ن رواية محمود الظاهر

تقاطع الأزمنة

رواية: محمود الظاهر

قراءة: مُحمّد الأحمد

يجيد (محمود الظاهر) تواريه خلف بطله (الكاتب الروائي)، بعد ان سقط مغشياً عليه من شدة المرض، ومبتكرا له شخصية الطبيب الذي يتابع الروائيُّ وما يحمل من اوراق مليئة باخبار بطله، والذي قد ترك للقارئ اوراقاً قد أرقتهُ سطورها، فراح يبتكر لها، بمخيالٍ يتسع لمقصده، مخترعا جهازاً اسماه (المفراس) لطبيب جراح ماهر ليجترح ماوراء الانسان الذي يريد متابعته برواية اسماها (تقاطع الأزمنة)، الصادرة عن دار الشؤون الثقافية- بغداد 2004م، بلغة شفافة، لا تحمل اكثر مما حملت صفحاتها المعدودة (72 صفحة)، فهي تسير عاجلة بمسير لن تعطي القارىء، سوى تشويقا من اجل ان يصل معه الى مراميه، الواضحةُ الخطوة، الجليةُ الصورة، والطبيب يكون الراوي الذي يتابع مجرى احزانٍ لن تنطفىء من اشواق قصص الحب التي كان يعيشها مريضه الأستاذ (النبهاني) كاتب الروايات الشهير، وكأن ليس مثلها في الأدب العربي، الذي استنسخ بعضه من بعضه، فثمة عاشق ضيعه الحبّ، كما ضيعه الانتماء، عائد الى مكان كان فيه.. سابقاً. فجعلت من الرواية لا تعرض أبدا جديداً كنّا قد قرأناه في نتاجه الروائي السابق من تجارب.(لم يك يهتم بما يجري داخل مرآته، إذ كان جلَّ اهتمامه منصباً على النافذة المقابلة لنافذته، يجادل في اعماق الحدس الذي اصيب به منذ وصوله المدينة- الرواية ص13)، فالعودة الى الماضي، تبيتُ هاجساً مضنياً لكل راوِّ، ولكل بطل محور.. فثمة اعادة نظر، في كل التاريخ العراقي من الكتاب، فهو يتنكر لما عاشه في الواقع ويعمل على تغريب ذاته الحقة، وما عاشت من حقيقة، ولو تشابه، هنا او هناك، فهو ليس بالضرورة كتابة وثيقة زمن، ولكن لمشروع اعادة صياغة ما كان ينبغي عليه ان يكون، فلقد حرم الروائي العراقي من ان يعش حياته كبقية اقرانه من بقية خلق الله، فعمد الى الرفض العمد، والى التغريب العمد، وراح يعود ببطله بعد زمن طويل الى مكانه الذي كان من المفترض في الواقع المعاش ان لا يفارقه... فالزوجة (هدية) نظيرة بطل الرواية ذاتها بجمالها الذي يتذكره، وقد سلب له لبه في السابق، صارت اليوم زوجة رجلٍ آخر، وكانها من اركبته الريح، واقصته الى خارج الزمن الذي يصرّ عليه، بعودته، لتتزوج من غيره، وليس الزمن الذي عاد اليه، من بعد عود حسن، فوجده مختلفا فوق مكان قد صار اكثر ضيقا، وكانه يعيد النظر بالتاريخ من اجل مقارنة تعيد له ما افقدته الايام، وما ضيعه من احلام.. فغالباً ما تساءل (ميشيل فوكو)  عن أباطيل خطاب الأطباء العقليين النفسيين Psychiatres. متابعاً سلطة الطب العقلي النفسي، مثلما حضرت سلطة الطبيب المدقق في خلايا من يمثل امامه، (هي ليست في النهاية سوى أداة ضرورية تسمح للطبيب العقلي النفسي ممارسته سلطته على المريض. إنها لعبة فريدة للحقيقة يكون الطبيب فيها مداناً في أنه عبر المريض ينتج الخطاب نفسه الذي يسمح له بمعالجته). والطبيب تختفي آثاره، ويكون الحضور للمريض فيحكي حكايته، (ها أنت قد عدت مهموماً لائذاً بالغرفة التي اشبعتك احلاماً، وتخيلات لا قدرة لك على ازاحتها لانها تأتيك على مر الثواني كأمواج الفرات- الرواية ص18). كأن السؤال الاعظم الذي يشغل المبدع، هو الوجه، الهوية المفتقدة طوال تلك السنين التي عاشها مغتربا داخل ذاته بعيدا عن عالمه الذي من المفترض ان يكون به ليكمل حياته على اكمل صورة يتمناها البطل المؤلف. (اذ لا طبيبه استطاع الأخذ بيديه، ولا صاحبه كشف عن وجهه وتعرف عليه- الرواية ص70).  واكد فليلسوف الجمال (هيغل) في موسوعته (ان على الفنان الذي يؤدي عملاً موسيقياً، ان يتقيد بلا تحفظ بطابع هذا العمل الموسيقي، وأن يكون أداته الطيعة. ولكنه إذ يبدي هذه الطاعة، لا يحق له، كما يحدث في الكثير من الاحيان، ان ينزلق الى مستوى المنفذ اليدوي البسيط، على غرار من يكتفي بادارة مقبض الأورغ الشعبي. وهنا، حتى يتاح لنا ان نتكلم في هذا المضمار، ايضاً، عن الفن، نقول انه لا بد للفنان، بدلاً من ان يوحي الينا بأنه محض انسان آلي موسيقي لا شأن له غير ان يتلو درسه ويردد آلياً ما لُقّنه، لا بد له من ان يمتلك القدرة على بث الحياة في العمل الموسيقي في الاتجاه الذي أراده له الملحن، وبروحه بالذات). والرواية استخدمت الحوار لاختزال مسيرة سرد طويل عبر زمن ليس بالقصير، وجاءت كتجربة عراقية، ترفع صوتها عاليا، كونها رواية اعتراض، واحتجاج على زمن مضى العراقي فيه محاطا بالعوز الدائم، ومقصياً عن دوره الفاعل في الحياة، ورغم كل شيء له الرغبة بان ينهض من الركام ليقول في المرآة:- (ايها الوجه الجميل.. سنعيش معاً حياة جديدة- الرواية ص 72).



‏السبت‏، 12‏ مارس‏، 2005


Author's Notes/Comments: 

mu29@hotmail.com محمد الأحمد  


View alahmed's Full Portfolio
tags: