عن حسن كريم عاتي

ناراتوجوجية الرد الحاسم

قراءة في قصة

بقلم

محمد الأحمد

قصة (ليل الذئاب) المنشورة في مجلة الموقف الثقافي في العدد ذي الرقم 35 / تشرين الأول/ 2001م.

مادة شيقة تكامل فيها كل ما يؤشر لصالح الكتابة المبدعة، حيث جاءت بلغة متينة ارتقت إلى التعدد في المعنى.. لتقرأ اكثر من مرة بتمحيص بحثا عن الاكتشاف الممتع لما فيها من جهد أنساني رفيع يبشر بتأشير جليل على خريطة الإبداع العراقي المتمكن… تبلورت في جملة جماليات مقتدرة أجادها القاص (حسن كريم عاتي) بسرد استنبط الأسس التي قامت بعقلانية من خلال نظم واضحة التعبير حكمت نتاجه و تلقيه..في قص يأخذ القارئ ليركب بحرا عظيم اللجّة متلاطم الأمواج، ما بين موت محدق، وحياة حرّة كريمة..قصة مواجهه ذئب جسور وأنثاه الشرسة..بتحدّ هائل الوقع أتقن تصويره بموضوعية حاسمة دقيقة التفصيل…بدأت فيها أنثى الذئب بالعواء التواصل لاجل ذكرها المقتول في غارة على قطيع تعودا النهش فيه كل ليلة حدّ النفاد..ذئبان قويا الشكيمة..هما اللذان تحديا الإنسان، وكلبه، وقطيعه..بعد أن  تعودا على إهانة ملكيته، وهدر كرامته…صار الصراع حتميا لن ينتهي إلا بالفصل القائم بالسلاح المواجه بكل مشروعيه، وعقلانية..مصرا فيها الإنسان على احتراف قدره العظيم في الغلبة الدائمة على ظهر هذه البسيطة.. حيث يحتـَفـر حفرة دفاع أعدت بعد تفكير ملي..لذلك الشأن وبقي بداخلها في ليل طويل ماطر، متشبثاً بالبندقية حبل خلاصه الذي لا يريم، إذ يصيب مقتلا في إلتماع العينين المتوقدة بالفتك ..بعد صبر، وخبرة الأربعين الرصينة. تندلع أوار معركة إنسان غيور مع ذئب ضروس ذي أنياب قاطعة جعلت قطيع الخراف، والكلب رفيق الإنسان الدائم في السراء والضراء في حالة من الهلع الدائم ..نمت من خلال الوحدة السردية للكاتب عن معرفة طبائع الذئب.. يعتمد الذئب اتجاه الريح في الصيد.سرعته في اختطاف فريسته، و العواء المتصل الذي تطلقه الذئاب عندما تفقد الذكور إناثها، أو العكس. إضافة إلى الذئبة تحفر للدخول إلى الأماكن المستعصية.

أجاد الكاتب المعلومة بدقة ثاقبة، مضفياً عليها الحبكة القصصية المقنعة (وهي من أهم مقومات الإبداع الفني..في كل الأشكال الكتابية على الإطلاق).. تقمصاً مجيداً لحالة الدفاع عن المال والعرض، بدقة جعلتنا نخاف خوف بطلها، متسلحين بإصراره، نسمع بأذنه، و نتوكأ على رصاصة أخيرة بقيت لنا في حجرة (السبطانة)‍‍‍ .‍‍

كشفت لنا معرفة طبائع الخراف..من خلال اضطراب حركتها داخل الحضيرة تعني بدء هجوم الذئب، و موقع الذئب من خلال اتجاه نباح الكلب  إضافة إلى بول الحملان من جراء الخوف…معرفة مدى رعب الخراف من جثة الذئب القتيل…فجعلنا في داخل القصة نترقب لما سيحدث… متحسبون مع المؤلف للأنثى (الذئبة) التي بقيت تستميت لأجل جثة ذكرها، من بعدما حول الإنسان ساحة الوغى إلى كان آخر يتناسب مع الظرف الجديد.

بكيفية واعية نقل(الإنسان) الجثة (الذئب) إلى داخل بؤرة أخرى للقصة موسعا المساحة إلى مكان آمن ..هو الذي اختاره، ليتمكن من نقل الصورة إلى تحد آخر مجازف ..بعدما نفد العتاد إلا من واحدة، أبقاها العقل البشري الذي لا يفتقر للرجاح مع الحيوان..فأنقذته الطلقة الأخيرة في اللحظة الأخيرة.بعد أن حفرت الذئبة المستميتة تحت الجدار..في النقطة التي انتهى فيه اثر دم جثة الذئب القتيل..

تقول الناقدة الشهيرة سوزان لوهافر:( يمكن للحبكة أن تكون جزءاً كبيراً، أو صغيراً من الحدث الذي يتكون أيضاً من الفكرة أو الشخصية. بعدها عليه أن يقرر كيف يريد أن تكون ردة فعل القراء من شخوصه ، وهم في أوضاعهم- )..

عدة أسئلة يوجهها النص الواضح التأويل حتى يستطيع أن يثبت دعامة ذاته الواعية لزمنها..رغم اختلاف التفكير، فأنه قادر على فرض طرق قراءته..بمسارات حددها مسبقا الكاتب قبل الناقد..من أعماق نصه المسرود ضمن أعراف الحكاية التي يقول من خلالها خطابه، فالحكاية عمود كتابة القصة ،أو سياقها و مقومها الحيوي الموحد من الشوائب الذي يحوي الصيرورة الخالصة لوحدة التعبير…دونها لا يستوي تجنيس الخطاب. وكلما غابت في الحكاية المحبوكة ..صارت كتابة ساذجة لا ترتقي إلى الفن المقتدر، بدون الحكاية لن يستطع الحاكي اخذ قارئه إلى حيث متعته والحكم القاطع على ذلك الغياب في أية تجربة مهما عرض صيت قلمها، أو تأريخه.. بأنه يجرب جناحيه في جنس أدبي آخر غير القصة ..لان الكتابة المتفاعلة مع قارئها لا تتسم بالعشوائية، التناقض ،او عدم الاتساق..تقبل الفهم في كل سطر من سطورها، فالأدب هو تكامل العمل بذهن الأديب قبل تكامله على الورق، وهذه القصة تكاملت إلى حد ما في قياسات الأغلب - أنموذجا يحتذي به - حكاية مقنعة بموضوعيتها..ترتبط من حيث تشابه البطولة المحورية (رغم اختلاف التجنيس) بدقة رواية الشهيرة (الناب الأبيض - جاك لندن) التي كان بطلها ذئباً ..فيها سبر غور علم نفس الحيوان، وأيضا بذلك التحدي الملتهب بين الإنسان والسمكة في رواية (الشيخ والبحر- إرنست هيمغواي)، أو بين الإنسان والبطة الملكة في رواية (حين تركنا الجسر- عبد الرحمن منيف)…

أقول أخيرا:

ويمكن أن نقترح هذه القصة ردّا تنفيذياً على مقالتي الأستاذ (سامي مهدي ) كأنموذج معافى من أمراض العهد القصصي الجديد، والذي لم يأخذ فرصته في النشر رغم تعدد المنابر.

‏26‏/12‏/05

‏01:01 ص/م




Author's Notes/Comments: 

mu29@hotmail.com محمد الأحمد  


View alahmed's Full Portfolio
tags: