدرتهم على فهم القرآن الكريم ، والتنقل بين آياته بدقة وإتقان وكذلك تقبل اللغة العربية بسرعة ، واستيعاب جمالياتها ، والغوص في بحورها ، واصطياد لآلئها ، ومن ثم استخدامها بأسلوب ساحر جذاب ، يظهر المتحدث بهيئة المتمكن .

[17] معرفة الأشكال الأدبية المختلفة من شعر وقصة ومسرح

تقوم المجلة بهذا الدور لأنها (( تستعمل الكتابة والرسم والصورة ، لتقديم القصص والمسرحيات والأغاني ، ويتيح لها الإصدار المتكرر أن تكون على صلة بالقراء ، فتستقبل الرسائل ، وترد عليها ، وتنشر صور القراء ومشاركاتهم ، وتقدم المسلسلات المصورة والأخبار ، وتبتكر أبواباً جديدة ترعى هوايات الأطفال ومواهبهم ، وتنميها ، وتستقبل إنتاجهم ، وتوجههم ))( ) . كما أن بإمكان مجلة الأطفال أن تقدم القصيدة والأقصوصة والرواية ، والخطبة ، والمقالة ، والرسالة ، والمقابلة ، وغير ذلك من الفنون الأدبية المختلفة .

ويستمد هذا الدور أهميته ، من احتكاك الطفل بمختلف فنون الكتابة ، فتتولد عنده مواهب عديدة ، وتوفر له إلى جانب المتعة والمعرفة ، القدرة على اختبار نوعيات مختلفة من الكتابة ، إذ يشارك في المجلة بخبرات المتخصصين ، فالمجلة تستطيع أن تستعين بمن تشاء من أصحاب الخبرات التي قد لا تتوافر لمحررها ، بشرط أن تتمتع المادة بأسلوب يلائم المجلة ، من حيث المضمون والجمهور المستهدف ، كما يمكنها أن تنشر على صفحاتها لقاءات متنوعة لأسماء لامعة في مختلف المجلات ، والتي يسمع بها الصغار ، ويسرون لو رأوها على صفحات مجلتهم المفضلة .ويؤدي هذا الدور إلى قدح المواهب الخفية ، وإظهارها إلى العلن ، وتشجيع الطفل الذي يجد في نفسه قدرة على التأليف أو التعبير الفني في مختلف مجالات .

[18] تنمية حب الاطلاع والرغبة في البحث والاستكشاف

يستمد هذا الدور أهميته من الآية الكريمة ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )( ).

ومن قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )( ) .

ويمكن للمجلة أن تنمي رغبة الطفل بالتحصيل في مختلف المجالات ، في علوم الشريعة والدين ، وفي أي علم من علوم الدنيا ، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة والفلك والطب والصناعة والتجارة .

وإن هذا العمل الجليل الذي تقوم به المجلة يرفد عقل الطفل بكل جديد ، ويحثه على البحث والاستكشاف والمتابعة ، طمعاً بالمزيد ، بالمطالعة الدائبة والاطلاع المستمر ، مما يسهم في بناء شخصية إسلامية واعية ومثقفة ، لأن (( المسلم الواعي الحق في هذا العصر هو الذي يحقق نجاحاً علمياً عالياً ، يكسبه في أعين الناس مهابة وإجلالاً وتقديراً ، ويرفعه إلى أعلى مراتب المجد والشرف والتكريم ، وترتفع بارتفاعه دعوته إلى الشأو الذي بلغه ، ما دام يمثلها في إخلاصه وجده ودأبه ، وما دام ينطلق من الروح التي أشاعها الإسلام في جو العلم ، إذ جعله فريضة يتقرب فاعلها إلى الله ، ويتخذ من العلم وسيلة لمرضاته ))( ) .

كما أن هذا الشعور بالتوجه نحو العلم يزيد من معارف الأطفال ويزيد من مداركهم ، ويرتقون أعلى المراتب عند الله ، ويقـول سبحانه في تفضيله أهـل العلم على الجاهلين : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) ( ) .

[19] تنمية حب المكتبة والمهارات المكتبية

إن من أهم أدوار مجلات الأطفال أن تصل الطفل بالمكتبة والكتاب ، وأن توطد العلاقة بين الطفل والمكتبة ، وأن تكون هذه العلاقة علاقة حب واحترام ، وأن يجيد الطفل المهارات المكتبية المختلفة ، كاستعمال المعاجم والفهارس وفي هذا فوائد كبيرة وعظيمة ، والوقوف على الكتاب المناسب ، ومعرفة قوانين الاستعارة وآداب القراءة في المكتبة وغير ذلك .

ويستمد هذا الدور أهميته من كون الكتاب من المصادر الأساسية لجمع المعلومات ، وقد عنيت الحضارة الإسلامية بالمكتبات ، ولا يزال بعضها باقياً إلى يومنا هذا . ويمكن للمجلة أن تقوم بهذا الدور من خلال تعريف الطفل بالمكتبات ، وبكيفية الاستفادة منها ، وأهميتها ، كما أنه يمكن أن تقدم في كل عدد تعريفاً بكتاب أو بعدة كتب ، وتشجع الطفل على الذهاب إلى المكتبة العامة المدرسية والاستفادة من الكتب المعروضة .

