ادباء الحواسم

أدباء الحواسم جيل ليس جديد

محمد الأحمد

أدباء الداخل اغلبهم من ضحايا المؤرخين الحاذقين، و(المصنفين الداعية الذين ربحوا الجولة السابقة، وهاهم بمناصبهم الجديدة يربحون الثانية)، فأدباء الداخل خليط متجانس من أدباء كبار وصغار، حقيقيون ودعاة، حساسون، و(ثقافيويون )... كل منهم كان يعمل في عملّ يسدّ به رمقه من الجوع الكافر ، بعضهم كان ولم يزل، بكبرياء عال، ولم يتخذ من الشيطان وليا، فبقي إلى يومنا هذا يقرا و يكتب لنفسه، أو لمقربيه ولا يفكر بالنشر، قطعا، إذ بقي محترما لذاته لأنه قد رأى ما لا يرى، وتعقد خوفا من التلوث الذي مازال يظنه يلحق به، كما لحق بالنماذج التي رافقته، في مسيرته كقارئ، والبعض الثاني كان يكتب ما لم يكن لزمانه، فقد صلح ليومه وما لا يصلح ليومنا هذا، من أدب المناسبات التعبوية، والبعض الثالث انخرط متكسبا وراء اللقمة السائغة التي كانت تنزل من بعد تمجيد ما لا يمجد، وتأليه ما لا يؤله، وحقا حصل ذلك من الأغلب المعوزة، وحصل (القائد الضرورة) أكثر مما يستحق من صيرورة، والبعض الرابع بقي يكتب باسم آخر، مبتكر له (لغرض المكارم)، وقد غيره بعد السقوط، أي عاد إلى اسمه الأول، ظنا منه بان الذاكرة الأدبية سوف لن تنسى طريقة الكتابة، ونفسها، وعمن تدل، والبعض الخامس، كان يكتب إلى كل منفذ يراه في الصحف العربية. خاصة تلك الصحف الخالصة التي كانت تبحث عن المادة قبل أن تبحث في الاسم، كان الكاتب العراقي مرموقا، وكان الكاتب العراقي يسند العراقي الذي في الداخل، وكانت الكتابة العراقية تزدان بها الصحف المختصة متفاخرة بما تحمل من نتاج طيب اغلبه كان عراقيا، وان لم يك فان تقليدا لفرض عراقي البصمة. كان الكاتب الأديب المبدع معطاء، ويحفر بالصخر. فنقول للمنصف غير المنصف (كنت كنهج اللذين سبقوك في النهج الفكري كما تلعب بالبيضة والحجر، ولم تترك بابا إلا وتريد طرقه، لكي يقولوا بأنك المثقف الأوحد وعالم العلماء، بين فلاسفة الزمان. فكنت تارة تسمي كل من لم يكتب لبغض النظام مؤشرا عليه بأصابعك الخمسة بأنهم من الخونة، والعملاء، والجواسيس، حتى جعلتنا نفرّ خوفا على رقابنا من مقهى (حسن عجمي) التليدة، هربا صوب مقهى (الشاهبندر) خوفا من إذنك المتحسسة). فنهجوا الأدباء هاربين صوب العزلة يراسلون بالورق ما يمكنهم نشره، وتحقق المراد دون علم الأعلام وعلم من كمن لهم بيننا، وكان الاسم من الداخل يتكبر عليكم، وكنتم خير امة أخرجت للشمس يوم سقوط الطاغية (كما يسميه الدينيون)، (فيا ترى كم من وقفة وقفتم أمام قيادات الفرق متعددة الجنسيات في الشمس، تعلنون عن بضاعتكم، وتسرحون باسم العهد الجديد والتهليل له، فلن استبعد منكم الأكبر، والأبلغ، ظناً). وعندما كنت ادخل إلى مقهى (حسن عجمي)، كنت أرى (أراكم تبحون بالضحك، الضحك المتواصل حتى تشققت أفواهكم من التملق وكلما كان ذلك الرجل احد أعلام الثقافة (الصدامية )، وقد عرفنا السر بأنكم كنت تحبونه إلى يومه الأخير، وكنتم تردون زيهم حتى 9-4-2003م، وتبالغون في القص الثقافي والشعر البطولي والضرورة القصوى والنهاية المحتمة للعدو الفلاني، فأي عدو كنتم تقصدون، وانتم ضيعتم علينا المفردات، ضيعتم علينا كل الحروف ونقاطها، ففي الخيانة كنتم مثلا لأصدقائكم ومحبيكم، وكنتم لإخلاص مثالا لأعدائكم وكارهيكم فأية طينة تلك التي جبلتكم). بقيت المسميات من بعض الهاربين مؤخرا يراشقون ويزايدون على من لم يحذو حذوهم، حيث لم يكن للباقين أية فرصة للهرب أو حتى للبقاء. فالشروط التعجيزية كانت تتراكم فوق الجمل فتقصم ظهره، حيث بقي الأديب في الداخل متقوقعا، متشرنقا حول نفسه، و ينظر متسائلا (من هو عدوكم حتى نعرف من انتم فالكل أعدائكم والكل في لحظة غيرها أصدقائكم وأحبابكم). ولا نعجب من أمر ذلك الشاعر (الذي دخل في احد الأمكنة وهتف عاليا بصوت جهور، قائلا:- من كتب لصدام فليخرج من هذه الباب.... وكأنني نسيت انه يحمل اسمه ونسيت بأنه كتب أكثر من ثلاثين معلقة تمجد القائد... وشككت بأنني أنسى وهو لم يكن كذلك، ولكن الذاكرة الجمعية لم تكلف نفسا إلا وسعها فهمهمت بتواصل عاصف، ولكنه لم يخرج من أية باب.. بل بقي مختالا فخورا)، فقد كان مختلا على الرغم من انه يحمل شهادة (د) ولكنه قد بقي يخسر بكل شهر مكافأة قدرها مليون دينار عطية المدح.. كنا نرى ونسمع عن هذا وذاك، فنحن نشهد بان جريدة الجرائد يومها لا تنشر لهذا المداح جديدا، حتى يقاسمه محررها نصف تركة القائد، وقد صار للمحررين سماسرة، يسهلون أمر القصيدة حتى يصل بها التكريم إلى مصاف الصفية.

