اليوت وأثره علي عبد الصبور والسياب -محمد شاهين



المؤسسة العربية للدراسات 1992



هناك مواضيع مفتعلة لا تنتهي في نتاجنا الادبي النقدي ، وهي بالسياق العام شديد الاضطراب والاعتباط ، لا تبدو مقصودة في افتعالها او واقعية ، علي اقل تقدير .

كتاب محمود شاهين الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وليد رغبة مفبركة في التوليف بين طرفين ، لانها تعتمد في افضل حالاتها علي توارد مفردات متقاربة (في الشكل دون المعني) بينهما ، بغض النظر عن ان هذه المفردات تنتمي ، كل واحدة، الي واد ولا يجمعها جامع. الكتاب ، مع المقدمة العامة حول اليوت في العربية ، يتكون من ثلاثة فصول صغيرة ، ولكي اكشف عن اول فبركة في تكوين الكتاب اشير الي علاقة العنوان الذي يوحي بالسعة والشمول بمادة الكتاب علي حقيقتها والتي تقتصر علي قصيدتين واحدة لصلاح عبد الصبور : لحن . واخري لبدر شاكر السياب : انشودة المطر ، والمفارقة بين العنوان الواسع والمادة الضيقة تأخذ شكلاً اكثر حدة حين نقرأ المقارنة النقدية ونتتبع لمسات التأثير فلا نجد الا بضعة كلمات ونثار جمل لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة في قصيدتي عبد الصبور والسياب . وفي قصائد اليوت التي يجدها المؤلف مصدرا ملهما .

وعبر مقاربة المؤلف التي تبدو ، للاسف ، مفتعلة وقسرية نجد لغته تغيب عن الوعي في مغلقات واستطالات واستدارات يصعب علي القاريء الامساك بخيوطها ، وهذه بضعة أمثلة :

* لغة اليوت .. هي نحت تصويري يكون مدخلاً لصورة ليست في بطن ا لشاعر ، نستطيع ان نخطف عليها بواسطة اللغة ، بل هي صورة تتكون معالمها عند القاريء من جراء التماس مع القصيدة . بعبارة موجزة شعر اليوت صورة تتشكل طوعاً في ذهن القاريء من جراء الاثارة التي تهيئها لغته الشعرية !!.

* يتشكل الايقاع الداخلي في (انشودة المطر)، كما هو الحال في (الارض اليباب) من حرية الحركة التي يحققها التركيب اللغوي في القصيدة ولا اريد ان اتحدث عن التفعيلة المناسبة ذات الجرس الموسيقي المعبر التي لم تعد خافية علينا ، ولكن أود ان اشير بشكل عام الي تحرر اللغة عنده من القيود التقليدية وهي تلك التي تتمثل غالبا في اختيار العبارات الشعرية المألوفة واتباع قواعد الكتابة النحوية التي تحافظ علي تسلسل الافكار بدلالاتها اللفظية المعجمية .. 11.

هل عرف القاريء شيئا ، هنا عن الايقاع الداخلي ؟ وهل التحرر اللغوي من القيود التقليدية هو هذا الايقاع ؟ ولماذا اوهم المؤلف القراء ، وقد ضرب صفحاً عن الحديث عن التفعيلة المناسبة ذات الجرس المعبر لأنها لم تعد خافية عليه ، بأنه سيكشف النقاب عن الايقاع الداخلي ، اذا كان هذا الايقاع العجيب هو تحرر اللغة من القيود التقليدية ؟!!

* وأي قراءة لأنشودة المطر خصوصا اذا قرئت بجانب (ماذا يقول الرعد ) ترينا كيف استفاد السياب من حداثة اليوت في تناول اللغة الشعرية .. ورغم ان السياب اخذ من اليوت ، كما ذكرنا سابقاً، نغم القصيد وموسيقاه ... .

طبعاً ، المؤلف ذكر سابقاً اكثر من مرة ان السياب أخذ من اليوت ، ولكن قاريء الكتاب يموت شوقاً ، مثلي، لمعرفة الطريقة والشاهد علي هذا التأثر. وطبعاً ايضا ، لا يتردد المؤلف من ان يسعفنا ببعض الشواهد علي هذا التأثير ، خذ مثلا :

اليوت : ماذلك الصوت الصاعد في الهواء نشيج نواح الامهات

وخفافيش بوجوه أطفال في ضوء الشفق .

السياب : كأن طفلاً بات يهذي قبل ان ينام

بأن امه التي أفاق منذ عام

فلم يجدها ...

اما في حديث المؤلف عن تأثر صلاح عبدالصبور فينفرد مقطع صغير من قصيدة لحن يقول :

جارتي : لست اميرا

لا ولست المضحك الممراح في قصر الامير

لأريك العجب المعجب في وضح النهار

انني خاو ومملوء بقش وغبار .

حيث ترد كلمة الأمير هاملت في فصيدة اليوت اغنية العاشق بروفروك ، وعبارة خاو ومملوء بقش وغبار في قصيدته الرجال الجوف .

View shamasnah's Full Portfolio