وتقوم المجلة بهذا الدور المهم في غرس روح المتابعة وحب المكتبة في أنفس الصغار ، لأن المكتبة تعمل (( على غرس الكثير من العادات الجيدة عند الأطفال ، كالاعتماد على النفس ، واتباع طرق سليمة في الدراسة واحترام الكتاب والتعامل الجيد مع الأطفال الآخرين ومع أمين المكتبة بالإضـافة إلى غـرس عادة القـراءة ، واستغلال وقت الفراغ في أمور مفيدة ، وكذلك غرس عادات أخرى مثل التعاون والهدوء والنظافة والترتيب والالتزام ، وغير ذلك من العادات الجيدة الحميدة ))( )  .

[20] الارتقاء بلغة الطفل وقدرته على التعبير

يقصد بهذا الدور أن تمد المجلة الطفل بالألفاظ والجمل والعبارات والأفكار والصور والأخيلة ، التي يوظفها الطفل عندما يتحدث أو يكتب مما يرقى بأحاديثه وكتاباته . ويقول الباحثون (( إن اللغة نوع من أنواع التعبير ، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة في هذا المجال ، ومن وسائل التعبير : الغناء والموسيقى والرسم والكلام والرقص ))( ) .

ويستمد هذا الدور أهميته من الآية الكريمة :( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( ) . وإن غرس هذه الآية بتطبيقات عملية في حياة الطفل تجعله رقيباً لنفسه ، فتنمو لغته مع نمو شخصيته الإسلامية العتيدة لا سيما أنه سيكون داعياً إلى الإسلام في أي موقع كان ، (( والمسلم الداعية الواعي كيس فطن لبق في وعظه حكيم في دعوته الناس إلى الحق ، متئد في تعليمهم أحكام الدين ))( ) . والله سبحانه يقول في كتابه العزيز : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ( ) .

وتستطيع المجلة أن تسهم بتنمية القدرة التعبيرية عند الطفل ، حتى يتمكن مستقبلاً من مخاطبة أكبر عدد من الناس ، بأفضل أسلوب ، داعياً ومرشداً وواعظاً . ويمكن للمجلة أن تؤدي هذا الدور بمختلف الوسائل المتاحة ، ابتداء من الفنون التحريرية المتنوعة ، ثم الصورة ، وكذلك العنوان ، فضلاً عن بعض التدريبات الممكن القيام بها داخل صفحات المجلة ، وكذلك بإفساح المجال أمام الأطفال للمشاركة في إبداء آرائهم في المجلة حول موضوع مقترح أو موضوع خاص به يود نشره ، وفي ذلك إثراء لثروة الطفل اللغوية وتحسين أسلوبه في التعبير .

[21] استثمار وقت الفراغ فيما هو مفيد والاستمتاع به

تتيح المجلة للطفل فرصة الاستفادة من وقت الفراغ بما يعود عليه بالنفع من نواحي  شتى ؛ أولاها الناحية اللغوية ، كما ذكرنا مسبقاً ، وكذلك تنمية المهارات المختلفة التي سبق ذكرها في الصفحات الماضية .

ويعني هذا الدور أن الطفل سوف يقضي جزءاً من وقته في القراءة والاطلاع ، وهو حين يقرأ ، يستمتع بما يقرأ ، كما يعني إيجاد بعض الكتابات التي توجه للطفل لاستثمار وقت فراغه استثماراً حسناً ومفيداً . ويستمد هذا الدور أهميته من قوله تعالى : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور )( )  . ويقول أحد المفسرين (( إن الأسى هو شغل النفس بما لا يجدي ، وإن من يغرق في الأسى يفقد الوقت والطاقة ))( )  .

ويمكن للمجلة بما تتمتع به من تقنيات فنية وتحريرية أن تجعل الاستفادة ممتعة ومسلية ، والإسلام لا يحرم السرور والبهجة على اتباعه ، بل إن (( المسلم الواعي المستنير بهدي دينه ؛ يحرص على أن ينشر المسرة في الربوع التي يحلها ، ويشيع بين أهلها الأنس والمودة والغبطة ، فإدخال السرور على القلوب في إطار ما أحل الله مطلب إسلامي ندب إليه الشرع الحنيف ورغب في فعله ، لتكون بيئات الإسلام وأجواؤه مترعة بالود ، ندية بأنسام المسرة ، عامرة بالبشر والتفاؤل ))( ) .

ولا شك في أن هذا الدور الذي تقوم به المجلة يسهم في بناء شخصية إسلامية متوازنة ، هادفة ، جادة ، وفي الوقت نفسه لا تمل الآخرين ، ولا تصيب نفسها بالملل والضجر ، فالإسلام يريد لأبنائه (( خفة ظل ، ومرح نفس ، وعذوبة روح ، وإنها لصفات تكسب صاحبها شخصية دمثة محببة ، تستطيع أن تغزو القلوب ، وتتغلغل في بواطن النفوس ))( ) ، وأن شخصية المسلم تزيد مكانة عندما تتحلى بهذه الصفات .























الصندوق رقم ( 12 )



الخصائص العامة لمجلات الأطفال ( )

[1]  تعتمد على تصوير المعاني وتجسيدها من خلال الكلمة المطبوعة النابضة بالحياة والجاذبية ، عن طريق تحويل الصفحات إلى لوحات فنية ذات جمال ومعنى تناسب قدرات الأطفال على استخدام أعينهم وتيسر لهم القراءة وتنمي قابليتهم على التذوق الفني .

[2]  تعتمد بشكل أساسي على الصور باختلاف أنواعها : فوتوغرافية ، رسوم ساخرة ، توضيحية .. ، مع ما تتميز به الصورة من لغة ، يستطيع الأطفـال مهما اختلفت مستويات ذكائهم وتعليمهم ، فهمها والتأثر بها .

[3]  تتمتع بجميع الميزات التي تميز وسائل الاتصال المطبوعة ، إذ تيسر للطفل فرص الاختيار من بين المجلات المتاحة في مجتمعة أو بيئته ، وتتيح له إمكانيات التحكم في ظروف التعرض ، إذ تتاح له قراءتها في أي وقت ، أو أي ظرف يشاء ، كما يمكن أن تستغرق الوقت الذي يناسبه في القراءة حسب مقدرته اللغوية وقدرته على الفهم ، وأن يعود إلى قراءة المجلة أو موضوعات معينة منها متى يشاء .

[4]  إن مجلة الطفل بمرور الوقت تتحول إلى صديق له ، إذ تنشأ بينه وبين شخصيات المجلة   وأبطالها وكتابها علاقة شخصية حميمة ، ويرسم لهم صوراً في خياله ، ويثق بهم إلى حد كبير ، ويتفاعل معهم ، بل قد يصل ذلك إلى درجة التوحد مما يؤدي إلى نتائج مختلفة قد تكون إيجابية أو سلبية .











الصندوق رقم ( 13 )



الأهداف التربوية العامة لمجلات الأطفال ( )

[1]  تنمية معلومات الأطفال وزيادة معارفهم .

[2]  تنمية القيم المرغوب فيها .

[3]  تنمية المشاركة الإيجابية لدى الأطفال .

[4]  تنمية الابتكار لدى الأطفال .

[5]  إشباع حاجات الأطفال النفسية والعقلية .

[6]  تنمية السلوك الاجتماعي المقبول في المجتمع .

[7]  تنمية مهارات القراءة .

[8]  تنمية الذوق الجمالي لدى الطفل .

[9]  المجلة وسيلة ترفيه وتسلية ، دون أن يكون الترفيه بلا مضمون أو هدف ، وفي الوقت نفسه تعطي للموضوع الثقافي شكلاً من أشكال الجاذبية والاهتمام من قبل الطفل .





ملاحـــظة : إن اجتماع الجـوانب التربوية ضمن هذا الصندوق رغم تنوعها يجعل دور

المجلات كله هدفاً تربوياً ، وهذا بالفعل يجب أن يكون من وراء إصدار المجلة خصوصاً ، وأي عمل إعلامي خاص بالأطفال عموماً .



صندوق رقم ( 14 )



مساوئ بعض المجلات الغربية

المترجمة إلى اللغة العربية( )

(مثـل مجلات : ميكي ـ تان تان ـ لولو ـ سـوبرمان ـ باتمان ـ الرجـل المطاط ـ إكس مان ـ سبايدرمان )

[1] المضمون الأخلاقي غير مقبول وشديد الخطورة ، ففي هذه المجلات نجد الحيوان مثل الإنسان أو أرقى منه ، والمرأة والرجل علاقتهما بلا زواج ، فلا وجود لعائلة أو أقارب ، والصغير يهزأ بالكبير ، والغني يهزأ بالفقير ، ونجد المجرم كأحد أعضاء المجتمع الثابتين.

[2]  المستوى اللغوي سيئ جداً ، حيث إن أغلب البناء اللغوي يتم باللغة الأصلية التي تمت الترجمة منها .

[3]  الإخراج وتقنية الإنتاج ممتازة عموماً ، وفي كثير من الأحيان يتم تنفيذ النسخ العربية بمواصفات إنتاج النسخ الأجنبية نفسها .

[4]  المجلات هذه تلائم نفسية الطفل لأنها تخاطب خياله الجامح ، وحبه الشديد للمغامرة وإعجابه بالقوة والجمال والتقدم التكنولوجي ، وأحياناً تخاطب غرائزه الجنسية .

[5]  تكامل الرسالة التربوية ممتاز بالرغم من أن مضمون الرسالة التربوية هدام ، وينقض أغلب ما يتعلمه الطفل من أبويه ومن المدرسة ، وبالرغم من أن كثيراً من أحداث وأماكن هذه القصص غير مقنعة ، إلا أن الأطفال يقتنعون بها مثل : عالم ديزني والنينجا والوطواط .


View bakri's Full Portfolio