وكان (المصنف المفذلك) واحدا منهم، وحتى سمعنا من مصادر كانت تجلس خلفه في المقهى (كيف كنت تجري التعامل مع أبيك الروحي (رئيس التحرير)، فكنت تكتب إليه وشاياتك البغيضة ببضع كلمات مسمومة تمنع هذا من النشر، أو تفتح لذلك أفقا)، والله قد تعبت الكلمة في وصفكم، وأنا اعلم بأنكم مثقفي (مهنة) ولستم مثقفي حقيقة. لأنكم لا تأتون بفكرة جديدة، ولن تأتون إلا اجترار ما يجتره المجترين، حيث ثقافتكم سماعية، منتخبة لصالح من يدفع نقدا (فلوسا)، وليس من يدفع بالفكرة التي تحرر الفكرة. فكفى رياءا ومسميات.. المبدع الحقيقي مازال مستقلا مثقفا (تعريف للثقافة:- استقلال)، غير مروجا لأية أفكار سوداوية.. فصدق المثقف الحقيقي هو صدق وثيقتة، فأي وثيقة تظنها تكون وثيقة التشويه، (لبس لكل زمان قناعه الذي يليق، وعبر البحر متسللا، ونحن نعرف بأنك لا تعرف السباحة، ولن تعرفها). كفاكم طغيان ايها المصنفون استحلفكم بما تعلمتم من طغيان مر عليكم، (فأنت الحاسم والجاسم والقاسم والقاثم والهاشم (أسماء الثريد) بالقراءات العربية، أشهرها)، ولأننا نعرف خرائط اشتغالاتكم، ونتنكر بشدة لكل خطوة من خطواتكم الثقافيوية.. (ليس لأنك تؤمن بعدم ارتدائك لربطة العنق)، ولكن لان فلسفتكم منتهية عند حد لا يقبلها العقل، فإذا أردتم أن تحدثوا العاقل، فحدثوه على الأقل بما يعقل. وخلاصة قولي عانينا بسبب البغض الذي تكنونه لأي مجتهد، وقد مضى ما مضى وكنا نتحسر على لفة (فلافل) كما نتحسر على نسخة من كتاب مستنسخ، وكنا نقبل بمكافأة قدرها (ألف) و لا نرضي أن يناوشنا أحدا منهم مكافأة كبيرة من تحت الطاولة عن اسم مستعار، يمدح قائد زمنه (كما أنت كنت تفعل أمس واليوم). فقد حسمت الأيام بالأيام، وسوف نقدم الدليل. فانتم أيها المصنفون قد صنفناكم (حواسم!) قبل أن تصنفونا، ونعجب لقراءة لا توقظ من جهل.

mu29@homail.com

‏الأحد‏، 28‏ آب‏، 2005

View alahmed's Full Portfolio
tags: